أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العربي. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 25 يوليو 2023

فعل التجريب بين التخريب والتهريب (44)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
من عرض شاطارا المغربية 


فعل التجريب بين التخريب والتهريب (44)

الأربعاء، 19 يوليو 2023

الاحتفالية الكتابة الحية والقراءات الميتة (43) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


الاحتفالية الكتابة الحية والقراءات الميتة (43) 

السبت، 15 يوليو 2023

ثريا جبران شهرزاد المسرح الاحتفالي (42) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
ثريا جبران شهرزاد المسرح الاحتفالي  (42)

                        فاتحة الكلام 

 (ثريا جبران الأيقونة) هو كتاب جماعي عن سيدة الاحتفال بالمسرح وفي المسرح، الفنانة ثريا جبران
ولقد سعدت بلقاء اخي وصديقي الفنان الأصيل والإنسان الجميل والنبيل ااحسن النفالي منذ يومين، وقد كان لنا لقاء بمقهى اورطينو بحي المستشفيات بمدينة الدار البيضاء، ولقد حمل لي معه هدية غالية لا تقدر بثمن،  والتي هي هذا الكتاب الذي اشرف على اصدارهرصحبة الفنان عبد الجبار خمران، وذلك في طبعة أنيقة وباذخة، ولقد تولت وزارة الثقافة المغربية طبع هذا الكتاب، والذيكتب له التقديم الشاعر حسن النجمي والمسرحي محمد بهجاجي،  ولقد كان هذا الكتاب، والذي حمل شهادات ودراسات صادقة وناطقة بالحق والحقيقة، عن المرأة الاستثنائية التي احبها المسرح، والتي احبها كل الناس، والتي كانت حزمة مشاعر جميلة ونبيلة، وكانت فيض محبة
 وهذه أول هدية يقدمها الفنان الحسن النفالي  للثقافة المسرحية، المغربية والعربية، وذلك بعد عودته من منفاه الاختياري هناك، وننتظر منه المزيد
ولقد وجدتي هذا الكتاب الهدية وانا اكتب النفس 42 من هذه الكتابة الأحتفالية لما بعد الجائحة ولما بعد بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة 

                 وثريا جبران من تكون؟

 من السؤال ابدا إذن  من تكون ثريا جبران؟
هي اسم من الأسماء الاحتفالية، أحبت المسرح، وأحبها المسرح، وقد يظهر بأنها مجرد اسم واحد أوحد، مثل كل الناس العاديين في الحياة العادية، لأن اسمها يتضمن كل الأسماء، الكائنة و الممكنة، فهي تنتمي لعالم المسرح، والذي هو علم وفن وفكر وصناعة الممكن والمحتمل، والمحتمل الذي قد يصل إلى عتبة المحال، وهي في مسرح الوجود وفي وجود المسرح امرأة ممثلة، والممثل الكبير لا يكفيه اسم واحد، وتليق به كل الأسماء، وهكذا هو الاسم المسرحي دائما، فهو في كل احتفال مسرحي جديد يتجدد، وهو في مرآة هذا المسرح السحري يتعدد، ويكون هو وغير هو، ويتمدد أيضا، باتجاه الخارج البراني وباتجاه الداخل الجزاني، وهو يتجدد بتجدد بتجدد الحالات والمقامات وبتجدد المواقف والعلاقات، وثريا جبران هي ذات بامتدادات لا متناهية، ذات إنسانية هي بسعة الوجود، وبعمق الحياة وبغرابة السحر وبمتدادات التاريخ، ولقد عاشت في روح وجسد أم عنترة في احتفالية (عنترة في المرايا المكسرة) وكان ذلك مع فرقة المعمورة سنة 1974 وبهذا فقد أمكن أن نقول بأن الأصل في هذه المرأة هو أنها ممثلة، وأنها ليست عمرا واحدا ولكنها حزمة أعمار، وقبل هذا هي كائن إنساني وكوني ومدني استثنائي، وكل ما في الوجود المسرحي هو حالات ومظاهر وظواهر استثنائية، هي كائن مسرحي يحيا الحياة بصدق، وتحيا بداخله الحياة، وهي الذات التي يختزل في رؤيتها كل الأشكال وكل الأوزان وكل ألوان الطبيعة، وبهذا فقد كانت دائما على موعد مع التاري× وكانت من الفاعلين الصادقين في هذا التاريخ، ولم تكن مجرد ضيف عابر فيهه وفي أحداثه ووقائعه، وهي في تاريخ المسرح المغربي والعربي فاعل تاريخي، وكان لها حضور  في فضاءات وامتدادات التاريخ المعاصر، وهي لا تنسى بأنها أساسا ممثلة، ليس فقط على خشبة مسرحية محددة ومحدودة، ولكن في عوالم وأكوان لا متناهية ليس فيها إلا المسرح الوجودي الحي، وهي تدرك أن كل ما في هذا المسرح الوجودي ممثلون، وأن بغضهم يعرف أنه فقط يمثل دوره، وأن أغلبهم يجهل أنه يمثل، وهو بهذا لا يعلم أن هذه المسرحية الوجودية والتاريخية  لها فضاء محدد، ولها زمان معروف، ولها موضوع محدد، ولها هدف محدد، ولها أفق بعيد محدد، ولها مضمون فكري وإنساني واسع وعميق، ولهذا كان المسرح لديها أسئلة ومسائل، وكان لعبا جادا، وكان ضحكا عاقلا على غباء بعض المخلوقات وعلى عبثية بعض مظاهر الحياة، سواء في مستواها الاجتماعي أو في بعدها السياسي
ثريا جبران، هي ممثلة واحدة نعم، ولكن بأسماء وبأدوار وبأزياء وبأقنعة وبحالات ومقامات كثيرة جدا، وهي ممثلة احتفالية، في عالم صناعي ضيع حيوية الاحتفال وشفافية الاحتفال وصدق الاحتفال روح الاحتفال، وكل هذا من غير أن يضيع جمرة الاحتفال فيه، والتي يتضمنها عشق الفرح، والإيمان بالحق في الفرح، وبالدعوة إلى التلاقي الإنسان والمدني، وجمرة هذا الاحتفال، قد تختفي مؤقتا بين الرماد، ولكنها تظل في انتظار من يوقدها ومن يوقظها من جديد

                        ثريا جبران بين عالمين

في كتاب ( الرحلة البرشيدية) والذي هو رحلة افتراضية في عالم افتراضي، يلتقي ذلك الراحل الذي يحمل نفس اسمي، وأستعير نفس حياته، يلتقي بشخص التاريخ وبشخص ساعي البريد وبالكاتب وبالمخرج وبالممثل وبالممثلة، ولقد كانت ثريا جبران هي من يمثل هذه الممثلة الاحتفالية، والتي جعلتها في الكتاب تقول ما يلي:
(المسرح بيتي ومسكني، بيتي الذي أعيش فيه وأحيا، والذي لي فيه أهل وأحباب، ولي فيه جيران ورفاق درب، أما التلفزيون فهو عندي مجرد نافذة، أو هو مجرد شرفة عالية في هذا البيت العالي، والأحمق من يبيع بيته كله، من أجل أن يشتري جزء فيه، يشتري بابا أو نافذة أو شرفة أو عتبة جميلة، والأهبل من يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ومن يقنع بنافذة في حجم صندوق، نافذة تطل على العالم، وتطل على الناس من بعيد.. إنني أخاف يا سيدي.. أخاف أن أضيع أهم الأشياء وأخطرها في هذا الفعل الذي يسمى التمثيل..) 
وهذه المرأة الممثلة، ولأنها احتفالية، ولأنها عيدية الرؤية والرؤيا، ولأنه في فعل هذا الاحتفال دائما، توجد شحنة معينة من السحر ومن الغرابة ومن الإدهاش، فقد كانت حياتها ملحمة شعرية، وكان في حياتها وفي فنها عين العراف ولمسة وخفة الساحر، فهي (لا تمشي كما يمشي كل الناس، لأنها لا تلمس الأرض بقدميها) وما قد تأتيه من فعل في حركاتها، هو دائما  (مشي كالرقص، أو هو رقص كالمشي) هكذا تحدث عنها المسافر الاحتفالي في رحلته الاحتفالية
وهذه الحركات والإشارات في المسرح، والتي نظنها مشيا أو رقصا، ألا تكون ـ مثلا ـ شيئا آخر، وأن يكون لذلك الشيء الآخر اسمه الآخر، والذي ينبغي أن نبحث عنه؟ ألا تكون ـ مثلا ـ ( صلاة يا صاحبي الظل، أو تكون شبه صلاة ونحن لا ندري؟) 
وقد هو الاحتفال والتعييد في الفضاء الجديد وفي الزمن المسرحي المتجدد، هذه مجرد تساؤلات الباحث والمنظر، والذي ألعب أنا الآن دوره، أما هي، الممثلة الاستثنائية، في الزمن المسرحي الاستثنائي فقد قالت (هو مشي بمرتبة الرقص) وهو أيضا (رقص في درجة الصلاة، وهو سير على الأرض بدرجة التحليق في السماء) وممثل يمشي على الأرض، كما يمشي على خشبة المسرح، لا يمكن أن يبلغ درجة الاحتفال في المسرح وبالمسرح
وقدر هذه المرأة الممثلة، هو أنها تنتمي إلى عالم المسرح، وبفعل سلطة وسلطان هذا المسرح،فإن عالم هذا المسرح، وهي على خشبته وفي كونه ومناخه، يصبح منتميا لها، بالقوة والفعل معا، وتصبح هي المركز في الدائرة، وكل الأضواء مسلطة عليها، والأصل في هذا العالم الواقعي، بكل محمولاته المادية والرمزية، هو أنه يحمل مضاعفه فيه، فهو الواقع وما فوقه، أو هو ما تحته، و هو ما خلفه، وهو اليقظة والحلم، وهو العلم والسحر، وهو النثر والشعر، وهو المعلوم والمجهول، وهو الممكن والمستحيل، وهو الحاضر والغائب، وهو الظاهر والخفي، وإن كل من يسكن هذا العالم المسرحي، بكل علمه وسحره، ينتمي بالضرورة إلى عالم الجن والملائكة، بحسب لغة توفيق الحكيم، ولعل هذا ما يجعل ثريا جبران في المسرح (لا تسير مثل كل الكائنات التي لها أقدام، ولا تطير ككل الطيور التي لها أجنحة، ولكنها تنساب في المكان كالماء والهواء) 
وعن هذه الممثلة الاحتفالي يقول المسافر في رحلته، بعد أراها (وهي ترقص على الوحل بقدمين حافيتين.. إنها تتلوى وكأنها منديل في مهب الرياح، أو كأنها شعلة نار تلاعب الهواء) 
يا الله.. في عينيها شيء كثير من السحر ومن الجاذبية السحرية..
جسدها يملأ كل المكان، وكأنه لا أحد في هذا المكان إلا هي وحدها 
وهي تملأ هذه اللحظة الساحرة والعجيبة والحية وحدها، وكأنه لا أحد فيها إلا هي وحدها وعطرها يملأ كل أرجاء هذه المدينة كلها، وكأنه لا عطر في هذه العوالم الافتراضية إلا عطرها وحدها)
هذه الممثلة (نظراتها جمر، وكلماتها جمر، وحركاتها جمر، ورقصها جمر، وأنفاسها جمر، وأحوالها جمر، فمن عساها تكون؟ إنسية هي أم جنية؟) وردا على هذا السؤال فهي تقول (هي إنسية من عالم الجن، وهي جنية من عالم الإنس)  
نعم، وفي الفنون كثير من الجنون،
وهي (فراشة تهوى النور، وتعشق الضياء، ويصر بعض النور على أن يكون نارا حارقة) والتي قد تصبح في صدر الممثل الساحر ( بردا وسلاما)
هذه المرأة الممثلة، هي التي نطقت في الرحلة الافتراضية وقالت (أنا ممثلة في مسرحية هذا الوجود، تماما كما أنت وكما نحن، كلنا نمثل، أنا ممثلة تمثل حياتها، وفي حياتها تمثل حياة كل النساء) وهذا هو سحر المسرح، فهو المكان الذي يختزل كل الكون، وهو اللحظة التي تختزل كل تاريخ البشرية، وهو الممثل الوجودي الذي يختزل في جسده وروحه كل الممثلين في مسرح الحياة

                       ممثلة تحتفي بالحياة والأحياء

ولأنها احتفالية، فهي مع البياض وضد السواد، وهي مع الحضور وضد الغياب، وهي مع الهزل الجاد وضد الجدية المتزمتة، وهي مع الفكر المقنع، ومع الفن الممتع، وهي مع الصدر الواسع، في الفن والفكر والسياسة، والذي لا يضيق عن أي أحد، وهي مع السهل الممتنع،هي الضاحكة المضحكة بمفارقاتها الغريبة والعجيبة، ولها في عالمها المسرحي الخاص ضحكة مسرحية خاصة ( ضحكة مدوية، فيها رنة وغنة، وفيها طرب وموسيقى)
وهي في حقول المسرح (سنبلة في مهب العاصفة الحمقاء حمقا جميلا) وهي (المجنونة جنونا عبقريا.) وهي التي قالت عن نفسها في الرحلة البرشيدية الافتراضية (إنني أتلوى ولا أنكسر، وأنحني مثل كل السنابل الممتلئة ولا أنكسر. وقد تنكسر الريح ولا أنكسر أنا)
 ولأنها ممثلة، ولأن التمثيل هو أدوار وتبادل أدوار، فقد كانت أكبر من أن  تكون دورا واحدا، وذلك في مسرحية واحدة، كتبها مؤلف مسرحي واحد، وذلك في زمن واحد، في موضوع واحد، ولقد كنت أنا أحد الذين كتبوا لها، وكتبوا عنه، وذلك في ثلاث مسرحيات هي ( عنترة في المرايا المكسرة) و( العين والخلخال) و( النمرود في هوليود)  
وهي فعلا مواطنة إنسانية وكونية بعمر واحد، ولكن هذا العمر لا يقاس بالزمن الفيزيقي، وهو أكبر من الساعة، وفي هذا العمر الواحد كانت لها مسارات وجودية وفكرية وجمالية وأخلاقية متعددة ومتمددة ومتجددة، فهي هي هي في حياتها اليومية، وهي غير هي على خشابات المسارح، فهي ذات متحولة بفعل سلطة المسرح وبفعل سحر المسرح، والممثل تحت الأضواء المشتعلة لا تكفيه حياة واحدة، ولا أن يسع عمقه الفكري والروحي والوجداني عمر واحد، ولا يمكن أن تكفيه مسرحية واحدة
وفي كتاب ( ثريا جبران الأيقونة) يقول الاحتفالي في شهادته ( ولأنها فنانة مالية وحالمة، فقد كان ضروريا أن تصطدم مع صخرة هذا الواقع، وأن ترفض وقائعه وصوره المختلفة، وفي ( الرحلة البرشيدية) يأتيها صوت يقول لها ّ لا تستغربي ,, هكذا هو الواقع دائما، وهذه هي طبيعته يا سيدي..
إنه لا يطاوع إلا الطائعين والطيعين، فهل أنت منهم؟
ويكون ضروريا أن تقول ( أنا؟ لا .. أنا ما كنت منهم يوما، ولن أكون أبدا، ّ وفعلا فهي ليست منهم، وهي لا تشبه أحدا، بل وهي لا تشبه نفسها في مسرحيتين مختلفتين)
ودائما في نفس كتاب ( الرحلة البرشيدية) يلتقي الاحتفالي المسافر بامرأة صدفة، وعن ذلك اللقاء يقول (لقد رأيتها وهي في زي ملكة من ملكات الحكايات والخرافات والأساطير.. رأيتها.. رأيتها تجرر خلفها أذيالها، وتمشي حافية القدمين، واندهشت لما رأيت)
وفنان لا يدهش ليس فنانا حقيقا، و(مبدع) وفنان لا يزلزل أرضك الفكرية والجمالية ما علاقته بالإبداع؟
والاحتفالية الحقيقة، وبخلاف ما قد يفهم البعض، ليست ظاهرة صوتية، وليست كلاما يمكن أن يسمع، وليست مجرد صورة ملونة يمكن التفرج عليها، وهي في جوهرها (احتفالية الفكر واللسان، واحتفالية الروح والوجدان) وهي احتفالية الخيال الخلاق، وهي احتفالية الحضور والامتلاء، وهي المدهش الذي له معنى، وكل استعراض للمواهب والكفاءات، بشكل نرجسي، لا يمكن أن يرقي لأن يصبح احتفالا مسرحيا كاملا ومتكاملا
وثريا جبران، في كونها المسرحي، هي الأنثى (والأنثى هي الأرض وهي السماء وهي الماء، وهي أم الحياة والأحياء.) وهذه الأنثى هي أيضا أم (أم  كل الاحتفاليين المجانين..)وهي أخت ورفيقة وصديقة   
وهي في المسرح شخصيات، وهي مقامات، وهي أدوار تدور مع دوران الأرض ومع دوران ألأيام والليالي والأعوام،ومع دوران الأجرام السماوية ومع الدم في العروق ومع دورا الفصول في الطبيعة، أما عن أحب الأدوار إليها، فإنها في تلك الرحلة تقول هي (التي لم أعشها بعد، وهي التي لم يكتبها كاتب بعد، وأما أحب كل الأدوار إلى نفسي فهو دور الأنثى، لقد تماهيت في جسد ووجدان وروح أمنا الأنثى، فكنت أنا هي وهي أنا، ومثلت كل أدوارها الكائنة والممكنة، لقد مثلت دور الأرض، ولعبت دور الحياة، وجسدت دور الدنيا، وارتديت زي الحرية، ورآني المتنبي في دور الحمى، ووضعني كثير من الكتاب في دور العاصفة، وتصورني الآخرون في صورة الموت وما أنا إلا حياة وحيوية)
ولأن التمثيل فعل للتحول والتشكل، يقيل فيه الجسد كل هيئة وكل صفة، فقد كان من حق 
هذه الممثلة الاحتفالية، وهي أنثى، أن تلعب دور الرجل، وأن تجرب فعل تبادل الأدوار، 
وقد تبادل، وقد تم ذلم في مسرحة ( بوغابة) والتي هي اقتباس عن مسرحية ( بونتيلا 
وتابعه ماتي ) لبرتولد بريشت، والتي استنبتها في اتربة الاحتفالية المغربية الكاتب المسرحي محمد قاوتي  
وتبقى، رغم تحولاتها وتشكلاتها المسرحية، هي (الأنثى الموجودة بين النسمة والعاصفة، 
والمختبئة بين الحياة والموت، والساكنة بين النور والعتمة، والعالية علو غيمة أو نجمة) 
هي الفنانة الاحتفالية التي تعيش الفرح، وتحلم بالفرح، والتي تسعى من أجل إدراك الفرح 
الحقيقي، وأن يكون هذا الفرح صادقا ومستحقا وعاما ومشتركا ومقتسما، وأن يكون مشاعا 
مثل الماء والهواء، ويسوءها أن يكون في ظلام الأيام شيء من السواد، ويسعدها أن 
يكون الفرح مستخرجا من بطن الحزن، وأن يكون غنيمة في حرب الوجود والحياة، ولهذا 
يكون من حقها أن تقول (إنني أشعر بشيء من الغبن وبشيء من الغربة، وتعبرني اليوم 
سحابات رمادية من الكآبة العابرة، وتغمرني حالات من الخوف والقلق، وأشعر بأن هذا ا
الواقع قد خذلني)
ويأتيها صوت، من مكان ما، يقول لها (لا تستغربي.. هكذا هو الواقع دائما، وهذه هي 
طبيعته يا سيدتي.. إنه لا يطاوع إلا الطائعين والطيعين، فهل أنت منهم؟)
ويكون ضروريا ن تقول ( أنا؟  لا، أنا ما كنت منهم يوما، ولن أكون أبدا)

                        اختيار الأفكار أم اختيار الواقع؟

هي الإنسانة والفنانة التي تعرف وتدرك، بأن هذا الواقع، بكل وقائعه الغريبة والعجيبة في 
أغلب الحالات،  (لا يخالف إلا المخالفين والمختلفين من أمثالنا.. أنت الآن بين
اختيارين لا ثالث لهما، إما أن تغيري أفكارك أو تغيري الواقع، فماذا تغيرين أنت؟
ولأنها مِؤمنة بمسارها الوجودي، ولأنها مؤمنة بصدق اختياراتها الفكرية والجمالية والأخلاقية فيه، ولأنها مقتنعة بأن الأصل في الفكر وفي الفنون وفي الآداب هو أن تتغير دائما، وأن تتحول، وأن تتجدد، وذلك باتجاه الممكن الأجمل والأكمل والأنبل،  انطلاقا من هذه القناعة المبدئية، فقد اختارت أن تكون في هذا الواقع، هي المحرك الذي يحرك ويتحرك، وقالت (أختار تغيير هذا الوقع يا سيدي)
هي الممثلة المطلوب منها أن تمثل للناس، ولكنها تصر على أن تحتفل ( مع) الناس، وأن يكون ذلك في مسرح الناس، وأن تكون الحكواتية التي لا تحكي ونحاكي حكايات الأمس، وأن تكون الممثلة التي تحيا حياتها المسرحية داخل ( مسرح اليوم) وقد يظهر بأنه تمثل، في حين أن الحقيقة عكس هذا، فهي لا تمثل، ولا ينبغي لها أن تمثل  لأن (الأصل في الممثل ألا يمثل، والأصل في الحياة ألا تمثل أيضا، وهي لا تقبل سوى أن نعيشها بصدق وعفوية..)
(والتمثيل هو ألا تمثل) هكذا قالت الممثلة الاحتفالية
(وإذا حدث ومثلت؟) ولأن إمكانية أن يمثل كثير من الممثلين كائنة وممكنة، فقد تساءل المتسائل وقال::
ليكون الجواب هو (آه، يضع كل شيء يا سيدي، ويصبح العقد بين الممثل والجمهور لاغيا) وهذا العقد الضمني والخفي يقتضي أن يمثل الممثل من غير أن يشعر الجمهور بأنه أمام تمثيل، والمطلوب في التلاقي المسرح دائما هو أن يكون الأداء مقنعا، وأن يكون بسيطا، وأن يكون عفويا، وأن يكون تلقائيا، وأن يكون بعيدا جدا عن الصناعة والتصنع   
في كتاب ( ثريا جبران الأيقونة ) يطرح المفكر الاحتفالي السؤال التالي عن المعنى الحقيقي بفعل التمثيل  وعن الفاعل الممثل في هذا التمثيل وماذا يمكن أن يكون هذا الإنسان الذي نسميه الممثل؟  و( هل الممثل يمثل أم الممثل يتمثل؟ أي أنه يتمثل الشخصيات، ويتمثل الحالات، ويتمثل الوقائع، ، ويتمثل المواقف، ثم يعيشها بصدق وتلقائية، ويحياها كأنها حياته الممكنة أو حياته الأخرى المفترضة)  
والأصل في فعل هذا المسرح أنه حضور، كامل وكلي، حضور الممثل جسدا وعقلا ووجدانا وروحا، وفي المقابل، ينبغي ألا يكون شريكنا في  التعييد المسرحي غائبا أو مغيبا،  وبالنسبة للتمثيل الاحتفالي فهو حضور في الزمان الآن وفي المكان هنا، حضور هو مقتسم بين جسدين حيين، وبين روحين فاعلين، وبين عقلين مفكرين، وبهذا كان الحلم في هذا التلاقي مباحا، وكان الوهم ممنوعا، وما يشدنا أكثر في أداء ثريا جبران، هو إحساسنا بأنها ترانا وتسمعنا، وبأنها تعرفنا بأسمائنا في الظلام، وبالمقابل، فهي الممثلة الذي تقنعنا بصدق أدائها بأنها تحكي لنا حكيا صدقا، ومنذ البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي تم التأكيد على الاندماج الواعي في مناخ الاحتفال المسرحي، ولعل أخطر شيء أكدت عليه الاحتفالية دائما، هو فعل تغييب عقل الجمهور، وهو فعل تغييب فاعلية الجمهور، وهو فعل التمويه على الجمهور، وذلك من خلال ما يسمى بالإيهام المسرحي، فاللحظة المسرحية هي عام وشمل ومتكاملا، هي حضور الممثل الذي ليس ممثلا، وحضور الجمهور الذي ليس متفرجا، وحضور المسرح الذي ليس عرضا، والذي هو في حقيقته فعل احتفال وتعييد مشترك، في اللحظة العيدية والاحتفالية المشركة، وبالنسبة للاحتفالية فإن (فعل تغييب الناس هو اعتداء على حقهم في الحضور، وهل القتل إلا اعتداء على الحق في الحضور، والذي هو عنوان حياتهم وحيويتهم؟)
ومع ثريا جبران ندرك بأن الممثل في المسرح هو أساسا إنسان حي أولا، وهو إنسان فاعل وعاقل ثانيا، وبهذا فهو ليس مجرد صورة في معرض الصور، وليس مجرد ظل متحرك في مسرح خيال الظل، وليس مجرد دمية في مسرح الدمى، ولأن ثريا جبران تعرف أنه جسد وروح، وأنها أسئلة ومسائل وقضية، فقد أنطقتها الرحلة البرشيدية وجعلتها تقول (إنني ممثلة ولست عارضة أزياء، ولست جسدا في مسابقة اختيار ملكات الجمال، ولست جسدا يمكن أن يؤجر أو يباع، ولست جارية في سوق النخاسة، والممثل أساسا فضيلة وكرامة وحرية ومسئولية) 
وهذا الممثل الإنسان هو أساسا قيمة وقامة في مسرح الوجوج وفي وجود المسرح، وفي هذا المسرح، ترتدي ثريا جبران الأزياء المسرحية التي تقول شيئا، الشيء الذي يشعرك بأن هذه الممثلة ليست عارضة أزياء في حفل لعرض الأزياء، وهي، أولا وأخيرا، وعي نقدي، وهي فيض وجدان، وهي خيال خلاق، وهي حزمة علاقات حية متجددة، مع الممثلين الآخرين، ومع المكان ومع الفضاء ومع الزمان ومع المناخ الاحتفالي العام، والتي هي فيه مبدعة خطاب، وهي صانعة حالات وهي حاملة أفكار، وبهذا فهي ليست مجرد جسد بقوام جميل، وليست مجرد حركات وتمرينات رياضية، قد يكون لها معنى وقد لا يكون، ولقد سبق وقلت مرات عن ثريا جبران بأنها الممثلة التي لا تفرج الناس عليها، ولكنها الممثلة التي تشير بأدائها وبإلقائها إلى عيوب المجتمع وإلى أعطاب الواقع وإلى أمراض بعض النفوس والعقليات  
وهي في مسرحها مقتنعة بأن (فعل التفرج شيء سهل جدا، وهو لا يتطلب أي مجهود، والمتفرجون على الواقع يتبرأ منهم الواقع، والمتفرجون على التاريخ سوف يلعنهم التاريخ يوما) وهي أيضا، لا تريد أن تعلم الناس في المسرح، وأن تكون في هذا المسرح معلمة، لأنها تعرف أن المعلمة الحقيقية في الحياة هي الحياة

الثلاثاء، 11 يوليو 2023

نحن والزمن الظاهر والخفي (41)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
د.عبد الكريم برشيد

نحن والزمن الظاهر والخفي (41) 

الثلاثاء، 4 يوليو 2023

روح الفنون والجنون في احتفاليات الروح (40) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


روح الفنون والجنون في احتفاليات الروح (40) 

السبت، 1 يوليو 2023

العقل الاحتفالي المجدد في العالم المتجدد (39) / دعبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


العقل الاحتفالي المجدد في العالم المتجدد (39)

الأحد، 25 يونيو 2023

الاحتفالية ..الكتابة الحيوية في زمن الصورة والتصوير (38) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 

الاحتفالية ..الكتابة الحيوية في زمن الصورة والتصوير (38) 

الجمعة، 23 يونيو 2023

ازمة المحاكاة في المسرح العربي / يوسف السياف

مجلة الفنون المسرحية


ازمة المحاكاة في المسرح العربي

الأربعاء، 21 يونيو 2023

الاحتفالية تفكير ونظام في التفكير (36)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


الاحتفالية تفكير ونظام في التفكير (36)

                    فاتحة الكلآم

الشهر الماضي، في حياتي، كان شهر السفر والترحال، وذلك بحثا عني أولا، وبحثا عن الزمن الضائع ثانيا، وبحثا عن بعض الوجوه ثالثا، والتي تستحضر ها الذاكرة الحية، ويستحضرها الحنين دائما، والتي لا يمكن ان يغيبها النسيان ابدا، وهل يمكن ان ننسى إلا ما نريد نسيانه؟ 
وعبد العزيز ابو شيار، هو أحد الوجوه التي لا يمكن ان تنسى، وهو صديق وأخ ورفيق من مدينة ابركان السعيدة، وهو شاعر بالكلمة وبالصورة، وبكل اللغات الظاهرة والخفية، وهو صوت الشرق الشعري الصداح، وفي شعره يحضر الحكيم العراف، ويحضر النحات والرسام، ويحضر الحكواتي والمؤرخ ، ولقد سعدت، انا الاحتفالي السعيد، في الأيام الاخيرة الماضية، بزيارة مدينة ابركان، وكنت برفقة اخي نور الدين برشيد، الشاعر الزجال والمناضل النقابي والحزبي، وكان اجمل شيء قمنا به في هذا الحج إلى الديار التي مازالت تسككنا، هو زيارة قبر الوالد، الشريف، الحاج المصطفى البكاوي الوكيلي الإدريسي، وكان هو تجديد قبره الذي يوجد بقرب ضريح سيدي احمد ابركان، العالم الذي تحمل المدينة اسمه
الشاعر عبد العزيز ابو شيار، في تعليقه على كتاباتي الاحتفالية الأخيرة، نطق وكتب وابدع شعرا صادقا وقال صديقي الاحتفالي الغالي ,,أعمالك الخالدة تتحدث عنك 
وأنت علم من أعلام المسرح العربي بل العالمي ولك مني هذه الأبيات هدية :
هي السماحة لا تفنى جواهرها
حن الفؤاد لها في طيها نِعَمُ
في فرجة بهرت من عرض ملحمةٍ
أ الفنُّ أنطقها أم للزمان فم ؟
في مسرح أبدع الدراما وأخرجها 
هذي الفصول يراها العرب والعجم
من أنكر الفضل للفنان مبدعِها 
عَن آلِ فَضلٍ لَقَد ضَلّوا وَقَد وَهِمُوا
من عينها فتحت للعالمين رؤى
منها بدتْ عِبرُ الإلهام ترتسم
القلب كَنّ شُموسا أنتَ مُشْرِقُها
بها أنرتَ وجودا وانمحى العدمُ
لك ارتدى الكرمُ بالمخيالِ سُندُسَهُ
باخوسُ في يدهِ الكاساتُ والنَّغمُ
هذي الكوميديا هنا ترتاد سخرية 
و للفصول حضور ليس ينصرمُ
إن المسارح أولى أن تُشدَّ لها
كلُّ الرحالِ وأن تمشي لها قدمُ
أرى الخيال بها يختال في كتبٍ
تشتاقها الخشبات الغُرُّ و القلمُ
عطيلُ أنشد للأكوان أغنيةً
الخير فيها بهذا الشر يحتدمُ
بريختُ أبدع للإنسان ملحمةً
جمهورها في جدارِ الوهم ينهدمُ
أبو الفنون سماء في معارجها 
غنى الجمال و في رحلاته حُلُمُ
قد أقبلت نحوك الأنوار مذعنة
طَوعاً لفنك وَ اشتاقت لَكَ الأُمَمُ
فَانهَض وَسِر وارفع الأستارَ قَدْ ضَمِنَتْ
لَكَ المسارحُ ما تَرجُو وَتَحتَكِمُ
ويسعدني غاية السعادة أن يكون لفعل الكتابة لدي رد فعل، وأن أجد في الناس من يسمعني ومن يفهمني، وأن ياتي ذلك من قامات كبيرة  في العلم والفكر والفن، ولقد كان العالم الفنان والمؤرخ د. السيد علي من مصر، قريبا جدا من أحلامي ومن عوالمي الحقيقية الافتراضية، ولقد سبق أن اخذ طلبته إلى مسرح الطليعة بالقاهرة، من أجل قراءة ومناقشة مسرحية (اسمع يا عبد السميع) ولقد ادرك في كتاباتي ( الأخيرة شيئا) غير طبيعي، فكتب معلقا على إحدى كتاباتي قائلا
(عالمنا الجليل ... كلماتك رائعةبقدر روعة عقلك وتفكيرك .. لا تهتم بالآخرين .. ولا تهتم بما يكتبونه أو يقولونه ... المهم أنك موجود وتفكر وتكتب ... وستظل كلماتك - وكتاباتك - نبراساً للأجيال القادمة .. وهذا هو دورك الذي خلقت من أجل القيام به!) 
شكرا اخي وصديقي د. السيد علي، وشكرا لكل الذين يؤمنون بالاجتهاد، وبالحق في الاجتهاد، ومن هؤلاء اخي وصديقي الفنان المسرحي والتشكيلي والإعلامي حسن عين الحياة، والذي كتب معلقا على ما اكتب
(رائع... تحتفل السي عبد الكريم في كل شيء.  في الحياة وفي المسرح، والأكثر من كل ذلك تحتفل باللغة، ومن داخل اللغة، كما لو أنك تؤسس قاموسا احتفاليا.. تحياتي الخالصة.
اما الأستاذ عبد العظيم هريرة، والذي هو الكاتب المجد، وهو القارئ المجتهد، فقد كتب لي يقول
=أستاذي الذي على نصوصه منذ قرابة نصف قرن عملت، ومن بحر شخصياته غرفت، وبمدرسته الاحتفالية تعلمت، وموهبتي صقلت ... ربما يتكالب على فكرك المتكالبون وينكر أستاذيتك المنكرون .. 
إما لقزمية قاماتهم أمام مارد هامتك .. أو لفراغهم الذي لا يجدون له ما يملأه ... 
وبكل بساطة أدعو كل من يعنيه الأمر، ويرى في نفسه التفوق والريادة .. أن يجيب على مقالتكم هذه، ويفحم ما جاء فيها من الدروس ... دروس معلم أجيال ستستمر للأجيال القادمة، حيث سنكون في عالم النهاية البداية.
إليك أرفع القبعة وانحني احتراما وتقديرا وعرفان)
واكتفي بهذا القدر من الكتابات، فقط ليعلم الجميع انني اقرأ كل ما يكتبه الكاتبون، وبأنني اكتب لهم وعنهم، واكتب من اجلهم ومن اجل الحياة، ومن اجل يوم الاحتفال، والذي هو سيد وسلطان كل الأيام 

                 سوء الفهم ام سوء التفاهم؟ 

مرة، كتبت في جريدة (النهار المغربية) مقالة مطولة بعنوان (الاحتفالية وسوء الفهم الكبير ) والى حدود هذا اليوم، فمازلت اؤمن بأن هذه الاحتفالية لم تفهم، بشكل حقيقي، ولو انها فهمت، ما ظلت تكرر نفس الدرس، وتعيد شرح الواضحات، وتفسر ما تم تفسيره، وتبين ما تم تبيانه في البيانات وفي الكتب النظرية وفي الإبداعات المسرحية وفي الحوارات وفي الندوات والمحاضرات
وأتساءل اليوم، كما تساءلت بالأمس، هل يتعلق الأمر بسوء فهم، لخلل ما في جهاز التلاقي، ام هو سوء تفاهم، له ارتباط بطبيعة العلاقة بين الاحتفالية وقراءها، والتي قد تكون علاقة غير سوية وغير منطقية، وبها لم تنتج شيئا سويا ومنطقيا ومعقولا
وسوء التفاهم هذا، قد يكون معناه اصرار كل جانب ان يكون له عالمه الخاص، وأن يكون هذا العالم مغلقا على نفسه، وأن تكون له لغته الخاصة، والتي قد لا يفهمها احد سواه، وتكون له حقيقته النهائية، والتي لا تقبل الشك، ولا تقبل النقد، ولا تقبل الاختلاف، ولا تقبل المراجعة، ولهذا فكثيرا ما تحدثت الاحتفالية عن شيء محدد من الأشياء، ولكن بعض المتلقين فهموا أشياء أخرى مختلفة. َغايرة، ولقد جاءهم الرد بلغات أخرى، َوفق منطق أخر
ونظام التفكير الاحتفالي هو نظام عقلاني، منطقي وواقعي، وهو لا ينطلق من الفراغ ولا من الخواء، وهو يؤكد على المحسوس وعلى الملموس، وهذا هو ما يفسر وجود الأقانيم الأساسية الثلاثة في هذا النظام الفكري الاحتفالي، والتي هي النحن وهي الآن وهي الهنا، وهذا ما يوضح كثيرا من الأمثال و(الحكم) في نظام تفكيرنا الواقعي اليومي، والتي نجد من بينها احتقار (النحن) وعدم تقدير الهنا، ويظهر ذلك في الأمثلة التالية
(مغني الحي لا يطرب) 
و(لا كرامة لنبي في وطنه)
وهذا القفز على الهنا الأقرب، هو الذي جعل جحا، عندما سئل عن موقع اذنه، يشير باصبعه إلى الأذن الأخرى الأبعد، وهذا النظام - اللاعقلاني واللامنطقي - هو الذي تنتقده الاحتفالية، من أجل نظام عاقل، ومعقول، ومتجانس مع الحق والحقيقة
وهذه َالاحتفالية لا ترضى بغير الحقيقة التامة والكاملة، والتي لا تقبل التجزيء، وهي لا تؤمن بوجود شيء يمكن ان يكوننصف الحقيقة  او يكون ربع الحقيقة، او يكون شيئا يشبه الحقيقة
وهناك من يرضى بأن يكون هو غير هو، أو يكون فقط نصف هو، أو يكون مجرد شبيه، لجسد آخر غيره، ان يكون الثاني لواحد هو الأول، أو يكون الأصغر لواحد هو الأكبر، أو ان يكون مجرد نسخة لواحد غائب هو الأصل
وهناك في الناس، من يرضى بأن يكون ظلا من الظلال، أو يكون فقط صدى لصوت من الأصوات، أو يكون مجرد شبيه لاسم ناجح ومشهور،  سواء في عالم النثر او في دنيا الشعر، أو في مجال الفكر او في مجال الفن، وقد تجد من النقاد من يريد أن يمدح مسرحيا فيذمه، من حيث يدري او لا يدري، فيشبهه بمسرحي عالمي كبير، وهذا ما يمكن ان نجده في نعت يعقوب صنوع بأنه (موليبر مصر) او القول بأن الكبير  احمد الطيب العلج هو (مويير المغرب) وقد يلحق هذا التشبيه، والذي لا معنى له، فتشبه بعض المدن الجميلة بأنها باريس مثلا، ولقد قيل عن مدينة الإسماعيلية المصرية بأنها (باريس الصغيرة) ولماذا الصغيرة؟ ونفس الشيء كان يقال في زمن من الأزمان عن مدينة مكناس، مع ان مكناس لا تقل عرا4ة وحضارة وجمالا عن باريس؟

           نقد نظام التفكير ونقد مناخ التفكير

في هذه الاحتفالية نقد واضح وصريح، وخلف هذا النقد موقف فكري وجمالي واخلاقي بكل تأكيد، وهذا الموقف هو جزء فقط من منظومة فكرية وجمالية وأخلاقية شاملة وَمتكاملة، وما يميز هذه المنظومة هو انها قائمة على أساس رؤية احتفالية وعيدية للوجود وللحياة وللتاريخ ، وما يهم الاحتفالي اكثر، في نقده، ليس هو الأشخاص، وليس هو بعض الهيئات التي تستحق النقد، ولكنه نظام التفكير العام، والذي يسري على كثير من الأدباء ومن المفكرين ومن الفنانين ومن المبدعين
وهذه الاحتفالية لا تؤمن بشيء يمكن ان يسمى العقل المغربي او العقل العربي، وما هو موجود هو نظام في التفكير المغربي والعربي، ولهذا النظام خصوصيته التي تميزه، والتي هي اللا عقلانية، وهي الاحساس بالدونية، وهي الإيمان بالغيب، وهي الافتار إلى الوضوح في الرؤية، وهي الافتقار إلى الجرأة في التعبير عن الرأي، إن كان لهذا الرأي وجود حقيقي، وهي الافتقار إلى الثقة بالنفس، وهي الإيمان بأن الآخر، في المكان الآخر، وفي الزمان الآخر  وفي الثقافات الأخرى، وفي اللغات الأخرى، هو الأصل، وهو المبتدأ والمنتهى، وهو الفكر، وهو العلم، وهو الفن، وهو الجمال،  وبهذا يكون هذا الآخر، هو مقياس كل شىء
ولعل هذا هو ما يفسر ان تظل الاحتفالية هي هذا المغني الذي لا يطرب في حيه، وهي النبي الذي لا كرامة له في وطنه وفي زمانه، وهي الصوت النشاز، والذي لا يردد ما قيل وما كتب لدى الآخر هناك
والاحتفالي الحقيقي،هو ذلك المفكر الذي لا يترجم، ولا يقتبس، ولا ينقل المعلومات، والذي لا ينضبط لنظام التفكير العام، والقائم على النقل وحده بدل العقل، وعلى الاتباع بدل الإبداع، وعلى الاتباع بدل الإبداع 
والذين يتحدثون اليوم عن السلفية وعن الحداثة، لا يعرفون ان في حداثتهم كثير من السلفية، وأن وجود الآخر ، في الزمن الآخر، وفي المكان الآخر، وفي الثقافات الأخرى، لا يمكن ان يكون كافيا -  وحده - ليكون ذلك صالحا وعالما وحكيما، ويتساءل الاحتفالي، بماذا هذا الآخر هو صالح وعالم وعبقري؟ هل لأنه فقط عاش في الماضي؟ وهل كل الماضي جميل وكل الحاضر سيء وقبيح؟
 هل لأنه موجود في الفضاءات الجغرافية الأخرى؟ 
وإلى جانب هذا المنطق السلفي، الظاهر والخفية معا، هناك منطق آخر، يقوم على الفرضية التالية، وهي ان كل فعل تجريبي، في الآداب او الفنون، هو بالضرورة فعل جميل ونبيل، وأن كل فعل، لا يلتزم بهذه التجريبية الشكلانية، هو تقليدانية، ويتساءل الاحتفالي دائما، ما الفرق بين ان تقلد الماضي  وان تقلد الحاضر ؟وما الفرق بين سلفية تمجد الآخر الميت وسلفية اخرب تقلد الآخر الحي؟ وما الفرق بين تقليدية  تقليدية؟ 
َويؤكد د. محمد ابو العلا في مجلة (الكلمة) الإلكترونية على سعي الاحتفالية إلى (بناء مشروعها " المغاير" من خلال توجيهها نحو المناطق المهمشة في الموروث الشعبي، او استنبات فرجات جديدة لتخصيب نموذجها الخاص)
وليس فقط المناطق المهمشة، التي تستحق تسليط الضوء عليها، ولكن أيضا المناطق المنسية، وما أكثرها وما اغناها، وكذلك التعبيرات الممنوعة والمقموعة في ثقافتنا الشعبية اليومية 

              راس المال الثقافي الحضاري هو الأساس 

يؤمن الاحتفالي بان من لا يعرف من هو لا يحق له ان يعرف الآخر
ومن لايعرف أين هو، لا يمكن ان يذهب بعيدا، وقد يدور حول نفسه، معتقدات بأنه قد اقترب من الوصول، والوصول إلى لين؟ 
ومن لا يعرف من أين جاء، لا يمكن ان يعرف إلى أين يمكن ان يذهب
وكل من لا ماضي له في التاريخ، لا يمكن أن يكون له أي مستقبل فيه
ومن لا قديم له، فإنه لا يمكن أن يحلم بإيجاد الجديد، أو ان يماري فعل التحدبد، وتجديد ماذ؟ وهل الفراغ يمكن تجديده؟ وبأي شى؟ بالخواء ربما
وبحسب الاحتفالي فإن من يستهين براسماله الثقافي والحضاري، لا يمكن ان يضيف لفقره الوجداني والروحي الا المزيد من الفقر ومن البؤس
وأن كل من يهين نفسه، ولا يقدرها، ولا يحترمها، فإنه لا ينتطر ان يحترمه الآخرون في الثقافات وفي اللغات الأخرى 
وعلبه فإن كل من لا يمشي، بخطى ثابتة، وفي الطريق الصحيح، فإنه لا يمكن ان يصل إلى أي مكان
وان كل من لا يرى نفسه، في مراياه الداخلية الصادقة اولا، فمن الممكن ان تخدعه المرايا البرانية الكاذبة 
وبحسب هذا الاحتفالي أيضا، فإن كل من لا يستفتي قلبه، وااريستفتي روحه ووجدانه، فإنه لا يمكن ان يدرك من الحقيقة الا ما يشبهها او ما يقترب منها
وبحسب هذا المنطق دائما، فإن كل من لا يرى في الكأس الذي أمامه، إلا جانبه الممتلئ وجانبه الفارغ فقذ، فإن ما قد يراه ليس هو الحقيقة بالضرورة ، كل الحقيقة، ولكنها فقط نصفها
ومنذ البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي سنة 1979 اكد الاحتفاليون على أن من يشتغل في مؤسسة مسرحية تجاربة، هو مسرحي اجير، وأن من يشتغل في مؤسسة حكومية، هو مسرحي موظف، وهما معا  لا يمكن ان يمارسا التجريب المسرحي الحقيقي،  لأن شرط التجريب الأساسي والحقيقي هو الحرية، ولهذا سعى الاحتفاليون إلى تاسيس مؤسسة مسرحية جديدة، مؤسسة حرة ومسقلة وشعبية 
والأصل في الإبداع انه حركة اجساد وحركة أرواح وحركة نفوس وحركة عقول حية، وذلك في فضاء الزمن الإنساني والمدن الحي، وهل الحياة الا حركة وحيوية وتحول وتجدد؟ ولهذا يقول الاحتفالي إن الماء، كما الهواء، يفسدهما السكون والجمود، والإبداع الحق هو اساسا حركية داخلية تبحث لها عن معادل خارجي، ويبدأ فعل الإبداع التجريبي من القلق على الآتي الممكن، اي ان ياتي او لا يأتي هذا الآتي، ولهذا تقول الاحتفالية، من خلال ادبياتها، بأن من لا يطرح على نفسه، بعد كل تجربة مسرحية، سؤال (وماذا بعد) فإن مسرحه يظل بلا أفق وبلا مستقبل، وعليه، فإن من لا يستطيع ان يخالف نفسه، فإنه لا يمكن ان يتجدد، فكريا وجماليا، وأن من لا يتجدد في إبداعه المسرحي يدركه الجمود، ويدركه التوقف عند درجة معينة ومحددة في سلم التجريب، والذي هو سلم يصعد إلى الأبعد دائما، ويتوخى الوصول إلى الأبعد والأصعب ايضا
والإنسان محكوم بأن يمشي، وأن يكون مشيه إلى الأمام، وأن يكون لكل خطوة من خطواته ما بعدها، والمفروض في كل خطوة ان تكون جديدة، وان لا تشبه ما قبلها، وان لا تكون مجرد حركة في الفراغ، وهي بهذا عنوان على السير، وعلى التقدم في السير، وعلى الاقتراب من حقيقة ما، او من هدف ما، والانسان بهذا كائن تجريبي، له فرضيات نظرية، وله احلام يسعى لان يخرجها إلى الوجود المادي الملموس والمحسوس، وبالنسبة للاحتفالية، فإن (الأصل في الإنسان هو أنه كائن تجريبي، كما أن كل الحضارات تأسست بفعل تجريبي... واستطاع (الإنسان ) ان يبني هذه الحضارة من خلال الذين جربوا، ونحن نستفيد الآن من تجاربهم) كان هذا كلام الإحتفالي التقطته لكم من حوار في جريدة ان بندت عربية أجراه معي الأستاذ عبد الرحيم الخصار

المسرح في العالم والعوالم في المسرح(37) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


المسرح في العالم والعوالم في المسرح(37) 

الأحد، 11 يونيو 2023

الاحتفال والاحتفاليةبين صناع الحداثة وحرامية الحداثة (35) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


الاحتفال والاحتفالية
بين صناع الحداثة وحرامية الحداثة (35)

الاثنين، 5 يونيو 2023

التجريب في مسرح توفيق الحكيم / علي خليفة

مجلة الفنون المسرحية 
التجريب في مسرح توفيق الحكيم

الجمعة، 2 يونيو 2023

تعددت الحالات والأزياء والاحتفال واحد (34) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


تعددت الحالات والأزياء والاحتفال واحد  (34)

الاثنين، 29 مايو 2023

مسرحنا نحن ـ الآن ـ هنا الحدود الكائنة والحدود الممكنة (33) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
مسرحنا نحن ـ الآن ـ هنا  الحدود الكائنة والحدود الممكنة (33) 

السبت، 27 مايو 2023

الاحتفالي المؤرخ وتاريخ الاحتفالية في مجلة زمان (32)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
الاحتفالي المؤرخ وتاريخ الاحتفالية في مجلة زمان (32)

الثلاثاء، 23 مايو 2023

الاحتفالي والمعاني في مملكة المعاني (31) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 

الاحتفالي والمعاني في مملكة المعاني (31) 

الأربعاء، 17 مايو 2023

الاحتفالية .. موت النقد ام موت النقاد؟ ( 30) / د. عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
الاحتفالية .. موت النقد ام موت النقاد؟ ( 30) 

الأحد، 14 مايو 2023

الوجود في السؤال وفي ما خلف السؤال(29) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
الوجود في السؤال وفي ما خلف السؤال(29)

السبت، 13 مايو 2023

الأصل الثابت والصور المتحركة (28)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
الأصل الثابت والصور المتحركة (28)

الخميس، 11 مايو 2023

حاكم الشارقة يلتقي مجلس أمناء الهيئة العربية للمسرح

مجلة الفنون المسرحية 
حاكم الشارقة يلتقي مجلس أمناء الهيئة العربية للمسرح
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption