أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 31 أكتوبر 2022

"التمسرح" فخّ المصطلح ومتاهات المفهوم د. محمد المديوني - تونس

مجلة الفنون المسرحية 
 د. محمد المديوني

نصّ المُداخلة التي أسهمت بها في الندوة الفكرية المُقامة في إطار الدورة الثالثة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح

"التمسرح" فخّ  المصطلح  ومتاهات المفهوم  د. محمد المديوني  - تونس

الجمعة، 23 سبتمبر 2022

بلاغة التناص في عرض "دموع بلكحول" / *رشيد بلفقيه

مجلة الفنون المسرحية

السبت، 9 يوليو 2022

أسس ومقومات المسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


أسس ومقومات المسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد

إنجاز:

د. الغزيوي أبو علي

دة. بن المداني ليلة

لقد ظل المسرح العربي منذ ميلاده وحتى ظهور الاحتفالية كنظرية مسرحية ذات بعد فكري وجمالي، يفتقر إلى السند الكفيل بمساعدته على صياغة أسسه ومقوماته المسرحية، التي ستمكنه من بناء صرح هويته المسرحية العربية المتميزة، لكنه وبعد ظهور هذه النظرية المسرحية تمكن نسبيا من المضي بفعل تأسيس خطوات صوب المصداقية والشرعية(1).

بظهور هذه النظرية تمكن المسرح الاحتفالي من صياغة الأسس والمقومات التالية:

1- تبنيه شكل مسرح الحلقة المستمد من أشكال السمر الشعبية المختلفة

2- الاعتماد على الجمع بين الرواية والتمثيل أو اللحمة والمسرح.

3- اعتماد فنون الأراجوز وخيال الظل والطقوس الشعبية … إلخ.

 4- كسر الحواجز بين الجمهور والممثلين واعتبار الطرفين مشاركين في خلق العمل المسرحي.

 5- اعتبار التجديد لا ينصب على التأليف المسرحي وحده بل يشمل أيضا أساليب التمثيل والإخراج.

6- امتد الاهتمام ليشمل حتى هندسة المسرح ومعماره بحيث يتفق وطابع العمارة العربية، وطبيعة التجمعات العربية في ممارساتها لبعض المظاهر المسرحية

7- الاتجاه إلى تبسيط الديكور والأزياء والمهمات المسرحية.

هذه إذن هي أهم الأسس التي يقوم عليها المسرح الاحتفالي، لكن السؤال المطروح، كيف يمكن اتضاح طبيعتها وهي التي تمثل في بعدها الفكري والفني، التصور النظري الذي تقدمت به الاحتفالية في ميدان المسرح وذلك كبديل لرفض والتمرد على القواعد التقليدية وفروع المسرح الأرسطي، ولا يتمثل تأثير هذه الخطوات في تكوين المسرحية كنص فقط وإنما في الإخراج والتمثيل وفن الفرجة أيضا من حيث التركيبية والمونتاجية والاعتماد على العقل والسببية. وهذا التمرد الاحتفالي ليس وجودا فضائيا، وإنما يرتبط في جذوره بأصوله الغربية والعربية(2).

ولو تأملنا هذه الأسس في بعدها الفكري والفني وحاولنا ربطها بوضعية المسرح في الوطن العربي سنجده بشكل في جوهره تصورا متميزا البنية مسرحية متميزة. تصورا يمكنه أن يعطي للمسرح العربي وجهه الحقيقي وهويته السليمة التي تكسبه أصالته وتجعله مستفيدا من جدل المسرح بالواقع العربي، لكن السؤال المطروح هو إلى أي حد يمكن اعتبار هذا التصور بديلا مستوفيا لشروط القطيعة التي أعلنها الاحتفاليون ضد الاستقرار والجمود في المكان الواحد؟

لقد أعلن الاحتفاليون رفضهم للمسرح التقليدي منذ الوهلة التي ارتفعت فيها أصواتهم مطالبة بتأسيس مسرح يحمل هوية عربية متميزة. لكن هل كان لهذا الرفض ما يبرره من الأدلة والحجج المقنعة؟ أم أنه كان انعكاسا لعادة فارغة المضمون؟

مع السبعينات أصبح رفض الاحتفاليين للمسرح التقليدي له ما يبرره من الأدلة والحجج وذلك كفعل قصد به من جهة، توضيح زيف وتخلق الأسس التي يقوم عليها المسرح العربي حاليا، ومن جهة أخرى العمل في ظله على هدم هذه الأسس وتعويضها بأسس أخرى نابعة من بيئة عربية محضة. أسس يمكنها أن تجعل المسرح العربي يتلمس طريقه الصحيح والائم.

لقد لعب ظهور جماعة المسرح الاحتفالي دورا كبيرا في توجيه هذا الفعل فعل الرفض وإعطائه بعده الفكري والفني البعد الذي يجعل من حضوره في النداءات التي تعالت في الوطن العربي مطالبة بتأسيس مسرح عربي متميز، حضورا يتجاوز حدود الرفض / الكلمة، إلى دور الرفض / المبرر والبديل.

يقول يوسف إدريس:

“إننا نقصد حين نتكلم عن المسرح ذلك المكان العالي ذا القبوة والخشبة والممثلين والروايات وهذا مسرح صحيح، ولكنه ليس كل المسرح، فالمسرح أشكال كثيرة متعددة ليس هذا النوع سوى أحد فقط، ومجرد شكل واحد تطور على يد الإغريق”(3). 

21. إلى هذا الصوت انضم صوت عز الدين المدني من تونس يقول:

لقد كان خليقا بالعرب المعاصرين ألا يتبنى من الفن المسرحي إلا النوع وحسب، لأنهم بتقليدهم التقنيات الغرية ومجاراتهم الأشكال الفرنسية مثاد، قد جعلوا من الفن المسرحي فنا مقصورا على الحضارة الأوربية في حين أن الشرق القديم قد عرف حق المعرفة بتقنيات وأشكال أخرى لا تماثل تقنيات المسرح الغربي المعاصر ….(4).

ومن الجزائر انضم صوت قدور انعيمي يقول:

“إن المسرح ذاته ليس صيغة واحدة بل هي الصيغة التي استوردها العرب من الغرب في أواسط القرن الماضي، هناك مثلا مسرح الكابوكي والتنو” اليابانيان وهناك الأولبرا الصينية، والمأساة الإغريقية والكومديا. دیالارتي الإيطالية والمسرح الغيني والفيتنامي فلماذا لا يكون للعرب، بدورهم، شكلهم الروحي الخاص؟”(5).

يقول أعضاء فرقة المسرح الجديد بتونس:

وأردنا تحطيم الأنماط التقليدية المهيمنة فيما يتعلق بالنص المسرحي ووسائل الانتاج وتوزيع المسؤوليات والأدوار داخل الفرقة، أردنا القطيعة مع التراث المحلي ومع المسرح المستورد بكافة أشكاله”(6).

2- يقول الدكتور عبد الرحمان بن زيدان:

إن الاحتفال تمرد على القواعد التقليدية وزلزلة فروع المسرح الأرسطي، ولا يتمثل تأثير هذه الخطوات في تكوين المسرحية كنص فقط وإنما في الإخراج والتمثيل وفن الفرجة أيضا من حيث التركية والمونتاجية والاعتماد على العقل والسببية.

 وهكذا التمرد الاحتفالي ليس وجودا فضائيا، وإنما يرتبط في جذوره بأصوله الغربية والعربية”(7) لما كانت هذه النصوص في مدلولها صادرة عن فعل الرفض فقد كان من الطبيعي أن يكون لهذا الرفض مبررا منطقيا مقنعا، مبررا ينقض الفكر والفن من أجل الفكر والفن لا من أجل شيء أخر، على هذا الأساس، فإذا كان الاحتفاليون قد رفضوا المسرح التقليدي في شكله وتقنياته سواء تعلق الأمر بالنص الدرامي أو العرض المسرحي، فما هي الأسس التي أقاموا عليها تبريرهم لهذا الرفض؟ وإلى أي حد كانت هذه الأسس تتماشى والفعل الذي يؤسس من خلاله المسرح العربي؟

إن المسرح التقليدي في نظر الاحتفاليين لا يتجاوز حدود الشكل المسرحي الوحيد – أي أنه شكلا من بين الأشكال المسرحية المتعددة – كما لا يمكنه أن يشكل الأساس والنموذج والموديل للكتابة المسرحية في هذا المكان أو ذاك، لأن الفن لا وطن له، وأنه يوجد حيث تواجد الإنسان والتجمع الإنساني، وكلما توفر هذا الشرط إلا وأصبح لهذا التجمع أو ذاك شكله أو صيغته المسرحية الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لليبانيين والصينيين والإغريقيين والإيطاليين والغينيين والفيتناميين وللعرب في المستقبل القريب وغيرهم.

إن تواجد هذا المسرح في الوطن العربي شيء تحكم فيه ما هو سياسي أكثر مما هو فني. كما أنه ومع توالي الأيام التي على الحسم مع هذا القسط الفني، ليصبح بعد ذلك مؤسسة إعلامية وتجارية محضة، مؤسسة يغيب فيها المسرح / الفكر، والمسرح / الفن، والمسرح / الإبداع والخلق(8).

هذا وبالإضافة التأثير الذي مارسه هذا المسرح على التوجه المسرحي العربي الأصيل، رأى الاحتفاليون أن في الإبقاء على المسرح داخل هذا المسرح، بعد تقتيلا ليس فقط للمسرح العربي الذي يتطلع إلى التأسيس، وإنما المسرح بما فيه الرسالة العظمى التي خلق من أجل تأديتها.

لقد وقف الاحتفاليون موقفا متشددا من العناصر التي تساهم في عملية التقتيل، تقتيل المسرح / الفكر والمسرح / الفن والمسرح / الإبداع ولهذا نجدهم يرفضون:

Ÿ أن يكون المسرح الاحتفالي مدرسة يكون لها تلاميذ، أو مذهبا يكون له اتباع ومريدون وطقوس وتعاليم جامدة لأن الاحتفال في جوهره، هو التعبير الحر والتلقائي عن الحياة وهي في حالة الفعل والحركة لا في حالة الثبات والسكون.

Ÿ أن يتم التقيد بالنظرية لأن التنظير في نظرهم ما هو إلا مجرد منطلق فقط للتعامل الواعي سواء مع الإنسان (الممثل – الجمهور – الألوان – الاكسسوار).

Ÿ التعامل مع مبدا الاستهلاك. لأنه آلة من آليات الموت المدمرة للعناصر الحية في الإنسان.

Ÿ الواقعية التي لا تقوم برصد فلسفة الواقع لمعرفة قوانينه ومفاتيحه.

Ÿ أن يظل الجمهور متصفا بصفة المتفرج، بل يخلعون عليه هذه الصفة ليصبح عنصرا مشاركا في الخلق والإبداع والتفكير. به المفهوم الكلاسيكي للعملية الإبداعية(9).

Ÿ أن يكون المسرح – وهو وجدان الشعب وضميره وصوته – مجرد مؤسسة إعلامية تقوم على أساس النشر نشر فكر – الدولة أو مبادئ الحزب الحاكم أو المعارض ذلك لأن المسرح ليس وسيلة إعلامية، وسيلة يمكن أن توظف كما توظف الصحافة والإذاعة والتلفزة وذلك لأنا لمبدع في هذه المؤسسة لا بد أن يفقد حرية الخلق والإبداع والتصور، لأنه عوض أن يبحث عن هويته وفكره، فإنه يكتفي باستنساخ غيره والترويج لفكر لا ينبع من ذاته ولا من واقعه، ومن هنا يصبح غريبا عن انتاجه وإبداعه وذلك هو الاستلاب في أحلى مظاهره وأن يكون أيضا مؤسسة تجارية أو صناعية أي أن يكون قائما بالأساس على المال والعمل والاستهلاك والانتاج، والسوق والإشهار، الشيء الذي يمكن أن يجعل المبدع تابعا أيضا، لأنه يتحول إلى عامل في مؤسسة صناعية عامل ينتج لا بحسب ما تمليه قضايا الواقع – ولكن استجابة لمتطلبات السوق، ولو كان في ذلك خدمة وتكريس للذوق الفاسد. 

ومن هنا يبقى أن المؤسسة المسرحية في المنظور الاحتفالي لا يمكن أن تكون إلا قائمة على الاختلاف، وإن هذا الاختلاف لا بد أن يكون على أسس مغايرة وجديدة ذلك أن المبدع – سواء كان كاتبا أو ممثلا أو مخرجا أو تقنيا۔ لا يمكن أن يكون مجرد موظف بسيط داخل جهاز بیوقراطي معقد، كما لا يمكن أن يكون مجرد عامل أيضا، وذلك داخل مؤسسة صناعية أو تجارية قائمة على البرج المادي.

إن المؤسسة التي يريدها الاحتفاليون هي مؤسسة تكون بالضرورة في ملك الجميع، الشيء الذي يعطي للاحتراف، معان مغايرة، وينزع عن الممثل والمؤلف والتقني صفة الأجير والإداري.

إن المؤسسة الاحتفالية لا تربط بجهاز بيروقراطي ولا بمؤسسة مالية، وإنما هي ملتحمة مباشرة بالناس وقضاياهم وتصوراتهم وفكرهم و واقعهم. ولما كانت الاحتفالية تسعى إلى إحداث انقلاب جذري، ابتداء من التمثيل والنص والاخراج والمعمار المسرحي والمؤسسة، فقد كان الفن التمثيل وهو أساس الظاهرة المسرحية أن يراجع وذلك حتى يمكن أن يبني على أسس جيدة، أسس تستجيب للرؤية الاحتفالية والمنظور الاحتفالي ولهذا فإذا كان المسرح الدرامي يحاكي الفعل الإنساني، أي أنه يحيي ما كان كما كان، والمسرح الملحمي يروي الفعل الإنساني، أي أنه يحكي ما هو كائن أو كما كان، فإن المسرح الاحتفالي يعمل على إحياء فعل ما، إنه يخلق تظاهرة أنية، تظاهرة تتم في حضور الجميع وبمشاركة الجميع.

فالمسرح الدرامي إذن، يحيي حدثا وقع في الماضي ولم يعد له وجود الشيء الذي يحول العملية المسرحية إلى جلسة لتحضير الأرواح والأشباح، أما المسرح الملحمي فيحكي عن شيء وقع أو يقع بعيدا عن الجمهور، الشيء الذي يحول الفعل المسرحي إلى مجرد حكاية تبقى غريبة عنا وعن واقعنا واهتماماتنا، مما يجعلها في ختام الأمر ومهما تكن رموزها ودلالاتها أو إيحاءاتها، تبقى مجرد حكاية فقط. أما المسرح الاحتفالي فيقوم على أساس رفع الحواجز والمسافات بين الواقع والوهم.

يرفضون أن يقوم المسرح على الأبعاد البريختية، لأن هذا الأبعاد وكما هو معروف تقوم بالأساس على الفصل بين مستويات الواقع إن تمثيل وإن كان وهما- فهو واقع كذلك، فالأحلام واقع وكذلك الأمر بالنسبة التصورات والتمثيل الاحتفالي يقوم على الاندماج، أي على تحقيق الوحدة مع الدور والشخصية والجمهور، وحتي يتم التمييز بين مفهوم ستانلافسكي للاندماج ومفهوم الاحتفالية له نقول: إن الاندماج في المفهوم الأول يتم لفائدة الوهم والماضي، أما في المفهوم الثاني فيتم الحساب الواقع الآتي.

فعوض أن يندمج الممثل – وهو إنسان حي ينتمي إلى الحاضر – في والشخصية الدرامية وهي شخصية أدبية تنتمي إلى الماضي، عوضا عن هذا نرى من الضروري أن يقع العكس، أي أن تندمج الشخصية في الممثل المسرحي.

وفي واقعة الآتي الراهن، وذلك حتى تكسب صفة المعاصرة والحياة .

إن الاندماج في منظور ستانسلافسكي لابد أن يؤدي إلى التطهير – الكاترسیس- أي تطهير الجمهور من عاطفتي الخوف والشففة عن طريق محاكاة الأفعال التي تثير الخوف والشفقة. وهو بهذا يؤدي دورا نفسيا فقط. أما الأبعاد البريختي فهو على العكس من ذلك تماما، ذلك لأنه يؤدي إلى تشغيل عقل المتفرج، وفي هذا تجاهل من كلا الطرفين لطبيعة الإنسان وحقيقته الأساسية، هذا الإنسان الذي هو حس وعقل وإرادة وأما الاندماج الاحتفالي – وهو الارتباط بالآن والناس والواقع، فقد كان لا بد أن يعبر من خلال هذا التسلسل التالي مخاطبة الجمهور من خلال لغة حية موصولة إلى العقل، الشيء الذي يسوق إلى الاقتناع ومتى تم ذلك، فلا بد أن تتحرك الإرادة لتغير الذات كخطوة أساسية لتغيير الواقع.

ثم إن الاندماج الاحتفالي ليس عملية سحرية معقدة، عملية يمكن أن تحتاج إلى طقوس وستائر، كما لا يمكن أن تخفي قوانين اللعبة وأسراره. إن المسرح الاحتفالي هو مسرح مفتوح، فلا ستائر ولا حواجز ولا دقات تقليدية كل شيء يركب أمام الجمهور وبمشاركته، إن الاندماج عملية لا تتم في الكواليس لأن الكواليس لا وجود لها في المسرح الاحتفالي وإنما في حضرة الجمهور. وإن الديكور مثله مثل اللباس يمكن أن يلبس أمام أعين الكل.

ومن هنا كان الاحتفاليون مضطرين إلى تحديد علاقة الممثل بالزمن، هذا التحديد يقوم على مبادئ جديدة بعيدة عن التصور الدرامي أو اللحمي فالناس الوجديين ثلاثة رجل جمال، رجل أخلاق ورجل دين.

ولهذا فنماذج السالكين سبيل الحياة ثلاثة: المدرج الجمالي، والمدرج الأخلاقي والمدرج الديني، الأول يحيا في اللحظة الحاضرة المنعزلة، والثاني يحيا في الزمان والثالث يحيا السرمدية. فأي من الزمان الثلاثة يمكن أن نلحقه بالمثل الاحتفالية.

إن الممثل يعيش الحاضر الأني، هذا الحاضر الذي هو ملتقى الأزمنة المختلفة، إن الشخصية التي يجسدها هي حقيقتها اختصار لكل إنسان أو لنمط مورين منه.

إن الزمن الاحتفالي هو بالضرورة زمن أسطوري وذلك لأنه يتخذ له خطة دائريا تنتفي فيه نقطة البدء والختام، إن الاحتفال يعود دائما سواء بعودة الخصب إلى الطبيعة أو عودة القمر، فهو إذن بهذا متكرر وفي تكراره يتجدد ومن هنا كان المثل هو هذا الكائن الذي يعيش الزمن المتجدد باستمرار، فهو يعيش أكثر من مرة ويولد أكثر من مرة، ويموت أكثر من مرة، إنه ليس عمرا واحدا، وإنما هو حزمة أعمار.

ولما كان المسرح الاحتفالي يسعى إلى المزاوجة بين الماضي كشيء معلوم- وبين المستقبل – كشيء مجهول- فقد كان من الطبيعي أن يعتمد على عنصر المصادفة، لأن هذه الأخيرة تبث الحياة والتجدد والتلقائية والأنية وذلك بمساعدة المفاجأة، الشيء الذي يبعد الفعل المسرحي عن الآلية ويجعل منه احتفالا حيا مباشرا، الشيء الذي يبيح للممثل أن يخطئ، وأن يضيع منه الحوار وأن يضيف بذكاء وأن يتوقف عن التمثيل أيضا، وأن يدخل بعض الكلمات الشائعة أو بعض قضايا الساعة، كل هذه الفواصل تشعر الجمهور أنه أمام احتفال يقام الآن وليس أمام حدث جاهز ومطبوخ، إنه أمام مجموعة من الناس الأحياء وليس أمام شاشة سينمائية تنعكس عليها الصور المسجلة من قبل، ولما كانت الذاكرة عماد الممثل وعدوه في نفس الوقت، فقد كان لا بد له أن يتذكر وأن ينسى في نفس الوقت. ينسى المسرحية ككل، ويذكر أجزائها. هذه الأجزاء التي تجعل عملية البناء تتم الآن وفي حضور الجميع.

إنهم يرفضون الكيفية التي تقدم بها الأحداث في هذا المسرح أي المسرح التقليدي، هذه الأحداث، ومهما كانت طبيعتها فإنها تبقى مخالفة أهو حقيقي، وهي وإن جعلت الجمهور يلتزم الصمت أمام مشاهدها المدهشة. فمرد ذلك للحافز المكاني بالدرجة الأولى، لأن الخشبة كعالم تختلف عن الصالة كعالم أخر، بينهما مسافات ميكانية وزمانية كبيرة، إنهما عالمان متوازيان، ولكنهما لا يلتقيان، أما بالنسبة للمسرح الاحتفالي فليس هناك غير عالم واحد، وهو (الآن) ومكان واحد هو (هنا) إن ما نشاهده لا يمكنه أن ينفصل عنا، إنه صورتنا كما تظهر في المرأة، وهل يعقل أن يتفرج الإنسان على حياته من غير أن يفعل أي شيء؟ من هنا تنبع ضرورة القول بمعايشة الإبداع، وذلك عوض (التفرج على الإبداع) وعندما نقول بالصمت كتعبير هو الآخر، فالمقصود من صمتنا هذا هو: السكون بل حوارا وحركة.

وكذلك الشأن بالنسبة للإبداع الذي يتم خارج حضور الآخرين وفي غياب مشاركتهم لأنه يكون حوار فرد لآخر في حين أن المفروض فيه أن يكون حوار جماعة لجماعة، ثم أنه من جهة أخرى لا يختصر الأمكنة والأزمنة داخل مكان واحد وزمن واحد، الشيء الذي يجعل، أن كل واحد من الحاضرين يبقى محتفظا بمكانه وزمانه ومناخه وفضائه، في حين أن الاحتفال هو فضاء مکاني وزماني يجمع كل الناس حول قضايا مشتركة، الشيء الذي يوجد بالتالي إحساسا موحدا.

إن نفس الأمر بالنسبة لارتباطه أو ربطه المسرح – بالمكان، مع أنه في حقيقته أوسع وأرحب من أن تحده جدران، كما أن قضاياه أيضا، اعقد وأكبر من أن تعبر عنها لغة واحدة هي لغة اللفظ وحده، إن المسرح وهو الحياة في اتساعها وعظمتها- لا يمكن أن يكون إلا شاملا وغنيا ومركبا وغامضا مثلها تماما، وأن المسيحية ليست هي الكنيسة، كما أن الإسلام ليس هو المسرح البناية(10).

كما يرفضون أن يصبح الممثل لعبة في يد الدور، إذ كلما تخلص من هذه السلطة إلا وأصبح يدخل اللعبة فيلعبها دورن أن تلعب به، وكلما تحقق له ذلك إلا وحصل تجاوب وتواصل بينه وبين الجمهور، الشيء الذي يزيد من قوة هذا التجاوب والتواصل، هو أن هذا الممثل اثناء احتفاله لا ينقل الأحاسيس كما في المسرح الدرامي ولا ينقل الأفكار والأوامر كما في المسرح الملحمي بل يحي بحضور الأخرين ومشاركتهم تظاهرة شعبية، وذلك من أجل إعادة النظر إلى الواقع، وذلك بواسط عيون جماعية وإحساس جماعي.

وكذلك العقل الذي يقتل الحياة من أجل أن يتأملها وهي في حالة السكون والثبات، ويعوضونه بالذي يعي الحياة وهي في حالة الفعل والحركة والمخاض والتحول، إنه العقل الذي يريدونه للممثل وللجمهور 

نفس الشيء بالنسبة للجمهور، إنهم لا يريدون أن يكون أداة للوصول إلى شيء أخر غيره(11).

يرفضون اعتبار الممثل وهو المبدع الثالث، وذلك إلى جانب المؤلف والمخرج، أن يكون مجرد عنصر سينوغرافي يمكن أن يعني شيئا معينا وذلك داخل أوضاع خاصة، وأن يكون مجرد ذاكرة، ذاكرة تختزن الحوار والحالات والمواقف والإرشادات المختلفة، فالمسرح لقاء حي بالأساس لقاء بين الإنسان والآخر، وعندما تموت الحيوية في الممثل، ويتحول إلى عنصر جامد، فإنه لا بد بالضرورة أن يموت المسرح كذلك، إن الممثل في الاحتفال هو الاحتفال، كما أن الإنسان في الحياة هو الحياة أيضا.

الممثل الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد

إن الممثل في المنظور الاحتفالي مطالب بالاستنساخ ملاحظات المخرج، لأنه لو فعل ذلك، لتحول المسرح -وهو فين الإنسان في المقام الأول إلى سيرك – وأصبح المخرج بالتالي مروضا لنوع أخر من الحيوانات) يقول الممثل الصيني لا تعطيني في كل يوم سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد السمك فالمخرج يجب أن يخفيه كتقنيات جامدة وأليات وتعليمات خاصة.

حقا إن المخرج في الخلق المسرحي هو الصانع الثاني ولكن، ليس شرطا أن كل ما هو أساس لا بد أن يظهر ان الدم في العروق – وهو يعطي النبض والحياة والانطلاق ولكنه مع ذلك لا يظهر، تسمع دقات القلب وتراه وإذا حدث أن خرج من دائرة (الكمون) إلى دائرة الظهور فإن ذلك بالتأكيد مؤشر سيء فما يهم إذن، وهو أن نرى الحركة، ووجود الحركة دليل حسي على وجود المحرك، هذا هو المفتاح الأساسي بالنسبة للإخراج الاحتفالي هذا الإخراج الذي يركز على ال(هنا) والآن، أي على الاحتفال كعالم متصل ومنفصل بما قبله وبعده. فالانفصال ظاهر لأنه شيء يحدث الآن، أما الاتصال الخفي لأنه متعلق بما هو قبلي وغائب، فالاحتفال كفعل عيني هو بالتأكيد شيء أخر غير مراحل الاعداد لهذا الحفل، لهذا كان المسرح -كعالم حسي- منفصلا تماما، ساعة الاحتفال – عن ميتافيزيقيا المسرح.

أن تكون الأسس التي يقوم عليها الديكور مخالفة للتحديد التالي:

1- أنه لا شيء في المسرح يمكن أن يكون خارج المسرح، الفكر وليس كعالم ميتافيزيقي ما ورائي – لا وجود له، فلا وجود إلا لما نرى ونحس ونلمس ونسمع فالازدواجية التقليدية بين الظاهر والخفي والوجه والظهر، والفعل وما قبل الفعل، تصبح وحدة واحدة متكاملة اسمها المسرح … المسرح كعالم واحد له مستويات متعددة، متداخلة ومتكاملة فيما بينها.

2- إن الممثل في المسرح الاحتفالي وجدان وفکر وعضلات إنه شاعر وعالم وعامل، يشتغل وجدانيا وفكريا وعضليا، لهذا وجب إحداث تغييرات اساسية في العلاقة بين الممثل والديكور – هذه العلاقة التي ظلت في المسرح التقليدي متصفة بالسكون والثبات، وجعلت من الممثل والديكور عالمين منفصلين عن بعضهما يتجاوران ولا يتجاوزان، ويؤدي كل منهما دورا مميزا الديكور يعني شيئا أو أشياء والممثل يعر عن إحساس وقضايا.

3- إن الاحتفال في مفهومه العام- عودة إلى زمن ما، زمن يتردد باستمرار، يتجدد ولا يتكرر، يعود مشابها ذاته، ومخالفا لها في نفس الوقت. فالاحتفال في نفس الوقت، فاعلية طرف دون آخر، حركية المبدع وثبات المتفرج.

4- إن الاحتفالية هي بالأساس خطاب أو خطابات مغايرة وأن كل مقال جدید لا بد أن يكون له مقام جديد أيضا، من هنا تأتي مشروعية البحث عن معمار هندسي مغایر.

5- إن المسرح / الخشبة – كم يرونها لا يمكن أن يكون تقيا في جدار. ولا يمكن أن يكون كوة ضيقة كما هو الأمر في المسرح الإطالي – كوة تنفتح على عوالم مغايرة، في عالم الوهم والسحر والخيال والتاريخ، هذا الفصل في المكان والزمان، بین الآن وما كان بين الأنا) وال (هناك) بين الحسي والملموس، والخيال هو ما تدمره الاحتفالية، فلا وجود إلا لفضاء مكاني واحد هو مكان اللقاء هذا اللقاء الذي:

هو نفسا – يستوعب الحدث المسرحي، كحدث يتصل بنا حينا، ويتفصل عنا أحيانا أخرى، ولا وجود أيضا إلا لزمن واحد هو الزمن المسرحي وهو زمن يغيب فيه الفرق بين الأمس واليوم، والآتي غدا، إن المسرح وإن كان في شكله الخارجي ميدانا للأشخاص – فهو في جوهره فضاء للمعاني ونعرف

أن المعني غير مرتبط بزمن معين أن المعاني موجودة في كل زمان ومكان

وباختفاء التمييز بين المتفرج) وصندوق التفرج وبين المشاهد وبين الواقعي والوهمي، فقد كان لا بد من مراجعة كل البناء المسرحي التقليدي وأن يتم التفكير في تأسيس فضاء جديد يمكن أن يستوعب الاحتفال المسرحي ويبعده عن أن يكون طقوسا في كنيسة أو قرية أمام صندوق سحري أو تجمعا رسميا في بناية رسمية.

أن يظل الحدث المسرحي داخل صندوق الوهم أي أن يظل غارقا في الزيف والأقنعة والصباغ. أن الخروج به من هذا الصندوق هو تحرر للتمثيل من التمثيل والاقتراب به كثيرا من حقيقة الأشياء وجوهرها(12).

أن يكون التمثيل الحق غير اختفاء التمثيل. لأنه يكمن في غياب الزيف وحضور الحقيقة، يكمن في التحرر من جاذبية التكلف والآلية. إن التمثيل فعل بالأساس وكل فعل شرطة التحرر والانطلاق والهدف والبساطة أن التمثيل يقتل التمثيل، كما أن الإخراج يقتل الإخراج أيضا، من الممكن جدا أن يقتل الإخراج، خصوصا إذا لم يكن هذا الإخراج شفافا بالقدر الذي يظهره ويخفيه في نفس الوقت، يظهره كفعل ونبض وانفاس إن الضحك الاحتفالي مبني على أسس مغايرة، هذه الأسس يمكن أن تجمل فيما يلي:

-1 الحضور والمساهمة حضور اللقاء والمساهمة – عويا ووجدانيا – في إقامة الحفل / اللقاء، إن أي لقاء كيفما كان – لا بد وأن يفقد معناه ومبناه في (حضور) غياب أنياب وبهذا فلا وجود لثالث (غائب وبالتالي فإن فعل الغياب يصبح لاغيا.

2- إن الاتصال المنفصل هو ما يعوض – في المسرح الاحتفالي الانفصال المحض أي أن الحاضر المحتفل هو نفسه الذاتي التي تضحك، والموضوع. الذي يضحك عليه، فهو بهذا الناظر والمنظور والذات والموضوع، هو من يخطئ أولا ومن يلاحظ بعين الناقد هذا الخطأ ثانيا، ليعمل ثالثا- على تخطي هذا الخطأ في ذاته، وواقعه. فالضحك من هذا المنظور إذن، ليس هروبا من الذات، ولكنه تجاوز له -كما هي – الآن، كما أنه ليس قفزا على الواقع ولكنه موقف نقدي منه، لتفسيره وتغييره.

إن الضحك والاندهاش، فعلان لا يقبلان، التكرار، فلا أحد يمكن أن يندهش أو يضحك من نفس الشيء مرتين، وعليه كان تحديد الضحك، تحديدا – في نفس الوقت- لموضوع الضحك تجديد الذات والموضوع، الأنا والأخر فهو يغوص في عمق الواقع الإنساني ليا تجاوز مفارقاته اللا معقوله فيه.

أن يكون المسرح شيء آخر غير اللقاء، يتواجد داخل فضاء مكاني معين، لأن طبيعة هذا الفضاء وهندسته لا يمكن أن يكون إلا استجابة الطبيعة هذا اللقاء. فالهندسة إذن كشل وحجم وقياسات مختلفة لا يمكن أن تكون بلا معنى، إن الشكل مضمون في جوهره، والأحجام كيفما كانت لا يمكن أن نفصلها عن طبيعة الفضاء المسرحي من هنا إذن كان بحثهم عن البناء المسرحي منطلقا من الاساس التالي:

– مراعاة طبيعة اللقاء في المسرح الاحتفالي، هذا اللقاء الذي يربط المبدع بالمبدع، والمبدع بالمساهم بروابط جديدة، مختلفة كل الاختلاف، عن كل الروابط التقليدية. فعلاقة المبدع/ المتفرج هي علاقة متآكلة لأنها مبنية على الفاعلية والسكون في حين أن الثاني هو الحركة والحيوية والتجدد.

– أنهم يرفضون النظر إلى الشخصية المسرحية إلا على أساس أنها فعل أو أفعال تمت أو تتم داخل فضاء زمني معين وكذلك كعلاقات مجتمعية وذلك باعتبار أن الذي يحدد هوية الفرد هو طبيعة العلاقات به.

إن الشخصية في المنظور الاحتفالي مبنية على أساسين: الاتصال / والانفصال/: الاتصال بالماضي، أي بما هو عام ومشترك، والانفصال في ذات الوقت عن هذا العالم المشترك للبحث عن التميز والتفرد لتجاوز المعطيات الأولوية والإفلات من جاذبية القطيع.

–  كما يرفضون أيضا أن يكون النص المسرحي مسرحية، بل على العكس من ذلك، أنه مشروع مسرحية أو مسرحية أو مسرحيات متعددة، لأن الشي في الاحتفالية لا ينظر إليه في سكونيته ولكن في حركيته، وبهذا فإن المسرحية ليست هي النص، فالبذرة بالأساس هي مشروع سنابل وللوصول رلى هذه الصورة، فلابد من المرور من فعل أو أفعال متعددة هي الزرع والسقي والتعهد.. فالمسرح عمل ترکیبي، أساس النص الأدبي(13).

– الاحتفاظ بالجمهور طوال الاحتفال المسرحي – على إحساس واحد وأن يظل سجين نفسية واحدة، حالة تبتدئ بسيطة ثم تنتهي مركبة .

– الاحتفاظ بالجمهور طوال الاحتفال المسرحي – على أحساس واحد وأن يظل سجين نفسية واحدة، حالة تبتدي بسيطة ثم تنتهي بالفاجعة المرتقبة أو بالحل السعيد، ويريدون له أن يتشبع بتناقضات الواقعية وأن يقف على المفارقات التي تطبع وجوده الذاتي أو الاجتماعي، إن الخط الذي يسير فيه الحدث – في المسرح الاحتفالي – هو خط منكسر، الشيء الذي يحرر العمل الإبداعي من الجبرية المزدوجة، جبرية السقوط الفاجع وجبرية الحل السعيد، فلا حل ولا نهاية في المسرح الاحتفالي فالحفل ينتهي – وهذا شيء طبيعي – ولكن ما يمثله هذا الحفل لا يمكن أن ينتهي.

أن تكون هناك مسافات بين من يتفرج وبين ما يتفرج عليه هذه المسافة تختفي كليا في المسرح الاحتفالي، ذلك لأنه لا فرق بين الانا والآخر، بين الذات والموضوع، الشيء الذي يجعل المضحك لا يضحك والفرجة لا تكون فرجة، والموسي لا يؤسي أن يكرر نفسه، وذلك داخل زمنين مختلفين:

 ¯ كما يرفضون أن يكون الشيء الأساسي في المسرح هو الكلمة بل الفعل لأن الكلمة غالبا ما اتفق عند حد الوصف ولا تتعداه الى الفعل، الكلمة تصف. عوالم، ولكن تمسرح يصنع هذه العوالم، الكلمة تقف بك عند باب المتخيل ولكن المسرح – كفعل – يدخل بك إلى الوهمي والحلمي والماورائي، وإن ما يميز المسرح الاحتفالي عن غيره من المسارح الأخرى هو نفس الشي أو الأشياء التي تميز الحياة عن الموت، فالسمة الأساسية في هذا المسرح هو أنه فن حي يتحرك ويمشي ويتأثر بلحظة الاحتفال ويوثر فيها، يعبر ويحاور، ويتجدد بتجدد الزمن والمناخ والطقس والظروف، فهو يتحدث عن الفعل بالفعل، ويترجم الحدث بالحدث، ويشخص الحياة بالحياة وبهذا كان في جوهره فعلا داخل فعل وحياة داخل حياة، وأحداث داخل أحداث، الشي الذي يجعله أكثر تركيبية من الواقع الواقعي وأكثر حقيقة منه.

–  ويرفضون أيضا اعتبار تحطيم الجدار الرابع وهو تجديد على مستوى الشكل فقط، في حين أن هذا الفعل هو استجابة موضوعية لقناعات فكرية مفادها: إن الفن هو الحياة في صورتها المركزة والمكثفة، فهو شيء داخل في لحمتها ونسيجها، ومن هنا نبعث ضرورة ردم الهوة التي ظلت الزمن طويل – منتصبة بين الفن والحياة، بين الواقعي والوهمي، الحقيقة والتمثيل.

–  وكذلك الشأن بالنسبة لما هو قار وثابت كاللوحة/الصورة حيث وأصبح الاهتمام مركزا على الفعل، فعل رسم برسم ونرسم ويرسمون… 

– نفس الشيء بالنسبة لفعل الإبداع، حيث يرفضون أن يكون فعلا

فرديا ومختلفا، بل جماعيا على شكل تظاهرة شعبية عامة، يحضرها الجميع ويساهم فيها الجميع.

–  نفس الأمر بالنسبة للمبدع، حيث يرفضون الصفاة التي تجعل منه ساحرا وعرافا كالغموض والتقنع.

 – إنهم يرفضون الانتظار في المسرح ويعوضونه بالاحتفال لأن الأول إحساس بالشلل وغياب للفعل وترقب في نفس الآن أن يحدث شيء في ألا يعطى الممثل شخصيته، ولكن يعلمه كيف يبحث عن شخصيته أو عن شخصياته المختلفة إن التمثيل حياة، ولا أحد يمكن أن يعيش بدلا عن الآخرين.

إن التمثيل وفق (الموديل) يجعل المتعدد يصبح في صيغة المفرد، إنه يختصر كل الأبعاد داخل بعد واحد، فالمخرج – عندما يقول المثل – افعل كما أفعل فهو يتحول إلى موديل) وبهذا فقد يحدث أن يتعدد الممثلون والشخصيات ولكن (الموديل) يبقي واحدا، كما أن المسرحيات قد تتغير، ولكن الموديل يبقى ثابتا كما كان، إن الشخصية المسرحية هي صيرورة بالأساس، في حين أن الموديل) كينونة ساكنة.

في المسرح التقليدي يقال للممثل: اشتغل وكان الجمهور أمامك غير موجود، لكن الاحتفالية حاولت إخراجه من هذه الظلمة لتقول له: اشتغل دائما وفي ذهنك أنك أمام الجمهور، وأن كل الأزمان مهما اختلفت وتباعدت- فلا بد أن نصوص كلها في (الأنا) وأن كل الأمكنة لا بد أن تكون مختصرة (هنا).

–  إنهم يرفضون فناء الممثل في الدور وليس العكس(14) .

وكذلك الشأن بالنسبة للأدوار، فهم يرفضون أي توزيع لها إذا لم يكن على هذا الأساس: إن البحث عن عناصر الاتفاق بين الممثل والدور بعد خطأ لأنه لو اعتمدنا هذه العملية قاعدة فإنه لا بد في النهاية أن ينتفي الفرق بين التمثيل واللاتمثيل لأن الممثل ساعتها يكون له دور واحد، هو دوره في الحياة، هذا الدور الذي سيتكرر مع كل الأعمال والشخصيات المختلفة والصحيح إذا، هو أن يبحث عن عناصر الاختلاف وكلما كان التباين شديدا فإن التركيب في النهاية يأتي بشخصية جديدة، لا هي بالممثل تماما، ولا هي ما كتب المؤلف ولا ما تصور المخرج.

إن الشخصية المسرحية لا يمكن أن تتكرر مرتين، لأن الإنسان – كما قال كير کارد – (فرد فريد لا يمكن تكراره) وبهذا كان التمييز والجدة عنصران أساسيان في الشخصية لأنه لا أحد يمكن أن يكرر غيره، المسرحي هو إعادة متجددة لفعل الكتابة، هذا الفعل الذي يقف عند معين، ولكن يتجاوز ذاته باستمرار وأن تجديد الاحتفال – كحدث متغير يدور حول محور ثابت يتطلب بالتأكيد تجديد الأدوات والملحقات المرتبطة بهذا الحدث، ومن بين هذه الملحقات نجد الديكور والملابس والإضاءة.

4- معادات الطبيعة: وذلك لأن المسرح الاحتفالي لا ينسخ الواقع الطبيعي ولكنه يركب واقعا مسرحيا جديدا هذا الواقع الجديد هو بالأساس واقع مركب بشكل كيميائي دقيق- يعتمد هذا التركيب في كلياته وجزئیاته- على المزج بين الأجواء المختلفة، مزج الواقع بالحلم وإغراق الحقيقي في الأسطوري، وإدخال الوهمي في طلب اليومي، والخلط بين التمثيل واللاتمثيل الشيء الذي يجعلنا نعيش كمساهمين في الحفل المسرحي، داخل أجواء شفافة، نعرفها كعناصر أساسية، ولكننا نجهلها كتركيبات لهذه العناصر الأولوية المنتزعة من الواقع الطبيعي. هذه الأجواء التي ليست طبيعية، لا بد أن تعرض في ديكور غير طبيعي وذلك حتى يتم التوافق والتجانس بين الفضاء العام لهذا الواقع المسرحي والوحدات الأساسية التي تكونه وتشكله.

5- العمل على تحرير العين من كل ما هو عادي ومألوف وذلك حتى لا يعود الجمهور يقف عند حد رؤيته للعالم بل يتحداها إلى اكتشافه من جديد ولهذا فالديكور كتركيب لقطة “سينوغرافية مختلفة، لا يمكن أن تنقطع عن عملية التركيب هذه، ولهذا أيضا كانت عملية التركيب، تركيب الديكور شينا داخلا في نسيج العملية الإبداعية فالستار لا ينزل ثم يرتفع لنجعل الجمهور فجأة أمام عربة أو سفينة، لأن المهم، هو أن يحضر هذا الجمهور عملية بناء العربية أو السفينة، وكذلك الشأن بالنسبة للملابس فهم يسعون إلى أن يظهر وها مع من يلبسوها.

إنهم يحرصون على إظهارها مع من يلبسها كحقیقتين منفصلتين عن بعضهما في المقام الأول ثم يعملون على إظهارها في المقام الثاني كعملية ارتداء. أما بالنسبة للإضاءة، فالمهم فيها هو أن يرى الضوء من غير أن يرى من يصنعه ويوزعه، يرى ضوء النهار وإشراق الفجر من غير أن يعرف الجمهور كيف يحدث هذا الاحتفالية لا تؤكد على الإنارة بقدر ما تؤكد على الفعل، هذا الفعل الذي تجعله مكشوفا وظاهرا، الشيء الذي يجعل المسرحية تتخلى عن طابعها السحري لتصبح فعلا مركبا يساهم فيه عمال عديدون – الإضاءة المسرحية في الاحتفالية لا تنحصر في الصندوق السحري، وإنما تتوزع على حلقات الحدث الموزعة في جسم المسرح(15). أما بالنسبة للماكياج فالمسرح الاحتفالي لا يسعى إلى التزيين لأنه يسويه، بل يسعى من خلاله إلى أن يكشف للجمهور عن كل مظاهر الزيف والتمويه سواء كانت في ذاته أو فيما حوله من المظاهر والمفاهيم المختلفة(16). أما بالنسبة للأكسيسوار فشيء تحصر الاحتفالية تجاوزه وقيامه كنص مسرحي له دلالة معبرة في الفعل الذي يقوم به الممثل(17).

 الكتابة بمفهومها التقليدي لأن ثقل الانتظار ظل غائبا فيها، فلا حد في هذه المسرحية يشعر بالقلق وبتململ فوق مقعده حتى كانت مسرحية (في انتظار غودو) هذه المسرحية كتب القلق بالقلق والفراغ والعبث، وكذلك الأمر بالنسبة للمسرح الاحتفالي، فهو لا يسطر كلمات تقرأ أو تسمع ولكنه يحيي حفلا يعاش.

اللغة بمفهومهما التقليدي (الفصحي أو العامية أو المزج بينهما) ويؤكد على اللغة الأكثر تعبيرا وبعدا وعمقا، إنها اللغة الشعرية الدرامية ولتكن هذه الخاصية عامية أو فصحى، لأن الأساس هو جوهر الكلام وروحه، هذا الجوهر الكامن في الشعر، وذلك باعتباره سلطان الكلام(18).

ومهما لكن من أمر، فإن أستاذي عبد الكريم برشيد قد دفعني لقراءة الفلسفة وعلم الاجتماع، فأصبحت مدمنا على القراءة مند أن كنت تلميذا في الخمسيات، وكانت هذه المدينة المنتمية تعج بالفلسفة الماركسية، بالكتب الجديدة الأتية منه الرباط من طرف الطلبة، لذا شربت منه هذا الكأس الفلسفي وأشكر الدكتور إبراهيم الهنائي، ومحمد السويري والنجاري، والتمسماني الذين علمونا كيف نكتب.

الهوامش:

(1)- عبد الكريم برشيد، حدود الكائن والممكن، ص 122.

(2)- عبد الرحمان بن زيدان، من قضايا المسرح المغربي، صوت مكناس 1978، ص 16.

(3)- يوسف إدريس، نحو مسرح عربي، بيروت، 1974، ص 467.

(4)- د علي الراعي، المسرح في اوطن العربي، الكويت، 1980، ص 14.

(5)- يوسف إدريس، نحو مسرح عربي، بيروت، 1974، ص  34.

(6)- الحياة المسرحية، ع 13، السنة  80، ص 134.

(7)- عبد الرحمان بن زيدان، من قضايا المسرح الغربي، صوت مكناس،  1978، ص 23.

(8)- ألف عامر عام على المسرح العربي ترجمة توفيق المؤذن.

(9)- عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، ط 1، 1990/1989، ص 17.

(10)- عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، الدار الجماهرية للنشر والتوزيع، ط 1 / 89-90.

(11)- ص 52 29 – عبد الكريم برشيد المسرح الاحتفالي الدار الجماهرية للنشر والتوزيع ط/۱ 89 – 90  ص 62

(12)- الموضوع د – عبد الكريم برشيد المسرح الاحتفالي الدار الجماهرية للنشر والتوزيع ط 1 /89-90 ص 120.

(13)- د – عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، ص 109-113.

(14)- عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي،  ص 71.

(15)- عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، ص 134-131.

(16)- نفس المرجع، ص 344.

(17)- نفس المرجع.

(18)- عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، ص 186.

الأحد، 3 يوليو 2022

رسالة ماجستير في كلية الفنون الجميلة تناقش المواقع المسرحية الرقمية واثرها الاعلامي على الثقافة المسرحية

مجلة الفنون المسرحية 
رسالة ماجستير في كلية الفنون الجميلة تناقش المواقع المسرحية الرقمية واثرها الاعلامي على الثقافة المسرحية 

سليم العناوي 

ناقشت رسالة ماجستير في قسم الفنون المسرحية  كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل (المواقع المسرحية الرقمية واثرها الاعلامي على الثقافة المسرحية العربية ) للباحثة مريم اسامة عبد محمود السامرائي 
المسرح الرقمي هو المسرح الذي يوظف معطيات التقانة العصرية الجديدة المتمثلة في استخدامه الوسائط الرقمية المتعددة في إنتاج أو تشكيل خطابه المسرحي شريطة اكتسابه صفة التفاعلية 

وتاتي أهمية البحث والحاجة إليه بوصفه دراسة تسلط الضوء على المواقع المسرحية الرقمية واثرها اعلاميا على الثقافة المسرحية العربية والمحاولة للوقوف على أبرز تلك المواقع وآليات الاشتغال عليها وكيفية توثيقها للمهرجانات والعروض المسرحية
ويهدف البحث للكشف عن الأثر الاعلامي للمواقع المسرحية الرقمية في الثقافة المسرحية العربية
وتناول البحث  الثقافة الرقمية تاريخيا وتناول المواقع المسرحية الرقمية عالميا وعربيا كما تناول المرجعيات الرقمية للثقافة المسرحية العربية 
وقد كانت حدود البحث الحقبة من ٢٠٠٢ الى ٢٠١٣ فيما ضم مجتمع البحث ١١ موقعا رقميا 
وتوصل البحث الى جملة من النتائج والاستنتاجات وقد بعض الوصايا والمقترحات 

هذا وتالفت لجنة المناقشة من الاساتذة 
ا.د حيدر جواد العميدي  رئيسا
ا.د مظفر كاظم محمد  عضوا 
ا.م.د محمدكاظم الشمري عضوا
ا.د محمد حسين حبيب  مشرفا

الأحد، 19 يونيو 2022

رسالة ماجستير في كلية الفنون الجميلة تناقش مباديء الجشتالت وتمثلاتها في النص البصري

مجلة الفنون المسرحية 
رسالة ماجستير في كلية الفنون الجميلة تناقش مباديء الجشتالت وتمثلاتها في النص البصري 

سليم العناوي  

ناقشت رسالة ماجستير في قسم التربية الفنية في كلية الفنون الجميلة  جامعة بابل
(مباديء الجشتالت وتمثلاتها في النص البصري لمدارس التصوير الاسلامي) للباحثة خديجة علي جاسم الكرعاوي

والجشتالت هي كلمة ألمانية تُشير إلى مفهوم الكل أو النمط المُنظم لمجموعة من الأجزاء فهي بمثابة كل ينطوي على أجزاء مُترابطة ترابطًا ديناميكيًا بشكل مُنظم ومُنسق بحيث يكون لكل جزء من أجزاءه دوره ووظيفته التي يؤديها بهذا الكل
وقد توصل العلماء المؤيدون للنظرية الجشتالتية إلى عدد من المبادئ والقوانين التي تحكم العمليات الإدراكية التي تؤثر بدورها على التعلم والسلوكيات التي يقوم بها الأفراد بمختلف المواقف
وهدف هذا البحث هو  دراسة مباديء الجشتالت وتمثلاتها في النص البصري لمدارس التصوير الاسلامي حيث تناول البحث  الجشتالت نشاتها ومفهومها من خلال   المحاور التالية   النظرية الجشتالتية و موقف النظرية الجشتالتية من النظرية السلوكية و علماء نظرية الجشتالت واهم تجاربهم و مفاهيم ومصطلحات النظرية الجشتالتية و فرضيات النظرية الجشتالتية والجشتالت والنشاط الفني 
كما تناول  دراسة العملية الإدراكية ومفهومهاوخصائصها و مقوماتها كما سلط الضوء على التصوير الإسلامي ونشأته ومصادره وموقف الإسلام منه و سماته و مدارسه
وتوصل البحث إلى جملة من الاستنناجات منها وجود تمثلات لمبادئ الجشتالت في النص البصري لمدارس التصوير الإسلامي 
 كما تضمن البحث عددا من المقترحات منها دراسة المفاهيم الجشتالتية وتمثلاتها في فن العمارة الإسلامية  ودراسة العمليات الإدراكية وتمثلاتها في النص البصري لمدراس التصوير الإسلامي

وتالفت لجنة المناقشة من الاساتذة 
ا.د حيدر عبد الامير رشيد      رئيسا
ا.د ناجح حمزة خلخال  عضوا 
ا.د ماجد نافع  الكناني عضوا 
ا.د سهاد عبد المنعم شعابث  عضوا ومشرفا

الأحد، 5 يونيو 2022

رسالة ماجستير في «الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري بين صلاح عبد الصبور ونجيب سرور (نماذج مختارة)»

مجلة الفنون المسرحية 



«الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري بين صلاح عبد الصبور ونجيب سرور (نماذج مختارة)» 

ياسمين عباس -  مسرحنا


تم مناقشة رسالة الماجستير بعنوان «الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري بين صلاح عبد الصبور ونجيب سرور (نماذج مختارة)» مقدمة من الباحث سعيد حامد عبد السلام شحاته، وذلك بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة، وتضم لجنة المناقشة الدكتور تامر محمد فايز (مشرفًا)، والدكتور سامي سليمان أحمد (عضوًا)، والدكتور سيد علي إسماعيل (عضوًا ورئيسًا). والتي منحت الباحث من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الماجستير.
تتناول هذه الدراسة سمات الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري، وأثر هذه الشخصية على تطور الفعل الدرامي داخل النص المسرحي، كما تسعى إلى التعرف على أثر المجتمع في البناء النفسي لهذه الشخصية من خلال تسليط الضوء على الحركة السياسية والاجتماعية التي ألمّت بمجتمع الشاعر أثناء كتابة مسرحياته محلّ الدراسة، ليتمكن الباحث من تقديم رؤية نقدية لبعض النماذج المختارة التي تتوافق مع خط سير البحث، في الفترة التاريخية من (1952م) حتى (1973م)، وقد تم اختيار هذه الفترة لأهمية التحولات الجذرية التي طرأت على المجتمع (محل الدراسة) في هذه الأثناء، كما تم اختيار الشاعرين؛ صلاح عبدالصبور، ونجيب سرور، لدراسة نماذج مختارة من مسرحهما، نظرًا لتفاعلهما مع أحداث مجتمعهما السياسية والاجتماعية، سواءً بشكل مباشر كما فعل نجيب سرور في مسرحه الشعري، أو من خلال الإسقاط التاريخي كما فعل صلاح عبدالصبور في مسرحه الشعري. 
‏ مشكلة الدراسة: 
الدراما الشعرية مبعثها في هذه الأثناء –الفترة المحددة للدراسة- هو الثورة، ويظهر ذلك جليًّا في مسرح الشاعرين (صلاح عبدالصبور- نجيب سرور) وقد تعامل معظم النقاد مع كل شاعر على حدة لتسليط الضوء على الجوانب الفنية لمسرحه، لكن لم يتم طرح قضية الثورة وسمات الشخصية الثائرة بشكل تفصيلي في دراسة تعكس أثر هذه الشخصية في المسرح الشعري لهذه الحقبة. 
فهذه المرحلة بما فيها من تحولات كانت مرحلة لها تأثيرها على المسرح المصري، حيث ألقت هذه التحولات بظلالها على شخصياته، لذا كانت لكل شخصية لغتها الخاصة التي أثرت بدورها على تلقي النص المسرحي كنص أدبي، وتلقيه كتمثيلية تؤدى من خلال ممثلين على خشبة المسرح، هذه اللغة غلب عليها طابع الحدة في بعض الأحايين، وهذا ما تم تسليط الضوء عليه في النماذج المختارة من مسرحيات الشاعرين (صلاح عبدالصبور ونجيب سرور)؛ إلى جانب التركيز أيضًا على سمات هذه الشخصيات سواء كانت شخصيات يحركها الوازع الديني كـ الحلاج، عند صلاح عبدالصبور، أو شخصيات يسيطر عليها الطابع الاجتماعي كـ ياسين وبهية عند نجيب سرور، أو أشخاص يحركها الطابع السياسي كـ شخصية سعيد والأستاذ في مسرحية (ليلى والمجنون) لصلاح عبدالصبور وشخصية أمين وحمدي وعطية في مسرح نجيب سرور.
تساؤلات الدراسة: 
- ما المسرح الشعري الثوري، وما آليات كتابته؟ 
- كيف أثر الوعي المجتمعي على المسرح الشعري المصري في فترة الدراسة المحددة؟ 
- ماذا تعني الشخصية الثورية لهذا المسرح في المرحلة المستهدفة من الدراسة؟ 
- ما العلاقة بين المقاصد الواعية للأديب والدلالة الموضوعية لأعماله؟
- ما أهم السمات المميزة للتجارب المسرحية في هذه الفترة؟
- ما الهدف من استخدام القناع من قبل الكاتب المسرحي في مسرحيته الثورية؟ 
- هل تمكن الشاعر المسرحي من إيصال هدفه بواسطة الرمز؛ أم أنه كان بحاجة ملحّة للتخلي عن الرمزية من أجل تواصل أكثر مع المتلقي العادي؟ 
- ما المستهدف من الاتكاء على الرمز الديني في مسرح هذه الفترة؟ 
أهمية الدراسة: 
تبحث هذه الدراسة النقاط التالية للوقوف على أهمية كل نقطة من هذه النقاط على حدة: 
- المسرح الشعري وأثره في المجتمع وتأثره به. 
- البحث حول الشخصية الثائرة وأهمية طرحها في مسرح هذه الفترة.
- التعرف على الخطاب السياسي بعد الثورة وأثناء الهزيمة وبعدها وانعكاسه على الكتابة المسرحية خاصة المسرح الشعري. 
- تحليل القناع الديني والقناع السياسي والقناع الشعبي ومدلول كل قناع، والإسقاط على الفترة الزمنية التي كتب فيها، وهدف كل كاتب من هذا التقنّع. 
أهداف الدراسة: 
- التركيز على النقاط المضيئة التي طرأت على المسرح الشعري المصري بعد ثورة 1952، ومدى تطور الكتابة المسرحية وتأثرها بالثقافات المختلفة لهذه المرحلة..
- قراءة الوعي الفعلي الذي أثر على أحداث المسرح الشعري في هذه الأثناء، للوصول إلى الوعي الممكن الذي يبحث عنه الشاعر من خلال رؤيته المسرحية.
-عقد مقارنة على مستوى البنية الشكلية بين (صلاح عبدالصبور) و(نجيب سرور) للوصول إلى مسعى الدراسة وكشف ماهية الشخصية الثورية من خلال التعرف على نقاط الاختلاف والاتفاق في مسرحهما الشعري وأثر المجتمع فيه.
- الخلفيات الثقافية والسياسية والاجتماعية وأثرها على فلسفة الشاعر في أسلوب طرحه وتشكيل شخصياته الثائرة.
- أنواع القناع وكيفية طرح الأزمة المجتمعية التي يتناولها كل شاعر وإدارتها في مسرحه. 
-عقد مقارنة بين اللغة المسرحية التي استخدمها الشاعران لرسم شخصية الثوري داخل الإطار المجتمعي الذي يحياه.
- محاولة قراءة مفهوم المسرح الشعري بشكل جديد؛ عبر ربطه بتلك الأحداث التي أنتجته وعبّر عنها. 
حدود الدراسة: 
- قامت الدراسة بإلقاء الضوء على بعض المسرحيات التي تتفق وموضوعها وفترتها الزمنية، لكل من: 
* الشاعر صلاح عبد الصبور: 
-مأساة الحلاج، صدرت عام 1966.
- مسافر ليل، صدرت عام 1968.
-ليلى والمجنون، صدرت عام 1970.
* الشاعر نجيب سرور: 
- ياسين وبهية، صدرت عام 1964. 
-آه يا ليل يا قمر، صدرت عام 1966. 
-قولوا لعين الشمس، صدرت عام 1972. 
وقد تم اختيار هذه النماذج لتوفر السمات المراد التركيز عليها في شخصية البطل الثائر بها، سواء كانت ثورة هذا البطل –محل الدراسة- دينية أم اجتماعية، فهذه المسرحيات يحركها الرفض الذي يشعل جذوة الثورة داخل نفس البطل الباحث عن الذات والمتطلع للعدالة والحرية والتخلص من قيود الظلم المجتمعي الذي يمارس عليه بشكل لا تحتمله نفس ثائرة.
الخاتمة
قام هذا البحث الذي جاء تحت عنوان (الشخصية الثائرة في المسرح الشعري المصري، بين صلاح عبدالصبور ونجيب سرور) بالتركيز على مفهوم الدراما، وأثر هذا المفهوم على الوجدان الجمعي داخل المجتمعات العربية، خاصة المجتمع المصري، وكيفية عزوف هذا الوجدان عنه في بداياته، ثم تفاعله معه بعد أن تم الترسيخ له من قبل الكتاب والمهتمين وتماسه مع الواقع المصري وأزماته، كما قام بإلقاء الضوء على العلاقة بين الثورية والمسرح الشعري، والثورة المستمرة لهذا اللون المسرحي على التقليدي والعادي، حتى على نفسه، فالمسرح الشعري مسرح ثوري، لا يتوقف عند شكل معين، ثابت، أو قالب واحد جامد، أو فكرة لا تقبل التغيير، فأفكاره متجددة كقالبه وطريقة تناوله وكيفية طرحه لأزمات مجتمعه.
ومن أهم نتائجه أنه قام بـ: 
- التعريف بالشخصية، وأهميتها داخل بنية النص المسرحي، ودورها الفعال في تحريك الحدث، وتنامي الصراع، وعلاقتها بالواقع، ودوافعها، ودلاليتها، وعلاقتها بالأخلاق من وجهة النظر الأرسطية. 
- إبراز الدور المسرحي في المجتمع المصري بعد الثورة، ومدى استجابة المجتمع لهذا الدور، وكيفية تأثير هذا المسرح –مسرح ما بعد الثورة- في فكر المجتمع، وتخليه عن رمزيته للوصول إلى الطبقات السحيقة التي دخلت هذا المسرح بالجلابيب. 
- التعامل مع النص عند صلاح عبدالصبور بصفته بنية مولدة من رحم القهر والتسلط والكبت وكبح جماح الحرية وكسر الأقلام وسجن الآراء البناءة، وحرق كل ما هو جميل، مما يؤدي إلى احتراق كل جميل في نفس الشخصية الفاعلة في النص نتيجة ما يحدث في العالم المحيط، أو ما حدث في المجتمع الذي خرجت من عباءته بنية النص.
- التأكيد على أن السجن برزخ قاتل للحرية، وهو مصير كل صاحب ضمير حر من قبل السلطة الباطشة، وهذا ما حدث مع سعيد في مسرحية ليلى والمجنون، حيث يظهر في المنظر الأخير «سعيد/ الشعب وقد أصابه الذهول والانكسار والإحباط في السجن، يناجي القادم من بعده ويستحلفه بكل طبقات الشعب الكادح، وبكل حضاراته القديمة والحديثة ألا يبطئ، ويذكره أن يحمل سيفه، فالكلمات لم تعد قادرة على الفعل في هذا الزمن»( )، كما كان صلب الحلاج بعد تعذيبه والتنكيل به في مأساة الحلاج وتزييف وعي العامة وقتل السجين الثاني من أساليب الخلاص السلطوي، لا الخلاص الثوري، وهذا ما حدث في مسرحية مسافر ليل حين قتل المسافر/ الشعب بهذه الطريقة وحمله الراوي/ المثقف خوفًا من عامل التذاكر/ السلطة. 
- التركيز على أن الشخصية الثائرة في ثلاثية نجيب سرور جاءت للتعبير عن طبقات الشعب المصري السحيقة، فقد عبر عنها في (ياسين وبهية) بالفلاح، وفي (آه يا ليل يا قمر) بالعامل، وفي (قولوا لعين الشمس) بالبنّاء والعسكري والفنان.
- كشف حجم المعاناة التي يعانيها أبطال نجيب سرور داخل هذا السياق المليء بالفساد، حيث اعتمد في ثلاثيته على سلبية المجتمع وفساده ليتخذ من الحشيش والخمر أدوات هروب تغيب العقل وينتظر الخلاص الذي يأتي على يد القناصة دائمًا.
- التأكيد على أن الشخصية الثائرة شخصية متمردة، يراها المجتمع أملاً في بعض الأحيان، وتراها السلطة ضجيجًا يجب التخلص منه، لذا تنتهي هذه الشخصية نهاية مأساوية في كل الظروف، وهذا ما أكد عليه مسرح صلاح عبدالصبور ومسرح نجيب سرور.
- إبراز أهمية اللغة في المسرح والتركيز على رمزيتها، فهي إحدى أدوات الشاعر أو الكاتب المهمة لصياغة أفكاره إلى كلمات وعبارات.
- التأكيد على دور اللغة الفعال في المسرح بشكل عام، والمسرح الشعري بشكل خاص.
- إبراز الفروق بين اللغة على لسان الشخصية الثائرة واللغة على لسان الشخصية العادية.
- تناول دور المؤلف في تشكيل الشخصية الثائرة، وحرصه على اختيار ألفاظها بعناية شديدة، فالشخصية الثائرة، شخصية لها موقفها من الحياة، ولغتها لغة خاصة، مبنية على ثقافة خاصة.

الاثنين، 30 مايو 2022

مساهمة سترندبرك في المسرح الحديث

مجلة الفنون المسرحية
الصورة من عرض مسرحية الأب اوغست سترينبرغ في مدينة ستوكهولم


مساهمة سترندبرك في المسرح الحديث

عباس منعثر

منذ منتصف القرن التاسع عشر، كانت تتنافس على مسارح السويد رومانسية (كوتة وشيلر) المثالية بالضد من دراما الصالون الفرنسية. وكثورة على الرومانسية انطلقت الواقعية الفرنسية ثم اجتاحت الساحة المدرسة الطبيعية، بعدها انتفضت التعبيرية على الواقعية، ومثلت شكلا من أشكال الرومانسية الجديدة كمذهب (يرفض مبدأ المحاكاة الارسطية، ويحل محلها التعبير عن مشاعر الفنان في تناقضاتها وصراعاتها، ويتخذ من هذه الرؤى الذاتية والحالات النفسية موضوعا مشروعا للابداع الفني)( ). وقد عاصر (اوغست سترندبرج) هذه الحركات، بل ساهم أيضا فيها (خاصة الطبيعية) قبل ان يختط لنفسه طريقه الخاص( ).
في مرحلته الطبيعية كان سترندبرج قد تحول الى مذهب "داروين" فهو يميل الى تصوير الشخصيات وفقا لبقاء الاصلح، والانتقاء الطبيعي، والوراثة، والبيئة، و(علمه تفسير "باكل" النسبي للتاريخ ان يرتاب في جميع الحقائق المطلقة. ولم يشجعه اهتمامه بالعلوم التجريبية على اختبار الصفات الكيميائية للمادة فحسب، بل حتى على ان يرى في الكائنات البشرية مادة للفضول العلمي تجري عليها الاختبارات بدون شعور او شفقة)( ). وقد اختلف التكنيك الدرامي عند سترندبرج عندما انتقل من الطبيعية من ناحية فكرية وتخلى بذلك عن الطبيعية الدرامية، فتحول من القالب المحكم الصنع في "الانسة جولي" وحلت محله سلسلة من الاحداث المتدفقة، بلا قالب، من اجل اختراق مادية الحياة وصولا الى حقائقها الروحية عن طريق الخيال( ).
وجد (سترندبرج) في التعبيرية ملاذا له كي ينقل تجربته الخاصة، فابتعد عن الحقيقة الموضوعية ليعبر عن رؤيته الذاتية، (اعمال سترندبرج تمثل في مجموعها تطورا من الطبيعية في البداية – مثل مسرحية الاب 1887 والانسة جولي 1888- إلى الرمزية- كما نجد في مسرحيات بعد الحريق وسوناتا الشبح 1907)( ). ومن خلال (مسرحية الحلم) المكتوبة عام 1902 بلور (سترندبرج) التعبيرية في المسرح. وقد ساهمت هذه المسرحية في تحريك الثورة التعبيرية في الكتابة والممارسة الدرامية الاوربية. اخذت مسرحياته هذه شكل "القالب الحر" فيها المكان مبهم والزمان نسبي، والتتابع الزمني متقطع، والاسماء تحمل طابعا رمزيا مثل "الغريب، والطالب، والشاعر والحالم"( ). ومن اجل ان يمسرح اللاشعور، اقترب (سترندبرج) من شكل الحلم فأصبحت بذلك زاوية نظر القارئ او الجمهور هي زاوية نظر الحالم.
اتسمت المسرحية التعبيرية بسمات محددة من قبيل ان الجو العام كابوسي في الغالب، وأن الصورة مبسطة تبتعد عن الايغال في التفاصيل( )، ويقترب الشكل العام من اللوحات التي تتضمن أحداثا عرضية تترابط من خلال البطل الحالم، من اجل اثارة المشاعر. بذلك تفقد الشخصيات فرديتها وتتحول إلى رموز، ففي معظم الاحيان تتركز الصراعات في وجدان شخصية منعزلة تمثل في العادة وجدان شخصية المؤلف نفسه، والحوار عنده شاعري وحماسي قد يأخذ شكل مونولوج طويل من اجل الحصول على تعاطف مباشر، أما الانماط البشرية فتصبح عامة تفتقر للخصوصية، ويستغنى عن الحبكات التي تبدأ بمقدمة وذروة وخاتمة، ويتفتت الحدث كليا إلى اجزاء متناثرة ومتباعدة( ).
وكمساهمة أخرى في المسرح الحديث تضاف إلى مسرحياته الطبيعية والتعبيرية أضاف (سترندبرج) مسرح الحجرة كنمط جديد. ان مسرحيات الحجرة هي مجموعة من المسرحيات القصيرة كتبها بوحي من سيرته الذاتية، وقدمها على (المسرح الحميمي) الذي شيد خصيصا لهذه العروض في عام 1907 في استوكهولم( ). لا يعتمد المسرح الحميمي على الامكانيات المادية الضخمة ولا يحتاج إلى صالة كبيرة بل هو (مجرد مستودع مستأجر يتسع لمائة وواحد وستين مقعدا)( ). هناك جو حميمي يجمع الجمهور بالممثلين في مسرح الحجرة الذي لا يقوم على عروض مكلفة او انتاج ضخم او جمهور كبير. يخلق جو المكان هذه الالفة بمساعدة المتفرج وقد يصدر عنه ملاحظة او مشاركة من نوع او اخر اثناء العرض( ). اعتبرت مسرحيات الحجرة (منحطة)( ) لأنها تسيء إلى المسرح برأي بعض النقاد أثناء عرضها؛ بينما يمتدحها (ايفرت سبرنكورن) بقوله (سترندبرج ابتكر تعبيرا دراميا جديدا استطاعت من خلاله الصور المجازية الاستمرار في الحياة)( ).
الغاية من مسرح الحجرة هو البساطة في الموضوع وفي العرض. وفيه يتم التحرر من تقاليد الحبكة والشخصية. ولأن الموضوع جديد فإن الطريقة والشكل ايضا سيكونان جديدين. الوحدة والتماسك لاسلوب العرض هما من الخصائص التي طالب بها (سترندبرج) في مسرحيات الحجرة. ويعزو (ستيان) اسباب كتابة (سترندبرج) لمسرحياته التعبيرية التي تفرض متطلبات قليلة على مخيلة المشاهد إلى كونه لا يهتم بالحقيقة الخارجية في سنواته الاخيرة. مما جعل مسرحياته تتسم باللغة التراتيلية الغنائية، بشكل موسيقي، تعتمد الايماء والايحاء البصري، والوقفات والصمت، مع تشويه الزمان والمكان، والتوجه نحو التجربة الداخلية( ).
ان معظم مسرحيات (سترندبرج) كتبت بالنثر، اي ما يقارب ستين نصا مسرحيا. وقليل منها بالشعر بينما يتمازج الشعر بالنثر في مسرحيتين( ). هناك حيرة عامة في تصنيف اعماله المسرحية في كونها واقعية، طبيعية، رمزية، سريالية، وجودية، لامعقولة. وهذا ما يجعلها متعددة الجوانب قابلة لقراءات وتصنيفات مختلفة، فيما يخص التجنيس كنوع ادبي. ومن المحير ايضا ان العمل نفسه يصنف بتصنيفات مختلفة. كتب (سترندبرج) في الكوميديا، والكوميديا السوداء، والمسرحيات التاريخية، مسرحيات الحلم، المسرحيات الخيالية، ومسرحيات الحجرة( ). هذا التنوع هو احد خصائص مسرحه، وأهميته بالنسبة إلى المسرح الحديث لا يمكن نكرانها والتي ترجع إلى (مسرحياته التعبيرية التي من بينها "لعبة الحلم" و"رقصة الموت" و "انشودة الاطياف")( ). عدد قليل من الكتاب الدراميين لم يتأثروا به. اعتبره (يوجين أونيل): الاكثر حداثة من كل الحداثيين، وعدّه (مارتن لام) أجرأ المجربين في الدراما الحديثة، بينما يذكر (انغمار بركمان) انه حاول أن يكتب مثله، الحوارات والمشاهد وكل شيء، وأنه شعر بأن حيوية (سترندبرج) وغضبه تعتمل في داخله( ).
ورغم محاولاته المتكررة لتقديم مسرحياته للجمهور، فقد احتاج (سترندبرج) وقتا طويلا حتى تم الاعتراف به في السويد. إذ تأخرت مسرحية (سيد اولوف) تسع سنوات قبل تقديمها على المسرح، وتأجلت (الانسة جولي) 18 سنة، وفشلت (مسرحية حلم) فشلا ذريعا في اول عرض لها، ولم تقدم نصوص الحجرة الا في مسرحه الخاص المسمى المسرح الحميمي. لقد نال (سترندبرج) نصيب معظم الرواد: الاعتراف بهم بعد وفاتهم( )، حينما قدم المخرج (ماكس راينهارت) عروضا من مسرح الحجرة العام 1906، و(سوناتا الشبح-1907) و(الطريق إلى دمشق-1910)؛ فقد اعاد اكتشاف (سترندبرج) في المانيا والسويد، بحيث أصبحت أعماله المسرحية هي الاكثر تقديما على المسرح بعد الحرب العالمية الاولى بعد اعمال شكسبير( ).
ومن النقاد من يعد مفتاح عظمة (سترندبرج) تكمن في ثورته ضد الله( ). وعندما بعث (سترندبرج) الى (نيتشه) بمسرحيته "الاب" اجاب الفيلسوف الالماني بأنه سر سرورا بالغا برؤية "صورتي الخاصة للحب.. الحرب وسيلته، والكراهية المميتة بين الجنسين قانونه الاساسي.. والتعبير عنه بهذه الطريقة الرائعة)( )، في حين ان (سترندبرج) سبق (بيرانديللو) في التسليم بأن العالم الذي يكمن وراء مخيلته ليس له شكل او حقيقة ثابتان)( ).. وبذلك يعد (اوغست سترندبرج هو اكثر الارواح ثورية في المسرح الثوري)( ).
من هنا تتضح مساهمة (اوغست سترندبرج) في المسرح الحديث تلك التي يُعد احد ركائزها المهمة بالاضافة إلى (هنريك ابسن) و (برنارد شو) إذ انه يواصل تأثيره بعد مائة عام من موته، (إنه مبتكر ورائد عصره ولا يزال يثير إعجاب المشاهدين في المسارح حول العالم)( ).

عينة التحليل: مسرحية الأقوى
مسرحية (الاقوى) من اكثر مسرحيات (سترندبرج) تقديما على المسارح العالمية. فرغم قصرها ومحدودية الحدث الخارجي فيها؛ إلا انها تنطوي على كشف عميق لما تعانيه الشخصية الانسانية في العصر الحديث بأسلوب لم يسبقه اليه أحد. ومن خلال اعتماد الباحث على الطريقة القصدية بالإضافة إلى ان هذا النص حمل في مضمونه واسلوبه تأثيرا في حركة التأليف المسرحي عالميا، تم اختيار مسرحية (الاقوى) كعينة للدراسة.
كتبت مسرحية (الاقوى) عام 1889 كي تقدم ضمن عروض مسرح الحجرة، التي عادة ما تتكون من فصل واحد او فصلين او ثلاثة وتمثل بفريق عمل محدود العدد في مكان صغير. اما التسمية فقد اخذت من الموسيقى (موسيقى الحجرة) التي تؤدى بعدد محدود من الموسيقيين وفي صالة صغيرة. هذا القالب ابتدعه (سترندبرج) لمسرحيات مكتوبة للقراءة لا للتمثيل( ). شخصيات المسرحية ثلاثة نساء، الخادمة التي لا تقوم إلا بجلب الشاي، و(السيدة س- سندعوها السيدة) وهي ممثلة متزوجة، (والآنسة ي- سندعوها الانسة) وهي ممثلة غير متزوجة. اما المكان فيمثل مقهى للسيدات، والزمن يتحدد في ثمانينيات القرن التاسع عشر.
تبدأ المسرحية وتنتهي بمونولوج طويل للسيدة، بينما تلتزم الآنسة بالصمت ولا تنطق بكلمة واحدة. كل المعلومات والحالات والاستذكارات تردنا على لسان السيدة وهو بناء مسرحي أذهل النقاد لما فيه من غرابة وتجريب. مسرحية (الأقوى) من ناحية البناء فريدة من نوعها، فلا يماثلها في تاريخ المسرح نص سابق عليها، وتعتبر ايذانا بنمط ظل مؤثرا حتى الوقت الراهن حيث قلده يوجين اونيل في مسرحيته (بعد الافطار) وغيره من الكتاب.
للمقدمات (او المبدأ كما سماها أرسطو) ضرورات وخصائص، وهي تهتم بعرض الموضوع، ويشترط فيها أن تكون كاملة وقصيرة وواضحة ومثيرة للاهتمام، على ان تحتوي على جميع العناصر الدرامية الضرورية لفهم الاحداث، منها التعريف بالشخصيات وبالمكان وزمان الحدث وعناصر واطراف الصراع التي تشكل عقدة المسرحية. اما في المسرحيات التي تتطلب كثافة درامية فتبدأ المقدمة بأقرب نقطة من التعقيد، وبعدها تتشابك الاحداث( ). والمقدمة عند (سترندبرج) توحي من خلال غموضها بحالات ستتضح لاحقا.
تُستهل مسرحية (الاقوى) بوصف المنظر (ركن في مقهى للسيدات في ستوكهولم، في الثمانينات من القرن التاسع عشر. منضدتان من الحديد المطروق. أريكة ذات ظهر وبضعة مقاعد)( ). حددت هذه المقدمة مكان الحدث وزمانه، وبقيت أسماء الشخصيات بلا تحديد. وبينما تجلس الانسة، تدخل السيدة. في مسرحية الاقوى ليس هناك تمهيد او مدخل. منذ الوهلة الاولى تعبر السيدة عن شيء غامض بقولها للانسة: (اتجلسين هنا وحدك في اليوم السابق لعيد الميلاد..؟)( )، من زاوية نظر نفسية، تحاول السيدة تعميق وعي الانسة بوضعها كإنسان وحيد يستحق الشفقة. يتأكد ذلك أكثر في المقطع الاخير من المسرحية حينما تعاود تذكيرها أنها (أي السيدة) ستذهب إلى زوجها واطفالها بينما الانسة ليس لها من تذهب اليه. من الناحية التركيبية، لا تستهلك مسرحيات الحجرة عند (سترندبرج) الكثير من الوقت او الاستطرادات او المداخل؛ بل تذهب إلى الازمة مباشرة لأن مسرحية الفصل الواحد بطبيعتها مقتضبة ومكثفة ومضغوطة من ناحية الزمن بحيث أن كل جملة وكل عبارة لا غنى عنها في مسار الاحداث.
ومن خلال ديالوج السيدة نعلم أن الليلة هي ليلة عيد الميلاد. ومنذ اللحظة الاولى تلمح السيدة إلى تعاطفها مع الانسة حينما تقول:
- السيدة س: أتعلمين أنني أشعر بالحزن حقا حين اراك وحيدة.. وحيدة في مقهى، وفي مثل هذا اليوم بوجه أخص .
تزداد عدائية السيدة بمرور الوقت، خاصة حينما تحشو المسدس اللعبة وتطلقه صوب الانسة. وتنكشف بعض الخفايا التي تربط المرأتين، بقولها:
- السيدة س: أنت ما زلت تظنين أنني دسست لك لاخراجك من المسرح الكبير ولكنني لم أفعل ذلك. لم افعله مهما بالغت في الظن بأنني فعلته( ).
تصور السيدة زوجها بصورة متناقضة بين رضاها عنه وسعادتها به وبين تلمحياتها الساخرة منه. لكنه حسب قولها (حلو على كل حال، وزوج طيب عزيز)( ). يزداد انفعالها من قهقهات الانسة، وتزداد بوحا بمرور الوقت. خاصة حينما تذكر الاولى ان زوجها مخلص لها، رغم محاولات الممثلات، وبضمنهم الانسة، على اغرائه بسبب مركزه في اختيار اعضاء الفرقة.
وبمشاعر مركبة، تعترف السيدة بأنها لم تحبب الانسة ومع ذلك اصبحت صديقتها، وان زوج السيدة لم يحبب الانسة ايضا. بل ان الامر يزداد تعقيدا حينما تسرد السيدة كل تصرفاتها وسلوكياتها بالقياس إلى الانسة، خاصة حينما تذكر أنهم اسموا ولدهم (أسكيل) لأنه اسم ابي الانسة.
- السيدة س: هذا هو السبب في انه كان علي ان ألبس نفس ألوانك، واقرأ نفس كتبك وآكل من الاطباق التي تحبين وأشرب ما تشربين( )..
وبطريقة انفعالية تخفي توترا داخليا عميقا، تعلن السيدة انها طرزت زهور الخزامى بنفسها على خفي زوجها، وانها تكره الخزامى، بينما يحب زوجها الخزامى لا لسبب الا لان الانسة تحبه. تشعر السيدة بتعذيب الانسة لها حتى في صمتها.
- السيدة س: انت لم تنطقي بكلمة كل هذا الوقت. واكتفيت بأن تدعيني اواصل الكلام. جلست هناك، وعيناك تستفرغان مني كل هذه الافكار التي كانت مستقرة في باطني كالحرير في الشرنقة( ).
تشي عذابات السيدة من خلال تعبيرها ان الانسة هو دودة نخرت قلب التفاحة ولم تبق منها إلا القشرة ولبابة صغيرة سوداء( ). وهي حين تحاول ان تطير ترجع إلى الارض بقوة قاهرة.
- السيدة س: أرقد في الماء وقدماي موثقتان، وبقدر ما أكافح بذراعي أهبط ثم أهبط حتى أصل إلى القاع، حيث ترقدين متربصة كالاخطبوط الضخم لتنشبي فيّ مخالبك( ).
هنا تعبر السيدة عن شعورها الحقيقي بقولها اكرهك، والاسباب عديدة لديها من بينها عدم مبالاة الانسة بالاخرين، وبالزمن، وبكونها لا تعرف كيف تكره او تحب. هذه الصورة البشعة جدا عن الانسة تحيلها إلى حيوان مفترس. في اللحظة نفسها تعبر السيدة عن أسفها من اجل الانسة لأنها تعيسة في قرارة نفسها، وشريرة. لكنها في الوقت نفسه ترسم صورة اخرى عن علاقتها بالانسة التي تعلمت منها كيف تسلك، وكيف تلبس كي يتعلق زوجها بها وتحتفظ به لنفسها. وفي ختام حديث السيدة ترد كلمة الاقوى التي هي عنوان المسرحية، وتستنتج أنها هي الاقوى لأنها ظفرت بما خسرته الانسة( ).
تختلف التفسيرات في تحديد من هو الاقوى. إذا اعتمدنا على جانب من اعترافات السيدة من كونها تقلد الانسة في كل شيء، وإن زوجها يحب الانسة، ستكون الانسة هي الاقوى. اذا نظرنا إلى الامر من زاوية فقدان الحبيب وفقدان الزوج فإن الانسة قد فقدت زوجها بالانفصال وفقدت الحبيب المتزوج من السيدة التي تصبح هي الاقوى. لكن الرأي المعاكس يرى أن السيدة فاقدة لزوجها لأنها لم تمتلك قلبه؛ بل تدعي ذلك. ومن خلال الغوص في اعماق كلامها يستدل على انها فقدت حبه بالفعل ولم يبق من زواجها منه الا الاسم. في الحالة هذه ايضا تصبح الانسة هي الاقوى. السؤال عن كينونة الاقوى في المسرحية يذهب بنا إلى تحديد الذات الفاعلة داخل النص المسرحي. قد تكون الذات الفاعلة حسب تقسيمات (كريماس) غائبة او مجردة او شخصية جمعية. ويكون للذات الفاعلة هدفا او مجموعة اهداف يقوم عليها وجودها. على وفق هذا التحليل يبقى الامر بالنسبة إلى سؤال من هو الاقوى في مسرحية (الاقوى) قائماً لأنه سيشمل السيدة على اعتبار قيام البناء الحواري بالكامل عليها، وسيشمل الانسة في الوقت نفسه على اعتبار ان غيابها (من ناحية الملفوظ) لا يعني عدم فاعليتها. إذ ان الفاعلية تحدد بجملة عوامل، (نقول ان الذات الفاعلة في النص الادبي هي تلك التي يتمحور حول "رغباتها" الحدث، أي النموذج الفاعلي، وهي التي نعتبرها موضوع الجملة الفاعلية، تلك التي تؤدي إيجابية الرغية لديها أمام العقبات التي تواجهها إلى تحريك النص كاملا)( ). على وفق هذه الرؤية، لم تكن الانسة سلبية من خلال ملاحظات المؤلف التي تصف حالتها الانسة او حركتها او انطباعاتها. بل أن مركز اهتمام القارئ يتحول تارة من السيدة إلى الانسة وبالعكس. ويذهب البعض –كما ذهبت السيدة- إلى أن الانسة تقودها إلى حيث تريد بردود افعالها.
وفي ذروة درامية مؤثرة، تختم السيدة المونولوج الطويل بإعلانها الانتصار لأنها عائدة إلى بيتها، والى زوجها بينما ستبقى الانسة حيث هي: وحيدة في ليلة عيد الميلاد.. لكنها تنطق بكلمات الشكر لها وتسميها باسمها:
- السيدة س: شكرا لك يا أمليا على كل دروسك الطيبة. شكرا لأنك علمتني كيف أحب زوجي، أنا الآن ذاهبة إلى البيت.. اليه( )..
اهم سمات مسرحية (الاقوى) الكثافة والبلاغة في قول الشيء الكثير بكلمات قليلة، فالعالم الذي خلقه المؤلف أوسع من الكلمات. وكذلك، المواجهة والصراع الحاد في المسرحية الذي يتضح شيئا فشيئا ويؤدي إلى شد الانتباه حتى النهاية.
من خلال تحليل مسرحية الاقوى، ومن خلال قراءة مسرح سترندبرج، تتضح بعض الاستنتاجات التي قد تضيء موقعه من المسرح العالمي، ومنها:
1- البحث عن اسلوب جديد: المسرحيات التعبيرية التي كتبها (سترندبرج) ومسرحيات الحجرة هي نمط جديد في كتابة النص المسرحي يتجاوز الواقعية والطبيعية ولا يلتزم بقوانينها الانية الصارمة. فالحوار مكثف كي يوصل الاحاسيس والمشاعر في ذروتها، والاحداث رمزية غامضة، والشخصيات معقدة وذات وجوه وطبقات، والمعنى غير واضح تماما، وليس هناك التزام بمحدودية خشبة المسرح او صالة العرض. يتجسد ذلك خاصة في مسرحياته الرمزية مثل (الطريق إلى دمشق) ومسرحيات الحجرة مثل (سوناتا الشبح ومسرحية حلم ورقصة الموت والاقوى).
2- الحوار هو جوهر الفعل المسرحي: فالمعلومات والافكار تصلنا عن طريق ما تنطقه الشخصيات بطريقة شعرية ومجازية تجعل المسرحية قابلة للتأويلات. نجد ذلك في مسرحية (الاقوى) القائمة على مونولوج طويل (للسيدة) مع ملاحظات شحيحة جدا للمؤلف وهو ما يؤكد دور وأهمية الحوار في البناء المسرحي ككل.
3- التركيز على الانفعالات النفسية وكشف المناطق المظلمة والسرية من النفس البشرية: ينحو (سترندبرج) نحو دراسة الشخصية الانسانية والتعمق في لاوعيها كاشفا عنه بقوة. وتمتاز شخصياته بعمقها النفسي وتناقضها، وصراعها عادة ما يكون داخليا بينها وبين دوافعها واحلامها وانكساراتها، وليس مع المجتمع (عدا الانسة جولي والاب في مرحلته الطبيعية). وهو احد الاسباب التي جعلت مسرحياته تتجاوز زمن كتابتها.
4- العلاقة الحميمية مع الجمهور: احدى منطلقات (سترندبرج) التي صرح بها اكثر من مرة، أنه يريد ان يكون الاتصال بين المسرحية والجمهور مباشرا وحميميا بلا قطع عن طريق الاستراحة او ما شابه، لأنه يؤمن بأن تأثير المسرحية يتعرض للانتهاك اذا قطع التلقي اي شكل من اشكال الاعاقة. وقد لجأ إلى المسرح الحميمي حتى يحقق هذا الهدف من خلال مسرحيات قصيرة مركزة وعدد ممثلين محدود وصالة صغيرة أنشأها خصيصا لعرض مسرحيات الحجرة التي كان يكتبها.
5- التركيز على موضوع علاقة المرأة بالرجل: في جميع مسرحياته تلعب المرأة دورا مهما في تحريك الاحداث، كما في مسرحية (رقصة الموت) ومسرحية (حلم) وكما في عينة دراستنا (الاقوى)، التي تكشف خبايا المرأة وهواجسها بطريقة درامية متميزة.
6- الغموض في اتخاذ موقف من الشخصيات: يتضح ذلك بالاخص في مسرحياته التعبيرية وفي مسرحية (الاقوى) بشكل خاص، إذ ان القارئ والمشاهد لا يقرر من هو الاقوى في المسرحية، هل هي السيدة ام الانسة ام الزوج؟ بل ان حالة الغموض قد تسيطر على مسرحية بكاملها مثلما يحدث في ثلاثية (الطريق إلى دمشق) التي تعد من اكثر مسرحياته تعقيدا وغموضا.
7- الاعتماد على السيرة الذاتية: (سترندبرج) من الكتاب الذين يستثمرون حياتهم في كتابة مسرحياتهم، وافكاره الخاصة وحوادث حياته موزعة على شخصيات بعينها في جميع اعماله. شخصية الغريب في (الطريق إلى دمشق) مثلا تشابه شخصية المؤلف في افكارها وفي نمط حياتها وبعض الحوادث المشتركة.
من كل ذلك، يمكننا أن نتوصل الى الاستنتاجات التالية سواء فيما يخص دور سترندبرج في تطوير الفن المسرحي، او مسرح الحجرة كنمط جديد من اختراعات هذه المؤلف الاستثنائي:
1- لسترندبرج مساهمة فاعلة في المسرح الحديث من خلال انشائه لقالب جديد، تأثر به العديد من الكتاب ونسجوا على منواله، ينسحب ذلك على (لويجي بيرندللو ويوجين اونيل وصموئيل بيكيت وجان جينيه وهارولد بنتر) وغيرهم من رواد مسرح اللامعقول.
2- نصوصه تعبر عن مديات زمانية تتخطى عصره إلى العصر الحديث من ناحية الموضوع والأسلوب. ودليل ذلك استمرار تقديم معظم مسرحياته التعبيرية وتحول بعضها إلى افلام سينمائية واعادة تقديم مسرحيات الحجرة بالأخص (الاقوى ورقصة الموت)، بشكل متواصل في مختلف بقاع العالم.
3- محاولة اكتشاف دهاليز النفس الانسانية من خلال القاء الضوء على جوانب لم يلق عليها الضوء سابقا، ولذلك عد أحد كبار المؤثرين في تيار الوعي متجسدا بـ(جيمس جويس).
4- شخصية الكاتب حاضرة بقوة في نصوصه لأنها في معظمها تعبر عن تجربته الخاصة وسيرته الذاتية.
5- عاش الكاتب في تناقض مع عصره، وجسد هذا التناقض في اعماله التي لم يحتفى بها في حياته؛ لكنها بقيت حية ومثيرة للاهتمام والتجسيد على خشبة المسرح.
6- التأكيد على أن النجاح الوقتي في حياة الكاتب ليس دليلا على عمق واهمية كتاباته: فقد كان يقال ان (ابسن) هو الجبل وبقية الكتاب كانوا السهل بسبب كثرة تقديم اعمال (ابسن) في المسارح العالمية وبسبب انتشاره الاعلامي. لكن الزمن اثبت خطأ هذه الفرضية حيث تجد ان (ابسن) بدأ يقبع في تاريخ الادب؛ بينما انبثق نجم (سترندبرج) من جديد بصفته المجدد الحقيقي في المسرح العالمي، والذي تدشنت على يديه الحداثة المسرحية الاصيلة.

المصادر
1- آن ابورسفيلد، قراءة المسرح، ترجمة: مي التلمساني، (القاهرة: وزارة الثقافة، مطابع المجلس الأعلى للاثار، 1982).
2- ج. ل. ستيان، الدراما الحديثة بين النظرية والتطبيق. ترجمة: محمد جمول. دراسات نقدية عالمية (28)، (دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 1995).
3- روبرت بروستاين، المسرح الثوري: دراسات في الدراما الحديثة من ابسن الى جان جينيه، ترجمة: عبد الحليم البشلاوي، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ب ت).
4- فرانك م.هوايتنج، المدخل إلى الفنون المسرحية. ترجمة كامل يوسف وآخرون، (القاهرة: دار المعرفة، 1970).
5- ماري الياس، وحنان قصاب حسن، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1997).
6- منشورات المعهد السويدي، في مارس- آذار 2012، إف أس.
7- من المسرح العالمي، سترندبرج-3، (الكويت: وزارة الاعلام، 1972).
8- نهاد صليحة، التيارات المسرحية المعاصرة، العدد97، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مهرجان القراءة للجميع، 1997).
9- Egil Törnqvist & Birgitta Steene, Amsterdam Universityon Drama and Theatre. Amsterdam University Press, 2007.

الأربعاء، 18 مايو 2022

بحث العلاقة البنائية بين الشكل المسرحي والشكل الفيلمي ( قطة على سطح من الصفيح الساخن ) ( أنموذجاً )

مجلة الفنون المسرحية
الباحث عبدعلي كعيد

بحث العلاقة البنائية بين الشكل المسرحي والشكل الفيلمي ( قطة على سطح من الصفيح الساخن ) ( أنموذجاً )

الجمعة، 25 فبراير 2022

الزنوجة وتمثلاتها في النص المسرحي الامريكي

مجلة الفنون المسرحية


الزنوجة وتمثلاتها في النص المسرحي الامريكي

الخميس، 29 يوليو 2021

الأداء المسرحي لمسرح ما بعد الحداثة / أ. د. حسين التكمه جي

مجلة الفنون المسرحية


الأداء المسرحي لمسرح ما بعد الحداثة 

يمكن القول أن مسرح ما بعد الحداثة قد ادخل الأداء التمثيلي للمؤدي في مسالك جديدة , فقد أخضع الأداء لمفهوم العمل الطاقمي أو الجماعي أو التعاوني , وسعى لفتح الورش المسرحية واستوديوهات التمثيل , والإكثار من زمن التمارين وطولها , وهو يفتح أفق لعمل الممثل على كافة الأصعدة , إلا أن ذلك سلب من الممثل نجوميته بعد انصهاره بالمجموعة , ولما كان غياب النص وإقصاء دور المؤلف احد توجهات مسرح ما بعد الحداثة فقد تم توظيف مفهوم الارتجال إلى أقصاه , وهو أمر استمد أساسا من المسرح التقليدي أصلا , كما عمد إلى توظيف البيوميكانيكية , وهو من تقاليد المسرح عند مايرهولد , وعلى هذا الأساس فقد تحول المؤدي إلى استنباط العوامل الروحية والجسدانية وتجليات الروح للجسد "" فان قابلية الممثل للغناء هي الموضوع الرئيسي لأي عرض مسرحي ... فها هو يموت مهما كانت الشخصية ...فهو لا يمثل سوى ذاته ""(5) . بعد أن كان لا يمثل إلا مساحة الشخصية أو الدور , أما المنولوجات التي تلقيها الشخصيات , فهي مزيج من مقتطفات مأخوذة من أكثر من عمل مسرحي لا رابط بينها ..ويمكن أن تسجل أصوات الممثلين على شريط تسجيل وتفريقها , بحيث تبث على عدد من السماعات المنفصلة .
ثم يوجه الأداء إلى توظيف الرقص بجل أنواعه كرقص جزر بالي والرقص التوقيعي والرقص التعبيري والهستيري والرقص الديني للشعائر والطقوس القديمة لبعض الشعوب الأسيوية والشرق آسيوية والهندية ورقص الهنود الحمر "" إن الرقصات وحالات الوجد باعتبارها جميعا مراسيم بدائية تعيد الدراما تشكيلها ""(1) ... ولعل مبدأ الجسدانية والقسوة والهلوسة يرتبط باشتغال عنصر الرقص معتمدا على ثلاث نظريات , كما تشير ( سوزان فوستر ) في كتابها قراءة الرقص , والتي قدم لها عالم الأنثروبولوجيا ( كورت ساكس ) , والناقد ( جون مارتن ) والفيلسوف (سوزان لانجر ) بوصفها "" تقيم تفاعلا بين هذه الحالات البدائية الأولى للتعبير عن المشاعر الإنسانية , وبين الأنماط الحركية المصطنعة التي فرضتها الحضارة فيما بعد .. وترى الرقص وسيلة يمكن تسترد منها طاقة حيوية وإحساسا بالاكتمال والوحدة والانتماء ""(2) .
ولعل هذا المفهوم الفلسفي للعرض لا يتقاطع مع الطاقة , لكنه بالمقابل يتقاطع مع تيار ما بعد الحداثة في الوحدة والاكتمال , فالرقص هنا لا يعدو كونه حركات وإيماءات وإشارات تستنهض جسد المؤدي وتدفعه نحو الهلوسة وتمزيق ذاته في محالة لتجليات الروح للجسد بوصفه طقس , فهم لا يستندون إلى فن البالية أو الرقص التعبيري المحكم أو الرقص الجمالي المحمل بالمعنى والمرتكز على فن الإيقاع , بل أن مفهوم الرقص يحطم الوحدات الإيقاعية والتنبو , فيما ندرك أنه روح العرض المسرحي , مما يؤكد عدم فهم الدلالات التي تنتجها هذه الرقصات,, وترى ( سوان لانجر ) بأن "" الدلالة أو المعنى هي خاصية الشكل ,, وضرورة النظر إلى العمل الفني كشيء قائم بذاته له خصائصه المستقلة "" (3).إن مفهوم لانجر يتعارض تماما مع توجهات الرقص ,إذ أن الشكل ما بعد الحداثة يتهشم ويتشظى بحيث لا يمكن لنا فهم المعنى , بل البحث الدائم عن معنى هو محجوب عنا تماما , أو هو شيء لا يمتلك كيانا ثابتا أو جوهريا واضحا .
إن استدعاء زمن المسرحية , من خلال الطقس والشعائر محاولة لخرق العالم الخيالي ,عالم كما يدعونه
(مقدس) ويقوم المؤدون هنا باستدعاء واستحضار الأرواح في الحدث الطقوسي , أن حدود الممالك المادية والأشكال المادية قد أحالت العرض إلى مكان وزمان ميتافيزيقي خيالي .حتى يمكن القول إننا أمام "" مسرح يعبر عن العالم غير المرئي باستخدام حيل مسرحية مستمدة من العالم المرئي , أما البلاتوهات و موقع الأحداث فكان المشاهد يبحث عن تفسير خاص لها ""(4).
فالطقس المطلوب يوظف التنويم المغناطيس والتعازيم السحرية والهمهمة اللغوية والصرخات تحت تأثير الإيقاعات غير المنتظمة , فما يقوم به المؤدي من أفعال صوتية وجسدية تصب في "" تغير أداء الممثل .. عن طريق قراءة الشخصية من البوتقة لفصل الذات عن الشخصية.. واستخدام الممثلين لحبوب الهلوسة ""(5) وللسبب ذاته أصبح للشخصية ملامح وسمات جديدة تجعل من المؤدي أن يقوم بمعجزات غرائبية لتحرير الروح من الجسد ,أنهم مقتنعون بأن المعجزة والفانتازيا التي تحرر الروح من الجسد, والجسد من الروح , يجب أن تكون في عالم آخر . وتتجلى هذه الروابط الأدائية في عالم الرقص , في محاولة لتفكيك المقاربة الموضوعية للحركة , ليس للواقع بل لمعطيات الجسد الحركية والصورية معا و"" يصمم الرقص الانعكاسي والذي يقوم بتفكيك المقاربة الموضوعية للحركة المرتبطة كنتاج هام , حتى يظهر للجسد قدرة على الكلام بلغات مختلفة "" (6) .
ولعل هذه التوجهات ماضية في الأخذ بفلسفة (نيتشه )على مبدأ العدمية وفقدان القيم والمعنى , وهو ما جعل النقاد ينظرون لفلسفة( نيتشه ) بأنها "" فلسفة فكر بري وما ضوي في آن 
واحد ""(7).ويمكن القول أن الأداء في مسرح ما بعد الحداثة يتعدى الحدود التقليدية , ويستخدم آليات مبتكرة , ويجعل من عمل المؤدي لعب جسداني , أكثر مما هو مؤدي مبدع , ويجعل من الشخصية ذات , قد تتحول إلى آلهة أو تموت أو تحل في جسم أخر , وتفنى في أي لحضه .
(5) فيليب اوسلاندر , من التمثيل الى العرض , المصدر السابق , ص 130
(1) كريستوفر أينز , المصدر السابق , ص 194.
(2) نك كاي , المصدر السابق نفسه , ص 122.
(3) نك كاي , نفس المصدر اعلاه, ص 124.
(4) كولين كانسل , علامات الأداء , المصدر السابق ً 148.
(5) فيليب اوسلاند , من التمثيل الى العرض , مصدر سابق , ص 98.
(6) فيليب أوسلاند , المصدر اعلاه , ص 108.
(7) ابراهيم الحيدري , نقد الحداثة وما بعد الحداثة , مصدر سابق , ص 323.

الاثنين، 17 مايو 2021

الحكي وتحقيق التفاعل الاجتماعي لدى طفل المرحلة المبكرة / *د. شرين مصطفى السيد

مجلة الفنون المسرحية



الحكي وتحقيق التفاعل الاجتماعي  لدى طفل المرحلة المبكرة 


إن طفل المرحلة المبكرة يمتلك قدرات ذهنية قادرة على إطلاق العنان للخيال، وتحويل كل ما هو لفظي إلى صورة ذهنية يستنبط منها مضامين ويفسرها وفق خبراته ومهاراته، الأمر الذي يؤكد مدى خطورة تلك المرحلة وأهميتها. من ذلك تؤكد الدراسة على ضرورة الاهتمام والوعي بكل ما يتم تقديمه للطفل، والعمل على إخضاعه لرقابة والديه أو مؤسسيه، بهدف فلترته وانتقاء الأفضل الإيجابي الذي يحقق له مهارات الاتصال والتواصل بشكل فعال، الأمر الذي جعل الدراسة تهتم بتوظيف أسلوب يحقق الاتصال الفعال لتوصيل أهدافها المتعددة الاتجاهات على أن تكون الطريقة ملائمة للطفل، فوقع الاختيار على فن الحكي لما يمتلكه من مهارات فنية تحقق الاتصال بكل صوره ومن ثم التواصل مع جمهوره، خلال مهارات أدائية تحقق الهدف المنشود.
وقد عملت الدراسة على تطويع عناصر الاتصال الفعال لخدمة الهدف، حيث ابتكار شخصية تحقق إيجابية في تحقيق الهدف، تلعب دور المرسل في شخصية (تيتة وزة)، التي كان لها دورًا بارزًا في تحقيق الاتصال والتواصل في أثناء الحكي مع جمهور الأطفال، خلال طرح الحكايات- الوسيلة- المستخدمة بطريقة متكاملة أشبه بالمنهج الذي يشمل أهداف معرفية وتربوية وسلوكية مجتمعة في الحكاية.
فجميع الأطفال لديهم أساليبهم الخاصة في عملية التواصل مع بعضهم البعض وأغلبها سلبية الأمر الذى يستدعى تعديل هذه السمات وإكسابهم خبرات الاتصال الصحيحة التي تمكنهم من التواصل السليم مع أفراد مجتمعه ومن ذلك قدمت الدراسة خلال نموذج (تيتة وزة) عدد من الحكايات التي تنقل رسائل تربوية تسعى لإرساء قواعد الاتصال والتواصل وإكسابها، خلال توظيف مهارات الحكي والحوار والنقاش والعصف الذهني، الذي يؤدي إلى تغذية راجعة، والعمل على مسرحة الحكايات خلال تجسيد الشخوص، ليس بهدف إكساب الطفل مهارات الأداء التمثيلي فحسب بل مهارات العمل كفريق والالتزام بالدور واحترام الآخر ودوره، وهي خطوة جادة لتحقيق الاتصال والتواصل بينهم سواء في المرحلة التلقي أو قلب الدور. 

أهمية الدراسة :
تكمن في توظيفها لفن الحكي لما يتضمنه من مهارات أدائية تحقق الصورة المتكاملة لماهية الاتصال والتواصل بكل عناصره، وفي توظيف الحكاية كوسيلة لتحقيق الهدف لما تتمتع به من سمات تحقق المتعة والإثارة، وإكساب الطفل مهارات اجتماعية أيضاً خلالها تمكنه من الاتصال والتواصل باعتباره فردًا فعال داخل مجموعة سواء في أثناء عروض الحكي أو مرحلة قلب الدور.
إشكالية الدراسة
تدرك الدراسة التداخل بين عمليتي الاتصال والتواصل، وما يترتب عنهما من إيجابية وسلبية في التفاعل بين الفرد وذاته أو الفرد ومجتمعه ، الأمر الذي جعل الدراسة تسعى لإكساب طفل المرحلة المبكرة مهارات الاتصال والتواصل ، ومنحه الفرصة ليتنوع ما بين المرسل والمستقبل وتحديد الهدف، وكذلك إكسابه القدرة على الحوار والنقاش، وما يترتب عليه من تغذية راجعة تعمل على استمرارية حلقة الاتصال والتواصل في صورتها السليمة الملائمة للطفل.
(حكي القصة ودوره في تحقيق التواصل الفعال للطفل في زمن الحكي)
تعد عروض الحكي نموذجاً يعبر عن فئة تجتمع في مكان ما، يحدث بينهما تفاعل متنوع الاتجاهات، يجمعهم هدف هو حضور عرض الحكي، فهذه الفئة لم تتعارف من قبل، ولم يتم تصنيفها وفق ميولها واحتياجاتها، وأنما اجتمعت بشكل تلقائي غير مشروط، إلا أن هذه التلقائية في حقيقتها تحكمها ضوابط بشكل ضمني، حتى يتمكن الطفل من حصوله على المتعة والتعلم خلال زمن الحكي.
إن عروض الحكي التي تم توظيفها وتناولها كنموذج للدراسة، هي عروض ذات أهداف متعددة -سبق ذكرها- الأمر الذي جاء على القائمين عليها سيعون لإكساب الطفل المهارات الاجتماعية بطريقة تلقائية غير مباشرة، بهدف قضاء وقت ممتع في زمن الحكي، ثم خوض مرحلة التجسيد للحكاية كمرحلة ثانية يستهدف منها تأكيد المهارات المكتسبة خلال الممارسة الفعلية، بالصورة التي تمكن الطفل من التفاعل مع أقرانه سواء في مرحلة التلقي أو التجسيد أو خلال المواقف الحياتية في واقعه.
من ذلك فالمهارات الاجتماعية لا تقتصر على إكساب الفرد قدرات إيجابية تجعله مميزًا بين أقرانه، قادرًا على إنجاز ما ينسب إليهم من مهام فحسب، إنما تتطرق إلى أنها ضرورة تعمل على تمكين الفرد من تكوين ذاته وإدراك ماهيته ومعرفة قدراته وتوظيفها بالشكل الصحيح ، حيث تلعب المهارات الاجتماعية دورًا مهمًا في منح الفرد سبل إدراك الدور المنوط به، والتزامه به، والسعي على إتمامه، كما تمنحه الأسلوب اللائق في التعامل، والقدرة على التقييم والسعي الفهم التفاصيل بهدف اتخاذ القرار كفرد له حق التفكير والنقد والتعبير، والسعي لتطوير ذاته بالشكل الملائم لقدراته ورغباته أهدافه ، وهو ما يحققه حكي القصة من تأثير إيجابي على طفل المرحلة المبكرة، والتي من أهمها القدرة على توصيل الرسالة بصورة واضحة متنوعة متعددة الوسائل والاستجابات، التي تتناسب وكافة الأنماط لجمهور الطفل، الأمر الذي ينعكس على ردود الأفعال بصورة إيجابية تحقق استمرارية التفاعل ما بين الاتصال وإرسال الرسائل واستقبالها وإعادتها بشكل يعبر عن الفاعلية.
المكونات الشكلية والفكرية لنموذج "تيتة وزة" 
الحكاية هي مرحلة متقدمة من مراحل الخبر أو مجموعة من الأخبار، التي تتألف وتتكاتف، وتصنع بينها روابط وعلاقات تكون الحكاية 1، هذا التكوين هو تكوين فني يتلاعب به صانع الحكاية ومؤلفة وفق أهدفه، والرسالة التي يود توجيهها لفة ما، وهنا ينسج علاقة من الشغف والاهتمام بين حكاية وجمهور الحكي، الذي جاء ليستمتع بها، ويتعلم خلالها الكثير، من ذلك ركزت الدراسة اهتمامها على أهمية ماهية من يقوم بالسرد الموجه لفئة الطفولة المبكرة بالطريقة، التي تحقق الأهداف المرجوة في التوليفة الفنية التربوية السلوكية المعرفية للحكاية خلال زمن الحكي.
وخلال الإجابة عن هذه التساؤلات تسعى الدراسة لتوضيح ماهية البنية المكونة لنموذج (تيته وزة) حيث:
يعتبر الصوت وسيلة رئيسة تعمل على جذب المتلقي للحكاية، خلال المهارات الفنية والأدائية التي يمتلكها الصوت 2، وقدرته على نقل الحالة الشعورية الكامنة في الأحداث، بالصورة التي تمكن المتلقي من تكوين صور ذهنية تحقق الفرجة والإمتاع، فما بالنا وصوت المرأة، أو خصوصيته "التي تحتل مكانة كبيرة لدى الطفل منذ أيامه الأولى، ومال من آثار إيجابية وبيولوجية، كنشيط وظائف المخ ورفع المناعة وتنشيط معدلات ضربات القلب والتنفس بصورة منضبطة، وتنشيط عنصر الانتباه والتركيز.
فصوت الأم كبسولة السعادة لأبنائها، حيث يعمل على تخفيف الغضب والتوتر، فضلاً عن دوره في تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية 3 ، هذا الصوت له مفعول ساحر، فهو دواء يعمل على منفعة أعضاء الجسد ووظائفه الحيوية، فضلاً عن إكساب الطفل مهارات حياته الاجتماعية، التي تكسبه التواصل الفعال النابع من شخصية سوية تشعر بالسلام والدفء، والصفاء الذهني الذي يمنحها التحليل للأحداث والمواقف بالصورة التي تحقق قدرة اتخاذ القرار.

تيتة وزة الخطوات التنفيذية لتقديم عرض الحكي:
تيتة وزة واللعب: انطلقت تيتة وزة من فكرة اللعب مع الأطفال، إيمانًا من الدراسة بأن طفل المرحلة المبكرة يهوي اللعب في كل شيء، وعبارة (هيا نلعب) كانت المفتاح للدخول إلى عالمه والتعامل معه في أي نوع من الاتجاهات، فالأطفال يدركون أن (تيتة وزة) ليست كبيرة في السن، ولكنها ترتدي هذه الملابس للعب معهم خلال الحكي، وبهذه الطريقة تم عقد اتفاق مع الطفل أن من يراها، يراها جدة بالفعل ، فالطفل ذهب إلى العرض، وهو مستعد ومتشوق للتلقي والاستماع لأجل الاستمتاع.
إن طبيعة الجلوس في عروض الحي تمثلت في الوضعية التقليدية للجدة مع أحفادها 4 ، بحيث تجلس على الأرض ويلتف حولها الأطفال أرضاً هذه الوضعية في الجلوس حولت الأمر إلى نوع من التلاحم والحميمية، الذي وجد قبولاً كبيرًا عند الأطفال، وعمل على إثارة الدهشة لديهم، فمن الغريب أن يذهبوا لحضور عرض ويطلب منهم الجلوس أرضاً بالقرب من مقدم العرض لم تغفل الدراسة أهمية وجود أولياء الأمور وحضورهم كل التفاصيل لعروض الحكي، بهدف نقل الخبر الأدائية والمهارية لهم حتى يكملوا ما تم تفعيله.
كما تم توظيف الدمى في عروض الحكي، ومن أشهر الشخصيات (الأراجوز أرجز) ، الذي كان يلعب دور مفجر الأزمة، التي تتبناها (تيتة وزة) بالتحليل والتفسير والنقاش والتهيئة للدخول إلى الحكاية.
حكاية هم هم وطرق التجسيد الجروتيسكي مع الأطفال :
تعرض هذا النص لفكرة توعية الطفل عن أضرار الجراثيم و أهمية النظافة ، خلال شخصية ( فادى ) ، ذلك الطفل الذى يرفض الاستحمام ، و لا ينظف أسنانه من بقايا الطعام ، و يتناول الحلويات بكثرة ، و يدخل    ( فادى ) فى نوم عميق بعد ما اتسخ جسده بشكل مقزز ، و فى أثناء نومه تتجسد كائنات ، لا يمكن أن ترى بالعين المجردة ، خلال عالم الحلم ، لتصبح مرئية ذات حجم يتناسب و حجم الطفل ، تهاجم الطفل و ترهبه ، فقد تحول لغذاء ثمين لها ، لتلقنه درساً عن أهمية النظافة بطريقة جروتسكية غير مباشرة ، و تأتى كلمات الحوار بسيطة من قاموس الطفل اللغوى ، تثير السخرية من تلك الكائنات ، و من فعل ( فادى ) الذى لم يهتم لنظافته الشخصية .
الجراثيم :       هم هم        إحنا الجراثيم 
      هم هم       أضرارنا كتير 
      هم هم      نأذى و نعذب
      هم هم     من غير تفكير 
و هنا يتحول الطفل المتسخ خلال تلك الصورة المشوهة إلى غذاء للجراثيم ، مما يثير فزع المتلقى و تنيهه ، لرفض ذلك الفعل المسبب لتلك البشاعة و يبدأ الصراع يتصاعد بين فادى و الجراثيم ، التى تحاول الهجوم عليه ، و قد منح النص لكل جرثومة اسم عضو من أعضاء الجسم ، مختصة بتعذيبه و التغذية عليه ، فيبدأ (فادى) بالصراخ :
فادى  :      أى أى        سنادى دماغى
  أى أى         بطنى يا ناس 
   أى اى         مش قادر خلاص 
و هنا تبدأ كل جرثومة تستعرض قواها بشكل بشع يثير السخرية الكوميدية .
السوسة :  أنا سوسة دايماً مدفوسة 
 جو سنانك بنشر نشر
 دى سنانك دايماً مليانة 
فتافيت أكل دى حاجة تسر 
آكل فيها و آنهى عليها
و أنت يا روحى تصرخ أى
فتلك السوسة التى تم تجسيدها بشكل جروتسكى ، تثير السخرية و الرفض لذلك التكوين المشوه، و من ثم الإقلاع عن مسبباته .و تستمر الجراثيم الواحدة تلو الأخرى فى عرض قواها فنجد : جرثومة المعدة ، جرثومة الجهاز التنفسى ، و جرثومة الجلد ، و جرثومة العين و غيرها ؛ إلى أن تلتف كلها حول (فادى) فى شكل دائرة لالتهامه : (فادى): الحقونى   الحقونى   حيموتونى
و هنا تأتى شخصية النظافة المخلص ، لترهب تلك الكائنات البشعة بمجرد ظهورها ، و تبدأ فى القضاء عليها .
النظافة : هش هش     بس بس 
          ميه صابون ديتول معجون 
          يلا قوام نظف على طول دى النظافة هى أمانك 
          تخفى الجراثيم من قدامك 
         هيه نصيحة ظريفة يا فادى
         خلى نظافتك تبقى يوماتى
فادى : أيوه صحيح .. النظافة تحمينا 
        من الجراثيم اللى بتأذينا .
و هنا تعلم ( فادى ) الدرس خلال قيمة تعليمية غير مباشرة ، مبنية على المفارقات الكوميدية و السخرية ، و رفض السلوك السلبى ، و تعزيز السلوك الإيجابى ، بشكل جروتسكى يعرض المشوه فى صورة رائعة .
تيته وزه ومراحل تجسيد الحكاية مع الاطفال :
طرح الفكرة : عقد جلسات مع الأطفال ، لتفعيل استراتيجية العصف الذهنى ، خلال النقاش حول مفهوم كل طفل عن الجراثيم و أضرارها على الصحة ، و صورتها الذهنية فى خيال الطفل ، فقد بدأ كل طفل يتلاعب بملامح وجهه مكسبا إياها لوناً من البشاعة ، مع إصدار أصوات تميل إلى الوحشية ، فى إطار السخرية الكوميدية من تلك الجراثيم ، التى عبروا عن كراهيتهم لها و رفضهم لبشاعتها، و فى ذات الوقت تأكدوا من ضعفها ، و القدرة على القضاء عليها .
تصميم الأقنعة و الإكسسوار : و فى ضوء توظيف خامات البيئة ، و البعد عن التكاليف الباهظة ، كنوع من تفعيل الأسلوب الإنتاجى المتبع فى مجال رياضى الأطفال ، تم عمل الأقنعة من ورق الكانسون الأسود ، بمشاركة الأطفال ، و تزويدها بزوائد ملونة لليدين و القدمين ، لتقديم صورة مشوهة تعبر عن تلك الجراثيم فى صورة رائعة . 
الأداء الجسدى و الصوتى : خلال التدريبات أصبح الأداء الجسدى يميل إلى الغرائبية الشديدة و التشوه ، الذى يثير السخرية لتحقيق الهدف المنشود ، حيث السخرية و التقليل من شأن تلك الجراثيم ، و رفض الطفل لها و السعى للقضاء عليها. و بدأ كل طفل توظيف جسده بطريقة مبالغ فيها تثير الضحك ، و قد عضد حركات الجسد و إشارات اليدين ، الأصوات المستعارة ، التى عبر بها كل طفل عن الشخصية التى يلعبها ، فأكسب الصوت و الجسد الشخصية أداءً جروتسكياً يهدف أغراضاً تعليمية و تربوية 
توظيف الاستعراض الغنائى لخدمة الفكرة : وظفت إيقاعات بالفم ( بم بم بم ) و دق بالكعاب و تصفيق باليدين ، مع أغنية الجراثيم التى قام الأطفال بأدائها ، خلال الدوران و الإغلاق التام حول الشخص المتسخ المهمل فى نظافته ، مما يثير الدهشة و الخوف الممزوج بالكوميديا الساخرة ، و من ثم منح الطفل إمتاعاً و عمقاً فى استقبال المعلومة ، خاصة أن الطفل يميل إلى الغناء و الاستعراض ، و هما من أفضل الوسائل المسرحية لتحقيق عنصرى المتعة و التعليم و بعد ذلك تأتى شخصية النظافة بأدواتها لتقوم بتنظيف الطفل المتسخ ، و القضاء على الجراثيم فى حالة من حالات الفرجة المسرحية و خلال الطرح السابق ، أكدت التجربة أن لفن الجروتسك آثاراً إيجابية فى ترسيخ القيم و السلوكيات الإيجابية و رفض السلوك السلبى ، خلال عرض قضايا الأفكار و التعبير عنها ، خلال عرض المشوه فى صورة رائعة عبر السخرية اللاذعة ، و الضحك الهادف ، الذى يحقق التوازن بين الفكر و الفرجة ، مستهدفاً المتعة و التعليم .
وبناء على ما تقدم فقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج:
إن اقتباس المهارات الأدائية للحكام وثقلها بالثقافة والمعرفة للسمات مرحلة الطفولة المبكرة وطرحها في قالب فني، يقوم بحكي الحكايات، من الممكن اعتباره من أهم أساليب خلق قنوات فعالة للاتصال والتواصل مع الأطفال وبينهم سواء في أثناء عرض الحكي، وباعتباره أسلوب حياة خلال الممارسة والتكرار.
أكدت الدراسة أهمية فتح باب الحوار والنقاش في أثناء الحكي، حتى يتمكن الطفل من مواصلة التلقي بشكل إيجابي، ومنحه فرصة التعبير عن وجهه نظره تجاه المواقف المحكية لرصد ماهيته وماهية أقرانه خلال الحكايات المتنوعة.
تعتبر مرحلة تجسيد الحكاية الأكثر أهمية في تحقيق الاتصال والتواصل بين الأطفال لما تتمتع به من تجسيد الحكايات خلال التقنيات المسرحية المتنوعة.
أكدت الدراسة على أهمية تواجد أولياء الأمور مع أطفالهم سواء في أثناء عروض الحكي أو مرحلة التدريبات أو في قلب الدور وتجسيد العرض، إكسابهم تلك المهارات حتى يتم ممارستها على أطفالهم سواء في البيت أو المدرسة أو غير ذلك
 

*مدرس علوم المسرح - قسم العلوم الأساسية
كلية التربية للطفولة المبكرة- جامعة الإسكندرية

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption