أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 29 أغسطس 2014

جود لو : سعيد لانني تخلصت من الادوار النمطية ولم أعد مجرد "الفتى الوسيم"

يبدو أن أزمة منتصف العمر ليس لها وجود بالنسبة للنجم البريطاني الشهير جود لو الذي بدأ مشواره الفني كنجم جذاب، حيث أنه بعد إتمامه عامه الحادي والاربعين بدأ في القيام بأدوار أكثر نضجا.


جود لو : سعيد لانني تخلصت من الادوار النمطية ولم أعد مجرد "الفتى الوسيم"
جود لو النجم البريطاني
 
وقال لو في حديث لوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ) على هامش مشاركته في مهرجان فينيسيا السينمائي، إنه سافر إلى فينيسيا للترويج لفيلم "ذا جينتلمانز ويجر"، وهو فيلم ترويجي لشركة بيع الخمور الشهيرة "جوني ووكر بلو ليبل"، حيث يشارك في بطولة الفيلم أيضا جيانكارلو جيانيني.

وأوضح لو أنه "عندما تصل لمرحلة الاربعينيات من العمر، يكون هناك احتمال أقل لان يتم محاصرتك في أدوارنمطية وتحديدا الفتى الوسيم"، مشيرا إلى أنه يرحب جدا بقيام المواهب الشابة التي مازالت في العشرينات من عمرها، بهذه الادوار حاليا.

ويشار إلى أن أول أدوار لو كان عام 1997 ، حيث قام ببطولة فيلم سيرة ذاتية يحمل اسم "وايلد" وجسد من خلاله شخصية عاشق شاذ جنسيا، ثم سعى لاثبات نجوميته في هوليوود ، إلا أنه بدأ مؤخرا التوجه إلى المسرح للقيام بأدوار البطولة في مسرحيتي "هاملت" و"هنري الخامس" لويليام شكسبير.

ووصف لو تجربة المسرح بأنها مرعبة "للغاية"، إلا أنها مليئة بـ"المكافئات العظيمة". ويشار إلى أن الصحافة البريطانية أشادت كثيرا بأداء لو المسرحي.

وقال لو "إن ما يجعلك تشعر بأنك حي كممثل، هو اختيار أجزاء تعلم أنها ستعمل على دفع حدود قدراتك الخاصة أو حدود ثقتك في نفسك".

وأضاف: "عادة ما أقوم قبل أسبوعين من التدريبات، بالبحث حولي عن الشخص الذي يساعدني في تقمص الشخصية حتى أدرك أن تلك الشخصية هي أنا، حتى لا ألقي باللوم على أي شخص أخر، ثم أشعر بالراحة وأقوم بأداء العمل".

وأعترف النجم الوسيم بأن فيلم "ذا جينتلمانز ويجر"، هو إنتاج بريطاني ضخم، تم على متن يخت إيطالي كان مملوكا من قبل لجيوفاني أجنيلي مؤسس شركة "فيات" لتصنيع السيارات، إلا أنه مشروع أقل صعوبة عن تجاربه السابقة.

وقال لو عن الفيلم الترويجي القصير الذي يظهر مهاراته في الرقص: "لقد كان أحد التجارب النادرة التي يتناغم فيها كل شيء سويا.. لقد كانت تجربة جيدة جدا ومتنوعة وكان كل يوم فيها يمثل نوع من المرح".

من ناحية أخرى، بدا على النجم الشهير الارتياح عند تحدثه عن تقدمه في العمر وبداية تساقط شعره، حيث أنه مازال رمزا للجاذبية.

ويشار إلى أن لو الذي مر بحياة عاطفية متقلبة دائما ما كانت تتصدر عناوين الصحف، هو أب لاربعة أبناء أنجبهم من زوجته السابقة الممثلة البريطانية سادي فروست /49 عاما/.
 
 (د.ب.أ)

الخميس، 28 أغسطس 2014

المسرح العراقي بين نسائم الديمقراطية وفخ الرقابة : د. عواطف نعيم

مدونة مجلة الفنون المسرحية
 المسرح العراقي بين نسائم الديمقراطية وفخ الرقابة
-1-
منذ بداياته ومنذ انطلاق صوت ممثله الأول "ثيسبس" وهو يترنم بأغاني الحرية ويرقص برفقة موسيقى القيثار والناي ، ظل المسرح يعمل وينجز عبر مبدعيه صرحا كبيرا لحرية الرأي والحلم وقد مر في مراحل عمره الممتدة لأكثر من ثلاثة الاف سنة ونصف بتحولات ومتغيرات عديدة حاول البعض فيها ان يحولوا هذا الصرح العتيد عن فعله التنويري وهدفه الاحتجاجي ودعوته للتحريض والتغيير ضد قوى الفساد وبؤر التخلف الا أنهم باؤوا بالفشل اذ بقي المسرح ومن خلال مبدعيه ومنظريه والباحثين المجتهدين في فضاءات عوالمه راسخا عصيا فظهرت المذاهب وتنوعت المدارس ونضجت الرؤى الساعية الى تأكيد هذا الصرح مدرسة للمعرفة والمتعة البريئة وليس غريبا ان يكون المسرح في بلدان العالم المتحضر مقياسا لذلك التحضر وعنوانا لرقي المجتمع وتطوره وليس بمستغرب ايضا ان يكون ذات الصرح مصدر خوف وحذر ورقابة في بلدان اخرى ينهش في جسد مجتمعاتها الاستبداد والتسلط والظلامية اذ يصبح المسرح في ظل تلك العقول المأزومة والحذرة من نيران الوعي موضع ملاحقة ومتابعة ومسألة مستمرة ويشتد أوار المراقبة والمسألة حين يكون بين تلك الجهات المتابعة واحد من أبناء المهنة من الذين يسهل شراؤهم عندها تكون عملية الإدانة والاتهام والملاحقة معبدة الطريق أمام القتلة ومتحجري العقول للنيل من الصوت الحر للمسرحي الواعي والمتمرد , وفي المسرح العراقي في مسيرته الطويلة المريرة والجريئة العديد من التجارب التي تعلن وتشير الى معاناة ونضالات فنانين كان المسرح بالنسبة لهم قضية وطن ومستقبل شعب سواء أكان هؤلاء الفنانون يعملون ضمن فرق عريقة او يعملون كأفراد وأساتذة فن في كلياتهم وفي معاهدهم الفنية وقد كانت العروض المسرحية التي يقدمونها الشعبية منها والعروض التي تنتمي للمسرح العالمي تملك خطابها المعرفي والوطني ونحن لا نستطيع ان نعتبر ان كل الفرق كانت تسير على ذاك النهج فتبتعد عن مغازلة السلطة والتزلف لها , بقي المسرح العراقي ومن خلال مبدعيه ينتج عروضا مسرحية ذات توجه مناوئ لكنه لا يجاهر بقدر ما يناور لإيصال الرسالة الأخلاقية والوطنية فظهرت عروض مسرحية شكلت حضورا وتأثيرا لدى المتلقين كما انها حققت تجربة متميزة في خارطة المشهد المسرحي العراقي ولان الكتابة والنقد والمتابعة لما قدم كانت تحرص على العوم عند حدود السطح والظاهر بقيت تلك العروض دون اضاءة وتحليل وقراءة نقدية صحيحة تمنح مبدعها حقه من التقييم والإجادة , اليوم ونحن نقف أمام مرحلة جديدة وحاسمة نرى فيها المسرح العراقي يتعرض للتضييق والرقابة المتشددة كان لزاما علينا وجزء من مسؤوليتنا الوطنية والفكرية والجمالية ان نتخذ موقفا توعويا للحفاظ على حركة مسرحية عراقية أسسها رواد متنورون وسعوا من خلالها الى تحصين مجتمع وتوعيته بأهمية دوره في صنع القرارالسياسي والاجتماعي الذي يبشر بوطن يحيا أفراده في جو حقيقي للحرية والديمقراطية وسنبدأ بتناول واقع الحياة المسرحية العراقية ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومن خلاله سيتم التطرق الى طبيعة العروض المسرحية التي ظهرت حتى يومنا هذا وستكون دائرة السينما والمسرح هي النموذج بوصفها الدائرة التي تمتلك الرئة الوحيدة التي يتنفس من خلالها مسرحيو العراق عبق المسرح بعد دمار مسرح الرشيد وبعد ان اصبح مسرحا المنصور والاحتفالات ثكنة عسكرية للجيش الأمريكي وبعد ان غاب المسرح الفني الحديث وبيع مسرح الستين كرسي ورحل من كان يفعل عمل مسرح اليوم وقد كانت هذه المسارح ترتبط بأسماء فنانين ورواد ومؤسسين لم يتركوا من بعدهم من يتواصل ويديم مسيرتهم لذا حين غابوا انحسر من كان معهم عن فضاءات المسرح التي شهدت تأريخا من الإرث المسرحي أضاعوه حين التفتوا لمصالحهم ومنافعهم !! بقي المسرحيون العراقيون يعملون من خلال فضاءات محدودة لاتتعدى التجارب الطلابية والتجارب التي يسهم بها أساتذة يدرسون الفن المسرحي ويدعمون النظري بالعملي وهي حالة صحية وضرورية ليس فقط على مستوى الإنتاج والمساهمة بل على مستوى الاكتشاف ورفد الساحة الفنية العراقية بالطاقات الشابة المبدعة والتي يعول عليها في استمرار الحياة المسرحية العراقية وهذا جزء مهم وأساس في أهداف وتوجهات كليات ومعاهد الفن في العراق , لم يكن في تصور اي فنان ومثقف عراقي ان زمن الديمقراطية والحرية يعني عودة الرقيب الأمني وليس الرقيب الفني اذ ان وجود الرقابة الفنية يكون في أحيان كثيرة وسيلة ناجعة لتقويم العروض المسرحية التي تحتاج الى إعادة النظر في بعض الجوانب في الية اشتغال المسرح بالشكل الذي يرصنها ويقدمها الى المتلقين وهم المعنيون بالدرجة الاولى في تقييم هذا العرض أو ذاك ولكن رغم كل الأصوات التي تتشدق بالديمقراطية وحرية الرأي وضرورة تشخيص السلبيات ونبذ الفساد وتعرية العيوب وضعف الأداء في مفاصل الحياة العراقية السياسية والاجتماعية والمالية فان هناك من يبتكر الطرق ويلتف على شروط الديمقراطية والرأي الحر ليس لأنه اشد وطنية من غيره أو اشد غيرة على سلامة المجتمع من غيره بل لان الرقابة تسهل لذوي النفوس المريضة وأنصاف المثقفين والفنانين إزاحة الكفاءات المتميزة والفاعلة في المسرح العراقي ظهر المخبر السري ليعين الرقابة الأمنية في وأد التجارب المناوئة والمعارضة لكل ما هو فاسد وهزيل وما يشكل خطورة عليهم ويعري ضعفهم ولغرض تسليط الضوء وبشكل واضح وصريح سنتوقف عند عروض مسرحية كان للرقيب الأمني والمخبر السري دور كبير في محاولة تشويه وتحريف الخطاب المسرحي الذي تنطوي عليه ، لذا فإن للحديث تتمة!!

المدى

بنيان صالح.. رحلة الحياة والمسرح : جاسم العايف

مدونة مجلة الفنون المسرحية
 بنيان صالح.. رحلة الحياة والمسرح
في السيرة الحياتية والثقافية للكاتب والناقد والمخرج المسرحي الرائد (بنيان صالح) الكثير من المواقف التي تعكس حضوره كإنسان وكاتب ومثقف وطني- تقدمي، ما يجعلنا نتوقف عندها، ففي بداية شبابه عام 1951 دفعته الظروف المعيشية القاهرة للعمل بصفة عامل مؤقت( في شركة نفط البصرة) ،  وكان حينها تحت السن القانونية للتعيين الدائم ، وشهد إضراب عمال الشركة عام 1953  للمطالبة برفع الأجور وتحديد ساعات العمل مع تعديل شروطه ،وكان خلف تنظيم الإضراب بعض العمال الشيوعيين وقيادة الحزب الشيوعي في البصرة ومسؤولها حينها الشهيد(سلام عادل)، وكيف تمت مواجهتهم من قبل الحكومة الملكية وأجهزتها الأمنية بقسوة ، وسالت دماء بعض العمال واعتقل الكثير منهم وتم حينها إعلان  الطوارئ في البصرة، ما دفعه لكتابة مقطوعة شعرية ، ونشرها باسمه في جريدة عمالية كانت تصدر في البصرة.
بعد بلوغه السن القانونية تم تعيينه في ( شركة نفط البصرة) بصفة(موظف بريد) وكان يعمل معه في ذات البناية القاص والروائي الراحل (مهدي عيسى الصقر) ، وسمع بنيان ، بأن ثمة مَنْ يسأل عن مسكن (الصقر) وأين يقع؟!. وعلمَ أنهم ( شرطة الأمن) وسيقومون بالإغارة عليه في وقت قريب لتفتيشه فخمن أنهم ، سيعثرون في مسكن(الصقر) على ما يعد( وسائل وشواهد) جرمية أهمها الكتب والمطبوعات المعارضة ،التي تعد محرمة وممنوعة وتوقع الحائز عليها تحت طائلة القانون وتدفع به للاعتقال والسجن والفصل من العمل، فسارع وكتب ورقة صغيرة للـ(صقر) شرح فيها هذا الأمر ، وبحكم العمل وضعها بين يديه بسرية. بعد أيام اعلمه (الصقر) برسالة أيضاً، تضمنت شكره وتقديره، و انه احتاط لهذا الشأن، إذ تمت فعلاً مداهمة بيته ليلاً، بشكل فظ ، لكنه تمكن قبلهم، في ضوء رسالته الصغيرة الكبيرة- الاحتياط للأمر ، و لم يتم العثور في المسكن على ما يستوجب اعتقاله. 
زاوج الرائد المسرحي(بنيان صالح) في حياته بين ثلاثة أمور هي: العمل نهاراً والدراسة مساءً والانكباب على التثقيف المسرحي بتواصل. بعد إكمال دراسته توجه للعمل في التعليم ، ما منحه الوقت المناسب لإشباع رغباته الثقافية المسرحية التي اعتبرها (مصيرية) ولم يحد عنها نهائياً فكتب عشرات المقالات النقدية عن العروض المسرحية التي قدمت في البصرة و بغداد وبعض المحافظات ، كما نشر الكثير من الدراسات عن المسرح البصري-العراقي ، وبعض المسرحيات العربية و العالمية ، في الدوريات و المجلات العراقية و العربية وأهما مجلة (الآداب) اللبنانية ، وكانت حينها من أهم المجلات الثقافية في العالم العربي ولم يكن النشر فيها سهلاً ، إذ كانت تضع شروطاً للنشر على صفحاتها تأميناً على مستواها الثقافي - الأدبي الرفيع، وقد أثارت المقالات التي نشرها (بنيان صالح) على صفحاتها، ومنها: "يوسف العاني..العودة إلى النبع"،وغيرها، وأهمها دراسته المطولة عن مسرحية "مارا صاد " للكاتب المسرحي العالمي "بيتر فايس" اهتمام و ثناء النقاد العرب الذين ثمنوا قدراته النقدية والتحليلية المسرحية. في نهاية عقد الستينات كانت مدينة البصرة تعج بفرق الهواة المسرحية ومنها: فرق مسرحية مدرسية ،وأخرى عمالية، وفرق أسسها مثقفون اتخذوا المسرح مجالاً لعكس رؤاهم الفنية ، إلى جانب فرقتين مسرحيتين رسميتين. وكانت العروض المسرحية تقدم على مسارح متواضعة، في النوادي الاجتماعية والرياضية ومقرات النقابات والمدارس وعلى قاعة(التربية) ،(عتبة بن غزوان) حالياً، كما سَرَتْ (عدوى) هذه النشاطات إلى بعض أقضية البصرة ونواحيها ، فبرزت فيها فرق مسرحية طلابية وأهلية شابة لنشر ثقافة المسرح بعروض متواصلة ،وكانت اغلب الفرق الأهلية تعتمد على مواردها الخاصة وتزج عوائلها في تلك العروض. في خلال تلك المرحلة أسس( بنيان) برفقة الراحل حميد مجيد مال الله وكاظم عيدان لازم وعبد الصاحب إبراهيم وعزيز الساعدي مع بعض زملائهم جماعة (كتابات مسرحية) ، واتخذت( الجماعة) ( نادي الفنون) مقراً لها وأسست كذلك فرقتها المسرحية الخاصة ، بعيداً عن هيمنة السلطة وتوجهاتها الفكرية ، وقدمت عروضاً مسرحية عدة على حدائق نادي الفنون وكذلك قاعة التربية (عتبة بن غزوان حالياً) ، وساهمت في الاحتفالات بالمناسبات الوطنية العراقية، والمشاركة كل عام (بيوم المسرح العالمي).كما أجرت الجماعة حوارات هادفة وعقدت ندوات تثقيفية عامة وشهدت أروقة نادي الفنون جدالات خلاقة مع الجمهور حول العروض المسرحية التي تقدم على قاعته أو حدائقه، وكان (بنيان صالح) مع زملائه يسعى لأن تغدو زيارات قاعات العروض المسرحية من التقاليد الراسخة اجتماعياً لدى العوائل البصرية، وتم تقديم بعض العروض المسرحية الخاصة بفرقة (كتابات مسرحية) في البصرة و بغداد. بقيت الجماعة تواصل نشاطها التثقيفي المسرحي ،على حدائق نادي الفنون ومنها مسرحية(هو الذي يتحدثون عنه كثيراً) والتي أخرجها (بنيان)وكتبها الكاتب المسرحي(عبد الصاحب إبراهيم) الذي اضطرته السلطة إلى هجر وطنه العراق بحجة (التبعية) ، وعروض أخر منها:(دوائر اللهب) تأليف حميد مجيد مال الله و إخراج بنيان صالح ، ومسرحية (طوفان الفرح) تأليف جبار صبري العطية وإخراج حميد مجيد مال الله ، ومسرحية (يبحر العراق) تأليف بنيان صالح وإخراج جبار صبري العطية. تعرض (بنيان) لتعسف النظام المنهار، إذ تم اعتقاله في نهاية السبعينات، والاعتداء عليه بقسوة ، كغيره من المثقفين والأدباء والفنانين البصريين الذين لم يتعاملوا مع النظام البعثي. ولم يُعرف عن(بنيان) إي تواصل أو مهادنة أو تقرب أو تزلف للنظام المنهار والمؤسسات الثقافية السلطوية وخطاباتها المتخلفة ، وبقي ينشد في مسيرته الفنية وكتاباته المسرحية المتعددة الجمال والفرح والمحبة والسلام و الحق و الحرية التي لا أسوار أو حدود لها ، بالترافق مع العدالة الاجتماعية- الإنسانية، مسلطاً الأضواء فيها ، على القهر الإنساني والقبح والتردي أينما كان ومن أية جهة أتى أو قناع ارتدى، معرياً بفنية كل قوى القهر والاستلاب المدججة بقوة السلطة والمال والإعلام والمخبرين والمتزلفين وخونة الضمير الإنساني، وبذا يشكل (بنيان صالح) مع قلة من زملائه صفحة مضيئة في التاريخ المسرحي في البصرة والعراق. كتب ونشر(بنيان) العديد من المسرحيات وأهمها: مسرحية ( الجنين الأشقر المحبوب) ، مسرحية (دراما تورج) نشرت عام 1972 ، مسرحية(آل يانكي) نشرت عام 1972أخرجها الفنان (أديب القليجي) في بغداد ، و سجلت تلفزيونياً ، لكنها منعت من العرض، كما أجرى المخرج المسرحي الرائد الراحل (إبراهيم جلال) تدريبات متواصلة عليها لتقديمها في بغداد بمناسبة (يوم المسرح العالمي) عام 1974 ، ولم تحصل الموافقة على عرضها؟!. مخطوطة كبيرة عن (الحركة المسرحية في البصرة)عام 1973، مسرحية (سيرة - أس) نشرت عام 1974 ، مسرحية (يبحر العراق) مخطوطة عام 1974 ، ،مسرحية (النورس لم تهاجر)وتعالج نتائج وانعكاسات الحرب العراقية- الإيرانية على المجتمع والشخصية العراقية مخطوطة 1985 ،مسرحية (العمة الزرقاء) نشرت عام 1990 ، مسرحية (الحلمانين) قدمتها فرقة البصرة للتمثيل في بغداد وأخرجها المخرج المسرحي الراحل( طالب جبار) ، مسرحية (حذاء الراقصة) نشرت عام 1992 ، (مسرحية النبوءة والدينونة) مخطوطة 1992، مسرحية (أوقات) مخطوطة 1994، مسرحية (المتمرد) مخطوطة 2007 ، مسرحية (حتى متى) مخطوطة عام 2010 . اعد واخرج مسرحية (تألق جواكان موريتا ومصرعه) من تأليف الشاعر ( بابلو نيرودا)، عرضت على مسرح قاعة نادي الفنون، بالتزامن مع الانقلاب الدموي الذي قاده الدكتاتور (بينوشت) ضد الرئيس التشيلي الشرعي(سلفادور الليندي)، وكان مفتتحها مقاطع من (قصيدة تشيلي قي القلب) للشاعر عبد الكريم كاصد التي ألقاها بصوته من خلف ستار العرض المسرحي . وقدمت (فرقة إبراهيم جلال المسرحية) في البصرة مسرحيته (مانيكان) من إخراج الأستاذ (خالد السلطان) عام 2009،ثم عرضت في بغداد ، وشاركت الفرقة فيها عام 2010 مع كلية الفنون بجامعة البصرة في (مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة) وقدم الممثل( نور الشريف) للفرقة درع الإبداع والتميز مع شهادة تقديرية عن التأليف والإخراج والتمثيل. صدر له كتاب ضمن منشورات اتحاد الأدباء في البصرة، ضم (أربع) مسرحيات(مونودراما). وفيما إذا تم جمع مقالاته المتعددة المختصة بالنقد المسرحي التطبيقي سيكون له أكثر من كتاب. ظل (بنيان صالح) مع بعض زملائه يواصلون نشاطهم المسرحي في نادي الفنون حتى تم ختمه بالشمع (الأسود) من قبل (سراكيل) الثقافة السلطوية المنهارة.نأمل على المعنيين في الشأن الثقافي- الأدبي في البصرة، خاصة كلية الفنون في جامعة البصرة أقامت ملتقى مسرحي- بحثي يحمل اسم الكاتب والمخرج المسرحي الرائد(بنيان صالح) تثميناً لمسيرته الريادية المسرحية ، وتكريماً لمواقفه الحياتية الناصعة.
 
المدى

فن الماكياج والماجستير والدكتوراه! : د.سامي عبد الحميد

مدونة مجلة الفنون المسرحية
 


صدرت في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة في كليات الفنون الجميلة في الجامعات العراقية رسائل للماجستير وإطاري للدكتوراه تخص فن الماكياج ومنح أصحابها الشهادات العلمية المطلوبة كما منح غيرهم مثل تلك الشهادات عن بحوث تخص فن التمثيل وفن الإخراج المسرحي والديكور والأزياء ، وفي كل تلك الاختصاصات يغلب الجانب العملي الجانب النظري وعليه تخرج عن النطاق الفلسفي.
بعد هذا أتساءل وليسمح لي عمداء كليات الفنون العراقية ان اسألهم: هل هناك جامعة في العالم تمنح شهادة دكتوراه في الماكياج او في التمثيل او في الإخراج او في الأزياء او في الإضاءة؟ واسأل ايضاً: هل يجوز اعتماد اي بحث علمي على مصدر واحد او مصدرين او حتى ثلاثة في الاختصاصات المذكورة سلفاً (خصوصاً في الماكياج والديكور والأزياء والإضاءة)؟ وحتى اذا منحت تلك الشهادات في تلك الاختصاصات فلكون بحوثها تعتمد النظريات وليس الممارسة العلمية كما هو حال البحوث الخاصة بالماكياج المشار اليها وادرج عنواناتها في أدناه:
1- تصميم وتطبيق وحدة تعليمية نمطية في مادة الماكياج المسرحي.
2- التحولات الفنية لفن التنكر وتوظيفاتها في العرض المسرحي المعاصر، علماً ان (التنكر Disguise) غير ( الماكياج make-up).
3- عمل منظومة الماكياج في تجسيد الشخصية المسرحية في مسرح الطفل.
4- الماكياج والتعبير الدلالي في العرض المسرحي العراقي.
5- دور الحاسوب في عمل الماكياج المسرحي و فوائده العلمية.
6- الثابت والمتحول للماكياج في العرض المسرحي العراقي.
7- جماليات الماكياج في العرض المسرحي الواقعي العراقي.
وهنا أتساءل مرة اخرى هل لدينا فعلاً متخصصون ماهرون في فن الماكياج تدربوا على أيدي اساتذة لهم معرفتهم وخبرتهم المتراكمة؟ وأتساءل ايضاً كم ستفيد تلك البحوث المذكورة سلفاً في تطوير فن الماكياج في العراق؟ اليس هم (الحلاقون) من يمارس هذا الفن هذه الايام وما قبلها عندنا؟ كيف يمكن لشخص لايمتلك موهبة فن الرسم وفن النحت وليست لديه معلومات كافية عن علم التشريح وعلم الفراسة وحضارات العالم، ان يصبح ماكيراً؟ وفن الماكياج يعتمد على كل تلك الفنون والعلوم.
وجدت الجامعات في أميركا حلاً لمشكلة منح الشهادات العليا في الموضوعات التي يغلب عليها الطابع العلمي المهني كالتمثيل والإخراج والديكور والماكياج وغيرها حيث استخدمت (اعلى شهادة في الاختصاص)للمتخرج في تلك الاختصاصات وسموها (ماجستير الفنون الجميلة MFA) وتمنح للمتخرج بعد ان يقدم مشروعاً فنياً مدعوماً ببحث نظري مصغر وتتم مناقشته من قبل لجنة مختصة كما هو الحال مع مناقشة الماجستير والدكتوراه.
ومن الجدير بالذكر ان هناك عدداً من فناني الرسم والتصميم والسيراميك في بلدنا ممن درسوا في الولايات المتحدة ويحملون مثل تلك الشهادات التي هي الأعلى في الاختصاص والتي تعادل الدكتوراه.
ومرة اخيرة اسأل: هل سمعتم او قرأتم يوماً ان ممثلين أمثال (لورنس اوليفيه) الانكليزي و (سموكتنوفسكي) الروسي و (سيزلاك) البولوني و (داستن هوفمان) الامريكي يحملون شهادة الدكتوراه؟ وهل يحمل الألماني (راينهارت) والفرنسي (كوبو) والانكليزي (كريغ) والروسي ( لوبيموف) شهادة الدكتوراه في الإخراج؟ والعكس هو الصحيح فهناك الكثير من الدراسات العلمية التي تناولت وصف وتقييم ومقارنة أعمال أولئك الفنانين العظام بأعمال الاخرين واستنتاج ما تركه اولئك من اضافات وإبداعات وابتكارات في فنونهم.
لا أريد بهذه المقالة ان ابخس جهود الباحثين العراقيين في مجال الفنون المسرحية فهم حتماً حاولوا تقديم اضافات معرفية وفعلوا ذلك فعلً ولكن ما مدى مساهمة أبحاثهم القيمة في تطوير العمل الميداني؟ كنت وما زلت اشك فكل الأبحاث بقيت مركونة على الرفوف.

المدى

البؤساء.. عرض عابر للزمن

مدونة مجلة الفنون المسرحية

تحطّم مسرحية "البؤساء" الموسيقية الرّقم القياسي لمبيعات التذاكر في الكثير من مدن العالم، منذ 29 عاماً. إذ لا تزال تُعرض لغاية يومنا هذا على مسرح "كوينز" في لندن وبشكل يومي، عصراً ومساءً، باستثناء أيام الآحاد، ويدوم العرض ساعتين وخمسين دقيقة. المسرحية التي شاهدها أكثر من 60 مليون شخص في 42 بلد و21 لغة، مقتبسة عن رواية الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو التي نشرت عام 1862 وتُعد من أشهر روايات القرن التاسع عش، ويصف فيها الكاتب الظلم الاجتماعي في فرنسا بين فترة سقوط نابوليون عام 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب عام 1832. ما هو سرّ ديمومة "البؤساء" ومواصلة الإقبال عليها رغم مرور أكثر من قرن على صدورها؟ وما سبب اقتباس العديد من الأفلام والمسرحيات عنها؟ لعل الجواب مقترن باستمرار الظلم الاجتماعي وتطور البؤس بل وتكريسه حول العالم.  تبدأ الرواية عام 1815 في مدينة "دينيه" الفرنسية، مع إطلاق سراح جان فالجان بعد قضائه 19 عاماً في سجن تولون: خمسة أعوام بسبب سرقة خبز لأخته وأطفالها الذين كانوا يتضوّرون جوعاً، و14 عاماً أخرى بسبب محاولاته العديدة للهرب. لكن مسيرة معاناته تبدأ بعد الإفراج عنه، إذ ينبذه المجتمع بسبب جوازه الأصفر الذي كان يشير في ذلك الزمن إلى أصحاب السوابق؛ فينتهي به المطاف عند أسقف مدينة "دينيه"، شارل ميريل، الذي يستضيفه ليقضي الليل في بيته. وما إن ينام ميريل حتى يغادر جان فالجان المنزل سارقاً أواني فضية، لكن محاولته الفرار بغنيمته تبوء بالفشل ويقع في قبضة الشرطة التي ترافقه الى ميريل كي يعيد الفضّيات، فيتستّر الأخير عن سرقة جان فالجان قائلاً إنّه هو من أعطاه إيّاها، لا بل ويعطيه شمعدانين فضيين إضافيين. يصوّر هيغو هنا ببراعة الدهشة على وجه السجين السابق الذي لم يلق من المجتمع سوى الظلم والطغيان، وبأدواته الروائية، يوجّه أصابع الاتهام إلى الظلم الاجتماعي الذي يولّد الجريمة، ويبيّن تبدّل حال الانسان وفق الظروف المحيطة به، مستعيناً بهذه الحادثة كمثال.  باختصار، تقارب الرواية موضوعي الخير والشر في قصّة طويلة أخّاذة يتناول هيغو فيها أيضاً معالم باريس ويخوض في مسائل مختلفة، كالأخلاق والفلسفة والقانون والعدالة والدين وحب العائلة. أما المسرحية فتلاقي نجاحاً كبيراً حول العالم، وخصوصاً في لندن حيث عُرضت أكثر من سبعة آلاف مرّة على مسرح الـ"بالاس"، ثمّ انتقلت الى مسرح "كوينز" الذي افتتح في الثالث من إبريل/ نيسان 2004. ولا تزال تذاكرها تباع بالآلاف، وحصلت على ما يفوق المئة جائزة. أما وصول البؤساء الى العالم العربي فجرى سينمائياً على أثر اقتباسها للسينما على يد المخرج المصري كمال سليم عام 1943.  ولا شك أن نجاح هذا العمل الأدبي والمسرحيات والأفلام المقتبسة عنه، مدين إلى البؤس الذي يلفّ كوكبنا بقدر ما هو مدين لموهبة الشاعر والروائي الفرنسي. 

لندن - كاتيا يوسف
العربي الجديد

مسرح الشباب بأريانة: استعارات اللحظة الراهنة

مدونة مجلة الفنون المسرحية
من عرض "الطفا المستبدل " تركيا


عاد "المهرجان الأورومتوسطي لمسرح الشباب" في مدينة أريانة التونسية، بعد انقطاع دام سنوات، ليستأنف منذ عامين احتفاءه بالمسرح الشاب في تجلياته المختلفة، ساعياً إلى إقامة حوار مسرحي بين ضفتي المتوسّط.
تجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذه التظاهرة الفنية التي تأسّست عام 1999 هي أكثر من استعراض احتفالي لعدد من الأعمال الدراميّة. إنّها في الواقع مختبر مسرحي كبير يعمد شباب المسرح من خلاله إلى تفكيك الأعمال المسرحية وتأمّلِ مختلف عناصرها، مستأنسين بآراء بعض المختصين الآتين من بلاد كثيرة.
شارك هذه الدورة (السابعة) مسرحيون من بلدان عربية وأوروبية، من بينها تركيا وإسبانيا والجزائر وليبيا، فضلاً عن مشاركة جمعيات وفرق مسرحية من تونس. كما ضمّت حصصاً حوارية انعقدت بين شباب المسرح وكبار الممثلين والمخرجين، وبرنامجاً يحمل عنوان "شخصيات بدون كلام" أشرف عليه معز التركي وفؤاد اليتيم.
قيمة هذا المهرجان تكمن أولاً في جمعه بين مسرحيّات تنتمي إلى اتجاهات فنّية وفكريّة مختلفة. إذ دأب، على مدى أسبوع، على تقديم عروض متنوعة المضامين والأساليب لجمهور غزير ومتنوع الأهواء والأذواق، فحوّل بذلك مدينة أريانة إلى خشبة كبيرة تعجّ بالألوان والأصوات والأضواء، ويتزاحم عليها المولعون بالفنّ الرابع الذين قدموا من أماكنة بعيدة مختلفة.
وأوّل ما يلفت الانتباه في العروض التي قدّمتها الفرق المسرحيّة المشاركة في هذه الدورة جنوح أغلبها إلى التجريب؛ التجريب بوصفه خروجاً على كلّ ما استقرّ واستتبّ وبات سائداً، واستشرافاً لأفق تعبيري وفنّي جديد. ويتجلى ذلك خصوصاً في عدول أكثر الأعمال عن لغة المسرح التقليديّة التي هي أقرب ما تكون إلى اللغة الكنائية التي يتحوّل العرض معها إلى "كناية" عمّا يجري في الواقع الموضوعي لعلائق المجاورة التي تجمع بينهما، واستبدالها بلغة رمزية يستقلّ من خلالها العمل المسرحي بنفسه، ليصبح واقعاً تخييليّاً يحاور الواقع الموضوعي دون أن يذوب فيه. فإذا كان المسرح الواقعي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمرجع، لا يني يومئ إليه ويحيل عليه، فإنّ المسرح الاستعاري يعيد خلق الواقع ويحوّله إلى منظومة من الرموز، إلى حشد من الصور والأشكال والأقنعة.
يح أنّ خشبة المسرح تشحن الأشياء والأجساد الواقفة عليها بطاقات دلاليّة جديدة فتنأى بها عن وظائفها الاجتماعيّة المعروفة وتحوّلها إلى علامات، لكنّ المسرح الواقعي يطوّق هذه الدلالات، يحدّ من قوّتها، مذكّراً المشاهد باستمرار أنّ ما يراه فوق الخشبة ليس إلا امتداداً للواقع. في المقابل، يسعى المسرح الاستعاري إلى خلق فجوة بين عالم النصّ ونصّ العالم، كما يسعى إلى تحويل كلّ الأشياء التي تؤثث الخشبة إلى مصادر تخييل وإيحاء، فتصبح المسرحيّة، بكلّ عناصرها المتفاعلة، دالاّ أكبر يشكّل الجمهور دلالاته ومعانيه.
يتجلّى هذا النزوع الاستعاري في عدد من المسرحيّات، لعلّ أهمّها العرض الإسباني "رسائل من حرير" الذي جعل من بعض الأساطير القديمة ذريعة لتحويل الخشبة إلى فضاء تتقاطع في حيّزه كل الفنون: الرقص والغناء والموسيقى والمسرح وخيال الظل. عرض يأخذ بأيدينا برفق ويحملنا الى عالم جميل، فيه ما في الحلم من غرابة وعذوبة. مخرجة العمل مونيكا سانشيز، الملقّبة في إسبانيا بـ "الوردة الرّاقصة"، انعطفت على الرقص الشرقي، والصوفي على وجه الخصوص، بالنظر والتأمّل، كما تعاونت مع الفنان المصري محمود رضا من خلال "الفرقة الوطنية للرقص".
المسرحية الثانية اللافتة، "الطفل المستبدل"، أنجزتها "فرقة مدينة أنتاليا" التركية وأخرجتها حسبيا أيغول أوزقور؛ مسرحيّة تروي قصة عائلة استبدلت، عن طريق الخطأ، رضيعها بآخر، لكنّها أصرّت على تبنّيه، رغم قبحه، لأن الحب الذي ربط الأم بهذا الرضيع كان أقوى من محاولات الجيران اجتثاثه من أحضانها. ويحتوي هذا العمل لوحات فنية راقصة تترجم لغة النصّ إلى حركات وأضواء وأقنعة. ويتميّز بالأداء العالي للممثلين.
أما المسرحية الثالثة اللافتة فهي "البقعة السوداء" لـ "جمعية النصر لفنون العرض" من مدينة ورقلة الجزائرية، وتشكّل فعل إبحار في ليل النفس البشرية من أجل إدراك ما استخفى من أسرار الإنسان وخفاياه. هناك، في تلك المنطقة التي يلفّها الغموض، ثمة بقعة سوداء ورثها الابن عن أبيه، وغاية الشخصية الرئيسة من خلال كل مشاهد هذا العمل هي محاولة إضاءة تلك البقعة حتّى يتحقق خلاصها. مسرحية ذات بعد ذهني ألّفها وأخرجها عرباوي مهدي وتعدّ محاولة جريئة لاستعادة المسرح السيكولوجي، لكن في إهاب اجتماعي.
باختصار، سعت هذه المسرحيات وغيرها، وإن بنسب متفاوتة، إلى تأسيس خطاب مسرحي مختلف يجترح أسئلة فنّية ودلاليّة جديدة. وكلها جنحت إلى خطاب دراميّ حديث يتوق إلى تجاوز الجماليّات المتداولة وابتكار جماليّات جديدة تفصح عن اللحظة الراهنة وتطرح أسئلتها.

تونس - محمد الغزي 
العربي الجديد

الأصول التاريخية لنشأة المسرح الجزائري دراسة في الأشكال التراثية : العيد ميرات

مدونة مجلة الفنون المسرحية
يتفق جل الباحثين على أن المسرح بالمفهوم الحديث، أي باعتباره نوعا أدبيا، و فنا له أصوله و قواعده المتعارف عليها، ظهر في الأدب العربي حديثا، و ذلك بعد اتصال العالم العربي بالحضارة الغربية. و بغض النظر عن الحديث عن نشأة المسرحية و البحث في أسباب تأخرها عند العرب، فإن تراثهم لم يخل من ألوان قصصية و تمثيلية تكاد تكون صورا مسرحية، نابعة من تصورات فكرية ارتبطت بمراحل تاريخية و بظروف اجتماعية و سياسية معينة. و يبدو ذلك من خلال الإنتاج المسرحي عند الرواد الأوائل الذين تأثروا إلى حد بعيد بالتراث الشعبي1.

و إذا كان اتصال الجزائر بالحضارة الأوروبية من خلال الاستعمار الفرنسي قد جاء مبكرا، فإن المسرح في هذه البلاد لم يظهر للوجود إلا بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، أي بعد مضي قرن من الزمن على الاحتلال. على أن هذه الظاهرة كان لها ما يفسرها و يبرر وجودها من أسباب مادية و معنوية، ساهمت بصورة أو بأخرى في تأخير نشأة المسرح في هذا القطر العربي.

لقد كانت عملية الاستعمار ظاهرة صراع فكري و حضاري، فضلا عن كونها ظاهرة صراع اقتصادي و سياسي، استهدفت منذ البداية القضاء على الثقافة العربية في الجزائر، و طمس معالم الشخصية الوطنية. و قد ترتب على ذلك كله جمود فكري عاق تطور الثقافة العربـية بشكل عام و الحركة الأدبية بشكل خاص، و كان الواقع الحضاري ينطوي على ألوان من الثقافة التقليدية. فظل الشعر هو الفن الأدبي السائد إلى جانب علوم الدين و علوم اللغة و شروح المصنفات.

كذلك ازدهر الأدب الشعبي على اختلاف أشكاله التعبيرية، حيث أصبح يمثل مصدر التسلية الأساسي لكثير من الطبقات التي قل حظها من الثروة، خاصة البورجوازية الصغيرة و المتوسطة.
  • 2 - طالب الابراهيمي، أحمد.- من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية، ترجمة حنفي بن عيسى.- الجزائر، الش (...)

على أن ما يميز هذه الثقافة بشكل عام، و بغض النظر عن قلتها من حيث المؤلفات المبتكرة " أنها كانت ثقافة وطنية، أصيلة تستمد قوتها من التراث القومي و تستخدم اللغة القومية للتعبير عن ذاتها "2.

و لعل ما تنبغي الإشارة إليه هنا، أن الواقع الثقافي المتردي، مرجعه الحصار الثقافي المضروب على الشعب من قبل الاستعمار، الذي استهدف قطع الصلات الحضارية بينه و بين أشقائه المغاربة و المشارقة. و ذلك بعزله عن كل الروافد التي كانت تغذيه و تنميه، و عن التفاعلات الثقافية التي شهدها العالم العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر.

و لما كان الفن و بضمنه الأدب يتأثر بكل ما يحدث من تحولات اجتماعية و سياسية في المجتـمع فإنـه ظل خاضعا للأشكال و المضامين التقليدية كالشعر، و المأثورات الشعبية مـتمثلة في الألوان القصصية و التمثيلية، و لازمت هذه الظاهرة الثقافة العربية في الجزائر حتى ظهور الحركات الوطنية و بداية النهضة.8
و إذا كان الجزائريون لم يعرفوا المسرح بالمفهوم الحديث إلا في مطلع القرن العشرين، فإن تراثهم لم يخل من الفنون القصصية و التمثيلية الشعبية التي أفرزتها ظروف تاريخية معينة كالـرواية الشعبية، و الحلقة، و المداح، و الأراجوز، و هذا الموروث الشعبي على بساطته كان يشكل جزءا هاما من مكونات الشعب الثقافية و الفكرية، و تجسد ذلك في الإنتاج المسرحي الشعبي الذي انطلق في سنة 1926 على يد كل من علالو و رشيد القسنطيني و باش طارزي. فكان هؤلاء يستمدون موضوعاتهم من التراث الشعبي، كالسير الشعبية و حكايات ألف ليلة و ليلة… فضلا على أنهم كانوا يخاطبون الجمهور بلغته العامية لأنه لم يكن على مستوى عال من الثقافة المسرحية و على دراية بهذا الفن بحكم ظروف الاستعمار، و رغم ذلك كان يتفاعل مع العروض المسرحية و يتجاوب معها لأنها كانت تمثل الواقع الاجتماعي و تصور الحياة اليومية المضنية للفرد الكادح.
عرفت الجزائر في القرن التاسع عشر، و قبل النهضة المسرحية، فنونا شعبية مختلفة، لقيت رواجا كبيرا و كان لها جمهور لا يستهان به ؛ لكن لم يصلنا منها شيئا بالإضافة إلى أننا لا نجد لنصوصها أثرا في الكتب التي أرخت للمسرح الجزائري باستثناء بعض الإشارات و الأوصاف البسيطة التي تؤكد على وجودها و انتشارها.

I. الألوان القصصية الشعبية


كان المجتمع الجزائري في ظل الحكم التركي مجتمعا طبقيا، يحكمه نظام إقطاعي، تديره طبقة إقطاعية تركية مترفة، إلى جانب فئة من الأعيان الجزائريين. و كان هؤلاء الذين يمثلون السلطة الحاكمة في البلاد يعيشون في ترف و بذخ و يزدادون غنى يوما بعد يوم، فيما كانت غالبية المجتمع و هم من الفلاحين يعانون من الجوع و الفقر المدقع.

و في غياب الوعي السياسي و الاجتماعي و تفشي الجهل من جهة، و تسلط الطبقة الحاكمة - لما أوتيت من سند الحاكم و وسائل القهر و القمع - من جهة أخرى، استطاعت هذه الطبقة أن تمارس نشاطها السياسي و الفكري و ما إلى ذلك من النشاط الإنساني، كما أنها أمنت وجودها و سيادتها و دخلها.

ثم ازدادت الأوضاع الاجتماعية و السياسية في الجزائر تدهورا أثناء الاحتلال الفرنسي نـتيجة السياسة الاستيطانية التي كان يمارسها إزاء الأهالي، أرادت من خلاله تحويل الجزائر إلى مقاطعة فرنسية تقع وراء البحر الأبيض المتوسط. و لذلك تم اللجؤ إلى غزو الجزائر إيديولوجيا و ثقافيا. و تجسدت نوايا فرنسا الاستعمارية في الاستراتيجية التي اتبعتها في تثبيت وجودها في المنطقة. و يبدو ذلك في التغـير الجذري الذي حدث على الصعيد الاجتماعي حيث فجرت البنية الاجتماعية الأصلية، فظهرت إثر ذلك طبقات اجتماعية جديدة أخذت في التنامي، و احتدم الصراع الطبقي نتيجة تطور عملية الاستعمار و الممارسات الاستعمارية المضاعفة الآتية من المعمرين.

و ترتب على تلك الأوضاع الاجتماعية و السياسية المتردية التي آل إليها المجتمع، علاوة على الفشل في الحياة السياسية، خيبة أمل كبرى أدت إلى اليأس و التذمر الشامل لدى أوساط الشعب. و لم تجد فئات الشعب المقهورة سبيلا إلى التغيير فلجأت إلى الانطواء على نفسها و الاستكانة للهروب من هذا الواقع المر الذي فرضه الاستعمار.
  • 3 - انظر : مرتاض، عبد المالك.- فنون النثر.- ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، د.ط، 1983.- ص.37.

واتخذ هذا الهروب من الواقع مظهرين سادا طيلة الفترة الاستعمارية و حتى تاريخ اندلاع الثورة المسلحة. و يتمثل المظهر الأول في الحركة الزهدية التي ساعد على ازدهارها الاتجاه الصوفـي، و انتشار الصوفية التي اتخذت من الزوايا منابر لها تدعو لأفكارها، فاستقطبت فئات عريضة من الشعب و جعلتها تعتزل الحياة السياسية و ترغب عنها، و انعكست آثار ذلك على أفعالهم و سلوكهم في المجتمع3.
  • 4 - دغمان، سعد الدين .- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.75.

أما المظهر الثاني فيتجلى في إقبال الناس على التراث الشعبي من قصص و حكايات شعبية، و الاهـتمام بها لما كانت توفره لهم من عالم وهمي، فضلا على ما كانت " تنطوي عليه من أعلام مهدئة مخدرة تمنح العزاء للبأس و الرجاء لليأس و السلوى للمحروم و العدل للمظلوم"4.
  • 5 - ابراهيم، نبيلة.- قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية.- بيروت، دار العودة، 1974.- ص.7.

و تأتي أهمية التراث الشعبي من حيث أنه كان البديل الخيالي للواقع كما كان " تعبيرا رومانسيا عن آمال الشعب الذي كان يرتاح إلى هذا التعبير لأنه يصور له العالم الجميل الذي يصبو إليه "5 لاسيما بعد التغيير الذي طرأ على الصعيد الاجتماعي و السياسي إثر عملية الاستـعمار، حيث أصبح الفرد يعيش صراعا مع واقع يرفضه من جهة و هو عاجز عن إحداث أي تغيير فعلي فيه، كما أنه يعيش في الوقت ذاته صراعا مع بقية الفئات الاجتماعية من جهة أخرى مما أدى إلى تعاظم مأساته و تضاعف معاناته.
  • 6 - ابراهيم، نبيلة.- أشكال التعبير في الأدب الشعبي.- القاهرة، دار المعارف، الطبعة الثالثة.-ص.103.

من ثم لجأ الإنسان الجزائري إلى الأدب الشعبي - بغض النظر عن أشكاله التعبيرية المختلفة- لأنها تحقق له " حياة العدالة و الحب التي يحلم بها… و تقدم بوسائلها الخاصة جوابا شافيا عن السؤال الذي يدور بخلد الشعب عن مصيره و كأنما تود أن تقول له هكذا ينبغي أن تعيش خفيفا متفائلا متحركا مغامرا مؤمنا بـالقوى السحرية في عالم الغموض الذي تعيشه"6.
  • 7 - ابراهيم، نبيلة.- المرجع السابق.- ص.171.

و تظل أحلام الشعب و أمنياته معلقة و مصيره مبهما طالما لم يظهر البطل المخلص للأمة. و لهذا نلقى فكرة البطل المخلص واردة في الأدب الشعبي، و تعتبر خاصية أساسية من خصائصه بشكل عام. على أنها تتجلى بوضوح في السير و الملاحم الشعبية. و قد استطاع الخيال الشعبي بما أوتي من إمكانات إبداعية و خيالية أن يقدم صورة البطل الذي يأتي على يده خلاص الأمة العربية و تغيير قيمها الأخلاقية و نظمها الاجتماعية و السياسية، و ذلك بهدف خلق مجتمع جديد و نصرة شعب عاش طويلا في ظل الفوضى و العبودية7.
  • 8 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.ص. 80 – 83، و انظر أيضا يونس، عبد الحميد.- (...)

و البطل في المأثورات الشعبية يمثل المثل الأعلى للبطولة لاسيما لأنه يعبر عن الصراع بين الشعب و بين أعدائه، و لابد أن ينتصر عليهم في آخر الأمر، و كي يصل إلى هدفه النهائي نجد الخيال الشعبي يسبغ عليه المبالغة في القوة، فيبدو ذا قوة خارقة بدنية و عقلية تجعل منه بطلا فذا، و هو إلى ذلك يستعين بعناصر أسطورية، كالسحر و الجن و أمور أخرى غيبية. و بهذه الصورة يبدو قادرا على كل شيء " لا يعرف الهزيمة أبدا و لا يحدث نصر إلا على يديه، و حياته سلسلة من الأعمال العظيمة و المغامرات العجيبة التي تروع المستمعين… و هـكذا يصير فارس القوم و أحد الشجعان في زمانه، لا يتحقق نصر إلا به و لا تصدر فضيلة إلا عنه"8.
  • 9 - خورشيد، فاروق.- السير الشعبية.- القاهرة، دار المعارف.- ص.41.

و قد استطاع البطل في الأدب الشعبي و خاصة في السير و الملاحم الشعبية أن يقدم الكثير مـن الحلول الطوباوية لمسائل عديدة ظلت تؤرق الطبقات الشعبية الفقيرة لفترة تاريخية طويلة، على أن هذا البطل الذي عاش و لازال يعيش في وجدان الشعب استطاع أن يسد حاجة الـمبدع العربي لتغطية المراحل التاريخية المختلفة للوطن العربي ككل في مواجهاته لأعداء حدوده التقليديين. فعن طريق الأحداث الملحمية التي تثبت في السير الشعبية حول البطل الشعبي أمكن إعطاء البعد الاجتماعي و الإنساني و الفني لأشهر الأحداث التاريخية في المنطقة العربية قبل و بعد الإسلام. و الواقع أن السير الشعبية يمكن أن تمثل الكتابة الشعبية للتاريخ العربي. أو يمـكن أن تمثل الرؤية الاجتماعية لواقع المكونات الرئيسية في المجتمع العربي، أثناء لـحظات التمزق الذي عاناه هذا المجتمع في لحظات تكونه… و لحظات التدمير… و كذلك التفسخ الذي أدى إلى ظهور طبقات غنية متحكمة جامعة بموروث الشعب و آماله و أحلامه"9.

و إذا كانت أشكال التراث الشعبي على اختلافها تغلب عليها الصبغة الاجتماعية في تناولها لأحداث القصة، فإنها لا تخلو من البعد السياسي، و يبدو ذلك - و على وجه الخصوص- من السير و الملاحم الشعبية، إذ الأحداث فيها تعكس لنا واقعا تاريخيا بكل صراعاته و تـطلعاته في ظل ظروف تاريخية بعينها عاشها المجتمع العربي، و قد يكون هذا الصراع داخـليا و خارجيا. و يتمثل الوجه الأول منه في الصراع الطبقي القائم على أساس إيـديولوجي بالإضافة إلى تجسيد علاقة الحاكم بالمحكوم. أما الوجه الثاني للصراع فهو ما كانت تصوره السير من اضطرابات و حروب كان يخوضها المجتمع العربي ضد مجتمعات أخرى نتيجة مشكلات سياسية.

و لاشك أن القصص الشعبي قد لعب دورا خطيرا في حياة المجتمع العربي خلال مراحل تكونه الطويلة. و لعل ما قدمه لتاريخ الحضارة العربية جدير بالاهتمام و الدراسة، إذ كان بمثابة ذاكرة الشعب حيث حافظ للأجيال عبر مراحل تاريخه طويلة بمعلومات ثمينة عن تاريخ أسلافهم و صور لهم مجتمعاتهم بمتناقضاتها و عاداتها و أفكارها ظلت تتناقل شفهيا جيلا بعد جيل.
  • 10 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.87.

و في ضوء ما سلف يمكننا ذكر مسألة كثيرا ما تثار بصدد الحديث عن الغرض من رواية القصص الشعبي. على أن التمييز بين أنواع الأدب الشعبي لا يتأتى بشكل دقيق إلا بالاعتماد على الوظيفة التي يؤديها كل نوع دون غيره. و لذا من الضروري أن نميز بين هذه الأنواع على أساس من الوظائف و الحوافز، فهي تغلب بعض الأشكال و المضامين عل غيرها. غير أنه يبدو أن الأدب الشعبي بصورة عامة قد أدى وظيفتين أساسيتين هما التعليم و الإرشاد ثم الترفيه و الاستمتاع بتلك الحكايات الخرافية التي كانت تجد فيها فئات الشعب المغلوبة على أمرها سلواها الوحيد. و لذلك حاول - الأدب الشعبي - في مجمله لاسيما ألف ليلة و ليلة "أن يخلق عالما وهميا جماليا تعويضيا يستطيع أن يطرح حلولا مثالية طوباوية، و لكنها غير واقعية أو عملية للمشكلتين الإجتماعية و السياسية"10.

المداح و القوال

  • 11 - أنظر :
    BADRI, Mohamed.- Sources et origines du théâtre Algérien.- Révolution Africaine, N° 322, 1 
    (...)
  • 12 - المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

و لقد حظي الأدب الشعبي في الجزائر باهتمام كبير من قبل فئة الشعب فكان الأدب الفكاهي لا سيما الحكاية الشعبية التظاهرة الفنية الأولى التي عرفها المجتمع حيث ازدهرت على يد شعراء و رواة شعبيين متجولين يشبهون إلى حد ما شعراء التروبادور"11 و كان هؤلاء الفـنانون الشعبيون في الغالب من المغاربة يجوبون المدن و القرى الجزائرية كي يقدموا عروضهم التي كانت تروي حكايات خرافية و أساطير عجيبة يستعين فيها الراوي بالحركة"12 للتعبير عن المواقف الحادة و لشد انتباه المتفرج.

و كانت هذه العروض تلقى صدى عميقا لدى الجمهور، و كثيرا ما كانت تنال إعجاب و رضا شيوخ القرى فيكرمونهم و يستضيفونهم أياما للاستمتاع بفنهم.
  • 13 - أنظر : الكساندوفنا، تمارا.- ألف عام و عام من المسرح العربي، ترجمة توفيق المؤذن.- بيروت، دار الفرا (...)

ثم ظهرت في مرحلة من مراحل تطور المجتمع أشكال جديدة يذكر بعض الباحثين منها " الحلقة " و " المداح ". و الحلقة هي شكل من أشكال الفرجة المسرحية التي كانت معروضة في بلاد المشرق العربي كمصر و سوريا، أما المداح فهو الحكواتي، و كان هؤلاء المداحون محبوبين جدا في الجزائر كما كان لهم جمهورهم العريض الذي يرتاد مجالسهم13.
  • 14 - المرجع السابق.- ص.35.

لقد كان المداحون أو الرواة يقدمون عروضهم في الأسواق الشعبية و الساحات العامة حيث تلتف حولهم حشود من المتفرجين، يستمعون بشغف لأحداث القصة، و يراقبون باهتمام حركات الراوي فيبدو الواحد منهم و كأنه طرف في القصة، " فمن هنا جاءت فعالية المتفرجين القصوى حيث لا يحسب الواحد منهم أنه مجرد مراقب بل هو مشترك ضروري في كل ما يحدث أمامه "14.
  • 15 - أنظر : بورايو بن الطاهر، عبد الحميد .- القصص الشعبي في منطقة بسكرة.- رسالة ماجستير – جامعة القاهر(...)

و لعل سبب نجاح تلك العروض، يرجع إلى ما تتوفر عليه الرواية الشعبية من عناصر درامية من ناحية، و ما كان يبديه الراوي الشعبي من براعة و موهبة فنية أثناء عملية الحكي. و بالرغم من خلو المأثورات الشعبية من الجمالية المسرحية و تقنيات الفن المسرحي الحديث، فإن الراوي استطاع من خلال و سائله الخاصة و ما أوتي من إمكانات خياله الإبداعية، و قدراته في الأداء الدرامي أن يتقمص شخوص القصة ليخلق مشاهد مسرحية منسجمة، مـستعينا في ذلك بالحركة و الكلمة. و هو فضلا عن ذلك كان معلقا على أحداث القصة عن طريق السرد15.
  • 16 - أنظر : المرجع نفسه.- ص.64.

و قد أفلح الراوي من خلال أدواته الفنية المتاحة له و المتمثلة في الكلمة المنطوقة و الحركة أن يؤثر في جمهوره و يشد انتباهه إليه، و قد توصل من خلال ذلك إلى خلق رباط خفي بينه و بين الجمهور يكاد يكون هذا الرباط الخفي بمثابة الإيهام المعروف في المسرح الحديث، كذلك كان يلجأ في كثير من الأحيان إلى الغناء و الرقص و عزف الموسيقى بهدف بعث الحياة في القصة و إبعاد الملل عن المتفرجين16.
  • 17 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.88.

و من هنا يتسنى لنا ملاحظة الفروق القائمة بين الراوي و الممثل المسرحي، " فإذا كان الـممثل يجسد النص المسرحي فعلا و حركة فإن الراوي كان يجهد نفسه في تجسيد نص الحكاية و تقريبه إلى إفهام العامة و تصوراتهم "17 معتمدا في ذلك على الكلمة و الأداء الحركي و تقنيات أخرى. غير أن تكوين الراوي لم يتكامل بصورة إيجابية ليتطور إلى ممثل بالمفهوم الحديث.
  • 18 - أنظر : تمارا، أ.- ألف عام و عام من المسرح العربي.- ص.ص. 45-46.

و إذا كان بعض الدارسين يرجعون نشأة هذه الألوان القصصية في كثير من البلاد العربية إلى الطقوس الدينية مثل " التعزية "، ثم تفرعت عن هذه الفنون الطقسية ألوان أخرى من العروض عنيت بالناحية الدنيوية، فإننا في الجزائر نجد الأمر يختلف، إذ أن ما كان معروفا هناك، كان يخضع للفرجة المسرحية و ينـزع نحو الانسلاخ عن العروض الطقسية، هذا بخلاف باقي بلدان المغرب العربي التي ظهرت فيها عروض التعزية كمراكش و تونس18.
  • 19 - أنظر : صبيان، نور الدين.- إتجاهات المسرح العربي.- ص.18.

و الجدير بالذكر أن ما كانت تقدمه هذه الأشكال الشعبية، " كالمداح " و " الحلقة "، على بساطته، كان ينطوي على مضامين حية تصور الواقع الاجتماعي و الحضاري المتردي للمـرحلة التاريخية السائدة، و لذا فطن الاستعمار للدور الذي يمكن أن يلعبه الراوي في التأثير على جمهوره و بالتالي بعث الوعي الاجتماعي و السياسي لدى أوساط الشعب الفقير و المقهور. و على هذا الأساس لجأت السلطة الاستعمارية إلى محاربة المداحين و الرواة الشعبيين و فض مجالسهم19.

و لا ريب في أن موقف الاستعمار العدائي من هذه الفنون الشعبية و ممارسيها، كان عاملا أساسيا، قد أثر تأثيرا سلبيا على تطور هذا الفن من حيث الشكل من ناحية، كما أنه حال دون تطور الراوي الذي لم يجد المناخ المناسب ليطور أدوات فنه كي يتحول إلى ممثل خالص.

II. الألوان الشعبية التمثيلية

  • 20 - أنظر : لانداو، يعقوب.- دراسات في المسرح و السينما.- ص.182، و انظر أيضا، دودو، أبو العيد.- مجلة ال (...)

لقد شهدت الجزائر في القرن التاسع عشر أشكالا تمثيلية محلية، إلى جانب القصص الشعبي الذي كان يتم عن طريق الحلقة و الشعراء المداحين في الأسواق. و كان لهذه الأشكال التمثيلية تقنياتها و قواعدها الخاصة التي أخذت تتكامل عبر التطور التاريخي، و يـذكر يعقوب لانداو، أن هذه التمثيليات كان لها مظهران : الأراجوز و الفارس الشعبي، و يصفها بأنها كانت تشبه مظاهر المسرح المصري قبل عهد الخديوي إسـماعيـل20.

الأراجوز


يعد الأراجوز من الألوان التمثيلية – إلى جانب خيال الظل – التي عرفها العالم العربي بشكل عام. و إذا كان هذا النوع من المسرح الشعبي قد عرفته بعض أقاليم المشرق العربي كمصر و الشام في وقت مبكر يرجع إلى القرن العاشر الميلادي، حيث تطور و ازدهر، و أصبحت له نصوصا مدونة، باستثناء بعض الأخبار الـتي تؤكد انتشاره، و تـذكر لـنا ذلك شهادات بعض الرحالة الأوروبيين الذين رأوا عروضا للأراجوز في المغرب العربي بشكل عام و الجزائر بشكل خاص.
  • 21 - أنظر : ROTH, Arlette.- Le théâtre Algerien.- p. 14.
    و انظر أيضا : ARNANDIES, Fernand.- Histoire d 
    (...)

و إذا كانت هذه الأخبار التي وصلتنا، تختلف في تحديد الفترة التي دخل فيها هذا الفن إلى الجزائر بدقة، و الظروف التي أحاطت بنشوئه، فإن وجوده قد ثبت في تلك البيئة حيث كان مصدر تسلية و ترفيه لدى فئات الشعب و الحكام الأتراك. على أن بعض الدارسين، يذهب إلى أن الأراجوز قد دخل الجزائر في القرن السابع عشر على يد الأتراك الذين جلبوه معهم للتسلية وقت الفراغ خاصة في شهر رمضان. و أول ما ظهر كان في المدن و المناطق حيث يتجمع الأتراك، ثم انتشر بعد ذلك عبر كل البلاد21.

الفَارْسْ الشعبـي

  • 22 - أنظر : BACHTARZI, Mahieddine.- Mémoires .- Alger, S.N.E.D., 1969, Tome I.- p.p. 33, 34, 35
    حيث يذك 
    (...)

و إلى جانب الأراجوز الذي ظل حيا رغم مضايقات الاستعمار، ازدهرت بعض التمثيليات القصيرة، لاسيما في نهاية القرن الماضي. و قد عنيت تلك التمثيليات بمضامين مختلفة دينية و دنيوية، كانت تمثل في الغالب في المناسبات كالمولد النبوي و مواسم الحج و الأعراس. و يذكر محي الدين باش طارزي أن بعض الحجاج كانت تمثل رحلاتهم بهذه المناسبة أمام الجمهور في الساحات العامة. و من هؤلاء الحجاج سيدي محي الدين الطيار، و سيد ابراهيم الغبريني و سيدي احمد بن يوسف22.
  • 23 - أنظر : ROTH, Arlette.- Le théâtre Algerien.- p. 2.
    و انظر أيضا : الهواري، م ع.؛ القسنطيني، رشيد.- 
    (...)

و كان هذا الشكل التمثيلي الجديد عبارة عن فصل أو مشهد كوميدي قصير يقدم في مناسبة معينة، و يعرض قصة هي في الغالب مستوحاة من واقع الطبقات الشعبية23. و لذا ظهر في البداية في المناطق الريفية ثم انتقل بعد ذلك إلى المقاهي و الساحات العامة بالمدن.
  • 24 - تمارا أ.- ألف عام و عام من المسرح العربي.- ص.75.
  • 25 - أنظر : المرجع نفسه.- ص.ص. 75-76.

و إذا كانت معالم هذا اللون التمثيلي في الجزائر، تبدو باهتة، إذ يصعب على الباحث دراسته و تحديد أبعاده نظرا لانعدام الدراسات فإنه قد ثبت وجوده و ازدهاره في بعض البلدان العربية، لاسيما مصر و العراق حيث كان "يسمى بـ " الإخبار " و هو عبارة عن ديالوجات تتضمن الطرائف و العراك ". و قد أطلق عليه أيضا إسم " الفصل المضحك "24 هذا، بينما تؤكد الباحثة تمارا أنه نوع من الفارس الشعبي على أساس أن الفصل المضحك ذو مفهوم أوسع يخضع لعناصر الكوميديا و عناصر الفارس الأوربية، فضلا على أنه كوميديا مرتـجلة. و هـذا ما لم يتوفر في الفارس الشعبي العربي، و بالتالي فإن هذه التمثيليات الهـزلية – في نظر الباحثة – تشبه إلى حد بعيد " الفابل " الفرنسية و كوميديا " ديل آرتي " الإيطالية25.
  • 26 - المرجع نفسه.- ص.77.

لقد كان للفارس الشعبي ممثلوه المختصون و جمهوره، و قواعده، و كانت أحداث القصة التي يقدمها بسيطة تقوم في الغالب على تصوير سلوك الناس في المجتمع و ما يتخلله من متناقضات مثيرة للضحك و التهكم، يؤديها أشخاص عددهم غير محدود، عن طريق الحوار و الحركة. أما الغاية منه فهي التسلية و الترفيه. و هو إلى ذلك لم يكن يخلو من أشكال النقد الاجـتماعي و تعرية المجتمع العربي بشكل عام، بما كان يسود فيه من فساد، و وضعت الخطيئة بشكل مكشوف مقابل البراءة و الجنة مقابل جهنم، و الحيل الذكية مقابل المراءاة و جرى فضح الآفات الاجتماعية كالمراهنة و الظلم و الرشوة و تواطؤ القضاء "26. و اخـتلفت المواضيع باختلاف البيئات الاجتماعية العربية، فلذا اكتسى الفارس الشعبي العربي طابعا محليا.

و بالرغم من التشابه بين الأراجوز و الفارس الشعبي من حيث الطابع الكوميدي الذي يسودهما و الغاية التي يهدفان إليها، فإن ثمة فروق جوهرية بينهما، فالفارس يعتمد كليا على الأداء البشري و لا يلجأ إلى الدمى كما هو الحال في الأراجوز، و الشخصية في الفارس تندمج مـع الشخصية التي تتقمصها أو تلعب بدورها، و هي إما شخصية واقعية مستوحاة من المـجتمع، أو خيالية. ثم يترتب عن ذلك مسألة أخرى هي الحوار، فعندما كان الحوار في الـرواية الشعبية و الأراجوز حوارا مباشرا مع الجمهور المتفرج، تحول في الفارس إلى حوار غير مباشر يتم بين الممثلين الذين يعرضون أحداث القصة دون التخاطب مع المتفرجين.2
و لعل ما يمكن استخلاصه من هذا كله، هو مراحل تطور شخصية الراوي الشعبي، حيث أنها اتخذت عدة أشكال و أبعاد جديدة عبر تطورها التاريخي، و تجسدت تلك التطورات في الأراجوز و الفارس الشعبي. و قد مهدت هذه الأشكال التمثيلية الشعبية كلها لظهور الممثل و ولادة المسرح الحقيقي.

على أن ما كان يميز تلك الأشكال - بالرغم من خلوها من الجمالية المسرحية و تقنيات الفن المسرحي الحديث - أنها كانت تنطوي على مضامين حية تصور الواقع الاجتماعي و الحـضاري للمرحلة التاريخية التي ولدت فيها، و هي مرحلة تاريخية حاسمة اتصفت بخصوصية العمل في سبيلين متلازمين هما مكافحة الاستعمار و وجوده و ثقافته، و استنباط الماضي بعطاءاته الفكرية ليوجهه و يؤهله للمعركة الفاصلة. و من ثم شهدت هذه الأشكال نوعا من التطور النسبي خلال حياتها في ظل الأوضاع الاستعمارية.



المصادر
Haut de page1 أنظر : يعد دغمان، الدين.- الأصول التاريخية لنشاة الدراما.- الجامعة العربية بيروت، لبنان 1973، ص.73.
2 - طالب الابراهيمي، أحمد.- من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية، ترجمة حنفي بن عيسى.- الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع.- ص.14.
3 - انظر : مرتاض، عبد المالك.- فنون النثر.- ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، د.ط، 1983.- ص.37.
4 - دغمان، سعد الدين .- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.75.
5 - ابراهيم، نبيلة.- قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية.- بيروت، دار العودة، 1974.- ص.7.
6 - ابراهيم، نبيلة.- أشكال التعبير في الأدب الشعبي.- القاهرة، دار المعارف، الطبعة الثالثة.-ص.103.
7 - ابراهيم، نبيلة.- المرجع السابق.- ص.171.
8 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.ص. 80 – 83، و انظر أيضا يونس، عبد الحميد.- إيزيس و البطل في الأساطير و الملاحم الشعبية.- مجلة الهلال، عدد فبراير 1986.- ص.25.
9 - خورشيد، فاروق.- السير الشعبية.- القاهرة، دار المعارف.- ص.41.
10 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.87.
11 - أنظر :
BADRI, Mohamed.- Sources et origines du théâtre Algérien.- Révolution Africaine, N° 322, 1970.- p. 21
أنظر أيضا :
ROTH, Arlette.- Le théâtre Algérien de langue Dialectale.- Paris, François Maspero, 1967.- p. 14
12 - المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
13 - أنظر : الكساندوفنا، تمارا.- ألف عام و عام من المسرح العربي، ترجمة توفيق المؤذن.- بيروت، دار الفرابي، الطبعة الأولى، 1981.- ص.60.
و انظر أيضا : لانداو، يعقوب.- دراسات في المسرح و السينما عند العرب، ترجمة أحمد المغازي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972.- ص.40.
14 - المرجع السابق.- ص.35.
15 - أنظر : بورايو بن الطاهر، عبد الحميد .- القصص الشعبي في منطقة بسكرة.- رسالة ماجستير – جامعة القاهرة، 1978.- ص.45.
16 - أنظر : المرجع نفسه.- ص.64.
17 - دغمان، سعد الدين.- الأصول التاريخية لنشأة الدراما.- ص.88.
18 - أنظر : تمارا، أ.- ألف عام و عام من المسرح العربي.- ص.ص. 45-46.
19 - أنظر : صبيان، نور الدين.- إتجاهات المسرح العربي.- ص.18.
20 - أنظر : لانداو، يعقوب.- دراسات في المسرح و السينما.- ص.182، و انظر أيضا، دودو، أبو العيد.- مجلة القبس، عدد 50، 1969.- ص.93.
21 - أنظر : ROTH, Arlette.- Le théâtre Algerien.- p. 14.
و انظر أيضا : ARNANDIES, Fernand.- Histoire de L’opéra d’Alger.- Alger, Ed N. Heintz, 1941.- p. 19
22 - أنظر : BACHTARZI, Mahieddine.- Mémoires .- Alger, S.N.E.D., 1969, Tome I.- p.p. 33, 34, 35
حيث يذكر بعض أسماء محترفين، بالإضافة إلى نموذجين من هذا الفارس الذي كان مشهورا قبيل الحرب العالمية الأولى.
23 - أنظر : ROTH, Arlette.- Le théâtre Algerien.- p. 2.
و انظر أيضا : الهواري، م ع.؛ القسنطيني، رشيد.- رائد المسرح العامي في الجزائر.- جريدة الشعب، (جزائرية)، عدد 23 مارس 1971.- ص.22.
24 - تمارا أ.- ألف عام و عام من المسرح العربي.- ص.75.
25 - أنظر : المرجع نفسه.- ص.ص. 75-76.
26 - المرجع نفسه.- ص.77.
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption