أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 2 مارس 2017

الفنان الموريتاني سعيد التقي : نحن بالمسرح نوظف الاضاءة والصوت والموسيقي والالات للتعبير عن الموريتاني بكل ثقافته وفنه وبيئته

مجلة الفنون المسرحية

الفنان الموريتاني سعيد التقي   : نحن بالمسرح  نوظف الاضاءة والصوت والموسيقي والالات  للتعبير عن الموريتاني بكل ثقافته وفنه وبيئته 

حاورته : علا احمد حلمي  

التقيت به في الشارقة  بلد الثقافة والمسرح والمهرجانات  والفاعليات بمهرجان المسرح الصحراوي
انه سعيد التقي ..رئيس جمعية الرواد المسرحيين  ومؤسس المسرح الموريتاني
جذبتني ابتسامته الدائمة التي لا تختفي الممزوجة بملامحه السمراء الصحراوية ان اجري معه حوارا عن المسرح :

 - فالبلدان العربية ان تحذو حذو الامارات  العربية وخاصة الشارقة في اهتمامها بالثقافة عامة والمسرح بخاصة   الذي يعتبر من افضل المسارح ولها  مكانة كبيرة اليوم ؟

- فالثقافة والمسرح  ليست من اولويات الحكومات العربية  ولكن تتفوق الامارات عن باقي الدول في اهتمامها بالمسرح
فالمسرح لدينا يعتبر فلكلورا شعبيا حول التعابير الانسانية الخاصة بالانسان الموريتاني كيف يتعامل وكيف يعبر ثقافيا و فنيا عن نفسه من خلال العروض التي تقدم كوسيلة للتواصل مع الاخوة العرب وغير العرب  لاعطائهم فكرة  عن امكانية التواصل عبر الثقافة والفنون  مع الانسان الموريتاني بعيدا عن المؤثرات السينوغرافية الخارجية فنحن بالمسرح  نوظف الاضاءة والصوت والموسيقي والالات  للتعبير عن الموريتاني بكل ثقافته وفنه وبيئته .

المسرح الموريتاني مازال معزولا نوعا ما  مقارنة بالمسارح العربية في البلدان الاخري
باعتباركم من مؤسسي المسرح  كيف تري حال المسرح الموريتاني حاليا ؟؟

صحيح  ان التجربة الموريتانية المسرحية مازالت  تجربة في بداية شبابها بمعني انني امثل الجيل الاول رغم صغر سني الجيل الاول من المتخصصين في مجال المسرح في موريتانيا  التي تعرف فقط ٣اسماء اخري غيري تهتم بهذا المجال  زد علي ذلك انه لاتوجد مؤسسة تعني بالتكوين او الانتاج او بتطوير وتنمية المسرح في موريتانيا فنحن كمتخصصين نحارب في كل الاتجاهات نحارب علي جبهة السياسات الاستراتيجية لتنمية المسرح  ونحارب في جبهة ادخال المسرح في المناهج التربوية  والمدارس  وقد نجحنا في هذه التجربة فاسسنا مهرجان المسرح المدرسي منذ ٦ سنوات  الذي اردنا ان يكون انطلاقة جديدة لتأسيس المسرح الموريتاني لنربح علي الاقل  جيلا مطلعا علي ثقافة المسرح وثقافة الفرجة  والتعامل مع المسرح عبر زرع حب المسرح  بهدف الاستفادة علي الاقل  من قلة قليلة تهتم  بهذا المجال الفني  نحن نحارب ايضا في جهة الانتاج والحضور في التظاهرات  
فانا احضر الان  للدورة السادسة من مهرجان المسرح المدرسي الذي يساعدني فيه ٣متخصصين فقط لكن العبرة ان ننتج  عملا يكون ذات قيمة   وهو مانقوم به من حوالي ٦سنوات وقد قدمنا عروضنا في مهرجان قرطاج الدولي وها نحن الان لتقديم عروضنا عبر مسابقات ومهرجانات مقامة الان بالامارات كما قدمنا عروضنا في تونس والمغرب
والان اسعي جادا لتأسيس المسرح الجامعي بالاتفاق مع رئيس جامعة نواكشوط لفتح قسم يهتم بالمسرح
والان اقوم بتحضير نص مسرحي سيكون تحت اشرافي و سيؤدي ادواره  طلبة الجامعة وسيساعدني في اخراجه احد الطلبة الجامعيين الذي سيتحمل المسئولية من بعدي ,كذلك بدأت في تكوين ورشة عمل مسرحي بدعم من الهيئة العربية لاربعين استاذا ومعلما كمطورين في المجال المسرحي .

يطلق علي موريتانيا بلد المليون شاعر ... اشرح لي كيف يخدم الشعر المسرح الموريتاني وييسهم في تطويره ؟؟؟؟انا مهووس بالشعر  شأني شأن معظم الموريتانيين ؟

نحن لدينا وفرة من الشعر والشعراء فمن بين كل ٣موريتانين  شاعران  فانا من حبي لهذا الجانب قدمت عرضا مسرحيا نسائيا من ديوان شاعر منذ ثلاث سنوات وكان علي شكل حوارات شعرية
اما العرض الذي اقدمه هذه السنة فيتخد من شعر المرأة ومن بوحها  وسيلة للحوار
فمثلا العرض المسرحي الذي اشتركنا به في مهرجان الشارقة الصحراوي المسرحي بعنوان (تبراع لمليح ) و التبراع نوع من انواع الشعر النسائي  عندما تبوح المرأة بمكنونات وخلجات نفسها ..عندما تعبر عن احاسيسها .. عندما تعبر  عن عشقها وتعزيتها لنفسها  فبوح المرأة متعدد وهو ما اطرحه لهذا العمل فالمرأة عندما تتغزل تنتج شعرا وبهذا فهي تكون منتجة ادبية وفنية  تسعي ان تجد لها مكان علي الساحة من خلال الادب والمسرح
انا افكر منذ سنين  في انشاء مهرجان دولي  واتمني ان تفكر كل الحكومات العربية  كالشيخ  سلطان القاسمي الذي يعطي للثقافة والادب والمسرح حقهم
اتمني ان يأخذ الحكام العرب  درسا في كيفية توظيف الثقافة في تنمية الانسان العربي

مسرح الاسقاط السياسي وتجييش الجماهير مسرحية (حفلة سمر من اجل 5 حزيران) نموذجاً

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الاسقاط السياسي وتجييش الجماهير
مسرحية (حفلة سمر من اجل 5 حزيران) نموذجاً

وليد خالد احمد  


لا شك ان المسرح السياسي كرافد من الروافد الفنية المسرحية، يعتبر ثمرة لنضالات الفنان والانسان ضد الاوجه البغيضة بصورها المختلفة والتي تحاول الوقوف بتحد امام اندفاعاته وامتلاكه لوعيه الايديولوجي كقوة ثورية مؤثرة وفاعلة، ولذا، فقد اتخذ منذ البدء مواقف ملتزمة واشكالاً متميزة في التعامل الفني لتحقيق مكانة هامة وبارزة تعيد تصوير المتغيرات الحاسمة في حياة الانسان تصويرا داخلياً، اي تغلغلت في اعماقه واكتشفت جوهر القضية التي يناضل من اجلها، فعبرت عنه بشكل جدلي يحلل العلاقات الانسانية دون ان يبتعد عن الحالة الحضارية فكريا وجمالياً. مما عزز وجود نوع من التفرد والسمو في القيمة الفنية المعطاة في العمل المسرحي وتكييفه ضمن اطار الفكرة السياسية الثورية التي تفهم الواقع ومتناقضاته وتركيب العصر واوضاعه التاريخية.
واذا كان الابداع الادبي والفني في أية فترة حضارية معادلاً للتعبير المباشر او غير المباشر عن هذه الفترة، فأن المسرح السياسي بالذات كان من اهم الابداعات التي تفاعلت مع فترة ما بعد نكسة 1967. وكان للواقع الحضاري والعربي بمكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية تأثيره على المسرح السياسي بانواعه من مسرح تحريضي مباشر يطرح كثيراً من السياسة وقليلاً من الفن، عامداً الى مشاركة الجمهور ومخاطبة عقولهم، ثم المسرح الملحمي الذي يعمد الى مخاطبة العقل وكسر اي ايهام ارسطي، ثم المسرح التسجيلي الذي يعتمد على الحقائق والوثائق والاحصاءات، ثم يعرضها بشكل فني مستخدماً اسلوب المسرح الشامل من تمثيل وغناء ورقص وموسيقى.. واخيراً مسرح الاسقاط السياسي الذي يعتمد الى الابعاد سواء كان ابعاداً مكانياً او ابعادا زمانياً في التاريخ، او اللجوء الى قالب الفانتازيا والاسطورة حتى ينجو كاتب مسرح الاسقاط من عوائق الرقابة، وبعد هذا النوع (مسرح الاسقاط السياسي) من ارقى انواع المسارح السياسية، حيث يطرح كثيراً من الفن وقليلاً من السياسة وقليلاً من المباشرة.
والمسرح السياسي في الحقيقة ليس نقلاً حرفياً او استنساخاً للاحداث دون ان يفسر ويعكس مواقف واراء الكاتب بدافع تغييري غير مطابق للاشكال الاعلانية في الواقع. فتأكيده واضح بالنسبة للالتزام والرؤية السياسية الناجزة في الفن دون تدخل او اضفاء صفة المراقب والواعظ التاريخي.
وهنا تكون للكاتب مهمة ايجابية وتتكشف قيمة مواجهته للحوادث التاريخية على مدى قدرته على اعادة تفسير التاريخ وعلى الاستفادة من الادوات الفنية لتجسيد تفسيره على منصة المسرح.
فموقف الفنان ازاء لخطة التحدي التي تواجهه من قبل القوى المستغلة، وتجسد حالة الصراع القائمة بين القوى الثورية والقوى التسلطية المستبدة.. تجسد الموقف الملتزم بالانسان ومحاولة اتشاله من جيوب التعسف التي تثقل حركته وتضع بينه وبين امتلاك الوعي، هوة سحيقة، تواجه هذه الحالات باستفسارات عديدة
مشروعة تمكنه وتحفزه لتعميق المفهوم الثوري للنضال والتجاوز وفرز المتناقضات الواقعية وتشخيص طموحاته واهدافه السياسية، مبتعداً عن المطالبة بأحداث عمليات تفريغ للعاطفة مستهدفاً ومستنبطاً أثارة الحوافز والتسريع في شد خيوط وعي الناس وتصعيد يقظاتهم ازاء الاحداث وضرورة الثورة والاقتناع بتحدي وفضح الطبقات الحاكمة المتعفنة، رغم خشية العنف الذي تمارسه تلك الطبقة.
من هنا تبرز خصوصية وشكلية المسرح السياسي واختلافاته مع الأطر المسرحية الاخرى، وتمكنه من اتخاذ ابعاد فنية ذات قوة مؤثرة وفعل ثوري متجسد ومتطور اضفى قيمة فكرية وفنية على وظيفته الاجتماعية والسياسية. فسماته تعتمد اساساً على محتوى سياسي يتداخل في العرض المسرحي ويجعله عرضاً حقيقياً منبثقاً من الحياة ويدخل الحيوية على النص المسرحي، ويحتوي على تأثير تربوي ومعرفة شعرية.
ويبدو الاختلاف بيناً في الصيغة التعبيرية وتناول الموضوعات الحياتية. فاذا اخذنا المسائل بشكل مطلق وشمولي نجد ان المسرح كجزء من تكوين حضاري، عالج ويعالج الاوضاع والسمات السياسية بصيغ وصور شتى متناولاً جوانب واطراف الواقع، كقضايا حساسة تؤثر سلباً وايجاباً على حركة التاريخ وحركة الانسان. وبهذا التصور يكون المسرح عموماً مسرحاً سياسياً ولكن الى حد ما غير متضمن لمفهوم المسرح السياسي كمحتوى فكري وفني ذي خصوصية.
فان المسرح السياسي اتخذ شكلاً خاصاً متميزاً من اشكال المسرح واستطاع ان يصل الى المرحلة التي اصبح فيها قوة فنية ثورية مؤثرة بمساعدة نتاجات مجددين امثال: سعد الله ونوس، و ألفريد فرج، ومعين بسيسو،...
فالمسرح السياسي يختار الموضوعات التي تبنى على اشكال وانطباعات ومواقف سياسية مستمدة اساساً من مادة شعرية او نثرية، ومن الوثائق والملفات والحقائق السياسية، اضافة الى انه يطرح احيانا مسرحيات ذات سمات درامية تحمل في فعلها الفني افكاراً ومحتويات متميزة وذات طابع سياسي، متناولاً في احيان مسرحيات كلاسيكية بصيغة الاعداد المسرحي الجديد لها من خلال رؤى سياسية ثورية.
* البعد السياسي في المسرح العربي
اذا حاولنا استقراء الابعاد السياسية في المسرح العربي، تواجهنا حقيقة قائمة لا غبار عليها، وهي محاولة الكشف عن الرؤية والاداة الاساسيتين في هذا المسرح، وخصوصيته، وتطلعاته، ومنطلقاته التاريخية. اي جوهر الجذور والتكوينات والبناءات الفكرية والامتدادات الزمانية والمكانية.
من هنا يتوجب الوقوف على ركائز رئيسية لتوضيح معالم ومنهجية وطموحات المسرح العربي، باعتبار ان خصوصية العام هي احتواء لخصوصية الخاص، وهذا يعول الى الاعتماد او الاحتكام الى نظرية فنية ومنهج جدلي يعبر عن روحية التأريخ العربي بمساراته الفكرية والعقلية التي تدخل ضمن حساباتها – التشكل والتعقد البعيد عن السطحية والسرد الوصفي- نظرية تتكون وشائجها وتحدد ارتباطاتها بصورة الانسان والحياة وتحليلها وفق روح ثورية وبصيغ مستجدة ومتطورة.
وتأسيساً على ما تقدم، نطرح التساؤلات التالية:
* ما هي معالم المسرح السياسي العربي؟
* ما هي مقوماته التعبيرية والشكلية؟
* الى اي حد استفاد هذا المسرح من ادواته الفكرية والبنائية وفي التوعية والنهوض العربي؟
* هل بالامكان اكتشاف الهوية الوطنية وطرحها في افقها العالمي كقضية ذات ابعاد انسانية عبر تأسيساته وطروحاته؟
* ما هي بصماته الفنية التي علقت بذاكرة التاريخ كانجازات تحمل خصوصية عربية؟
* الى اي مدى يظل يعتمد على التجارب المسرحية المطروحة من الخارج؟
في اعتقادي، ان الاجابة على هذه التساؤلات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكوينات الحضارية والتاريخية والسياسية للامة العربية، وبتطور الواقع العربي وبمديات قدرة المبدعين العرب على تجسيد واحياء الفكر العربي وصراعاته والتعبير عن ارهاصاته السياسية على مدى قرون ماضية طويلة.. كون المسرح هو تعبير حي عن الحقيقة الواقعية، وان هذا التعبير يأخذ صورة التحرر والانعتاق من قمقم التشويه والمسوخات الفكرية والفنية، وهذه الصورة لا تتشكل ابعادها الجمالية الا في المجتمعات المتحررة. فالشرط الاساس هنا هو مستقبل هذه الامة ومستقبل الواقع العربي وانعكاساته على مجمل العملية الابداعية والفنية ومن ضمنها المسرح باشكاله المتعددة.
المتتبع لحركة المسرح العربي وتجاربه السياسية المتواضعة، يجد هناك ايماءات تمثل البدايات والبذور الاولى التي تحاول ان تأخذ على عاتقها مهمة الوظيفة الاجتماعية في امتاع الجماهير واتحافها باعمال مسرحية تعلمها وتحمسها على التفكير والفعل، وتعالج مشاكلها الواقعية والحياتية باشكال يتوخى منها امكان اسعاد انسانها العربي وانتشاله من اتون الاستغلال والعبودية، آخذة به في طريق البناء العربي الديمقراطي الموحد لخدمة الانسانية في اوجه الحقيقية والجمال.
ولكن مع كل ذلك تظل الازمة، ازمة الفكر المتخلف السائد او الحاكم في بعض الانظمة، وعدم قدرته على معاناة الفكر المعارض، ليس فقط في المسرح، بل في كل وسائل التعبير، مما يدلل ويؤكد على اهمية هذا المسرح وقدراته على استنهاض الجماهير وشحنها بطاقات الوعي السياسي المرتكز على فهم عميق للانسان ودوره الفاعل والخالق في الممارسة الثورية والانقلابية الاجتماعية ومعرفته التاريخية والايديولوجية في التحديات والمواجهات..
ان المسرح العربي عموماً والمسرح السياسي خاصة، بحاجة الى ان يعمق العناصر الاساسية في التعامل مع التاريخ والواقع، وان يركز على شمولية البطل وعرض قدراته المتحكمة في مجرى التاريخ، وتأصيل شخصيته وتبيان امكاناته غير المحدودة على تغيير وجه الزمن.
ستبقى للمسرح السياسي ضرورته في التوعية الجماهيرية وتوصيل الفكر العربي الملتزم والمضاد لكل الطبقات والانظمة المضطهدة للانسان وقيمه التاريخية والانسانية وتعميق الفعل السياسي الثوري المناضل لاسقاط البنى التعسفية المستبدة.
* احباطات الواقع...
مع نهاية عقد الستينات من القرن العشرين، وبداية عقد السبعينات، خضع المسرح في الوطن العربي لمراجعة اساسية فبدأ يتخذ طريقاً جديداً لرؤياه، فقد حاول اعادة اكتشاف الواقع العربي، وكشفه والاسهام في تغيره، بدأ المسرح الاستفادة من منهج التداخل والمباعدة والاغراب وكسر الحائط الرابع والاتجاه نحو المسرح الملحمي والتعليمي والتسجيلي، مثل مسرحية (حفلة سمر من اجل 5/ حزيران) لسعد الله ونوس – موضوع دراستنا- ومسرحية (النار والزيتون) لالفريد فرج، و (ثورة الزنج) لمعين بسيسو.
وظهرت تجارب تدعو للتغيير، لم تكن وليدة الصدفة ولكنها كانت امراً طبيعياً ومنطقياً، جاء نتيجة التحولات الجديدة في مجتمنا وخاصة بعد النكسة، حيث بدأ المثقفون والمسرحيون العرب يفتحون اعينهم على الواقع، وبدأت رحلة البحث عن الذات العربية وعن حقيقة الواقع العربي الذي نعيشه، وقد استطاعوا كسر حاجز الصمت الذي عرفه المسرح العربي، وغدا الجمهور مشاركاً في العمل المسرحي، يناقش ويحاور ويقبل ويرفض، يعارض ويعترض.. انطلاقاً من ان المسألة تخص هذا الجمهور اولاً واخيراً لانه يتحمل نتائج الصراع.. وبذلك اصبح المسرح بعد النكسة في بعض الاحيان –اذا استطاع ان ينجو من الرقابة- مسرحاً للمعركة، واصبح بامكان رجال المسرح المشاركة في صنع تاريخهم الخاص وتاريخ امتهم، باسهامهم فعلياً في حركة النضال، بغورهم داخل الاشياء والاسباب التي ادت الى الانتكاسة العربية، وفهم كل ابعاد مأساة انساننا في جميع انحاء الوطن العربي ومعاناته، عبر معركته الحضارية الضارية ضد كل اوضاع السلب والتخلف والنكسة الحضارية المزمنة.
* حفلة سمر من اجل 5/ حزيران
لعل مسرحية (حفلة سمر من اجل 5/حزيران) لسعد الله ونوس، هي اهم مسرحية ظهرت اعقاب هزيمة حزيران 1967، لتعبر عن هموم الهزيمة ولتجيب على جميع الاسئلة التي تتبادر الى ذهننا حول اسبابها من محاور شتى.
فكيف صنع سعد الله ونوس ذلك؟
ان للمسألة بعدين: واقعي ورمزي.
نحن في مسرح يقدم عملاً عن حزيران/ 1967، ويحضر العرض عدد من الرسميين. وعلى المسرح، الذي يشير الى ابعاد اكبر من حجمه، نرى قضية مصيرية تتعرى.
المخرج يريد ان يقدم قصة الهزيمة كمهزلة تعتمد التزييف، وعندما يثور المتفرجون ويطردونه ليقولوا كلمتهم ويناقشوا هزيمتهم، الاسباب والنتائج الحقيقية، نرى فجأة في اللحظة الحاسمة، كيف تفتقر قوى القمع فتمنعهم كما منعتهم من قبل عندما اتت لحظة الفعل عن ممارسة حقهم في التعبير والفهم ومن ثم المشاركة في النضال.
وقد تكون جرأة هذه المسرحية في التعرض لسياسة الايهام والكبت، هي احد الاسباب التي صنعت شهرتها وقتها، خصوصاً وانها منعت من العرض طيلة سنوات.. ولكن ذلك من جهة اخرى ادى ببعضهم الى اساءة تفسيرها، فرحبت بها جماعات على انها احد اصوات الثورة المضادة، وخافت منها جماعات على اعتبار انها طعنة موجهة الى القوى التقدمية، ورغم هذه العوامل الجانبية كانت المسرحية غير ذلك.
حفلة سمر، اراد لها كاتبها ان تكون عملاً تقدمياً يحرض ويحض على مزيد من الثورية.. اراد لها ان تكون صرخة سياسية جريئة ساخرة متوجعة بقدر ما هي مفجعة. لكن ما الذي اغنى تلك الصرخة وجعل من مباشرتها فناً طليعياً رفيعاً؟ أهو الشكل الفني الذي يحطم الجدران الاربعة بآن واحد بدلاً من حائط واحد، او يبنيها بناء جديداً يضم الخشبة والصالة، الممثل والمتفرج؟ ام ترى الجرأة في طرح الاشياء التي افتقدناها طويلاً؟ وماذا كان التأثير والدافع من تقديمها متأخرة عن ظهورها: التحريض ام التنفيس؟ اهم ما في المسرحية، هو الاخلاص وهو التشبث بموقف واضح هو امام ضغوط الاحداث العامة، والبناء السياسي القائم على الاحباط والقمع في عديد من الاقطار العربية. انها كانت بداية واعية وواعدة لمسرح النقد السياسي.
المسرحية لم تعالج الحدث السياسي الواقعي بتسجيلية محضة، بل بحثت في مسبباته، وجسدتها. والمسرحية ضمن اعمال سعد الله ونوس تنويع جديد على لحن الخوف. وما اسميه الخوف هنا ليس مفهوماً سطحياً مباشراً كما في (مأساة بائع الدبس الفقير) ولا حتى في معالجة (الفيل يا ملك الزمان) للكاتب نفسه، ولكنه الخوف بمعناه الاشمل، معناها الجدلي، اي ما يتضمن النقيض ايضاً وهو الشجاعة. والامر لايقتصر على مضمون المسرحية وانما على شكلها ولا يقتصر على فكرها وانما على ذاتها.
لقد عبر نوس عن موقف تقدمي دون ريب، لكن ما يلفت نظر الجميع واعجابهم بالمسرحية ليس تقدميتها فحسب وانما امران: اولهما بعدها عن الدعائية وتهكمهاعلى اساليبها المزيفة، وثانيهما الانطلاق من واقع هذه الامة وآلامها للتحدث عن أخطر القضايا وهي قضية الحرية وقضية المسؤولية تجاه احداث الوطن: الحرية والمسؤولية في الداخل والخارج، والهزيمة في الداخل والخارج. وقد استطاعت المسرحية فعلاً ان تمس صلب ازمتنا وتطرح التساؤلات الخطيرة حول ما كان وما يجب ان يكون. وهي تنتهي من دون حل جاهز نهاية مأساوية ساخرة فيها جميع ما في واقعنا من تبرير وتزييف واحباط. ولكن الغريب فيها انها حاربت الخطابة، وانها عالجت واقع امتنا بطريقة تبناها اليمين واليسار العربيين بآن واحد.
حفلة سمر، رغم طبيعتها، تحمل نفس الايقاعات التأثيرية للدراما العظيمة، فلنلق نظرة جديدة على المضمون او بالاحرى على طرح المضمون.
المسرحية يمكن ان تلخص في انها صراع درامي بين مجموعة اصبحت تحل محل البطل التراجيدي، تبحث عن هويتها "من نحن؟" وعن سبب احباطها وضياعها الذي ادى الى الهزيمة. ولماذا؟ هذه المجموعة الحقيقية تناضل ضد قوى التزييف المنعكسة على المسرح.. تناضل ضد قدر لم تصنعه لها السماء، ولا العدو وحده، قبل الهزيمة يوجد السؤال: الهزيمة تنفض عنه الغبار لا اكثر، والسؤال هو عن الهوية وعن المسؤولية عن حركة الفعل، عن خنقة تلك الحرية في لحظة المواجهة.
"هل نحن موجودون؟" يتساءل احدهم، تركيب آخر بأن هذه ليست القضية وانما هي في الاصوات التي احبطتهم قائلة خلف المكبرات: "نقدر عواطفكم، ولكنكم تسهلون مهمة اعداء الشعب والمتآمرين على النظام". الحرب ليست من شؤونكم وعودوا الى بيوتكم وتابعوا من وراء مذياعاتكم بطولات جيشنا الباسل.
بكلمات قليلة يلخص ونوس ابعاد القضية، وسالت بنا الشوارع، آلاف من الناس البسطاء الذين لا يريدون ان يغتصبوا، الذين لا يريدون ان يزدادوا فقراً ومذلة. هتاف وجيز وبسيط.. ماذا تطلبون؟
ان الظلم الطبقي اساس في القضية وسبب جوهري لها، فاللصوص عددهم كبير، وحماة اللصوص اكثر عدداً من اللصوص، كانت تلك حرب الجماهير ذات الابعاد الواسعة ضد شتى انواع الظلم. وتمنينا جميعاً ان نكون ذلك الذي كالجنود يحمل بندقية، لكنه لا يلبس ثياباً خضراء وعن الجنود يختلف ويتخلف.
انه صراع ضد الخوف، بحثاً عن الكرامة الانسانية وعن الحرية ليمارس الشعب دوره في تحمل المسؤولية ويخترق الحجب التي تفرض جهله وفقره، لكن "لا تنسى ان للمصلحة الوطنية سجوناً لا تنفذ اليها الشمس ولو مرة واحدة في العالم". تلك هي الحقيقة المرة. ان بقية القصة هي في محاولة التبرير والتزييف الملحقة بالهزيمة حيث لا يدرك المتحدثون انه "عندما تكون رائحة الفم كريهة ينبغي الا يتكلم الانسان..".
في هذه المسرحية هناك دائماً تقابل جدلي، سؤال وجواب، مقولة ونقيض، دون ان يحول ذلك من اتصال اجزاء المسرحية ببعض وترابطها الوثيق. من هنا تأخذ حفلة سمر شكلاً درامياً نابعاً من طبيعة تكنيكها، تتصاعد حدته تدريجياً.
هناك اتساق شديد الانسجام بين الشكل والمضمون بحيث يصعب فصلهما، فالعلاقة بينهما ايضاً هي علاقة جدلية.
* أخيراً...
ان من يدعي ان ازمة المسرح العربي ازمة نص، قول مغلوط، فالوطن العربي مسرحياً لا يعاني ازمة فكر بقدر ما يعاني ازمة حرية، ازمة النص المسرحي ليست منفصلة عن ازمة الحرية سواء من قبل الدولة او من قبل المثقفين انفسهم.
ان عدم وضوح الرؤية لدى الكاتب ناتج عن عدم نضوج الفكر المحيط به، وفرق كبير بين المسؤولية والعجز، والفرد في مجتمعنا كان عاجزاً لأن اجهزة السلطة كانت تقهر، ولم تكن تبنيه مما اعاق الكاتب المسرحي عن التعبير عن قضايا واقعة.
مسرحية حفلة سمر، تنضوي تحت صنف (الدراما الجدلية). لانها كانت قفزة ذات بعد درامي جيد نحو مسرح حديث طليعي. وكان للتجربة خطرها الكبير بالطبع، خطر ان يكون ضوءاً يشع قليلاً ثم ينطفيء، لانه بلا تيار، بلا اسس. مغامرة اقدم عليها ونوس. مغامرة اختلافية، اختلاف يمكن في النهج وفي التكنيك واحياناً كثيرة في المضامين المطروحة.
لا اعتقد ان احداً يختلف مع الاهداف العامة البعيدة للمسرح الذي دعى اليه ونوس. الاختلاف يكمن في النهج وفي التكنيك واحياناً كثيرة في المضامين المطروحة. شعار ممتاز لمسرح اصيل فعال- المسرح العربي الذي نريد هو الذي يدرك مهمته المزدوجة هذه: ان يعم ويحفز متفرجه. هو المسرح الذي لا يريح المتفرج او ينفس عليه كربته.. بل على العكس هو المسرح الذي يقلق، يزيد المتفرج احتقاناً، وفي المدى البعيد يهيؤه لمباشرة تغيير القدر. ولكن كم هو رقيق وشفاف الخيط الفاصل بين نهاية تشحن واخرى تُفرَغ.
* التوثيق
1- سعد الله ونوس- حفلة سمر من اجل 5 حزيران، ط1، دار الاداب، بيروت، 1968.
2- عادل غضبان- المسرح والمسرح السياسي العربي، مجلة الطليعة الادبية (بغداد)، العدد 9، السنة السادسة.
3- ع. ن- كيف ولدت المسرحية السياسية في الوطن العربي، جريدة القبس (الكويت)، العدد 5042 (24/5/ 1986).
4- رياض عصمت- من مسرح اليسار السياسي،حفلة سمر من اجل 5 حزيران، مجلة الاداب (بيروت)، العدد 10 (ت1/ 1972).

-----------------------------------------
المصدر : كتابات 

قريبا .. إنطلاق "تياترو عدن " للعروض المسرحية الكوميدية

سامي قفطان ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً لمسرح المضطهدين

مجلة الفنون المسرحية

سامي قفطان ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً لمسرح المضطهدين


متابعة/ زينب المشاط 

وظيفة فـن المسرح هو عرض المشكلات التي تلامس الناس والمجتمع ومعالجتها، فالمسرح يجب ان يكون قريبا من الشارع، والأفراد والشعوب، ولا يجب أن يتعالى عليهم، او يبتعد عنهم لأنه فن الشعوب وناقلٌ لثقافاته.
وقد تعددت الأفكار والمجالات التي عرضها فن المسرح، ومن بينها ظهرت فكرة "مسرح المضطهدين" الذي يعالج القضية بين المُضطَهِد والمُضطَهَد، ويترك للجمهور شأن حلها، هذه الفكرة للمسرحية تبلورت في عقل المخرج داخل حربي، الذي قرر أن يطبق واقعها من خلال تقديم موضوعة عمل مسرحي حربي الذي كان بإمكانه ان يقدم العمل وبكل سهولة في احدى الدول الاوروبية،  أثر أن يقدم عمل مسرح المضطهدين عراقياً صِرفاً، وذلك من خلال الاتصال بعدد من كُتّاب المسرح العراقي وممثليه،  حتى ولدت مسرحية " اليوم العاشر " التي تمثل مشهداً عن فيلم من تاليف الفنان سامي قفطان بعنوان "اليوم العاشر" والتي عرضت مساء يوم السبت على قاعة منتدى المسرح واستمر العرض ليومين متتاليين، وقد جسّد دور البطولة في المسرحية الفنان سامي قفطان، وشاركته فيها الفنانة أزهار العسلي ...
ويذكر مخرج العمل داخل حربي " لقد عرضت العديد من الأفكار لموضوعة المسرحية، إلا أن الفكرة التي جاء بها الفنان سامي قفطان كانت مميزة جدا وقريبة من العمل، وهي تتحدث عن زوجين قضيا من عمرهما 40 عاما في بيت دافئ، حتى داهم الزوجة الموت، وقد طلبت من زوجها الشغوف بها عشقا أن ينفذ طلبها الاخير، وهو أن تلقى الرجل الذي تقدَّم لخطبتها قبل أن ترتبط بزوجها الحالي، الذي تم رفضه من قبل عائلة السيدة، وهنا سيناقش الجمهور المشهد وما يتوجب أن يكون عليه قرار الزوج."
ويذكر حربي" أن فكرة العمل مأخوذة عن مسرح " أوغستو بوال " اي مسرح المضطهدين ، وهو مسرح مهم لمناقشة قضايا الاضطهاد الاجتماعية التي تحدث على ارض الواقع، حينها يستخدم الجمهور كحاكم بين المُضطِهد والمُضطَهَد،  وهذا المسرح قام بتغيير الكثير من المشكلات وحلها سواء انسانية او اجتماعية او برلمانية وغيرها، وهذا ذاته ما ظهر من خلال شاشات القنوات العربية في برنامج الصدمة، حيث كان الجمهور يدخلون ضمن محور العرض وينصحون أحد الأطراف بأن يتخذ حلاً للمشكلة او الموضوع."
وأكد حربي " أن من شروط هذا المسرح او هذه العروض أن لا تتجاوز مدة العرض على الـ8 او الـ15 دقيقة وذلك لأن الوقت المتبقي سيكون من نصيب الجمهور الذي سيعمل على حل المشكلة."
بدوره ذكر مؤلف العمل الفنان سامي قفطان، الذي جسّد دور البطولة في العمل " أن فكرة العمل طُرحت عليّ من قبل المخرج داخل حربي، وبعد أن عرض عليّ فكرته وموضوعته ، قمت بدوري بتقديم فكرة له وقد نالت اعجابه وقررنا الاشتغال عليها، ولأن العمل مميز وغريب قررت أن اكون جزءاً من العرض وقد سرني ذلك، حيث شاركتني البطولة الفنانة أزهار العسلي."
وأكد قفطان " ان هذا النوع من العروض يناغي الانسان ومستوى وعيه، وقد لاحظنا هذا من خلال ردود افعال الجمهور الذين كانوا متفاعلين جدا مع العمل وخلال يومي عرضه، وقد اضافوا لنا  عددا من المقترحات لحل العقدة التي وصل لها العمل، بهذا نستطيع ان نتأكد ان جمهور المسرح العراقي لا يزال واعياً ومتقبلاً لمثل هذه الفنون."
ويعدّ مسرح المضطهدين من الاعمال المسرحية التي تحتاج لخضوع  ودراسات باراسايكولوجي حيث يؤخذ الممثل الى اماكن لم يصلها بشكل عادي، وهذا من خلال تمارين مستمرة، فأهم ما يجب توفره في مثل هذه العروض هو التمرين الذي يعتبر أهم من العرض ذاته، وذلك لمعرفة كيفية التعامل مع الجمهور وجرفه في تيار العرض.

-----------------------
المصدر : جريدة  المدى 

مكسيم غوركي الفيلسوف

مجلة الفنون المسرحية

مكسيم غوركي الفيلسوف 

حلت يوم أمس ذكرى رحيل الأديب الروسي الكبير مكسيم غوركي عام 1936، وهو كاتب روسي مواليد 1868، يعد مؤسس المدرسة الواقعية الإشتراكية في الأدب،
بالإضافة إلى كونه ناشطا سياسيا اسمه الحقيقي أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف، أصبح يتيم الأب والأم وهو في
التاسعة من عمره، فتولت جدته تربيته، وكان لهذه الجدة أسلوب قصصي ممتاز،
مما صقل مواهبه القصصية
أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف(بالروسية: Алексей Максимович Пешков) ويعرف بمكسيم غوركي (Максим Горький)؛ (28 مارس 1868 - 18 يونيو 1936)، أديب وناشط سياسي ماركسي روسي، مؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب
حيث يرى أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي في نشأته ونموه وتطوره، وأنه
يؤثر في المجتمع بقوته الخاصة، لذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع. ولد في نجني نوفجراد عام 1868 ، وأصبح يتيم الأب والأم وهو في التاسعة من عمره، فتولت جدته تربيته, وكان لهذه الجدة أسلوب قصصي ممتاز، مما صقل مواهبه القصصية. وبعد وفاة جدته
تأثر لذلك تأثرأ كبيراً مما جعله يحاول الانتحار. جاس بعد ذلك على قدميه في أنحاء الإمبراطورية الروسية, لمدة خمس سنوات غير
خلالها عمله عدة مرات, وجمع العديد من الانطباعات التي أثرت بعد ذلك في
أدبه. تعنى كلمة جوركى باللغة الروسية "المر" وقد اختارها الكاتب لقبا مستعارا له من واقع المرارة التي كان يعانى منها الشعب الروسى تحت الحكم القيصرى والتي شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التي قطعها بحثا عن
القوت ، وقد انعكس هذا الواقع المرير يشكل واضح على كتاباته وبشكل خاص في
رائعته "الأم".
كان صديقاً لـ لينين الذي التقاه عام 1905 م توفي ابنه مكسيم بشكوف عام 1935 م, ثم توفي هو في 18 يناير 1936م في موسكو, وسط شكوك بأنهما ماتا مسمومين. سميت مدينة نجني نوفجراد التي ولد فيها باسمه "غوركي" منذ عام 1932م حتى عام 1990م.
رواية الأم.
رواية الطفولة.
مسرحية الحضيض.
قصيدة "انشودة نذير العاصفة".
الطفولة 1913-1914
الأعداء؛دراما؛1906
جامعاتي 1923
بالإضافة للعديد من المسرحيات والقصص والمقالات. 
تعنى كلمة جوركى باللغة الروسية "المر" وقد اختارها الكاتب لقبا مستعارا
له من واقع المرارة التي كان يعانى منها الشعب الروسى تحت الحكم القيصرى
والتي شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التي قطعها بحثا عن عمل بعد وفاة
جدته والتي صدم برحيلها، وقد انعكس هذا الواقع المرير يشكل واضح على
كتاباته وبشكل خاص في رائعته "الأم".
عارض علنا النظام القيصري، واعتقل مرات عديدة، وصادق عديد من الثوريين
ليصبح صديق لينين الشخصي بعد لقائهما عام 1902، توفي ابنه مكسيم بشكوف عام
1935 م، ثم توفي هو في 18 يناير 1936م في موسكو، وسط شكوك بأنهما ماتا
مسمومين.
من أهم اعماله: رواية "الأم"، رواية "الطفولة"، مسرحية "الحضيض"، سيرته
الذاتية في ثلاثة أجزاء بعناوين: "طفولتي، بين الناس، جامعيتي"، بالإضافة
للعديد من المسرحيات والقصص والمقالات.
من مقولاته الشهيرة ..
- تبدو السعادة دائما صغيرة عندما تمسكها في يديك، لكنك إذا تركتها أدركت فورا كم كانت كبيرة وغالية.
- عندما يكون كل شيء سهلا يصبح المرء غبيا بسرعة.
- الأمهات هن فقط القادرات على التفكير في المستقبل لأنهن ينجبنه من خلال أطفالهن.
- كن طيبا وكريما وإنسانيا، وأحب رفاقك، وواس المكلومين، وسامح الذين أذنبوا في حقك.
- الطيب قد يكون أحمقا وطيبا في نفس الوقت، أما الشرير فيجب أن يكون ذكيا.
- الفلسفة ضرورية لأن كل شيء له معان مخفية يجب علينا معرفتها.
- الكثير من المؤلفين المعاصرين يشرب من الخمر أكثر مما يكتب.
- عندما يكون العمل متعة تكون الحياة مبهجة، أما إذا كان واجبا تكون عبودية.
- قافلة الماضي لن تصل بك إلى أي مكان.
- يجب أن تكتب للأطفال بنفس الطريقة التي تكتب بها للكبار، لكن بمستوى أفضل.
- كلما ذاق المرء المزيد من المرارة زاد جوعه لمباهج الحياة.
- ليس شرطا أن تشفي الحقيقة روحا مجروحة.
- جئت إلى العالم لكي أحتج.
- إن اليوم الذي لا يمر بك دون أن تعرف فيه شيئا أو تكشف في نفسك جديدا ،
اعلم انك لم تعش فيه ، وان جزءا من حياتك قد ضاع منك إلى الأبد .
- من العظماء مَن يشعر المرءُ في حضرتهم بأنه صغير، ولكن العظيم بحق، هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.
- فتشوا دائما عن الحقيقة، ودافعوا عنها ولو تكلفكم حياتكم، إذ إن أولادك سيعيشون بعدكم سعداء.
- لن تتمكنوا من إغراق الحقيقة في بحار الرماد ، انتم مجانين ، بذلك لن تجلبوا سوى النقمة عليكم ، ويتفاقم الحقد ، حقد الشعب القوي .
- لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحا بعثت من جديد
- لا يمكن أن يخنق العقل بالدم
- الأمم القوية واأسفاه لا تستعمل قوتها إلا لإخضاع الأمم الضعيفة،
والمعرفة السامية في الأمم المرتقية هي واسطة لامتلاك مقتنيات الأمم
المظلومة.
- إن الطريقة الطبيعية في الكتابة هي أسمى في شرعي من الرومانسية أو خلافها، لأنها تبين الأفكار والعواطف عارية من أثواب التكلف.
- أبدا لم ينتزع الألم لجسدي مني الدموع فإذا ما أهرقتها مرة كان والدي يضحك من عبراتي.
- في طفولتي أصور نفسي كخلية نحل، وضع فيها مختلف الأشخاص البسطاء
العاديين مثلما النحل عسل معارفهم وأفكارهم عن الحياة. وأثروا روحي بسخاء
كل بما استطاع . وكثيراً ما كان هذا العسل قذراً مراً، ولكن كل معرفة هي
مع ذلك عسل.
- الإنسان مصدر كل تعليم وعلم، وما يعلمك إياه الناس يأتيك في ألم و قسوة
أكثر مما تعلمك الكتب. علم الناس جاف مؤلم. ولكن العلم الذي يأتيك على ذلك
الشكل هو الذي تبقى جذوره راسخة.

مارسيل غصن في عمله الجديد "قاصص قيصر"... المكان مسرح الجميزة

الثلاثاء، 28 فبراير 2017

برشت و التراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

مجلة الفنون المسرحية

برشت و التراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

فاضل سوداني 

أولا :ملحمية التراث المسرحي العربي 

بالرغم من ان برشت ظاهرة أوربية وان المفاهيم الفكرية والمشاكل الاجتماعية التي عالجها تتعلق بالمجتمع الاستغلالي وصراع الطبقات وكذلك كشف البعد الطبقي للانسان البرجوازي الاوربي ، إلا ان الفنان العربي يجد نفسه قريبا فكريا من مفهوم التغريب والرؤيا التاريخية والوعي الجدلي لهذه ا لمفاهيم بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية التي تحرم إنساننا من حريته والعيش في مجتمع الديمقراطية . وبما ان الفن ينشأ لتلبية الحاجات الاجتماعية ، فمن السهولة ان نكتشف في الفعاليات الفنية والثقافية التراثية تلك العلاقة التي تتسم بالحميمية بين المؤدي والجمهور. من هذه الزاوية ينحو المسرح العربي المعاصر لتحقيق تاثيره الاجتماعي والجمالي وبناء الوعي الفكري للإنسان في المجتمع العربي ، وخلق العرض المسرحي الشعبي استنادا الى الغنى والتنوع في الاشكال التراثية الشرقية وارتباطا بمكتشافات المسرح الاوربي المعاصر ومنها المفاهيم الملحمية البرشتية . 
اذن هنالك ممهدات هيأت الجمهور العربي لاستيعاب ظاهرة المسرح ومن ثم تقبل المفاهيم المسرحية الملحمية البرشتية :
يمكن القول بأن المجتمع الإسلامي القديم عرف بعض من الأشكال والممارسات التي تحتوي على الكثير من العناصر ألما قبل الدرامية ، والتي مورست كطقوس وفعاليات ثقافية ، مثل الطقوس والأغاني الدينية المختلفة والرقصات الصوفية الفردية والجماعية، ، وبعد ذلك الأشكال البدائية ما قبل المسرحية.، 
فمن خلال دراسة هذه الجذور المسرحية نستطيع ان نعثر على الملحمية وكذلك على ملامح من التغريب في ذات الوقت والتي يمكن ان تخلق علاقة جدلية ديناميكية بين المؤدي والمشاهد ، وتؤدي به الى ان يتحول الى مشاركا في الحدث ـ الطقس (كان المتفرجون يحتشدون حول مكان الحدث سواء كان الاحتفال ياخذ طابعا دينيا اودنيويا ، من هنا جاءت فعالية المتفرجين القصوى حيث لايحس الواحد منهم انه مجرد مراقب بل هو مشترك ضروري في كل مايحدث امامه. ولهذا فان عملية التقبل والخلق في الفن البدائي كانت تتمان في نفس الوقت )(انظر بوتيتسيفا . ألف عام وعام على المسرح العربي )
ان الحياة الثقافية في الشرق القديم وبالذات الثقافة العربية اعتمدت على الحكاية والسرد الشفاهي ، ولعب الراوي ( الحكواتي)دورا كبيرا ، حيث كان يسرد قصصا تاريخية واقعية او اسطورية متخيلة مشحونة بالحكمة الاجتماعية والفلسفية المستقاة من حكايات الف ليلة وليلة والملاحم والاساطير والحكايات القديمة وحكايات كليله ودمنه والتاريخ العربي والاسلامي ،وتلك البطولات العربية القريبة في عظمتها وغرابة احداثها وعجائبيتها وسحرها التي كانت تضاهي عظمة الالياذة والاوديسة او المهابهاراتا الهندوسية مع اختلاف الزمان والمكان.
ان التطور الذي حدث في اداء الراوي بعد ذلك هو ان حكاياته لم تعد تروى شفاها وانما ارتبطت بنص مكتوب يحمل طابع الحكاية الدرامية القديمة ( كما في حكاية ابي القاسم البغدادي ـ لمؤلفها احمد الازدي ) حيث كتب هذا النص مابين القرن السابع والتاسع الميلادي . والذي يتحدث فيه حواريا عن مختلف الشخصيات والاحداث التاريخية في المجتمع انذاك . وعثر آدم سميث 1902 على هذا النص وترجم للالمانية .(فن التمثيل . د.الاعرجي )
وقد يحدث ان يوجد اكثر من راوي من اجل توصيل الحكاية الى الجمهور ، وقد ابتكروا العديد من الوسائل والاساليب لتوصيل حكاياتهم كالشعر والامثال والنوادر الشعبية والاغاني واللآلات الموسيقية الشرقيةوغيرها. (لقد كانوا يعيدون إحياء الحكاية عن طريق المحاكاة والحركات والإشارات والرقص والتقمص Embodiment والارتجالImprovisation والتشويق الدرامي وفي هذا يكمن الجانب الفني . كان الفعل في القصة يتصاعد نتيجة الاتصال الذي لابد أن يتم بين الراوي والجمهور . وكانت قوانين الطقس والفرجة تفرض على الراوي خلق الاتصال من اجل أن يشترك الجمهور في الحكاية والحدث .) وقد تناقل الرواة هذه القصص على مر الأجيال حتى وقتنا الحاضر ، حيث مازلنا نسمع بعضها من الرواة المعاصين في الاسواق والساحات العامة خاصة في المغرب العربي .ان الراوي في العصور اللاحقة اصبح لا يستغني عن الغناء والشعر فمن خلال الاغنية يقوم الراوي بسرد الاحداث المثيرة ولذلك فان استخدام الاغنية المعبرة يمكن ان يخلق شكلا متميزا للعرض المسرحي الشعبي. 
وحينما احتل الممثل من غير الرواة مركز الطقس ـ العرض المسرحي فان دور الراوي بقي على اهميته
غير ان مهمة الراوي ـ الممثل لم تقتصر على اداء الشخصية وانما عرضها ايضا عندما يخلق تلك المسافة بينه والشخصية ليتحدث عنها وهي خارج التقمص . اضافة الى هذا فان الراوي ( الحكواتي ) يقوم ايضا بتغريب اللاحد ا ث من خلال ابراز تضخيمها وابراز نواقصها .
وعندما استخدم برخت وسائل المسرح الاسيوي ( وخاصة الاغنية والراوي وتغريب الحدث كما في المسرح الياباني ) فانه كان واعيا بأهمية هذه الوسائل في خلق العلاقة الجدلية بين عناصر العرض الملحمي ، وهي تشكل اساسا تمايز التراث الشرقي.
وهنا يؤكد فابيون باورز في كتابه المسرح في الشرق (ان المسرحيات الاسيوية تتطلب وسيلة خاصة للتعبير وتلك هي الراوي ، فالدراما في جميع انحاء آسيا قد نشات من الكتب القديمة والاشعار الملحمية )
ان الجمهور كان مهيأ لمشاهدة اشكالا فنية من تراثه وفولكلوره مادامت هذه الفعاليات تعرض امامه في
اماكن تواجده، ولذلك فانه يتعرف على اشكال تراثه الفني في حياته العامة ، وهذا هو السبب في انسجامه مع (المقامات ) مثلا وهي حكايات غنية بالاحداث الدرامية والمنالوجات والحوارات المثيرة التي تدعوا الجمهور للمشاركة الفعالة فيتحول العرض الى طقس احتفالي جماعي ( وهذا مادفع الطيب الصديقي / والمدني وغيرهم الى استخدامها في المسرح ). وتعتبر( المقامات ) احد الاشكال المسرحية البدائية التي تتطرق للمشاكل الاجتماعية بشكل كوميدي ساخر وتعتمد على (ممثل واحد ) امام جمهور الاسواق العامة والساحات او في قصور الخلفاء.
لكن الطقوس التي لها علاقة بالدرامية والاحتفالية والفرجة هي طقوس كانت تمارس لوقت قريب مثل خيال الظل والحكواتي ، وكذلك التعزية ، باعتبارها طقس ديني ودرامي يخلق الفرجة الشعبية التي تتحقق من خلال العناصر الدرامية الموجودة في هذا الطقس الذي يذكرنا ببعض الطقوس التراجيدية البابلية أو اليونانية القديمة.
وتعتبر هذه الطقوس وخاصة خيال الظل، تعبيرا ديناميكيا عن طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسلامي القديم، لأنها تعكس الواقع بكل قسوته، وتشير إلى المشاكل السياسية والاجتماعية مما يُغني ويحفز الرغبات الداخلية المشحونة بالمواقف النقدية التي يتبناها الإنسان في علاقته بالسلطة، لكن من خلال التركيز على الجانب ألا متاعي والترفيهي والذي يعد تذوقا جماليا متماشيا مع مقاييس المجتمع القديم .وبالتأكيد فإن هذا هو السبب الأساسي لديمومتها في حياة المجتمع الشرقي بالرغم من تعرض القائمين عليها لأشكال مختلفة من الاضطهاد والمنع .
وبتأثير المفاهيم البرشتية للمسرح الملحمي الهادف للمتعة والمعرفة ،أمكننا اكتشاف هذه الوسائل الملحمية بجذورها البدائية في الاشكال التراثية الماقبل المسرحية في التراث العربي، وبهذا فان برشت منح الفنان العربي كيفية البحث في اشكاله التراثية من اجل خلق خصوصية مسرحه المعاصر حيث ومن خلال هذه المفاهيم البرشتية بدأنا البحث عن القيم الدرامية في تراثنا وعن الحكواتي / الراوي و الكوال والاغنية الدرامية والرقص التعبيري وغيرها .. يمكن تحديد اتجاهين في المسرح العربي المعاصر:
1 ) المسرح التراثي
وضع الفنان العربي أمامه مهمة اكتشاف وتحديد المفاهيم والأشكال المسرحية التي تخدم أفكاره الفنية من أجل معالجة مشاكل مجتمعه ، وقد حتم هذا الرجوع إلى التراث القديم مع أهمية الاستفادة من كل تطورات الفن المسرحي الأوربي ، من اجل الوصول إلى أشكال مسرحية بعيدة عن المفهوم الأوربي الغربي . وبما إن المسرح يفترض الروح الجماعية في تحقيق المعرفة واكتشاف الجمال ، لذلك فان الفنان عمد إلى إرجاع المسرح إلى كونه ظاهرة احتفالية شعبية وطقوس يمكن أن تقام في كل مكان ، وحتم هذا أيضا تغير شكل العرض أي استخدام شكل العرض المسرحي المفتوح ، وبالتأكيد فان هذا يتطلب تغير مفاهيم التأليف المسرحي "المعتمدة على مفاهيم أر سطو " .أي تغيير علاقة المؤلف بفضاء النص وبنيتة والمواضيع التي يعالجها وفرض هذا تغيير علاقة المسرح بالجمهور. وبالرغم من أهمية رفض ( مسرح العلبة المغلقة حسب مفهوم المسرح الأوربي ) إلا أن الضرورة تفرض الاستفادة من أشكال المسرح الأوربي وخاصة مسرح برشت الملحمي .
2ـ العرض التراثي الشعبي وافهومة برشت 
تأثر المسرح العربي المعاصر بالكثير من اتجاهات الفكر والمسرح الأوربي وخاصة مسرح اللامعقول
Absurd Theatre في فترة الستينات من هذا القرن كمسرح يونسكو ، بيكيت ، آدا موف مما فرض مفاهيم جديدة على الجمهور العربي ، فقد كتب توفيق الحكيم مسرحية ياطلع الشجرة ،ومسرحية الفرافير والمهزلة
الأرضية ليوسف إدريس و مسرحية الوافد ، والخطاب لميخائيل رومان ، وبالرغم من وجود بعض المعقولية
في الأحداث وعلاقات الشخصيات الا أن هذه المسرحيات كانت تحاول التعبير عن عبثية الحياة بمفهومها الغربي (حسب د. حياة جاسم - الدراماالتجريبية في مصر )
ولكن سرعان ماإنحسرت هذه المفاهيم ، لأنها كانت غريبة عن الهموم الحقيقية للإنسان العربي المبتلى بمشاكله الاقتصادية والسياسية والفكرية وأنظمته الدكتاتورية التي تحرمه حريته وحقوقه . فعبثية الحياة العربية متأتية من الخلل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وشيزوفرينيا الذات العربية ، وليس هنالك غربة حقيقية بالمفهوم الأوربي في المجتمع العربي .
وضمن التزام المؤلف العربي بمعالجة مشاكل مجتمعه انطلاقا من واقعه ، واستخداما لتراثه الغني مع التطبيق التقليدي للمفاهيم البرشتية أدى في فرض الالتزام السياسي ـ الاديولوجي في الكثير من المعالجات لدرجة وصف فيها المؤلف المصري الفرد فرج بانه كاتب برشتي ، ويمكن ملاحظة الكثير من التأثيرات البرشتية عليه وخاصة في مسرحية ( علي جناح التبريزي وتابعه قفا ) واتهمها الكثير من النقاد بانها اقتباسا من مسرحية (السيد بونتلا وتابعه ماتي ) . وتؤكد د. لميس العماري بان موضوع وهدف مسرحية المؤلف الفرد فرج ليس بعيد عن مسرحية برشت ( بونتلا ) ولكنها ليست اقتباسا لها . لهذا يمكن اعتبارها مسرحية عربية تراثية تستخدم بعض مقومات الكتابة المسرحية البرختية .


ثانيا :في فضاء الكتابة و العرض المسرحي 

امتلك فن الاخراج المسرحي أهميته في القرن العشرين ، حتى بات يطلق على المخرج ، بانه الخالق والمبدع لقوانين العرض المسرحي ، والواعي لتطور الطبيعة والمجتمع . وبات المخرج يفرض وجوده على كل العناصر الفنية الاخرى التي تدخل ضمن العملية الابداعية للعرض ، بما فيها النص ايضا . ومن المنطقي القول بان لكل عصر مؤلفه الواعي ، فكذلك يمكن القول بان المخرج يمكن ان يكون مؤلفا ثانيا للنص . من خلال استخدامه للوسائل الفنية الاخرى في العرض ، وقد حتم هذا اهمية مسرح برخت الملحمي وبالذات مبدأ التغريب في المسرح للتعبير عن مشاكل الانسان العربي المعاصر.
وفي الوطن العربي يمكن القول بانه في ثلاثينيات وأربعينيات هذا القرن بدأ الاخراج المسرحي في المسارح العربية يتحول الى مهنة تتطلب ثقافة خاصة وتجربة غنية . 
وفي كل بلد عربي هنالك اتجاهين في الاخراج المسرحي : الاول ، نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية ذات طابع انساني شمولي ، تبدو بعيدة عن مشكلات المسرح العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب في المجتمع الاوربي . والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح 
(لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وجرت اولى التجارب لتقديم المسرح البرختي في مصر من خلال نص دائرة الطباشير القوقازية الذي اعده صلاح جاهين . وكان سعد اردش من الاسماء الاولى في اخراج بعض مسرحيات برشت .) 
وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي : كالمسرح داخل المسرح . او توزيع الممثلون في الصالة وجعلهم جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحي حيث يجلس الجمهور حول خشبة المسرح ويصبح العرض دائريا ، كما في مسرحية" المهرج " للسيد الشوربجي والفرافير ليوسف ادريس . وبعد ان يموت الملك لصلاح عبد الصبور . ومسرحية الليلة نضحك لميخائيل رومان . وامتد هذا التاثير كذلك على تجارب المخرج العربي مثل الطيب الصديقي ونجيب سرور وكرم مطاوع وابراهيم جلال ، سامي عبد الحميد ود.صلاح القصب و د.فاضل خليل وفاضل سوداني وسهام ناصر ويعقوب شدراوي وريمون جباره ونضال الاشقر وقاسم محمد وعز الدين قنون وفاضل الجعايبي ومحمد ادريس وصقر الرشود . ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا .
فمن المتاثرين ببرشت في المسرح الجزائري الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي عاش في فرنسا ابان الاحتلال الفرنسي لبلاده وساهم هناك في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية" نجمة "التي حاز عليها عدة جوائز وكذلك مسرحياته كمسرحية :الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء . والجثة المطوقة ، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955 . وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية ) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية " الرجل ذو الحذاء المطاطي " التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك . وقد انتقل للعيش في بلاده نهائيا وترك الكتابة بالفرنسية واستقر بين الجماهير الفقير ة في الريف وبدأ بالكتابة عن همومها ( حتى وفاته ) . ومشاكلها وخاصة قدرية التخلف المتأتي من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال . وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي ، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى اهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن بشئ من الحذر .( غير ان مبدأ التغريب الذائع الصيت لايمكن الاستفادة منه في ظروف الجزائر ، لان الجمهور في بلادنا ـ خلافا للجمهور البرجوازي الالماني الذي صاغ برخت هذا المبدأ من اجله ـ لم يتشوه بعادة الاندماجEmpathy مع الحدث او الشخصية . ان هذة العدة لاتشكل خطورة بالنسبة لنا .ولهذا فنحن نحذفها من قائمة استفادتنا من مسرح برخت الملحمي )
ان هدف التغريب لايعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور . التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم ، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها . انه في الواقع موقف من الحياة .(كما كتبت د. لميس العماري )
وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان ، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب في المسرح الجزائري لها اهميتها 
في الوقت الحاضر وتمتلك مكانتها في المناقشات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي . 
ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة ( اغتيل في الجزائر دفاعا عن حرية الفن والديمقراطيةوضد الظلامية ) واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين يعملون على تكييف افكار برخت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة العربية . معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد . ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او المسرحية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي التي تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا . وقام علولة باحلال وظيفة الكوال بدل الراوي البرختية وهي شخصية يمكن ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد . ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة . و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق المغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق .. وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته " كراوية " اصبحت اكثر تأثيرا ، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية ، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرختي. فيقوم الراوي ( الكوال ) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب ( ان المخرج علولة هو الذي يكتب ويعد مسرحياته عادة ) وانما في الاداء والعرض . ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالون ، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور . ( ويعتبر هذا تحولا جديدا في المسرح الجزائري والعربي عموما) ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء ، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي ، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما .فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية . وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برخت . أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي . وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية . واستمر التأثير الكبير للمسرح البرشتي على الفنان العربي وجمهوره ايضا نتيجة لطموحات هذا المسرح الفكرية والسياسية في العمل على تغير وعي الإنسان وعلاقاته بالمجتمع ، وقد تأثر الكثير من المؤلفين المسرحيين بأفكار برشت بهدف كتابة مسرحية للكشف عن طبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل سعد الله ونوس ،نجيب سرور ، يوسف إدريس يوسف العاني قاسم محمد الطيب الصديقي ومحمود دياب جلال خوري و الفريد فرج ، عزالدين المدني و عبد الكريم بورشيد ، عبد العزيز السريع ، نو الدين فارس وعادل كاظم وغيرهم . مما ادى هذا الى تشكيل ملامح عرض مسرحي عربي بتأثير التغريب البرختي في ربرتوار المخرج العربي . ومازالت الكثير من العروض العربية تنهل من المفاهيم البرشتية سواء كان ذلك في الاسلوب الملحمي للكتابة اوالفكر الاخراجي لصورة العرض المسرحي .


عروض مسرح الأطفال وفنون الخفة في "ربيع الثقافة"... مع "رحلة إلى كوكب الحواس" وسيرك "إدغار غروول"

هبة طوجي تحقق نجاحاً باهراً في عرض مسرحية ” نوتر دام دو باريس”

مجلة الفنون المسرحية

هبة طوجي تحقق نجاحاً باهراً في عرض مسرحية ” نوتر دام دو باريس”

تحقق النجمة اللبنانية العالمية هبة طوجي نجاحاً غير مسبوق وذلك بعدما احتضنت “تايوان” سلسلة من عروض مسرحية ” نوتر دام دو باريس” والتي تلعب هبة دور ازميرلدا فيها.
المسرحية افتتحت حفلاتها بـ “تايوان” بـ 24 شباط (فبراير) الحالي وقد تم تقديم خمس عروضات حتى اليوم كانت كلها كاملة العدد.
النجاح الذي تحققه هبة في تايوان لم يقتصر على عرض المسرحية فقط بل ان الجمهور كان ينتظرها بالخارج لاكثر من ساعة لالتقاط الصور معها واخذ توقيعها. وكانت هبة خلال الايام الماضية حديث الشارع في تايوان وقد تناولت المحطات الاخبارية هذا الحدث المهم واطلالة هبة المميزة فيها.
سيستمر عرض المسرحية في تايوان حتى 5 آذار (مارس) المقبل لتعود وتستكمل المسرحية نجاحها العالمي بعدة عروضات في باريس، ثمّ جنيف ثم يحل فريق عمل المسرحية ضيفاً في لبنان خلال الصيف حيث ستحيي “نوتر دام دو باريس” 4 عروضات بين 8 حتى 11 من شهر تموز/يوليو المقبل ضمن مهرجانات جونيه.
ولم تختلف الآراء حول عرض «نوتر دام دو باريس» فأتت كلها لتجمع على هذا العمل المتجذر بثقافة المسرح الفرنكوفوني وعلى رونقه الذي لم يخفت ولو للحظة بعد انقطاع عن العرض دام ستة عشر عاماً.
النقاد على اختلافهم من إعلاميين، صحفيين، منتجين سينمائيين وموسيقيين، فنانين عالميين والجمهور ملأوا المسارح منذ العرض الأول وخرجوا بمقالات ومقابلات، فضلاً عن آراء غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي اشادت بتكامل العمل بدءاً من النص مروراً بالأداء المسرحي وحسن اختيار المواهب التي أعادت الحياة لأحدب نوتردام.
أما إزمرلدا التي أتت محمّلة بثقافة الشرق الموسيقية والمسرحية، فكانت محط الإعجاب الأكبر لنقاد الغرب ورواد مسارحه، إذ لم تخيب ابنة المسرح الرحباني، هبة طوجي الآمال الكبيرة التي عُلقت عليها، فباتت حديث المحطات والمواقع والمجلات الأوروبية، وفازت بإعجاب وتقدير أبرز مدراء القطاع الفني والمختصين في عالم المسرح الذين أشادوا جميعاً بالطاقة التي بعثتها هبة في شخصية إزمرلدا.
ففي ما عرضت قناة الـ TF1 تقريراً خلال نشرة أخبارها وصفت فيه هبة بالرائعة، تناولت محطة الـ M6  أيضاً خلال وثائقي من 15 دقيقة مسيرة هبة كاملةً منذ بدايتها في بيروت مع أسامة الرحباني وحتى وقوفها على المسرح الفرنسي.  هذا وذهب البعض إلى اعتبار أن هبة تفوقت حتى على الفنانة هيلين سيغارا لناحية بثها روحاً شابة تنبض بالحياة على المسرح.
هبة التي لا تزال تحصد النتيجة المبهرة للتحضيرات المكثفة التي خضعت لها في سياق هذا العمل المسرحي، وسنوات التمرينات المكثفة والجهد اللذين أوصلاها اليوم لموقع فني متقدم عالمياً، تستمر بتقديم العروض في المناطق الفرنسية قبل أن تنطلق الجولة المكوكية للعمل في بلدان عديدة حول العالم. أما الجدير بالذكر فكان كشف الفنان أسامة الرحباني عن اختيار هبة لدور إزمرلدا من قبل كاتب العمل «لوك بلاموندون» مباشرة بعد مرورها الأول في برنامج «ذا فويس- فرنسا» ضمن فقرة الاختبار وهو أمر غير مسبوق، فكان اجماع من فريق عمل «نوتردام دو باريس» على إسناد الدور لهبة قبل أن يتم حتى اختيار الممثلين الآخرين.



ثلاثة في غرفة بيروتية يواجهون الحب والحرب والفراق

مجلة الفنون المسرحية

ثلاثة في غرفة بيروتية يواجهون الحب والحرب والفراق

الكاتب والمخرج كميل سلامة يأخذنا عبر مسرحيته في رحلة إنسانية يتنقل فيها بين الدموع والضحك وصولا إلى المشهد النهائي التراجيدي.

 في جو من البساطة المؤثرة التي يمتزج فيها الألم بالضحك تتكشف أحداث مسرحية “… كلكن سوا” التي تعرض هذه الأيام بالعاصمة اللبنانية بيروت، والتي تحاول معالجة معضلة الحب والصداقة والعواطف المكبوتة وسوء التفاهم ووقوف الإنسان عاجزا أمام رهبة الموت.
على مدى نحو ساعة يأخذنا الكاتب والمخرج كميل سلامة في رحلة إنسانية يتنقل فيها بين الدموع والضحك، وصولا إلى المشهد النهائي التراجيدي الذي تقاسم فيه الجمهور وأبطال العمل الثلاثة الدموع عفويا.
قبل العرض يطالع المشاهد نبذة عما هو مقدم على مشاهدته بمسرح “دوار الشمس” وسط بيروت في كتيب صغير جاء فيه “في حرب ما… في مكان ما… في زمان ما… المتقاتلون في الشوارع قلة والمختبئون في البيوت كثر… صديقان علقا في بيت أحدهما… الأول وحيد في بيته فعائلته هربت إلى المهجر… والآخر بعيد ببضعة شوارع عن زوجته وأولاده… صديقا المدرسة والجامعة في الماضي، وزميلا العمل اليوم يستحضران ذكرياتهما بين القذيفة والأخرى… وتعود الذكريات التي جمعت يوما الصديقين والزوجة وتبدأ الحكاية تظهر بوضوح… حرب… ذكريات… حب… فراق… صداقة. وفي لحظة ما يحدث ما يغير قدر الإنسان”.
ما بين الماضي والحاضر يفهم الجمهور الذي لم يكظم انفعالاته في مختلف مراحل المسرحية القصيرة والمكثفة أن رواد ومروان في الواقع يحبان ليلى الحائرة ما بين حبها القديم لمروان الذي خذلها وحبها لزوجها رواد الذي ستعبر عنه فقط لحظة وفاته
يقوم ببطولة مسرحية “… كلكن سوا” بديع أبوشقرا ورودريج سليمان وباتريسيا نمور الذين جسدوا على خشبة المسرح صداقة متينة تجمعهم منذ سنوات طويلة وقد شكلوا معا فريق عمل متجانس.
تدور القصة حول صداقة قديمة وحميمة تجمع بين رواد (بديع أبوشقرا) ومروان (رودريج سليمان) على الرغم من التناقض الكبير بين الشخصيتين ولا سيما في طريقة تعبيرهما عن الغضب والحب والخيبة ومختلف التفاصيل اليومية الصغيرة.
رواد يعبر بانفعال مفرط ولا يخجل من البوح بأحاسيسه كاملة من خلال الكلمات النابية في وقت نشاهد فيه مروان هادئا حتى البرودة ويعيش وحدته وخيبته الكبيرة في الحياة داخليا من دون الإفصاح عنها.
رواد متزوج من ليلى (باتريسيا نمور) التي لم تعترف له بحبها يوما، ولا تعبر عن أحاسيسها تجاهه على رغم حاجته الكبيرة لحنانها وحبها. مروان منفصل عن زوجته الأميركية التي قدمت له جواز السفر الأجنبي ولكنها لم تقدم له يوما الحب ويعيش وحدة قاتلة بعدما أخذت الأولاد معها إلى الولايات المتحدة.
هكذا تنقلنا المسرحية بين شخصيتين على اختلافهما يرسمان صورة متكاملة للواقع الإنساني اليوم، بأسلوب رشيق يعتمد تقنية الاسترجاع الفني -الفلاش باك- وتقطيع المشاهد، فيكتشف الجمهور رويدا رويدا القصة الكاملة لشخصيات تعيش في الواقع قدرا موحدا نتيجته الحتمية هي موت رواد مصابا برأسه برصاصة قناص.
وما بين الماضي والحاضر يفهم الجمهور الذي لم يكظم انفعالاته في مختلف مراحل المسرحية القصيرة والمكثفة أن رواد ومروان في الواقع يحبان ليلى الحائرة ما بين حبها القديم لمروان الذي خذلها وحبها لزوجها رواد الذي ستعبر عنه فقط لحظة وفاته.

وفي اللحظة الأخيرة والحاسمة يسمح مروان لنفسه -وللمرة الأولى في حياته- بأن يتفوه بجملة نابية في اللهجة اللبنانية، أخذ كميل سلامه الجزء الأخير منها ليضع عنوان المسرحية “… كلكن سوا”.

-----------------------------------------
المصدر :جريدة العرب

الأخوان ملص لاجئان بولنديان في مسرح باريسي

مجلة الفنون المسرحية

الأخوان ملص لاجئان بولنديان في مسرح باريسي

عمار المأمون

الأخوان ملص مازالا منذ بداية 'مسرح الغرفة' في دمشق يعتمدان على تقنيات الإضحاك الجسدي والمفارقات اللغوية، فالمبالغة بالأداء أحياناً تحضر بوصفها بديلاً عن العامل اللغوي.

لم يتوقف الأخوان السوريان أحمد ومحمد ملص عن العمل والإنتاج الفني منذ مغادرتهما لسوريا، سواء على الصعيد السينمائي أو المسرحي، فالعديد من أفلامهما عرضت في مهرجانات عالميّة، ونالت عددا من الجوائز، حالياً عاد الأخوان للعمل المسرحي، إذ يشهد مسرح “بيكسل” شمالي باريس عرض “اللاجئان” للأخوين ملص، ضمن مقاربة تراجو-كوميدية لوضعية اللاجئين في فرنسا والمعاناة والصعوبات التي يواجهونها في مدينة الأنوار.

اعتمد الأخوان في العرض على الإطار العام فقط لنص “المهاجران” للبولندي سلافومير مروجيك عبر دلالات المكان والحدث الذي يفتتح العرض، في حين أن الموضوعات وطبيعة الأداء المرتبط بشخصية “اللاجئين” كانت من اختيارهما، وأول ما يبرز في العرض هو استخدام اللغة الفرنسية بوصفها العقبة الأولى أمام المهاجرين الجدد، وخصوصاً أن “اللاجئين” يتحدثان الفرنسية فيما بينهما، فلا لغة تواصل سوى لغة “الآخر” الغريب، ولا يجمع بينهما سوى الحنين للعائلة، والصعوبات البيروقراطية والاجتماعية، إلى جانب الحلم بأن يكونا “فرنسيين”.

هذه الموضوعات على اختلافها تلامس الجانب الحياتي والمعيشي للمهاجرين واللاجئين، بوصفهم خاضعين لهيمنة النظام البيروقراطي الفرنسي، ويتشاركون عوالم الوحدة التي تعمّق مأساتهم، والوهم بأن العالم لا بدّ أن يصبح أفضل، ولا بد لهم أن يروا الشمس حسب تعبيرهما.

العرض يقدم الحلم الرومانسي المرتبط بباريس، الموسيقى والمسرح والسينما والنزهات في الشوارع والوقوع في الحب وغيره من التخيلات المرتبطة بالمدينة، كذلك يرسم الصورة النمطية والتعميم الذي يمتلكه الكثير من اللاجئين بأن الحياة في العاصمة الفرنسية شكلها كما الأفلام السينمائية
العرض يصور جانبين من فرنسا، الأول المرتبط بالصورة النمطية المثاليّة وسعي “المهاجرين” لتقمص هذا المتخيّل، والآخر يمثل الجانب الأقل إشراقاً، المعاملات الورقية المعقّدة وصعوبة الحياة والتعامل مع “الآخر”، فهاتان المقاربتان تنطبقان على كافة “الغرباء” باختلاف مرجعياتهم، صيغة الضحية لا يمكن الفكاك منها، مهما كان البلد أو المكان الذي أتى منه هذا الغريب، فالجميع متساوون بوصفهم ضحايا الأنظمة القمعية التي تكتم أنفاسهم، وضحايا “النظام” الجديد وتقنيات الاندماج التي يستخدمها.

ما زال الأخوان ملص منذ بداية “مسرح الغرفة” في دمشق منذ عدة سنوات يعتمدان على تقنيات الإضحاك الجسدي والمفارقات اللغوية، فالمبالغة بالأداء أحياناً تحضر بوصفها بديلاً عن العامل اللغوي، فلا مهارة جسدية في الحركات الرياضية أو الرقص، وبالتالي الإبهار أو الاستعراض للقدرة الجسدية ليس الهدف، بل نراهما يلجآن للمقاربات الكاريكاتورية وتضخيم العيوب بوصفها عيوبا، لا لانتقادها، بل لخلق روتين الإضحاك والاعتماد على مرجعية المتلقي عن الشخصية النمطية المرتبط باللاجئ من جهة، وبالمؤدي المسرحي من جهة أخرى.

العرض يقدم الحلم الرومانسي المرتبط بباريس، الموسيقى والمسرح والسينما والنزهات في الشوارع والوقوع في الحب وغيره من التخيلات المرتبطة بالمدينة، كذلك يرسم الصورة النمطية والتعميم الذي يمتلكه الكثير من اللاجئين بأن الحياة في العاصمة الفرنسية شكلها كما الأفلام السينمائيّة، وأغلب الصعوبات التي يمر بها اللاجئون هي نتيجة هذا الاختلاف بين الواقع وبين الصورة المتخيّلة، وهنا تكمن معالم الرومانسية، حيث يتنامى الوهم المثالي، ويبقى الواقع عقبة في وجه الوصول إليه، لنرى الانعكاسات النفسية المرتبطة بهذا النوع من الفصام، موجات الغضب المفاجئة، ادّعاء القوة وعدم الحاجة للآخر، ثم فجأة، الانهيار العاطفي والرغبة في الوقوع في الحب، ليُطرح التساؤل، أمن الممكن أن تكون في باريس ولا تقع في الحب؟

لا يمكن إنكار شجاعة الأخوين ملص وتقديم عرض باللغة الفرنسية لجمهور فرنسي، والقدرة على “إضحاكهم”، عبر تلمّس معالم الثقافة الفرنسية والحياة اليومية في فرنسا، كالميل للعزلة لدى الفرنسيين، والبرمجة المسبقة لحياتهم اليومية التي ينطبق عليها مثل “ميترو، عمل ثم نوم” (Métro boulot, dodo) إلى جانب الإضرابات الكثيرة التي تشهدها وسائل النقل، فالكوميديا لم تكن فقط نتيجة وضعية “اللاجئ” والمفارقة بينه وبين “الفرنسي”، بل أيضاً عبر توجيه الانتقادات للمجتمع الفرنسي بصيغة مبالغ فيها، وتعكس بعض جوانب الصحة بالصورة النمطيّة، والتي لا يمكن سوى للغريب تلمّسها، في حين أن من يمارسها لا تتضح له، بوصفها تنتمي لمنظومته القيميّة.

--------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب

الممثلة المغربية فاطمة الزهراء أحرار : المسرح الجزائري قريب من مسرحنا ويعرف انتعاشا ملحوظا

مجلة الفنون المسرحية

الممثلة المغربية فاطمة الزهراء أحرار :  المسرح الجزائري قريب من مسرحنا ويعرف انتعاشا ملحوظا

حاورتها : وردة زرقين 

كسرت الجدار مع الجمهور في أدوارها الكوميدية، بحيث لقًبها جمهورها بسندريلا، ورغم صغر سنها، أدت العديد من الأدوار المسرحية والتلفزيونية المغربية والعالمية، كما اشتغلت عضوا في لجنة التحكيم في العديد من المهرجانات، بالإضافة إلى ذلك تحّضر حاليا لإخراج فيلم سينمائي مغربي، إنها الممثلة المغربية فاطمة الزهراء أحرار التي جاءت إلى وادي سوف لمشاركتها في الأيام المغاربية للمسرح في طبعتها الخامسة كعضو في لجنة التحكيم، التقتها "المساء" وأجرت معها هذا الحوار.

❊ هل لك أن تحدثينا عن مشوارك الفني؟

— أولا أعرّف بنفسي؛ أنا ممثلة مغربية خريجة معهد الفنون الدرامية من عائلة فنية بالمغرب. أما عن مشواري، فقد شاركت في عدة مسرحيات منها "لعبة الحب"، وهي قصة عالمية للكاتب الفرنسي ماريفو، مسرحية "لالة بنتي"، بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية درامية، منها الفيلم السينمائي "التائب" و«ساعة الجحيم". كما اشتغلت في أعمال جامس بوند ومثلت في فيلم هولندي تم تصويره في روتردام، إضافة إلى فيلم آخر فرنسي بعنوان "معاناة مهاجر". كما مثلت مع الفنانة العالمية مريم عباس في فيلم إنجليزي، واشتغلت لشكسبير، تشيخوف، ومسرحيات مغربية، كما مثلت في "سيت كوم" في رمضان في دور كوميدي، حينها لقبني الجمهور بسندريلا.

❊ هل تفضلين الوقوف أمام كاميرا التلفزيون أو على خشبة المسرح؟

— أعشق المسرح ومواجهة الجمهور، لأنني أحب استفزازه، كما أن هناك فرق شاسع بين المسرح والدراما التلفزيونية، فالمسرح هو جرأة ومواجهة، وهو يُّعلم سرعة البديهة والملاحظة لكسب الشخصية القوية، وأغلب أعمالي كانت حول الدراما وقريبة من الجمهور. في المقابل، أعشق الأعمال الاجتماعية الإنسانية، لأن جمهوري يفضلني في هذه الأدوار. كما أفضل الأدوار المركبة والصعبة، لأن الأدوار السهلة لا تضيف شيئا للفنان، فالدور المركب والصعب والبعيد عن شخصية الفنان يجبره أن يجتهد في أدائه، كما أنني أديت دورا كوميديا في مسرحية عالمية "لعبة الحب" نلت من خلاله جوائز كثيرة.

❊ مَن مِن الممثلات تأثرت بهن فاطمة؟ 

— أعشق السندريلا سعاد حسني وأغلب جمهوري يّشبهني بروح هذه الفنانة، كذلك منى واصف التي لها أدوار مركبة، والممثلة المسرحية المغربية ثريا جبران التي أسميها نمرة المسرح في المغرب وهناك الكثيرات.

❊ هل لك مشاركات في المهرجانات؟

— نعم شاركت في مهرجانات وطنية ودولية، كما تم تعييني  عضوا في لجنة تحكيم في مهرجان السينما الوثائقي، مهرجان الأفلام القصيرة السينما المغربية، وكذلك مهرجان الأقصر بمصر، ونلت العديد من التكريمات والجوائز داخل وخارج الوطن، منها تكريمي في مهرجان السينما يالقاهرة مؤخرا، وكذلك في محافظة المنيا بمصر وغيرها.

❊ ماذا تعني لك هذه التكريمات والمشاركات رغم صغر سنك؟  

— أنا لا أفضل تسميتها تكريما نظرا لصغر سني (27 سنة)، فأنا لا أمثل شيئا أمام أهرامات وفناني المغرب، يمكن أن أسميه احتفاء لأن التكريم هو مسؤولية يتحملها الفنان ورد الاعتبار له، فهذا يحفزني على أن أكون دائما في المستوى اللائق سواء في الأعمال الفنية أو مع الجمهور داخل وخارج الوطن.

❊ أول مرة تزورين الجزائر وتكتشفين المسرح الجزائري، كيف ترينه؟

— أول مرة أزور الجزائر وهذا شرفي لي، وأنتهز الفرصة لأشكر الجمهور الجزائري على حفاوة الاستقبال وحسن الكرم انطلاقا من المطار، وخصوصا منطقة الوادي، وهذا شيء يعرف به الشعب الجزائري. أما عن المسرح الجزائري فهو قريب جدا من المسرح المغربي وفيه تشابه وتقارب، ثم المسرح الجزائري في تقدم ويعرف انتعاشا ملحوظا، والدليل على ذلك العرض المسرحي "أنا والماريشال"، كان عرضا جميلا ونافس العرض المسرحي التونسي "جانت"، حيث كان عليهما جدال مع لجنة التحكيم، استمر لثلاث ساعات، وفي الأخير يبقى دائما العرض الأحسن هو من ينال الجائزة. وعن المهرجان كان متميزا ببصمته في الطبعة الخامسة بعروض مختلفة وراقية، والجوائز كانت في محلها والجمهور كان راضيا على لجنة التحكيم والنتيجة. 

❊ ما هو شعورك وأنت عضو في لجنة التحكيم مع هذه القامات الكبيرة رغم صغر سنك؟

— أنا جد سعيدة بتواجدي في لجنة التحكيم مع هرم من أهرام المسرح الجزائري، الأستاذ عمر فطموش والفنان المقتدر منجي بن إبراهيم من تونس، والفنانة القديرة ونمرة المسرح الليبي سعاد خليل، يشرفني أن أكون من بين هذه القامات الكبيرة، هذا شرف لي، وقد استفدت من هذه اللجنة، فهذا العمل يُضاف لي في سيرتي الذاتية، كما ساد المرح والانسجام بين أعضاء اللجنة، وكانت لنا نفس الملاحظات ونفس الآراء من حيث الإيجابيات والسلبيات. 

❊ هل من مشاريع في الأفق؟

— أقوم حاليا بتصوير فيلم سينمائي "رداد فراشة" للمخرج إسماعيل بوحوس، وقد شاركت مؤخرا في سلسلتين لرمضان؛  "إضراب نار" و«النصيب"، وأحضر لفيلم سأقوم بإخراجه وهو فيلم اجتماعي سياسي.

❊ هل من كلمة ختامية؟

— أنا جد سعيدة بتواجدي في الجزائر من خلال هذا المهرجان الذي أتمنى أن أكون قد أضفت شيئا له، كما أشكر الجمهور الجزائري على حسن الاستقبال والاستضافة، ونحن الشعب المغربي والشعب الجزائري إخوة، أشعر أنني خرجت من بلدي وأهلي في المغرب ودخلت عند أهلي في الجزائر، أشكر التكريم الذي حظيت به من طرف إدارة المهرجان، فهذا التكريم ليس لي فقط وإنما هو تكريم لجميع الفنانات المغربيات وللإبداع المغربي ولبلدي المغرب، دون أن أنسى الشكر الجزيل لجريدة "المساء" على هذا اللقاء الجميل.  

-------------------------------------
المصدر : المساء 

الفنان المسرحي عمر فطموش : لابد من التكوين وتحرير المسارح الجهوية من التقيد القديم

مجلة الفنون المسرحية

الفنان المسرحي عمر فطموش :  لابد من التكوين وتحرير المسارح الجهوية من التقيد القديم

حاورته: وردة زرقين

المسرح أبو الفنون، وتملك بلادنا أجمل المسارح في العالم بما يقدر بـ19 مسرحا جهويا. كما تحوز ذخيرة أدبية قوية، لكن الإشكال الموجود أن المسرح الجزائري رغم أنه في ورشة كبيرة وله تجارب كبيرة، لم يصل إلى ما وصل إليه المسرح التونسي والمغربي في المغرب العربي.«المساء» التقت الفنان المسرحي ومدير مسرح بجاية سابقا،  الأستاذ عمر فطموش، خلال الأيام المغاربية للمسرح بوادي سوف، وكان هذا الحوار حول تقييم المسرح الجزائري ونشاطه وممارسته المسرحية وكذا الهياكل المسرحية.

❊ كيف تقيّمون المسرح الجزائري منذ ظهوره إلى يومنا هذا؟

❊❊ تقيمي للمسرح الجزائري من جانب المنابع الأولية والمؤسساتية لهذا النشاط الذي هو حقيقة دخيل على العرب، فتقييمي للمسرح الجزائري الذي لا يوجد كمفهوم مسرح جزائري، أو تقييمه كنشاط مسرحي في الجزائر، فهذا إشكال أولي، لأن إلى يومنا هذا لم نصل ولم نتفق على هوية هذا المسرح الجزائري، فإذا كان مرتبطا بالظواهر اللامسرحية التي كانت في شمال إفريقيا منذ قرون ويشرف عليها اليوم الناشر كإشكال فرجوي مسرحي، هنا أقول بأننا سبقنا الإغريق، وإذا تكلمنا فقط عن الممارسة المسرحية في الجزائر فهذا شيء آخر، وهنا أحبذ التكلم عن الممارسة المسرحية في الجزائر بصفة عامة، أولا نحن نعرف أن المسرح الجزائري ولد من رحم الحرب التحريرية، وهو منتفض ضد الاستعمار والحقرة، وبقي منتفضا طوال السنين حتى بعد الاستقلال وإلى يومنا هذا، فهو مسرح متمرد بما يسمى بمسرح الطليعة، والمسرح وجد إبان الثورة التحريرية وكان يخدم الثورة والمجتمع الجزائري، بحيث ساهم بقسط كبير في تحرير هذا البلد العزيز، ويثبت ذلك كل الاعتقالات التي وقعت على محي الدين بشتارزي، القسنطيني وغيرهم، ومنعت أعمالهم المسرحية الكبيرة، منها مسرحية «فاقو» لعلالو. قام الاستعمار بمنعها بتاتا، كما كانت هناك تقارير تمنع هذه المسرحية، وبعد الاستقلال في الستينات، المسرح الجزائر باعتباره بنية «أوبرا» الجزائر أُمم قبل تأميم البترول، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية قررت أن يكون المسرح في الخدمة العمومية ويكون مسرحا للشعب. ومن الفرجة الكبيرة أنه حضر شي غيفارا أول عرض مسرحي في عام 1963 في قاعة الأوبرا بالجزائر في مسرحية «1830» لولد عبد الرحمن كاكي، ومنه حيا شي غيفارا هذا المسرح العظيم والثوري، ليستمر هذا المسرح على طريقته وعلى طريقة المسرح الهاوي الذي هو وليد المسرح الثوري الذي أراد أن ينقل هذا التمرد على المعسكرين والحقرة، ويقف إلى جانب الفلاح والعامل والمرأة وكل المحرومين في المجتمع الجزائري، وكانت أغلبية ممارساته هاوية. وفي بداية السبعينات، كانت 4 أو 5 مؤسسات، منها المسرح الوطني بقسنطينة، في سيدي بلعباس، في عنابة ووهران، وإلى غاية بداية الثمانينات ظهرت المسارح الجهوية الأخرى، لكن بقي المسرح الهاوي هو العامل الأساسي الذي خلق الممارسة المسرحية. وإذا تكلمنا اليوم عن الممارسة المسرحية في الجزائر، وبحكم التاريخ، نتكلم عن الممارسة المسرحية الهاوية بما يسميه الإنجليز الموازية. والمعروف في كل بلدان العالم بأن المسرح الموازي أو الهواة أو الشباب إنما هو الذي يخلق الممارسة المسرحية الحقيقية في الجزائر، وخلال سنوات الثمنينات، احتكر المسرح الهاوي السياسة لأن الركح كان سياسيا وكان الخطاب سياسيا، فكان المسرح رائدا في ذلك. لكن للأسف، لم تبق له هذه الريادة وهذه السيادة، لأنه بعد عام 1988 ساهم في الانتفاضة الشعبية، وظهرت الأحزاب السياسية والمنابر الأخرى التي شاركته في هذا التمرد. وضاعت بذلك مملكته وانتقل الخطاب السياسي من خشبة المسرح إلى منابر الأحزاب السياسية التي استحوذت على الخطاب السياسي، وتعرى حينها المسرح الهاوي الجزائري من التمرد وبقي له خيار واحد، وهو الفن واستعماله كآليات فنية لتقديم أي خطاب سياسي أو اجتماعي، فكانت أعمال جديرة بالذاكرة. كما ظهرت مسارح جهوية كثيرة، وأصبح اليوم المسرح الجزائري في ورشة كبيرة وتجارب كبيرة، لأننا عبرنا عدة محطات؛ حرب التحرير، الاستقلال والعشرية السوداء التي لم تعطينا وقتا للتفكير. كما وُلدت مدارس للمسرح وجاء خطاب جديد أدى  بالمسرح إلى الدفاع عن نفسه. فكل المبادرات أرغمت المسرح على أن يتوقف في هذه المرحلة لمدة 10 سنوات، وهي عطلة مرغمة، وتنطفئ بذلك أضواء الإنارة وتُغلق المسارح ويُقتل الفنانون. تعتبر مرحلة قاسية جدا في تطور المسرح في بلادنا، نحن نكسب مسرحا رائعا على المستوى العالمي، لدينا مفكرين ورجال مسرح وحتى شباب اليوم الذين يعملون بجدارة.

❊ ما هو الإشكال إذن؟

❊❊ الإشكال الأساسي يكمن في التكوين، لدينا هياكل وبنايات مسرحية يقارب عددها 19 مسرحا جهويا. لا يوجد في الجزائر اليوم تكوين مسرحي يمكن أن يحررنا من التبعية الغربية، ويمكّننا من تحضير ذخيرة من الفنانين والشباب الذين يمكنهم أن يمتعونا في الفرجة.

❊ كيف يكون التكوين في رأيكم؟

❊❊ يجب فتح مدارس وإرسال بعثات من الشباب ومن الجامعيين إلى بلدان خارجية للتكوين، أو نأتي بمكونين من الخارج من بلدان عربية أو أوروبية لها مكونين كبار في المسرح، مثل تونس الشقيقة التي هي رمز من رموز تكوين الشباب وجيوش من الممثلين. نحن لا نخلق فلسفة جديدة، فقط يجب الاستفادة من التكوين على مستوى المدارس أو معاهد فنية في الاختصاص الحقيقي في المسرح، وفي التكوين الموازي الذي يمكن أن يكون في مستوى المسارح الجهوية ودور الثقافة، ثم التكوين الموازي للفرق الهاوية، وكذا فتح فضاءات للتكوين الأكاديمي، ثم الدخول إلى المدرسة بقوة. فنحن إن لم نعد مدرسة لا نعد شيئا، حتى يدخل المسرح بقوة كمادة بيداغوجية لتعليم المسرح في المدرسة، انطلاقا من السنوات الأولى، مثلما يعمل أشقاؤنا في تونس والمغرب، أنا لا أتكلم بما يسمى المسرح المدرسي الذي يُعتبر ممارسة ظرفية للنشاط المدرسي، أنا أتكلم عن تعليم المسرح كمادة بيداغوجية في الاختصاص المسرحي، أو الاختصاص السينمائي وغير ذلك. للأسف نحن على مستوى التكوين بعيدين جدا ومتأخرين. من جهة أخرى، رغم أن المسارح الجهوية قدمت أعمالا ونشاطات، ثم هناك ترميمات للمسارح الجهوية والعمومية، ونحن نفتخر بهذه المكاسب. أنا أتكلم كمدير قديم لمسرح بجاية، لدينا أجمل المسارح في العالم ومن هذا الباب نحمد الله، وحتى بالنسبة للتهيئة التقنية، وكان هذا على مستوى وزارة الثقافة التي قامت بدورها في السنوات الأخيرة، لكن الشيء الذي بقي أن هذه المسارح بقيت في بنيتها القانونية القديمة، فهذا الترميم الهيكلي لم يتبعه ترميم قانوني وهذا يتطلب ترميم قانون على مستوى دفتر الشروط، لأننا نسير على نمط مسرح جهوي منذ الستينات إلى يومنا هذا.

❊ ألا تعتقد بأنه لا بد من قوانين جديدة؟

--أكيد لا بد من قوانين جديدة تخدم المعطيات الجديدة، فهذه القوانين لا تسمح بخوض هذا المنهج. يجب تحرير المسارح الجهوية من التقيد القديم، وإعطائها مختصين في القانون، في التجارة وفي التسيير لفتح الأبواب وإعطاء للمسارح الجهوية فرصة حتى تتماشى والمعطيات الجديدة للسياسة والاتصال في الجزائر. كما يجب تقديم برنامج التكوين في كل مجالات الاختصاص؛ في التمثيل، الإخراج، الكتابة المسرحية وحتى التقنيين.

❊ وماذا عن الكتابة المسرحية في الجزائر؟

❊❊ النصوص المسرحية حاضرة، ولدينا ذخيرة أدبية قوية، نملك كتّابا مثل رشيد بوجدرة، واسيني لعرج، أمين الزاوي وكذلك شباب وقصص جميلة، لكن ينقصنا التكوين بما يسمى «دراما تورك» الذي يقوم بإعداد النص الروائي في المسرح، وعندما يكون غياب النص المسرحي الأصلي سوف يكون غياب «دراما تورك»، خاصة أن هناك إمكانية ترجمة العرض، وهو يتواصل، علما أن المسرح له لغة عالمية. أقول وأؤكد؛ هنا نحن ليس لدينا أزمة نص، بل أزمة «دراما تورك» الذي يمكن أن يُخرج النص من أصليته الأدبية إلى صيغته الدرامية، وهذا يتطلب تكوينا عن طريق مختصين. 

❊ في رأيكم، كيف يمكن أن نطور المسرح في الجزائر؟ 

❊❊ إذا أردنا أن نخرج من هذه الأزمة، يجب أن نطور المسرح الجواري، وخروج العائلات من المنزل لمشاهدة العروض المسرحية، لأن المسرح هو المتعة. كما يجب أن نخرج المسرح من العلبة السوداء وهي علبة إيطالية وليست علبة جزائرية أو مغاربية. هي علبة غربية ونحن نقلد ما يجري في الغرب. علينا محو هذه العلبة وفتح الآفاق في فضاء مفتوح، ولابد أن أنتهز الفرصة وأنا متواجد في وادي سوف لأقول؛ لما لا برمجة عروض مسرحية على الكثبان الرملية، صحراؤنا شاسعة ويمكننا أن نقوم بهذا العمل وإخراج جمهورنا من هذه العلبة الإيطالية لكي نعطي عرضا حميميا للمسرح الجزائري.

❊ كيف تقيّمون المسرح المغاربي بصفة عامة؟

❊❊ المسرح المغاربي بكل صراحة في تونس والمغرب، يقدم عملا كبيرا عن طريق التكوين، كذلك بالنسبة للإنتاج المغاربي فهو كبير سواء في تونس أو في المغرب. أنا متفائل أنه في المغرب الكبير يمكن أن تكون لحظة مسرحية حقيقة، خاصة إذا التقت النوايا، كعملية تضامن وتوحيد المسرح المغاربي، لاسيما أن لنا نفس التقاليد والعادات واللغة، وهناك حركة كبيرة بدأت تظهر في المغرب الكبير، ويمكن أن نقوم بمسرح مغاربي بمستو عال وجميل إذا توحًدت النوايا.

--------------------------------------------
المصدر : المساء 

الاثنين، 27 فبراير 2017

كرستينا فلوتور: "في بدايتي اعتقدت أن المـسرح يحقق لي رغبتي في التمثيل"

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption