أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

رواد المسرخ اليوناني / محسن النصاار




صورة
أسخيلوس، تمثال نصفي برونزي

أن من ابرز رواد ومؤسسي المسرح اليوناني أسخيلوس وسفوكلس ويوربيدس وأرستوفان , ويعتبر  أسخيلوس (‏524/525 ق.م. - 455/456 ق.م.) هو  أبو التراجيديات الإغريقية وهو أقدم كتاب التراجيديات الإغريق الثلاثة الذين وصلتنا مسرحياتهم، الإثنان الآخران هم سوفوكليس ويوريبيديس. ويؤكد  أرسطو في كتابه فن الشعر  أن  إسخيلوس قام  بزيادة عدد الشخصيات في مسرحياته ليؤدي إلى حصول نزاع بينهم؛ في السابق كانت الشخصيات تتفاعل مع الجوقةفقط. .
وقد  سبعين إلى تسعين مسرحية بحسب التقديرات فقد وصلتنا سبعة مسرحيات فقط مع وجود جدل حول نسبة مسرحيةبرومثيوس في الأغلال إليه.
مسرحية واحدة من مسرحياته على الأقل تأثرت من غزو الفرس لليونان، الذي عاصره أسخيلوس. مسرحيته الفرس تعد مصدرا أوليا جيدا للمعلومات حول تلك الحقبة في تاريخ الإغريق. لقد كانت لتلك الحرب أهمية كبيرة للإغريق ولأسخيلوس نفسه لدرجة أن النقش على شاهد قبره يذكر أنه شارك في نصر الإغريق في معركة ماراثون بدلا من كونه كاتبا مسرحيا مهما.
ويُعَدُّ أسخيلوس Aeschylus أهمّ كتّاب المأساة الإغريقية على الإطلاق، وهو مؤسسها بالمعنى الفني، ومن مسرحياته  السبع التي وصلتنا  هي: «الفُرس» (472ق.م)Persians، و«سبعة ضد طيبة» (467ق.م)Seven Against Thebes  و«بروميثيوس مصفداً» (465ق.م)Prometheus Bound  ، و«الضارعات» (463ق.م)Suppliants   و«أغاممنون» Agamemnon، و«حاملات القرابين» (458ق.م) The Libation Bearers  و«ربات الغضب» (458ق.م) Eumenides  والترجمة الحقيقية لعنوان المسرحية هي «الصافحات» أو «المحسنات» وهي تسمية كانت مستخدمة لدى أهل أثينة بوجه خاص للإشارة إلى ربات الغضب Erinyes وذلك ابتغاء درء شرهن.
وهناك مايشبه الإجماع منذ القديم على أن أسخيلوس هو أبو فن المأساة. فقد كان له فضل تثبيت أسس المأساة من الناحية الفنية، إذ كان المسرح اليوناني قبله يعتمد على ممثل واحد يقوم بالأدوار المختلفة ولاسيما دورَيْ الإله والبطل وذلك بأن يصبغ وجهه بالمساحيق ويحدث بعض التغييرات في ملابسه، وسرعان ما أدرك أسخيلوس فداحة هذا القصور الفني فأقدم على إضافة ممثل ثان: وأدخل تعديلاً على دور الجوقة، مما ساعد على إبراز الصراع الذي تقوم عليه فكرة المسرحية اليونانية. وكذلك اهتمّ بملاءمة الملابس والأزياء لطبيعة القصة. واعتنى بصقل الأقنعة وإتقان صنعها لتعبر تعبيراً متناسباً مع الانفعالات التي يتلبّسها البطل، وبوجه عام اعتنى بالإخراج والمشاهد وحث الممثلين على إجادة أدوارهم وبذل الجهد لإشعار المتفرجين بأنهم يرون شيئاً حقيقياً وليس مجرد تمثيل.
وإلى جانب ذلك أضفى أسخيلوس على المأساة جلالاً وصوفية، وأوغل في معالجة الموضوعات الدينية الوجودية، مثل علاقة الآلهة بالناس، وتسلط القوى العليا على الإنسان، ومشكلة وجود الشر في عالم تسيّره الآلهة، ومسألة الصراع الحاد بين الإرادة الحرة وجبروت القدر، فإلى جانب إرادة الآلهة وعناء البشر هناك دائماً قوة القضاء التي تحتم على الناس وآلهتهم في النهاية أن يستسلموا ويقبلوا مصيرهم صاغرين، حتى بدا الناس والآلهة في كثير من مسرحياته مجرّد آلات لا بد لها من تنفيذ ما رسم القضاء على الرغم من كل محاولاتها للاحتجاج والمعاندة. ولجلال هذه الموضوعات تتصف مسرحيات أسخيلوس بالصراحة والرزانة وتسودها مسحة غنائية متشحة بالشؤم. وغالباً ما يتكشف هذا الشؤم بالتدريج من خلال تطور الصراع بين البشر والآلهة. ذلك أن عظمة البشر تثير حسد الآلهة، والغطرسة يتبعها الضلال، والأرباب يقفون للمتكبر بالمرصاد ويصيبونه بالجنون والعمى. وتوقيع العقاب هو الحدث الرئيسي في المسرحية، وهو شديد مخيف يتخذ صورة طقوس دينية محفوفة بأسرار ذات طابع غيبي. ويبدو أن جلال الموضوع الديني ـ الوجودي عند أسخيلوس جعله أميل إلى تثبيت جوانبه من خلال «الثلاثية» Trilogy وهي مسرحية مكونة من ثلاث مآس متسلسلة الموضوع وإن كانت كل منها قائمة بذاتها، والثلاثية الوحيدة التي وصلت كاملة من نتاج المسرح الإغريقي القديم كله هي «ثلاثية الأوريستيا» Oresteia التي تشمل : (أغاممنون وحاملات القرابين وربات الغضب أو الصافحات). وربما كانت ثلاثية «بروميثيوس» من أهم مسرحيات أسخيلوس أو على الأقل أقربها إلى المفهومات الحديثة. وقد وصل منها «بروميثيوس مصفداً» وهي الثانية، أما الأولى «بروميثيوس حامل النار» والثالثة «بروميثيوس طليقاً» فهما مفقودتان. وتدور «بروميثيوس مصفداً» حول العقاب الذي يلقاه الإله الثائر بروميثيوس على يد الإله الأكبر زيوس Zeus نتيجة لما أقدم عليه الأول من إفساد خطة الثاني الهادفة إلى محو الحياة البشرية من الأرض. فقد كان بروميثيوس نصيراً للإنسان (أمه الأرض كما تقول الأسطورة)، وأعطى البشر سرّ النار التي كانت وقفاً على آلهة الأولمب، ثم علمهم التجارة والزراعة والطب والملاحة، وفتح لهم الطريق إلى المدينة وعمل على انتشالهم من هاوية البؤس والشقاء. وهكذا يحلُّ عليه غضب زيوس وعقابه القاسي. وقد أمر به زيوس أن يُشد إلى صخرة عاتية ويعذب، ولكنه يصمد أمام العذاب وهو متأكد أن زيوس لا بد مبدلٌ نقمته. وأخيراً تشتد نقمة الإله الأكبر فيرسل له نسراً جارحاً ينهش لحمه، ثم تنشق الأرض وتهوي الصخرة في باطنها. وتكتمل فكرة الثلاثية أخيراً بأن يُذهل زيوس لصمود بروميثيوس ويضطر إلى الإذعان، فبعد أن كان طاغية جباراً تعلم الحكمة وأشفق على عدوه وعطف عليه، ثم بلغ الكمال تدريجياً وأصبح صديقاً للناس.
وقد عُد بروميثيوس رمزاً لصمود الإنسان وعناده في وجه الآلهة، بل ربما رمز قدرته على تغيير إرادتها وتطوير موقفها من البشر، لأن زيوس في النهاية اضطر إلى تبديل موقفه وحسم الخلاف. واستوحى هذه القصة فيما بعد عدد من الكتاب الأوربيين وغير الأوربيين وأعطوها معنى إنسانياً أكثر أصالة وعمقاً، ومنهم الشاعر الإنكليزي شلي [ر] Shelley في قصيدته المسرحية «برميثيوس طليقاً» Prometheus Unbound  (1820) وكان لأسخيلوس تأثير كبير في مستقبل المسرح المأساوي، ليس فقط على مستوى التجربة اليونانية، بل امتدّ تأثيره عميقاً في التاريخ الحديث للمسرح. وعلى الرغم مما طرأ على (الدراما) من تغييرات فإن تأثير أسخيلوس، سواء من ناحية الموضوع الجليل أو من ناحية مبدأ الإتقان الفني ظلّ متصلاً. وقد كُتب الكثير عن تجربة أسخيلوس وفضله وكان إسخيلوس مثل غيره من كتاب اليونان في القرن الخامس يكتب ويستمتع بالحياة ، ويعرف كيف يعمل وكيف يتكلم. وأخرج في عام 499وهو في السادسة والعشرين من عمره مسرحيته الأولى ؛ وفي عام 490 حارب هو وأخواه في واقعة مرثون وأظهروا من الشجاعة ما جعل أثيناتأمر بعمل صورة تخلد بها بطولته ؛ وفي عام484 نال جائزته الأولى في العيد الديونيشي ؛ وفي عام 480 حارب في أرتميزيوم وسلاميس ، وفي عام 479 في بلاتيه ؛ وفي 476 ، 470 زارسرقوصة واستقبل بمظاهر التكريم في بلاطهيرون الأول ؛ وفي 468 انتزع منه سفكليز الشاب الناشئ الجائزة الأولى للمسرحية بعد أن ظل هو مسيطراً على الأدب الأثيني جيلاً كاملاً ، وفي عام 467 عاد إلى مكانته العليا على أثر ظهور مسرحيته "سبعة ضد طيبة" ، وفي عام 458 نال آخر انتصاراته وأعظمها بإخراج أورستيا مسرحيته الثلاثية ؛ وفي عام 456 عاد إلى صقلية ، حيث وافته منيته في تلك السنة نفسها.
وأما سوفوكليس Sophokles هو أحد كتاب  المسرح الإغريقي، عاصر كلاً من إسخيلوس وأوربيديس ، وكان صديق الحاكم بركليس  ولد في بلدة كولونوس Kolonos وتوفي في أثينا. كان والده سوفيللوس Sophillos أحد كبار تجار العبيد، ويمتلك ورشة لصناعة الأسلحة والأدوات المعدنية، مما وفر لسوفوكليس تعليماً شاملاً، تضمن أيضاً الموسيقا والرياضة. وإثر انتصار اليونانيين على الفرس في معركة سلاميس Salamis عام 480 ق.م قاد سوفوكليس احتفالات الفتيان بالنصر. شارك في تمثيل عدة أدوار مسرحية في المسابقات السنوية إلى أن اشترك في مسابقة خريف عام 468 بمسرحية من تأليفه وفاز بها أول مرة بالجائزة الأولى على أستاذه إسخيلوس، وذلك برباعية (ثلاثة أجزاء مترابطة ذات موضوع مأساوي وجزء رابع ساخر Satyr) تختلف من حيث الأسلوب والبناء عن سابقيه ومعاصريه من الكتاب. انتُخب عام 443ق.م مديراً لبيت مال حلف أثينا البحري. وبعد نجاح عرض مسرحيته «أنتيغونِه» 442ق.م Antigone عيّنه بركليس مع المؤرخ هيرودوت[ر] أعضاء في «مجلس القادة العشرة» Stratege المسؤول عن شؤون الدولة العسكرية والسياسية، وشارك في عام 441-440ق.م في الحرب ضد جزيرة ساموس الانفصالية.صورة
بتكليف من مجلس المدينة أدخل سوفوكليس عام 420 عبادة أسكْلِبيوس Asklepios (إله الطب) إلى أثينا، وكتب بهذه المناسبة نشيداً خاصاً ابتهالاً وتبجيلاً للإله الجديد. وتقلد منذ عام 413 عدة مناصب عليا بصفته خبيراً. وعلى نقيض إسخيلوس وأوربيديس لم يغادر سوفوكليس أثينا، حيث توفي قبل سنتين من هزيمتها المروعة أمام إسبرطة في حرب البيلوبونيز Peloppones. وقد رفعه شعب أثينا من ثم إلى مرتبة البطل المبجل Heros Dexion.
تفيد وثائق أثينا بأن سوفوكليس ألّف 125 مسرحية، لم يتبق من نصوصها سوى سبع مآسٍ (تراجيديا) وأربعمئة سطر من المسرحية الساخرة (الساتيرية) «كلاب الصيد» Ichneutai. تدل هذه الشذرات على أن كائنات الساتير Satyrn من أتباع الإله ديونيسوس Dionysos يقمن بدور كلاب الصيد بحثاً عن أبقار الإله أبولّون Apollon التي سرقها منه الإله هرمس Hermesوأخفاها في كهف. أما المسرحيات المتبقية فهي حسب التسلسل الزمني لتاريخ عرضها في المسرح: «أياس» Aias (بعد 450) التي يعرض فيها نتيجة الصراع بين الإنسان الذي يعميه غضبه وتكبره وبين إرادة الآلهة. فعندما يدرك أياس أن لا مخرج له من ذنبه تجاه الآلهة أو لاستعادة كرامته المهدورة، ينتحر. والجديد في هذه المسرحية هي الصورة الإيجابية التي قدمها سوفوكليس عن أوذيسيوس الذي تصدمه برودة الآلهة وعجرفة البشر، فيتدخل في سياق الحدث بحكمته وحزمه ليعيد لأياس مجده محارباًً، وإن بعد موته، على الرغم من أن أياس كان يرى فيه عدوه. وفي مسرحية «أنتيغونه» يسقط الملك كريون في عزلة مطلقة بعد أن أدرك متأخراً أنه السبب في فقدانه جميع من يحب، نتيجة تكبره على قوانين الآلهة ومعارضتها بقانونه البشري. وهنا كما في المسرحية السابقة يغيب كل من أنتيغونه وأياس عن الفعل في منتصف المسرحية، وبالتالي فإن المسرحيتين اللتين تحملان اسمي بطليهما تقدمان شخصيتين أخريين بمستوى الفعالية نفسه، وهما أوذيسيوس وكريون. أما في مسرحية «نساء تراخيس» Trachiniai (بعد 438ق.م) فإن ديانيرا Deianeira زوجة هرقل Herakles تنتحر لأن العباءة المغمسة بدم الوحش الخرافي نيسوس Nessos التي أرسلتها إلى زوجها ظناً منها أنها ستعيده إليها، تقتله، فتتحقق بذلك نبوءة قديمة لا مهرب منها. وما يلفت النظر في بنية هذا العمل هو أن الشخصية الرئيسية، التي تشكل مركز الاهتمام والأفعال من قبل الجميع، أي هرقل، لا تظهر إلاّ محتضرة ً في خاتمة المسرحية. وفي مسرحية «أوديب ملكاً» Oidipus tyrannos (بعد 429ق.م) يقدم سوفوكليس نموذجاً فريداً للمسرحية التحليلية، التي تفكك بأسلوب تشويقي لغز حدثٍ وقع قبل بدء زمن المسرحية، وهو هنا مقتل لايوس ملك طيبة، قبل أن يُجيب أوديب على سؤال الهولة منقذاً المدينة من شرورها، فيصير ملكها ويتزوج ملكتها؛ يتبين باستقصاءاته في ما بعد أنه من حيث لا يدري قد حقق النبوءة التي هرب من وجهها، فقتل أباه لايوس وتزوج من أمه يوكاستِه فصار أخاً لابنيه وابنتيه، مما أدى إلى انتحار زوجته/ أمه وقيامه بفقء عينيه اللتين لم تريا الحقيقة. وتعد مسرحية «إلكترا» Elektra (بعد 413ق.م) نموذجاً نادراً للمسرحية الدائرية، إذ يتطابق بناء مشاهد الجزء الأول مع بناء مشاهد الثاني، مع الحفاظ على تصاعد حالة التوتر منذ المشهد الأول حتى ما قبل الأخير الذي يشكل الذروة الثانية للأفعال. وعلى نقيض معالجتي إسخيلوس وأوربيديس للموضوع نفسه، فإن أورست وإلكترا هنا لا يعاقبان من قبل الآلهة على قتل الأم. كان سوفوكليس نحو عام 409 قد تجاوز التسعين، وكان موضوع الساعة بين المثقفين حينذاك هو البرهان على أن التربية المكتسبة أبقى وأكثر فعالية من الفطرة. وكان جواب سوفوكليس هو مسرحية «فيلوكتيت» Philoktetes (بعد 409ق.م). وبطلها الفعلي ليس صاحب العنوان ولا أوذيسيوس، وإنما نيوبتوليموس Neoptolemos ابن أخيل Achilleus، الذي لم تكن لـه هذه الأهمية في معالجتي إسخيلوس وأوربيديس. ومن ثم فإن الكاتب قد عالج مادة أسطورية معروفة ومطروقة ليناقش موضوعاً اجتماعياً بالغ الحساسية في زمنه. أما النص الأخير «أوديب في كولونوس» Oidipus epi Kolono، فقد عرضه ابن أخيه بعد وفاة سوفوكليس بخمس سنوات، وهنا يعود إلى موضوعه الأثير ليبرهن على أن أوديب الشاب لم يكن مذنباً، فها هي الآلهة تستقبله في معبدها شيخاً ثم ترفعه إلى عليائها.
لا تكمن أهمية سوفوكليس في إبداعه الأدبي والفكري فحسب، بل كذلك في التجديدات العملية على صعيد العرض في المسرح. فالجوقة في مسرحياته وعروضه صار عددها خمسة عشر شخصاً، وأضعف تأثيرها الغنائي كما كان لدى إسخيلوس، ليجعلها جزءاً عضوياً من الفعل المسرحي؛ كما أضاف الممثل الثالث، فأغنى بذلك المشهد والفعل والحوار، مما أدى إلى شبه انقلاب في بناء المسرحية عما كانت عليه قبله. ثم إنه تخلى عن وحدة موضوع الثلاثية مركزاً على استقلالية موضوع كل جزء على حده. وأكثر ما يلفت النظر عند تحليل مسرحياته فكرياً هو تأكيده دور العقل في سلوك الإنسان ومواجهته مصيره، من دون أن يتخلى عن الموقف الديني التقليدي. والجدير بالذكر أن سوفوكليس قد نال الجائزة الأولى أربعاً وعشرين مرة في المسابقات المسرحية الأثينية.
ويعتبر سوفوكليس أبرز  كتاب المأساة الإغريق. و كان سوفوكليس على خلاف إيسخيلوس الذي فضّل تقديم الثلاثيات (مجموعة من ثلاث مسرحيات مترابطة من حيث الموضوع)، حيث فضل المسرحيات المفردة.
يدور موضوع مسرحيات سوفوكليس حول إنسان قوي في صراع مع القدر. وفي معظم تلك المسرحيات، يختار هذا الإنسان نمطًا من السلوك لا تقره الجوقة ولا الشخصيات الثانوية الأخرى، ويتسبب هذا السلوك في معاناة ذلك الإنسان، وقد يؤدي إلى موته، إلا أن ذلك يجعله أكثر نبلاً وإنسانية. لم يكتب سوفوكليس عن شخصيات عادية يمكن من خلالها انتقاد الأعراف السائدة كما فعل يوربيدس.
تعتبر مسرحيات سوفوكليس من الناحية الفنية والدرامية أكثر اكتمالاً من مسرحيات إيسخيلوس ويوربيدس، مما حدا بأرسطو الفيلسوف الإغريقي إلى القول إن سوفوكليس عرض شخصياته كما يجب أن تكون واعتبر مسرحياته نموذجية. أضاف سوفوكليس ممثلاً ثالثًا للعمل المسرحي، وحدد عدد أفراد الجوقة بخمسة عشر، واستخدم الخلفيات المرسومة. ولا تخلو مسرحياته من الحبكة الذكية وعنصر التشويق. وقد حفظ لنا الزمن سبع مسرحيات كاملة من أصل مائة وعشرين مسرحية كتبها سوفوكليس وهي: أجاكس؛ أنتيجون؛ نساء تراشينيات؛ الملك أوديب؛ إلكترا؛ فيلوكتيتيس؛ أوديب في كولونس، كما عُثِر على جزء من مسرحية له اسمها المتعقبون 1907مولدة :
وُلِد سوفوكليس في بلدة كولونس قرب أثينا. وبفضل مسرحياته المأساوية حاز جوائز عديدة في مسابقات مسرحية. عمل جنرالاً أثينيًا، ومثل بلاده عضوًا في كثير من الوفود إلى الدول الأخرى. وأدى دورًا نشطًا في المجالات الدينية في أثينا. وكتب وهو في سن التسعين واحدة من أعظم مسرحياته وهي أوديب في كولونس.
تلقى سوفوكليس تعليمه في أحد افضل المدارس التقليدية الأرستقراطية, واختير ليقود كورس من المغنيين الشباب للاحتفال بانتصار البحرية في الـ16 من عمره. 
عام 468 قبل الميلاد عندما كان في 28 من عمره, تفوق في مسابقة للكتابة المسرحية على إيسكيولاس الذي اشتهر بكتابة الشعر التراجدي بلا منازع في ذلك الوقت. حاز سوفوكليس على جوائز عديدة في مسابقات للكتابة المسرحية التي كانت تعقدها أثينا. 
لم يكن نشطا سياسيا أو له اهتمامات عسكرية ولكنه بالرغم من ذلك انتخب مرتين لمنصب رفيع في الجيش. 
غيب الموت سوفوكليس وهو في الـ90 من عمره كانت عندها أثينا في أوج ازدهارها. 
كتب أكثر من مائة عمل مسرحي لم يصل إلينا منها سوى سبعة مسرحيات تراجيدية كاملة وأجزاء من 80-90 عمل. وساهم سوفوكليس في إثراء الاسلوب الدرامي وإضفاء المزيد من التعقيد على الحبكة المسرحية. 
وتعتبر مسرحية أنتيغوني وأوديبوس الملك من أعظم الأعمال المسرحية التي كتبها سوفوكليس وهي تتناول شخصيات بطولية معظمها من الملوك أو أبناء الملوك تواجه عواقب للقرارات التي تتخذها وتتحول حياتها تدريجيا إلى مأساة. 

وتتحدث مسرحية الملك أوديبوس الاسطورية عن بطل أسطوري يصبح ملكا لطيبة بعد أن يقدم دون أن يعلم على قتل والده والزواج من والدته الملكة جوكاستا. 
أما مسرحية أنتيغوني فهي امتداد لمأساة الملك أوديبوس من خلال من بقي من عائلته وهما ولديه اتيوكليس وأتيوكليس وابنته أنتيغوني. ففي صراع على الحكم يدخل اتيوكليس في حرب ضد شقيقه بولينايسيس تنتهي بمقتل كل منهم على يد الآخر. 
يقرر الملك كريون الذي تسلم الحكم, تكريم أتيوكليس بدفنه ويأمر بترك جثة بولينايسيس الذي اعتبر خائنا للوطن, حيث سقط في المعركة عقابا له. 
تتألم انتيغوني التي خرجت من مملكة طيبة مع والدها ولكنها عادت إليها بعد وفاته, لما آل إليه مصير أخويها. وتقرر تكريم شقيقها بولينايسيس بدفنه مخالفة بذلك قرار كريون الملك. وبهذا العمل تجلب أنتيغوني الموت لنفسها ولحبيبها هيمان نجل الملك كريون وزوجته. 
كتاباته 
أجاكس (451-444 قبل الميلاد) 
الملك أوديبوس 
أنتيغوني 
إلكترا (430-415 قبل الميلاد) 
صورة
يوربيدس, متحف الڤاتيكان.
وأما يوربيديس.ولد في سالامينا في سنة 480 قبل الميلاد في اليوم الذى كان فيه لهيب معركتها يحتدم،بعض الرويات تذكر أنه ولد في العام 485 قبل الميلاد. ولد يوربديس في عامسلاميس، ويقول بعضهم إنه ولد في يوم سلاميس بالذات، وأكبر الظن أن مسقط رأسه هو تلك الجزيرة التي يقال إن أبويه فرا إليها هرباً من الغزاة الميديين (80). وكان أبوه رجلاً من أصحاب المال والسلطان في مدينة فيلا Phyla الأتكية، وكانت أمه تنحدر من أسرة شريفة(81)، وإن كان منافسه أرسطوفان يصر على أنها كانت تدير حانوت بدال، وتبيع الفاكهة والأزهار في الطرقات. وقضى يوربديز أيامه الأخيرة في سلاميس، مولعاً بعزلة تلالها، وجمال مناظرها، وزرقة بحارها؛ وكما أراد أفلاطون أن يكون كاتباً مسرحياً فكان فيلسوفاً، كذلك أراد يوربديز أن يكون فيلسوفاً فكان كاتباً مسرحياً. ويقولاسترابون (82) إنه "تلقى منهج أنكساغورس كله، ودرس بعض الوقت على برودكس، وكان صديقاً حميماً لسقراط، وبلغ من صلته به أن بعض الناس يظنون أن قد كان للفيلسوف يد في مسرحيات الشاعر(83). وكان للحركة السوفسطائية كلها أثر كبير في تعليمه، واستحوذت عن طريقه على المسرح الديونيشي، فكان هو فلتير عصر الاستنارة اليوناني، يعبد العقل ويلمح إلى هذه العبادة في ثنايا مسرحياته التي كانت تمثل لتمجيد إله من الآلهة تلميحاً أفسدها وكان له أسوأ الأثر فيها. 
  • بعض النقاد يؤكدون أنه لم يبد في حياته ما يدل على أنه من طبقة أرستقراطية أو متوسطة،وأن مؤلفاته توشك أن تكون خالية خلوا تاما من التقاليد القديمة التى هي من طابع الأسر النبيلة. 
وأما   يُعَدُّ أريستوفان Aristophane (نحو 488- نحو 380 ق.م)أعظم كتّاب الملهاة اليونانية القديمة Kömödia التي كانت تغص بالنكات والمبالغات والنقد السياسي اللاذع.
    وكان من طبقة ملاك الأراضي في أثينة, وعبّر عن سخط طبقته من جراء تدهور الأحوال في أثينة نتيجة لأهوال الحرب مع إِسبرطة ولتخبط الفئة الحاكمة التي تولّت زمام الأمور في عصره. كما عبّر عن تطلعات طبقته إِلى العودة بأثينة إِلى عصرها الزاهي السابق, سواء من ناحية أمجادها العسكرية وانتصاراتها على إِسبرطة أم من ناحية تماسك نظامها السياسي واستقرار نظامها الاجتماعي, ومن هنا كانت وقفته المحافظة إِزاء مختلف تطورات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية في عصره. ويعتقد أنه ألَّف نحو خمسين مسرحية تغطي جوانب الحياة الأثينية في زمنه, ولم يبق منها إِلا إِحدى عشرة ملهاة هي: «الأخارنيون» Acharnians (425ق.م), و«الفرسان» The Knights (424ق.م), و«الزنابير» Wasps (422ق.م), و«السلام» The Peace (421ق.م), و«الطيور» The Birds (414ق.م), و«ليزيستراتِه»Lysistrate (411ق.م), و«النساء في أعياد الثيموفوريا» Thesmophoriazousae (411ق.م), و«الضفادع» The Frogs(405ق.م), و«برلمان النساء» Ecclesiazusae (392ق.م), و«بلوتوس» (إِله الثروة) Plutus (388ق.م).
    وفي تلخيص عبقرية أريستوفان يمكن القول إِنه أعظم عقل انتقادي في تاريخ المسرح اليوناني, بل هو مُرسي أسس النقد الساخر في المسرح الضاحك. وبقدر ما كان نقده جريئاً حيّاً كان كذلك متسعاً يكاد يشمل مختلف مرافق الحياة في عصره.
    وقد انتقد أريستوفان تدهور الأحوال السياسية في أثينة وتلاعب السياسيين بعواطف الشعب من خلال الخطابات الديماغوجية والوعود الكاذبة وتقلب الأهواء. ويدخل في هذا الباب هجاؤه المقذع للعسكريين الذين يعلقون مصالحهم الخاصة على فرصة الحرب, ويزينون خوضها للناس ويوهمونهم بأنها السبيل الوحيد لتحقيق المصالح الوطنية والأمجاد القومية, في حين أنها, في حقيقتها, لا تجلب سوى الدمار والويلات والخراب. ومن هنا يمكن أن يعد أريستوفان من أعداء الحرب ومن أنصار السلم, مما يذّكر كذلك بموقف قرينه أوربيدس[ر].
    وتناول في هجومه الأفراد والمؤسسات السياسية, فصبّ جام غضبه على كليون زعيم أثينة الذي بلغ أوج المجد في تلك المرحلة بسبب ما أحرزه من انتصارات حربية. وقُدّم الشاعر الناقد إِلى المحاكمة نتيجة تهجمه على هذا الزعيم السياسي واسع النفوذ. وإِلى جانب ذلك تعرّض لمجالس أثينة بنقد جارح, ولم يُعْفِ المجالس العامة كمجلس الشيوخ والجمعية العمومية والمحاكم من هذا النقد.
    وانتقد أريستوفان كذلك تدهور الأخلاق وانحطاط العلاقات الاجتماعية في عصره, وركز على الفساد الجنسي والإِباحية المتفشية في شبيبة أثينة, وطالب باستعادة القيم الأخلاقية كالنبل والصدق والطهر, وبث روح العمل الجاد والإِخلاص بين المواطنين. وتبدو أخلاقيته محافظة وعقلانية, ولكنها ليست بالضبط أخلاقية دينية, وتتمثل جلية في موازنته بين قرينيه أسخيلوس[ر] وأوربيدس في ملهاة «الضفادع».
    وهاجم أريستوفان كذلك أصحاب الفكر الجديد من السفسطائيين (المغالطين), وجرّح أفكارهم ورماهم بأقذع التهم, ولم يترك أي فرصة تمر في مسرحياته من دون أن يستثمرها لتسفيه الفلاسفة بوجه عام, وفي مقدمتهم سقراط[ر]. فمثلاً, في ملهاة «السحب», التي تعدُّ من أجمل ما كتبه أريستوفان, يهاجم الفلسفة في شخص سقراط ويضعه وجهاً لوجه أمام رجل عادي من الشعب ليُحدث الأثر الفكاهي الناتج عن المفارقة. إِن هذا الرجل العادي يرغب في أن يصير سفسطائياً لكي يتعلم كيف يتهرّب من دفع ديونه, وينظر بإِجلال إِلى سقراط, وخاصة حين يُخبره أحد تلامذته كيف أنه يشغل وقته في دراسات قيّمة وأسئلة مهمة مثل: «كم ضعفاً تبلغ المسافة التي يقفزها البرغوث بالنسبة إِلى طول إِحدى قوائمه؟», و«من أية ناحية من جسم البعوضة الطائرة يأتي الطنين؟». وتعتريه الدهشة عندما يرى الأستاذ سقراط متربعاً في سلة معلقة في الهواء كما يليق برجل فوق مستوى البشر العاديين, وعندما يسأله ماذا يعمل هناك في العلاء يجيب سقراط : «يجب أن أعلق دماغي وأمزج جوهر عقلي الخفي بالهواء ذي الطبيعة المماثلة كي أتمكن من النفاذ إِلى أمور السماء بوضوح, ولو بقيت على الأرض أتأمل من تحت الأمور السفلى لما استطعت اكتشاف شيء, لأن الأرض بجاذبيتها تجذب عصارة الدماغ إِليها كما يحدث في حالة بعض النباتات المائية الزاحفة».
    وخلاصة ما تقوله «السحب» إِن سقراط يفسد شبيبة أثينة بأسئلته الفلسفية, ويستطيع المرء أن يتصور أن أريستوفانأضحك أهل أثينة كثيراً من سقراط ولكن على المرء ألا ينسى أن هذه التهمة نفسها هي التي أودت بحياة سقراط فيما بعد.
    وإِضافة إِلى مبادرات أريستوفان الرائدة في مجالات النقد السياسي والاجتماعي والفكري فإِنه يُعدّ من رواد النقد الأدبي اليوناني ولاسي
ما في مسرحية «الضفادع» المبدعة, التي تعرَّض فيها للموازنة بين زميليه اسخيلوس وأوربيدس من حيث الشاعرية, والمكانة المسرحية, والموقف الأخلاقي, أي إِن موازنته تناولت الشكل والمضمون معاً.
    ويبدو نقد أريستوفان أوسع أفقاً وأقل انحداراً مما ينسب إِليه عادة, فقد اشتملت مسرحياته الكوميدية المعروفة على نقد ساخر للكتاب والمفكرين في عصره, وانصبّت انتقاداته بوجه خاص على أوربيدس, واتصفت أحكامه بذوق متطور ورؤية نافذة, وذلك من خلال خطين نقديين مستمرين هما :كرهه لجميع أشكال المبالغة والتصنع, واهتمامه بالقيم الأخلاقية وإِدخالها في صميم الموازنة الأدبية. وتظل مسرحية «الضفادع» شاهداً حياً على الإِسهام المبكر للمسرح في النقد الأدبي.
    أما طريقته في النقد المسرحي فيلخصها محمد حمدي إِبراهيم بما يلي: «لقد اخترع أريستوفانيس لغة كوميدية خاصة به من الكلمات ذات المعاني المزدوجة والإِيحاءات الخاصة والألفاظ المصكوكة والمركبة تركيباً عجيباً. كذلك تميزت أشعاره بالرصانة والإِبداع والخيال. وكان حواره طبيعياً يتميز بالحيوية, في حين كانت نكاته غليظة وجريئة بغض النظر عن كونها غير شهوانية. ويُعد أريستوفان من أبرع الكتاب في التندر أو الاقتباس الساخر parödia ...».
    والملاحظ أن ترجمات أريستوفان إِلى العربية لا تتعدى «الضفادع» و«السحب» وبعض الشذرات, وذلك بسبب ارتباط الملهاة عادة بالعادات والمرددات واللهجات المغرقة في المحلية.

المصادر 
1-أحمد عتمان، «الشعر الإغريقي تراثاً إنسانياً وعالمياً»، عالم المعرفة 77 (الكويت 1984).
2ـ شلدون تشيني، المسرح، ثلاثة آلاف سنة من الدراما والتمثيل والحرفة المسرحية (منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1998).
3ـ محمد صقر خفاجة، دراسات في المسرحية اليونانية (القاهرة 1979).

الجمعة، 1 أغسطس 2014

المسرح العالمي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
المسرح العالمي

ظهر مصطلح المسرح العالمي world theatre بالتوازي مع مصطلح الأدب العالمي world literature الذي ابتدعه الأديب الألماني غوته[ر] Goethe في عشرينيات القرن التاسع عشر، للتعبير عن حالة التواصل والتبادل الأدبي الجديدة بين الأمم والبلدان، وللإحاطة بفاعلية كثير من الأعمال الأدبية الأجنبية (كالسنسكريتية والفارسية والعربية مثلاً) في الثقافات الأوربية المعاصرة، ذات الأصول الإغريقية اللاتينية، على صعيد الشعر والملحمة والحكاية والمسرح وغيرها من الأنواع الأدبية. وبتطور الفنون المسرحية theatre arts صار المصطلح يدل على جوهر المسرح عالمياً وعلى تمظهراته المتنوعة شكلاً ومضموناً وأساليب تواصله الفكرية والفنية ومؤسساته وهيئاته المتخصصة وطرق التبادل العلمية فيما بينها. وأشهرها  «الهيئة الدولية للمسرح» International Theatre Institute (ITI) المنتشرة في غالبية بلدان العالم بمختلف التخصصات المسرحية وذات الأهمية الحقيقية على صعيد التبادل والتفاعل المسرحي منذ تأسيسها عام 1948 كإحدى الهيئات الفرعية لمنظمة اليونسكو UNESCO.
أما الدلالة الأكثر انتشاراً للمصطلح فتعني تجاوزَ عملٍ مسرحي من حيث أهمية موضوعه الإنساني ومعالجته الفنية وتأثيره، إطار المحلية الضيقة، ودخوله رحاب العالمية، فتتقبله الثقافات الأخرى ويصير، إلى هذا الحد أو ذاك، جزءاً من مخزونها، ينهل منه المبدعون الجدد مثلما ينهلون من تراثهم الخاص. ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى أسباب متعددة قد تكون متداخلة أو مختلفة، وفق طبيعة المكان والزمان،حيث تأخذ عملية التفاعل مجراها بين المسرح المحلي (القومي) وبين المسرح العالمي. من هذه الأسباب انفتاح الثقافات على بعضها، نتيجة توافر أدباء وفنانين مثقفين منفتحين، أو لوجود جو عام منفتح على الآخر من دون أحكام مسبقة، وكذلك بسبب نمو حركة النشر والصحافة التي تنمو معها جدلياً حركة الترجمة عن اللغات الأخرى وإليها، إضافة إلى استقبال العروض المسرحية الزائرة أو تبادلها. وهذا كله يظهر من ثم على المستوى النقدي والتنظيري الجمالي، مما ينعكس لاحقاً في الإنتاج المحلي الأدبي الفني الجديد الذي يُحتمل أن يكون له دور مؤثر في المسرح العالمي مستقبلاً.
وعلى صعيد المسرح العالمي لا ينحصر التفاعل في إطار النصوص المسرحية وحسب، بل إنه يتعداها أحياناً إلى أسلوب العرض المسرحي من حيث الرؤية الإخراجية والأداء التمثيلي، وبعض مكونات العرض الأخرى كالغناء والرقص والموسيقى وطريقة تصميم المناظر (الديكور) وموادها واستخدام الإضاءة والمؤثرات المتنوعة وغيرها.
وثمة دلالة قديمة للمصطلح، محصورة في أوربا، استمدت معناها من التعبير اللاتيني theatrum mundi أي (عوالم المسرح)، الذي يدل على فهم للعالم يرى الدنيا بكل ما فيها من بشر وحياة كمسرح ضخم، لكل فرد فيه دوره المرسوم له مسبقاً (أو المقدَّر له وفق بعض التصورات الدينية المسيحية) والذي لا ينتهي إلا بالموت. إذ إن السؤال عن مغزى الوجود البشري وجدواه الإنسانية؛ كان منذ القديم مادة غنية صوَّرتها الآداب الدرامية والملحمية والفلسفية في صور ورموز وموضوعات، كما عند أفلاطون[ر] وسِنيكا[ر]، وكما في مسرحيات الأسرار mystery plays الدينية في القرون الوسطى، أو في مسرح اليسوعيين (الجزويت) Jesuit theatre في القرنين السادس عشر والسابع عشر، أو في مسرح الباروك الإسباني عند كالديرون دي لا باركا[ر] في «مسرح العالم الكبير» El gran teatro del mundo ت(1645)، أو عند إمْرِه مِداتش[ر] في «مأساة الإنسان» The Tragedy of Man ت(1862) في هنغاريا، أو عند هوغو فون هوفمَنستال[ر] النمساوي في «مسرح العالم الكبير السالزبورغي» (نسبة إلى سالزبورغ) Das Salzburger grosse Welttheater ت(1922). وهذه الظواهر والأعمال المسرحية كلها ذات المضمون المحدد تجاوزت حدود محليتها واكتسبت في الحد الأدنى أهمية أوربية، ولاسيما أنها عروض باهظة التكاليف وتحتاج إلى أعداد كبيرة جداً من الممثلين والمؤدين والمغنين والموسيقيين.
أدى الانفتاح الفكري في أثناء الحركة الإنسانية[ر] Humanism التي أدت إلى عصر النهضة الأوربية على الرغم من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية؛ إلى اكتشاف التراث اللاتيني (الوثني) وعبره إلى اكتشاف التراث الإغريقي (الوثني أيضاً) بكل غناهما فكرياً وأدبياً وفنياً. وكان أكبر المآثر رفع الستار عما تبقى من مخطوطات مسرحيات كبار كتاب المأساة والملهاة الإغريقية واللاتينية: أسْخيلوس[ر]، وسوفوكليس[ر]، وأوربيديس[ر]، وأريستوفانيس[ر]، وسِنيكا[ر]، وبلاوتوس[ر]، وتِرنْتيوس[ر]، وتعرُّف موضوعاتهم وكيفية معالجتها فنياً، ولاسيما أنها تخاطب عقل المشاهد/القارئ بوسائل متعددة، وهو الأمر الأكثر إلحاحاً في عصر النهضة. فصارت هذه الأعمال منذئذ جزءاً من تراث المسرح العالمي يتتالى تأثيره وتفاعله وفق ظروف الزمان والمكان. ففي العصر الإليزابيتي كان تأثير سنيكا جلياً في مآسي شكسبير[ر]، وكذلك تأثير بلاوتوس وترنتيوس في بعض ملاهيه. وعبر شكسبير انتقل هذا التأثير إلى كثير ممن قلدوه أو استوحوه إبداعياً داخل إنكلترا وخارجها، وبات التأثر والتأثير إحدى سمات حركة المسرح العالمي الرئيسة. وفي عصر الاتباعية[ر] (الكلاسية) الفرنسية تبدى تأثير التراجيديين الإغريق، ولاسيما منهم أوربيديس واضحاً في أعمال راسين[ر] وكورني[ر] اللذين ثبتَّا في مآسيهما مفاهيم النبالة والشرف والفروسية والواجب الوطني، فدعما بذلك أسس الحكم الملكي المطلق. وقد بقيت أعمالهما جزءاً مهماً من تراث اللغة الفرنسية، لكنهما لم يرتقيا إلى مصاف المسرح العالمي. أما معاصرهما موليير[ر] الذي خاطب الطبقة البرجوازية الصاعدة مقتبساً بعض أعماله ومقولاته من أريستوفانيس وميناندروس[ر]، فقد غزت أعماله معظم مسارح العالم في كل مكان وزمان، وصارت منبعاً لا ينضب للاستيحاء والاقتباس. ولا يغيب عن الذهن تأثيره الواضح أيضاً في المسرح العربي[ر] من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه.

"ثلاثية أورست" لأسخيلوس

مسرحية "إلكترا" لسفوكليس
وعندما كانت ألمانيا في عصر التنوير مجزأة إلى إمارات ودويلات متعددة، رفض أدباؤها أفكار الاتباعية الفرنسية وأشكالها الصارمة، وطالب لسينغ[ر] بالالتفات إلى شكسبير ومعاصريه الذين قدموا في أعمالهم صورة جديدة عن المواطن الفرد ودوره في التاريخ، فتحت الأفق على المستقبل بدلاً من ترسيخ السائد، فجاءت ترجمة الأخوين شليغل[ر] لأعمال شكسبير إلى الألمانية بمنزلة جرعة الخلاص من الهيمنة الفكرية الفرنسية. وقد كان للفرق المسرحية الإنكليزية الجوالة ورحلاتها عبر بلدان أوربا تأثير خاص ساعد على انتشار شكسبير ومارلو[ر] في جميع أنحاء أوربا.

مسرحية "شايلوك" لشكسبير

مسرحية "مكبث" لشكسبير
وكذلك كان الأمر بصدد بعض أعمال الإسبانيين: دي بيغا[ر] وكالديرون اللذين تخطيا حدود بلدهما ووصل تأثيرهما حتى إلى روسيا في عهد القيصرة كاترينا[ر] وإلى العالم الجديد في أمريكا الوسطى والجنوبية، منذ القرن الثامن عشر، وإلى الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. أما إيطاليا في أواخر عصر النهضة فقد صدَّرت إلى العالم تقاليد الكوميديا ديلارتي (الملهاة المرتجلة) Commedia dell’arte التي تعتمد في المقام الأول على قدرة الممثل على الارتجال لحظة مثوله أمام الجمهور انطلاقاً من الحالة الدرامية التي أدى إليها تطور «الحدّوتة» بين الممثلين والممثلات، إذ لا تمتلك حركة الكوميديا ديلارتي نصوصاً مسرحية معتمدة لمؤلفين معروفين أو مجهولين، بل هياكل حدوتات (سيناريوهات) scenario يتبدل قوامها ومضمونها بين عرض وآخر بحسب الجمهور وزمان تقديم العرض. وكان من نتائج ذلك تطوير فن التمثيل وتأكيد تعميق ثقافة الممثل التي تعد زاده الأساسي للارتجال. وتعدُّ حركة الكوميديا ديلارتي وجهاً مميزاً من وجوه المسرح العالمي من حيث اتساع الانتشار وعمق التأثير. ومن وجوهه المميزة أيضاً ما أنتجته فرنسا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر باسم العنوانين الجامعين «مسرح الفودفيل» Vaudeville و«مسرح البولفار» Boulevard الكوميديين اللذين عبرا عن تطور الأخلاقيات البرجوازية عقب الثورة الفرنسية بوجهيه السلبي والإيجابي، واللذين زوَّدا خشبات المسارح في معظم أنحاء العالم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين بمخزون لا ينضب للاقتباس والإعداد، بما يتلاءم مع التطورات الاجتماعية في هذا البلد أو ذاك، بما في ذلك البلدان العربية، ولاسيما مصر ولبنان وتونس والمغرب. وتكمن أهمية هذا المسرح أوربياً وعالمياً في أنه قد مهَّد لتطور الأوبرا الكوميدية Opéra comique والأوبريت Opérette. وفي هذه المرحلة نفسها أنجبت ألمانيا عملاقي الكلاسيكية (الاتباعية)[ر] غوته وشيلر[ر] اللذين تُرجمت أعمالهما إلى معظم لغات العالم، وكان لهذه الأوبرا الكوميدية دور لافت على الصعيد الفكري الفلسفي، والفكري التاريخي. والجدير بالذكر هنا أن مسرحية «فاوست» لغوته قد ترجمت إلى العربية في خمس صيغ مختلفة منذ أربعينيات القرن العشرين، مما يدل على مدى الاهتمام العربي فكرياً وأدبياً بهذه الملحمة الدرامية، على الرغم من صعوبة تنفيذها عملياً في ظروف التطور التقاني للمسرح العربي.

مسرحية "المفتش العام" لغوغول

مسرحية "فاوست" لغوته
ينطوي مصطلح «الاستعمار» في أحد وجوهه على معنى ثقافي يتجسد في نشر ثقافة المستعمِر في البلد المستعمَر، ولاشك في أن إحدى تلك الوسائل هي المسرح، سواء على صعيد النصوص والعروض أم على صعيد العمارة. ففي العاصمة تونس مثلاً شيَّدت فرنسا نموذجاً عن مسرح «الكوميدي فرانسيز» Comédie Française، صار بعد الاستقلال مقراً لـ«المسرح الوطني التونسي» الذي حمل راية تطوير الحركة المسرحية منذ سبعينيات القرن العشرين، إلى جانب جهود عدد كبير من مسرحيي تونس البارزين على صعيد التمثيل والإخراج والتأليف الذين صارت عروضهم تقدم

مسرحية "بستان الكرز" لتشيخوف

"نورا ـأوـ بيت الدمية" لإبسن
في العاصمة الفرنسية وغيرها بنجاح لافت. وقد حدث مثل ذلك في كثير من المستعمرات الأوربية السابقة في الأمريكتين وإفريقيا وآسيا وأستراليا.
وبين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين جرت على صعيد العمارة والتقانة المسرحية والسينوغرافيا Scenographyتطورات متلاحقة، كانت نتيجتها ثورة جذرية في مفاهيم العرض والتلقي والتواصل، قادها كل من الألماني فاغنر[ر] والسويسري آبيا[ر] والإنكليزي كريغ[ر] والنمساوي راينهارت[ر] والألماني بيسكاتور[ر] والروسي مايرخولد[ر] والألماني بريشت[ر]. والملاحظ منذ سبعينيات القرن العشرين أن العمارة المسرحية في جميع أنحاء العالم، وعلى اختلاف الثقافات، قد تبنت نتائج تلك التطورات الثورية الأوربية، فبات العالم على هذا الصعيد شبه موحد. فأي مسرح حديث في أي بقعة في العالم صار قادراً على استقبال أي عرض، مهما كانت متطلباته التقانية، عدا طبعاً تلك العروض التي تندرج تحت ما يسمى أمريكياً «الإنتاج الضخم» grand production.

"الأنسة جولي" لستريندبرغ

"سيدتي الجميلة أو بيغماليون" لبرنارد شو
وعلى المنوال نفسه، لاشك في أن للثورات الإيديولوجية، كثورة تشرين الأول/أكتوبر عام 1917 في روسيا، دورها الحاسم في تحقيق نوع من المسرح العالمي الذي يتبنى أفكارها ويعمل على تحقيق أهدافها. ومن أمثلة ذلك انتشار أعمال غوركي[ر]، وبريشت، وناظم حكمت[ر] في بلدان العالم الثالث التي كانت تخوض تجربة الخروج من الاستعمار والدخول في حركة التحرر الوطني الاجتماعي، مثل بلدان الوطن العربي، حيث تُرجم كثير من أعمال مسرح «الواقعية الاشتراكية» عن لغات عدة. ومثلما عاش العرب المعاصرون شيئاً من تجربة «مسرح العبث» Absurd بأعمال بيكت[ر] ويونسكو[ر] وأربال[ر] وغيرهم، فقد عاشوا في الوقت نفسه تجربة «المسرح الملحمي» Epicفي أعمال بريشت، والوثائقي Documentary في أعمال فايس[ر]، والوجودي Existentialist في مسرحيات سارتر[ر]، والتي صارت جزءاً لايتجزأ من المسرح العالمي. وإلى جانب هذه التيارات برزت أسماء كتّاب من جميع أنحاء العالم يمثلون مواقف احتجاجية في وجه الظلم الاجتماعي بصوره كافة مثل تشيخوف[ر]، وستريندبرغ[ر]، وطاغور[ر]، وهنريك إبسن[ر]، وآرثر ميلر[ر]، ومروجيك[ر]، ولوركا[ر]، وداريو فو، وهارولد بينتر، ودورنمات وغيرهم، ممن أثبتت أعمالهم صلاحيتها وتأثيرها عالمياً. ومن ثم فإن كل عمل مسرحي يهتم بقضايا الإنسان الأساسية ويعالجها بعمق يغني المشاهد/القارئ فكرياً وفنياً ويحقق له المتعة الجمالية، فهو مؤهل لمرتبة العالمية


نبيل حفار

الخميس، 31 يوليو 2014

تحميل مسرحية "فى انتظار جودو "صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوو

مدونة مجلة الفنون المسرحية


فى انتظار جودو - صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوول


تحميل: فى انتظار جودو - صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوول

الأربعاء، 30 يوليو 2014

نعيب على المسرح العربي محليته والعيب فينا

مدونة مجلة الفنون المسرحية
موجات المسرحيين العرب الشباب، ويسر وسائط الاتصال، تمثل عوامل إيجابية تساهم في تحقيق صورة عن المسرح العربي في العالم وانتشاره.
المسرح العربي طريقه وعرة نحو العالمية

 لا يمكن اعتبار أن فكرة عالمية المسرح، فكرة بريئة وبسيطة، فهي تتضمن طبعا نوعا من الاعتراف بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وبأن سهولة التواصل وأدواته التكنولوجية، ويسر وسائل السفر الآن، وفرت حالة عالمية من التبادل المسرحي.
فكرة العالمية تضم نوعا من التركيز على الثقافات القوية المسنودة باقتصاديات أقوى، وبسيطرة على وسائل الإعلام والتواصل الموروثة عن المركزية الأوروبية المعروفة تاريخيا. فكيف يمكن النظر الآن إلى المسرح العربي حاليا؟
إن موجات المسرحيين العرب الشباب الآن، وكذا أجيال المهاجرين العرب إلى أوروبا وأميركا، ويسر وسائط الاتصال، كل هذا وغيره سمح بتحقيق صورة عن المسرح العربي في العالم، وبانتشاره.
ولكن علينا الاعتراف بأن الثقافة العربية من خلال نصوصها التراثية مثل ألف ليلة وليلة، وعدد من الروايات والقصائد والأسماء الإبداعية، قد حققت عالمية أكثر من المسرح العربي، لأننا لم نهتم يوما بتوصيل مسرحنا إلى الآخر، وما اهتممنا بترجمة مسرحياتنا إلى لغات أخرى مثلما تسهر على ذلك دول أوروبا، وتصرف عليها المليارات في عز الأزمات، لأن خفوت الترجمة يعني خفوت الصدى الثقافي لتلك الدول. ولكن هناك عوامل أخرى منعت من تحقيق عالمية أكبر للمسرح العربي، وهي للأسف نابعة من جزء كبير من المسرحيين أنفسهم.
لقد طوقنا أنفسنا لأزيد من نصف قرن بجدران التأصيل المسرحي والبحث عن مسرح عربي قحّ في تاريخ الثقافة العربية، ولم نقو على الاعتراف بأننا نمارس مسرحا من داخل لغته العالمية.
ووجدنا في الخطاب القومي المبالغ فيه، ما شجعنا على ذلك، ثم وجدنا في التضخيم من العروبة ما يقينا شر التنافس مع العالم من أجل مسرح عربي أكثر انتشارا، ونسينا وصية ابن خلدون: إنما العلاقة بين الأمم هي المغالبة.
ثم قمنا “بشيطنة” المسرح الغربي، واعتبرته خطابات مسرحية عربية كثيرة بعيدا عنا وعن ثقافتنا، واعتبرناه عدوا لمسرحنا العربي الذي وجد منذ آلاف السنين، وبقينا نشيطن الغرب دوما.
ولم نرد أن نلتفت إلى أن الغرب نفسه جدد مسرحه بالاعتماد على الثقافات الشرقية ومن ضمنها العربية والأفريقية والآسيوية، دون أن يرفض أحدهم ذلك، بل اعتبروه قيمة مضافة.
ثم بقينا نعيد إنتاج عقدة النقص، وننتظر أن يعترف بنا الغرب دون أن نعترف بثقافتنا، حتى أني لما كنت أشاهد أعمالا من أوروبا لمسرحيين كبار يسبق صداهم مسرحياتهم، كنت أجد بعضها متواضعا أقل بكثير من مسرحيات عربية متعددة.
وتلك تجربة عشتها حين شاهدت مسرحية “بذلة” لبيتر بروك، حيث خاب ظني فيها مقارنة بمسرحيات عربية خليجية ومغاربية كثيرة تفوقت عليها. ولكن قوة بيتر بروك تجلت في اعترافه بقوة الثقافات الهندية والفارسية والأفريقية، وببحوثه في تلك الثقافات الشيء الذي لم نقم به نحن.
والمأساة الكبرى أننا أهملنا التكوين المسرحي، وأهملنا بناء معاهد المسرح وأكاديميات الفنون، وأهملنا البعثات الطلابية لدراسة المسرح في العالم، أهملنا عددا كبيرا من السبل لكي نطل على المسرح العالمي من نافذته الكبرى.

العرب - سعيد ناجي 

الجمعة، 25 يوليو 2014

جماعة مسرح الحكواتي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
روجية عسفاف مؤسس جماعة الحكواتي 
مما يطرحه"روجيه عّساف", المنظّر لهذه الجماعة ومخرجها , نرى أنه يعبر, عما يتعلق بالتراث المـلازم للحيـاة الجماعيـة, ومـا يعنيه التراث, من تعبير الأفراد عن وجـودهم فـي الجماعـات, ومـن تعبير الجماعة, والمضامين الأسطورية ومروياتها . ومـا يعنيه كـواقع فكري, يوفر الغذاء الروحي للعلاقات الجماعية, هذا الغذاء الذي يعد من الأمور الحياتية, الاجتماعية المتعلقة بتثبيت الهوية, وإتمام التلاحـم الشعبي, فلكل تجمع بشري لغة, هي الشـكل الـذي تتظـاهر فيـه المجموعـة نفسها .
إن معاينة الصور العابرة في الحياة الواقعيـة, التـي سـوف تصبـح تاريخاً فيما بعد . بتفاعلها مـع هـذه الصـور, وضمـن ذلـك الواقع يجعل الجماعة تتخذ موقفها من هذه الصـور, وتعيش معهـا فـي حلقة تنشأ بنـاء عـلى الشـعور بـالأخذ والـرد, حـتى تتبلـور الصيغـة الرامزة للعادات, أو الطبائع السلوكية,بفعالية معينة مقبولة اجتماعياً عـلى أنهـا فـروض أو تقـاليد لا يمكـن تجاوزهـا, ومنهـا الفعاليــات الاحتفالية, والمسرحية, والحكواتية. فلكل مجتمع صياغتـه التـي يتـوصل إليها من قناعات الجماعة . فالمجتمع الإسلامي العربي مثلاً قد جهل مهنة التمثيل المتداولة ومعروفة حاليــًا فـي الغـرب, لأن مهنـة التمثيـل في المجتمع الإسلامي, كانت مختصـة بفعـل التشـخيص, والروايـة بمخـتلف أنواعها, أما مهنة التمثيل السائدة, فهي مرتبطة بضروريات المجتمع تتغير مع تغيّر البُنى التقليدية . والأساسية التـي تجتاحهـا, فـي إطـار تسويغ استلاب الإنسان, من خلال تحويل مقاومة ميوله الفطرية المكبوتة، واستنفادها في صور فنية خيالية, يدعى للتفرّج عليها, ولا يشارك فيها، هي رغباته العميقة التي يطاردها في عالم وهمي على المسـرح, لأنـه قـد حرم منها في الـواقع, بينمـا لا يحتاجهـا الفـرد فـي المجـتمع العـربي الإسـلامي, لأنـه وبفعـل الـوضع الاجتمـاعي, وطبيعـة إعـادة الحكايـة وتشخيصها بالنمط المشرقي, تجعله كفـرد اجتمـاعي عنصـراً فعـالاً فيها, ليس كمشاهد, وإنما أيضا كمشارك ومصحح, بل وناقد مشاكس .
فقد عرف المجتمع العربي الإسلامي أشكالاً أخرى من التمثيل، يمتزج فيها الدور بالمشاركة من جهة, وبالموقع الاجتمـاعي الحـقيقي مـن جهـة أخرى, فالقصاص مثلاً, والشاعر القبلي, والمهرج الشعبي, كـانوا يعبرون عما تبطنــه المجموعـة ومـا تضمـره فـي سـرها, فينطلقـون مـن رموزهـا المتداولة ليشاركوا جمهورهم حياته وطموحاته, فـي حـفل جمـاعي "حلقـات الأنس, جلسات الأسرة, لقاءات الأفراح, أعياد الموالد, ذكـرى عاشـوراء، وغيرها", يعبّر أحدهم مع الأخـر, عـن وحـدة الشـعور المجموعـة عن طريق الاتصال, من خلال معتقدات سائدة, تساهم فـي تكـوين اللحمـة الأساسـية آنياً, من خلال عمل كل من الحكواتي, والمقريء, والمعلم الصوفي .
والتمثيل في هذا المسرح المحتمل, ينبثق بأصولـه مـن فـن المحّـدث الذي يروي ويحكي, فيحيي مشاهد الحكايـة وشـخصياتها عندمـا يقدمهـا، لكنه يبقي محافظًا على حرفته, ومميزات شـخصيته, مـن وراء الـدور, فلا تنمحي شخصيته, ولا يختفي وجهه وراء القناع الذي يلبسه الممثل, سواء من خلال المكياج, أو من خلال حلوله في الشخصية . وإنما هو يحـاكي,ويقلـّد، ويشخص, مستحضرًا الأحداث, والأحاديث, وفي الوقت نفسه يعبر عن شـعوره، ويحتفل مع الناس, لان منهجية الحـكواتي كممثـل, تخـتلف جوهريـًا عـن منهجية الممثل القناع, والممثل لشخصية الدور .
وتقوم فرقة مسـرح الحـكواتي اللبنـانيـة فـي الممارسـة الحياتيـة الاحتفالية كمرجع لبناء المسرحية نصـًا وأداءً, إذ إن قوام النـص لا ينحو أكثر من ذلك التجميع والتراكم من المـوروث الشـفوي عـلى ألسـنة العامة من الناس, الذين يلتقي أعضاء الفرقة بهم, فيقص بعضهم الحكايـات والأحداث التي شاهدوها, أو مروا بها . أو تلـك الشـخصيات المؤثـرة فـي حياتهم من أقربائهم, أو من مجتمعهم, أو تلك التي تعتبر رمزاً لهذا المجتمع الصغـير الـذي يكـتنفهم, ,من خلال ذلك يسجل أعضاء الجماعة الملاحظات, من خلال اللقاءات . ويقومون بتدوينها من خلال المراقبة الذكية, للأحاديث، ثم يقـوم أعضاء الجماعة بعدها بالفرز بين المـوروث الإيمـائي, وصفـات الأفـراد وطبائعهم, بغية الحصول على نوعية متميزة من مجموعة اجتماعية في ماضيها، وحاضرها . ويبدو من هـذه العملية أن الصفة الجماعة فـي هـذا التوجـه لهـا خصوصيتها, من حيث قابليتها للوصول إلـى النـاس, والالتحـام بهـم, بـل وسحبهم إلى العمـل,واسـتدراج ذكريـاتهم, بتلـك التلقائيـة فـي السـرد والعفوية في التعبير والإيماء .
وتقوم الفرقة بإعادة صياغة المادة الخام, التي تجـمعت لديهـا عـن حادثة ما, أو سرد لصفات شـخصية معينة, وذلك عنـد إدخالهـا فـي معمـل الكتابة, فينمو النـص مـن خـلال تجـميع حـوادث وشـخصيات وتركيبهـا، استرشاداً بالحرفية اللازمة لفـن كتابـة النـص المسـرحي . وهنا أهمية لمبـدأ التكرار في الحدث, والحديث حول واقعة ما, أو شخصية معينة, بغية إعادة البناء, وتجميعه, بإضافات ابتكارية, تعتمد على التخـيّل والاسـتذكار، لأن التذكر الحقيقي غير وارد في عملية الصياغة النهائية فالماضي هـو حلم لن يعود, والحكاية لدى مسرح الحكواتي هي بانوراما جمعتها الفرقة من خزين الناس بإمتدادات متقاطعة, أفقياً مع الأحداث, وعامودياً مـع الشـخصيات .
وكثيرًا ما يتعجب الجمهور, عند مشاهدته أحداث المسرحية, وشخوصها التي اشترك مع مسرح الحكواتي فـي خلقهـا, ولمـدة تتعـدى سـتة الأشـهر فـي الإعداد للمسـرحية, كما حصل في مسرحية "عام 1936", وكذلك فـي مسـرحية "أيام الخيام", فقد استغرب أصحـاب القصـص الأصليـة, مـن قـدرة فنـاني الفرقة على الاقتراب من الأحـداث والشخصيات, فقد وصـف أقـارب إحدى الشخصيات المشخصة, بأنها تتطابق كثيرًا مع الصفات العامة للشخصية التي دارت أحاديثهم للفرقة عنها, رغم أن ما حكوه لفـريق الجماعة ليس إلا وصفاً عاماً, غذى المحدث الفرقة بـه, مـن خـلال معلومات استحضرها
لفريق الفرقة, لأن هذا المحدث, وهو يستحضر ذكرياتـه الخاصـة لـم يضـف إليها إلا انطباعه الشخصي, ووده, ومدى حميميتـه لهـذه الشـخصية التـي ينتمي إليها سواء بالدم, أو بالنسب, أو بالجيرة, وهـو بفعلـه هـذا لا يتطابق كثيراً مع عمل راوي السير الشعبية, الذي يقترب أكـثر مـن عمل هذه الفرقة الجماعي, عندما يشخص شخصية مهمة في سِيرة ما يعرفها الجميع, أو سمع عنها الكثيرون . بل إنها شخصيات, وأحداث ترسخت منذ زمن طويل في الضمير الجمعي, فإذا ما تجاوز حـدوده المعهـودة, مبالغـة أو إهمالاً، نَبهَه لجمهور إلى فعلته, وكذا عمل فرقة مسرح الحـكواتي هنـا، هو عمل دقيق, لا يستهان به, خصوصًا إذا ما عـرض عملـه فـي نفس الأماكن التي استقى منها المعلومات "الشخصيات, والأحداث" . فالكل هنا وعلى المستويين, يحاول المطابقة, وهو يستقبل النموذج, بـل ويقـوم بالممازجة بين ما عنده, من صفات حاضرة فاعلة أمامه, وبين مـا يتذكّره ويتخيله, عن هذا النموذج, هذه الحالة تبرز أكثر, عنـد مشـاهدي حكايات السِير التاريخيـة, مثـل سِيرتيّ "الظاهر بيـبرس, وأبـي زيـد الهلالي", اللتين ما تزالا حيتـين إلى الآن .
ومسرحية "أيام الخيام" هي حكاية الجماعة المروية في النص المحكي جماعياً منذ الكتابة الأولية وحتى نقل الحالة للناس من جديد, تلـك تجربة متجسدة في حكاية عن قرية "الخيام" الحدودية في "جـنوب لبنـان"، المأخوذة من أفواه الرواة, المشخصين للسرد والتجسيد, نقلاً عن الناس الذين حكوها, وعن أحداث شاهدوها أو تذكروها . وقد أيقظت هذه المسرحية فينا تلك القدرة على التذكر, والمواجهة من خلال التنويعـات الحياتية، التي تفسح المجال للفرح, والفاجعة معا, بتداخل تحكمه اللحظة, لتعطـي المصداقية الواقعية, لكل من الشخصية, والحدث الدراميين.
وقد أثار عرض مسرحية "أيام الخيام" نقاشـات كثـيرة, وبمسـتويات متفاوتة, لأنه خاطب الناس في صميم معاناتهم, بالقص والحكي, والتشخيص، وذلك من خلال روح الجماعة, التي تتحدث إلى جماعة جاءت تسمعها وتراها، وقد استنبطت الجماعة الأولى هذه الأحـداث من أحاديث النـاس أنفسـهم، وقد جاؤوا الآن ليروا ما حلّ بأحاديثهم, وإلى ماذا تطورت . وبالمقـابل توجد جماعة من المشاهدين لم يحتكّوا بكلا الجماعتين لكـنهم وجدوهـا تمثل وجدانهم هم أيضا, ما دامت هذه المادة قد أصبحت مـادة لعمـل فنـي اقتبسته جماعة, وقامت بتطويره ليس كمضمون فقط, وإنمـا كشـكل, وحكايـة يتزامن فيها الإعداد والسماع, وإعادة الفرز معا, بل إن الفرقـة كـانت تعرض بعض التمارين أمام رواة المادة الخام أثناء تدريباتها, مـن أجـل استنتاج ردود الأفعال المسبقة, بغية اجتياز مراحل التركيز, والتـوضيب والصقل النهائية .
وفي النقاش الذي دار بعد عرض مسرحية "أيام الخيام", قال "روجيـه عسّـاف" مخرج المسرحية, ردًا على كثير من التساؤلات, بأنـه يبحـث عـن انتمائه من خلال العلاقة بالجمهور, والتي تحولت مع الوقت إلـى علاقـة بالناس خارج المسرح, فالهاجس ليس البحث عن شكل مسرحي, بل هو البحث عـن نهج عملي, لإيجاد وسيلة للتعبير, فكل عمل فني إنساني, هـو عمـل فـردي بالضرورة, سمته الفردية لا تنحصر في الكتابة, بل تمتد إلـى كـل شــيء "التمثيل, والإخراج, والديكور, والإضاءة", لأن كل الأعمـال الجماعيـة مكوّنة من أعمال فردية بـالضرورة, والحـكواتي الـذي نقدمـه ليس الشـكل
المنقرض الذي تحترفه المقاهي, ولكنه الجوهر الحـي فـي أذهـان النـاس، والعمل الجماعي, هو وحدة الشروط التي منها توظيف الخـبرات والطاقـات بتفاعلها, وتفاوتها, إضافة لتغير نوعيـة العلاقـة لكـل مـن الإنتـاج والجمهور المسرحي, من خـلال بنـاء مراحـل الإنتـاج التـي تبـدأ بصهـر الكتابة, في التمثيل, من خلال أداء ارتجالي جمالي للمكتوب, يتم بعدها إيجاد تركيب مسرحي صحيح للمشاهد, وتحديد أسلوب الأداء جماعيّاً, بغية بلورة لطبيعة علاقات الشخصيات, واختيار الجسور الفنيـة بيـن المشـهد وبين الجمهور,وأخيراً توليف وتركيب جميع عناصر العمـل المسـرحي, بعد الأداء الإرتجالي, على النص, وعلى شكل الإخراج .
لكن هذه التجربة لم تمتد, لأن غياب المخرج, والمدير الفعلي للجماعة عنها، وانشغاله . ونُسيت الطريقة, ولم تقدم حصيلتها للآخرين، على غـير مـا يتم عمله من خـلال مركـز للإبـداع, تسـتجمع فيـه المـردودات كمحـصلات مكتوبة ومرئية للدارسين .وذلك يعود ربما للحرب اللبنانية كما تذكر الدكتورة وطفاء حمادي هاشم في استفتاء عن دور الصحافة في النقد المسرحي العربي (1)
ويبدو أن للتأثير الغربي في التجريب أيضًا جانب مهم, خصوصًا على الجماعات المسرحية كفرقة "مسرح الحـكواتي اللبنانيـة", ومنهـا تـأثير فرقـة "مسـرح الشـمس" الفرنسـي بقيـادة المخرجـة "أريـان مينوشـكين" التي تعمل بمنهـج جمـاعي, وخـلق ربرتـوار يـزاوج بيـن التجربة اليومية للمتفرج, بقصد ربط العمـل المسـرحي, بمحـيط اجتمـاعي معين, وذلك من خلال استقاء معلوماتها مـن النـاس,فـي أمـاكن عيشـهم، وعملهم حيث يشارك جميع أعضـاء الفرقـة, فـي البحـث والإبـداع اللـذين يقودان إلى ارتجالات فنية, عمادها المواضيع المرجعية في البحـث, وقـد عقب الناقد المسرحي "بول شاوؤل", في مقارنة موضعية على عمل الفـرقتين وتقارب أسالوبيهما معًا .
(1) في ورقة عمل  للدورة الثالثة عشرة لمؤتمر الهيئة العالمية لنقّاد المسرح في هلسنكي – فنلندا بين 5 – 8/10/ 1996 .
(2) كتاب آفاق تطويع التراث العربي للمسرح للدكتور فاروق أوهان إصدار وزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1999.

جماعة مسرح الحكواتي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
روجية عسفاف مؤسس جماعة الحكواتي 
مما يطرحه"روجيه عّساف", المنظّر لهذه الجماعة ومخرجها , نرى أنه يعبر, عما يتعلق بالتراث المـلازم للحيـاة الجماعيـة, ومـا يعنيه التراث, من تعبير الأفراد عن وجـودهم فـي الجماعـات, ومـن تعبير الجماعة, والمضامين الأسطورية ومروياتها . ومـا يعنيه كـواقع فكري, يوفر الغذاء الروحي للعلاقات الجماعية, هذا الغذاء الذي يعد من الأمور الحياتية, الاجتماعية المتعلقة بتثبيت الهوية, وإتمام التلاحـم الشعبي, فلكل تجمع بشري لغة, هي الشـكل الـذي تتظـاهر فيـه المجموعـة نفسها .
إن معاينة الصور العابرة في الحياة الواقعيـة, التـي سـوف تصبـح تاريخاً فيما بعد . بتفاعلها مـع هـذه الصـور, وضمـن ذلـك الواقع يجعل الجماعة تتخذ موقفها من هذه الصـور, وتعيش معهـا فـي حلقة تنشأ بنـاء عـلى الشـعور بـالأخذ والـرد, حـتى تتبلـور الصيغـة الرامزة للعادات, أو الطبائع السلوكية,بفعالية معينة مقبولة اجتماعياً عـلى أنهـا فـروض أو تقـاليد لا يمكـن تجاوزهـا, ومنهـا الفعاليــات الاحتفالية, والمسرحية, والحكواتية. فلكل مجتمع صياغتـه التـي يتـوصل إليها من قناعات الجماعة . فالمجتمع الإسلامي العربي مثلاً قد جهل مهنة التمثيل المتداولة ومعروفة حاليــًا فـي الغـرب, لأن مهنـة التمثيـل في المجتمع الإسلامي, كانت مختصـة بفعـل التشـخيص, والروايـة بمخـتلف أنواعها, أما مهنة التمثيل السائدة, فهي مرتبطة بضروريات المجتمع تتغير مع تغيّر البُنى التقليدية . والأساسية التـي تجتاحهـا, فـي إطـار تسويغ استلاب الإنسان, من خلال تحويل مقاومة ميوله الفطرية المكبوتة، واستنفادها في صور فنية خيالية, يدعى للتفرّج عليها, ولا يشارك فيها، هي رغباته العميقة التي يطاردها في عالم وهمي على المسـرح, لأنـه قـد حرم منها في الـواقع, بينمـا لا يحتاجهـا الفـرد فـي المجـتمع العـربي الإسـلامي, لأنـه وبفعـل الـوضع الاجتمـاعي, وطبيعـة إعـادة الحكايـة وتشخيصها بالنمط المشرقي, تجعله كفـرد اجتمـاعي عنصـراً فعـالاً فيها, ليس كمشاهد, وإنما أيضا كمشارك ومصحح, بل وناقد مشاكس .
فقد عرف المجتمع العربي الإسلامي أشكالاً أخرى من التمثيل، يمتزج فيها الدور بالمشاركة من جهة, وبالموقع الاجتمـاعي الحـقيقي مـن جهـة أخرى, فالقصاص مثلاً, والشاعر القبلي, والمهرج الشعبي, كـانوا يعبرون عما تبطنــه المجموعـة ومـا تضمـره فـي سـرها, فينطلقـون مـن رموزهـا المتداولة ليشاركوا جمهورهم حياته وطموحاته, فـي حـفل جمـاعي "حلقـات الأنس, جلسات الأسرة, لقاءات الأفراح, أعياد الموالد, ذكـرى عاشـوراء، وغيرها", يعبّر أحدهم مع الأخـر, عـن وحـدة الشـعور المجموعـة عن طريق الاتصال, من خلال معتقدات سائدة, تساهم فـي تكـوين اللحمـة الأساسـية آنياً, من خلال عمل كل من الحكواتي, والمقريء, والمعلم الصوفي .
والتمثيل في هذا المسرح المحتمل, ينبثق بأصولـه مـن فـن المحّـدث الذي يروي ويحكي, فيحيي مشاهد الحكايـة وشـخصياتها عندمـا يقدمهـا، لكنه يبقي محافظًا على حرفته, ومميزات شـخصيته, مـن وراء الـدور, فلا تنمحي شخصيته, ولا يختفي وجهه وراء القناع الذي يلبسه الممثل, سواء من خلال المكياج, أو من خلال حلوله في الشخصية . وإنما هو يحـاكي,ويقلـّد، ويشخص, مستحضرًا الأحداث, والأحاديث, وفي الوقت نفسه يعبر عن شـعوره، ويحتفل مع الناس, لان منهجية الحـكواتي كممثـل, تخـتلف جوهريـًا عـن منهجية الممثل القناع, والممثل لشخصية الدور .
وتقوم فرقة مسـرح الحـكواتي اللبنـانيـة فـي الممارسـة الحياتيـة الاحتفالية كمرجع لبناء المسرحية نصـًا وأداءً, إذ إن قوام النـص لا ينحو أكثر من ذلك التجميع والتراكم من المـوروث الشـفوي عـلى ألسـنة العامة من الناس, الذين يلتقي أعضاء الفرقة بهم, فيقص بعضهم الحكايـات والأحداث التي شاهدوها, أو مروا بها . أو تلـك الشـخصيات المؤثـرة فـي حياتهم من أقربائهم, أو من مجتمعهم, أو تلك التي تعتبر رمزاً لهذا المجتمع الصغـير الـذي يكـتنفهم, ,من خلال ذلك يسجل أعضاء الجماعة الملاحظات, من خلال اللقاءات . ويقومون بتدوينها من خلال المراقبة الذكية, للأحاديث، ثم يقـوم أعضاء الجماعة بعدها بالفرز بين المـوروث الإيمـائي, وصفـات الأفـراد وطبائعهم, بغية الحصول على نوعية متميزة من مجموعة اجتماعية في ماضيها، وحاضرها . ويبدو من هـذه العملية أن الصفة الجماعة فـي هـذا التوجـه لهـا خصوصيتها, من حيث قابليتها للوصول إلـى النـاس, والالتحـام بهـم, بـل وسحبهم إلى العمـل,واسـتدراج ذكريـاتهم, بتلـك التلقائيـة فـي السـرد والعفوية في التعبير والإيماء .
وتقوم الفرقة بإعادة صياغة المادة الخام, التي تجـمعت لديهـا عـن حادثة ما, أو سرد لصفات شـخصية معينة, وذلك عنـد إدخالهـا فـي معمـل الكتابة, فينمو النـص مـن خـلال تجـميع حـوادث وشـخصيات وتركيبهـا، استرشاداً بالحرفية اللازمة لفـن كتابـة النـص المسـرحي . وهنا أهمية لمبـدأ التكرار في الحدث, والحديث حول واقعة ما, أو شخصية معينة, بغية إعادة البناء, وتجميعه, بإضافات ابتكارية, تعتمد على التخـيّل والاسـتذكار، لأن التذكر الحقيقي غير وارد في عملية الصياغة النهائية فالماضي هـو حلم لن يعود, والحكاية لدى مسرح الحكواتي هي بانوراما جمعتها الفرقة من خزين الناس بإمتدادات متقاطعة, أفقياً مع الأحداث, وعامودياً مـع الشـخصيات .
وكثيرًا ما يتعجب الجمهور, عند مشاهدته أحداث المسرحية, وشخوصها التي اشترك مع مسرح الحكواتي فـي خلقهـا, ولمـدة تتعـدى سـتة الأشـهر فـي الإعداد للمسـرحية, كما حصل في مسرحية "عام 1936", وكذلك فـي مسـرحية "أيام الخيام", فقد استغرب أصحـاب القصـص الأصليـة, مـن قـدرة فنـاني الفرقة على الاقتراب من الأحـداث والشخصيات, فقد وصـف أقـارب إحدى الشخصيات المشخصة, بأنها تتطابق كثيرًا مع الصفات العامة للشخصية التي دارت أحاديثهم للفرقة عنها, رغم أن ما حكوه لفـريق الجماعة ليس إلا وصفاً عاماً, غذى المحدث الفرقة بـه, مـن خـلال معلومات استحضرها
لفريق الفرقة, لأن هذا المحدث, وهو يستحضر ذكرياتـه الخاصـة لـم يضـف إليها إلا انطباعه الشخصي, ووده, ومدى حميميتـه لهـذه الشـخصية التـي ينتمي إليها سواء بالدم, أو بالنسب, أو بالجيرة, وهـو بفعلـه هـذا لا يتطابق كثيراً مع عمل راوي السير الشعبية, الذي يقترب أكـثر مـن عمل هذه الفرقة الجماعي, عندما يشخص شخصية مهمة في سِيرة ما يعرفها الجميع, أو سمع عنها الكثيرون . بل إنها شخصيات, وأحداث ترسخت منذ زمن طويل في الضمير الجمعي, فإذا ما تجاوز حـدوده المعهـودة, مبالغـة أو إهمالاً، نَبهَه لجمهور إلى فعلته, وكذا عمل فرقة مسرح الحـكواتي هنـا، هو عمل دقيق, لا يستهان به, خصوصًا إذا ما عـرض عملـه فـي نفس الأماكن التي استقى منها المعلومات "الشخصيات, والأحداث" . فالكل هنا وعلى المستويين, يحاول المطابقة, وهو يستقبل النموذج, بـل ويقـوم بالممازجة بين ما عنده, من صفات حاضرة فاعلة أمامه, وبين مـا يتذكّره ويتخيله, عن هذا النموذج, هذه الحالة تبرز أكثر, عنـد مشـاهدي حكايات السِير التاريخيـة, مثـل سِيرتيّ "الظاهر بيـبرس, وأبـي زيـد الهلالي", اللتين ما تزالا حيتـين إلى الآن .
ومسرحية "أيام الخيام" هي حكاية الجماعة المروية في النص المحكي جماعياً منذ الكتابة الأولية وحتى نقل الحالة للناس من جديد, تلـك تجربة متجسدة في حكاية عن قرية "الخيام" الحدودية في "جـنوب لبنـان"، المأخوذة من أفواه الرواة, المشخصين للسرد والتجسيد, نقلاً عن الناس الذين حكوها, وعن أحداث شاهدوها أو تذكروها . وقد أيقظت هذه المسرحية فينا تلك القدرة على التذكر, والمواجهة من خلال التنويعـات الحياتية، التي تفسح المجال للفرح, والفاجعة معا, بتداخل تحكمه اللحظة, لتعطـي المصداقية الواقعية, لكل من الشخصية, والحدث الدراميين.
وقد أثار عرض مسرحية "أيام الخيام" نقاشـات كثـيرة, وبمسـتويات متفاوتة, لأنه خاطب الناس في صميم معاناتهم, بالقص والحكي, والتشخيص، وذلك من خلال روح الجماعة, التي تتحدث إلى جماعة جاءت تسمعها وتراها، وقد استنبطت الجماعة الأولى هذه الأحـداث من أحاديث النـاس أنفسـهم، وقد جاؤوا الآن ليروا ما حلّ بأحاديثهم, وإلى ماذا تطورت . وبالمقـابل توجد جماعة من المشاهدين لم يحتكّوا بكلا الجماعتين لكـنهم وجدوهـا تمثل وجدانهم هم أيضا, ما دامت هذه المادة قد أصبحت مـادة لعمـل فنـي اقتبسته جماعة, وقامت بتطويره ليس كمضمون فقط, وإنمـا كشـكل, وحكايـة يتزامن فيها الإعداد والسماع, وإعادة الفرز معا, بل إن الفرقـة كـانت تعرض بعض التمارين أمام رواة المادة الخام أثناء تدريباتها, مـن أجـل استنتاج ردود الأفعال المسبقة, بغية اجتياز مراحل التركيز, والتـوضيب والصقل النهائية .
وفي النقاش الذي دار بعد عرض مسرحية "أيام الخيام", قال "روجيـه عسّـاف" مخرج المسرحية, ردًا على كثير من التساؤلات, بأنـه يبحـث عـن انتمائه من خلال العلاقة بالجمهور, والتي تحولت مع الوقت إلـى علاقـة بالناس خارج المسرح, فالهاجس ليس البحث عن شكل مسرحي, بل هو البحث عـن نهج عملي, لإيجاد وسيلة للتعبير, فكل عمل فني إنساني, هـو عمـل فـردي بالضرورة, سمته الفردية لا تنحصر في الكتابة, بل تمتد إلـى كـل شــيء "التمثيل, والإخراج, والديكور, والإضاءة", لأن كل الأعمـال الجماعيـة مكوّنة من أعمال فردية بـالضرورة, والحـكواتي الـذي نقدمـه ليس الشـكل
المنقرض الذي تحترفه المقاهي, ولكنه الجوهر الحـي فـي أذهـان النـاس، والعمل الجماعي, هو وحدة الشروط التي منها توظيف الخـبرات والطاقـات بتفاعلها, وتفاوتها, إضافة لتغير نوعيـة العلاقـة لكـل مـن الإنتـاج والجمهور المسرحي, من خـلال بنـاء مراحـل الإنتـاج التـي تبـدأ بصهـر الكتابة, في التمثيل, من خلال أداء ارتجالي جمالي للمكتوب, يتم بعدها إيجاد تركيب مسرحي صحيح للمشاهد, وتحديد أسلوب الأداء جماعيّاً, بغية بلورة لطبيعة علاقات الشخصيات, واختيار الجسور الفنيـة بيـن المشـهد وبين الجمهور,وأخيراً توليف وتركيب جميع عناصر العمـل المسـرحي, بعد الأداء الإرتجالي, على النص, وعلى شكل الإخراج .
لكن هذه التجربة لم تمتد, لأن غياب المخرج, والمدير الفعلي للجماعة عنها، وانشغاله . ونُسيت الطريقة, ولم تقدم حصيلتها للآخرين، على غـير مـا يتم عمله من خـلال مركـز للإبـداع, تسـتجمع فيـه المـردودات كمحـصلات مكتوبة ومرئية للدارسين .وذلك يعود ربما للحرب اللبنانية كما تذكر الدكتورة وطفاء حمادي هاشم في استفتاء عن دور الصحافة في النقد المسرحي العربي (1)
ويبدو أن للتأثير الغربي في التجريب أيضًا جانب مهم, خصوصًا على الجماعات المسرحية كفرقة "مسرح الحـكواتي اللبنانيـة", ومنهـا تـأثير فرقـة "مسـرح الشـمس" الفرنسـي بقيـادة المخرجـة "أريـان مينوشـكين" التي تعمل بمنهـج جمـاعي, وخـلق ربرتـوار يـزاوج بيـن التجربة اليومية للمتفرج, بقصد ربط العمـل المسـرحي, بمحـيط اجتمـاعي معين, وذلك من خلال استقاء معلوماتها مـن النـاس,فـي أمـاكن عيشـهم، وعملهم حيث يشارك جميع أعضـاء الفرقـة, فـي البحـث والإبـداع اللـذين يقودان إلى ارتجالات فنية, عمادها المواضيع المرجعية في البحـث, وقـد عقب الناقد المسرحي "بول شاوؤل", في مقارنة موضعية على عمل الفـرقتين وتقارب أسالوبيهما معًا .
(1) في ورقة عمل  للدورة الثالثة عشرة لمؤتمر الهيئة العالمية لنقّاد المسرح في هلسنكي – فنلندا بين 5 – 8/10/ 1996 .
(2) كتاب آفاق تطويع التراث العربي للمسرح للدكتور فاروق أوهان إصدار وزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1999.

الاثنين، 21 يوليو 2014

كارلو جولدوني رائد الكوميديا الإيطالية المرتجلة

مدونة مجلة الفنون المسرحية
 كارلو جولدوني (1707 - 1793

يعتبرالكاتب المسرحي الإيطالي كارلو جولدوني (1707 - 1793) رائد الكوميديا الإيطالية المرتجلة، الذي ترك إرثاً غنياً متنوعاً ومتجدداً ألقى بظلاله على التيارات المسرحية التي جاءت بعده.
ظلت تجربة جولدوني مثيرة للجدل على مدى أكثر من قرنين، ومع أن أعماله المسرحية تنتمي إلى الكوميديا المرتجلة فإنها كانت مختلفة وغنية بمفاهيم وأفكار وجدت طريقها إلى المسرح الحديث، ولم تكتمل إعادة اكتشاف هذا المبدع، الذي عاش في القرن الثامن عشر، إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، مع أن صديقه الفيلسوف الفرنسي فولتير أطلق عليه لقب «موليير الإيطالي»، بينما أطلق عليه نقاد آخرون لقب «شكسبير إيطاليا».

كان أبوه يعمل في مجال الفيزياء، لكن جولدوني ورث اهتمامه بالمسرح عن جده، وكان من الممكن أن تنحرف حياته في اتجاه آخر، بعيداً عن المسرح فقد دفعته رغبته بالعمل الدبلوماسي إلى وظيفة قنصل لجمهورية جنوا في فينيسيا، ولكنه انسحب في الوقت المناسب، حينما وجد نفسه مضطراً إلى استئجار سفاح مغامر لتنفيذ جريمة سياسية.
كتب جولدوني أول مسرحياته وهو في الثامنة عشرة من عمره، وبعدها صار المسرح يشكل له كل أحلام الحياة، فكان مولعاً بالممثلات اللواتي يحملن معهن عبق المسرح، فهرب من مدرسة الدومينيكان في ريميني ليرافق مجموعة من الممثلين والممثلات إلى مدينة كيوجيا التي كتب عنها مسرحية فيما بعد، وهذه الحادثة تذكرنا بحادثة أخرى جرت بعد قرنين من الزمن، في مدينة ريميني نفسها، حيث هرب فدريكو فيليني من المنزل في طفولته، ليرافق فرقة السيرك التي كانت تمر في المدينة.


يقول جولدوني: يا له من إطار جميل وغريب وجديد، بالنسبة إلي من الشخصيات الأصلية والحقيقية التي أدرسها بعناية، وأحاول أن أجعل منها مادة من مواد عملي العادي.

ويقول في مسرحية «ذكريات»: «لقد طورت هواية مراقبة الرجال في الأحياء القريبة مني، وأنا مقتنع بأنني أحترم جمهوري من خلال تقديم الحقيقة العارية خالية من الزخرفة»، ويضيف إلى مزاياه الخاصة استمتاعه بالشغل في كل شيء وعدم إصدار أية أحكام مسبقة.
تشكل التجديدات التي وضعها جولدوني نقطة انطلاق للمسرح العالمي الحديث، ومنها حبه الفضولي للمراقبة، وترسيم الحالات النفسية لشخوصه واستقراء الدوافع الكامنة وراء سلوكهم، في واقعهم الاجتماعي والثقافي، والمستويات والاتجاهات الفكرية التي يعيشونها، وهذا يحتاج إلى المزاوجة بين المسرح والحياة، أو ما يمكن أن نسميه «فن الحياة مسرحياً»، أو الحياة في المسرح بمعنى «مسرحة الحياة».
تعرض جولدوني لحملات عنيفة متواصلة من منافسه كارلو غوتسي الذي استعدى عليه الأكاديمية الأدبية، حيث اتهمه بخيانة تقاليد الكوميديا المرتجلة في إيطاليا. والابتعاد عن الشعر والخيال، فاضطر جولدوني إلى الهجرة إلى باريس ليعيش فيها ثلاثين عاماً، لكنه عانى في سنواته الأخيرة ضعف البصر والفقر، بعد أن قطعت الثورة الفرنسية عنه مورده.
كانت فينيسيا هي المدينة الرمز لدى جولدوني، بكل ما فيها من أوهام وأقنعة وتعويذات سحرية، فهي مدينة خاصة جداً، بشوارعها المائية التي تعطيها صفة المدينة البحرية المختلفة، فهي تتواصل مع نفسها ومع العالم عن طريق البحر، وهذا ما انعكس على الحياة الاجتماعية واللهجة والتقاليد اليومية والاحتفالية فيها. فاللهجة الفينيسية مشحونة بطاقة تعبيرية عالية، وهذا ما ساهم في انتعاش مسرح «خيال الظل» الذي يرفد جذور الواقعية في المسرح العالمي، ويلتقي مع واقعية جولدوني الذي يعتبره دعاة الحركات التنويرية في القرن الثامن عشر رائداً لمسرح الطبيعة، كما يشير فولتير في إطرائه لمسرح جولدوني: «إن الطبيعة عالمية وهي أرضية صلبة لأولئك الذين يرصدونها، ومن هنا فإن هذا الفن الشعري المسرحي العظيم متمسك بالطبيعة ولا يمكن أن يرخي قبضته عنها..». ومع العواطف الحقيقية، وفي لغة يفهمها كل الناس ويدركونها، لم يكن جولدوني يبتعد عن الحقيقة، ولم يتخل عن الطبيعة أبداً، فالصيادون والنساء الشعبيات هم جزء حي من هذه الطبيعة التي تحمل معها العادات والتقاليد والحس النقدي الاجتماعي.

وإذا كانت الكوميديا المرتجلة توصف بأنها مسرح التسلية فإن أعمال جولدوني تتميز بتحليل الشخصيات وتحليل الأحداث معاًَ، والقدرة على إمتاع القارئ والمتفرج معاً.

يقول مارك توين عن جولدوني: إنه الإنسان الذي يتمنى كل شخص أن يكون قارئاً لأعماله، ولكن القلائل هم الذين قرأوه فعلاً.



وقد نتساءل: كيف استطاع جولدوني كتابة نحو مئتين وخمسين من الأعمال المسرحية المختلفة، من الكوميديا والتراجيديا والأوبرا إلى الأعمال الغنائية والمذكرات..؟! وكيف كان يعمل محامياً في النهار ويكتب فناً في الليل، أو يتسرب من الأبواب الخلفية للمسرح ويسهر في قاع المدينة حتى الفجر، ثم يكتب نصوصه ومواعظه الحكيمة إلى جمهوره وقرائه في مطالع مسرحياته كأنه ناسك ورع وحكيم؟


إن تجديداته الذكية تشبه الإضافات الشعبية إلى السيرة الذاتية للأبطال، حينما تتجاوز المألوف، وتضع الناس أمام إرباك في بحثهم عن الحقيقة.

إذا كانت أهم أعمال جولدوني وأكثرها شيوعاً هي المسرحيات الكوميدية، فإنه لم يبتعد عن كتابة المسرحيات التراجيدية والميلودرامية والشعر والأغاني والنصوص الأوبرالية والمذكرات، وجاءت هذه الأعمال باللغة التوسكانية، وهي أصل اللغة الإيطالية، بينما جاء بعضها الآخر بلهجة فينيسيا المتميزة. وفي السنوات الثلاثين التي قضاها في فرنسا كتب بعض أعماله باللغة الفرنسية، ويبدو أن عدداً من أعمال جولدوني ومشروعاته غير المكتملة ضاعت لكن أهم أعماله المعروفة هي: الرجل المكتمل، المسرف، الإفلاس، ابن أرلوكان المفقود والمستعاد، خادم سيدين، النساء المرحات، ضجة في كيوجيا، الأرملة الماكرة، الجمال الوحشي، المضيفة الجميلة، ضيف من حجر، أرلوكان ساحراً، صاحبة الفندق، الغلظاء، رجل العالم، ترويض الأرملة، الشاعر الخيالي، مدرسة الرقص، فيلسوف البلدة، الكونتيسة الصغيرة، مدير مسرح في أزمير، الفتاة الفاضلة، المروحة، الإقطاعي، الجندي العاشق، الفيلسوف الإنجليزي، ثلاثية المصيف (حمى الاصطياف - مغامرة الاصطياف - العودة من الاصطياف)، مذكرات المقهى، الزوجة الصالحة.. وكان التنوع في موضوعات هذه الأعمال يوازي التنوع في موضوعات الحياة اليومية خارج المسرح.

فكتب عام 1743 «المرأة اللطيفة» La donna di garbo، ثم «خادم سيدين» Il servitore di due padroni عام (1746)، و«الأرملة الماكرة» La vedova scaltra عام (1748)، و«الفتاة الشريفة» La putta onorata عام (1749) و«الزوجة الصالحة» La buona moglie عام (1749)، و«أسرة جامع الأنتيكات» La famiglia dell’ antiquario عام (1750). عمل غولدوني بين عامي 1745-1748 محامياً في بيزا Pisa هرباً من دائني أخيه الأصغر، ثم عاد إلى ڤينيسيا وبقي فيها حتى عام 1762. ظهر الجزء الأول من نصوصه الكوميدية عام 1748، فشكل محطة جديدة على طريق العودة إلى النص المسرحي المدون عوضاً عن السيناريو الموجز المعتَمَد في العروض المرتجلة. ونتيجة لوعد قطعه على نفسه تجاه الفرقة والجمهور أنجز غولدوني في موسم 1750-1751 ست عشرة مسرحية عرضت في مسرح سان أنجلو San Angelo، وحقق بعضها نجاحاً واستمراراً ملحوظين، مثل «المسرح الكوميدي» Il teatro comicoو«باميلا» Pamela و«المقهى» La bottega del caffè.


اعتاد غولدوني أن يرسم شخصياته وفق ملامح ممثلي وممثلات الفرقة ومواصفاتهما، وعندما مرضت ممثلته الرئيسية تيودورا مِدِباك Teodora Medebac وحلت محلها الشابة مَدَّلينا مَرلياني Maddalena Marliani كتب عدة نصوص جديدة قدم فيها صورة للمرأة مختلفة عما سبق، من حيث الحيوية والعواطف الجياشة والذكاء اللماح، كما في «المرأة العجيبة» La donna bizzarra و«النساء الفضوليات» Le donne curiose و«النساء الغيورات» Le donne gelose و«صاحبة الفندق» La Locandiera وغيرها. إلا أن اضطراره إلى غزارة الإنتاج في الموسم الواحد أثَّر في مستواه الفني والأدبي، فلم يستطع متابعة برنامجه الإصلاحي إلا في قلة من نصوصه، إذ صار يستلهم موضوعات تاريخية أجنبية ليبتكر بحرفيته العالية نصوصاً تراجيكوميدية تلبي تطلعات الجمهور وأصحاب المسرح. كما كتب نصوصاً موسيقية Libretti للأوبرا الرائجة آنئذ فأثَّر في تطورها. وفي عام 1759 قدم غولدوني نص «العشاق» Innamorati، الذي تهافتت على أدواره الرئيسية أشهر ممثلات القرنين التاسع عشر والعشرين من مثل إليانورِه دوزِه E.Duse وأدِلايد ريستوري A.Ristori.
كانت مسرحية«صخب في كيوتجا» Le baruffe chiozzotte عام (1761) إحدى ذرا الكتابة الدرامية الكوميدية لدى غولدوني، لما فيها من حذق وطرافة وإنسانية في رسم الشخصيات وعلاقاتها على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي، فصارت من أفضل المسرحيات العالمية التي تقدم في مواسم المسرح العالمية

تعتبر مسرحية  "صاحبة اللوكاندة" هامة من حيث الحبكة الفنية،فموضوعها في مجمله بسيط ولكنه يتطور من خلال لعبة من الحركات المسرحية الدقيقة يظهر إتقانها في ضبط إيقاع تواليها بحس مرهف ،كما أن تداخل الأزمنة فيها محسوب بدقة عالية،ومعدلات الدخول و الخروج من المشهد مرتبة بدقة قائد الأوركسترا ونظام التغيير في العلاقات المشتركة بين الشخصيات يسبغ على المسرحية كلها خفة الباليه. وتضم المسرحية عددا من الشخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية،فالماركيز و الكونت من الطبقة الاستقراطية و الفارس من الطبقة البرجوازية الصغيرة و الخادم من الطبقة الشعبية. و تكمن اهمية هذه الشخصيات في انها نماذخ تاريخية تمثل عصر جولدونى الذي شهد تغيرات فكرية و اجتماعية كبيرة خاصة تدهور احوال الطبقة الارستقراطية و ظهور طبقة التجار و الحرفين او الأغنياء الجدد الذين سعى بعضهم لشراء الإقطاعيات كالماركيزية او الكونتية للحصول على ألقبهاو التمتع بمزايها و مظاهرها. زمن الطبيعى ان يكون هناك اختلاف في المصالح و القيم بين هذه الطبقات بعضها البعض ،وأن يظهر أثر هذه التغيرات في مجال التعامل بينها. ويتضح هذا بجلاء من خلال التنافس و المشاحنات العديدة بين الماركيز و الكونت . فالماركيز و الكونت شخصيتان تعكسان ما لحق من تطورات اجتماعية و اقتصادية بطبقة النبلاء و التدهور الذي حاق بها . وقد صور جولدونى شخصية الماركيز في صورة هزلية تصل أحيانا إلى حد الكاركاتير ليعبر عن إدانته لهذه الطبقة و السخرية منها و التي سيطرت على فنيسيا حقبة طويلة من الزمن وهو و إن كان قد جعل مدينة فلورنسا مكانا لوقوع الأحداث فلم يكن ذلك إلا لرغبته في تحاشى الصدام مع هذه الطبقة في مدينته . ام شخصية الكزنت التي تحفها مظاهر الثراء الحديث و ابذخ و الإسراف فإنها تبلور القيم الأخلاقية المستحدثةالتى تعتمد على سطوة المال و الجاه في الوصول إلى أهدافها . وشخصية الفارس أيضا نموذج من نماذج العصر تجسد شخصية الرجل الذي يعلن بغضه للمرأه وعداءه لها وإن كان في الواقع عداء غير قائم على تجارب عمليه أو فهم دقيق لحقيقة المرأ ة وقدرتها على الوقوف أمام الرجل وتحديه والتغلب عليه بأ ساليبها الخاصه . والشخصيه المحوريه التيي تدور حولها الأحداث وهي شخصية ميراندولينا صاحبة اللوكانده هي بدورها أيضا نموذج للمرأة المتطلعه المفتونة بنفسها والتي تجيد استخدام فنون المرأة في السيطره على الرجل في عقلانية ودهاء وقدره فائقه على التصنيع . ورغم أن هذه الشخصيات كلها نماذج تاريخية الإ أنها تحمل في طياتها سمات المعاصره والدوام فهي تعكس طبائع النفس البشريه ودوافعها الكامنه . فالعلاقه بين الرجل والمرأة والأنانيه والخداع وحب التملك والادعاء والتطلع وخيبة الرجاء وأيضا تقلب الاحوال وتغير الأوضاع الاجتماعيه كلها عناصر متجددة ومتكررة عبر العصور ولذا فإن هذه الشخصيات وإن بدت في ظاهرها متسنة بخصائص عصرها ، إلا أنها في جوهرها شخصيات تنبض بالحياة في عالمنا بكل مقوماتها النفسيه والأخلاقيه .  ويجمع الناقدان سيلفو داميكو وموميليانو على أنه في مسرحية صاحبة اللوكاندة يتحقق في الواقع التوافق التام بين الشخصية وبيئتها ويواكب هذا التوافق على الدوام نغمات متوازنة تتراوح بين الهازئة والدراميه والمازحة والعاطفيه مما يسبغ على المسرحية تناغماً تاماً يحافظ حتى على وحدة المكان رغم أن جولدوني يشعل كثيرا من المشاعر ثم يطفائها في شخصية الفارس بشكل منطقي محكم. ويفتتح الماركيزوالكونت أحداث المسرحية بالتشاحن والتنافس فيما بينهما للاستثئثار بحب ميراندولينا . ويعكس حوارهما أن كلا منهما مقتنع أو يحاول إقناع نفسه بأنها تميل إليه وتفضله على غريمه ، ويتفاخر كل منهما بما يقدمه لها من هدايا مادية أو معنوية . فالماركيز يقدم لها الحماية التي كانت ذات قيمة في الماضي من حيث أنها توفر لمن تسبغ عليه نوعا من الحصانة إلا أنها أصبحت عديمة القيمة في يد الماركيز خاصة أنه لايدعمها جاه السلطه ونفوذ المال . وفي نفس الوقت فإن ميراندولينا نفسها ليست في حاجة اليها . أما الكونت فيغدق عليها الهدايا النفيسة ويقدم لها الخدمات ويحيطها ويحيط اللوكاندة التي تمتلكها بالرعاية والأهتمام . ويخلق هذا التناقض بين الماركيز المفلس والكونت الثري مواقف باسمة وضاحكة تبين الرواسب الطبقية في المجتمع كما تكشف عن جوانب شخصية البطلة. وعندما تظهر ميراندولينا على خشبة المسرح نلاحظ أنها أمرأة فاتنة تجيد أداء عملها وتحسن معاملة النزلاء ، كما نلاحظ أنها بارعة في استمالة الرجال وشدهم إليها . ويبدو هذا جليا من تنافس المحيطين بها للفوز بحبها ومن أسلوبها في ربطهم بها واستغلالهم من خلال إظهار مشاعر زائفة للجميع تتباين مع مشاعرها الحقيقية ومع ما تضمره في نفسها . فهي في الواقع تتطلع لأن تكون دائما مطمح الرجال والمتربعة على عروش قلوبهم وأحلامهم . وهي تمتلك في تطلعها هذا كل الصفات والملكات الملائمة ، فهي خبيرة بنفوس الرجال وبالتعامل مع كل منهم بما يتفق مع شخصيته ، كما أنها تتمتع بقدر كبير من الخبث والدهاء يمكنها دائما من تحقيق مراميها المرسومة. وحين تعاكسها الظروف وينزل الفارس ريبافرتا في اللوكاندة ، وهو الرجل الذي يناصب النساء العداء ويبدي نحوها لا مبالاة وازدراء وتعاليا ، تشعر بالمهانة وبتعرض خططها للخطر فتقرر الانتقام والإيقاع به في شباكها . والواقع أنها تكشف عن هذا الهدف في مونولوج داخلى يفتتح مجموعة من المونولوجات المثيلة كرسها المؤلف لاستظهار الوجه الخفي لها . ومن المعروف أن هذه التقنية تؤثر على سلامة البناء الفني للمسرحية بشكل عام ، لكن جولدوني وظفها بنحو جيد متسق مع الحوار وتتابع الأحداث وفي هذا المونولوج تتوقف ميراندولينا عند عرض الزواج الذي يقدمه لها الماركيز لتفصح عن أبعاد تكوينها النفسي وترجمته إلى سلوك وأهداف . 

"ميراندولينا ( وحدها ) : وعدى ! ماذا قال ؟ ... صاحب السعادة الماركيز " شحيح " يريد الزواج منى ؟ ! ولكن لو أراد هذا حقا فهناك عقبة بسيطة وهي أنني لا أريد أن أتزوجه ! إنني أ حب " الشواء " ولا أعرف ماذا أفعل " بالدخان " . ولو كنت قد تزوجت كل من يرغبون الزواج منى لكان عندي أزواج لا عدد لهم ، فكل من ينزلون لوكاندتي يقعدون في حبي ويترامون على، وكثيرون كثيرون منهم يعرضون على الزواج ثم يجئ هذا الفارس الجلف مثل الدب فيعاملني هذه المعامله ؟ إنه أول غريب يصادفني في لوكاندتي ينفر من التعامل معى . لا أقول أن الجميع يجب أن يعشقوني من النظره الاولى ، ولكن أن يحتقرني بهذا الشكل ؟! أنه يغيظني ويفقع مرارتي . عدو النساء ؟ لايطيق رؤيتهم ؟ يا للمجنون المسكين . بما لم يجد بعد المرأة التي تعرف كيف تعامله ؟ ولكنه سيجدها .. سيجدها .. ومن يعرف ، لعله وجدها بالفعل ، هو بالذات سأضعه في رأسي وأتعمد محاصرته ، فالذين يجرون ورائي يصيبونني بالملل سريعا ، والأرستقراطية لا تروقني والثراء أحبه ولا أحبه . فكل مايطيب لي هو أن أحاط بمن يلبون طلباتي ويهيمون بي ويعبدونني . هذه هي نقطة ضعفي ونقطة ضعف كل النساء تقريبا . أما الزواج فلا يعينني مجرد التفكير فيه . فأنا لاأحتاج لأحد .. أعيش بشرفي و أتمتع بحريتي . أتعامل مع الجميع ولكنني لا أقع في حب أحد ، وأسخر كثيرا من العشاق الغارقين في الحب بصورهم المضحكة . أريد أن استخدم كل الحيل لأكسب وأكسر و أحطم كل فنون المرأة للاستحواذ على قلب الرجل ، فمن تلبية طلباته وخدمته بنفسها إلى مجاراته وتصنع مشاركته أفكاره ، ومن صنع الطعام له بيدها وأقتسامه معه في حجرته إلى إظهار الخضوع له والتقليل من شأنها والمبالغة في رفع شأنه وإيهامه بأختصاصه دون باقي الرجال بكل اهتمامها ورعايتها . وميراندولينا تقوم بكل هذا في مهاره وأنوثة محسوبة وساحرة وقدرة على التصنيع والتمثيل جعلت الممثلين المحترفين يحسدونها عليه . وحين ترى أن الوقت قد حان ليدخل الفارس المصيدة دون أمل في الخروج منها تتظاهر بالوقوع أسيرة حبه وتأتى من التصرفات والحركات ما يوحي بشقائها بهذا الحب ثم توجه إليه الضربة القاضيه بتظاهرها بالأغماء . وأثناء هذا تغلف كل مبادراتها بالغموض وثنائية التفسير أو تعدده .

فما هو موقف الفارس عدو المرأة من هذه الفنون الأنثوية ؟ في البداية يبدي شيئا من البرود ثم شيئا من الفضول ويتدرج من الغلطة والجفاء إلى الإعجاب واللين في معاملتها . ثم تبدأ في التسلل إلى مشاعره وإمتلاك قلبه وحين يلمس هذا يشعر بالخطر ويحاول الفرار من اللوكانده ، من المدينة كلها ولكنه يعجز عن إتمام المحاولة للاحقتها له بدقه ومهاره حتى يغرق في حبها فيقدم على ما كان يفعله الآخرون ويسخر منه ، فيتودد إليها ويقدم لها هدية نفسية ، بل ويعترف بحبه لها وعندما تحقق ميراندولينا بغيتها تكشف عن نواياها الحقيقية فترفض هديته في ازدراء وتتنصل من تصرفاتها وتفسرها بغير ما أوحت له بها وتصده بمنطقة في معاداة المرأة ثم تتجنبه وتبتعد عنه . فيفقد الفارس صوابه ويضرب عرض الحائط بمكانته الاجتماعية واتهام النزلاء له بالنفاق والأنانية والكذب بل ويجن جنونه فيتهجم على فابريتزيو لغيرته المحمومة منه ويدخل في مبارزة مع الكونت ويفعل كل ما في استطاعته ليقتنص ميراندولينا ويسوى حسابه معها . وفي النهاية تعى ميراندولينا فداحة عواقب لعبتها ومدى المخاطر التي تهددها فتعمل في ذكاء للخروج من المأزق ، فتحفظ للفارس ماء وجهه أمام الجميع وتعلن عزمها على الزواج . ولايجد الفارس بدا من التسليم بخسارته حينما يدرك تلاعبها بعواطفه ويكتشف حقيقة مشاعرها نحوه.

كان جولدوني صديقاً لعدد كبير من الموسيقيين مثل فيفالدي وغالوبي وعدد آخر من الكتاب والفلاسفة أمثال فولتير وجان جاك روسو، وشهد عصر العظمة والمهانة لقصر فرساي في عهد لويس الخامس عشر ولويس السادس عشر، وتعرض لأذى كبير بعد أن كسب رهاناً وتحدياً بكتابة ست عشرة مسرحية في عام واحد، وكانت تنتابه نوبات من الكآبة التي لا يعلم بها أحد، أو تمر به فترات من الكسل واللامبالاة وعندما تقدم به العمر عاش مكرّماً ومدمراً في الوقت نفسه، فقد عاش مائة وجه لحياته التي امتزجت بالمسرح، ويمكننا أن نقتبس عبارة جاءت على لسان أحد شخوصه «جوليمو» في مسرحية «المغامر الذي استحق التكريم»، يقول فيها: «أريد أن أمتع نفسي، لا أريد أن أعاني المتاعب، أريد أن أكون قادراً على الضحك من كل شيء، وأتذكر فوق هذا حكمة معروفة تقول: إن الإنسان الروحاني يجب أن يرتفع فوق كل ضربات القدر».

نشر الشاعر الإيطالي روفيلي كتاباً موثقاً مثيرا بعنوان: «حياة وحب وغرائب كارلو جولدوني» يؤكد فيه أن جولدوني كان يتعلم بسرعة البرق، وبالإضافة إلى شغفه بالمسرح كان مشدوداً إلى علاقات غرامية بسيطة وبريئة، لكنه ظل طيلة حياته مخلصاً لزوجته نيكوليتا التي شاركته المتاعب: «لم يكن جولدوني أنيقاً، وهذا ما تذكره جميع النساء اللواتي عرفنه بكثير من الرقة والامتنان، ومنهن كونتيسات وخادمات وفتيات يافعات».
آخر الكتب التي صدرت عن جولدوني كان للكاتب ادواردو بيرتاني وهو يلخص حياته، وأعماله بشكل دقيق: «إنه رجل محب ومبدئي، ولكنه ببساطة ليس ابن عصره، إنه متلهف للجاذبية الأنثوية والأطعمة الجيدة، ويتوخى الدقة في عمله، إنه مغامر نبيل، عاش بسرعة، وكتب بسرعة، وكان مضطراً أن يحترم عقوداً غير محترمة، بسبب حاجته إلى الكتابة والمال، إنه رحالة يحب السفر منذ الخامسة عشرة من عمره، عندما اتجه إلى روما مع والده جيوليو الذي كان طبيباً دون شهادة رسمية».



بدأت الخطوات الأولى لإعادة اكتشاف جولدوني في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، مع صعود الواقعية الجديدة، في السينما والمسرح في إيطاليا، ولكنها أخذت شكلاً أكثر عمقاً واتساعاً في الاحتفالات بالمئوية الثانية لوفاة جولدوني، والتي تركزت في فينيسيا وروما في شتاء عام 1993، وانتشرت في أكثر الدول الأوربية والعواصم العالمية، وضمت مؤتمراً لوزراء الثقافة الأوربيين ونشاطات مسرحية وسينمائية وموسيقية، وقرارات بإعادة ترجمة وطباعة أعمال جولدوني والدراسات المستجدة عنها، مع إصدار مطبوعة شهرية على مدى عشر سنوات، خاصة بأعمال جولدوني، وتشكلت لجنة في فرنسا لترجمة أربعين مسرحية مختارة من مسرحياته. وقال الكاتب المسرحي والناقد الإيطالي أوغور أنفاني السكرتير الفني العام للاحتفال: في هذا اليوم بالذات تم الكشف عن «جولدوني المتخفي» ومعرفة أعماله بحيوية بالغة وتذوق جديد.


.المصادر العربية 
1- مسرحية "صاحبة اللوكاندة "  تأليف : كارلو جولدوني ، ترجمة :سلامة محمد سليمان ،العدد 144 ،المركز القومي للترجمة ، المجلس الأعلي للثقافة ،2000 ،القاهرة .
المصادر الأجنبية 
1-ارمين جيبهاردت -  كارلو جولدوني الكاتب المسرحي الأكثر أهمية في إيطاليا

Carlo Goldoni

Italiens bedeutendster Lustspieldichter
Im Italien des 18. Jahrhunderts hat Carlo Goldoni das textgebundene Lustspiel, so wie wir es verstehen, durchgesetzt. Bis dahin beherrschte die sogenannte Commedia dell Arte die Theaterspielpläne. Glücklicherweise kommt Goldoni in der damals... mehr
2008, 110 Seiten, Masse: 21 cm, Kartoniert (TB), Deutsch


محسن النصار


تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption