أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
الثلاثاء، 16 مايو 2017
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
مجلة الفنون المسرحية
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
د. سامي الحصناوي
مقدمه لابد منها
غالبا ما تتصارع الايدولوجيات لتثبت إن احدها الأحق بألبقاء من الأخرى ...وكذا النظريات التي تحاول أن تزيح مثيلتها او غريمتها لتتسيد الساحة وتعلن أنها هي صاحبه الرياده والأولى في البقاء والوجود .. وكذا النظريات ألمسرحيه منذ نشأتها كانت تتبلورعلى وفق معطيا ت المحيط والبيئه والظروف التي نشأ ت بها ،حيث مثلت جمله حقائق أفرزتها طبيعة المجتمع وأفكاره بعد تبنيها على مستوى الاقتصاد أو السياسة أو التكنولوجيا ... فمن الكلاسيكية ألقديمه لليونان والقوانين الصارمة في الوحدات الثلاث و التطهير الى الكلاسيكية الجديدة في منتصف القرن السادس عشر وفهمه على الأسس ألقديمه في النظام والوضوح والمثاليه مع الابتعاد عن المواضيع الاسطوريه او الصراع الخارجي بين الانسان والقوى الخارجيه وضعف الالتزام بالوحدات وابتعادها عن التطهير ومحاوله مزج الكوميديا مع التراجيديا ،ثم جاءت الرومانتيكيه كرد فعل على تزمت الكلاسيكيين ورجعيتهم،فكانوا ميالين الى مناقشه المواضيع الحديثه وترك الوحدات نهائيا وضروره عرض الحوادث في اماكنها الطبيعيه وجعلها تتحدث عن ذات الانسان لا الجماعه ..ثم جاءت الواقعيه لترسخ مبدأ الجماعه والهم العام لسواد الطبقه المسحوقه ...ثم اتت الطبيعيه ربيبه الواقعيه لتكرس مبدأ حقيقه الشئي ونسخ الحياة على خشبه المسرح بلا ادنى رتوش ، وهكذا استمر هذا الحال الى عصرنا الحديث والمعاصر حيث ظهر ( فرويد ) فمتزج علم النفس بنظرياته المعقده مع خطورة تحليل الشخصيه وسلوكها ،حيث جاء ( ستانسلافسكي ) بطريقته الاندماجيه واقامته الجدار الرابع ،وكذا جاء (برخت ) حيث ازال هذا الجدار الوهمي ليعلن تغريبه المسرح ،وهكذا باتت تترسخ فكرة الاحلال والحداثه ليكون المسرح عرضه للنفلات المبدع على الصعيد الفكري والشكلي وليعلن روح الحريه والثوره على اشكاله التقليديه وخروج الممثل من رق جدرانه المتحكمه الى ساحه الانعتاق في المسارح البسيطه العدد والاتجهيزات ومن ثم الى الشارع والجبل والسهل والكهف والمقهى والكنيسه والهواء الطلق لينفتح عصر جديد من تحرير المكان المسرحي في تقليديته على اعتبار ان الخشبه هي اعادة بناء وليست طبيعتها البنائيه التي تجعلها خشبه مسرح بل حقيقه كونها تمثل مكانا دراميا . وليكون هدف تلك الاماكن الجديديه والممسرحه حديثا هو ازاله حدود الفضاءات والمساحات الوهميه المفترضه ولتكون وحدة امتزاج الخشبه مع الصاله هما هدف هذا المكان الممسرح وأبراز جمالياته على وفق عشوائيته وتكوينه الوظيفي او الفطري الاول ، ولكن ثمه اشكالات في تجربه مسرحة المكان ..اهمها...هل يفترض ان هناك صلاحيه او تطابق بين النص المكتوب وتفاصيل وطبيعة ذلك المكان الممسرح ؟ .ثم مدى قدرة ذلك المكان الحر(الممسرح ) على استيعاب حركة الممثل مع الجمهور والعناصر المسرحيه الاخرى ؟ ثم ماهي نسبة الالفه بين ذلك المكان الممسرح والممثل والمتلقي في اجواء قد تبدو غير مريحه نوعا ما ؟ وما قدرة ذلك المكان الممسرح على التأثيرالدرامي على الممثل والمتلقي في ان واحد ؟ ومدى السيطره الميدانيه للممثل على المؤثرات الجانبيه من ضوضاء وصخب على تركيزه وانتباه ؟ واخيرا ما هي الجماليه من الممارسه في تلك الاماكن في الشكل والمضمون ؟ وبتالي هل يمكن للمكان المسرحي ( الحر) ان يمنح العرض المسرحي بعداً جمالياً ذا تاثير فكري وبصري ؟؟
وتعاريف لابد منها
1 - الجمال :-
يعرف الجمال لغوياً بأنه " صفه تلحظ في لاشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا ،وعلم الجمال باب من ابواب الفلسفه يبحثفي الجمال ومقايسه ونظرياته ،ويقال جمالك :اصبر وتجمل وجمالك الاتفعل هذا :لاتفعله والتزم الامر الاجمل "[1] . كما يعرف الجمال اصطلاحاً بأنه " نزعه مثاليه تبحث في الخلفيات التشكيليه للانتاج الادبي والفني ، وتختزل جميع عناصر العمل في جماليه "[2] وكذالك " تفيد الجماليه بمعناها الواسع محبة الجمال ،كما كما يوجد في الفنون بألدرجه الاولى وكل ما يستهوينا في العالم المحيط بنا "[3] كما يعرف " بأنه اللذه المتحققه موضوعياً "[4] .
2 - المكان :-
يعرف المكان لغوياً بأنه " مكان ، يستقرفيه- ومن الشئ: قدر عليه او ظفر به "[5] . وجاء في كتاب التعريفات بأن " المكان المعين له اسم نسميه به بسب أمر داخل في مسماه ، كالدار فان تسميته لها بسبب الحائط والسقف وكلها داخله في مسماه "[6] . وفي موضع اخر فأنه " المشهور بين الناس جعل الارض مكاناً للحيوان والهواء المحيط به حتى لو وضعت الدرقه على رأس فيه بمقدار درهم لم يجعلوا مكانها الا القدر الذي يمنعها من النزول كذا "[7] . اما المكان اصطلاحاً فأنه"المكان الاليف وذلك هو البيت الذي ولدنا فيه أي بيت الطفوله ،انه المكان الذي مارسنا فيه احلام اليقظه وتشكل فيه خيالنا،فألمكانيه في الاول هي الصوره الفنيه التي تذكرنا او تبعث فينا ذكريات بيت الطفوله ومكانة الادب العظيم تدور حول هذا المحور"[8] .
3 - المكان الحر ( الممسر ح ) :
يعرف الحر بمعناه اللغوي بأنه "خلاف العبد ، ومنه التنزيل ( اني نذرت لك ما في بطني محررا "[9] . اما في معناه الاصطلاحي المسرحي فهو " تحرير مفهوم الخشبه من قيودها البنائيه"[10] . وكذلك فأن المكان الممسرح ( الحر ) ليس فيه من " الضروري ان يكون فضاء الخشبه فضائاً ، لأن الصوت يستطيع ان يكون الخشبه والموسيقى تستطيع ان تكون الحدث الدرامي والمشهد ان يكون النص "[11] . وكذلك يمكن "ان يكون مسرحاً بشرط ان يوفر مكاناً كافياً لتحريك الممثلين ووجود الجمهور "[12] .واخيراً فأن المكان الحريعني " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني لا متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لانهائيه لمساحة المسرح "[13] .
4- المكان المسرحي :-
هو المكان المسرحي الذي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي ،مدرج المسرح الروماني ، اوبرا باريس )"[14]. وفي موضع اخرهوالمكان " المحافظ دائماًوبشكل صارم على حدوده الفاصله والنظم الانسانيه حددت هذه الحدود بأنشاء مبان مخصصه للمسرح بل وتحمل اسم المسرح ،ولكن المباني المؤقته التي التي يتم اقامتها في الساحات اوفي الملاعب ليست اقل انعزالاً وتحديداً بشكل تقديري ان لم بشكل مادي عن بقية العالم"[15] . وكذلك يعني " ان يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها"[16]
المحطه الاولى :- العرض المسرحي بين العلبه و مسرحة المكان .
يدرك الجمهور الاغريقي عندما يتوجه الى مسرحه ويشاهد احدى عروضه فأنه سيرى ان ذلك المسرح بلا سقف وان السماءفوقه يعجز ان يتجاهلها وان الريح والدخان والمطر وضوء الشمس داخله اليه في اي لحظه لامحال ،ومثل هذا التواجد كان يسبقه ارث بدائي في المشاهده ،ففي بداية الامرلم يكن المسرح الاغريقي يعرف هذا البناء المهول من المسارح الكبيره بل كان يقدم عروضه الاولى في زمن ( ثسبيس ) عام (535ق.م ) على عربات حيث يذكر" هوراس شيئاً عن (عربه) ومنها يمكن الاستنتاج ان ثسبيس لابد وأنه كان يقف على عربه في وسط الكورس وانه كان يمثل لجمهوريحيط به من كل ناحيه "[17]، هذه البدايه الصعبه للمسرح الاغريقي قد بدأت في فضاء بعيد عن المساحات التقليديه للمسرح ،ومثل هذه العروض كانت تقدم في الاسواق والقرى ،ولكن بتطور الدراما الاغريقيه بعد ذلك وظهورالمسابقات الرسميه ظهر المسرح المفتوح الواسع حيث " اتخذ المسرح الاغريقي شكله المعروف بمدرجاته التي تستقرعلى الارض الصلبه في اسفل الجبل ، ولعل مسرح ( ديونيزيوس) بأثينا الذي قدمت عليه لاول مره مسرحيات ( اسخيلوس ،وسوفكلس،ويوربيدس،وارستوفانيس ) اشهر المسارح الكلاسيكيه"[18] ثم بعد اقيمت بعد ذلك المدرجات الكبيره على شكل نصف حدوه ليأخذ الشكل النهائي في تقديم العروض اللاحقه حيث اصبح الجمهور الاغريقي يرى العروض من مكان مرتفع خلاف المرحله السابقه حيث كان يجلس بمستوى واحد في مسرح دائري كبير، فقد" تطورفعل المشاهده بطريقه متأمله من فعل المشاهده التلقائي بطريقه تنطوي على المشاركه ومن تحديد فضاء مخصص للمشاهده كما يتجلى في نشاط المسارح المتقدمه التي تأخذ شكل حدوة الحصان"[19] . اما في العصر الروماني فقد اخذ الكثير من التصميم العمراني الاغريقي بالاضافه الى انشاء مسارح ذات خشبه عملاقه تميزت بخشبه مسرح طويله وضيقه تمثل شارع تحيط به عدة منازل ، حيث ان " بعض هذه المسارح المؤقته كانت من النوع الذي يستخدم في الاحتفالات الخاصه بالانتصارات العسكريه اكثر من استخدامه لاحتياجات العروض المسرحيه"[20]. ولكن بعد ذلك ظهرت الحاجه الى بناء مسارح من الحجر ،حيث باتت النزعه المتعاليه الرومانيه تتفاخر بهذا السمو ففي عام " 154 ق،م تم بناء مسرح روماني من الحجر ولكن مجلس الشيوخ الروماني الذي كان مشهورا بتزمته قد اصدر حكما بهدم هذا المبنى ، ثم بعد ذلك بمائه عام (55-52) بنى بومبي اول مسرح ثابت "[21] . اما في العصور الوسطى وبعد سقوط روما عام 476 ظهرت الدراما من جديد في القرن العاشر ظهرت عدة فرق من الممثلين المتجولين حيث كان هناك ثلاث انواع من المسارح التي كانت تعرض في الهواء الطلق وكانت متحركه لانها تمثل على عربات او على مصطبات مؤقته فألاول هو " مسرح المصطبه المؤقت للفرق التمثيليه الجواله والثاني المسارح المتصله المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار والمعجزات والثالث مسارح العربات المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار الانجليزيه والالمانيه "[22]. ولكن عندما عادت الكنيسه للاهتمام بالدراما الدينيه وتبنت هذه العروض وادخلتها بين اسوار الكاتدرائيه لتدخل المسرحيه الان من فضائها الرحب والمتحرك المتجول الى دهاليز الكنيسه وزخرفتها الجميله حيث " شغلت دراما الطقوس الدينيه التي ازدهرت داخل الكاتدرائيه مكانه ما بين الشعائر الدينيه والاطارالفني للمعمار والنحت والزجاج الملون "[23] وقد استفاد العاملون من زوايا الكاتدرائيه مثل سرداب الكنيسه والمقابر الملاصقه ، والغريب ان معظم الفرق كانت تطوف الشوارع قبل دخولها للعرض داخل الكنيسه وكأن المدينه باتت هي المكان المسرحي الخاص بهم ، وفي عصر النهضه باتت النزعه الارستقراطيه هي المهيمنه على مستوى البلاد ، لذا فان معظم هذه المسارح المزخرفه اصبحت داخل قصورالامراء والارستقراطيين ، ولكن هذه الاحتكاريه للعروض داخل القصورحثت مجموعه الشباب البحث عن عروض خارجها والتوجه نحو اسلوب راديكالي شعبي يحقق الذات لهذه المجموعه من الممثلين فقد " شجع مركب من الاماكن المسرحيه التقليديه المحدوده ورغبه مخرجين تجريبيين في تجريب اماكن غير تقليديه شجع ذلك على استخدام الميادين وساحات القرى "[24] . وبذلك تبنت تلك المجموعات الخروج الحر الى الاماكن العامه لاول مره في عصر النهضه من خلال ادراك واعي بالاسلوب التجريبي وعدم حصر العروض داخل الابنيه المشيده لهذا الغرض بالذات ، ورغم ذلك فقد تبنت في عصر النهضه مسارح ضخمه تعبر عن الزخرفه المعماريه في هذا العصر التنويري ، فقد كان هناك المسرح الاولمبي الذي بني على الطراز الكلاسيكي ثمرة الجهود المستمره لجماعة عصر النهضه ، والذي يهمنا هنا هي الاماكن التي مسرحت واخذت تقدم العروض خارج نطاقها التقليدي او الوظيفي بحثا عن مصاهره طبيعيه بين النص واحداثه وبين بيئه التقديم حين تكون هناك ملائمه حقيقيه بين احداث النص والمكان الذي اصبح عنصرا دراميا وجزء من التركيبه
المعماريه للعرض المسرحي سواء كان ذلك العرض داخل غرفه الرياضه او النوم او السوق او الكنيسه اوالمعمل او السجن او غابه او جبل او كان ذلك المكان الممسرح فيه سقف او بلا ،
فالغرض هنا هو الخروج من مسرح العلبه الايطاليه والتحول الراديكالي في مكان العرض المسرحي ، لقد تمرد التجريبيون اواخر القرن التاسع عشروبداية القرن العشرين على النمط المتكررللعروض التقليديه واماكن عرضها حيث ان " التيارات المسرحيه في القرن العشرين اظهرت رد فعل مضاد لهذا الاتجاه وشهد هذا القرن الابتعاد عن الفضاء المسرحي المعماري الجامد وانتشار مفهوم مواءمه الفضاءات التي تصنع المسرح والقدره على ان نتخذ اية مساحه فارغه ونعتبرها خشبه مسرح عاريه "[25]. وقد يكون الرومانسيون وفي مقدمتهم ( فيكتور هوجو ) من شجع على الخروج الى اماكن اكثرقدره على امتلاء الروح وامكانيات المشاهده ، حيث اصر(هوجو) كجزء من جداله ضد الوحده التقليديه للمكان على اهمية تحديد المكان في الدراما فأن " الموقع المحددهو واحد من اوائل عناصر الواقعيه ، فلا تستطيع الشخصيه المتحدثه او المؤديه وحدها ان تترك انطباعاً صادقاً في روح المشاهد عن الحقائق ويصبح المكان الذي تحدث فيه مثل هذه الكارثه شاهداً قوياًلاينفصم عنها "[26] . ثم توالت هذه التحديات لتعلن عن ولادة المخرج ( ماكس راينهارت ) ففي بداية القرن العشرين قدم مسرحية (كل انسان) على مسرح في الميدان المقابل للكاتدرائيه الكبرى في سالزبرج مستفاداً من الشوارع المحيطه وببرج الكنيسه ، كما قدم مسرحيه ( حلم منتصف ليله صيف ) في الثلاثينات من القرن العشرين في غابه حقيقيه ،وفي الستينات كان اكثر العروض نجاحاً ذلك الذي قدم في " الاكروبوليس في اثينا وفي برج دافيد في القدس وفي باريس وفي الاهرام في مصر وفي برسيوليس في ايران "[27]. وكذلك العرض الذي قدم في الستينات والسبعينات وهو بعنوان (ست فصول شعبيه) في مصنع مهجور في بلجيكا ، والذي عبر هذا العرض عن ديناميكيه ابداع هذا النوع من الدراما ، وكذلك قدم في الثمانينات مسرحيه (كما تشاء) ومسرحيه (شكسبير المخلص) في الغابه حيث علق عليها " لم تترك الصوره أي شيئا للخيال فقط ، لقد كانت ادق من تقليد للواقع بدقه تصل الى دقه التصوير الفوتغرافي بل كانت الواقع نفسه "[28]. من هذا نرى المحاولات الحثيثه للتمرد على الخشبه التقليديه واقامه العروض في اماكن قدتتطابق بنيتها مع احداث العرض ، وهذا يكون اكبر في المسرحيات التاريخيه حيث يطالب دعاة المسرح الواقعي اكثر ملائمه وانسجام بين احداث العرض والبيئه الجغرافيه الاجتماعيه لذلك العرض وكذلك وحدة الاندماج الموضوعي بين المؤدي والمتلقي ،والمدافعون عن هذا النوع في الخروج المكاني يقولون ان المهم هو اداء الممثل لا الزخرفه المكانيه وحجمه ودقه بناءه ، ان الخروج على الخشبه التقليديه في الوقت الراهن بات امرا معروفا لا سيما عند الفرق الجواله التي لا تملك الامكانات للعرض الثابت حيث" تعمل فرق كثيره كجماعات متجوله في مدى صغير او متوسط دون ان يكون لها مسرح خاص بها "[29]. ومنذ بدايه القرن العشرين لاسيما النصف الاخير منه جرت محاولات حثيثه لركوب موجة الانزواء عن التقليديه في العروض المسرحيه وباتت وكأنها قد صنعت مستقبلاً لستقبال احداث العرض المسرحي نحو الاهتمام بالشكل لا المواءمه بين جغرافيه المكان واحداث العرض ، وانطلقت تجريبيه المسرح وعشوائيه مكان العرض من " المسرح الدادي ، وهي حركه فنيه انتشرت في فرنسا وسويسرا حوالي ( 1916- 1920) وتؤكد على حرية الشكل بعيده عن القيود التقليديه ، وقد استمرت مع مسرح (ارتادو) المتسم بالقوه والمسرح الملحمي لبرشت "[30]. وقد اطلق على هذا المسرح اشكال مختلفه كألمسرح البيئي والفن الادائي ثم المسرح ذي الموضع المحدد، ولكن هذه الحريه في الشكل الفرضي لحرية المكان المسرحي وعدم اهميه التطابق بين النص واحداثه وبين البيئه المكانيه للعرض جاورها مهتمون ايضا برفض الخشبه ولكنهم جعلوا من مسرحة المكان عنصر الهام او مؤاءمه شديده بين جغرافية المكان الممسرح وبين احداث العرض من خلال "تشكيل الافكار التقليديه لمواقع الفضاء المسرحي بدقه شديده "[31]. وهكذا ينطلق المكان الحر او الممسرح بلا حدود ويعمل على بلورة الغاء المساحات الفضائيه وتصنيفها او الحدود الفاصله لتكون مساحه واحده لاتفرق بين الصاله والخشبه او مؤدي ومتلقي ولتمتزج كل عناصر المسرح في بودقه واحده معلنه كسرحدود الفضاءات وعلانها منطقه فضائيه واحده ليدخل المكان الممسرح الحر حاله من صيرورة الاندماج الذاتي مع عناصره ليكون سينغرافيه طبيعيه قائمه بذاتها .
المحطه الثانيه :- العرض المسرحي بين جمالية المكان الممسرح والمكان المسرحي
ان جمالية المكان المسرحي او المكان الممسرح تعتمد في البدء على عنصر الخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل عندما يوهم المتلقي على ادراك انه عندما يشيرالى فراغ فلابد ان يقنعه
بوجود شيئا ما في حين ان خشبه المسرح هي عاريه ، وهذا يتطلب امتزاج وعي واحساس المتلقي مع الممثل وخياله المتربص تلقائيا في ان مايشاهده هو حقيقه ماثله امامه " فألمؤدي يعتمد على استعداد المتفرجين والمستمعين للتعاون معه في تحويل خشبة المسرح العاريه الى عشب اخضر عن طريق الخيال"[32]. هذه القناعه المتخيله تتحول تلقائياً الى مدرك حسي بواقعيه المكان وكذلك حدوده الجغرافيه والزمانيه ففي " العرض المسرحي يفضي الوعي بوظيفه نقيضه المكمل فأدراكنا لخصوصيه المكان المسرحي يشحذ وعينا بالمكان الواقعي المناظر له"[33]. حيث تتفاعل صفة الترابط بمسلمات الثنائيه ( الوهم والحقيقه) فيحصل التحول في ذهنية المتلقي من مجرد تصور باللعبه الحاصله امامه الى وعي بأن ما يشاهده هو حقيقه مرادفه للحياة التي يعيشها ولحظه المشاهده الحاصله زمن العرض، لذا فالمكان المسرحي ( الذي وظيفته العرض المسرحي) او المكان الحر(الممسرح الذي ليس وظيفته الاصليه العرض المسرحي) يعتمد التجسيد الخيالي من خلال توظيفه بالاشاره فهو مكان فارغ اوعشوائي، او أي مساحه خاليه في نظر (بيتر بروك) ففي كتابه(المساحه الخاليه) حيث يذكر كيف " يستطيع فعل الاشاره والتعريف ان يحول أي مكان الى عرض مسرحي"[34]. ويذكر كذلك ان أي اشاره علاماتيه مثلاً، قطع الاكسسوار او أي قطعه من المهمات المسرحيه او حتى الممثل ذاته يشكل امتلاء افتراضي يعني تحول أي مكان عاري الى مكان اخر ممسرح يكون مهيئا للعرض المسرحي فأن" غرس عمود خشبي في الارض يستطيع ان يحول مساحه ما الى مكان للعرض المسرحي ، فالدائره التي يحدها العمود حوله ويشير اليها تصنع حدا فاصلا بين مساحه المؤدي ومساحه المتفرجين ويعتمد العرض المسرحي في مجموعه على هذا التقسيم المبدئ للمساحه الى ثنائيه مكانيه"[35]. رغم ان هذه الثنائيه في محورها تترسخ في المكان المسرحى ولس الممسرح الذي يعتمد في جغرافيته المنتظمه او العشوائيه او الطبيعيه على امتزاج تلك الثنائيه ( ممثل ومتلقي) الى واحده ليس الا، ان جماليه المكان أي مكان اصبح مكاناً للعرض يعني هنا الفته ومطاوعته وما سوف يضيف من قيم جماليه على العرض ، حيث يذكر الكاتب (جاستون باشلا) ان جمالية المكان هو تصور الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هومكان الالفه ومركز تكيف الخيال ، وعندما نبتعد عنه نظل دائما نستعيد ذكراه حيث يقول "حين نحلم بالبيت الذي ولدنا فيه ، وبينما نحن في اعماق الاسترخاء العضوي ، ننخرط في ذلك الدف الاصلي، في تلك الماده لفردوسنا المادي ، هذا هو المناخ الذييعيش الانسان المحمي في داخله"[36]. أي ان هذه الاستعاده للبيت القديم والطفوله تعني الفطره وارتباطها بالمكان، لايخرج عن كونه مكان بكر جرى مسرحته وليس له علاقه بوظيفه العرض المسرحي اصلا فالمكان الممسرح يعني مجازا مكان لم يولوث كما هي الحياة ، ان جمالية المكان تنبع من سكونيته قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبعث من اعماقه عندما تتحول الى علامات فأن "المكان احالني دوماً الى الصمت"[37]. ولكن ما الذي فجر هذه الرغبه في امتلاك المكان البكراو العشوائي او الطبيعي وسرحته للعرض؟ هل هي الدعوه لحظور الطبيعه ؟ ام الرغبه في الثوره والتمرد على السائد والتقليدي ؟ ام الاثنين معاً ، وفي رأي الباحث ان كلا الاتجاهين قابلين للتصديق والمناقشه فأن " الصيغه الجماليه للمناقشه في التواصل التأملي مع الطبيعه بالنسبه لهذا الانسان المعاصر ليس ثمة ما هو اكثر اعتياديه من ترتيب الاحكام العقليه وتنسيقها بطريقه القياس المنطقي"[38]. ولكن المكان قد يعطي تناقضاً جمالياً في نسبته لنا او نسبتنا له او في ألفته او قسوته ، وبالتالي على الصعيد الدرامي قد يضطر المؤلف المسرحي الى الملائمه او التناقض بين المكان والشخصيه حيث " يستطيع الكاتب ان يصور للقارئ خواص الشخصيه اما عن طريق التشابه او التناقض ، وعند استعمال الطريقه الاولى يكون المكان الذي يختاره الكاتب للاحداث متمشيا مع خواص الشخصيه ، اما عند استعمال الطريقه الثانيه فيجب ان يكون المكان متناقضا بشكل حاد مع خواص الشخصيه "[39]. وهناك العلاقه بين المكان الممسرح في أي مكان خارج المسرح التقليدي او ما يسمى مسرح العلبه الايطالي وبين احداث العرض (ملائمةً او تناقضاً) ،فأذا كان المكان غير متسق مع احداث العرض انتهى دور المسرح كؤظيفه علاماتيه ذات رساله حيث ان " التعارض بين العرض والموقع عاده ما يؤدي الى تحييد تأثير العرض ويفسر لنا هذا عدم قابلية الكنائس للتحول الى مسارح ، ذلك ان الرساله التي يبثها الموقع تظل دائما كنيسه"[40] . اما اذا كان العرض واحداثه وحبكته وثيمته وشخوصه موتوالفه مع المكان الممسرح تزداد قوة العرض وتأثيره ، فعلى سبيل المثال اذا كان من الاصلح تقديم عمل تدور احداثه كلها في الكنيسه فانه سوف " يطرح مشكله جديده تتمثل في الرساله العلاميه التي يبثهاهذا الموقع العارض والتي تحمل دلاله الوظيفه الاولى والدائمه للمكان وهي الصلاه ، فأذا كان العرض المقدم في الكنيسه متفقا في موضوعه ومتسقاً في اسلوبه مع نظام العقائد الذي يكرسه المكان ازدادت قوة تأثيرالعرض ، كما حدث عندما قدمت مسرحيه (ت،س،اليوت ) جريمه في الكتدرائيه في كتدرائية كانتربري"[41]. ولكي نضع اسس حقيقيه لاختيار المكان وتقسيمه او وضعه في خانة انتماء النص ومن ثم العرض اليه اوعكس ذلك لابد من تحديد تلك المواقع على اساس مدى درجة التطابق بين ما يعرض على ذلك المكان ومدى اكتسابه الجماليه الحسيه والماديه لطبيعة مستوى الاقناع الذي سوف يحظى به ام عدم القبول ، اولا سوف نستبعد المواقع الدائمه التي تمثل الحيز الطبيعي للمكان المسرحي ، حيث ان هذه المواقع الدائمه قد خصصت اصلا للعرض المسرحي ووضعت الكراسي في الصاله واصبحت في مقام الرؤيه الواضحه لمكان العرض ، وثبتت على الخشبه الستائر والسايكات والهيرسات واجهزة الاناره والصوت وكل ما يتعلق بتقنيات العرض المسرحي ، ولكن الذي يهمنا هي العروض المسرحيه ومواقعها او اماكنها الحره أي خارج بيئتها الحقيقيه ، حيث يوجد مكانان حران هما " المواقع العارضه ، وهي مواقع تقدم فيها العروض المسرحيه بصوره متكرره لكنها غير منتظمه ، وعاده ما تكون ابنيه عامه مثل الكنائس او قصور الامراء والملوك وغيرها ، اما المواقع المحايده فهي تتمتع بميزه هامه هي غموض هويتها التي تفسح المجال للخيال والتصور وتعدد الدلالات فكأنها تحمل طاقه كامنه تنتظر التحقيق الجمالي "[42]. ورغم ان الباحث يميل الى عنصر المواءمه بين المكان الحر او الممسرح وطبيعة العرض واحداثه الى تكامليه فنيه في جملة تناسق مشترك بين المؤدي والمتلقي قائمه على القناعه بواقعية العرض ،ولكن المكان الحر الاخر الذي هو الموقع المحايد فهويمتلك القدره التي تنتظر الفعل المسرحي دون الاخذ التطابقي بينه وبين احداث العرض فكلما " ازداد المكان حياداً في ملامحه ازداده غموضاً وايحاء لهذه الطاقه التي تعني لها المرونه الدلاليه وقدره المكان على التحول المجازي بسهوله ويسرالى مكان مختلف او امكنه متعدده ، ومن هذه الخاصيه او الطاقه المجازيه التي تميز المواقع المحايده يتولد الصراع الابدي بين رغبة المؤدين المشروعه في الحصول على مكان عام دائم يخصص لعروضهم بصوره رسميه علنيه وبين النموذج الجمالي المثالي لمكان العرض المسرحي كفضاء محايد لاتحده ملامح مميزه ولاتثقله سمات ثابته "[43] . هذا الانفلات الجغرافي والعلاماتي في الاماكن الحره جعلها اكثر تحدياً واكبر قدره على اعطاء التنوع الجمالي بسبب غربة المكان وخصوصيته على طبيعة العرض وشكله ، ولكن هناك امراً لابد ان نأخذه بنظر الاعتبار الا هو وضع المتلقي في الاماكن الحره وكيف تعطيه احساس مغاير لما يحسه لو كان جالسا في موقع او مكان دائم للعرض المسرحي وشعوره بانه هوموضع العرض والفرجه مما يعني زجه داخل بنية العرض في ذلك الموقع والاعتقاد بانه هو الممثل حيث تسلط عليه الاضواء شانه شأن الممثل الحقيقي لانه داخل رقعة الحركه والتمثيل، وبذلك تتحجم غربة المكان وغموصه وتزداد جماليته الفطريه وسوف يزول الاحساس بصعوبة الجلوس او الرؤيه لعشواية هذا المكان فيزداد الاصرار على الخضوع لتجربه مغايره بها نوع من الصعوبه والمتعه واحساس الجمهور بانه جزء من هذه العمليه ومشاركاً فيها ذلك الاحساس يجعلنا نحس بأننا " جزء من مناسبه اجتماعيه ما او من واقعة ما تحدث الان امامنا "[44]. وقد يكون المخرج ( ايوجينيوباربا ) من الذين انتفظو على الخشبه التقليديه واخذ يقوم بتمارينه المسرحيه في الهواء الطلق ، واكد على عروض الشارع وجعل المتلقي جزء من العرض كما حدث سابقا فمن " اهم ماجعل باربا يطوير مسرح الشارع هو تفكيره في المشاهدين ، فعلى عكس المسرح التقليدي الذي يحتوي على جمهور مسحور من المشاهدين الذين يجلسون حسب التصميم السائد في حيز العرض ، فأن الممثلين يجب عليهم في مسرح الشارع ان يجذبوا المشاهدين وان يكونوا حيز العرض "[45]. وعليه فان المكان الحر هو مكان اصبح ( بعد مسرحته) مكان مادي مشغول من خلال وجود الممثلين وعلاماتهم وعلاقاتهم بالجمهور ، وهو كذلك اكتسب صفه الفضاء المسرحي الواحد القائم على وحدة الصاله والخشبه ، لاكما يحدث في المسرح التقليدي القائم على الفصل بين مكان العرض ومكان المشاهده ، وبما ان المكان الحر او الممسرح مكان طارئ فأنه سوف تنتفي فيه صفة المسرحه حال انصراف الجمهور عنه بعد العرض ، فألشارع "على سبيل المثال اذا تحول الى فضاء منصي فتره فانه يعود الى وظيفته الحيا[46]تيه لمجرد انصراف الممثلين"3. فالمكان الحر يكسب جماليته من كونه فضاء فطري او عشوائي او طبيعي تتحرك فيه العلامات وتتطور على وفق عشوائيتها الجغرافيه ، اي انه كتله واحده او فضاء واحد عكس المسرح التقليدي الذي يشمل فضائيين (للمؤدي + المتلقي)، ان الفضاء النفسي هو الذي يحدد الفضائين وهو نفسه الذي يحدد الفضاء الواحد في المكان الممسرح وذلك لغياب القواعد المسبقه في عملية الانشاء والتكوين وحظور الفطره المكانيه في وجود حيز ياخذ شكلاً ما في المكان المنصي (مكان التمثيل) ممتزجاً مع مكان الجمهور، ومن ثم يستطيع الفضاء النفسي ان يحدد او يوحد او يلغي الفضاءات ،وعلى هذا الاساس هناك فرق كبير بين المكان المسرحي والمكان الممسرح او الحر ، فالمكان المسرحي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه ،من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي - مدرج المسرح الروماني- اوبرا باريس )"[47] . أي ان المكان المسرحي مكان ثابت ووظيفته الاولى والاخيره هي العروض المسرحيه وتنتمي اليه فسحه مستقله للتمثيل (خشبة المسرح) ووجود المقاعد (الصاله) وغير ذلك الانتماء النفسي والحسي للمثل والمتلقي لذلك المكان ففي " معظم الحالات يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه (قاعده سوسولوجيه) التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها ، ان المكان المسرحي هو جزء من هذه السوابق التي على اساسها يشكل النص الجنيني او النص المبدئى الذي يصفه الكاتب وكذلك عمل الفنان الممارس او المخرج"[48]. اما المكان الحر او الممسرح فهو يشترط كي يحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه او قريبا منه معتمدا على نمط عشوايته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ، وهو مكان مُسرح في غير وظيفته الاصليه ، فقد يكون كنيسه او محطة قطار اوحمام او مكتبه او غابه او سهل ، وسوف يرجع الى وظيفته الاولى حال انتهاء العرض ومغادرة الممثلين والجمهورذلك المكان ، وعليه فان فضاء المكان الممسرح هو فضاء محدد وهذا ما يؤدي الى ان تتحد باقي الفضاءات او تمتزج مع بعضها ، وحتى سينوغرافية هذا المكان سوف تشمل المكان المنصي والجمهور لانه جزء من حركية الفعغل الدرامي والمكاني اوالجغرافي للعرض ، في حين ان تصميم سينوغرافية المكان المسرحي تركز على المكان المنصي دون اهمال مكان المتفرجين او ارتباطها مع عمل عناصر العرض المسانده ، وفي رأي الباحث ان مفهوم الفضاء الوهمي القائم على رؤية ابعد من حدود الفضاء المنصي يعمل في المكان المسرحي المنفلت الحدود الافتراضيه والمصرح به للخيال ان يعمل فيه ما يشاء ولكنه لا يستطيع ان يعمل مباغته خياليه في المكان الحر او البيئي او الممسرح لان حدوده الجغرافيه محدوده وواضحة المعالم ولاتسمح التحديدات الارضيه واجانبيه ان تعمل فعل الفضاء الوهمي وتشظيه على اعتبار ان الفضاء المنصي هو الذي يوحي للفضاء الوهمي على الاشتغال ومشاكسة خيال الممثل والمتلقي على حد سواء نحوابعاد اكثر من حدود الرؤيه الانيه ولحظتها المميزه للانطلاق تحت وطئة الفضاء النفسي الدفين ، حيث انه ومن المعروف " ان الصعوبه التي تصاحب قراءة الفضاء المنصي في مجال الفضاء النفساني تاتي من الطبيعه الفرديه للوهم او الخيال الذي يشكل الفضاء النفساني عند كل فرد "[49]. ومادام الفضاء المسرحي في المكان المسرحي التقليدي فضاء ذو ثلاث ابعاد ومن بينها عمق المكان المنصي ، فأن هذا العمق غير محدد وغير ثابت في المكان الحر او الممسرح وبتالي فهو خاضع لابعاد متفاوته تبعاً لشكله الهندسي او عشوايته الطبيعيه ، لذا فأن فحوى الفضاء المسرحي سوف يخضع جدلياً للتكوين الجغرافي لابعاد ذللك المكان الممسرح ، ومادامت الحدود الجغرافيه وأبعادها غير موجوده في حدودها المختاره لما هي عليه بألفعل وليس كما هو محدد بالدقه في المسرح التقليدي فأن الحدود كلها باتت متداخله بأبعاد فطريه تخضع لارادة حركة الممثل وترتيب مهماته المسرحيه لذا فأن " المفتوح والمعلق والمرتفع والمنخفض والداخل والخارج ، كل ذلك يعمل معاً وفي جو من التناقض "[50]. لذا فأن المكان الممسرح قد يعطي المتلقي الوعي بألمشاهده او الاحساس انه يشاهد عرضاً طيلة الوقت او لعباً دون الاحساس بألفضاء التخيلي او الوهمي بسبب انه جالس في مكان غير المسرح الحقيقي وانه غير خاضع للوهم في حدود الفضاء داخل الفضاء التي تصنعه الاضاءه ، والذي ينشأ من خلال اظلام حدود مكان الجمهور واضاءة المكان المنصي للمؤدي , بينما هذا الاحساس غير غير موجود في المكان الحر لسببين ، الاول هو- ربما يكون العرض في الاماكن الممسرحه ( الحره) نهاراً في الهواء الطلق وبذلك تنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه وحتى لو كانت هناك اضاءه فان الفضاءين ( فضاء الجمهوروفضاء المنصه) اصبحا وحده مندمجه لعدم ترسيم ارضي للفصل بينهما ، حيث " يعني استخدام الاضاءه اننا يمكن ان نخلق فضاءاً داخل فضاء ، ان دخول الاضاءه ادى الى وضع تقليد اظلام صالة المتفرجين وحددت الوعي المكاني للمتفرج بمساحه خشبة المسرح ، وهو وعي مختلف اختلافاً حاداً عن وعيه في المسارح النهاريه المقامه في الهواء الطلق "[51]. وقد يقودنا سؤال عن علاقة المكان الممسرح وطاقة الممثل على اعتبار ان العشوائيه الجغرافيه تبقى على حالها في شكل ومحتوى المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طردياً ونلك العشوائيه وبذلك فأن طاقة الممثل في المكان الممسرح اذا كان محدود الابعاد ربما وعلى الارجح لاتصل الى مستوى تلك المبذوله -في المكان المسرحي ذو الابعاد المرسومه بمساحات ذات اعماق وابعاد ربما تصل الى حدود واسعه لاسيما في المسارح الكبيره لذا " فأن مجابهة قوة الجاذبيه او المقاومه السلبيه تعني استثمار كميه اكبر من الطاقه ،ومن ناحية اخرى اذا كان جزءاً فقط من الطاقه المستثمره بهدف اداء فعل ما تتحررعلى هيئة حركه فينتج عنها تبديد مادي بالنسبه لاقتصاد الحركه ذاتها "[52]. ولكن فائض الطاقه قد يكون اكبر اذا كان المكان الممسرح ذو جغرافيه صعبة التضاريس كوجود العرض في جبل او مرتفع او غابه مما يتطلب من الممثل التسلق او الحفر او الجري بعكس الاماكن الممسرحه ذاتها في الغرف داخل المستشفى او السجن او الممرات او محطة القطار ، ان تلك الطاقه المتوفره عند الممثل في اداءه داخل المكان الممسرح وعشوايته الجغرافيه قد يعطيه الانفلات في الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي بسبب غياب التقنيات المعروفه مثل فتحه المسرح والعمق والستاره والكواليس او الجلوس العشوائي للمتفرجين والمتداخل مع الممثل قد يدفع الممثل الى نوع من التمرد او المشاكسه على الارتجال والذي يعني " فن الخلق في نفس لحظة التنفيذ "[53]. وهذا قد يحصل في ظل ظرف هو نفسه ارتجالي او غير مألوف في المعايير القيسيه المتداوله للعرض المسرحي التقليدي ، وهذا امر غير مرغوب فيه حتى لو كان العرض ليست فيه الموازين الحقيقيه المفترضه في العرض التقليدي ، ان تجربة المكان الحر او الممسرح نابع من هواجس صانعيه القائمه على امكانية توليد علامات متدفقه يعجز المكان المسرحي عن الافصاح عنها ، فألمكان الممسرح غايته " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لا نهائيه لمساحة المسرح "[54]. ان النمطيه غير الثابته لجغرافية او عمران او طبيعة المكان الممسرح يخلق تلقائياً جواً من التحفيز العلاماتي بصيغته الايقونيه او الاشاريه او الرمزيه والقدره على التحول من علامه الى اخرى والتشظي الحاصل في نفس العلامه ، وبذلك يصبح هذا المكان الجغرافي منتجاً فعالاً للعلامات وكذلك لضخ الشفرات المكانيه التي لاتتكررفي مكان اخر او لاتظهر بشكلها الطبيعي في المكان المسرحي الا بتصنيعها او تشكيلها عن عمد ، ان الخصوصيه المفتوحه وغير المنتظمه احياناً للمكان الممسرح تعطيه فرصه او قاعده للامتلاء ، أي ان طبيعته حسب شكلها سوف تفرض عشوائيه ليس في التنظيم فحسب وانما الوجوب المحتم على امتلاء مساحته وتقاطع خطوطه واشغالها بالحركه او المهمات وذلك لتلاشي الخطوط والفضاءات والتداخل الذي يحصل بينهما فأن " امتلاء المساحه والطرق المتعدده التي تنتقل عن طريقها المساحه وتنقل لفضاً وتضج بالحية ، هي اساساً تصميم المسرح البيئي،ان هذه المساحه الحيه تتضمن كل المساحه في المسرح وليس ما ندعوه خشبه المسرح فقط "[55]. ومن هنا وهذه الحيويه للمكان الحر الممسرح فأنه يدعو لوحدة بيئيه والهجوم على التنظيمات المساحيه للمسرح ونرفزة التقسيم الافتراضي للمكان ، حيث يرفع هذا المسرح شعار وجوب وجود مؤدين ومشاهدين قائم على استخدام كل المساحه المتاحه جغرافياً في موقع المكان لاتقسيمه الى وحدات حيث " لاتوجد خشبة مسرح بلا حياة ولاتوجد نهايه او حدود لخشبه المسرح "[56]. وهنا تكمن جمالية المكان الحر الممسرح والتي تنبعث من خلال عشوائيته او فوضويته كما هي وبدون تحوير او تزويق وبكل تضاريسه وخطوطه او تعرجاته او تعداد زواياه او التواء جدرانه او تخسفات ارضه او بسقفه او بدونه ، حيث تعطي تلك التكوينات الجغرافيه تنوعاً قد يقتصر على عرض واحد او اثنين ثم البحث عن تنوع في مكان غير مألوف اخر ، ومن هنا اطلق على هذا المكان الممسرح تسميات اخرى مثل المسرح المفتوح او المسرح الحي او المسرح البيئي او المسرح الحر وهي تسميات انطلقت من " رؤية انتونين ارتاود عن مسرح القسوه والذي يلغي دور خشبة المسرح وقاعته ويستبدلها بموقع واحد فقط ، وبذلك يصبح المشاهدون في وسط الاحداث "[57]. ان قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح ينبع من ما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان في تكوينها او تصميمها لغرض العرض المسرحي كوظيفه اولى لها بل هي موقع بكر لاعلاقه للانسان بها مثل ( غابه - جبل - سهل -كهف ) او صممها لاغراض او وظيفة غير المسرح او العرض المسرحي مثل ( كنيسه- معبد- سجن- مستشفى- شارع) هذا التنوع الجمالي حث على اغناء ذهنية المخرج والممثل وكل التقنين في المسرح على تحدي جغرافيه طارئه عليهم حيث ينتقل هذا التحدي الى مواءمه ورتباط حسي وعاطقي مبعثه تكوينات جديده وغير مكرره او مألوفه في زخرفة هذه الماده الطريه الخام، فألمسرح الحر" كل مايحيط به ماده خام وان يختار القيم الجماليه والقيم المسرحيه التي يجعلها تدور مثل الدوامه امام عينيه لكي يقوم بتفسيرها بلغة المسرح "[58]. وينطلق( بيتر بروك) في اعطاء مساحه العرض المسرحي شكلاً نسبياً يخضع له حجم ما يملاْ من ادوات ، لذا فهو لايهتم بالمساحه من الناحيه النظريه بل المساحه كونها اصبحت اداة ، ويركز ايضاً على جمالية العلاقه في المسرح الحرالممسرح في مفهوم العلاقه بين الممثل والطبيعه ، رغم انه يعتبر الاداء في خارج حيزه التقليدي يواجه بميزات واخرى عقبات ، فهو يقول : " حين تترك المساحات التقليديه وننطلق نحو الشارع او الريف او الصحراء او نحو حظيره او أي مكان في الهواء الطلق فان هذه يمكن ان تكون ميزه وعقبه في ذات الوقت ، الميزه تتمثل في علاقه ستقوم على الفور بين الممثلين والعالم ، وهذا يعطي انفاساً حيه جديده ودعوه الجمهور الى تحطيم عاداته الشرطيه "[59]. ولكن مع ذلك فان بيتر بروك يعطي بعض العقبات خلال العرض خارج حيزه التقليدي منها (التركيز) وهوايضا خاضع لذات المكان وقربه من مصادر الازعاج ( سيارات - شوارع - معامل ) ، وكذلك ربما تكون القدره على الرؤيه رديئه فيكون من الصعب التركيز الا اذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه موضوعيه بين المساحه والاداء ، فسيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه ، ومن هذا فأن طبيعة الاداء في هذه الاماكن يكون ذا خلق وارتباط مبدع بالمكان ذاته ، ومن هنا فان ما يطلق على لفظة التقسيم في المسرح الحر هو غير مطروح نظريا وعمليا لوجود هذا التداخل في كل عناصر العرض التي فرضتها طبيعة المكان وجماليته فهو" المكان الموحد وطريقه للعرض ، حيث يتداخل ويتحد كل من خشبة المسرح وصالة العرض واستخدام الردهه من اجل اهداف دراميه قد يكون خطوه نحو خلق الحيز الحولي التام في المسرح البيئي وبالتالي يصبح اقل تحديدا لان هناك نوعا من المشاركه المكانيه "[60]. والمقصود بالحيز الحولي ، الشموليه في اندماج المساحات التي يخلقها العرض بطبيعته الجغرافيه الفطريه او المشيده لاغراض غير العرض المسرحي المنوعه حيث ينشأ نظام مبني على حولية الحركه واتحاد الحيز المكاني العام ساحه للاداء والمشاهده ، فأن " الاهتمام بالحيز (الفراغ ) والمكان كان اساساً للعديد من افضل القراءات للمسرحيه خاصه كتابات ( إيرفينج واردل ) الذي قال صراحةً : ان المسرحيه يجب فهمها بمفاهيم مكانيه والا لن نفهمها "[61]. فالمكان الحر الممسرح يشكل العرض ويشكل طبيعة الاداء على الصوت والحركه والزوايا والفراغات التي تجبر الممثل على التحرك خلالها بفعل تكوينها الاصلي المتطابق مع وظيفتها الاصليه الاولى ، وبالتالي تفرض شكل جمالي فطري بعيد عن الصنعه وخاضعه لمنطق الجمال الطبيعي ، والذي يتشكل بالضروره من الوحده التكامليه للعرض بعناصره الطبيعيه والصناعيه التي اضيفت لاحقا عليه ، وعليه فأن المكان الحر الممسرح هو ذلك المكان الذي يشير الى ان الوظيفه الصوريه للخشبه لاتعتمد البناء المعماري بل قيمة ما يقدم من شكل ومضمون ذلك العرض وقيمة اداء الممثل لتحقيق ذلك المعنى سواء كان ذلك داخل بناء معماري أي كان ، او في الهواء الطلق او أي مكان اخر وظيفته السابقه غير العرض المسرحي .
مؤشرالمحطتين
•1- جمالية المكان هو تصور لمفهوم العوده الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هو مكان الالفه ومركز تكيف الخيال.
•2- جمالية المكان تنبع من عشوايته و سكونيته الملهمه قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبث من اعماقه قبل ان يتحول الى علامات ودلالات متشظيه .
•3- تقدم العروض خارج نطاقها الثابت (التقليدي) بحثاً عن مصاهره بين النص وبيئة التقديم الملاءمه .
•4- مسرحة المكان يعني الخروج الى اماكن اكثر قدره على امتلاء الروح وامكانات المشاهده كجزء من رفض الوحده التقليديه للعرض المسرحي.
•5- المكان الحر الممسرح يعمل على بلورة الغاء المساحات وحدودها الفاصله لتكون بالتالي مساحه واحده للمتلقي والمؤدي .
•6- المكان الحر الممسرح هو كسر خطوط الفضاءات واعلانها منطقه واحده لتكون في صيروره الاندماج الذاتي مع عناصر العرض الطبيعيه المكتسبه لتتصبح بعيده عن الصنعه الزخرفيه المتكرره .
•7- المكان الحر يعتمد على توظيفه بالاشاره بعتباره مكاناً فارغاً او مساحه خاليه في نظر(بيتربروك) ، حيث تستطيع تلك الاشاره ان تحول أي مكان الى اخر للعرض .
•8- يكتسب المكان الحر جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت ، تتحرك فيه العلامات بسهوله وتتطور الاشياء فيه منغرابة جغرافيته .
•9- هناك فرق بين المكان المسرحي والمكان الممسرح ، الاول مكان ثابت مكرر للعرض له شروط ، وحدوده الفاصله بين المساحات والفضاءات ، اما الثاني فهو مكان للعرض المؤقت تنتفي فيه الخطوط والفضاءات ويرجع الى وظيفته السابقه حال انتهاء العرض .
Oالحصناوي في مسرحيه حوته يا منحوته
التطبيق التحليلي للمحطتين
مسرحية : عزلة في الكرستال
اشعار : خزعل الماجدي
اخراج : صلاح القصب
مكان العرض : ممرات في كلية الفنون الجميله
تاريخ العرض : 1990.
يبدو ان توجه المخرج ( صلاح القصب ) في اخراجه للقصيده الشعريه (عزله في الكرستال ) قد اقترب كثيرا من المنطق العبثي في توجهاته الفلسفيه وفي علاماته ودلالاته التاويليه والتي غالبا ما توحي او ترمز الى مفهوم اساسي في نظر العبثيين الا هو غربة وضياع وتهميش الانسان في عالم ملئ بألخداع والزيف الذي يغلفه بريق الكرستال وجمال زخرفته والوانه الخادعه وفي زمن الانحطاط الاخلاقي والعبث والموت والحروب ، صار فيه الانسان غارقا في العتمه يحاول النجاة دون طائل ، مستعيننا بالهروب الى عمق البحر حيث الطهاره والالفه والولاده الجديده ، وازاء هذه السوداويه جاء العرض متطابقاً مع روح وفلسفة المكان الحر الممسرح وختياره المعبر عن ضيق فسحة الامل واليأس من محاولات الاخلاص بلا طائل ، فالمكان كان عباره عن فسحه بين بنايتين عاليتين متقابلتين هما قسم التصميم والاخر قسم الفنون السمعيه ويجاورهما بناءاً ثالث يحتوي على سلم ضخم هو مسرح الكليه وبناية التسجيل ، ان هذه الفسحه او المساحه او الفراغ في هذا المكان الممسرح جاءت للتدليل على الهاويه السحيقه التي يعيشها الانسان من خلال ضيق المكان الحركي للاداء ومن ارتفاع البنايات والرؤيه التقزميه للفراغ الارضي الذي هو مكان الحدث والتمثيل والتلقي ، مدركاً ان هذه العموديه في العرض جعلت من الممثلين والجمهور كما انهم داخل قبور محشورين فيها وسط ثلاث ابنيه عاليه ومساحه ضيقه بالكاد يتحركون فيها ، لايتنفسون الا من خلال الشبابيك المفتوحه لتلك الابنته المطله على باحه العرض ، لتعززمساحة الهوه والفوضى وتناقضات الحياة وسخرية الناس الساكنين خلف تلك الشبابيك ومشاهدة مأساة مايحصل تحتهم في تلك الحفره السحيقه الضيقه ، لقد تعمد مخرج العرض ان يملاٌ ارضيه الفراغ او المساحه المحصوره بين البنايتين بالرمل الاحمر ليعطي دلالات الجفاف ولون الصحراء وخلوها من الحياة ، كما هي تلك الهاويه المحصوره بين عمودية البنايات معززا غربة المكان الممسرح وغموضه وانسحاقه باضافه المهمات المسرحيه في ابراز جوانب التناقض في هذه الحياه من خلال تنافر اشكال هذه القطع الاكسسواريه وغرابتها بل وفي تناقض مهماتها ووظائفها وغربتها عن المكان او الحدث ، مثل (التابوت- الجذع - الاله الكاتبه - التراب-المطرقه - النار) ، ليعزز فكرة التناقضات في الحياة ووحشة الانسان المستلب وصراعه مع قوى تستخدم تلك الانظمه او المهمات بغيرما تعطيه من فائده له، لقد استخدم المخرج (صلاح القصب) مواقد النار ولهيبها المتأرجح ليعطي دلاله على عدم الثبات في اشاره الى ضياع القيم وانسلاخها عن اخلاقيات المجتمع ، هذه الديناميكيه وظفها المخرج في حصر او تأطيرفضاء العرض في دائره امتزج فيها فضاء المنصي (فضاء التمثيل) مع فضاء الجمهور في كتله واحده ، جاعلاً منها ساحه مباحه لمهرج متهور يرمي بألعبات السود على تلك المساحه الضيقه (ساحة المؤدين والتلقي ) ليؤكد قوة الشر المسيطره على الارض وعدم قدرة الانسان المشلول في ذلك الجحر على الحراك او الوصول الى مصدر الشر او النيل منه او القضاء على مراميه الشريره، بل اعطى دلاله على حجم الهوه في ذلك المكان الممسرح من خلال التناقض في حجم الكتل في الشكل البنائي من خلال ارتفاع البنايات وصغر مساحة حركة الممثل والتلقي التي تشبه القبر المحصور بين الكتل الاسمنتيه او افران الحرق ، وليس من متنفس الا من شبابيك ضيقه عباره عن فتحات ينظر منها بشر ساكنون جامدون لاحول لهم ولاقوه غير قادرين على التعبير او ابداء الرأي او من قدرة تغييرما يجري تحت ، او وقف ما يحصل في ذلك القاع ، او تلك الابواب الداخله للبنايات حيث تفتح من خلال اشباح غير مرئيين فتنطلق منها دراجه بخاريه قاطعةً فضاء المسرح الشاحب مدويةً بضجيج عالي صوب الفراغ المجهول في اشاره الى صخب الحياه او ربما تمثل هذه السرعه وجودنا في هذه الحياة والسرعه في الغروب عنها ، تنطلق هذه الدراجه في العتمه الامن ضوء المواقد المترجح جاعلا من الفضاء داخل الفضاء تعبيرا عن ومضات الامل التي ربما لاتخلو منها الحياة ولتجعل من الخيال والتأويل مسيطراً على مجريات الفعل الدرامي ، ان المكان الحر الممسرح في هذا العرض يعطي جمله من التأويلات في صخب مايحصل في تلك السوداويه المتمثله في شكل الفراغ المحصور وضيقه بين البنايات المعلقه في السماء او حبال شنق يلامس الموت مكرساً غربة المكان في شكله الحاد وتكويناته المسننه بين الارتفاع والانخفاض وقعروية الارض واغتراب ذلك المكان وشكله المرئي والمتخيل، وفي بؤرة التزاوج بين الفضاءات كان الجمهور حراً في مشاهدته للعرض من أي زاويه يختار سواء كان جالساً ام واقفاً او في الفراغ بين البنايتين او من خلال السلم الذي يلتصق او الخارج من بناية مسرح الكليه ، وبذلك جعل المخرج من فوضوية حركة او تحريك المهمات المسرحيه او توزيعها او حرية التلقي ديناميكيه مضافه للمكان الحر الممسرح سواء للمؤدين او المتلقي وحركته اثناء المشاهده او ختياره اللقطه في أي اتجاه يشاء او أي اتجاه يتحرك ومن خلالها يكون مشاركاً المؤدي همه وحسه وغربة الحياة واشتراكه ذات المأساة ، منتبهاً الى ان العرض في هذا المكان الممسرح قد بدأ بواسطة ابواق رافعاً رأسه مجبراً على النظر اعلى اسطح البنايات يشاهد المهرج الذي يتحكم في استدارة رأسه منتبهاً الى العباءات التي ترمى من اسطح البنايات لينظر على ماسوف تنتهي في مستقرها على الارض ، مستسلماً الى قوانين الطغاة ، بينما يظل محدقاً الى اعلى واسفل لايعرف ماذا عليه ان يفعل غير قادر على تغيير مسار ما يجري ، ان جمالية المكان الممسرح واثرها في هذا العرض احدثته الصدمه في التناقضات المكانيه وغرابتها او في تنوعه العلاماتي بين شكل وعدم انتظام البنيات وبين الارض المحصوره بينها او بين العلاقه بين الفراغ والمهمات المسرحيه وحالة الامتلاء وعشوائية التوزيع وديناميكية الحركه للممثلين او تلك المهمات على مجمل توالي الارتفاع وستمراريته او بين الفراغ والمتلقي وحركته المنفلته في ارجاء مساحة العرض او بين الممثل ذاته في صنع المتعه بينه وبين فراغ قد امتلا بألحركه وسيادة صخب الايقاع وفعل الحركه والفعل لعرض شكله المكان واضافه اليه المخرج ايقاع متوازن بين احداث النص وسكونيتها وبين العرض المكاني وصخبه .
المحطه قبل الاخيره
•1- تتشكل جمالية المكان الحر الممسرح من خلال تناقض المساحات في جغرافيته البكر او المكون الانشائي لغير وظيفة العرض المسرحي ، كما تبين في عرض (عزله في الكرستال ) التنوع في وجود ( بنايات + ارض محصوره) .
•2- تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من شكل حرية حركة الممثل والمتلقي خلال منطقه واحده فرضتها جدلية وجود قانون الغاء الفضاءات وصيرورتها الى فضاء واحد ( حركة الممثلين والمتلقين في عرض (عزله في الكرستال ) في مختلف جوانب المكان الحر.
•3- تتكون المنظومه الجماليه للمكان الحر الممسرح من حرية المشاهده وختيار المتلقي الجلوس او الوقوف او اختيار أي زاويه لمشاهدة العرض.
•4- تنبع جمالية المكان الحر الممسرح من خلال ديناميكية توزيع المهمات المسرحيه على طبيعة ماتمثله جغرافية المكان البكر او بحتواء المكان او ملئه بالحركه والفعل الدرامي ( توزيع مواقد النار ، حركة الدراجه ، ظهور واختفاء المهرج من على اسطح البنايات ) .
•5- تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من قدرته على صنع واستحداث العلامات بفعل العشوائيه في نمط شكله وزواياه المتنوعه المسانده على تكوين ديناميكيه في تأسيس حراك للعلامه .
•6- تتولد بفعل لامألوفية و شكل المكان الحر الممسرح لحظة الدهشه والمتعه غير التقليديه في الاداء والمشاهده .
•7- العمق المساحي لجغرافية المكان الحر الممسرح خاضع لابعاد متفاوته لجدلية التكوين الطبيعي له ، لذا فأن الحدود كلها متداخله بأبعاد فطريه تخضع لها ارادة حركة الممثل وترتيب المشاهده وتوزيع المهمات المسرحيه .
•8- قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح تنبع مما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان بها ، ولم تنشأ اصلاً لغرض العرض المسرحي بل شكلها لوظائف اخرى .
•9- عند توحيد الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه وموضوعيه بين المساحه والاداء سيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه .
المحطه الاخيره
•1- لايمكن وجود رؤيه جماليه للمكان الحر الا بتوحيد الفضاءات المتلاصقه او المتجاوره في حيز مساحة العرض.
•2- لا يستطيع الفضاء الوهمي القائم على رؤية خارج الفضاء المنصي في المكان المسرحي التقليدي ان يعمل مباغته خيليه او متخيله في المكان الحر لان الحدود الجغرافيه فيه مقيده ولاتسمح التحديدات الارضيه او الجانبيه ان تعمل حقل الفضاء الوهمي او تنشيطه.
•3- ينعدم احساس المتلقي بألفضاء النفسي الوهمي في المكان الحر حيث ينشأ الوعي المكاني بألمشاهده ، لاسيما في العروض النهاريه الخارجيه او ان الا ضاءه باتت لاتفرق بين حدود المكان المنصي ومكان الجمهور ، حيث لامجال لصنع مستوى فضاء داخل فضاء.
•4- طاقة الممثل الادائيه مفتوحه في المكان المسرحي ، ولكنها تتفاوت في نسبتها في المكان الحر بأختلاف التأثيرات الجغرافيه لذات المكان .
•5- قد تعطي العشوائيه الجغرافيه للمكان الحر الممثل انفعالات تحفزه الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي وفي غياب تقنيات المسرح المعروفه والجلوس العشوائي المتداخل بين المتلقي والمؤدي .
•6- لاتنبع خصوصيه جماليه للمكان الحر الممسرح الا من خلال شموليه الحيز الحولي في صيغة اندماج المساحات التي يشكلها العرض بطبيعة المكان وجغرافيته المونوعه ، حيث ينشأ نظام مبني على حوليه الحركه المبني هو الاخر على اتحاد الحيز المكاني العام كمساحه للاداء والمشاهدهالاحالات
[1] - مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، ( طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص136
[2] - علوش، سعيد : المصطلحات الادبيه المعاصره ، ( الدار البيضاء : المكتبه الجامعيه ، 1984) ، ص36
[3] - جونسن،ر، ف :الجماليه ، تر : عبد الواحد لؤلؤة، ( بغداد : منشورات وزارة الثقافه والاعلام ،1978) ص8.
[4] - نجم، حيدر : خيال وابتكار ، ( جامعة الموصل ، دار الكتب للطباعه والنشر ، 2001) ، ص118.
-[5] مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، (طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص881 .
[6] - الشريف الجرجاني، علي بن محمد : كتاب التعريفات ، ( بيروت : مكتبه لبنان ، 1978) ، ص245.
[7] - التهانوي،محمد أعلى بن علي : كشاف اصطلاحات الفنون ، ( بيروت : دار الصياد ، ب ، ت ) ، ص1277
[8] - باشلار، جاستون :جماليات المكان ، تر : غالب هلسا ، ( بغداد : دار الجاحظ للنشر ، 1980) ، ص7
[9]- الشجري ،علي بن محمد بن علي : ما اتفق لفظه واختلف معناه ، ( بيروت : دار الكتب العلميه ، 1996) ،ص85
[10] - هونزيل، يندريك :سيمياء براغ للمسرح ، تر: ادمير كوريه ( دمشق : منشورات وزارة الثقافه ، ص98
[11] المصدر نفسه، ص99
[12] - المصدر نفسه
[13] - المصدر نفسه
[14] - سفليد، ان أوبرا : مدرسة المتفرج ، تر :حماده ابراهيم ، ( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسح التجريبي،1996)، ص56
[15] - سفليد ،ان وابرا ،المصدر نفسه ، ص59
[16] - المصدر نفسه ، ص60
[17] - هوايتنج،فرانك :المدخل الى الفنون المسرحيه ، تر: كامل يوسف ،( القاهره :دار المعرفه ،1970) . ص285
[18] - المصدر نفسه ،ص286.
[19] - استون، الين:المسرح والعلامات ، تر:سباعي السيد :( القاهره :مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ،1996)ص160
[20] - هوايتنج،فرانك ، مصدر سابق ، ص290
[21] - المصد نفسه ، ص291
[22] - هوايتنج ، فرانك ، مصدر سابق ، ص292
[23] - كارلسون ، مارفن : أماكن العرض المسرحي ، تر : ايمان حجازي ،(القاهره : مهرجان القاهره للمسرح التجريبي ،2002) ، ص28
[24] - المصدر نفسه ، ص45
-[25] استون، الين ، مصدر سابق ، ص161
[26] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص46
[27] - المصدر نفسه ، ص48
[28] - المصدر نفسه ، ص47
[29] - استون، الين، مصدر سابق ، ص160
[30] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص28
[31] - المصدر نفسه ، ص28
[32] - هلتون،جوليان : نظرية العرض المسرحي ، تر : نهاد صليحه ، ( القاهره :هلا للنشر والتوزيع،2000)، ص36
[33] - المصدر نفسه ، ص36
[34] - المصدر نفسه ، ص36
[35] - المصدر نفسه ، ص38
[36] - باشلار، جاستون ، مصدر سابق ، ص45
[37] - المصدر نفسه ، ص29
[38] - غاتشف،غيوري:الوعي والفن ،تر:نوفل تيوف،(الكويت:المجلس الوطني للثقافه والفنون ،عالم المعرف(146)،1991) ص13
[39] - محمد رضا،حسين رامز: الدراما بين النظريه والتطبيق ،(بيروت: المؤسسه العربيه للدراسات والنشر،1972)،ص402
[40] - هلتون،جوليان،مصدر سابق ، ص42
[41] - هلتون،جوليان، مصدر سابق ،ص42
[42] - المصدر نفسه ، ص39
[43] - المصدر نفسه ، ص40
[44] - ويلسون ، جلين : سيكولوجية فنون الاداء ، تر: شاكر عبد الحميد ،( الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون ، 2000) ، ص93
[45] - واطسون،ايان : ايوجينيوباربا ومسرح أودن تر: منى سلام ،( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي،2000)،ص237
[46] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق ، ص55
[47] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص56
[48] - المصدر نفسه ، ص60
[49] - - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص74
[50] - المصدرنفسه ،ص118
[51] - استون، الين، مصدر سابق ، ص161
[52]- تافياني،فرديناندو: طاقة الممثل كمقدمه نقديه ، تر، اليان ديشا ، في : كتاب : طاقة الممثل ،( القاهره : مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ، 1999) ، ص130،ص131
[53] - المصدر نفسه ، ص174
[54] - هوري ، أونا شود :المكان المسرحي ( جغرافية الدراما الحديثه ) ، تر : امين حسين الرباط ، ( القاهره : مهرجان القهره الدولي للمسرح التجريبي ، 2000) ، ص29
[55] - هوري ، أونا شود ، مصدر سابق ، ص30
[56] - المصدر نفسه ، ص30
[57] - المصدر نفسه ، ص31
[58] - المصدر نفسه ، ص32
[59] - بروك ، بيتر : النقطه المتحوله ، تر، فاروق عبد القادر،(الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون والاداب ، سلسة عالم المعرفه (154) ،1991 ) ، ص159
[60] - المصدر نفسه ، ص63
[61] - المصدر نفسه ، ص137
--------------------------------------------------------------
المصدر : النور
المسرح المغربي بين سؤال الخصوصية وإغراءات المسرح الغربي الطيب الصديقي نموذجا
مجلة الفنون المسرحية
المسرح المغربي بين سؤال الخصوصية وإغراءات المسرح الغربي الطيب الصديقي نموذجا
فاطمة اكنفر
المسرح المغربي بين سؤال الخصوصية وإغراءات المسرح الغربي الطيب الصديقي نموذجا
فاطمة اكنفر
إن التحرر من الوصايا الفنية الغربية لتحقيق الاستقلال الفني وإعادة الاعتبار للذات العربية المهمشة وأشكالها الفرجوية المختلفة لا يعني استبدال المركزية الغربية بمركزية أخرى، بل يعني إعادة الاعتبار للذات العربية التي شيئت ونظر لها كذات لا فنية، عبر التعريف بالهوية الفنية خلافا لما سطره الفكر الغربي الرافض لفكرة الاختلاف الفني.
وفي هذا السياق يطرح الناقد خالد أمين مفهوم الهجنة بوصفه مفهوما مناوئا للهويات الصلبة التي تصنف نفسها نقيضا للآخر، وتقيم حواجز بينها وبين العوالم الأخرى، خاصة وأن "جميع الثقافات جزئيا بسبب (تجربة) الامبراطورية، منكمشة أحداهما في الأخريات، ليست بينهما ثقافة منفردة ونقية محض، بل كل مهجنة مولدة، متخالطة، متمايزة الى درجة فائقة، وغير واحدية".
ويرى الناقد أن المسرح العربي عامة والمغربي خاصة يتراوح بين الأنا والآخر، والشرق والغرب، والتقليد والحداثة، وهذا الأفق بالتحديد هو مصدر تموقع المسرح في فضاء ثالث بيني، فضاء ابستيمولوجي. حيث "يكشف نقل تقنيات الفرجة الشعبية الى البناية المسرحية عن مسار الهجنة كثورة مستمرة لأشكال يتم من خلالها قراءة النصوص وأزمنة التشكلات الثقافية المعاصرة، كما يرمز الى وضعية التردد والتشدر الثاوية في عمق الكتابة المسرحية المغربية ما بعد الاستعمارية".
وفي سياق تبني النموذج المسرحي الغربي لا تنتج الذات العربية النص ذاته، وإنما بالأحرى نصا شبيها ومختلفا في ذات الوقت عن النص الاستعماري، "كما تعتبر ديناميات تبني وفهم النموذج السائد تاثيرات ناتجة عن الكتابة المعكوسة داخل حدود الفضاء الثالث".
إن نقل تقنيات الفرجة الشعبية إلى البناية المسرحية الغربية يعبر عن مسار الهجنة كثورة مستمرة للأشكال المسرحية، التي يتم من خلالها إعادة صوغ أزمة التشكلات الفرجوية التراثية المعاصرة.
وبالتالي إن الذات العربية نجدها تفتقد إلى مركز ثابت رغم إصرارها المستمر على التشبث بالحضور، بالإضافة إلى تموقعها في فضاء تخومي بيني، يتراوح عموما بين الأنا والآخر، المستعمر والمستعمر، الداخل والخارج، وما الهوية إلا نموذج مثالي للأشكال الهاربة والمهاجرة والسريعة التحول وغير المستقرة على حال، والمسرح بدوره يعتبر من أكثر الفنون مقاومة لمنطق النقاء، فالهجنة إذن، هي حركة تبقي أسئلة الهوية والانتماء مفتوحة دوما على التفاوض.
إن نظرية الهجنة من منظور هومي بابا تهدف إلى إعادة بناء الهوية الكولونيالية، ومساءلة المشروع الحداثي الذي عمل على إقصاء العديد من الثقافات التي أصبحت تعيش في الهوامش، وهذا الموقع الهجين تنتفي فيه الثنائيات الضدية وتتساوى فيه الرؤى والتصورات في إطار المشترك الانساني.
يمنح خالد أمين مفهوم الهجنة أهميته إذ ليس ثمة مسرح يكتفي كليا بذاته، فالمسرح الغربي بدوره يمتاز بالهجنة، بل هو في الحقيقة جنس هجنة بإمتياز. ولهذا فإن الكثير من المبدعين والمنظرين الغربيين اتجهوا نحو الشرق لخلق هذا اللقاء الثقافي والحضاري بين ثقافة غربية وأخرى شرقية، مثل أنطونان آرطو ، يوجينو باربا ، بريخت ، بيتر بروك، غروتوفسكي وغيرهم.
إن الثقافة بأبعادها الإنسانية الكوسموبولوتية بعيدا عن مركزية الهيمنة لثقافة ما، ستحقق طرفي المعادلة ثقافة تحافظ على خصوصيتها وفي ذات الوقت تزحف نحو الآخر، وسيؤدي هذا التكامل إلى تحقيق شمولية الوعي الإنساني، وهذا النزوع التكاملي هو الذي يعطي لخصوصية الهوية تمايزها، وفي ذات الوقت يمنح الفكر والفن هدفا إنسانيا شاملا.
وبنفحات نقدية مستمدة من منطلقات منهجية وتأويلية جديدة في طليعتها النقد الثقافي وإستراتيجية التفكيك، يعيد الناقد النظر في مفهومي (الأصيل) و(الخالص) مستحضرا مفاهيم نقدية من قبيل الهجنة بوصفها خاصية في المسرح المابعد استعماري وموقعا نظريا ينفلت من الثنائيات الموهومة: الشرق والغرب، الذات والآخر، السيد والعبد، والداخل والخارج.
لهذا أضحى المسرح يتأرجح بين الأنية والغيرية والهوية والاختلاف، وفي الحد "الفاصل بين السردين: السرد الغربي والسرد المحلي/ السرد العربي الاسلامي، هكذا تسوق المسرح المغربي مع شرط الهجنة"، حيث يؤكد خالد أمين على ضرورة التهجين بين الفكر الأوروبي والذات العربية، والتحرر من الفكر الماضوي السكوني واستقبال الآخر بروح التكامل.
يتميز المسرح المغربي الما بعد استعماري بنزوع عام نحو توسيط تقاليد فرجوية تنتمي للشرق وللأخر. فالمسرح المغربي راهنا هو مسرح الهجنة بامتياز، فهو متموضع بين "سردين وان كان ينحو نحو اثبات سرد ثالث داخل تخوم البينية. لم يعد هذا المسرح تقليدا للمسرح الغربي و لا شكلا ما قبل مسرحيا، وانما هو تقليد مختلف ومتسم بالهجنة ومؤسس على نقل كل ما يستعمل قصد تمثله بما هو شكل ما قبل مسرحي الى البناية المسرحية".
إن الهجنة المسرحية وفق منظور ما بعد استعماري تحاول خلخلة ثقافة المركز عبر طرحها لمجموعة من التساؤلات المثيرة، وعبر نزع صفة النقاء الثقافي الذي فرضته الهيمنة الاستعمارية، فحدث تقاطع بين تصورين أو مشروعين أو ثقافتين كل ذلك أدى إلى ميلاد فضاء جديد سمي بفضاء الهجنة حيث تتعايش أو تتصارع ثقافة المركز وثقافة الهامش.
إن النص المسرحي الما بعد كولونيالي هو نص هجين، أي أنه يتضمن علاقة جدلية بين العناصر الثقافية للدول المستعمرة، وبين العناصر الثقافية للدول المستعمرة، من خلال استلهام النماذج الأوروبية وصهرها في بوثقة الثقافة المسرحية المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف يسمح بالتفاوض مع الاخر المستعمر، وبالتالي عمل المسرح الما بعد استعماري على "ابداع فضاء ثالث داخل ثبوتية وانغلاقية البناية الايطالية، ولقد مارس هذا الأفق الثالث تاثيره على الكتابة الدرامية التي أضحت كتابة هجنة تبرز الشفهية والأدبية في آن واحد".
يدعو خالد أمين إذن، إلى ضرورة التهجين والتفاعل بين الفكر المسرحي الغربي والهوية الذاتية، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بالخصوصية العربية. ويتم ذلك من خلال التزام (النقد المزدوج) أي نقد المفاهيم الغربية المهيمنة وفي ذات الوقت الاختلاف معها، وأيضا نقد الهوية الذاتية (الأصيلة).
إن نقد المشروع الثقافي الغربي لا ينبغي أن يولد انكفاء الذات أو ما يصطلح عليه بالتمركز المعكوس، لأن مواجهة تحديات العصر لا تعالج بالرجوع إلى الوراء. ولذلك انفتح رواد المسرح المغربي على إنجازات المسرح الغربي، ومزجوا في مسرحهم بين العمق التراثي المشكل للهوية، وأحدث التقنيات الجمالية الوافدة.
لإبراز مفهوم البينية يعود خالد أمين إلى أعمال المسرحي المغربي الطيب الصديقي بوصفه نموذجا للتلاقح بين الأنا والآخر، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، من خلال صهر النماذج المسرحية الغربية في الممارسات المسرحية المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الكيفية التي مثل بها الطيب الصديقي مسرح الهجنة؟ وإلى أي حد ساهم في تقويض الثنائيات الضدية في المسرح المغربي الما بعد استعماري ؟
يحتل الطيب الصديقي مكانة خاصة في صناعة الفرجة، وذلك بسبب تخصصه في تأثيث زمن العرض بمهارات فنية على مستوى التمثيل واللباس والعرض والإخراج، من خلال استلهام التقنيات الفنية من التراث من جهة، واقتباس التجارب المسرحية العالمية من جهة أخرى.
شكلت أعمال الطيب الصديقي من منظور خالد أمين مثالا حيا للهجنة بين "الشرق والغرب بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة، بين الفرجة الشعبية المفتوحة والبناية المسرحية المنغلقة على ذاتها"، حيث تمثل تجربة الصديقي طفرة نوعية في مسار المسرح المغربي، فنقل "تقنيات الفرجة الشعبية الى البناية المسرحية يعبر عن مسار الهجنة كثورة مستمرة لاشكال مسرحية يتم من خلالها اعادة صوغ ازمنة التشكيلات الفرجوية التراثية/ المعاصرة، كما يرمز الى وضعية المابينية الثاوية في عمق الممارسة المسرحية المغربية الراهنة".
لا تخلو أعمال الطيب الصديقي من عناصر التجريب، من خلال الانفتاح على فضاء التراث المغربي من جهة، واستثمار النصوص المسرحية الغربية وتقديمها للمتلقي المغربي من جهة أخرى، وهذه الصدارة لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة التراكم المعرفي، والإحاطة بأسرار الفضاء وبخبايا مؤهلات الممثل وبخصوصيات جغرافية الفضاء المسرحي، فـــ"اثار جدلا مسرحيا بين المثقفين المغاربة-من جهة- حيث نرى بعض الفرق تعارض معارضة شديدة الشكل المسرحي الذي يوظفه - فنيا- لخدمة مضمون المسرحية المقدمة، ونرى فرقا قد تبنت افكاره، وطرق عمله في عروضها فهو الذي طور المسرح الاحتفالي، واثر عمله في تقديم العرض، والتمثيل، والتجربة، والبحث في العمل المختبري على قواعد فنية نابعة من صميم الضرورة الموضوعية الراهنة للحياة التي نحياها... ومن هنا كانت اصالة التزامها وشموليتها الفكرية، بل وقيمتها العلمية".
إن المتتبع لمسيرة الطيب الصديقي يلمس حضور السرد التراثي المحلي من جهة، ويلاحظ قدرته الفائقة على التواصل مع التقاليد المسرحية الغربية من جهة أخرى، كما تكمن أهميته في تحديث الخطاب المسرحي المغربي، وتأسيس كتابة درامية جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الأنا والآخر، والشرق والغرب. ويتجلى ذلك في مسرحيته الموسومة (ديوان سيدي عبد الله المجدوب) التي تشكل لحظة انبعاث المشروع التأصيلي في مغرب ما بعد الاستعمار. حيث "نقل الصديقي الحلقة باعتبارها فضاء جغرافيا وثقافيا وجماليا الى البناية المسرحية باعتبارها فضاء للاخر الغربي المزروعة في المغرب من حيث انها مؤسسة استعمارية يحيلنا انفتاحها الى تشكيلة الهجنة من خلال انعكاسها الذاتي الملح بما هو الية مرآوية الفرجة ذاتها عبر مصوغ التقعير".
لعل ما يميز الطيب الصديقي في الجانب التأصيلي هو جرأته في التمرد على التقليد الفني الغربي، عبر تقديم عروض مسرحية في ساحات عمومية، وفي حدائق كبرى بغية وصل الممارسة المسرحية بالحياة اليومية، حتى يصير الفن المسرحي شيئا مألوفا عند الناس، ومن هنا جاءت فكرة تسمية فرقته بــ (مسرح الناس)، حيث يرى خالد أمين أن هذا الانفتاح يحيلنا على الهجنة من خلال "انعكاس المسرحية على ذاتها وذلك عبر إبراز آليات صناعة الفرجة المرآوية. وهي متموضعة في ساحة جامع الفنا باعتبارها موضعا مفتوحا للفرجوية وفضاء للهجنة بامتياز".
لقد دشن الطيب الصديقي هذا التطور في مسرحيته (ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب)، فأسس خطابا جماليا كان له أثر عميق على تطور عملية التنظير المسرحي فيما بعد، كما شكلت هذه المسرحية من منظور خالد أمين طفرة نوعية تعكس "زمن توهج المسرح المغربي، ولكنها ايضا النص المرجعي الذي لا يزال يمارس سلطة رمزية على جل النصوص والابداعات اللاحقة التي تعاملت بشكل او باخر مع التراث الفرجوي المغربي".
لقد اخترق الصديقي آفاق التراث وفق اقتناع فني أساسه مسرح عربي الصيغة وعالمي الأبعاد، فقدم بذلك مجموعة من الأعمال المسرحية التي تستلهم الأشكال التراثية الشعبية في نوع من المصالحة الفنية مع بعض الإتجاهات المسرحية الغربية ذات التوجه الغربي، وبالتالي أبرز الصديقي قدرته الإبداعية الكفيلة بتطويع الأشكال الشعبية لخدمة العرض المسرحي، وخلق فعله المسرحي الذي أصبح معه معلمة المسرح المغربي، بوصفه أحد المخرجين القلائل الذين منحوا للفرجة المسرحية طقوسيتها المغربية والعربية بتقنيات غربية، حيث يعتبره حسن لمنيعي "اول من فتح اعيننا على فرجات متنوعة، ودفعنا الى مسايرة تجاربه التي تستفيد من تقنيات الغرب، واشكاله الدرامية، وتوظف عناصر التراث في نفس الوقت، كالحلقة، والبساط وغيرها".
إلى جانب الطيب الصديقي هناك العديد من المسرحيين المغاربة من أمثال: أحمد الطيب لعلج، عبد السلام الشريبي، عبد الرحمان كاكي، عبد القادر علوة، عز الدين المدني، نهلوا من معين الذاكرة الفرجوية الشعبية: "ذاكرة جامع الفنا، باب بوجلود، القريعة...، من حيث هي فضاءات لعبية، فرجوية، تقليدية، شفهية".
تمكن الطيب الصديقي من تطويع التراث الشعبي للفرجة المسرحية، اعتمادا على تقنيات المسرح الحديث، مسرحة، واخراجا، وتمثيلا، وعرضا، وفتح أفقا رحبا لتأسيس الاختلاف انطلاقا من التفاعل الإيجابي مع التراث من جهة، والانفتاح على التقنيات الدرامية الغربية من جهة اخرى، وأسس بذلك فضاء منتجا يخلق صيرورة تهجين دائم ومستمر، وانفلت من الثنائيات المتعارضة الانا والاخر، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، الهوية والاختلاف، الانية والغيرية، عبر امتصاص النماذج المسرحية الغربية ودمجها وفق مقتضيات الثقافة المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف يحمل بصمات الثقافة الأصلية.
- إدوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1997.
- حسن لمنيعي، المسرح المغربي من التاسيس الى صناعة الفرجة، دار الامان للنشر والتوزيع، ط.2، 2002.
- خالد أمين، مساحات الصمت غواية المابينية في المتخيل المسرحي، منشورات اتحاد كتاب العرب، ط.1، 2004.
- خالد أمين، "الفن المسرحي واسطورة الاصل"، منشورات الطوبريس، ط.1، 2002.
- خالد امين، المسرح ودراسات الفرجة، منشورات المركز الدولى لدراسات الفرجة، ط.1، طنجة، 2011.
- عبد الرحمان بن زيدان، خطاب التجريب في المسرح المغربي، مطبعة ساندي، ط.1، مكناس،1997.
عبد الرحمن بن زيدان، أسئلة المسرح العربي، دار الثقافة، ط.1، 1987.
- عبد الكبير لخطيبي، النقد المزدوج، منشورات الجمل، ط.1، بيروت، 2009.
- ديوان الطيب الصديقي، "ديوان سيدي عبد الرحمن المجدوب"، دار ستوكي للنشر، الرباط، 1997.
- هومي بابا، "موقع الثقافة"، ترجمة: ثائر ديب، ط.1، المركز الثقافي العربي، الدار بيضاء، 2006.
الاثنين، 15 مايو 2017
«ثنائي الأعماق» افتتح فعاليات المهرجان العربي لمسرح الطفل 5 في الكويت
مجلة الفنون المسرحية
وألقى الدكتور بدر الدويش أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المساعد لقطاع الفنون كلمة جاء فيها «إن المسرح يمثل لنا نقطة التلاقي ومجهر الرؤية الواضحة لتلاقي الأفكار والأهداف ووضوح ما تحتاجه مجتمعاتنا للوصول إلى المأمول بغد مشرق ومزهر، وأضاف «إن مسرح الطفل يشكل أحد الاتجاهات التربوية الحديثة التي انتعشت في مجتمعاتنا العربية بعد أن تجذرت ونمت في اوروبا».
«ثنائي الأعماق» افتتح فعاليات المهرجان العربي لمسرح الطفل 5 في الكويت
تحت رعاية وزير الإعلام بالوكالة الشيخ محمد العبدالله، افتتحت مساء أمس الأول على مسرح الدسمة فعاليات المهرجان العربي لمسرح الطفل، الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الفترة من 13 إلى 20 مايو الحالي، بحضور جمهور غفير.
وألقى الدكتور بدر الدويش أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المساعد لقطاع الفنون كلمة جاء فيها «إن المسرح يمثل لنا نقطة التلاقي ومجهر الرؤية الواضحة لتلاقي الأفكار والأهداف ووضوح ما تحتاجه مجتمعاتنا للوصول إلى المأمول بغد مشرق ومزهر، وأضاف «إن مسرح الطفل يشكل أحد الاتجاهات التربوية الحديثة التي انتعشت في مجتمعاتنا العربية بعد أن تجذرت ونمت في اوروبا».
واضاف الدويش: ان المسرح هو المجال الفني والتربوي والإبداعي والتعليمي الذي من خلاله تنطلق مفاهيم التنشئة الثقافية والاجتماعية والنفسية، ومن هنا جاء اهتمام دولة الكويت ممثلة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب من اجل دعم اقامة واستمرارية هذا المهرجان الذي يطل على اطفالنا كالعيد كل عام.
◗ حماية الطفل
وألقت الدكتورة سهام الفريح، الشخصية المكرمة في الدورة الحالية، كلمة جاء فيها «يسعدني اليوم الوقوف أمامكم لأمثل شخصية العام لمسرح الطفل، ذلك الكائن الصغير الذي هو الأمل وهو المستقبل لهذا البلد ولأي مجتمع من المجتمعات، وقد استحوذت قضاياه على شعوري ووجدانني، فعملت جاهدة لوضع الأسسس التي تهدف إلى حمايته، وصونه، وعلينا نحن الكبار أن نعمل جاهدين لنهيئ له الحياة الآمنة المستقرة في ظل اسرة متماسكة، وتناولت الفريح في كلمتها بعض المحطات المهمة في حياتها العملية، خاصة ما يتعلق بحقوق الطفل.
وتم خلال حفل الافتتاح الإعلان عن الفائزين بجوائز التأليف لعام 2017 حيث فاز بالجائزة الأولى هاني عبدالرحمن القط من جمهورية مصر العربية عن مسرحية «التيجان الذهبية»، وبالجائزة الثانية فالح حسين العبدالله من جمهورية العراق عن مسرحية «سور البستان والفتى حسان»، وبالجائزة الثالثة أسماء صلاح أحمد من جمهورية اليمن عن مسرحية «الضفدع لا يأكل النمل».
◗ عروض مسرحية
وقدمت فرقة باك ستيج غروب عرضا مسرحيا بعنوان «ثنائي الأعماق» من إعداد وإخراج الفنان محمد الحملي، وبطولة عدد من الممثلين.
جدير بالذكر أن المهرجان يتضمن عدة عروض تتنافس على جوائزه التي سيعلن عنها في حفل الختام، والعروض هي «عبالي أفرح.. امرح اتعلم» لفرقة الزرقاء الأردنية، «البجعات» لفرقة ريتاج التونسية، إلى جانب عروض كويتية هي «الماء السحري» لمجموعة السلام، «صندوق ألعابي» لفرقة تياترو، «السرداب العجيب» لفرقة الجيل الواعي، وعلى هامش المهرجان يقدم من تونس عرض بعنوان «نمول حرا»، كما يتضمن المهرجان عدة فعاليات أخرى خاصة بالطفل وورشا خاصة بمسرح الطفل.
------------------------------------------------
المصدر : عبدالمحسن الشمري - القبس
اعتماد 5 عروض للمشاركة في الموسم المسرحي الـ 13
مجلة الفنون المسرحية
اعتماد 5 عروض للمشاركة في الموسم المسرحي الـ 13
اختار مجلس إدارة جمعية المسرحيين خمسة عروض للمشاركة في الموسم المسرحي الـ 13، وستنطلق في يوليو المقبل، وتعرض الأعمال في عدد من إمارات الدولة.
تشارك في الموسم المسرحي لهذه الدورة كل من مسرحيات «غصة عبور لفرقة مسرح الشارقة الوطني، البوشية لمسرح رأس الخيمة الوطني، حلم وردي للمسرح الحديث في الشارقة، ونين غبيشة لجمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، ومسرحية بين الجد والهزل لمسرح الفجيرة».
جاء ذلك ضمن الاجتماع الأول لمجلس إدارة جمعية المسرحيين المنتخب، ونظم أمس الأول في الشارقة.
وجرى في الاجتماع توزيع المناصب الإدارية لمجلس الإدارة وهي: رئيس مجلس الإدارة إسماعيل عبد الله، نائب الرئيس أحمد الجسمي، أمين السر العام حبيب غلوم، أمين الصندوق أحمد ناصر، رئيس اللجنة الثقافية والفنية مرعي الحليان، ورئيس لجنة شؤون الفرق المسرحية عبد الله مسعود.
وأوضح رئيس مجلس الإدارة إسماعيل عبد الله أن الجمعية تسعى إلى أن تكون جديرة بالثقة والمسؤوليات التي وضعها المسرحيون على عاتقها، وعلى رأسها إدامة التواصل مع الفرق المسرحية والجهات المعنية بالمسرح، من أجل تذليل الصعوبات التي تقف في وجه المنتج المسرحي المحلي، لإدامة زخم المنجزات والسير قدماً في تطوير المسرح الإماراتي.
يشار إلى أن الموسم المسرحي ينظم كل عام في فترة الصيف، وتنظمه جمعية المسرحيين في الإمارات، بالتعاون مع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة ودائرة الثقافة في الشارقة، إلى جانب عدد من المؤسسات والجهات الراعية للحدث.
-----------------------------------------
المصدر / الرؤية
الأحد، 14 مايو 2017
«براسكوفيا حرة» لفؤاد حسن: لماذا لا يُلامس المسرح جراحنا خلال الحرب؟
مجلة الفنون المسرحية
«براسكوفيا حرة» لفؤاد حسن: لماذا لا يُلامس المسرح جراحنا خلال الحرب؟
بديع منير صنيج
هل كان علينا أن ننتقل مسرحياً إلى الريف الروسي لنُعايش آلام الحرب العالمية الثانية بدل تلمُّس ملامح أوجاعنا المُستمرّة منذ ست سنوات؟ أم أن حشد القضايا التي عالجها «أثول فوغارد» في «مكان مع الخنازير» من الخوف إلى عقدة أوديب وقمع المجتمع، إلى المداورة بين الشخصي والمجتمعي، إلى العدالة والحرية السياسية… لا يُمكِن ضبط أوتارها الدرامية إلا على رتابة أصوات الخنازير و«قِباعِها» المُستمر طوال فترة عرض «براسكوفيا حرة» على خشبة مسرح الحمراء بتوقيع المخرج «فؤاد حسن»؟.
المُعادلة ليست كثيرة المجاهيل، فالطابع الإنساني الذي اشتغل عليه الكاتب الجنوب إفريقي يجعل من البساطة الشديدة إعداد العرض بنكهة سورية مُعاصرة، ليس على صعيد أسماء الشخصيات والأمكنة والأحداث فقط، وإنما إعادة تدوير زوايا الزَّمَن المسرحي لتُصبح شخصيتا «بافل.. أسامة جنيد» و«براسكوفيا.. لميس عباس» أقرب إلى الحدث المحلي السَّاخن وتداعياته الكثيرة، فحَرْفُ الجر «عن» الذي سَبَق اسم المسرحية الأصلي لفوغارد لا تتحمل وزر كل ما شاهدناه، وهو ما يدفعنا للتساؤل: لماذا لم يستطع مسرحنا أن يُلامس جراحنا من جرّاء الحرب بعد كل هذه السنوات؟ والموضوع تندرج ضمنه النصوص المحلية والمُعدّة عن نصوص عالمية، فأين تكمن المشكلة في إيجاد مُعادل موضوعي لآلامنا؟ مع العلم أن القصة لا تتوقَّف عند الإعداد، رغم أهميتها، بل تتعداه إلى معظم مفاصل العرض، إذ إن عشر سنوات قضاها «بافل» في زريبة الخنازير كان عليها أن تترك ندوبها العميقة في روحه، وسلوكه، وتعاطيه مع زوجته، وأخبار مجتمعه… ليس على صعيد الحوارات فقط، والجانب الخطابي الإنشائي الذي اعترى معظم كلام الشخصية المُحاصَرة بخوفها، إذ كان بالإمكان تثوير أفعالها على الخشبة، وتوتير خطابها الحركي، إن صح التعبير، وليس البقاء على وتيرة واحدة ومستوىً منخفض من طبقات الفعل المسرحي، فحتى اللحظات الحاسمة من عمر العرض، والتي يُقرِّر فيها «بافل» الخروج إلى الناس والكشف عن حقيقة عدم استشهاده مُتحدِّياً كل الاحتمالات، كانت في الحد الأدنى من كثافة الروح، وبلا أي إقناع بأن ما ستقوم به الشخصية سيقلب طاولة الواقع ويُهشِّمها تهشيماً، فالحاصل على الوسام الأعلى للجندية ما هو إلا فارّ من وجه استحقاقاته الوطنية، بعد غيبوبة لمدة شهر في البداية، ثم خوف مستوطن في داخله أسكنه عقداً من الزمن بجوار الخنازير، بمعنى أن موهبة «أسامة جنيد» العالية كانت بحاجة إلى استفزاز إخراجي من نوع آخر، إذ إنه تمكَّن خلال خمسة وأربعين دقيقة من عمر العرض أن يُقدِّم ذاته كممثل شغوف، وهو ما لا يستطيع فعله الكثير من المحترفين، لكن تبديد طاقته بالكلام حال دون إبراز مكانته المميزة على الخشبة.
القذارة المُفترضة في الزريبة أخذت أيضاً منحى مغايراً، فبدل روث الحيوانات كانت الخشبة مليئة بالحبال الجميلة، والقش النظيف، والأخشاب المُقطَّعة بعناية، وجرار الماء، وموقد النار (تصميم الديكور: ريم الخطيب)، ورغم أن السور الخشبي الذي يفصل تخت «بافل» عن مكان الخنازير أحالنا إلى مستويين من الوساخة، وكأنه الحد الفاصل بين حيونة الإنسان وإنسانيته الرفيعة، لكن التمرغ بالقش، أو النظافة البادية على ملامح الجندي الهارب، واستحمامه في بداية العرض، أحال إلى تعوُّد وعدم انزعاج من السَّكن في زريبة، كما أن أناقة السينوغرافيا ديكوراً وإضاءة (صممها بسام حميد) أدّت عكس المطلوب منها تماماً، فتخيَّلوا لو تم استبدال القش بالوحل مثلاً، ولو استُغِلَّ ذلك في تمريغ ملابس بافل الرمادية بتلك القذارات، على جمالية إيحاءاتها عن شخصية تائهة في مواقفها (تصميم الملابس: مارال ديراكيليان)، أو لو تم تخليص العرض من خطابيته المُتعالية بلغة عامية تُحيل إلى غوص أعمق في عوالم الشخصيات، مع التَّركيز على «كونيَّتِها» التي اشتغل عليها «فوغارد» في معظم أعماله المسرحية، بدل سجنِها في قوالب جامدة توحي بها اللغة الفصحى، خاصةً في ظل عدم القدرة على التحرر من قرابة شخصيات العرض مع نظيراتها في الأعمال التاريخية، وقلة الاهتمام بفصاحة الأداء المسرحي والأسلوبية الإخراجية، فالتنازع لدى «بافل» بين الخوف من المواجهة والإقدام عليها في بعض الأحيان، ولدى «براسكوفيا» من مسايرته في «حياة الحظيرة» من جهة وحياة الخارج وأخباره عن «الشهيد المُفترض»، كان ينبغي أن يُحقِّق توتراً عالي المستوى، لكن الرُّكون إلى التقليدي، وعدم الرغبة في التحرر الأسلوبي من الأنماط الجاهزة، دفع بالعرض إلى جماليات مشهدية شكلية، لم يزد عليها شيئاً الرُّهاب من القاضي العسكري (خوشناف ظاظا) ببدلته الجاثمة في وسط الحظيرة وكأنها الحاضر الغائب في ضمير «بافل» المُعذَّب، ولا تلك الفراشة التي تشير إلى خلاص الرُّوح كما أرادها المخرج في كلمته على بروشور العرض مُستخدماً تقنية المسرح الأسود، أضف أن التركيز على التشيللو في الموسيقا التي ألَّفها حسام الدين بريمو عزَّزت غُربة العرض عن مَحليَّته، وكأن كل ما يحصل لا علاقة لنا به، كما أن استلام الزوجة لوسام النَّصر ما كان ليُحقِّق حضوره الطَّاغي على ملابس زوجها، لولا أنه بات على صدر جثّة، بعد أن انتحر «بافل»، مُفضِّلاً الحفاظ على اسمه شهيداً، مُحرِّراً «براسكوفيا» من كل ارتباطاتها بالخوف ضمن مُحاولة للدفاع عن إنسانية الإنسان بعيداً عن التباس سيرورة حياته مع حيوانات تقتات من قذاراتها بلا أدنى إحساس بالغرابة.
----------------------------------------------
المصدر : جريدة تشرين
مسرحية «الولادة من الأعلى» للكاتبة معينة عبود إصلاح العالم يبدأ من العقل!
مجلة الفنون المسرحية
مسرحية «الولادة من الأعلى» للكاتبة معينة عبود
إصلاح العالم يبدأ من العقل!
باسمة إسماعيل
مسرحية «الولادة من الأعلى» للكاتبة معينة عبود
إصلاح العالم يبدأ من العقل!
باسمة إسماعيل
عرفت الشعوب عبر الميثولوجيا الأدبية عدداً كبيراً من الملاحم التي تحكي قصص وحكايا شعوب مناطق الملاحم التي تساهم في التحول الديمغرافي (البشري) نتيجة البعد الملحمي الذي يأتي عسكرياً حيناً واجتماعياً أحياناً أخرى، ويذكر التاريخ الأدبي ملاحم الإغريق كالإلياذة والأوديسة لهوميروس التي تحكي عن حصار طروادة، وقصة أخيل في الأوديسة، وكذلك ما بعد وقبل هوميروس هناك مجموعة من الملاحم لسوفوكليس ويوربيدس، كذلك في الشرق الأدنى هناك ملاحم في غاية الروعة كـ«الشهنامة» الإيرانية، إضافة إلى بعض الملاحم العربية كـ«سيف بن ذي يزن» وقصة عنترة وسيرة بني هلال، كل هذه الملاحم ساهمت في تموضع الشعوب في مناطقها.
وما جاء في العرض الفني للنادي السينمائي في اللاذقية الذي قدم على خشبة المسرح في دار الأسد في اللاذقية بالتعاون مع المركز السوري للثقافة والفنون«شاماش» بعنوان (العمل الفني الملحمي الممسرح- الولادة من الأعلى) تأليف وسيناريو وإعداد وإخراج الأديبة معينة عبود، لم يلامس مفهوم الملحمة عبر ما قدمته من قصة بداية الخلق (آدم وحواء) إلٍى مقابر اليوم، من خلال شخصيات حقيقية عبر حواس موجودة في الكائن البشري كالجنون والألم والشوق والولع والكذب والرقة والحسد والحب والخيانة التي تلعب بالعالم وفي النهاية يسيطر الجنون على هذه الحواس، بل إن هذا العمل الفني أقرب لأن يكون إعادة صياغة للأسطورة ومحاكاة الواقع البشري ما بعد قصة الخلق، مرتكزة على منحوتات النحات فائز الحافي التي شكلت جزءاً من سينوغرافيا العرض التي وافقت فكرة العرض كمنحوتات «آدم وحواء، الوقوف مع الذات، عشتار» وغيرها، أداها فريق العمل بشكل إيحاءات إيمائية على موسيقا كلاسيكية لبتهوفن وشتراوس ومقطوعة الدخول إلى الجنة.
بدأت الكاتبة العرض بنص سوري كمدخل لحوار الكائنات يقول: «عندما لم يكن على الأرض بشر بعد/كانت الفضائل والرذائل تطفو العالم معاً وتشعر بالملل الشديد/فاقترح الإبداع لعبة سماها الاستغماية/فصرخ الجنون أريد أن أبدأ»، كإشارة إلى العالم ما قبل السكون وما بعد السكون، وجاءت الأشعار التي قدمتها الشاعرة معينة من أشعارها موائمة لفكرة العرض وتفصل ما بين الحوارات بطريقة فنية، خاصة شعرها عن نثر البذور والريح التي تعني في منحى معين رياح التغيير التي تطرأ في كل زمان ومكان، وقد تكون إيجابية حيناً وسلبية حيناً، عبر سلسلة حوارات دارت بين الراوي والكائنات، فقد أشارت الشاعرة عبر الإيحاء إلى أن البذور هي أرواح بشرية، وأي بذرة لا تقدم فائدة فهي معطِّلة للحركة البشرية، يقول الإبداع: «البذور تملأ الأرض/والريح تزأر/ولا شيء سوى أصداء الريح والأنين»، ويقول الجنون: «أرض.. ولّادة.. يا للبشر!» هنا يسخر من البشر، ويقول الراوي: «الريح تحتضن البذور/والريح تزأر فوق الأرض القاحلة/ والبذور في الأرض البور/تظن أنها ستنبت بلا مطر»، كأن الشاعرة تقول لا أحد يحتضن هذه الأرواح بشكل جيد وهي إشارة للأم والتربية.
لقد عبرت تلك الكائنات بحواراتها عن دلالات متعدّدة أربكت المتلقي لأنه لم يعتد عليها ضمن كينونات حسية متعددة، ولكن رغم هذا ورغم رتابة النطق عند المؤدين فإن ما سعت الكاتبة لإيصاله وصل للمتلقي، وأقول مؤدين وليس ممثلين لأن أعمارهم صغيرة وغير متمرسة ومدربة بشكل كاف، هذا ما كان واضحاً من إيقاع حركتهم البطيء، رغم أنه برز منهم مَن أدى بشكل جيد، مثلاً (حلا ميهوب) التي أدت دور حواء، و(زينب منى) التي أدت دور الجنون، وهناك طاقات شبابية واعدة إذا استمر العمل عليها بشكل متواتر ومتتابع ستصل إلى مستويات مهمة، وهذا يثمّن للكاتبة معينة، خاصة ما قدموه رغم قساوة البرد الذي لف المكان، وعدم تمكن فريق العمل من الاشتغال على بروفات قبل العرض بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتعطل المولدة الكهربائية بالمسرح، ما أربكهم، وجعل الإضاءة على المسرح غير متوافقة مع بنية الحكاية.
وقد ركزت الكاتبة كثيراً على دور الجنون الذي بدا في العرض كهمزة الوصل ما بين الروح العليا والروح السفلى، فهو الذي يعيد الحب بين الكائنات ويكون ميزان التوازن الحقيقي بينها، والجنون هنا ليس ذهاب العقل بل هو طفرة العبقرية والإبداع.
وللإنصاف رغم عدم ارتقائه لعمل ملحمي لكنه عمل فني حاكى تاريخ البشرية من مهد الصراخ إلى مقابر اليوم بلغة بصرية فنيّة، وكأن الكاتبة أرادت من فكرة (الولادة من الأعلى) إيصال رسالة أن فكرة إعادة تأهيل البشر تأخذ مراحل متعددة، ويجب الوقوف كثيراً مع الذات لنصل إلى هذا التأهيل، وإن إصلاح أي شي يبدأ من (الرأس/ العقل) والرأس في هذا الكون هو الإنسان، وهو البذرة الأولى للإصلاح.
---------------------------------
المصدر : جريدة تشرين
















