أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 3 مايو 2017

مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’ للشاعر الإسباني غارسيا لوركا تضيء الحاضر

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’ للشاعر الإسباني غارسيا لوركا تضيء الحاضر

محمد سيف 

لقد كتبت هذه المسرحية في عام 1936، أي في العام الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية الإسبانية، واستوطنت فيه الفاشية في كل ركن من أركان أوربا (مثل الآن ولكن بشكل أقل). أي قبل بضعة شهور على اعدام لوركا في غرناطة، من قبل فاشية الدكتاتور فرانكو. 
وتعتبر الجزء الثالث والأخير من ثلاثية درامية عن الأرض الأندلسية، وصنفت من بين أجمل ثلاث مسرحيات للوركا. وقد اطلق النقاد على هذه المسرحيات الثلاث، تسمية (الثلاثية الأندلسية): بدءا من مسرحية ‘عرس الدم’ في عام 1932، واستمرت مع ‘يرما الرقيقة’ في عام 1934، وانتهت أو بالأحرى توقفت مع مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’، مع توقف قلب الشاعر نفسه.
إن مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’ تعتبر ميلودراما ريفية، ولكنها تتطرق أيضا إلى موضوعات مثل الاستبداد، والذل والخضوع، وبشكل خاص النساء المحجوزات، واللواتي يعانين من عقوبة مزدوجة. ولحسن الحظ، أن هذه الاستلابات تنخفض وتقل حدتها وقسوتها من وقت لآخر، وذلك من خلال الروح المتمردة، التي تبدو مثل الربيع والنهضة التي تجعلنا نحلم.

الحبكة

تبدأ المسرحية بقداس مهيب في كنيسة جا اليها الناس من كل صوب، لحضور جنازة زوج ‘برناردا ألبا’، المرأة القوية التي بمجرد ما تنتهي مراسيم دفن زوجها، تعود إلى البيت وهي محاطة ببناتها، لتقول لهن: إن الحداد لدينا ثماني سنوات، ينبغي الا يدخل خلالها من أبواب هذا المنزل ونوافذه حتى هواء الطريق. إن هذه الجملة بمفردها تصبح المصباح الذي سيضيء لنا عتمة ليل شخصيات هذه المسرحية ودهاليزها الخفية، لا سيما أن ‘ماريا خوسيفا’ التي يناهز عمرها الثمانين سنة أم ‘برناردا ألبا’، تحلم بالهروب والزواج (من فتى جميل يأتي من ساحل البحر، طالما ان رجال هذا البلد المشؤوم يهربون من النساء). وهناك أيضا الخادمة ‘لابونثيا’ عمرها 60 عاما، وخادمة أخرى بعمر الخمسين، و بنات برناردا ألبا الخمس: انجوستيا 39 سنة، مجدالينا 30 سنة، أميليا 27 سنة، مارتيريو 24، و اديلا 20 سنة… أجراس الكنيسة، صراخ الطيور الجارحة، مرور صخب وفرح الفلاحين القادمين للتو من الحقول، وهذا هو صوت الشارع الذي يخترق حياتهن من خلال مصاريع خشبية.
إذن، تتحدث المسرحية عن عائلة تتكون من النساء فقط، نساء محرومات من حريتهن، معزولات ومنعزلات خلف قضبان نوافذهن، مثل السجينات تماما، ولا يتمتعن بأي حق من حقوقهن لا النسوية ولا المدنية، وإن الطاغية التي تحكمهن، امرأة أخرى مثلهن ومنهن وفيهن، فهي والدتهن، القاسية، والصارمة التي تهيمن على البيت، ومن فيه بقبضة من حديد، محولة حياة بناتها إلى جحيم يومي، إذ ليس هناك مكان للمرح والضحك والفرح، وكل شيء يجب أن يحكم إغلاقه، الابواب، الشبابيك، وحتى الستائر يجب أن تسدل، ولا مجال لتسرب الضوء إلى المنزل، فالحزن الذي تعيشه هذه الأرملة يجب أن تعيشه بناتها أيضا، وجميع من في البيت من خدم، غير مبالية بمستقبل بناتها، اللواتي تجاوزت أصغرهن سن المراهقة وبات العمر يجذفهن نحو ضفة العنوسة. ولكن حتما هناك استثناء للقاعدة، ويتجسد في شخصية صغرى البنات ‘أديلا’، التي تفوز بقلب الشاب ‘بيبي الغجري’، البالغ من العمر الخامسة والعشرين، الشخصية الذكورية الوحيدة الذي تحوم حول شبحه جميع البنات، خطيب كبرى البنات ‘أوغستيا’ البالغة من العمر اربعين، ومن الطبيعي أن يكون محطة أنظار الجميع، نتيجة للحرمان الذي تعاني منه البنات المحبوسات في قفص برناردا ألبا الجحيمي، ولكن أديلا التي تفوز به في النهاية، وتطارحه الغرام خفية في إسطبل البيت. أديلا تصبح حاملا، فتكبر بطنها شيئا فشيئا، ويكبر معها اللغط والهمس الانثوي، وتبدأ الشكوك، ولكن لا احد يستطيع أن يعرف بالضبط، من الشخص الذي تحمل اختهن الصغيرة منه، في البداية يكون ‘بيبي الغجري’ بعيدا عن الشبهات، ولكن ‘مارتيريو’ التي تعشق بيبي بالسر، والتي تغار من عدم اهتمام هذا الأخير بها، تكشف امرهما، وهنا تتم المجابهة والتحدي، لكن ‘أديلا’ لا تخفي او تتنكر لحبها، بل على العكس، تصرخ بأعلى صوتها الذي يصل إلى اسماع ‘برناردا ألبا’، التي تثور بدورها، فتطلق النار على ‘بيبي، ولكنها لا تصيبه، في هذه الاثناء، وتجنبا لثورة ‘برناردا ألبا’، تدخل ‘أديلا’ غرفتها لتشنق نفسها وتضع حدا لجحيم حياتها، وهنا، وأمام هذا الموقف المأساوي الحزين الذي يحرك مشاعر اعتى الصخور صلابة، تتمالك ألبا’ نفسها، وتعلن بكل فخر وغطرسة، أمام أهل القرية، بأن ابنتها قد ماتت وهي عذراء، تحتفظ ببكارتها، وهكذا تستمر دوامة الحياة الكئيبة في بيت برناردا البا، مثلما كانت من قبل. 
إن المعالجة التي اعتمدتها كل من المخرجة ‘كارول روانغ’، والمترجمة والدراماتورج، ‘مالي مولر’، تكاد أن تكون محايدة، وواضحة بشكل كاف، الغرض منها، اقامة علاقات ودية، وقراءات حميمية شخصية، وقيادة الممثلين، وتنشيط حالاتهم الشعورية، وتشجيعهم على التفكير، على حد سواء. إن مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’، تجمع نظاما من الشخصيات الأصلية في موضوع معاصر بشكل غريب: من ناحية، أن الدراما ترتبط في صورة ريفية مصغرة، وتقترح صورا نسائية حصرا، ومن ناحية أخرى ان القيد الأسري يقدم بطريقة رمزية، عالما عقيما، وغير إنساني على نحو متزايد، حيث تتواجه فيه استراتيجيات البقاء المختلفة، مع حكم، وفكر ايديولوجي سلطوي يتمثل بالأم المستبدة. إنها المسرحية تحتوي على شخصيات استثنائية، مرة تكون محببة، وأخرى، مثيرة للقلق؛ تحتوي على كائنات بشرية محاصرة في حياتها من الحياة نفسها، ولم تختر أن تكون نسائية مظلومة. فبنات ‘برناردا ألبا’ يشاهدن شبابهن وهو يذوي أمام أنظارهن، من خلال ستائر شبابيكهن المنسدلة. كل شيء محظور ومكبوت، باستثناء ممارسة الخياطة والتطريز. وليس هناك ثغرة واحدة، ولا أمل في منظور هؤلاء الفتيات المحبوسات، اللواتي يجب عليهن الانصياع الى القوانين الدينية والاخلاقية الصارمة، باستثناء ‘اوغستيا’، الابنة من الزوج السابق، الذي ترك لها ابوها أموالا كثيرة، الأبنة الغنية، وهذا ما يجعل أنظار الرجال تتهافت عليها. ولقد ارادت المخرجة، أن تشير إلى هذه الفوارق، سواء تلك التي تتعلق بالأعمار، أو المستوى الاجتماعي والمادي، وأن تؤكد على التحركات الوجودية لطبيعة الشخصيات الحقيقية، التي لا تعرف حقا من هي، وماذا تريد، أو التي لا تتجرأ على تحمل تبعات رغباتها الدفينة.
إن النص لا يخلو من اللمسات الشعرية الرصينة، وهذا بحد ذاته استجابة غنية وعملية بارزة ودراماتيكية، تجعلنا نتساءل بشكل جوهري حول الحرية الفردية. فمن خلال شعريته، نسمع الأنين والصراخ اليائس لنساء حبيسات الظروف الاجتماعية، والتقاليد التي تخفي وجوههن الحقيقية، وضحك الآخرين الاصفر، والمرض والغيرة، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية التي تحتاج إليها حريتهن، التي يتهربن منها بجبن. بلا شك هناك ‘أديلا’، المتمردة التي ترفض الأخلاق المزدوجة، والتي تؤكد على رغباتها واختلافها، وبالتالي على حاجتها إلى الحرية، وإن شبابها ومزاجها، يعطيها الرغبة في عيش الحياة على أكمل وجه، وهذه الثقة البسيطة في مصير شخص حر. وتكون هناك بالمقابل، مارتيريو، الغيورة والمحبطة. إننا أمام نساء رهينات بين عالمين، عالم قديم يحميهن، ولكنه يطالبهن في نفس الوقت، بالتضحيات المؤلمة، واحتمال عالم جديد كثير الوعود، ولكنه مجهول غير معروف، ولا يشجعهن على اتخاذ القرار. فهن لا ينساقن وراء امهن، ولا وراء تمرد اختهن الصغيرة أديلا، وأخيرا، إن التردد واللاقرار يصنع منهن شخصيات رمزية في دراما تتحدث عن جيل، أغلبه قد ترك نفسه منقادا وراء الطغاة، وخاصة، مثلما نقول، وراء الرجال الأقوياء. إن مارتيريو التي تترك اختها أديلا تضحي، تذكرنا بصورة الوصف الذي قدمه الروائي ‘هيرمان بروش’ عن شخصية عاجزة وجبانة تحمل نفس الاسم، في رواية ‘غير المسؤولين’. إنها شخصية سلبية، حتى وإن كان سلوكها قانونيا، لا يشير إلى ذنب من الذنوب، ولكنه سكوتها نوع من التواطؤ الذي يسمح بارتكاب ابشع الجرائم الشمولية. وهناك أيضا ‘ماجدولينا’، ذات الطبيعة السافلة، والمتعددة الوجوه والجوانب، والتي تميل إلى الهرب الحياة، نحو الحنين. وكذلك، أولغا، وهي شخصية جديدة على عوالم المسرحية، عاملة البيت البولونية الأصل، التي تعاملها الأم مثل خادمة، في حين ان بناتها الأربع وخاصة مارتيريو، يعاملنها مثل أختهن الصغيرة المتبناة، وأخيرا، هناك أوغستيا، التي تستوعب جيدا قواعد اللعبة، وهي انتهازية وتتكيف سريعا مع ما تفرضه امها من حصار على مخلوقات البيت جميعا. وهي التي تختارها امها في النهاية، للزواج من بيبي الغجري، كنوع من المكافأة التي تمنحها لها نتيجة لطاعتها وولائها الأعمى لها. فهي تتكيف بسهولة مع القوانين الاجتماعية والتقاليد المحلية، وهكذا أصبحت المستفيدة الأولى من النظام الذي انتجها. وإذا كانت المخرجة قد اسندت هذا الدور إلى شخصية رجل، فليس من اجل تقديم لمسة جنون باروكية على العمل، أو الاشارة إلى الشذوذ الجنسي للوركا، وانما لاقامة أو اظهار تباين جسدي مع الأخت الجميلة التي تهرب مع بيبي الغجري؛ ومن أجل تسليط الضوء أيضا، على الكيفية والقدرة التي يستطيع فيها الانسان ان يتجاهل طبيعته الحقيقية، من خلال نسيانه للذات، وأن يشغل منصبا، أو وظيفة لم تخلق له، أو يفترض أن تكون لشخص آخر.
لقد كان للموسيقى دور حيوي من خلال وسائطيتها في الاحداث، ومرافقتها لها من قبل عازف البيانو الذي كان يراقب الاحداث، وهو في الظل، ويعلق عليها بنوع من الغموض، بحيث يتصرف أحيانا بنوع من التلاعب الرصين، وأحيانا يكون معلقا محايدا مثلما كان العالم السينوغرافي للعمل المسرحي، مزدحما بالظلال، والتناقضات البصرية الغنية. وامتلأ المكان باللونين الاسود والأبيض العزيزين على لوركا، وظهرا كما لو انهما اللونان الوحيدان على المسرح، على الرغم من وجود ألوان أخرى ذات دلالات متعددة، مثل الاحمر الذي كان بلون الدم، واللون الوردي الشاحب، وهكذا استطاعت المخرجة ‘كارول ورانغ’ احياء هذا العالم المغلق بأبوابه الموصدة، بدقة وجوده، اشعرتنا بثقل احباطات الماضي، والاحلام، وكذلك الغموض الذي يحيط بدوافع الام المتعسفة.
إن الأُخوةَّ التي تتمزق على طول وعرض المسرحية، تكشف لنا عن مدى قوة المستبد، وعن الكيفية التي يقود بها الشخصيات التابعة له، وكيف يعلمهن، بشكل من الأشكال، العجز والخنوع، في كل مرة يَشْعُرنَ فيها بأنهن مهددات، والسبب الوحيد من وراء كل هذا هو الأنانية فقط.
نحن نعتقد ان مسرحية ‘بيت برناردا ألبا’، ليست دراما ريفية فحسب، وإنما هي دراما رمزية، أو قصة رمزية، أذا صح التعبير، حيث جعل غارسيا لوركا، وبدراية فريدة من نوعها، من الهدير المهدد للعالم الخارجي، يرن بقوة، ويكون له صدى مدو، وذلك من خلال الاصوات الذكورية، الغائبة جسديا عن خشبة المسرح، ولا يراها الجمهور، إلا مثل خيال، أو شبح يحوم حول الرغبات الظامئة لفتيات لا حول لهن ولا قوة، ومن خلال حرمان أم شابة تدعى ‘أديلا’، وأجراس الكنيسة التي تقرع بكل قوة …. حاولت المخرجة ‘كارول روانغ’ أن تضيء مناطق معتمة في المسرحية، واعطائها المنطق الذي يجعلها مسموعة اليوم، وهكذا انتجت عرضا ذا نوعية عالية، بحيث انه إذا كان هناك تفسير شخصي للمخرجة، فإنه لا ينتمي أبدا إلى البدع، وإنما إلى التحليل المعقول ذي المصداقية. ولقد سلطت الضوء على الشخصيات، بتوجيهها أداء الممثلين بشكل مدروس، مما أظهر الفروق الدقيقة المختلفة التي تعيشها، بحيث جعلتنا نشعر، نحن المتفرجين، بالاختناق الذي تعاني منه الشخصيات، والرغبة المكبوتة، وكذلك المسيرة البطيئة نحو نهايتهن المحتمة.

---------------------------------------------
المصدر : القدس العربي 

الثلاثاء، 2 مايو 2017

مسرح الغضب إستمرار النهج المعارض

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الغضب إستمرار النهج المعارض


بعد تجاوز فترة الحرب العالمية الثانية ومارافقها ،ظهر مسرح الغضب كأحدى علامات الاحتجاج السياسي في المسرح البريطاني وتزايد فترة الحرب الباردة التي سادت بين قطبي السيطرة الدولية استمر مسرح الغضب في محاولته للتأُثير ،من خلال رفع الشعار السياسي والثقافي ووضع مرجعية عملية من خلال إدانة ماضي الحرب وكذلك مقاومة السياسات القمعية الفاشية الديكتاتوريةوفضح القرار الذي ساد وهيمن على السياسات الدولية مثل حالة التواطؤ والاستعداد لصنع الحروب والغزو وأشكال الاحتلال .

أعد كتاب المسرح الخشبة لاستلهام وكتابة وتمثيل تلك الوقائع من خلال مسرح محدود ومنظور يقدم ببراعة وذكاء ومضات فكرية تهدف الى رسم شكل القادة ومسرحة خططهم ، كان أولئك القادة قد برعوا في الايغال وهم يتنكرون لتنفيذ أفكارهم وفق قالب مسرحي قد أُعد بإتقان مذهل ترافقه البلاغة والمؤثرات المطلوبة وخاصة المارشات الموسيقية العسكرية وبيانات الخديعة الحربية .

 تلك العوامل تفسر بوضوح الثورة التي اندلعت وتمخض عنها استمرار مسرح الغضب والذي ظل يمثل معركة وتظاهرة غير مباشرة وحالة اشتباك مع القرار السياسي ، هذا هو التفسير الحقيقي للإنتاج المسرحي .

الذي ساد في إنجاز العديد من المسارح المتقدمة وخاصة في بريطانيا ، كان دور مسرح الأحتجاج أو الغضب هو كسر أسلوب سطوة القرار السياسي وتجنيب البشرية حدوث حروب اخرى مدمرة وذلك من خلال تناول الحقائق المغيبة وكشفها دون خوف أو وجل هذا الأمر قاد الفنان الى حقيقة التحرر من الوهم او الرغبة والقبول بكل مظاهر العسف المترتبة على تلك الدعوات .

كما هي الحال في مسرحية الكاتب – ارنولد ويسكر – " حساء دجاج بالشعير " التي ظهرت في العام 1958 وهي من بين نصوص كثيرة هاجمت الإيديولوجيات السياسية وزرعت الشك ومدته بالتنامي حول مجمل التغييرات السياسية والاجتماعية والقوانين .

وهي ايضا رصدت خيبة الأمل وحالة الوقوع في الوهم الكبير ورسمت صورة واضحة لتلك السياسات البرلمانية الفاشلة إبان الصراع الصناعي ومخلفات أزمة الحرب العالمية الثانية ، قدم الكتاب في المسرح وجهات نظر سياسية بديلة وتتعارض مع القرار المفروض من قبل السلطة .

 هذا الإتجاه مهد الطريق فيما بعد لظهور نصوص مهمة وكذلك اعطى الدعم لاستمرار مسرح الغضب كما هي الحال في المسرحيات التي قدمت في فترات متلاحقة على خشبة المسرح البريطاني مثل " القضاء والقدر – أعياد أول مايو –حياة الولد الصاخب – عاطفة في 6 أيام – الطفل الحزين "، ونجد في تلك النصوص ان مسرح الغضب قد تميز بلغة الهجاء والسخرية التي تطلق انتقادات لاذعة وذكية ، كما هي الحال في مسرحية "قوة الكلب– لباركر ، والعيد العنصري– لإدجار ".

ساهمت تلك المسرحيات من منطلق التحذير من الكوارث التي عصفت بالمجتمعات ومقاومة المنطق المزدوج الذي يعمل على إيجاد أرضية للحرب الجديدة، وجد الكاتب المسرحي تكيفا في مجال كتابة الدراما وإعداد السياقات المسرحية المناسبة لتلك المسرحيات التي تم نشرها .

ونجحت في جعل مسرح الغضب في حالة توهج مستمر وهو يهاجم ظروف الحرب الباردة وتردي القوانين بشكل عام ، حدث بقوة رفض الإنزلاق في حروب كونية جديدة وأيضا رفض إطاعة القبضة الإيديولوجية أن الملامح التي ظهر بها العرض المسرحي الغاضب الحي ، كانت تتمثل في قدرته الكبيرة على توظيف المقولة والحدث والمكان لتلك الصور المسرحية المستعارة الغاضبة .

أيضا نتج عن ذلك رسم أمكنة ومواقع في تلك المسرحيات وهي تكشف عن فداحة الخسائر البشرية والمادية لو تم تنفيذ تلك السياسات اللاإنسانية الغاشمة والتي تمثلت فيما بعد بظهور الموجات الإرهابية والمؤسسات المتعددة الجنسية وكذلك وكالات الاستخبارات وتجار المخدرات.

 الى جانب التحذير من قضايا التلوث البيئي والإنفجار السكاني والإنتشار المكثف للسلاح النووي واستنفاذ المواد الأولية وزيادة نسبة الفقر ، استخدم مسرح الغضب كشف المسكوت عنه في الجانب السياسي من خلال التوليف المستمد من المثيولوجيا والفولكلور الشعبي وإشاعة روح الكوميديا لتقليل الرتابة والملل ودقة الحوار في الوصف والابنتعاد عن العبارات الرنانة الطويلة والتحذير من أهوال الحرب التي لن تكون بعيدة وإذا وقعت فلن تكون ثمة نهاية لها وتآكل الفكر الحزبي .

 كل ذلك كان يجري توظيفه من خلال حبكة مسرحية متقنة الصنع لها ذروة قوية وأعماق تكشف عن صراع قوي متصاعد .

 تؤكد أغلب مسرحيات مسرح الغضب على قدرة الأفراد في مجال التجربة البديلة واستلهام التاريخ الشخصي للقادة وأصحاب القرار في حالة توثيق يسبر أغوار تفاصيل معقدة تحتفي في الغالب بالتعبير عن الذات في ثقافة جديدة تعارض التدمير البشري.


-------------------------------------------------

المصدر: د.شاكر الحاج مخلف - الإعلام الجديد 

الأحد، 30 أبريل 2017

مسرح شكسبير اللندني يؤدي إلى روما

مجلة الفنون المسرحية

مسرح شكسبير اللندني يؤدي إلى روما

شكسبير يصور سواد الناس خرافاً، والزعيم الماكر ذئباً جائعاً للسيطرة بخطبة عصماء منمقة، ينقلب الناس على الجنرال بومبي ويبايعون قيصراً.

في عيد ميلاد شكسبير، الكاتب المسرحي الأعظم، يغدق مسرح شكسبير الملكي من ميزانيته على إنتاج مسرحيات شكسبير الرومانية جميعها، “يوليوس قيصر” و”أنطونيو وكليوباترة” أولا ثم “كوريولانوس” و”تيتوسأندرونيكوس” من بعدهما.

ترامب في السلطة فارضا شعبوية لن تداويها الديمقراطية؛ وبريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي مهددة بفوضى سياسية واقتصادية واجتماعية؛ وتعريف الصالح العالم يختلف الآن بين الحاكم والمحكوم اختلافا جذرياً. حقا آن الأوان لأقسى مسرحيات شكسبير دموية وأكثرها تشبعا بالسياسة، التراجيديا الملحمية “يوليوس قيصر” التي يتواصل عرضها حتى التاسع من سبتمبر المقبل في بلدة ستراتفورد-أبون-آيفون، مسقط رأس الكاتب.

في “يوليوس قيصر” ينفرط بلا كابح عقد السباق على حكم امبراطورية العالم. وتتردد في آذاننا البروباغندا السياسية بأطيافها، اليمين واليسار والوسط. وكلهم بلا استثناء يخاطبون الجموع طمعا في “أصواتهم”. يرتفع ستار العرض عن ثلاثة سياسيين عراة الصدور يجثمون على ثور هائل تحت أقدامهم. الثور يحتضر على أثر الضربات والرجال يقيمون الشعائر ويخضبون أجسادهم بدماء الجثة. من الذي يغتاله الساسة؟


ديمقراطية دامية

يؤوب قيصر من أتون الحرب، متوَّجا بهالة الانتصار. يختال أقوى رجل في العالم اختيالا، بيد واحدة يهيمن على منطقة تترامى من إسبانيا إلى بلاد الشام. وعلى خلفية من نشوة الغلبة، ينشب التمرد بين أروقة البرلمان. يوشي واش بأن قيصر، الإله الخالد حينذاك، يخطط لأن يتوج نفسه ملكا. هو في موقف القوة وله أن يستهزئ بالقواعد.

ولكن روما الجمهورية لم تشهد ملكا منذ خمسمئة عام. والحكم تتقاسمه ثلة من السياسيين بطريقة يمْكن وصفها اليوم “بالديمقراطية”.

الممثل البريطاني أندرو ودول يتقمص دور الطاغية المستبد تقمصاً مخيفاً يذكرنا بآكل لحوم البشر هانيبالليكتر في روايات توماس هاريس
يعتقد المخْلصون من الساسة والطامعون على حد سواء أن حاكما أوحد خطر على روما وشعبها. يتعالى صوت أحدهم، “لا سبيل إلا بتقاسم السلطة”. وهكذا تدب الوساوس بين أروقة القصور، ويصير التخلص من قيصر “الطَموح” هو الغاية والمبتغى لدرء الفوضى والشعبوية.

تتناهى إلينا كلمة “طَمُوح” وكأنها سبة في الجبين. كانت بالفعل سبة للرومان في هذا السياق السياسي. فكيف يطمح سياسي في استلاب شيء من شعب روما الحبيب؟ روما لم تركع من قبل، وكاسيوس الثوري الأصيل يندد، “الخطأ يا عزيزي بروتوس ليس في حظوظنا. ولكن في أنفسنا، في أننا تابعون”.

تتتابع المؤامرة المقاوِمة لصعود الدكتاتور ساعتين ونصف الساعة ونحن جالسون على أطراف المقاعد. ومعرفتنا بالحبكة لا تكبح إثارة تخللت إلينا مع كل جريمة قتل أو انتحار.


التلاعب بالحشود

ومثلما هو الحال دائما وأبدا، تتلون هذه الخيانة السياسية (أو التضحية السياسية، هي وجهات نظر لم يحسمها شكسبير) بلون الدماء. ثلاثون طعنة اخترقت جسد قيصر في البرلمان. يعاتب قيصر صديقه بروتوس ذلك العتاب الشهير، “حتى أنت يا بروتوس. اسْقُطْ إذن يا قيصر”. والأمر الأخير لنفسه يوحي بأن الخيانة أفقدته كل إرادة على الحياة.

يُغرق القتلة (أو الثوريون وفقا لانتمائك السياسي!) أنفسهم بالدماء حتى الأكواع في مشهد بدائي ينتمي إلى العصر الحجري. يسير المتآمرون في شوارع روما يتصايحون، “السلام، الحرية، الحرية”.

لم يضع الساسة في الحسبان أن أسوأ مخاوفهم قد تتحقق لتقتل أحلامهم في المهد. يشهد أنطونيو قائده يُذبح ذبحا، فلا يدخر حيلة للتلاعب بالحشود ليتمردوا، مرة ثالثة!

يتساءل المخرج آنجيس جاكسون في أحد حواراته الصحافية إن كان الانقلاب على الديمقراطية يبرر اغتيال القادة، “هل سيكون من المبرر أن تغتال المعارضة قائدا غربيا كترامب مثلا إن أساء استخدام سلطته؟” كما يعقِّب موقع “واتس أون ستيج” على المكيدة المسرحية بأن القوة الفجة للأداء والعرض الضخم لتراجيديا المؤامرة يجعلانها أكثر من مجرد استحضار للمكائد الترامبية.


لم يضع الساسة في الحسبان أن أسوأ مخاوفهم قد تتحقق لتقتل أحلامهم في المهد

الرجل سيد قدره

أدار المخرج دفة المسرحية بكفاءة منقطعة النظير. ولكننا لا نكاد نتذكر أن للعرض مخرجا. على ما في الأحداث من قوة وجمال، لم تختلف الوقائع كثيرا عن نص شكسبير. قد يُعتبر اختيارا آمنا إلا أنها كانت واحدة من حسنات العرض.

فقد لعلعت اللغة الشكسبيرية مع لعلعة أدوات الحرب. بعضها سلس، والبعض الآخر في حاجة إلى مترجم! الملابس رائعة من الدرجة الأولى، والديكور مبهر استلهمه المصمم من الساحات الرومانية العتيقة، وبدا جليلا حريا بالامبريالية في أبهى صورها. يطالعنا وجه روما الحضاري الآني، وفي الوقت ذاته أنقاضها المستقبلية وراء الأسوار.

يتساءل شكسبير عن معنى القيادة والرجولة. ما معنى أن تكون رجلا في عهد إليزابيث الأولى؟ عله المعنى نفسه في يومنا هذا. يلازم الرجولة النبل والشجاعة، وأحيانا العنف. يؤكد السيناتور بروتوس أن الرجال أسياد أقدارهم. في المسرحية صوتان نسائيان فقط لا غير، ولا سلطة سياسية أو حربية لهما.

يتقمص الممثل البريطاني أندرو ودول دور الطاغية المستبد تقمصا مخيفا يذكِّرنا بآكل لحوم البشر هانيبال ليكتر في روايات توماس هاريس. جاء الأداء منوما مغناطيسيا، بالكاد تستطيع أن ترفع عينيك عن الممثلين، والجائزة الكبرى ينالها جيمز كوريجان في دور أنطونيو وأليكس ولدمان في دور بروتوس.

كان أدهى ما في العرض هو التصوير الدقيق للانقسامات بين الطامحين للفوز بالعرش والانقلاب على الحاكم المطلق. رويدا رويدا تتكشف لنا ظلال من اللون الرمادي. وقوفنا ضد الدكتاتور لا يعني أننا لسنا دكتاتوريين. وقوفنا ضد الشر لا يعني أننا نمثِّل الخير. تُحلل المسرحية قيمة الأخلاق ودلالاتها الاجتماعية. بروتوس مثال للرجل الخلوق، ولكن ينتهي به الأمر قاتلا لصديق ورئيس دولة. المضحي في سبيل أهله هو في الواقع جزار.


لا خير في المدينة

هذه الفكرة الفلسفية حيرت الكثيرين، وقادت السياسيين في متاهات ومتاهات. نتخيل عالما طافحا بالشر من دون مسحة خير. عالم يتقاتل نصرة للإيذاء والفتك. مَن يقف ضد الآخر يطمح في المزيد في الطغيان ليس إلا، ولا نصير للشعب.

إن الديمقراطية في التحليل الأخير هي حكم الشعب. وبسهولة منقطعة النظير يتلاعب كل اتجاه من الاتجاهات السياسية الثلاثة، يمين ويسار ووسط، بالشعب الذي بدا أشبه بالغوغاء في المسرحية. أكان تحذيرا من شكسبير بأضرار السلطة الشعبية؟ هل يلهث العامة وراء يوتوبيا بعيدة المنال أم أنهم مغيبون بالفطرة؟
عودة الأوتوقراطية والثورات الأهلية وما أعقبها من فوضى ووحشية

يصور شكسبير سواد الناس خرافا، والزعيم الماكر ذئبا جائعا للسيطرة. بخطبة عصماء منمقة، ينقلب الناس على الجنرال بومبي ويبايعون قيصرا. وبخطبة مثلها ينقلبون على قيصر ويبايعون بروتوس، ومن بعده يجيء دور أنطونيو بخطبته الطنانة، “أصدقائي وأهل روما وأبناء بلدي”.

شعب ينحني مع الريح وتهزه النسمة. نرى رؤية العين كيف تتحول الديمقراطية إلى شعبوية. وتقلٌّب القوم بين المشهد والتالي مخيف فعلا. يداهمنا كل اتجاه سياسي بلغة ومنطق وتطرف خاص به، والأهم بمطامع لا تنقطع في العرش.

يوحي شكسبير بأن الحكم الأوحد ليس هو الشر المطبق. كيف وقيصر مهدور الدماء انتحب “حين بكى الفقراء”؟ الحق أن شعب روما لم يكترث على الإطلاق بفكرة الحرية. حين علموا كذِبا بأن قيصرا ترك لكل روماني 75 دراخمة في وصيته، هللوا وانقلبوا على الثورة في لحظات معدودات.

وهكذا يعري المشهد تلو المشهد حقيقة عصرنا هذا: عودة الأوتوقراطية والثورات الأهلية وما أعقبها من فوضى ووحشية. نريد أن تحيا روما بالطبع، ولكن هل من المجدي حقا أن تحيا روما أو “تموت حرة” كما هتف الثوريون؟ بين يدينا مسرحية معاصرة إلى حد الغرائبية.

ونترك للقارئ العربي تمييز الأحداث واستلهام العبرة، فالمسرحية ذاتها لم تنزلق في منزلق المجاز العاري. قد يستنكر البعض تقليدية العرض غير أن أفكاره النبوئية لن تخفى على أحد. لو عاش شكسبير إلى اليوم، لأتم أربعمئة وخمسين عاما. كل عام والكاتب العظيم بخير.

-----------------------------------------------
المصدر : هالة صلاح الدين - جريدة العرب 

الأحد، 23 أبريل 2017

حادثة آرثر ميلر في لندن مسرحية كلاسيكية كأنها كتبت اليوم

مجلة الفنون المسرحية

حادثة آرثر ميلر في لندن مسرحية كلاسيكية كأنها كتبت اليوم

هالة صلاح الدين

'حادثة في فيشي' ليست مجرد مسرحية عن تضحية غريب من أجل غريب. تلك عدسة مكبرة على شر متضخم يُهلك بلا شفيع.

يعرض مسرح فينبورو اللندني مسرحية “حادثة في فيشي” (1964) للكاتب الأميركي آرثر ميلر أعظم كتاب المسرح في القرن العشرين. امتدت مسيرة ميلر قرابة سبعة عقود كتب فيها العشرات من المسرحيات، ومن أجودها “كل أبنائي” و”موت بائع متجول” و”البوتقة”. ومع صعود اليمين المتطرف على جانبي الأطلنطي، الرئيس الشعبوي ترامب من جانب والمعارضة القومية الأيديولوجية في أوروبا من جانب آخر، يستجيب مسرح الهامش البريطاني بعرض نص تأثر بالفاشية في الحرب العالمية الثانية واستلهمه ميلر من أحداث حقيقية بمدينة فيشي الفرنسية.

حين عُرضَت المسرحية للمرة الأولى وسمتها جريدة نيويورك تايمز “كواحدة من أهم المسرحيات في عصرنا”. والمسرحية المكوَّنة من فصل واحد لا تنبري للدفاع عن عرق معين وإنما عن إنسانية مشتركة حصرتها زنزانة التطرف والاضطهاد، إنسانية تغلبت على أبشع نوازعها من تطاحن وتَرَدٍّ.

والهاربون من التردي هم ثلاثة عشر ممثلا قادمون من مختلف مشارب الحياة، اكتظت بهم خشبة المسرح اكتظاظاً وأثقلوا ميزانية شركة الإنتاج.في حجرة الاعتقال بمركز الشرطة عام 1942، نتعرف على رجلين لا يمسكان عن السجال هما الممثل بريندان أورورك في دور كهربائي شيوعي معنيّ بالسياسية، والممثل جيثين أولدمان في دور طبيب نفسي. ومعهما ممثل وغجري ورجل أعمال وصبي يطغى عليه الرعب بلا مسوغ، ويهودي عجوز يتشبث بوسادة من الريش بساعدين كليلين، وأمير نمساوي خفيض النبرة يعشق الموسيقى ويحاول حماية فنانين يستهدفهم الرايخ، ورسَّام سرعان ما يكوِّن العداوات بهذره الهستيري عن مخاوف يعايشها الجميع، ولكن بصمت، مما يجعلنا نتذكر المواجهات في مسرح كافكا.

الجزء الأول من المسرحية قوي الحبكة، وفيه يرسم ميلر صورة مرعبة لعملية يؤدلج فيها المذعورون علامات التحذير لكارثة وشيكة. فترة من التقلقل الحقيقي، يصير الشخصي سياسياً بقوة الظرف، لا الإرادة
لم يكونوا جميعاً يهوداً، إذ لم يخترهم نظام الرايخ لدينهم فحسب وإنما لاختلافهم السياسي مع المحتل. وقد تخيل ميلر أعداء للسلطة بلا أسماء تميزهم. كلهم ينتظرون الفحص على يد ضباط يتظاهرون بتحقيق العدالة، فحص الأوراق وفحص القضبان! لا بد للألماني البيروقراطي من التثبت، فالتثبت في مكاتب الدول العتيقة مرادفٌ لليقين والواقع والحق. وهكذا ينزع عن اليهودي ملابسه حتى التجرد بحثاً عن إمارة الختان.


سخرة متعلمة

لا أحد يبلغ الرجال بسبب القبض عليهم أو بميعاد المغادرة. تمنّوا في البداية لو يقتصر الأمر على فحص أوراقهم الثبوتية ثم إطلاق سراحهم. تسري شائعات بمعسكرات عمل إلزامية في بولندا. ينبذ أسيران الفكرة، رافضين تصديق أن الشعب الألماني “المتعلم تعليماً عالياً” قد يدعم هذه السخرة.

قليلٌ منهم خرجوا إلى الشوارع ولا أحد يعلم مآل الباقين. حرص المخرج البريطاني فيل ويلموت على إقحام عدة خُطَب للمغالاة في مصيرهم وتحويله قسراً إلى مأساة يهودية كونية. وعلى عكس نية المخرج بالتأكيد، لاح النازيون كشخصيات كاريكاتورية مسلية، هم ضباط موهومون بالروتين الحكومي، رجال أبرد من الثلج، ولكنّهم غير مقْنِعين كخطر يتهدد العالم. وأكثر ما يضحكنا هو بيروقراطية الألمان وعشقهم للأرقام.

لا نقترح هنا أن يقص المخرج ويلزق نص ميلر الأصل، فالمساحة حرة للتطوير والتجديد، وهنا تكمن عظمة مسرح ميلر. ولكن يتجلى لنا أنه قصد حشر سلطة ما في حلوقنا، سلطة اللوم التي تُفتّت الذنب وتلصقه بالبشرية، ويتساوى في ذلك لوم المذنب ولوم البريء.


يمبوس أبيض

كان الديكور مثالياً لاستجواب لا يتوانى عن الفتك بمن لا تسعفه الحياة لأن يكون أغلبية.يزعجنا إحساس باليَمْبوس أو الأعراف بين جدران شديدة البياض صارخته، لا يزوّقها أيّ شيء عدا مقعد أبيض في الزنزانة الضيقة. نشعر برهاب الاحتجاز الخانق، فالمسرح يشْبه علبة مفتوحة من جانب واحد، من جانبنا، والمتفرج هو المتنفس الوحيد لهؤلاء الأشخاص. ها هي أصوات أبواب تنفتح وتنغلق بعصبية في خلفية المسرح، فترتجف أوصال المحتجزين ويتنامى إحساسنا بالقهر.

الجزء الأول من المسرحية قوي الحبكة، وفيه يرسم ميلر صورة مرعبة لعملية يؤدلج فيها المذعورون علامات التحذير لكارثة وشيكة. فترةٌ من التقلقل الحقيقي، يصير الشخصي سياسياً بقوة الظرف، لا الإرادة. وفي النهاية يتصالح المحجوزون مع مصيبة حاقت بهم، ومثلهم مثل الأميركيين، يسارعون بلوم أنفسهم بدلاً من لوم النظام على ما ألمّ بهم من بلوى. أجاد الممثلون لعب أدوارهم، وحتى الصامتون منهم أضافوا إلى العرض مسحة من الغموض. ونجح المخرج في القبض على شعور بالهوية في خضم تاريخ يبث دماء من الجهل والتضليل
                            الممثلون ارتدوا ملابس تعود إلى زمن الحرب العالمية الأولى

إن هذه التحفة المسرحية ليست طّرفة تاريخية خرجتْ من رحم التجربة اليهودية للكاتب ذاته لتنقلب كنزاً مدفوناً لا يتذكره المسرحيون. والدليل أن المسارح اللندنية لم تنتجها منذ خمسين عاماً. ومؤخراً فقط واتت المخرج الشجاعة فقرر استخراجها من تحت التراب. ولعل عيبها الأساسي هو أن المخرج حوَّرها وحاد بها عن مسارها ليبالغ في دور الضحية في التاريخ اليهودي.

ولكن فيما عدا خُطَب رديئة ألقاها النازيون حيناً بعد حين بدا الحوار جذاباً ضاجاً بالحيوية وحرص ألا يضيع وقت المتفرج في الحواشي والاستطراد. لا تنقص المسرحية واقعة مفتعلة أو “نهاية مسرحية” طالما انتقدها العارفون بالمسرح. نكاد لا نصدق الإيماءة النبيلة التي يبْديها غريبٌ مسيحي أنقذ حياة رجل يهودي. فقد منح الغريب الأرستقراطي أحد الرجال اليهود أوراقه الخاصة ليتمكن اليهودي من الإفلات بحياته.


شر تافه

كان ميلر قد كتب المسرحية أثناء محاكمة الضابط النازي أدولف أيخمان بتهمة قتل اليهود. ومع أنه لا يستشهد صراحةً بمقالة المنظرة السياسية حنا آرندت “تفاهة الشر”، تؤكد المسرحية على فكرة أن الشر طاقة تافهة. لا ينتقد ميلر فرداً بذاته بل منهجاً فكرياً لا يلعب بورقة معاداة السامية. لا يقْدم الضباط على أيّ شيء بمبادرة شخصية منهم، لا نية لديهم لفعل الشر أو الخير. صاحب الأمر والنهي هو القائد الأعلى وما هم إلا مطيعون للأوامر.

لذا قد يرتكب الشر نكرات بلا غايات شيطانية كما تقول حنا آرندت. ويوافقها ميلر في تصويره لشخصيات نازية تتسم بالتفاهة والسطحية، وتستجيب بشكل آلي إلى قياداتها العليا. الفارق هو أم ميلر يضع هذا التناقض الأخلاقي في إطار فلسفي، مشدداً من جديد على أن الشر قد يبدر ممن ليس لديه دافع أو مصلحة أو قناعة. الشر على يد مَن بمقدوره فعل الخير. فرد عادي تماماً، مثلنا جميعاً، يقترف جريمة كبرى.

إن محاولة الفهم لا تعني المغفرة كما يعتقد ميلر. الكاتب اليهودي الكبير ليس كارهاً لذاته أو مدافعاً عن النازية. لا يحتقر أهله ولا يريد في الوقت ذاته تطهيراً سهلاً كما في حالة ويلي لومان بطل مسرحية “موت بائع متجول”. ليس العرق هو ما يؤرق ميلر، بل التطهير المجتمعي للمنبوذين من أيّ عرق.
                                     عدسة مكبرة على شر متضخم


ويبدو لنا أن المخرج اقتطع من سياق المسرحية الأصلية عدة مشاهد تؤيد هذه الفكرة واستبدلها بمشاهد تستعدي الأعراق الأخرى وتثير الحفيظة بين أهلها. تتطاير من رائحة النص الأصلي الواقعية في التناول، شر لا يوصف تم توصيفه، أمَّا هنا في هذه المسرحية يتحدث ممثل أو اثنان بلا رابط أو كابح عن مظلومية متخيلة على نحو مستفز.


لوم الغريب

مع أن الممثلين ارتدوا ملابس تعود إلى الحرب العالمية الثانية، خلت المسرحية من أيّ دلائل تاريخية عن الفترة ذاتها. يقال إن ميلر تعمّد هذا ليضفي عليها أبدية لا تستكين إلى التأويل الوقتي. كما أن غياب هذه العلامات أسهم في التشديد على أوجه التشابه بين الأنظمة الاستبدادية من دول شرق أوروبا في الحرب الباردة وصولاً إلى دكتاتوريات العهد الحالي. يقول أحد الأبطال “تعرف؟ اليهود ليسوا عرقاً. فبوسعهم أن يشبهوا أيّ أحد.”

إن “حادثة في فيشي” ليست مجرد مسرحية عن تضحية غريب من أجل غريب. تلك عدسة مكبرة على شر متضخم يُهلك بلا شفيع. يقع في قلوبنا إحساس حزين بأن التاريخ قد يعيد نفسه بشتى الطرق، ومع مختلف الأعراق والقوميات. وهذه الرؤية للتطهير العرقي تلازمها حالة من الكساد الأخلاقي تجعله من السهل تجاهلها أو الالتفات حولها.

ولا شك أن هذه القصة التحذيرية لا تزال تنبض بالحياة في العصر الحالي. هنا تعطيلٌ لحيوات المختلف منا، وهناك لومٌ للغريب على ما تهشم من مجتمعاتنا، أفكار لا صلاحية لها، فاعلة ومتجددة بيننا بتفاصيل مزعزِعة وآسرة تستقر في ضمير اليوم.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

الجمعة، 21 أبريل 2017

مسلسل FRIENDS إلى المسرح

مجلة الفنون المسرحية

مسلسل FRIENDS إلى المسرح

“FRIENDS” المسلسل الشهير الذي لاقى رواجاً هائلاً في السنين الماضية سيعود إلى الساحة ولكن على شكل مسرحيّةٍ ستُعرض على مسرح ترياد “The Triad Theatre ” في مدينة نيويورك الأمريكية.
صنّاع المسرحيات الموسيقية Bayside، 90210، Katdashians و Full House يعدون بأن يكون FRIENDS عرضاً كوميدياً وواعداً.
ولم يُعلَن حتى الآن موعد العرض، إلّا أن التذاكر ستُعرض للبيع ابتداءً من شهر حزيران المقبل.
والعرض سيكون من كتابة بوب وتوبلي ماكسميث Bob and Tobly McSmith.
ومن الأغاني التي ستُعرض خلالها هي ” The Only Coffee Shop in New York City “، ” 45 Grove Street – How Can We Afford This Place? ” و ” We Were on a Break “.

----------------------------------------------
المصدر : http://russia-now.com

الخميس، 13 أبريل 2017

إيحاءات بيرانديلو في مسرحية "الملزمة"

الاثنين، 10 أبريل 2017

"هاري بوتر" تكتسح جوائز أوليفييه المسرحية

الجمعة، 31 مارس 2017

ترامب بطل مسرحية "ملك البرجر" من تأليف الفريدى يلينك الكاتبة الحائزة على "نوبل"

الاثنين، 27 مارس 2017

رؤية إيفو فان هوفا الجديدة لرائعة إبسن

مجلة الفنون المسرحية

رؤية إيفو فان هوفا الجديدة لرائعة إبسن

د. صبري حافظ

لا شك في أن المخرج البلجيكي إيفو فان هوفا يؤكد نفسه على الساحة المسرحية الدولية كأحد أكثر مخرجي المسرح المعاصر تميزًا وإبداعًا بلغته الإخراجية الفريدة، وتأويلاته الشيقة للنصوص المسرحية العريقة. فبعد أن شاهدت له إخراجه المدهش لمسرحية "الملعونون" المأخوذة عن فيلم فيسكونتي الشهير في مهرجان أفينيون المسرحي قبل أشهر، ها أنا أشاهد إخراجه الجديد لرائعة هنريك إبسن (1828 -1906) "هيدا جابلر" التي كتبها عام 1890، على خشبة المسرح القومي الإنكليزي، فتتأكد بها موهبته الإخراجية المتفردة، ولغته البصرية التي تستهدف التوجه إلى عقل المشاهد واستثارة تلقيه للعمل المسرحي بشكل عقلي ونقدي معا. تتيح له الاستمتاع بجماليات ما يرى، وكأننا بإزاء مخرج سينمائي يفكر في تشكيلات "كادراته" البصرية مشهديًا وحركيًا، وتأمل ما تنطوي عليه الأحداث أو الشخصيات من دلالات. أو كأننا بإزاء مخرج مسرحي يتفق مع جوهر منهج التغريب البريختي، ولكنه يحقق هدفه بطريقته المتميزة والمغايرة كلية لطريقة بريخت.

والواقع أن هنريك إبسن، أحد أهم كتاب المسرح، إن لم يكن أهمهم في القرن التاسع عشر؛ وأن إنتاجه المسرحي الثري يضعه جنبا إلى جنب مع كبار القامات المسرحية في العالم مثل شكسبير وراسين وتشيكوف. كما أن مسرحيته الشيقة "هيدا جابلر" واحدة من المسرحيات القليلة التي تحمل اسم امرأة، وتقدم دراسة شيقة وعميقة للمرأة، توشك أن تكمل اهتمامه بها، الذي صاغت ملامحه الأولى مسرحيته الشهيرة "بيت الدمية" وبطلتها "نورا هيلمر" التي ظلت أصداء إغلاقها للباب خلفها تدوي في أرجاء العصر الفيكتوري المتزمت، حتى تمخضت عن حركات تحرير المرأة المختلفة في الغرب. والواقع أن مسرحية "هيدا جابلر" أو بالأحرى بطلتها التي منحت المسرحية اسمها، لا تقل ثراء وتعقيدًا عن مسرحية "هاملت" وعن شخصيته المفتوحة على العديد من التأويلات. فقد تعددت تأويلاتها من اعتبارها ضحية لواقع لا يفهم المرأة، ولا يهتم بطموحاتها، أو دراسة في أوجاع مرحلة من مراحل التحول الاجتماعي الحرجة ووقعها على المرأة وعقابيلها، إلى إدانتها كلية كتجسيد حيّ لقوى الشر والدمار، أو كأفعوان خبيث ينفث سمومه في كل من حوله، ويموت بها أيضًا.

وهذا ما جعلها أحد أكثر المسرحيات إشكالية من حيث تأويلها، والتعرف على الدوافع الداخلية لسلوك بطلتها التدميري، التي توازي في تعقيداتها دوافع هاملت وسلوكه وتردده كما ذكرت. فإذا كان من اليسير التعاطف مع "نورا هيلمر" بطلة (بيت الدمية) لإيثارها سعادة أسرتها ونبلها، والنقمة على زوجها الفظ "تورفالد هيلمر" لأنانيته وتمركزه حول ذاته وضيق أفقه، وعدم وعيه بمدى تضحياتها الجمّة من أجله، فإن الأمر ليس بهذه البساطة في "هيدا جابلر". فقد كتب إبسن فيها عن حق واحدة من أكثر شخصيات المسرح النسائية إشكالية وتعقيدًا. وكشف فيها بشكل باكر عما استمرت الحركات النسوية في تكراره من بعده لعقود، وهو أن من العسير فهم شخصية المرأة عبر تبسيطات الرجال عنها؛ وأن الرجل هو آخر من يستطيع فهم المرأة، أو سبر أغوار أعماقها الدفينة. وهو الأمر الذي يتبلور في المسرحية أيضا عبر شخصياتها الرجالية الثلاثة حيث يساهم كل منهم بطريقته الخاصة في تعميق عزلة "هيدا"، وإحكام إغلاق الأفق أمامها.

ولذلك فقد شاقت تلك المسرحية الكثيرين، وأصبحت واحدة من مطامح الممثلات اللواتي تترسخ أقدامهن على خشبة المسرح، تماما كما أصبح هاملت أحد مطامح الممثلين الذين رسخوا أقدامهم على الخشبة، وأحد أبرز التحديات لهم في الوقت نفسه. وهو الأمر نفسه بالنسبة لعدد من كبار المخرجين المسرحيين في الغرب خاصة. وقبل الحديث عن تأويل إيفو فان هوفا الشيق والمبتكر معا لهذه المسرحية لا بد من عرض ملخص لها على القارئ، بالرغم من توفر أكثر من ترجمة لها في اللغة العربية. فـ "هيدا جابلر" كما تقول الكلمات الأولى في المسرحية هي ابنة جنرال ميت. أي أنها تنتمي لطبقة كانت في طريقها وقتها للموت، أي الطبقة الأرستقراطية التي عانت من صعود البرجوازية في القرن التاسع عشر. وقد وفرت لها حياتها الأرستقراطية كثيرًا من المميزات من ركوب الخيل إلى الاستمتاع بالحفلات والسهرات الاجتماعية الباذخة، إلى الحد الذي جعلها تدّع عنها كل من وقع في غرامها، أو حاول التقدم لخطوبتها. لكن موت الأب بعدما تجاوزت سنوات عشريناتها الأولى وضعها في مأزق الوعي بأن سنوات اللهو قد مضت، والقبول بمن يوفر لها حياة مستقرة بعد وفاته. وهذا ما دفعها للقبول بالزواج من "يورجين تيزمان" الذي كان آخر من وقع في غرامها، وهو جامعي نشيط، ونموذج لابن الطبقة الوسطى الذي يسعى عبر المعرفة للارتقاء والحصول على وظيفة في الجامعة عبر المزيد من البحث والكتابة. وقد سبقه في الوقوع في غرامها جامعي آخر هو "إيلرت لافبورج"، لكنها هددته بإطلاق النار عليه، فقد كانت منذ شبابها شغوفة باللعب بمسدسات أبيها. فهرب وغرق في دوامات إدمان السكر حتى دمرت الخمر حياته.

وتبدأ المسرحية بعودة تيزمان وزوجته من رحلة شهر العسل التي امتدت لستة أشهر، أمضاها أيضًا في البحث عن مزيد من المواد والمصادر التاريخية لكتابه القادم، الذي سيمكنه من التقدم للوظيفة الجديدة في الجامعة. ونعرف من زيارة عمته "جوليانا تيزمان" له في مفتتح المسرحية، أنه استدان منها الكثير كي يوفر لزوجته الحياة التي اعتادت عليها، بشراء منزل جدير بها في العاصمة برغم أنه يتجاوز إمكانياته، وتوفير رحلة شهر عسل طويلة لها، حاول أن يجعلها مفيدة لحياته العلمية أيضًا. وأن العمة قد أقنعت "بيرتا" خادمة أسرة "تيزمان"، والتي ربّت "يورجين" منذ أن كان طفلاً، بالعمل في بيت "يورجين" الجديد، بالرغم من ترفع "هيدا" عليها، وانتقادها الدائم لكل ما تقوم به. بل إن العمة نفسها لم تسلم من انتقاداتها وترفعها. لكن "يورجين" يطلب من "هيدا" أن تتلطف معها، ويؤكد لها أنه لم يستطيع أن يوفر لها الحياة الباذخة التي اعتادت عليها من دون مساعدتها، وأن من الضروري له أن يكمل كتابه الذي جمع مادته، وأن يحصل على الوظيفة الجديدة التي أعلنت عنها الجامعة، كي يوفر لها حياة مستقرة، وإن حذرها من أنها لن تكون كحياة الحفلات المتتالية التي اعتادت عليها في بيت أبيها.

هنا يظهر الحديث عن أن منافسه القديم في نفس المجال "إيلرت لافبورج"، والذي كان الجميع يعرفون أنه دمر حياته العملية بالإدمان على الشراب، قد نشر كتابًا جديدًا حظي بترحيب النقاد والجمهور على السواء. وأنه قد جاء إلى العاصمة بعدما فرغ من كتاب آخر يعتقد أنه سيكون أكثر أهمية ونجاحا من كتابه المنشور، مما يجعله منافسًا قويًا محتملاً على الوظيفة التي ينشدها "يورجين". وقد جاءت وراءه وللبحث عنه "تيا إلفيستيد"، التي نعرف أنها تركت زوجها من أجله، والتي تتخوف من أن يعود للشراب، بعدما ساعدته في التغلب على الإدمان، وتوجيه طاقته من جديد للبحث والكتابة. بعدما تدهورت به الأحوال إلى حد العمل معلمًا لأبناء زوج "تيا" الذي كان يكبرها بأكثر من عشرين عامًا، وتزوجها كي تربي أولاده. فوقعت في غرام "إيلرت لافبورج" فهو من عمرها؛ وساعدته على التخلص من الإدمان كلية، وعلى مواصلة أبحاثه، حتى انتهى بفضلها من كتابه الجديد الذي يعتقد أنه سيرد له الاعتبار على جميع المستويات. وحينما تأتي "تيا" لبيت "تيزمان" بحثًا عن "إيلرت" نعرف أنها كانت زميلة لـ"هيدا" في المدرسة، وأن "هيدا" كانت تستأسد عليها وتشد شعرها، وكانت دائمة الاعتداء عليها، وهو أمر تزعم "هيدا" أنها لا تتذكره، بل تعتقد أنهما كانا صديقتين. وتحكي لها "تيا" قصتها مع "إيلرت" وتخوفها من أن تعيده العاصمة للشراب، ومدى خطورة الأمر عليه كمدمن سابق. فيثير هذا الحب القوي المغيّر لحبيبها السابق غيرتها من زميلتها السابقة وتأثيرها البالغ عليه.

وحينما يظهر "إيلرت لافبورج" ومعه مخطوط كتابه الجديد الذي سيعزز مكانته ويرد له الاعتبار يبدأ التوتر الدرامي، لأنه سيكون منافسًا خطيرًا يهدد فرصة "يورجين" في الحصول على وظيفة الجامعة. ونعرف أن حبه الكبير الذي لم ينسه أبدًا، كان "هيدا"، وها هي تتمكن من جديد من التأثير عليه، بل تدفعه إلى الشرب من جديد، وتحدي "تيا" الذي يعتقد أن تخوفها من وقوعه في السكر يعبر عن فقدان الثقة في شفائه من دائه القديم. وتدفعه "هيدا" للذهاب مع "يورجين" والقاضي "براك" لحفل سيسيل فيه الشراب أنهارًا، ولن يستطيع له مقاومة. وهذا هو ما جرى بالفعل، فقد شرب حتى سكر تمامًا كما هي الحال مع كثير من الاسكندنافيين. وضيّع باستمراره في الشراب بعد انتهاء الحفل، والتجول بين حانة وأخرى، مخطوطة كتابه الجديد الذي عثر عليه "يورجين" وهو في طريق عودته لبيته؛ وكان قد استمع إلى قراءات منه أثناء الحفل، وتأكد من أهميته العلمية البالغة. وأخذت "هيدا" المخطوط منه، وحينما يظهر "إيلرت" من جديد وقد تعتعه السكر، ويخبرها بأنه مزق مخطوط كتابه الجديد، مع أنه ضيّعه؛ لا تخبره بأن زوجها وجده، بل تشجّعه على الانتحار الإرادي الجميل، وتعطيه أحد مسدسات أبيها. وعندما ينصرف تبدأ في حرق المخطوطة حتى آخرها في المدفأة.

ولما يعود زوجها تخبره بأنها حرقت المخطوطة، فيصعقه الخبر ويثور عليها لتدميرها عملاً بالغ الأهمية، لكنها تبرر فعلها بأنها قامت بذلك للحفاظ على مستقبلهما، وإزالة خطر تهديد "إيلرت" له في وظيفة الجامعة التي يحلم بها؛ مع أننا نعرف أن "إيلرت" كان قد أخبرها بأنه قرر ألا ينافس "يورجين" على تلك الوظيفة. فتهدأ ثورته وتتحول إلى امتنان واضح لأنها تحبه إلى هذا الحد، وهو الأمر الذي يثير تقززها، لأننا نعرف من حوار سابق لها مع القاضي "براك" الذي يطمح في أن يكون له مكان حميم في حياتها الجديدة، أنها لم تحبه قط، وتعاني من السأم، كما أن اهتماماته الأكاديمية تصيبها بالملل، وأنها قبلته زوجًا على مضض. عند ذلك يجيء نبأ موت "إيلرت"، فيثير كلاً من "تيا" و"يورجين" لبعث المخطوطة المفقودة، فيقررا العمل معًا على إعادة كتابتها من الأوراق والمسودات التي احتفظت بها، ويشرعا في التخطيط لهذا العمل معًا. وعندما يصل "براك" يخبر "هيدا" بأن "إيلرت" مات، لا في فعل انتحار إرادي جميل مثلما تخيلت، وإنما في ماخور وأثناء مشاجرة انفجر فيها المسدس خطأ وهو في جيبه. كما يخبرها بأنه يعرف مصدر المسدس، وأنه لو صرح بما يعرف فسوف يتحول الأمر إلى فضيحة تلوك سمعتها فيها الألسنة، وأنها أصبحت الآن في قبضته، يفعل بها ما يشاء من دون أن تستطيع له مقاومة. عندها تدرك "هيدا" أنها وقعت في شراك "براك"، الذي كانت تقاومه وتتلاعب به كما سبق لها أن تلاعبت بالآخرين، وأنها أصبحت الآن ألعوبة في قبضته، فيفزعها الأمر، وتتراجع إلى غرفتها وتطلق النار على نفسها.

هذه هي تفاصيل المسرحية التي يعتقد بعض النقاد أن سيجموند فرويد قد استلهم منها توصيفه الشهير للمرأة العصابية، في كتابه (أمراض الحياة اليومية النفسية) بعد أكثر من عشر سنوات من عرضها على المسرح. فهي بحق مسرحية غنية بالتأويلات، تستثير من يتعرض لها للتعرف على حقيقة دوافع "هيدا" الداخلية لما تقوم به، وعلى سر قدرتها في التأثير على من يحيطون بها في آن. فكيف كان تأويل إيفو فان هوفا الجديد لها؟ هذا هو ما يهمنا في هذه المقالة. لأن منهج هذا المخرج الموهوب هو ما يشد الانتباه ببساطته واقتصاد مفرداته وتركيزه، بقدر ما تجذب مسرحية إبسن الاهتمام بتعقيدات بطلتها وانفتاحها على أكثر من تأويل. لأن الستارة تنفتح فيه على مسرح شبه فارغ تقريبًا، مساحة كبيرة خالية، حسب تعبير بيتر بروك، يسيطر عليها كلية اللون الأبيض، ويغمرها ضوء النهار الساطع. (ستنتهي المسرحية بسيطرة الظلمة في مشهدها الأخير، وكأننا بإزاء دورة زمنية كاملة). صحيح أن فيها أثاثًا قليلاً وبيانو (سنكتشف أنه تمت تعريته، والكشف عما وراء واجهته الصقيلة عادة من أوتار) وعددًا كبيرًا من أصص الزرع وباقات الورود أمام الباب المفتوح على الضوء، إلا أن تجريد المشهد من كل شيء أو لون، وحوائطه العارية، إلا من تجويف (طاقة) فيها مسدسان، هو أهم ما يشد الانتباه.

وقد ذكرتني المسدسات المعلقة في واجهة المشهد بمقولة تشيخوف الشهيرة: إذا علقت بندقية على حائط المشهد الأول، ولم تنطلق قبل إسدال ستار المشهد الأخير، فلا بد من إزالتها. أي أهمية أن يكون كل شيء في المشهد المسرحي موظفًا، بل حتميًا. وهو الأمر الذي يكشف عنه تصميم هذا العرض المحكم. والواقع أن في حضور تلك المسدسات نوعًا من التأكيد على أن المسرحية كلها تدور في حضرة الموت الرازح، الذي ستذكرنا به الجملة الأولى فيها عن "هيدا" كابنة لجنرال ميت؛ لكن حضوره (أو بالأحرى حضور مسدساته) يتحكم في كل شيء منذ موته. بل إن إبسن نفسه أشار إلى أن اختياره لاسم المسرحية الذي احتفظ لبطلته فيه باسمها قبل الزواج يشير إلى أن "هيدا" ابنة أبيها، أكثر من كونها زوجة، لذلك فإنها لا تحمل اسم زوجها "هيدا تيزمان" كما تنص القواعد الغربية. لكن أهم ما يكشف عنه هذا المشهد بجماليات تقتيره البيضاء هو قدرته على فصل المسرحية عن أي مكان معين أو بيئة محددة، وجعل أحداثها تدور في أي مكان، وربما في أي زمان بالرغم من الملابس العصرية.

في هذا المشهد العاري، نجد "هيدا" مكومة على البيانو. وبدلاً من الملابس التاريخية، ملابس القرن التاسع عشر، التي تبدو فيها "هيدا" عادة وكأنها مدرعة وراء طبقات من المشدّات التي يمكن أن تحميها، أو تعبر عن قوتها وفق التأويل الإخراجي، نجدها في رداء أقرب إلى قميص النوم، وكأنها شبه عارية، أو في قميص داخلي، وإن كان يقوم أيضًا بدور فستان السهرة، في مشهد آخر. كما أنها تقوم بدورها بطريقة تعري لنا أيضا تذبذبها بين الترفع على ما حولها، بل اشمئزازها منه، وبين الحماس أو الاندفاع الأعمى للتدمير، كحماس الانتحاريين. هكذا يقدم العرض من البداية مفاتيح تلقيه، تعرية كل ما يدور في المسرحية، والتركيز على مدى قدرتها على إثارة الحوار العقلي مع ما يعيشه المشاهد الذي يعرضها المخرج عليه. حيث نجد أمامنا "هيدا" جديدة نسبيًا، ليست ضحية لتحولات المجتمع الذي لم يعد لابنة جنرال ميت مكانًا مرموقًا فيه، ولا لكونها امرأة غير قادرة على التأثير على الرجل وتغييره كلية كما فعلت "تيا"، التي كانت "هيدا" تسيطر عليها في المدرسة، ولكن لشعورها بالغربة بين أكاديميين ممتلئين ثقة في قيمة ما يفعلونه ويكتبونه. فـ "هيدا" غير قادرة على التخلص من زمن كانت فيه محط انتباه الجميع، والتأقلم مع وضع جديد انصرف فيه عنها الجميع، ويتوقعون منها القيام فيه بدور جديد، بل محدود. فهي تعرف حقيقة ما يدور حولها، وقيمة ما فعله عاشقها السابق، بعدما دمرت حياته ولكن "تيا" أنقذتها من جديد فأشعلت غيرتها؛ بل وقيمة ما يقوم به زوجها من أبحاث للحصول على الوظيفة الجامعية المرتجاة، لكنها غير قادرة على التأقلم مع وضع يهمشها، بل يحيلها في النهاية إلى فريسة في شبكة القاضي "براك". لذلك فإنها ترفض ذلك كله، وتوظف طاقتها في تدميره وتدمير ذاتها معًا.

وهكذا تكشف لنا "هيدا" من خلال هذا التأويل الإخراجي الجديد عن سر نزعة التدمير الذاتية وآليات حراكها المعقدة، والتي يبدو أنها تتفشى في جل أنحاء عالمنا المعاصر: من العالم العربي الذي يستشري فيه تدمير الذات، والإجهاز على أي أمل في التطور وبشكل وحشي، وحتى العالم الغربي الذي صوتت فيه أغلبية الشعب الانجليزي المهمش، وقد فقد الثقة في المؤسسة السياسية، ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي، مع وعي الكثيرين في مستوى من المستويات، بأن هذا ليس في مصلحته، وأن من المستحيل إعادة عقارب الساعة للوراء، حينما كانت للكثير منهم أوضاع فقدوها، أو أن فيه نوعًا من تدمير الذات. ويمكن بنفس منطق نزعة تدمير الذات المراوغة تلك فهم ما جرى في الولايات المتحدة الأميركية، وانتخاب دونالد ترامب الرافض للمؤسسة المهيمنة كلية هو الآخر. والواقع أن كل تلك الظواهر التدميرية، سواء منها ما يدور في الشرق أو الغرب قد اعتمدت أيضًا، كما هو الحال في المسرحية، على الاستخفاف بالأكاديميين وآرائهم، وتسخيف تنبؤاتهم وتحذيراتهم، وعلى الرفض الكامل لمنطق العقل الذرائعي الذي ساد في الغرب خاصة.

-------------------------------------------
المصدر : الضفة الثالثة 

الأحد، 26 مارس 2017

إيزابيل هيوبرت تكتب كلمة المسرح للعام 2017

مجلة الفنون المسرحية

إيزابيل هيوبرت تكتب كلمة المسرح للعام 2017

عواد علي 

الاحتفال بيوم المسرح العالمي يُعدّ واحدا من مجموعة نشاطات وفعاليات مهمة يقوم بها المعهد الدولي للمسرح في مجال الاتصال بين الثقافات وتبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم.

يحتفل المسرحيون في جميع أنحاء العالم يوم الاثنين 27 مارس بيوم المسرح العالمي في سنته الخامسة والخمسين ويتبادلون التهاني في قاعات المسارح وعلى خشباتها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح بوصفه واحدا من أعرق الفنون وأعظمها وأهم جزر المصداقية الإنسانية لأنه ينحّي جانبا كل ما يفرق بين البشر ويدعم كل ما هو مشترك بين الناس ويكشف عن القلب الذي يشتركون فيه، مما يجعله أفضل وسيط للسلام كما يقول المخرج الفرنسي جان لوي بارو، والمكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معا كما يقول سعدالله ونوس.


مسرح عالمي

في هذا اليوم أيضا تفتح المسارح أبوابها في أكثر من 90 دولة تنتمي إلى المعهد الدولي للمسرح (آي. تي. آي)، لاستقبال الجمهور من دون تذاكر وتُعقد ندوات وورش تدريبية وتُنظم لقاءات مباشرة بين فناني المسرح ومحبيهم وأصدقائهم من الأوساط الثقافية والاجتماعية الأخرى.

ولد يوم المسرح العالمي إثر مقترح قدمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما (1904- 1984) إلى منظمة اليونسكو في يونيو 1961، وجرى الاحتفال الأول في السابع والعشرين من مارس 1962 في باريس تزامنا مع افتتاح مسرح الأمم.

اتفق على تقليد سنوي يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم بتكليف من المعهد الدولي للمسرح كلمة تُترجم إلى عشرات اللغات وتعمّم على جميع مسارح العالم حيث تُقرأ خلال الاحتفالات المقامة في هذه المناسبة وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

كان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس. وتوالى على كتابتها، منذ ذلك العام، خمس وخمسون شخصية مسرحية من مختلف دول العالم، منها: أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، إدوارد ألبي، ميشيل فاتسلاف هافل، سعدالله ونوس، فتحية العسال، أريان منوشكين، سلطان القاسمي وروبير لوباج.


احتفال سنوي

يُعدّ الاحتفال بيوم المسرح العالمي واحدا من مجموعة نشاطات وفعاليات مهمة يقوم بها المعهد الدولي للمسرح في مجال الاتصال بين الثقافات وتبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم.

ومن المعروف أن هذا المعهد هو مؤسسة عالمية غير حكومية تأسست في عام 1948 وكان مقره مدينة براغ وأسهمت في تأسيسه شخصيات مسرحية عالمية، ويُعدّ شريك اليونسكو الرئيسي في مجال فنون العرض الحية ويقع مقره الآن في باريس.

وهو يهدف إلى تنشيط تبادل المعرفة والممارسة المسرحية بين دول العالم وزيادة التعاون بين فناني المسرح وتعميق التفاهم المتبادل والإسهام في ترسيخ الصداقة بين الشعوب.

كما يحارب كل أشكال التمييز العنصري والسياسي والاجتماعي. وتنبثق عنه مجموعة لجان متخصصة في مجالات مختلفة مثل: المسرح الموسيقي، الكتابة المسرحية، التربية المسرحية، والصورة الثقافية والتنمية. وللمعهد عدة مكاتب إقليمية في بلدان مختلفة كالمكتب الإقليمي للشرق الأوسط في الكويت، والمكتب الإقليمي الأفريقي في بوركينافاسو، ومكتب للاتصال في تونس، ومقر لجامعة مسرح الأمم.

في ما يتعلق بالمسرح العربي عقد المعهد مؤتمرا دوليا في القاهرة بعنوان “مواجهة فنية دولية” في الفترة من 14- 22 أبريل 1999 واختار الكاتب المسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس لكتابة رسالة المسرح الدولية لعام 1996، والكاتبة المسرحية المصرية فتحية العسال لعام 2004، والكاتب المسرحي الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة لعام 2007.

كتب رسالة العام الماضي المسرحي الروسي أناتولي فاسيليف تساءل فيها “هل نحتاج للمسرح؟ ذلك هو السؤال الذي سئم من طرحه، على أنفسهم الآلاف من المحترفين اليائسين في المسرح والملايين من الناس العاديين. ولأيّ شيء نحتاجه؟”، وأجاب بأننا “نحتاج لكل أنواع المسرح ولكن ثمة مسرح واحد لا يحتاجه أيّ إنسان هو مسرح الألاعيب السياسية، مسرح الساسة، مسرح مشاغلهم غير النافعة. ما لا نحتاجه بالتأكيد هو مسرح الإرهاب اليومي، سواء كان بين الأفراد أو بين الجماعات. ما لا نحتاجه هو مسرح الجثث والدم في الشوارع والميادين في العواصم والأقاليم، مسرح دجّال لصدامات بين الديانات والفئات العرقية”.

واختار المعهد الممثلة الفرنسية إيزابيل هيوبرت لكتابة كلمة العام الحالي (2017)، وهي من مواليد باريس 1953، وحائزة على عدد من الجوائز من مهرجانات سينمائية عالمية من بينها “برلين” و”موسكو” و”فينيسيا”، إضافة إلى “جائزة سيزر” 1996 كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم “المراسم” وجائزة من مهرجان مونتريال السينمائي (2008) عن مجمل أعمالها السينمائية. كما حصلت مرتين على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي عن دوريها في فيلم “مغامرة فيوليت” (1987) من إخراج كلود شابرول، و”عازفة البيانو” من إخراج مايكل هانيكي (2001)، واختيرت عام 2009 رئيسة للمهرجان نفسه.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

عرض مسرحي فرنسي عن التباس العلاقة بين الضحية والعالم

مجلة الفنون المسرحية

العرض المسرحي 'في عدالة الأسماك' يعالج العلاقة بين المذنبين والضحايا على الصعيد العالمي كما يشير إلى العلاقة بين إسرائيل وفلسطين.

شهد مسرح التارماك في باريس العرض المسرحي “في عدالة الأسماك” وهو مونودراما تؤديها الممثلة السورية ناندا محمد إلى جـانب الموسيقي دايـفيد تـشايسا. العرض من تألـيف وإخـراج الفرنسي هنري جـولز جوليان وفيه تقف أمامنا ناندا محمد لتطرح تساؤلات عن العدالة والموت ومن هم المذنـبون دون علمهم ومن هم الأبرياء حقيقة.

نرى ناندا محمد قبل العرض في بهو المسرح، من يعرفها يلقي السلام، في حين أن الجمهور من “الآخرين” الذين لا يعرفونها ينتظرون موعد الدخول إلى الصالة، وما إن يستقر الجميع في مقاعدهم تنهض محمد من بينهم و تتجه إلى الخشبة، ذات الجمهور الذي كانت تقف بينه يجلس منصتاً لصوت الموسيقى التي توتّر الأعصاب، تقف محمد لتخبرنا بالفرنسية أولاً عن مفهوم العدالة وقوانين القصاص وحالاتها الاستثنائيّة، ألا وهي القتل غير العمد، تلك الجرائم التي تحدث مصادفة والتي لم يكن فيها إزهاق الروح مقصوداً بل مجرد حدث عابر نتيجة سوء تقدير أو سهو، لتتابع بعدها عن مفهوم مدن اللجوء تلك التي تسمح لمرتكبي القتل غير العمد أن يعيشوا بأمان دون أن ينال منهم من يطالبون بالانتقام لقتلاهم، أولئك من يريدون العين بالعين والسن بالسنّ رغبتهم بالقصاص معلّقة لأن غرماءهم في مدن اللجوء حسب السّفر العبري الذي يبني عليه النص مفهوم “اللجوء” فهم في مدن الأمن الكامل، نصف مذنبين ونصف أبرياء، هم قتلوا دون قصد، ومجرد استمرارهم أحياء يترك سؤال العدالة معلقاً.

النص يحيل إلى المدن الأوروبيّة وسكانها أولئك الذين يعيشون في الرفاه والمشابهين لسكّان “مدن اللجوء” هم مذنبون نوعا ما بوصفهم جزءا من أنظمة تحميهم وتوفر سلمهم وحاجاتهم
يحيل النص بعدها إلى المدن الأوروبيّة وسكانها أولئك الذين يعيشون في الرفاه والمشابهين لسكّان “مدن اللجوء” هم مذنبون نوعا ما بوصفهم جزءا من أنظمة تحميهم وتوفر سلمهم وحاجاتهم، ذات الأنظمة التي تسلب الآخرين حقوقهم، فهم، أي أولئك المطالبون بحقهم، بعدالتهم ينتظرون دوماً قصاصهم المتأخّر وتحقيق العدالة، هذه التغيرات بين المذنبين والضحايا تنعكس في النص الذي تلقيه أمامنا محمد ثلاث مرات، مرتين بالفرنسية ومرة بالعربية لتتغير الضمائر في النص بين المخاطب والغائب بتغير المذنبين ليبقى السؤال الذي يطرحه العرض معلقاً “نحن سكان المدن الأوروبية، ألا نحمل بعد من المسؤوليّة عن المآسي التي تحدث بعيداً عنا، ببساطة لأننا أثرياء؟” ليتغير بعدها الضمير “هم سكان المدن الأوربيّة …”.

يعالج العرض العلاقة بين المذنبين والضحايا على الصعيد العالمي كما يشير إلى العلاقة بين إسرائيل وفلسطين، وخصوصاً أن مفهوم دول اللجوء في النص يحيل إلى مدن في فلسطين يذكرها النص بالاسم وكانت مخصصة للقتلة بالمصادفة كما يوجّه اللوم إلى الأوروبيين بوصفهم مذنبين، ولو أنّهم حقيقة لم يفعلوا شيئاً سوى كونهم ولدوا في أماكن ما وعاشوا حياتهم بأمان، بعكس أولئك المنتمين لجغرافيات العنف والخراب.

بالرّغم من تماسك الفرضية نوعا ما وإثارتها للاهتمام فإن العرض بصرياً لا يثير الاهتمام فهو دعوة للتفكير فقط بسبب شعرية النص وخصوصاً أن محمد تقرأ أمامنا من أوراق في يدها، فمتعة المشاهدة المسرحية غير موجودة، وكان بالإمكان لنا أن نقرأ النص في مجلة أو جريدة متخصصة أو نسمعه على الراديو، وبالرغم من حالة المواجهة مع الجمهور في البداية ثم الاقتراب منه، وغيرها من التقنيات المستخدمة لخلق الحميمة من جهة و”المسرحة” من جهة أخرى إلا أن ذلك لم يكن كافياً لخلق التجربة البصرية المرتبطة بالمسرح، بل إن ذلك ولّد الملل أحياناً، إثر الحركات المجانية اللادرامية في سبيل ملء الخشبة، فالأداء لا يتجاوز كونه مجرد إلقاء متقن لنص مكتوب أشبه بحكاية ترويها لنا مع بعض الانفعالات.

-------------------------------------------------
المصدر : العرب -  عمار المأمون 


الجمعة، 24 مارس 2017

ألكسيس مشاليك يبتكر مسرحا داخل المسرح في 'إدمون'

مجلة الفنون المسرحية

ألكسيس مشاليك يبتكر مسرحا داخل المسرح في 'إدمون'

بعد مسرحيتي “حلقة المخادعين” و”حامل الحكاية” يقترح المؤلف والمخرج المسرحي، ألكسيس ميشاليك، الفائز بثلاث جوائز “موليير” مسرحية جديدة بعنوان “إدمون”، يروي من خلالها الظروف الحافة بتشكل مسرحية من روائع المسرح الفرنسي في القرن التاسع عشر، هي “سيرانو دو بيرجوراك”، في عرض مبتكر على “مسرح القصر الملكي” بباريس، يجمع بين المسرح الكلاسيكي والتقنيات السينمائية.


“إدمون” هو إدمون روستان (1868/1918) أحد عباقرة المسرح الفرنسي، رغم أنه كان يجدف ضد التيار، إذ كان يأنف من النثر، ويتشبث بالمسرح الشعري في وقت كان الاتجاه العام يسير نحو التجديد، على غرار كورتلين وجورج فايدو وأوجين لابيش.

بالموازاة، ينطلق المخرج والمؤلف المسرحي ألكسيس ميشاليك في مسرحيته الجديدة المعنونة بـ”إدمون”، والتي تعرض حاليا بـ”مسرح القصر الملكي” بباريس، من نقطة فارقة في مسيرة روستان الفنية، ديسمبر 1897 على وجه التحديد، حين ألفى نفسه عاجزا عن تأليف عمل جديد ينسي النقاد وهواة المسرح عمله السابق “الأميرة النائية” الذي لم يحظ بالقبول عند عرضه على خشبة “مسرح النهضة”، رغم تقمص سارة برنار دور البطولة.

كان قد مر عامان على صمته، حين نصحته صديقته سارة برنار بالتعاون مع النجم المعروف كونستان كوكلان (1841 /1909) للخروج من أزمته، فاقترح على هذا الممثل الكبير مسرحية شعرية ملحمية يعتقد اعتقادا راسخا أنها سوف تحوز إعجاب الجميع.

اقتنع كوكلان بالمشروع وتحمس له، ولكن المشكلة أن روستان لم يكتب منه بعد حرفا واحدا عدا العنوان “سيرانو دو بيرجوراك”، والحال أنه ينوي عرض المسرحية بمناسبة أعياد آخر السنة، أي أنه سباق ضد الساعة، كيف سيكتب نصا شعريا ملحميا متميزا في وقت وجيز؟ وكيف يتمرن الممثلون على أدائه ليعرض على الجمهور بعد أيام معدودة؟

كل من حوله شكوا في جدية هذا المشروع وقدرة روستان على إنجازه، لا سيما أن الوقت ضيق، ولكنه أثبت العكس، فبرغم الضغوط المتعددة التي كانت تواجهه، بدءا بعامل الوقت، وانتهاء بغيرة زوجته روزموند ونزوات بعض الممثلات ومرورا بشروط المنتجين الكورسيكيين المجحفة، توصل روستان إلى صياغة نص فريد في الموعد المحدد، أثنى عليه النقاد ورجال المسرح عند عرضه أول مرة في 28 ديسمبر 1897 في مسرح “باب سان مارتن” بباريس، وشكل حدث الموسم ساعتها، ثم عُدّ لاحقا رائعة من روائع المسرح الفرنسي.

كذلك تبدأ مسرحية “إدمون”، أي حين التقى روستان بسارة برنارد ثم بكونستان كوكلان، وتولدت فكرة تأليف “سيرانو”، تحت سطوة تلك الضغوط، والتفاصيل الصغرى التي يستمدها المخرج من حياة روستان حينا، ويستوحيها من تجربته الشخصية كرجل مسرح حينا آخر.

الانتقال بين الواقع والمتخيل يجري على نسق سريع في مسرحية "إدمون"، ما يجعل الأحداث تختلط وتتمازج
وبذلك نشهد المسرحية وهي تُكتب، ونشهدها وهي تُمثل؛ وسط حشد من الأضواء والديكور الباذخ، ينشط الممثلون الاثنا عشر بأزيائهم الكلاسيكية في أداء أدوار مؤثرة حينا ومسلية حينا آخر، ليغوصوا في عملية الخلق، وتشكل نشأتها، ويحتفوا بالمولود حينما صار خلقا سويّا، أي أن المتفرج يشاهد مسرحيتين؛ الأولى تنطلق من وقائع حقيقية بطلها إدمون رسوتان، ولم يتعد وقتها الثلاثين، مع زوجته روزموند وولديه، والثانية متخيلة بطلها سيرانو الذي يقال إنه شخص حقيقي عاش في القرن السابع عشر، وحبه العميق لروكزان، ذلك الحب الذي بدا مستحيلا بسبب شوهة خلقية في أنف سيرانو، وتعلق روكزان برجل آخر دونه ثقافة وشاعرية وصدقا في العواطف.

الانتقال بين الواقع والمتخيل يجري على نسق سريع في المسرحية، ما يجعل الأحداث تختلط، وتتمازج بشكل يسمو بها إلى مناطق الحلم.

تنجح الفرقة في خلق عالم مخصوص، يتبدى خلاله الشخوص بشكل كاريكاتيري، يلح على بعض الملامح ويضخمها كي تغدو مضحكة، كما هو الشأن مع المنتجين الكورسيكيين، وهم في الأصل من المافيا التي تدير بيوت الدعارة، أو الممثلة التي ستتقمص دور روكزان، وقد جمعت إلى الانتهازية والنرجسية المرضية سوء الطبع وتقلب المزاج، وروستان نفسه، بهشاشة بدنه وشدة خجله، والذي غالبا ما يكون محل سخرية لنبذه الكحول ووفائه لزوجته.

“إدمون” هي إخراج مسرحي حديث لإخراج مسرحي كلاسيكي، تتناوب فيه المشاهد بين مسرحية “إدمون” وبين مسرحية “سيرانو” التي يؤديها الممثلون أمامنا، أي أنه مسرح داخل المسرح، عالجه ميشاليك بمهارة عبر إيقاع مدروس، يتوخى المشاهد القصيرة، والخطابات الموجزة، والإيحاءات الدالة، وتغيير الديكور في لمح البصر، مضفيا على العرض روحا مرحة من خلال مواقف مضحكة، كفواصل بين زخم من الأحداث والشخصيات قد يتيه فيه المتفرج.

وكما هو الشأن في مسرحيتيه السابقتين “حلقة المخادعين” و”حامل الحكاية”، يعتمد ميشاليك على إخراج أقرب إلى التقنيات السينمائية، من جهة تعدد تغيير الديكور في أوقات قياسية، واستعمال المؤثرات الصوتية والخدع السينمائية والموسيقى التصويرية.

ميزة ميشاليك أنه يميل إلى سرد حكايات متداخلة، تجمع بين الواقع والخيال، بين المعيش والحلم، يأخذ المتفرج منذ رفع الستار إلى رحلة يهجر فيها زمانه وموقعه ليحلق في فضاءات وأزمنة أخرى، بأعلامها ومعالمها وخصوصيات عصرها.

وقد استعملها هنا لاستعادة أجواء خلق “سيرانو دو بيرجوراك”، ليمسرح على الخشبة مصادر الإلهام ومولد تلك المقاطع الطويلة التي صارت من مآثر اللغة الفرنسية وآدابها.

-----------------------------------------------
المصدر : العرب - ابوبكر العيادي 

رسالة رجل عشق فنه.. مسرحية جديدة عن حياة راقص الباليه الروسي فاسلاف نيجنسكى

مجلة الفنون المسرحية

وقع الاختيار على أشهر راقصي الباليه الروسي مايكل باريشنيكوفى، الحاصل على الجنسية الأمريكية، لتجسيد حياة راقص الباليه الراحل "نيجبنسكى"، التي اختارها المخرج المسرحي الأمريكي روبير ويلسون لتكون موضوع مسرحيته الجديدة "رسالة رجل عشق فنه"، على مسرح دى لافيل بالعاصمة الفرنسية.

وتشير المسرحية إلى فترة في حياة راقص الباليه الروسي فلاسلاف نيجبنسكي والتي أصيب فيها بالجنون بعد انفصاله عن مصمم رقصاته، سرج دياجيلف، والذي جعله يشعر بالوحدة وعدم القدرة على تقديم روائع أعماله.

المسرحية أيضا تسلط الصوء على الصراعات النفسية والفنية التي عانى منها الفنان مع الآخرين، والتي نجح راقص الباليه الأمريكى في تجسيد كل هذه الصراعات عبر حركاته العديدة، فضلا عن براعة الأسلوب الإخراجي في توظيف الصوت والإضاءة للتعبير عن انفعالات الفنان.

--------------------------------
المصدر : أ ش أ




عولمة الخطاب المسرحي في مسرحية "انتظار غودو "

الأربعاء، 22 مارس 2017

كلمة يوم المسرح العالمي (2017) ايزابيل هيوبرت - فرنسا

مجلة الفنون المسرحية

كلمة يوم المسرح العالمي (2017) ايزابيل هيوبرت  - فرنسا

أذاً، ها نحن مرة أخرى نجتمع في الربيع سوياً، منذ 55 عام كان اجتماعنا الافتتاحي بيوم المسرح العالمي.
هو يوم واحد فقط، 24 ساعة خصصت للاحتفال بالمسرح في كل انحاء العالم، نحن هنا في باريس المدينة الرائدة الجاذبة لمختلف المجاميع المسرحية الدولية نلتقي لنبجل المسرح، باريس مدينة عالمية مناسبة لاحتواء تقاليد المسرح العريقة من مختلف بلدان العالم في يوم الاحتفال بالمسرح.
من هنا من عاصمة فرنسا بإمكاننا ان نرحل مع أنفسنا الى اليابان من خلال تجاربنا في مسرح النو ومسرح بونراكو الياباني، من هنا نتتبع خطاً محملاً بالأفكار والتعابير المتنوعة ليصل بنا اوبرا بكين و الكاتاكالي الهندي، كما ان خشبة المسرح تسمح لنا بالربط بين اليونان و الدول الاسكندنافية مغلفين انفسنا بأبسن و إيسكيلوس، سوفوكليس و ستريندبرغ سمحوا لنا بالتحليق ما بين إيطاليا و بريطانيا بينما نحن نتردد بين ساره خان و برانديلو، في غضون 24 ساعة فقط يمكننا أن ننتقل من فرنسا الى روسيا من راسين و مولير الى تشخيوف، كما اننا نستطيع ان نعبر المحيط الأطلسي كرصاصة الهام لنمارس المسرح في حرم جامعي ما في ولاية كاليفورنيا لنغري طالب شاب ما ونكتشف موهبته لنجعل منه اسماً لامعاً في عالم المسرح.
بالفعل المسرح لديه حياة مزدهرة يتحدى بها الوقت والفضاء، اغلب المنمنمات المسرحية المعاصرة يتم تغذيتها من خلال إنجازات القرون الماضية، جل الكلاسيكيات السابقة في المسرح تصبح حديثة وتبث فيها الحياة من جديد بمجرد إعادة عرضها مرة أخرى، المسرح يبعث من جديد من خلال رماده، يظل المسرح مُحيا من خلال إعادة تدوير اشكاله القديمة وتشكيلها من جديد.
ثم ماذا بعد اليوم العالمي للمسرح، من الواضح جداً انه يوم غير اعتيادي يسلط فيه الضوء عليك فرداً كنت او في جماعة.
المسرح يتيح لنا الوصول الواسع الزمكاني المستمر من خلال شفافية وفخامة القانون العالمي، لتمكيني واعطائي القدرة على تصور هذا الشيء اسمحوا لي ان اقتبس هذه الكلمات من الكاتب الفرنسي المبدع والمتحفظ جان تارديو
" عندما تفكر في الفضاء من العقل ان تسأل ما هو أطول مسار ما بين واحد واخر؟ بعد بعض الوقت نقترح القياس، عشر في الثانية تحتاجه فقط لكي تنطق كلمة (خلود) " كذلك يقول " قبل ان تخلد للنوم عليك ان تصلح عقلك بين نقطتين في الفضاء، في الحلم عليك ان تحسب الوقت الذي تستغرقه للانتقال ما بين هذه النقطتين " هذه الجمل والعبارات ظلت ترافقني في احلامي دوماً كما يبدو انه لو ان تارديو وبوب ويلسون اجتمعا ولو للحظه هنا.
يمكن ان نلخص التفرد الزمني لليوم العالمي للمسرح بكلمات مقتبسه من صاموئيل بكيت جاءت على لسان شخصيه من الشخصيات التي كتبها بأسلوبه السريع حيث قالت ويني في أحد مسرحياته "كان لابد ان يكون يوماً جميلاً ".
مجرد التفكير في رسالة المسرح العالمي واختياري لكتابتها شعور من الفخر تملكني، أتذكر احلامي المليئة بالشخصيات التي اديتها، من الانصاف ان أقول انني لست وحيدة في قاعة اليونسكو بل محاطة بكل الشخصيات التي لعبتها، محاطة بكل دور غادر وأصبح في النسيان بعد ان اسدلت الستائر.
من الذي نحت حياة تحت الأرض غيري انا، انتظر المساعدة لأداء ادواري التي قدمتها او تدميرها، فيدرا، ارامينتا، اورلاندو، هيدا جابلر، مدية، مرتيويل، بلانش دوبويس، شخصياتي احببتها وأشاد بها الجمهور هي الان تساعدني على الوقوف امامكم اليوم.
أنا يونانية، افريقية، سورية، فينيسية، روسية، برازيلية، فارسية، رومانية، يابانية، فلبينية، ارجنتينية، مواطنه حقيقية هكذا أنا لذلك فأنا أنتمي لهذا العالم.
في عام 1964م تحديداً في يوم المسرح العالمي أعلن ان لورانس اوليفير بعد قرون عديدة من النضال أنشأ المسرح الوطني في المملكة المتحدة والذي تم تحويله فوراً الى مسرح دولي من خلال مجموعة من المسرحيات لان لورانس كان يعلم تماماً ان شكسبير ملكاً للعالم وينتمي اليه.
عندما قمت بالبحث لأستطيع كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح بعد ان أوكلت المهمة لي غمرتني السعادة عندما عرفت انه في عام 1962م أوكلت مهمة كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح للكاتب جان كوكتيو مؤلف كتاب " حول العالم في 80 يوم " وقد كان مرشحاً مناسباً واختيار موفق لكتابة هذه الكلمة، هذا جعلني ادرك انني بالفعل قد ذهبت في جميع انحاء العالم بشكل مختلف ليس في 80 يوماً بل فعلت ذلك في 80 عرضاً مسرحياً و 80 فيلماً وقد أوردت الأفلام هنا لأنني لا افرق بين ان امثل للمسرح أو لسينما وعندما أقول هذا في كل مرة يتفاجأ الجميع بما فيهم انا و لكنها الحقيقة انا لا أرى فرق بينهما.
هنا أقول انا لست نفسي انا لست ممثلة انا من الناس الذين يستخدمون المسرح كقناة (وجود) وعلينا ان نتقبل ذلك، او بعبارة أخرى نحن لا نجعل للمسرح وجود بل علينا ان نشكر المسرح لأنه اشعرنا بوجودنا.
المسرح قوي جداً فهو يقاوم وينجو من كل شيء من الفقر، الحروب، الرقابة، البؤس، يكفينا ان نقول إن الخشبة عبارة عن مشهد عاري من وقت غير محدد كل ما تحتاجه ممثل او ممثلة الأسئلة تثار
ماذا سيفعلون؟
ماذا سيقولون؟
هل سيتكلمون؟
أسئلة يثيرها الجمهور وينتظر اجاباتها، الكل يعلم انه ليس هنالك مسرح دون جمهور، علينا ان لا ننسى ذلك ابداً علينا ان نعلم ان شخصاً واحداً في صالة الحضور يعتبر جمهوراً، نتمنى نحن كمسرحيين ان لا يوجد الكثير من كراسي الحضور الفارغة. 
مسرحيات إونيسكو دوما كراسي الحضور ممتلئة العدد لأنه بصراحة يقدم فناً جريئاً جميلاً نستلهم ذلك من نهاية أحد مسرحياته الجريئة لأمراه عجوز تقول " نعم، نعم، سنموت ونحظى بالمجد الكامل، سنموت ونلحق بالأساطير، على الأقل سيكون لدينا شوارع بأسمائنا ".
منذ 55 عاماً بدء الاحتفال باليوم العالمي المسرحي ومنذ 55 عاماً انا المرأة الثامنة التي تم اختيارها لتقديم الرسالة واعلانها فاذا كنتم تعتبرون ذلك رسالة مني فلتكن، اجدادي يقولون " كيف يفرض الذكر نفسه في كل أنواع الكائنات ".
لاستحضار الجمال في المسرح عليك ان تتحدث عن الخيال، الحرية، الاصالة، التعددية الثقافية، عليك ان تطرح أسئلة لا يمكن الرد عليها.
عام 2013 قبل أربع سنوات من الان قال داريوفو " الحل الوحيد للازمة الراهنة هو الامل المتعلق بساحرة تصطاد ضدنا خصوصا ضد الشباب الذين يريدون ان يتعلمون المسرح لذلك سيظهر بيننا العديد من الممثلين الشباب المشتتين ومما لا شك فيه ان هذا يرسم قيداً بعوائد غير مرئية يؤثر بشكل كبير في اكتشاف الممثلين الجدد " عوائد غير مرئية صيغة لطيفة جداً تستحق ان تدرج في خطاب سياسي الا تعتقدون ذلك؟ بما انني في باريس وقبل الانتخابات الرئاسية بفترة وجيزة أود ان اقترح على أولئك التواقون لحكمنا على ما يبدو، ان يكونوا على وعي بالعوائد الغير مرئية الناجمة عن المسرح كما ألفت انتباههم انه لا يوجد ساحرة تطاردنا نحن المسرحيين.
المسرح بالنسبة لي يمثل الاخر وهو اللغة بيننا، المسرح هو غياب الكراهية، علينا ان نبدأ بالصداقة بين الشعوب حالاً وفي الحقيقة أنا لا اعرف عن كيفية تحقيق هذا، أنا مؤمنة بالمجتمعات لتحقيق ذلك، الصداقة بين المتفرج والعاملين في المسرح يستند على الاتحاد الدائم ما بين الناس والفاعلين في المسرح الذي يجمع الفنانين، المعلمين، مصممين الأزياء، الأكاديميين، الممارسين، المترجمين والجماهير.
المسرح يحمينا يأوينا المسرح يحبنا بقدر ما نحبه، أتذكر مدير مسرح من الطراز القديم كنت قد عملت معه يوماً ما كان يصرخ قبل رفع الستار في كل ليلة عرض من عروض المسرحية بكل ثبات وحزم للجمهور قائلاً " افسحوا المجال للمسرح " بهذا تكون اخر كلماتي قد قلتها في هذه الليلة.

ترجمة 
سامي الزهراني 
السعودية

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption