أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 7 يونيو 2017

مسرح جان بول سارتر

مجلة الفنون المسرحية


مسرح جان بول سارتر

1-    مقدمة عن الوجودية

2-    فلسفة سارتر

3-    الموقف الأدبي

4-    مسرح المواقف عند سارتر

5-    العلاقة بين المسرح والموقف

6-    البطل في مسرحيات سارتر ((الذاتيه عند البطل), (المشكلة الأخلاقية لديه), (مشكلة الحرية عنده), (الالتزام عند بطل سارتر))

7-    تطبيق على مسرحية ((الشيطان والإله الطيب)) سارتر وفكرة الخير والشر. ملخص المسرحية

8-    الشيطان والإله الطيب في الميزان.

مقدمة عن الوجودية: تمتاز الوجودية كما يبدو لنا من التسمية نفسها, بميلها إلى الوجود فهي لا تبالي بماهيات الأشياء وجواهرها, كما لا تبالي بما يسمى بالوجود الممكن, والصور الذهنية المجردة. إن غرضها الأساسي هو كل موجود إنها فلسفة الأشياء الملموسة, الأشياء التي تقع عليها أنظارنا, وتلمسها أيدينا. أو نتصل بها بنوع من الاتصال المادي.

وقد جرت العادة أن إدراكنا للأشخاص يكون على أساس ما يملكون من صفات مشتركه عامه والتي بها يحققون كل نموذج من نماذجهم. أما الصفات الخاصة لكل منهم فليس مما نَأبَهُ له.

والوجودية تعارض هذه العادة معارضة شديدة. وتنادي بأن نكتشف حياتنا الداخلية الخاصه وجزرها قبل أن يدخل فيها العقل الانساني. منطقاً لم يكن فيها من قبل. إنها تريد كما قال كيركجارد (1813- 1875) وإليه ترجع بذور الوجودية: ((أن تتيح للأفكار امكانية الظهور بينما تكون محتفظة بحرارتها الأساسية الأولى))

والوجودية تؤمن بسبق الوجود وعلى الماهية وهذا فارق جوهري بين الوجوديين والسابقين عليهم من الفلاسفة.

والوجود: هو نوع من الحضور الفعلي في العالم

والماهية: هي مجموعة من الخصائص الثابته. وهذا يعني أن الإنسان يكون أولاً, ثم يتحقق وجوده ويصبح بعد ذلك هذا أو ذاك.

وقد نمّى آراء كيركجارد الفيلسوفان الألمانيان ((هيدجر)) و((كارل يسبرز)) ثم انتشر المذهب, ودخل مجال الأدب وعبر عن روح العصر وخاصة على يد فلاسفة فرنسيين على رأسهم ((جبرييل مارسيل)) ثم سارتر.

ونترك هؤلاء لنتكلم قليلاً عن فلسفة سارتر قبل الدخول إلى مسرح سارتر:

فلسفة سارتر: تتصف وجودية سارتر بصفة الالحاد وتعرف بالوجودية الملحدة. وذلك نتيجه عدم إيمانه بوجود الله وتمرده عليه. والتمرد لم ينتج عن نزوع عقلاني, بل صدر عن الإرادة التي رفضت الايمان بالله. والرفض يفترض وجود المرفوض, إذن الله موجود.

لكن إرادة سارتر ترفضه, لأنه كما يقول لم يقدم للإنسانية حفاظاً وضماناً من المحنات التي لاقتها خلال الحربين العالميتين الطاحنتين.

إذن إلحاد سارتر وجماعته. إلحاد هجومي. لا يأبه لبراهين العقل العقلانيه. وإلحادهم هذا تعبير عن وضع شاذ. عن حاله في النفس غير عاديه ونستطيع أن نقول التعبير عن حاله مريضه. فالواقع أن الالحاد غير ممكن كمبدأ مطلق. غير ممكن عقلاً وفؤاداً.

ويقول سارتر: ليس مهماً أن تؤمن بوجود خالق. والمشكلة ليست مشكلة وجوده أو عدمه. إنما المشكله هي الإنسان, الإنسان الذي يجب أن يجد نفسه الضائعة, وأن يقتنع باستحالة وجود قوة غير قوته تستطيع أن تحرره.

والباحث في فلسفة سارتر تطالعه بعض الاصطلاحات:

الوجود, الماهيه, الموقف, الاختيار, المسؤولية, القلق, الحرية, الذاتية, الالتزام.

وتفسير هذه المصطلحات كالآتي:

يقول سارتر: ((الانسان يوجد أولاً غير محدد بصفة ثم يلقي بنفسه في المستقبل وذلك بالأفعال التي يؤديها. ولهذا فإن الانسان أولاً مشروع وتصميم يحيا حياة ذاتية, ولا شيء يوجد قبل هذا المشروع, بل الإنسان هو الذي يصمم مستقبله. وما دام الإنسان مشروعاً وتصميماً يضعه لنفسه فإنه بالضرورة مسؤول عما يكون عليه. ولا تقتصر هذه المسؤولية عليه وحده بوصفه فرداً, بل تمتد إلى الناس جميعاً. فباختيارنا لصورة أنفسنا تشكل في الوقت نفسه صورة الإنسان.

وهذه المسؤوليه الكبيرة التي تمس الناس جميعاً لا بد أن تثير في الإنسان القلق البالغ. إذ كيف لا أكون مهموماً والقرار الذي اتخذته – وإن بدا في الظاهر أنه قرار شخصي – إنما هو قرار يمس جميع البشر؟

وهناك نتيجه تسبق الوجود على الماهيه عند سارتر هي الحرية.

فمادام الإنسان في بدء وجوده ليس شيئاً وما دام هو الذي سيصمم نفسه فهو لا بد حر, بل هو الحرية نفسها. وبهذه الحرية يخلق الانسان نفسه بنفسه.

ولهذا كان تمجيد الفعل من المبادئ الرئيسية في المذهب الوجودي. حتى قيل أن وجود الإنسان هو ما يفعله. وسارتر أكد في جميع أعماله على الحرية. ونادى بالالتزام في فلسفته وطالب بها معظم أبطاله. ونتج عن ذلك مسرح خاص بسارتر هو مسرح المواقف. وفيما يلي سأتكلم عن الموقف الأدبي ومقوماته. ثم أتعرّض إلى مشكلة الحرية عند سارتر والتزاماته. جاعلاً من هذا الأضواء التي أستطيع أن أنير بواسطتها مسرح سارتر وأرى أبطاله بوضوح على خشبة المسرح.

الموقف الأدبي: أصبح الموقف من الاصطلاحات الفلسفية في العصر الحديث. ومعناه علاقة الكائن الحي ببيئته وبالآخرين في وقت ومكان محددين, وهو كشف الانسان عما يحيط به من أشياء ومخلوقات, بوصفها وسائل أو عوائق في سبيل طريقه. ولا سبيل إلى اتخاذ موقف إلا بمشروع يقوم به الفرد مرتبطاً بما يحيط به من عوامل يتجاوزها بمشروعه إلى غاية له يحاول بها التغيير من حالته الحاضره – وهذه العوائق مهما كانت درجة تعويقها هي التي تحدد مشروعه وتكشِف عن حريته. ويجب أن تتحدد هذه الحرية بتلك العوامل, فيجب ألا تبلغ الحرية في مشروعها درجة الوهم, وألا تضعف إلى درجة السلبية فتقف دون التفكير في تغيير الحالة الراهنه.

فالموقف يتألف من عوائق ومن مقاومه لها في وقت معاً. وبه يكون الإنسان في تغير دائب تبعاً لمشروعه وما يبذله من جهد فيه, وفيه يتحقق وجود المرء عن طريق العمل والصراع, بوجوده في حالة ما وتجاوزه هذه الحالة في آن. فما الوجود الإنساني المشروع سوى وجود في موقف.

وتلك هي المعاني التي تربط الموقف في المسرحية بالموقف في الحياة. فلكل مسرحية موقف أو عدة مواقف. فالبنية الفنية فيها ذات مغزى عام محدد المعالم هو العالم الغني الذي ترتبط به الشخصيات. وهذا هو الموقف العام. ولا يتحدد هذا الموقف حق التحديد إلا على أساس القوى الوظيفية لكل شخص من الأشخاص في المسرحية, وفي سلوكه الخاص تجاه هذا الموقف. وهذه الفوى الوظيفية المتصارعة يتمثل فيها موقف كل شخص على حده. وهذا هو الموقف الخاص. ولا يمكن فهمه حق الفهم إلا في ضوء الموقف العام.

ففكرة الخير والشر في مسرحية الشيطان والاله الطيب التي سنتعرض لها بالدراسة في هذا البحث. الخير والشر كما يراهما سارتر واقعان متحركان نسبيان بالنظر لكل وضع خاص ومن المستحيل تحديدها مسبقاً في قانون. ومهاجمته للفكرة التي تقول إن هناك خيراً مطلقاً محدداً وشراً مطلقاً محدداً وإيمان غوتز بطل المسرحية بالفكرة الثانية عن الخير والشر ومحاولته تحقيق فكرة الخير مع أناس هم أنفسهم ليست لديهم الفكرة السليمة عن الخير. وهذا الاعتقاد الخاطئ من البطل جعله منزعجاً شاعراً بالضياع ويقدم جدوى الناس والله إلى أن يتجرد من إيمانه الخاطئ في آخر المسرحية.

وهذا هو الموقف العام الذي يتمثل فيه دور وظيفة كل شخصية من شخصيات المسرحية وما دار فيها بينهم من صراع.

وموقف المسرحية يختلف عن موضوعها. إذ الموضوع هو المادة التي تتنوع أشكالها على يد الكتاب, في حين يكتسب الموقف العام طابعاً محدداً في المسرحية به تتجاوز مجرد المشابهه السطحية في الموضوع مع مسرحيات أخرى. وقد تتشابه المسرحيات في مواقفها العامة, فيكون هذا التشابه رباطاً فنياً أقوى من مجرد هذا التشابه السطحي في الموضوع.

فمثلاً إذا أخذنا فكرة الخير والشر كوجه شبه بين مسرحيته الشيطان والإله الطيب لسارتر, ومسرحية ((الهالك لنقص إيمانه)) للكاتب المسرحي الاسباني ((تيرسو دومولينا)) (وسنتكلم عن المسرحية عندما نتعرض لمسرحية الشيطان والإله الطيب بالتحليل) كان هذا الشبه سطحياً, لأن فكرة الخير والشر مختلفتان في المسرحيتين السابقتين. تبعاً لاختلاف الموقف العام فيهما.

وإذا أردنا تحديد الموقف العام في المسرحية على نحو ما هو في الحياة أي نوع من الصلات بين مجموعة من الناس حول موضوع مختلف نظرتهم فيه فينشأ من هذا الاختلاف نوع من الصراع ينتهي من وجهة نظر المؤلف إلى نتيجة ذات مغزى.

وعلى هذا الأساس فإن الموقف العام بهذا المعنى في المسرحية يستلزم وجود قوه إنسانية تتجه بجهدها نحو غاية خاصة (شخصية بطل المسرحية) إلى جانب شخصية البطل تقدم قوة أخرى منافسة لها ومن هنا ينشأ الصراع وتتمثل هذه القوه بشخص أو عدة أشخاص أو عوائق طبيعية او اجتماعية تتراءى ظلالها من وراء الحوار. ثم هناك قوة ثالثة تمثل الخير المطلوب وهي القطب الذي يدور حوله الصراع. يضاف إلى ذلك قوة رابعه هي القوة التي يطلب لها الخير المنشود. والقوة الخامسة هي التي تمزق الموقف وتميل كفته إلى ناحية من النواحي. وقد تتمثل في البطل نفسه أو الشخصية الممثله للخير المنشود. وتأتي بأضعف صورها من خارج المسرحية كتدخل الآلهة في المسرحيات اليونانية. وأخيراً تأتي قوة الأعوان أو المساعدين. وقد تتمثل في أشخاص ينضمون إلى أية شخصية من الشخصيات السابقة.

هذا هو الموقف الأدبي الذي شاع استعماله في القرن العشرين.

فماذا كانت نظرة سارتر إلى الموقف وعلاقته بالمسرح؟.

مسرح المواقف عند سارتر:

يقول سارتر: ((كان المسرح فيما مضى مسرح تحليل نفسي للشخصيات. فكانت تعرض على المسرح شخصيات تزيد في تعقيدها أو تنقص. ولكنها تعرض عرضاً تاماً في حياتها.

ولم يكن للموقف دور إلا في وضع هذه الأشخاص في صراع بعضها مع بعض. مع بيان كيف يتم التحوير في حياة كل شخصية بتأثير الشخصيات الأخرى فيها. كينه حصل تغيير في هذا الميدان. فقد رجع كثير من المؤلفين إلى مسرح المواقف ولم يبق مجال لمسرح تحليل الشخصيات. فلأبطال حرّيات أخذت في الفخ. مثلنا جميعاً. فما المخرج؟ ولن تكون كل شخصية شيئاً سوى اختيارها مخرجاً لها. ولن تساوي أكثر من المخرج الذي تختار. ونتمنى أن يصير الأدب كله خلقياً وجدلياً مثل هذا المسرح الجديد. أي يصير أدباً خلقياً لا أدب وعظ.

وليوضح هذا الأدب في بساطه – أن الإنسان قيمه. وأن المسائل التي يضعها لنفسه دائماً خلقية, وعلى الأخص ليبين لنا الأدب في كل امرئ الانسان المبتكر.

وكل موقف – في معنى من معانيه – بمثابة مصيدة فئران: جدران في كل مكان. فقد عبرت من قبل تعبيراً قاصراً. فليس من مخارج يختار منها. فالمخرج شيء يبتكر.

وكل امرئ يبتكر نفسه بابتكاره لمخرجه الخاص, فعلى المرء أن يبتكر كل يوم))

العلاقة بين المسرح والموقف:

يقول سارتر في ذلك: ((إذا كان حقاً أن الانسان حر في موقف خاص وأنه يختار نفسه عن حرية في موقف خاص. وأنه يختار نفسه في الموقف وعن طريق الموقف. إذن علينا أن نعرض في المسرح مواقف بسيطة وانسانية, وحريات تختار نفسها في مواقف. وأبلغ ما يعرضه المسرح تأثيراً هو عرض شخصية في طريق تكوين نفسها بنفسها في لحظة الاختيار عن قرار حر يرتبط به نوع من الخلق والحياة. وبما أنه لا وجود لمسرح إلا إذا تحققت وحدة جميع المتفرجين, فعلى المرء أن يبحث عن مواقف جد عامه بحيث تكون مشتركة بين الجميع.

ولدينا مسائلنا: مسألة الغابة والوسائل, ومشروعية العنف, ومسألة نتائج العمل, ومسألة علاقات الشخص بالجماعة, وعلاقات المشروع الفردي بالقيم التاريخية الثابته, ومئات من الأمور الأخرى. ويبدو لي أن واجب المؤلف المسرحي أن يختار من بين هذه المواقف الجدية الذي يعبر أكثر من سواه عما يشغله من مسائل, ويقدمه إلى الجمهور بوصفه مسألة معروضة على بعض الحريات.))

على الرغم من أن سارتر يرغب في مجابهة المواقف الأشد حلكة لأنه يرى في ذلك أنه يستطيع التحكم فيها. يرى مع ذلك أن تكافح الحرية في سبيل نجاتها من مأزقها باختيار بما يتفق والإرادة الخيره فالمواقف عنده اختيار للحريات. وهذه الحريات قوى متعالية بقول سارتر: ((في بعض المواقف لا مكان إلا لتبادل حدين أحدهما الموت. ويجب أن يتصرف المرء بحيث يستطيع الانسان في كل حاله أن يختار الحياة.





الأخلاق عند بطل سارتر أو البطل الوجودي:

مر معنا سابقاً أثناء الكلام عن الموقف كلام سارتر: ((نتمنى أي يصير الأدب أدباً خلقياً لا أدب وعظ. ويجب أن يوضح أن الإنسان قيمة. وأن المسائل التي يضعها لنفسه دائماً خلقيه فما هي هذه الأخلاق التي يدعو إليها سارتر, والتي يتحدد سلوك الإنسان على أساسها؟.

يقول سارتر: ((لو كان الوجود يسبق الماهيه. فلن يستطيع الإنسان أن يشرح سلوك المرء بالرجوع إلى طبيعة إنسانية معطاه ونوعيه, بمعنى آخر ليست هناك تحدديه, الإنسان حر, الإنسان هو الحرية))

ثم استنتج سارتر من ذلك:

((أنني لا أستطيع أن أبحث في داخلي عن دافع حقيقي شرعي للسلوك ولا أستطيع أن أتوقع من بعض الأخلاق صيغة تمكنني من السلوك. ومن ثم ينحدر هذا العالم بما فيه إلى جيبي, وإذا حدث أنني أخترت فعلاً ما وفضلته على فعل آخر فإنني سأختار نفسي في كلا الحالتين. وفي اختيار أنفسنا نفسر العالم على اعتباره صورة ما نحن عليه: قيمة الأشياء والأدوار التي ألعبها في حياتي وعلاقتي بها وتخطيط صورتي واختياري.))

وهنا يبدو أن سارتر يهتم بالفعالية الغريزية لا الارادة لأنه يجعلني ألقي نفسي لمكوناتي الذاتية ورغباتي الغريزية الشخصية للغاية.

ويذكر سارتر: ((إذا أنا اعتبرت فعلاً ما فعلاً خيراً فأنا فحسب الذي يختار أن يقول إنه خير وليس شراً.))

فالإنسان السرتري يبدو كما يصفه (البريس): انسان متحلل دائماً من كل إلزام قبلي وهو لا يقبل أي تصوير مسبق ولا أي نموذج وهو أبداً متدفق غير مشدود إلى ماضي.

قد تكون نظرية سارتر الأخلاقية تدعو إلى إعطاء معنى دينامي لكلمة قيمة وإلى معارضة فكرة الحضارة القائمة على شكل متجمد من الخبرات المكتسبة لكن هناك فرق بين أن أرخص القيم البالية التي تعوق تقدمي لأبدع قيماً آخرى متطورة في وسط اجتماعي وبين أن أرفض كل القيم وأنزع عن الانسان قوامه الاجتماعي والانساني بحجة نبذ القيم البالية كما فعل سارتر.

والفليسوف الوجودي[1] يرى أن ((المشكلة الخلقية)) هي أولاً وبالذات مشكلة شخصية تتصف بالطابع التاريخي الدرامي الذي تتصف به أي خبرة أخرى معاشه. ومهما فعل فيلسوف الأخلاق التقليدية أو عالم الاجتماع الوضعي فإنه لن يستطيع أن يضع نفسه موضع الشخص الذي يجد نفسه ملزماً بأن يفصل في مشكلة حياته.

وأفضال الفلسفة الوجودية على الأخلاق أنها تلحّ على ما للعامل التاريخي الدرامي من أهمية كبرى في كل أخلاق فردية. فالوجوديون يؤكدون أن الفرد لا يحيا في عالم مجرد من كل سياق تاريخي, بل إنما هو يفصل في مصيره الشخصي وسط ظروف لا سبيل إلى تحديدها بدقة. وحين يحقق الفرد فعلاً أخلاقياً. فإنه إنما يقوم بضرب من المخاطره في الحاضر والمستقبل مستخدماً ما لديه من حرية في تحقيق بعض إمكانياته وليست الحرية التي يتحدث عنها هؤلاء من قبيل ((الاستقلال الذاتي)), الذي تحدث عنه((كانت)) وإنما هي حرية موجود مجاهد يعمل في مشقة وصراع وتوتر ويصارع نفسه والعالم والآخرين وإذا كانت الحرية عند ((كانت)) ترادف ((العقل المنتصر)) الذي استطاع أن يسيطر على ذاته وعلى الكون. فإن الحرية عند الوجوديين تساوي الذات المجاهدة التي تجد نفسها فريسة لنفسها وللعالم, فتحاول جهد طاقتها أن تحقق حياتها بوصفها صنيعة يدها.

ويقول الفيلسوف الوجودي المعاصر "جورج جدورف": إن الأخلاق الوجودية تقوم على الإعتراف بأولوية ضمير المتكلم, وتدعو إلى تأسيس السلوك على أساس الحرية الشخصية. وليست الحرية في نظر الفيلسوف الوجودي حقيقة جاهزة ومعده من ذي قبل أو مجرد معطى من معطيات الحس. بل هي كسب يحصل كل يوم دون أن يستحيل يوماً إلى حصيلة ثابتة, ومعنى هذا أن الحرية الخلقية هي سعي شاق من أجل الانتقال من مملكة ((الطبيعة)) إلى مملكة ((الأخلاق)) ولكن الحرية لابد من أن تظل ناقصه غير مكتمله. لأنها دائماً في صيرورة مستمرة فضلاً عن أنها مزعزعه تفتقر باستمرار إلى المزيد من الاستقرار. ومع ذلك فإن هذه الصيروره, نفسها هي التي تضفي على وجودنا كل ما له من معنى, كما أن ذلك التزعزع إنما هو الذي يكشف عما لدينا من امكانيات لا بد من العمل على تحقيقها.*

ولعل هذا ما أرادت سيمون دي بوفوار أن تعبر عنه حينما كتبت تقول: إن الحرية لتبدو لنا دائماً على صورة حركة تحرر, وحينما يريد الانسان أن يحقق النجاة (أو الخلاص) لوجوده وهو وحده الذي يستطيع أن يقوم بهذا الفعل . فلا بد له من أن يسمو بما لديه من تلقائية أصلية إلى مستوى الحرية الخلقية وذلك بأن يتخذ من نفسه غاية يعمل على الكشف عما تنطوي عليه من مضمون خاص فريد من نوعه))

هذه هي الدائرة الخلقية التي يستعملها أبطال سارتر كحلبة لصراعاتهم مع أنفسهم ومع الغير لتحقيق ذواتهم من خلال المشاريع التي يضعونها لحياتهم بمحض اختيارهم وحريتهم.

الالتزام في مسرح سارتر:

الالتزام هو تحديد الإنسان علاقاته بالأخرين وبالأشياء حسب ما يمنحهم من معنى.

ونحن ملتزمون قبل أن نلتزم ما دام ليس للإنسان حسن اختيار مولده من أسرة معينة أو بيئة معينه أو بقوى عقلية وجسدية محدودة. ولذا علينا أن نختار في هذه الحدود التزامنا الذي هو نتيجة الالتزام غير الاختياري. والا أمّحى وجودنا.

والظروف المعقدة التي يوجد فيها الإنسان سواء كانت حتمية نهائية لا اختيار للمرء فيها من قبل. كعوامل الوراثة والبيئة والصفات الخلقية أم اختيارية يلتزم بها المرء لتحقيق وجوده فيما يتاح له من إمكانيات ليست نهائية. هي التي تؤلف ما يدعوه الوجوديون الموقف.

والالتزم في موقف يستتبع إدراك قيم إنسانية واجتماعية بها يتجاوز المرء موقفه لتغييره إلى ما هو خير ولايتحقق ذلك إلا بإحاطة الفرد بسلسلة من الأسباب والملابسات الخاصة التي تستشف منها صورة حريته الانسانية. ولهذا يسمى أدب سارتر أدب الالتزام أو أدب الموقف. وفيها يحدد الكاتب موقفه من مسائل عصره تحديداً تاماً. إذ لا قيمة مؤثرة للمبادئ التجريدية في ذاتها دون ربطها بملابساتها ودون تخصيصها بموقف معين. لأن تلك المبادئ في ذاتها هزيله والوعي الحي للكاتب يحتم اشتراكه في مسائل قومه ومسائل العالم من حوله قاصداً إلى تطويره وخلقه خلقاً جديداً. وفي أدب الوجوديين لا قيمة للشكل من حيث هو شكل. إذ أن الاسلوب وسيلة لا غاية فلا قيمة لجمال ليس له مضمون اجتماعي ملتزم, ولا فصل في ذلك بين الشكل والمضمون. ومتى لم يتوافر كلاهما في العمل الأدبي فهو سيء في أية حال من أحواله. وقد استثنى سارتر فنون الشعر والنحت والتصوير والموسيقى من الالتزام لأن صورها الفنية غير صالحة للالتزام في ذاتها.

يقول سارتر: ((الرواية فعل, والروائي ليس له الحق أن يتخلى عن المعركة ويستقر آمناً على جبل كالمتفرج)).

حرية البطل عند سارتر:

في جميع مسرحيات سارتر نجد أن موضوع الحرية هو الشاغل الوحيد لسارتر. فقد نجد موضوعاً آخر بارزاً على خشبة المسرح لكن الموضوع الأساسي الذي يختفي خلق الأحداث والأفكار. إنما هو موضوع الحرية.

ويقول سارتر في هذا: ((نريد أن نضع على المسرح مواقف معينة تلقي الضوء على المظاهر الرئيسية لوضع الإنسان حتى يشارك النظارة في الاختيار الحر الذي يقوم به الإنسان في تلك المواقف.))

والبطل الوجودي لا بد أن يكون حراً. ولكي يكون حراً يجب أن يفلت من أية تحددية سواء كانت هذه التحددية وراثية أم اجتماعية ويجب أن يكون ممنوحاً كل حرية وأن تنبثق الحرية من داخله ومن أعماقه.

ويقول سارتر في حديث صحفي له عن ميل زولا: ((كل واحد من شخصياتي بعد أن يفعل أي شيء تظل عنده امكانية أن يفعل أي شيء آخر. أما عند زولا فكل شيء يخضع لتحددية محكمه. إن مؤلفاته كتبت في الماضي بينما شخصياتي لها المستقبل.))

والوجودي يقول: إن الجبان يصنع نفسه بجبن, والبطل يصنع نفسه بطولياً. وبأن هناك امكانية للجبان أن يتخلى عن جبنه وللبطل ألا يصبح بطلاً))

وهذا عين ما أكده كامد بقوله:

((الأبطال إنما يتكلمون لغتنا, ولهم ضعفنا وقوتنا, وعالمهم ليس أجمل من عالمنا ولا أكثر إضاءة. لكنهم على الأقل يتابعون مصائرهم إلى النهاية الأليمة))

ولكن لنتساءل قليلاً. هل بطل سارتر حر حقيقة؟. هل يتمتع بالحرية التي يتفلسف بها سارتر؟.

عندما سنتعرض لمسرحيته الشيطان والإله الطيب بالتحليل. نجد أن بطل سارتر رغم وعيه واستنارته لايستطيع أن يبحث عن أحاسيس جديدة في مكان آخر غير ذلك الذي عرفه أو أقام فيه. رغم وجود هذه الأحاسيس بوضوح في مكان آخر.

ثم ألا نجد أحياناً أن الحرية عند بعض أبطال سارتر هي عبارة عن طلاء خارجي فقط.؟ وأن سارتر يقف لشخصياته بالمرصاد يحرك بيديه خيوط حياتهم. أليس في هذا قتل لهذه الشخصيات.؟

لقد صدق ((سان جوست)) إذ قال: ((بنفس الحجارة تستطيع أن تبني للحرية معبداً أو قبراً))

لقد أعطى سارتر أبطاله صدفة الإله.

الشيطان والإله الطيب:

إن الرواية الوجودية في صميمها كما تقول سيمون دي بوفوار تعبير عن البعد الميتافيزيقي الذي يتحرك عبره الوجود البشري. وهذا البعد الميتافيزيقي ينكشف في الرواية الوجودية من خلال مواقف متعارضة. وأحداث شائكه. ومشاعر متناقضة. نستطيع أن نحكم على رواية أنها رواية سارترية. بينما لا يمكننا أن نقول عن رواية أنها ارسطوطالية (ارسطوطاليس) أو اسبينوزيه (اسبينوزا) أو ليبنتسيه (ليبنتس) وذلك لأن الفلسفة الوجودية لسارتر تؤكد بكل قوه ما للتجربة من طابع ذاتي, جزئي, عيني, درامي, تاريخي, زماني.

وعبث الحياة, وصراع الحريات, وجزع الموجود البشري من الموت. وحنينه إلى المطلق. إلخ ...

وعندما يعبر سارتر عن هذه المواقف الميتافيزيقيه في روايته فإنه لا يقسرها على الأحداث قسراً. كما أنه لايسقطها على الشخصيات اسقاطاً. بل هو يضعها في سياقها الواقعي الجزئي. ويدعها تنطق بلغتها الخاصة. ومن هنا فإن أبطال سارتر ليسوا بالضرورة فلاسفة أو مفكرين. أو أهل جدل بل هم أولاً وبالذات موجودات بشرية تواجه مصيرها, ويعل كل منها على تعميق كل قضية تعترضه, مدركاً في الوقت نفسه أنه ((ملتزم)) أمام نفسه وأمام العالم, وأمام الآخرين.





سارتر وفكرة الخير والشر:

إن موضوع مسرحية سارتر الشيطان والإله الطيب يدور حول فكرة سارتر عن الخير والشر. هل هما نسبيان؟. هل يمكن تحديدها في قانون؟. هل الأخلاق مجموعة من القوالب الجامدة؟ هل هناك خيراً مطلقاً محدداً؟ وشراً مطلقاً محدداً؟ وإذا كان هناك إله فهل يملك شيئاً يقدمه للإنسانية؟ وإذا لم يستطع الإنسان أن يقيم صلات خيره وروابط انسانية بينه وبين المجتمع. فماذا تكون النتيجه؟ كل هذه الأفكار يعالجها سارتر في مسرحيته وسنتعرض لها بالتحليل والنقد بعد أن نفرغ من دراسة المسرحية دراسة وافيه. وقبل أن أبدأ بدراسة المسرحية أريد أن أقول أن فكرة الخير والشر فكرة قديمة جداً رافقت الإنسانية في تطورها حتى يومنا هذا.

وقد تعرض لها كثير من الأدباء نذكر منهم على سبيل المثال الكاتب المسرحي الانجليزي مارلو في مسرحية فاوست. فقد جسد مارلو الخير والشر في صورة إله للخير وإله للشر. يحاول كل منهما أن يجتذب فاوست إلى جانبه.

ولكن من الكتاب الذين تعرضوا لموضوع فكرة الخير والشر وعالجوها مسرحياً في القرن السابع عشر بنفس الحس المبسط الجدلي المبالغ فيه سارتر هو الكاتب المسرحي الاسباني (تيرسو دومولينا) Tirso de Molina

فمسرحية ((الهالك لنقص إيمانه)) والتي لم يحكم عليها بالإلحاد تشبه إلى حد ما مسرحية سارتر هذه. ومسرحية تيرسو دومولينا تتلخص بأن ناسكاً ولصاً يتاح لهما أن يلتقيا بسبب عيشهما معاً في الجبل, والناسك يعتقد, شأنه شأن غوتز في المرحلة الثانية من المسرحية عندما يصبح كاهناً أن هناك فكرة جامدة عن ((الخير)) ولذلك نراه يعيش في الوحدة والصوم والتقشف ولكنه لا يفعل ذلك حباً بالله. إنه يفعله خشية أن يهلك, ولأنه بدلاً من أن يحب الله ويعيش, يبدع فكرة نظرية وفارغه من الخير تدخل بين الله وبينه. أما جاره اللص. وهو يشبه إلى حد بعيد غوتز الأول الذي يرتكب الشر (والواقع أن غوتز في مسرحية سارتر يلعب بالتتالي الدورين اللذين ينسبهما تيرسو دومولينا إلى اللص والناسك) فهو لا يعيش عيشة مثالية. ولكنه يحافظ عبر أخطاه على حبه لله وإيمانه بنجاته, وقد استشعر الناسك اليأس من هذا النتاقض. فما كان منه إلا أن أصبح لصاً هو نفسه ليأسر ذلك اللص, ويعلقه إلى شجرة. فيتهدده بالموت الفوري, وهو يسائله فيما إذ لم يكن يخشى الهلاك. وأخيراً يحكم الناسك على نفسه بالهلاك والتعذيب خشية أن يحكم عليه بالهلاك لأنه استبدل بالله نظرية عن الخير. بينما نجا اللص. وهكذا يرد تيرسو دومولينا إلى النعيم اللاهوتي فكرة الخير المتحجرة التي يتهم سارتر المسيحيه بها.

ملخص مسرحية الشيطان والإله الطيب:

اختار سارتر لحوادث مسرحيته الحقبة الحائرة من أواخر القرون الوسطى التي تتجلى فيها غليانات الاصلاح وثورات الفلاحين على الظلم والاقطاع وتحكم رجال الدين.

وحوادث المسرحية تدور في مدينة ((وورمز)) إحدى مدن ألمانيا التي ترزح تحت وطأة حكم رجال الدين ورئيسهم ذلك الأسقف الجشع الذي يستعبد شعبها باسم الدين. ويدجل عليهم تدجيل الحواه ولكن سرعان ما ضاق الشعب درعاً بدجل رجال الدين فثاروا عليهم بقيادة الخباز (ناستي). وفي نفس الوقت كان في خدمة رجال الدين غوتز وأخوه كوتراد وهما يترأسان عصابة من اللصوص وقطاعي الطرق. ولكن غوتز هذا انقلبَ ضد رجال الدين وقتل أخاه لأنه لم يوافقه في الرأي وهو الآن يحاصر المدينة ((وورمز)) وبعد ثورة الشعب على الكاهن واقتحامهم مخازن الحبوب. سلم الكاهن لأحد قساوسته ويدعى (هنريش) مفتاح المدينة وطلب منه الذهاب إلى غوتز للتفاوض معه وتسليمه المفتاحِ ليدخلَ المدينة بشرط أن يبقي على حياة رجال الدين ولا يصيبهم بسوء.

ويذهب هنريش إلى غوتز كي يسلمه مفاتيح المدينة وعندما يرى أفواه جنوده التي تنطق بالشر يجذع ويغير رأيه. ولكنه يضطر إلى تسليمه مفاتيح المدينة أخيراً ثم يذهب الخباز ناستي إلى غوتز للتفاوض معه أيضاً والاتفاق على خطة يمكن بواسطتها السير بالمدينة نحو الخير والكمال. ويلتقي ناستي بغوتز ويخبره غوتز أن مفاتيح المدينة في حوذته ويعرف ناستي أن القس هنريش هو الذي سلمه مفاتيح المدينة. فيعاتبه على فعلته هذه ولكن ما الفائدة فقد سبق السيف العزل. ويحاول هنريش أن يصلح غلطته. فماذا يفعل؟ ليس أمامَه إلا أن يقنعَ غوتز بمنطق القس الداهية أن يفعلَ الخير ويقلعَ عن فجوره وشره وهكذا يُدخلُ هنريش في روع غوتز أنَ الخير مستحيل على هذه الأرض. وإنه الله الذي أراد ذلك ويتحداه لو استطاع أن يعمل الخير على هذه الأرض. فيقبل غوتز التحدي. ولكنه لا يقبله هكذا وهو الوجودي الذي لا يؤمن إلا بما هو صادر عن نفسه فيأخذ النرد ويلقي به على الأرض ويقول لهنريش إني أوافق على أن أغير نفسي فيما لو خسرت أما إذا كسبت فسأبقى كما أنا. ويخسر غوتز. وها هو يقلب سترته وينقلب من رجل شرير فاجر إلى قديس صالح. فبعد أن دخل المدينة وزع املاكَه وأملاك أخيه على الفلاحين فماذا كانت النتيجة.؟

كانت النتيجة أن رجال الاقطاع ثاروا عليه وأوسعوه ضرباً وركلاً.

ولكنه لم يرضَ أن يرفع يدَه في وجه واحدٍ منهم وهو الذي آل على نفسه أن يعمل الخير لمدى سنة ويوم. وزيادة على ذلك إن الفلاحين أنفسهم رفضوا أن يأخذوا أراضيه وناستي نفسُه الذي نصحه بأن يقتل الاقطاعيين المستغلين ويرسل بالكهنة إلى روما وينصر الفقراء يطلب منه الآن أن يحتفظ بأراضيه لنفسه.

وها هو غوتز الطيب الخير مكروهاً من قبل الفلاحين والفقراء والأغنياء. فماذا يعمل؟ إنه لم ينجح في أن يكون خيراً محبوباً. وما هو السبب في ذلك؟ (سنتكلم عن كل هذا عندما نتعرض للمسرحية بالنقد أخيراً) فما كان منه إلا أن ارتد إلى طبيعته الأولى وهو ينادي سأصبح جزاراً وجلاداً. وسأكون وحيداً مع هذه السماء الفارغة فوق رأسي لأنه ليس هناك وسيلة لأن أكون مع الجميع. هناك هذه الحرب التي يجب أن تقوم وسأقيمُها.

هذا هو ملخص المسرحية. وفيما يلي سنتعرض للمسرحية بالدراسة.

دراسة الشخصيات:

غوتز: بطل المسرحية ابن حرام. وهو رئيس عصابة في خدمة أساقفة المانيا الاقطاعية, إنه يستشعر الذل من مولده المشكوك فيه فهو لا يأتي إلا الشر بفرح وفخر.

وهو شرير وفاجر إلى أبعد درجة.

وها هو يقول عن نفسه: إنني عميل مزدوج في الولاده. لقد أعطت أمي نفسها لثرثار, وأنا مكون من نصفين لا يلتئمان. كل منهما يثير رعب الآخر. كل الأولاد الشرعين يستطيعون التمتع على الأرض دون أن يدفعوا الثمن. ليس أنت يا هنريش ولا أنا.

إن الله يراني أيها القسيس, ويعرف أنني قتلت أخي ولكن ماذا يستطيع ضدي. لقد ارتكبت افظع الجرائم وإله العدالة لا يستطيع معاقبتي.

هذا جانب من شخصية غوتز. وهو الآن في موقف يجب أن نعترف أن غوتز فيه يعتقد بأن الشر شيء مطلق. وهذا هو العرض الأول للمسرحية. وحدث ذات مساء طغت فيه الخيانة والرذيلة على المعسكر الذي كان يرأسه غوتز أن سألت الفتاة التي تتبعه ((لماذا يفعل الشر؟

غوتز: لأن الخير سبق وعمل.

كاترين: ومن الذي فعله؟

غوتز: أبونا الرب. أما أنا. فإني أخترع.

وهكذا فإن غوتز سيظل يؤمن بهذه الفكرة الخاطئه عن الخير إلى أن ينتقل إلى موقف آخر في المسرحية تخلقه الظروف النابعه من تصرفاته بحرية تامة.

وما هو الآن إلا عبارة عن حرية أخذت في الفخ وعليه أن يجد مخرجاً له. ولن يكون شيئاً إلا اختياره لمخرجه.

وفي موقف غوتز الأول من المسرحية كانت علاقته مع القس هنريش والخباز ناستي وآخرين لا نتعرض لهم لعدم أهميتهم.

والقس هنريش من طبقة الفقراء التحق بالكنيسة لكنه غير راض عن تصرفات رجال الدين مع أفراد الشعب وقد وقف في كثير من الأحيان في صفهم ضد الكنيسة, ولكن عندما تشتد الأزمة بين الكنيسة والشعب يتذكر واجبه الديني ويقف مع الكنيسة وهكذا كان موقفه أثناء ثورة الشعب على الكنيسة وضربهم للكاهن.

وناستي قائد الفقراء والفلاحين. وقد اطلق عليه سارتر الخباز رمزاً للقمة العيش التي يجاهد كي يحصل عليها هؤلاء الفقراء المساكين من مغتصبيها رجال الدين والاقطاعيين. والرمز واضح ما دام قائد الثورة رجل يحترف مهنة الخباز.

ناستي هذا ناقم على رجال الدين والكنيسة ورأيه في الكنيسة كما يقوله هو للكاهن:

كنيستك ليست إلا مومساً تبيع حسناتها للأغنياء.

ثم اسمعه يخاطب الثوار:

أيها الأخوة. لا ضرورة للكهنة, الناس يستطيعون التعميد كل الناس يستطيعون الغفران, كل الناس أنبياء. أو أن الله غير موجود.

وعندما يقول له القس هنريش إنك تهرق دم الكنيسة.

يجيبه: إنني لا أعرف إلا كنيسة واحدة: المجتمع البشري. هو يجاهد في سبيل تحقيق مبادئه وهذه المبادئ هي:

غوتز: (لناستي عندما جاء للتفاوض معه) ماذا تقترح علي:

ناستي: استولي على المدينة. أذبح الأغنياء والكهنة. أعطها للفقراء, وأقم جيشاً من الفلاحين. واطرد المطران منها.

غوتز: (مندهشاً) تريد أن أتحالف مع الفقراء؟ وماذا ستفعل بالبورجوازيين

ناستي: نستولي على ثرواتهم لالباس العراة وإشباع الجياع

غوتز: وبالكهنة؟

ناستي: نرسلهم إلى روما

غوتز: وبالنبلاء؟

ناستي: نقطع روؤسهم

غوتز: ثم نطرد المطران, وبعد ذلك يجيء وقت بناء مدينة الله, ولكن على أية أسس.

ناستي: كل الناس متساوون وأخوة

غوتز: وإذا كان لا يروق لي أن أكون مساو لك.

ناستي ما هو الذي يروق لك

غوتز: كل ما تريدون تدميره: التماثيل. الترف. الحرب.

وهذه هي المبادئ التي يعمل ناستي على تحقيقها أما غوتز فهو إنسان وحشي عبد لغرائزه الفطرية لا يقيم وزناً للمبادئ أو الأخلاق أو العرف أو التقاليد. فتراه يعامل المرأة التي تعاشره كعشيقة معاملة حيوانية ويقذف بها إلى جنوده عندما يملها.

وهو لا يسمح لنفسه أن يكون هناك إنسان يقف في وجهه ويعتبر أن الناس حواجز يجب إزالتها. ولا يقبل عدواً له إلا الله.

غوتز: وإن الله هو العدو الوحيد الجدير بي. هناك الله وأنا والأشباح. وإنه الله من سَأَصلُبَهُ هذه الليلة ستشتعل هذه المدينة والله يعلم ذلك. وعندئدٍ أعرف أنني وحش تام الصفاء وأنني لا أستطيع أن أكون مخلوقاً غير نفسي.))

ثم ينتقل سارتر بأبطاله إلى موقف آخر جديد كل الجده عن الموقف السابق. فقد قرر غوتز أن يصبح شخصاً آخر عندما وجد نفسه أمام تحدي كاهن ينفي أن الخير ممكن وقوعه على هذه الأرض.

هنريش: إننا لا نستطيع أن نفعل إلا الشر.

غوتز: هل هذا ثابت.؟

هنريش: الله نفسه أراد أن يكون الخير محالاً على هذه الأرض

غوتز: إذن فالجميع يفعلون الشر؟

هنريش: الجميع

غوتز: ولم يفعل أحد الخير بعد؟

هنريش: لم يفعله أحد.

غوتز: حسن. أنا أراهنك أن أفعله. لقد كنت مجرماً. وأنا أتغير إنني أقلب سترتي. وأراهن أني سأكون قديساً.)).

وفعلاً يخلع غوتز ثوب الكبرياء والغطرسة والشر والوحشية وينقلب إلى قديس مسكين طيب لا يفعل إلا الخير. ولكن بعد أن خسر بلعب النرد كما ذكرنا سابقاً لكي لا يكون الأمر صادر عن أحد غيره ولكي يكون هو السؤول الوحيد عن تصرفه هذا.

وبالفعل يدخل غوتز المدينة وبدلاً من أن يحرق المدينة كما كان قراره سابقاً. فقد وزع أملاكه وأملاك أخيه كونراد على الفلاحين.

فهبت ((بارونات)) المدينة في وجهه وها هم في ساحة عامة من المدينة هذا يضربه من جهة والثاني يركله من الجهة الآخرى وهو الانسان الوديع المتسامح الذي ينصحهم بأن لا يضربوه كي لا يتسخوا ولا يسمح له أن ترتفع في وجه واحد منهم.

ولم لا. فمادام اتخذ قراراً وهو بكامل حريته فعليه أن يلتزم بهذا القرار ولا يخرج عنه إلا عندما يوضع في موقف آخر فهو لن يتخلى عن توزيع أملاكه على الفقراء مهما كانت النتيجة.

لكن صورته القديمة لا تزال تتراءى حتى الآن أمام أعين الفلاحين الذي يريد أن يوزع عليهم أملاكه. ولا يزالوا على جحودهم وانكارهم التي بذروها في عقولهم رجال الدين. فها هم يرفضون أن يأخذوا أملاك غوتز ويصفونه بالخيانة. وها هو يستعطف الفلاحين باسم الدين أن يقبلوا عطاياه.

غوتز: لماذا خلقنا الله على صورته؟ إذا كان الله كله كرم وحب يجب أن يكون خليقته الانسان كرماً وحباً يا أخوتي استحلفكم بالله اقبلوا عطيتي وصداقتي. إنني لا أطلب منكم أبداً الاعتراف بالجميل. أريد فقط أن لا تحكموا على حبي كأنه رذيله وأن لا تلوموني على هداياي كأنها جرائم.

الفلاحين: أذهب إلى الشيطان فإنك خائن.

إذن لم ينفع طريق الخير الذي سار فيه غوتز إنه طريق طويل مظلم كله عثرات لم يجلب عليه سوى الذل والعذاب

إذن فليخرج غوتز من هذا الطريق المظلم وننتقل إلى موقف آخر في المسرحية.

لقد ترك طريق الخير وها هو يقول لهنريش

غوتز: سأعيد كل شيء.

هنريش: ستعيد ماذا

غوتز: الحياة.

هنريش: لن تعيد أي شيء. (يرتمي عليه)

غوتز: اتركني بحق السماء. حسن إذا كان لا بد من موت أحدنا فليكن أنت. (يطعنه)

إنك ميت, ومع ذلك سيبقى العالم ممتلئاً كالسابق لن يفتقدك أحد. لقد انتهت مهزلة الخير بجريمة قتل. لا بأس.

ويأتي ناستي إلى غوتز يطلب منه أن يقودهم لبناء مدينة الشمس. لكن غوتز يرفض القيادة ويقبل أن يكون كأي جندي بسيط في معسكر ناستي. ويحتج رجال ناستي ولا يقبلون أن يكون غوتز قائدهم. فما يكون من غوتز إلا أن يتقدم من رئيسهم قائلاً:

لقد عينني ناستي رئيساً وقائداً فهل تطيعني.

الرئيس: بل أفضل الموت.

غوتز: ( يطعنه) مت إذن يا أخي. هيا يا ناستي سأكون جلاداً وجزاراً

ناستي: غوتز

غوتز: لا تخف, لن أتوسّع. سأخيفهم لأنني لا أملك وسيلة أخرى لحبهم, سآمرهم لأنه ليس هناك وسيلة أخرى لأُطيع, سأكون وحيداً مع هذه السماء الفارغه فوق رأسي لأنه ليس هناك وسيلة لأن أكون مع الجميع. هناك هذه الحرب التي يجب أن تقوم وسأقيمها.

نقد المسرحية:

لنبدأ أولاً ببطل المسرحية غوتز وهو الممثل لجميع أفكار سارتر في المسرحية.

كان غوتز كما وجدنا في أول المسرحية شريراً أفاقاً. لكنه انقلب إلى قديس طيب طاهر وترك طريق الشر ليسير في طريق الخير. لكنه لم ينجح فلماذا؟

ظل غوتز كما وجدنا طيلة الفترة الأولى من المسرحية منزعجاً بفكرة الخير والشر المطلق.

لكنه لم ينجح بتطبيقه لمبادئ الخير في موقفه الثاني من المسرحية لأنه تعلق ((بخير نظري)) بدلاً من أن يحدد الخير وفق الظروف وعندها اكتشف أن الخير ليس فكرة نظرية جامدة ولكنه واقع محسوس. إن سارتر يعتقد أن الخير ولشر نسبيان بالنظر لكل وضع خاص ومن المستحيل تحديدهما مسبقاً في قانون ويتهم الدين بأنه يفرض فكرةً ناجِزه مصنوعة عن الخير, وهي مفهوم غير كامل.

وما دام الأمر كذلك. فلماذا نقل لنا سارتر بطله من حالته الأولى إلى قديس وجعله يطبق الخير كفكرة ناجزه مصنوعه. ثم إذا كنت أنا شريراً جانحاً فلكي أصبح خيراً وأسير في الطريق المستقيم يجب علي أن أرتدي ثياب الكهنة وأصبح سلبياً لا نفع لي أتلقى الاهانات وسخافات البشر بكل ذل وخنوع.؟

إن سارتر يريد للعمل الأخلاقي أن يكون اختياراً لا مجرد طاعه ومن أجل هذا يؤثر أن يضع أشخاصه في هذه الحالات المتطرفة حيث لا تجدي القواعد الاعتيادية فتيلاً أي أن يفضح حقيقتهم.

ثم أنه من الخطأ كل الخطأ أن نقول أنه لا سبيل لأن نكون مع الآخرين وسنبقى تحت هذه السماء الفارغه نحن والله والأشباح. ومن هنا جاء نقد بعض المفكرين لفلسفة سارتر من أنها دعوى إلى الخمول واليأس وتقوية الروح الفردية الحالمة التي تبتعد عن المجتمع ومشاكله الراهنه.

واكتفائها بتصوير مظاهر الحياة الحقيرة من جبنٍ وفسقٍ وميوعه وعدم إيمانها بالتعاون الاجتماعي. وخلوها من المواقف الجدية الانسانية في الحياة. وأنها أداة للتفسخ الاجتماعي لأنها تحول دون أن يصدر أي من الناس حكماً على تصرفات الآخرين. بحيث يكون كل فرد عالماً قائماً بذاته. في مجتمع يحتاج إلى التعاون الجماعي والمسؤولية المشتركة المتبادلة

لقد اعطت الوجودية انصارها غرور الإله وعجزت عن أن تمنحهم قدرة الإله على الإبداع والخلق والايجابية في البناء والتنظيم.

ثم إذا كان سارتر يريد بناء مدينة الشمس. فهل يتم ذلك عن طريق الحرب أم السلم. أعتقد أن الحرب لم تكن في يوم من الأيام كفيلة بأن تكون دعامة لبناء مدينة الشمس ولماذا يريد أن يكون قائدنا إليها رجلاً أفاقاً شريراً لا يعرف له منبتاً ولا أصلاً؟ جوابي على ذلك أن سارتر مخطئ في هذا كل الخطأ.

وإننا نجد في الرواية تبذّل جنسي وإسفاف خلقي وذلك في علاقة غوتز بعشيقاته, ثم بعرضه غلاماً أو جندياً ألمانياً على الصيرفي ليقيم معه علاقة جنسية.

وفيها من الألفاظ الحُوشيّه المبتذله ما يخجل الانسان من نطقه مثل قوله لعشيقته.

أريدك أن تكوني حيوانه لأعتليك كالحيوان. إلخ ...

وهذا نتيجة للانهيار الخلقي الذي يعانيه المجتمع الاوروبي بعد الحرب نتيجة لتحرر المجتمع والتفكك الاجتماعي. وهناك كثير من المواقف الجنسية في روايات سارتر وليس من الغريب أيضاً أن تنطوي روايات سارتر على كثير من المواقف الجنسية. لأن شخصياته نماذج انسانية متوترة تتمتع بالصدق والصراحه والجرأة الخلقية كما أن سارتر قد اهتم بتحليل الدلالة الانسانية للجنس في كتابه الوجود والعدم.

وفي نهاية حديثي أقول: إن ما يميز مسرحيات سارتر هو الصدق الفني. والعمق الفلسفي.

وأحب أن أقول أن تحليله خطأ.

لأنه يبين لنا أن الحب في صميمه هو مجرد سعي نحو امتلاك حرية الآخر. والواقع أن ما نشتهيه ليس هو جسد الآخر أو لذتنا الخاصة. بل هو الآخر نفسه ولعل هذا هو السبب في أن العاشق قد يلتجئ إلى المداعبات الحسية حتى يُحيل نفسه إلى جسم يمكن أن يتحد به مع جسم الآخر. ولكن كل هذه المحاولات لا بد أن تبدء بالفشل. لأن الغاية نفسها هنا ضرب من المحال.

وهكذا يخلص سارتر إلى القول بأنه لا موضع للحديث عن مشاركه أو محبة أو تآزر بين الذوات. لأن حضور الذات أمام الغير هو بمثابة سقوط أصلي.

ولأن الخطيئة الأولى إن هي إلا ظهوري في عالم وجد فيه الآخرون.

وفي النهاية على الرغم من بعض الاسفاف في آراء سارتر أقول بكل صدق:

إن روايات سارتر تمتاز بالصدق الفني, والعمق الفلسفي, والسبب في ذلك هو ((التوازن)) العجيب بين تصوير المناظر وتسجيل الأحاسيس. بين عرض الأحداث وتحليل العواطف, بين اللقطات الموضوعية والملاحظات الذاتية, بين تسلسل المواقف وتناغم البواعث.

[1] المشكلة الخلقية عند الفيلسوف الوجودي د. زكريا ابراهيم.

----------------------------------------------------------------
المصدر : http://assaad-feddah.com

مسرحية «قواعد العشق الـ40»: الفن يواجه الكراهية الحب خَلاصُنا

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «قواعد العشق الـ40»: الفن يواجه الكراهية
الحب خَلاصُنا


إيهاب الملاح

قبل انتهائه بأيام، وتحت دفع النجاح الجماهيري الكبير الذي حققه، شاهدتُ العرض المسرحي «قواعد العشق الـ40» المأخوذ عن الرواية الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته للتركية إليف شافاق، على مسرح السلام في القصر العيني في القاهرة، ومن إنتاج المسرح الحديث. وللأمانة، لم تكن الإيرادات الكبيرة وحدها هي المفاجأة التي حققها العرض المسرحي (الأرقام هي الأعلى بين عروض المسرح الحديث التابع للدولة في العشرين سنة الأخيرة)، لكن المفاجأة الأكبر هي ذلك الإقبال الجماهيري الكاسح، وامتلاء المسرح عن آخره في حفلات العرض وعدم وجود مقعد واحد شاغر، وهو ما يحمل دلالات عديدة أبسطها وأظهرها هو احتياج الجمهور لمثل هذه العروض لإعلان رفضها للتطرف والإرهاب والإقصاء والقمع، جمهور ينتظر الفرصة لإعلان تأييده ودعمه الفن والفكر والثقافة الحقيقية التي هي أساس المواجهة ولا شيء آخر.

في ظني أن هذا النجاح لعرض مسرحي في هذه الظروف التي يموج فيها عالمنا العربي المضطرب بصراعات وانقسامات وحروب واقتتالات تحت دعاوى دينية زائفة وشعارات مضللة، جاء ليعكس استدعاء موفقاً لتجربة صوفية إنسانية خالصة، بطلاها شخصيتان كبيرتان في تاريخ التصوف الإسلامي بل الإنساني كله، مولانا جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، هذا أولاً.

وثانياً، وبشكل جوهري، الرسائل التي أراد أن يوصلها العرض لجمهوره، وتتمحور حول نبذ العنف والكراهية ومعاداة الآخر، وتكريس المحبة الحقيقية كأساس للتعامل بين البشر، القلب لا ثرثرة اللسان، الروح النقية الطاهرة لا المظهر الشكلي الخادع الفارغ، والامتلاء بحب الله لا احتكار الحديث باسمه أو نيابة عنه!

من ضمن هذه الرسائل أيضاً، أن طرق الوصول إلى الله بعدد البشر، وليس هناك طريق واحد أو وحيد للتعرف إليه والبحث عنه، المعراج الروحي هو «الجنة» التي لا يطمح الإنسان بعدها إلى شيء، فلا هو يعبد خالقه لأنه يخاف من النار، ولا هو يعبده طمعاً في الحور العين، ولكنه يعبده لأنه يحبه، الحب لا الكراهية هو طريق معرفة الله، وكلها أفكار تضرب التعصب والتطرف والإرهاب باسم الدين في مقتل.
رسائل ضد العنف

ساعتان ونصف هي مدة العرض الذي اجتهد في حدود إمكاناته المتاحة أن ينقل تلك الرسالة الإنسانية العظيمة، نحن من بين كل البشر الأكثر احتياجاً إليها وترجمتها إلى خطاب سائد وسلوك يومي معيش. الرسالة ببساطة كما جاءت على لسان الصوفي الجوّال شمس التبريزي (قام بدوره بهاء ثروت):

«لو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين، لذلك فإن عدم احترام الاختلاف وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله».

هذا ببساطة هو جوهر المسرحية ورسالتها المباشرة، وكل ما جاء بعد ذلك من حوارات و«قواعد عشق» هي تنويعات عليها وتفريعات عنها. نبل الرسالة وعظم المقصد يستحقان الدعم والتأييد.





المسرحية وعبر عرض واحد متواصل (ليست مقسمة إلى فصول أو فواصل زمنية) وعبر المراوحة بين التمثيل والغناء، استدعت جانباً من سيرة مولانا جلال الدين الرومي، المتصوف الأشهر، وملابسات لقائه بالدرويش الجوال المثير للجدل شمس الدين التبريزي. بين لحظتي التعارف واللقاء ثم التواصل بين الشخصيتين الصوفيتين وحتى مقتل شمس التبريزي على يد المتعصبين من العوام والجهلة وبتحريض مباشر من رجال الدين المتطرفين وضيقي الأفق، تعرض المسرحية لمشاهد تجمع أبطالها أو شخصياتها المختلفة في تقاطعها مع «شمس التبريزي»:
- «ورد» الغانية التي يتدخل شمس لإنقاذها من عالمها الكئيب ودفعها في اتجاه العشق ومعرفة الله، فتتنكر في زي رجل كي تحضر خطبة للرومي في المسجد وتستمع إلى مواعظه.

- «كيميا» تلميذة الرومي، ومريدته الجميلة، خطيبة ابنه علاء الدين، لكن حياتها ستنقلب رأساً على عقب بتعرفها على شمس الذي تحبه وتهب نفسها له فتوغر صدر خطيبها عليه ويتحول علاء إلى عدو لدود لشمس.

- وأخيراً «كيرا» زوجة الرومي المسيحية (تخفي أيقونة العذراء عن أعين الرقباء خشية المساس بها) والتي تغار من شمس التبريزي، وترى أن ظهوره في حياة زوجها قد أفسد عليها حياتها.

صحيح أن صناّع العمل يعلنون أنها مستوحاة من رواية شافاق «قواعد العشق الأربعون»، لكنها في الحقيقة لا تأخذ من الرواية أكثر من الخط السردي المعني بعلاقة شمس التبريزي بجلال الدين الرومي وبحث كل منهما عن الآخر، وما بين ظهور التبريزي واختفائه من حياة الرومي قضيا أربعين ليلة في الخلوة يلقي فيها «شمس» بنور المعرفة والمحبة في قلب الرومي ويُملي عليه «قواعد العشق الأربعون»، ولتتغير حياته بعدها رأساً على عقب.

الحوارات التي دارت على الألسنة وبخاصة التي وردت على لسان التبريزي تم انتقاؤها بعناية لإيصال الرسائل المضادة للعنف والإرهاب والكراهية باسم الدين، كل ما ورد على لسان التبريزي ينطلق من فكرة المحبة الإلهية والعشق الأبدي، وأن محبة الله تستدعي بالضرورة نبذ الكراهية فلا حقد ولا ضغينة ولا نبذ ضد أي إنسان مهما كان، وبغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه ودينه..

ملاحظات فنية

فنياً، ثمة ملاحظات عديدة على العمل، وأؤكد هنا أنه لولا أهميته واستحقاقه وضرورة دعمه جدياً ما سجلنا هذه الملاحظات. الدعم والتشجيع لا يكونان فقط بالإشادة والمغالاة في المدح، بل الأهم وضع اليد على نقاط الضعف وأوجه القصور بغية الوصول إلى الأحسن في المستقبل، والعمل على سد الثغرات واستكمال النواقص لنصل في النهاية إلى «منتجات ثقافية» محكمة ورفيعة وتخاطب جمهوراً واسعاً قادراً على تذوقه وتحليل جمالياته بوعي حقيقي.

بداية، العرض كان مثقلاً بحمولاته النصية المنقولة حرفاً من الكتب والمصادر التي أرّخت لجلال الدين الرومي وعلاقته بشمس الدين التبريزي (ربما كان من أهمها كتاب آية الله إبلاغ الأفغاني المعنون «جلال الدين الرومي بين التصوف وعلم الكلام» الذي صدرت منه طبعة حديثة قبل عامين عن الدار المصرية اللبنانية).

طبعاً المجهود الذي بذله فريق الكتابة مشكور لكن بدا أن أعضاء الفريق كانوا في حيرة بين الحفاظ على النصوص التي تحمل الرسائل المراد إيصالها بشكل مباشر (وهي مجموعة من المصادر التي أرّخت للرومي وسجلت مقولاته، سواء كانت كتبه ومؤلفاته أم دراسات وكتباً عنه) وبين إعمال الخيال والتصرف فيها لتترجم إلى حركة وفعل ومشهد درامي. ويبدو أنهم انحازوا إلى الخيار الأول، فقرروا الإبقاء على المتن المكتوب على حساب الحركة والحوار المسرحي والتمثيل. كانت الكتابة في حاجة إلى تكثيف شديد وإلى الدخول في المسرحية ومشاهدها دون تفصيل أو إغراق في النقل.

ربما لو كان فريق الكتابة انتبه لهذا الأمر لخرجت المسرحية بمشاهد باهرة مفعمة بالحيوية والدراما المؤثرة (إذا كان المشهد درامياً فلا بد من وجود الصراع، الصراع هو جوهر الدراما). لهذا السبب -تحديداً- افتقد العرض حيوية «الإيقاع» الدرامي فالحركة على المسرح كانت بطيئة للغاية وقاصرة عن التجسيد، ورغم وجود العديد من العناصر والأفكار في مشاهد بعينها كانت تتفجر دراما وحركة فإنها مرّت مرور الكرام، ولم ينجح صناع العرض في استغلالها وتخليق مشاهد قوية ومؤثرة منها مثلاً: (مشهد زيارة جلال الدين الرومي للحانة ولقائه مع السكارى والمخمورين، ومشهد تنكر الغانية «ورد» في زي رجل وحضورها خطبة جلال الرومي في المسجد، ومشهد مقتل شمس التبريزي على يد العوام من الجهال المتعصبين.. إلخ).

غلبت الرسالة المباشرة (وهي نبيلة وعظيمة) على الصنعة الفنية، فأصبحنا بإزاء «إذاعة ممسرحة» لا «معالجة مسرحية» بالمعنى الفني، كان بإمكان المشاهد أن يغمض عينيه ويسمع الحوارات أو بالأحرى العبارات المنقولة عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي والواردة على لسانيهما فقط، وأن يستمتع بالإنشاد والغناء المتخلل للمسرحية، لم يكن سيفوته سوى أداء راقصي المولوية فقط!

كما افتقد العرض لحضور تمثيلي مشع ومتوهج، صحيح أن هناك ممثلين وممثلات من الموهوبين حقاً، لكن للأسف لم يتمكنوا من إبراز كل طاقاتهم وإمكاناتهم التمثيلية تحت وطأة أو غلبة النص على الحركة والتمثيل.

تفكيك ألغام الحقد

فكرة عرض كهذا تحاول أن ترد بكل بساطة (رغم التحفظات التي أوردناها على فنيات العمل) على ألغام الحقد والكراهية التي تتفجر في وجوهنا كل حين (مرة في برنامج ديني ينزلق مُقدمه إلى إعلان تكفير المخالفين في الديانة بالبساطة التي يقتل بها داعشي ضحية من ضحاياه.. ومرة بتأجيج جدل لا داعي له حول شخصية تاريخية بطريقة إثارية ودعائية.. ومرة عن طريق الحشد الإعلامي الموجه لخدمة الأفكار المتطرفة والتيارات الإرهابية التي تتمسح بالدين.. إلخ).

وكلهم - في النهاية - أدرك شيئاً وغابت عنه أشياء، فالمحبة لا تدرك إلا بالمعاينة ومجاهدة التجربة.. وقد يولد المرء ويحيا ويموت ولم ينل شيئاً من المحبة ولا خبرها ولا عرف عنها شيئاً وهو متوهم أنه من كبار العشاق وسادة المحبين، ولا يعرف أن المحبة لا تكتمل ولا تأتي أكلها إلا إذا اقتلعت الكراهية والتعصب من جذورها ونقت الروح من أي ظلال لونية غير الأبيض رمز النقاء والشفافية والصفاء.

بالتأكيد، أي مجهود نبيل مثل هذا يستحق التقدير والتشجيع.. ولو أننا كرسنا الاتجاه إلى مثل هذه الأعمال في مواجهة الكراهية والغلّ المتفشي بسبب سيادة أنماط من التدين الأحمق المتعصب الجاهل وعملنا على شيوع هذه الثقافة في مدارسنا ومسارحنا ومؤسساتنا، وكل مكان حولنا، لربما استطعنا في غضون عقود قليلة إخماد كثير من الحرائق وردم كثير من آبار الحقد الأسود والتطرف المقيت والتعصب الأعمى.. ولعلنا نردد مع التبريزي في المسرحية: ‏‭»‬يوجد ‬مكان ‬واحد ‬فقط ‬تستطيع ‬أن ‬تبحث ‬فيه ‬عن ‬الله، ‬وهو ‬قلب ‬عاشق ‬حقيقي»‬.

كادر العمل

«قواعد العشق 40»، إعداد مسرحي وإشراف على الكتابة رشا عبد المنعم، وشارك في الكتابة ياسمين إمام شغف وخيري الفخراني، أما التمثيل فكان لـ« بهاء ثروت، وفوزية محمد، عزت زين، دينا أحمد، ياسر أبو العينين، هاني عبد الحي، محمد عبد الرشيد، إيهاب بكير، هشام علي، حسام أبو السعود، هاني ماهر، إسلام بشبيشي، وبمشاركة فرقة المولوية العربية».

وقام بالتمثيل والغناء سمير عزمي وأميرة أبو زيد (قاما بغناء مقاطع مختارة من عيون الشعر الصوفي في الحب الإلهي لـ ابن الفارض، ورابعة العدوية، والسهروردي، وأبو مدين الغوث ومحيي الدين ابن عربي). موسيقى وألحان د. محمد حسني، وديكور مصطفى حامد، أزياء مها عبد الرحمن، إضاءة إبراهيم الفرن، ومخرج منفذ حازم الكفراوي، ومن إخراج عادل حسان.

---------------------------------------------
المصدر : جريدة الآتحاد 

كتاب "المسرح والفلسفة "تأليف د. أحمد الطوالة

تصور جديد للفضاء المسرحي وجماليات العرض

مجلة الفنون المسرحية

تصور جديد للفضاء المسرحي وجماليات العرض

عواد علي 

يشير مفهوم “المثاقفة” إلى التفاعل بين الثقافات، والسعي إلى الانفتاح من دون انصهار، وإبراز الذات من دون انغلاق. وقد عرّف عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل دوكوستر المثاقفة بكونها جماع التفاعلات التي تحدث نتيجة شكل من أشكال الاتصال بين الثقافات المختلفة كالتأثير والتأثر والاستيراد والحوار والرفض والتمثّل، وغير ذلك مما يؤدي إلى ظهور عناصر جديدة في طريقة التفكير وأسلوب معالجة القضايا وتحليل الإشكاليات.

المثاقفة من المفاهيم الشائكة التي تضعنا أمام إشكالات من قبيل “استغلال ثقافات الضعفاء”. ويُعد الفن المسرحي من أبرز حقول المثقافة، فهو لا يعيش إلاّ في إطار الحوار الفني والتلاقح الثقافي بين الشعوب، وأي تصور انطوائي سيحكم عليه بالموت والانتحار البطيء.

وبرزت الحاجة إلى المثاقفة المسرحية في المسرح الغربي المعاصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ليس بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية الأخرى، بل لتجاوز حالة العقم التي عمت مجموعة من المسارح الأوروبية.

ذلك ما يؤكده الباحث المسرحي المغربي خالد أمين في تقديمه لكتاب الباحثة الألمانية إيريكا فيشر ليشته “مسرح المثاقفة وتناسج ثقافات الفرجة”، الذي ترجمه إلى العربية، وصدر عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة في طنجة.

مسرح المثاقفة حين يسعى إلى ترسيخ مسرح كوني، كما هي الحال بالنسبة إلى بروك، لا يهتم بالهويات الثقافية

استبدال التناسج بالمثاقفة

تعمدت فيشر استبدال مفهوم “التناسج” بـ”المثاقفة” لإحالته على النسيج، والأهم من ذلك هو ازدواجية وظيفته التي تعمل على مستويين: الكثير من الخيوط الحريرية تلتئم في ضفيرة واحدة، كما تنسج هذه الضفائر بدورها لتشكل قطعة ثوب.

بنفس التشابك المعقد، تتناسج الثقافات المسرحية في ما بينها بحيث يصعب عزل عناصر بعينها عن أخرى، ذلك أنها تخضع لمنطق التحول التاريخي، الجمالي، والفضائي أيضا، ومن ثم تكون مشرعة على إبداع فضاءات ثالثة.

يستشرف مشروع تناسج الثقافات المسرحية أفقا جديدا من التنوع الفرجوي عوض السقوط في أوربَة أو تنميط الثقافات المسرحية غير الغربية، ذلك أن المفهوم الجديد يضع اليد بشكل دقيق على جوهر الثقافة من حيث هي سيرورة مستمرة ومجددة لبنية الاختلاف.

وبفضل ظاهرة التناسج يتضمن المسرح قابلية هائلة لانصهار الهويات الهاربة والمجموعات المهاجرة واندماجها، لكن البحث المسرحي لم ينتبه لهذا الجانب إطلاقا.

في السياق ذاته ما زالت القابلية المثالية الكامنة في الفرجات التي تعتمد على تفاعل فنانين من ثقافات وتقاليد مختلفة في ظل عالم معولم وسريع التحول، حسب فيشر، في حاجة إلى اهتمام نقدي أكثر دقة من مجرد احتفاء بالتنوع.

يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول تتدرج في إطار أطروحة تسعى إلى تحديد دواعي الانتقال من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة. بعنوان “مسرح المثاقفة”، تركز فيشر على النصف الأول من القرن العشرين، عادّة إياه فترة مؤسسة في تطور المسرح، نهل خلالها بعض رواد المسرح الغربي من المسرح الشرقي.

وكان من ثمار هذا الانفتاح دحض كل ما هو أدبي وواقعي نفسي في مسرح الوهم، وتقديم تصور جديد للفضاء المسرحي وسيرورة العرض المسرحي. وبالمقابل آمن دعاة المسرح الجديد في الشرق بأن الأشكال المسرحية التقليدية أضحت بائدة وتقليدية وعاجزة عن مواكبة هموم وقضايا المجتمع الحديث.



على غرار أطروحة الناقد الهندي رستم بهاروشا، ترى فيشر أن مسرح المثاقفة حين يسعى إلى ترسيخ مسرح كوني، كما هي الحال بالنسبة إلى بروك، لا يهتم بالهويات الثقافية، لأنه يولي “التجانس الإنساني” اهتماما بالغا، كون “المثاقفة المسرحية” لها جانب سياسي أيضا ينبغي عدم تجاهله، وهو مرتبط بالعلاقات السلطوية بين الثقافات.

كما تصطلح فيشر على عملية تبني التقاليد الفرجوية الوافدة بـ”التلقي المنتج”، ففرجة المثاقفة في سعيها نحو التلقي المنتج تخضع العناصر المسرحية لتغيير جذري بهدف توسيع الإمكانات التعبيرية، أو إحداث شكل مسرحي جديد.


العلاقات السلطوية

تحت عنوان “تناسج ثقافات الفرجة”، تعتبر فيشر أن اتساع التفاعل بين عناصر فرجوية يعزى إلى انتمائها إلى ثقافات مختلفة تنقل الفنانين بين العوالم بفضل وسائل النقل والمهرجانات، بحيث أصبح تداخل الثقافات داخل الفرجة ممارسة شائعة؛ لأن العروض تسافر من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى ومن مهرجان دولي إلى آخر.

وأثناء عملية الارتحال تكتسب الفرجة بعدا جماليا جديدا، إذ تخضع للتغيير حسب متطلبات السياق الجديد والحاضن إلى الحد الذي يصعب معه تحديد منبع الفرجة وانتمائها الهوياتي.

أما الفصل الثالث المعنون بـ”حوار المثاقفة المسرحية”، فيضم حوارا ذا أبعاد ثقافية تشي بدور رستم بهاروشا وخالد أمين في تعميق النقاش الدولي حول مسرح المثاقفة. تكشف فيشر في هذا الحوار عن تاريخ بدء تداول مصطلح “المسرح بين- الثقافات” وهو ثمانينات القرن الماضي، بالتزامن مع قمة عطاءات بيتر بروك، وأريان منوشكين في إنتاجاتها الشكسبيرية في مسرح الشمس بباريس، ثم روبرت ويلسون بمسرحه البصري.

وفي اليابان ارتبط اسما تاداشي سوزوكي ويوكيو نينا جاوا بهذا المسرح. وفي وقت لاحق جرت تسمية بعض الاقتباسات الأفريقية من ريبورتوار المأساة اليونانية أو شكسبير بـ”بين ثقافية”.

وبعد ذلك، أحييت أشكال الأوبرا الصينية التقليدية في الصين، من خلال اقتباس شكسبير، أو بريشت، أو إبسن. وفي هذه السياقات لم تكن النصوص المسرحية وحدها ما تغير بفعل الأساليب الفرجوية الجديدة، بل تلك الأساليب نفسها.

لكن لم يفكر أحد في تسمية أي من هذه الأشكال “مسرح بين- الثقافات” أو “مسرح مثاقفة”. كانت تلك الأساليب الجديدة بمثابة تحولات لأشكال مسرحية قائمة بالفعل بوسائل مختلفة، والتي اهتدت إلى استشراف رحابة الثقافات الأخرى.

لذلك عندما سنحت الفرصة لإنشاء المعهد الدولي لتناسج ثقافات الفرجة التابع للجامعة الحرة ببرلين، جرى تفادي المفهوم بحمولاته والبحث عن مفهوم آخر مناسب لتطلعات الدارسين البحثية واستشرافاتهم المستقبلية، وهكذا توصلوا إلى مفهوم “التناسج”، وارتأوا استعماله للنظر في جميع الأنواع الجديدة والمختلفة من التفاعل والتعاون داخل الفرجة.

-------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

مسرحية (راسين بالحلال).. كوميديا سوداء ناقدة

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية (راسين بالحلال).. كوميديا سوداء ناقدة

 أحمد الطراونة

قدّم المخرج والفنان شادي صلاح مسرحيته الجديدة «راسين بالحلال» بطولة الفنانة أحلام عبدالله في فندق جراسا بحضور عدد من الاعلاميين والمهتمين.

المسرحية التي زخرت بالمشاهد الناقدة للواقع الاجتماعي، متطرقة الى اهم العناوين التي تشغل الشارع الاردني وتأسر احاديثه اليومية وانشغالاته الحياتية.

المخرج صلاح قال لـ «الرأي»: ان رؤيته الاخراجية تستند الى تقديم ما هو مهم وقريب من الواقع باسلوب ساخر وقادر على اثارة الضحك بعيدا عن الافراط في ذلك وباساليب ومعالجات متنوعة.

تبدأ المسرحية بزواج تقليدي لعريسين كعنوان رئيس لينفتح تحت هذا العنوان العديد من العناوين التي ترتبط به كالطلاق المبكر والذي تناقش المسرحية بعجالة اهم اسبابه، لتنتقل الى ما يتعلق بهذا الطلاق من فتاوى وغيره ممن يحاولون ان يتصدروا المشهد وصناعة الفتوى على المقاس في انتقاد واضح لهذه الفئة.

تتسارع احداث المسرحية التي تروي قصة زوجين اعترت زواجهما للعديد من الخلافات الزوجية التي تلقي الضوء على الحياة الاجتماعية للازواج ما قبل الزواج وبعده لتعيد المسرحية الانتباه الى اهمية ما يسمى بالحياء العام الذي تفتقده المجتمعات اليوم.

وفي السياق وبأسلوب ساخر، تستمر المسرحية في النقد اللاذع متعرضة لبعض المواقف التي تتصل بمجلس النواب والضمان الاجتماعي و»جروبات» مقاطعة البضائع وفشلها ووسائل التواصل الاجتماعي التي بحسب العرض المسرحي ساهمت في علاقات اجتماعية مشوهة وغير حقيقية.

المسرحية التي قدمها صلاح بعد جملة من التجارب لا توجه النقد أيضاً للدراما التركية والتي اثرت مباشرة على العلاقات الاجتماعية بين الناس واسهمت في تغيير وسائل التفكير لدى الشباب.

ويناقش العرض ارتفاع الاسعار وتكاليف الحياة الزوجية وغاز الاسرائيلي، بالدعوة الى ان يديم الله نعمة الامن على الاردن التي يرى المخرج في نهاية العمل ان الاردنيين ليس لهم الا الوطن وعليهم ان يحافظوا عليه مهما كانت الظروف.

وكان المخرج صلاح قدم العديد من التجارب المسرحية المختلفة باساليب كوميدية مختلفة منها: عروض الستاند أب كوميدي، وسكتشات طالعة طالعة، وبرنامج شادي وكنبايته، وبرنامج شادوسكي على قناة رؤيا.


---------------------------------------
المصدر : الرأي 

مسرحية "حكاية من مصر" على مسرح بيت السحيمي

البروفات النهائية للعرض المسرحي "كأنك تراه"

إعادة الجوائز وآلية جديدة للمشاركة في مهرجان الأردن المسرحي 2017

مجلة الفنون المسرحية

إعادة الجوائز وآلية جديدة للمشاركة في مهرجان الأردن المسرحي 2017

قال مدير مديرية الفنون والمسرح في وزارة الثقافة المخرج محمد الضمور:إن مهرجان الأردن المسرحي هو حالة متجددة متطورة باستمرار لتقدم الافضل في سياقات ما هو ممكن في الساحة المسرحية الاردنية والعربية.

واضاف الضمور ان المهرجان في دوراته المتتالية شكّل نقطة مضيئة ضمن خارطة المهرجانات المسرحية العربية، وقيمة مضافة تواكب تغيراتها، وخاضعة للشرط والاشتراط (الزماني والمكاني) بوصفه مشروع رؤية مسرحية تدعو إلى الاجتهاد على ما هو جاهز ومتحصل من الأشكال والرؤى وأنماط التعبير التقليدية.

واشار الضمور الى ان ما يتم اضافته يأتي في سياق التطوير المستمر لآليات واستراتيجيات تنمية حركة المسرح الأردني في حلقاتها المتواصلة والمتصلة، حيث تشكل هذه الآلية إضافة جديدة ومتجددة للتنمية المسرحية، وخطوة رائدة في تشكيل الوعي المسرحي و أداة حاسمة لضمان النموّ المتوازن وتثبيت الهوية المسرحية والانتقال الى التفكير في صناعة المسرح والاقتراب مسرحياً أكثر من الجمهور من خلال تقديم أعمال نوعية توفر تلاحقا فكرياً ووجدانيا مع الجمهور.

وحول قرار وزارة الثقافة في إعادة الجوائز لمهرجان الأردن المسرحي لهذه الدورة 2017 ،قال الضمور إن هذه الجوائز تحفز التنافس بين المسرحيات العربية والأردنية على ثلاث جوائز: الجائزة الذهبية لأفضل عرض مسرحي متكامل، والجائزة الفضية لأفضل عرض مسرحي متكامل، والجائزة البرونزية لأفضل عرض مسرحي متكامل.

وعن آلية المشاركة في المهرجانات المسرحية 2017 قال الضمور ان المشاركات المسرحية المنتجة من خلال الوزارة أو القطاعات الأخرى الرسمية والخاصة تمثل كل فئات المبدعين بشكل متساوٍ، وعدالةٍ تامةٍ، معلنا إتاحة المجال للفرق المسرحية التقدم للمشاركة في المهرجانات التي تقيمها الوزارة للعام 2017.

واضاف الضمور ان المجال مفتوح للأعمال المسرحية المنجزة سابقا خلال العامين 2016/2017 التي لم تشارك في أي من المهرجانات التي تقيمها الوزارة للمنافسة مع الأعمال المسرحية التي أنتجتها الوزارة للعام 2017. موضحاً ليس بالضرورة أن تكون المشاريع المسرحية التي اختارتها اللجان الفنية للمهرجانات. متأهلة للمشاركة في المهرجان، بل ستتنافس مع الأعمال المسرحية المنجزة خلال العامين 2016/2017 ، وانه يحق لمسرحيات مهرجان الشباب التنافس مع بقية الأعمال المسرحية للوصول الى المشاركة في مهرجان الأردن المسرحي.

وحول الشروط الواجب توفرها في الاعمال المتقدمة قال الضمور: الأعمال المسرحية التي يحق لها التقدم والتنافس على الدخول الى مهرجان الأردن المسرحي أن تكون من إنتاج عامي 2016/2017، وأن لا تكون شاركت في مهرجان الأردن المسرحي السابق، لافتاً ان هناك اجراءات فنية وادارية سيتم الالتزام بها حيث ستشكل لجنة فنية متخصصة من ذوي الخبرة مكونة من 5-7 أعضاء للنظر في الأعمال المسرحية المتقدمة للمشاركة في مهرجان الأردن المسرحي، وستحدد مدة التقديم بشهر من تاريخ نشر الإعلان الخاص بذلك، علما انه تحدد تاريخ 2/10/2017 كموعد لتقديم العروض المسرحية المتنافسة على مسارح المركز الثقافي الملكي للدخول في مهرجان الأردن المسرحي، وان العروض المتقدمة ستتنافس للوصول الى مرحلة اختيار ثلاثة عروض مسرحية للمنافسة مع العروض المسرحية العربية والعالمية في مهرجان الأردن المسرحي.

وبين الضمور أن: العمل المسرحي المنتج من خارج الوزارة والذي ينال على أعلى تقدير من اللجنة الفنية المشكلة لهذه الغاية على دعم مالي بقيمة (7000) دينار، مقابل عرض لصالح المهرجان وعرضين لصالح مسرح الخميس، ويحصل العمل المسرحي المنتج من خارج الوزارة والذي ينال على المركز الثاني من اللجنة الفنية المشكلة لهذه الغاية على دعم مالي بقيمة (6000) دينار، مقابل عرض لصالح المهرجان وعرضين لصالح مسرح الخميس، ويحصل العمل المسرحي المنتج من خارج الوزارة والذي ينال على المركز الثالث من اللجنة الفنية المشكلة لهذه الغاية على دعم مالي بقيمة( 5000) دينار، مقابل عرض لصالح المهرجان وعرضين لصالح مسرح الخميس.

وقال إن الأعمال المسرحية المنتجة من وزارة الثقافة (لصالح مهرجان عمون لمسرح الشباب) وفي حال حصولها على أحد المراكز الثلاثة في المسابقة الخاصة بذلك يتم دعمها بمبلغ (2000) دينار، وأذا تأهلت إحد العروض المسرحية من فئة (مشاريع التخرج المسرحية) المشاركة في مهرجان الشباب، الى الوصول الى مهرجان الأردن المسرحي يتم دعمها بشراء عرضين لصالح مسرح الخميس بقيمة (2000) دينار، و (2000) دينار مقابل عرض لصالح المهرجان، بالإضافة الى الدعم الذي استحقته سلفا وهو بقيمة (1000) دينار.


---------------------------------------------------------
المصدر : أحمد الطراونة - الرأي

«المسرح القصير».. من ثوابت أرسطو إلى شريحة الحياة

مجلة الفنون المسرحية

«المسرح القصير».. من ثوابت أرسطو إلى شريحة الحياة

زينب أبو سيدو

هل يمكن عرض مسرحية مدتها ربع ساعة أو أقل؟ خصوصا في عصر السرعة والمدونات القصيرة «تويتر» واللقطات العابرة المعبرة، كثيرا ما تترك الفواصل الساخرة التي تقدم في البارات والمقاهي، أثرا كبيرا، فالهزل يتحول الى فرصة في غاية الأهمية لهدم شيء كبير، والضحك أصبح السلاح الوحيد في مواجهة الضغوط التي يعاني منها الجميع، ولا مجال للحديث عنها بجدية وبإسهاب، فالوقت في غاية الضيق، ولا بد من التركيز الشديد على الكلمات والفعل، حيث يتحول المشهد الى قنبلة في غفلة من الجميع، فيتفاعلون معها بعمق.
وكيف يستقبل المشاهد المسرحية القصيرة؟ بهذا السؤال وغيره من الاسئلة المهمة، يفتتح الكاتب السوري، منتخب صقر، دراسته حول «المسرح القصير» وهو عنوان الكتاب الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة المسرح العالمية، عدد (سبتمبر - نوفمبر 2015) في 259 صفحة، موردا اربعة امثلة من مسرحيات اوروبية ترجمها، اثنتين للفرنسي فيليب منيانا، واخرى للسويسري هيرفي بلوتش والرابعة لجان لوك لاغارس.
يستعرض الكاتب افكار وبدايات هذا الشكل المسرحي والظروف التي اوجدته كطريقة مغايرة للتعبير المسرحي، فمع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين دخلت اوروبا مرحلة ازمة الانسانية الاوروبية، كما اطلق عليها بعض الفلاسفة، وراح المشتغلون في الفن يبحثون عن روح جديدة للاشكال الفنية، ومنها المسرح الذي كان عليه ان يتبع «ذوق وحاجات روح العصر الحديث»، بحسب تعبير الكاتب المسرحي السويدي اوغست ستريندبرغ.
وهنا بدأ البحث كالعادة بتراث المسرح، والاشكال الغريبة فيه، فاسترعت الانتباه الاشكال المسرحية القصيرة التي ظهرت احيانا في اوروبا، كالكوميديا الهزلية التي كانت تعرض في المهرجانات والاسواق الشعبية في القرون الوسطى، والمسرحيات القصيرة في نصوص الاديب الروسي انطون تشيخوف الذي حول العديد من نصوصه القصصية القصيرة الى نصوص مسرحية.
هذا النوع من المسرحيات القصيرة بدأ يعرض على الخشبة، ثم سرعان ما تأكد حضوره تحت مسمى المسرح القصير او مسرح الحبكة الواحدة، ليتطور الى تشكيلات اخرى منها السكيتش، اضافة الى تركيزه على التكثيف والابتعاد عن الذهنية، مهتما بالتشويق والاثارة تماشيا مع روح العصر.
في هذا النوع من المسرح لا يوجد حدث محدد بل هو مشاهد منفصلة ومأخوذة من الحياة الواقعية، وخروج كامل على قواعد المسرح الكلاسيكي.

يؤكد الكاتب انه قبل نهاية القرن العشرين بدأ الكتاب الشباب بالاهتمام بالمسرح القصير، وباتت المسرحية القصيرة، تماما كالفيلم القصير لا بد من المرور بها قبل كتابة المسرحيات الطويلة.
على مستوى المسرح العربي يعتبر الكاتب ان الفضل في كتابة المسرح القصير يعود الى توفيق الحكيم ويحيى حقي وخليل هنداوي، ثم سعد الله ونوس، والفريد فرج ووليد اخلاصي، والعديد من الاسماء الاخرى مثل عصام محفوظ، وعبدالغفار مكاوي، وشاكر السماوي، وعبدالكريم المناع وآخرين.

-----------------------------------------------------
المصدر : الأنباء 

هيا الشعيبي: لا أخاف المسرح بل الجمهور!

مجلة الفنون المسرحية

هيا الشعيبي: لا أخاف المسرح بل الجمهور!

«جنوب أفريقيا» كوميديا ورعب وتشويق ودراما

أنا والمسلم نشكّل ثنائياً متفاهماً ولا أنسى وقفاته معي

أكدت النجمة هيا الشعيبي أن الشخصية التي تجسدها في العمل المسرحي «جنوب افريقيا»، الذي سيعرض خلال عيد الفطر السعيد على مسرح نادي القادسية الرياضي، جميلة ومختلفة عن الشخصيات التي قدمتها في تجاربها المسرحية السابقة مع مجموعة السلام الإعلامية، لافتة إلى أنها لا تود كشف المزيد عن تفاصيل دورها لكي يأتي الجمهور ويحضر العروض بكل حماس وترقب.
وأضافت هيا: تحمل «جنوب أفريقيا» مزيجا فريدا بين الكوميديا والرعب والتشويق والدراما الكلاسيكية، لاسيما أنها تتطرق إلى قضايا الأسرة وبعض مشاكل النساء في المجتمع، مؤكدة أن ضخامة العمل ليست جديدة على أعمال الفنان عبدالعزيز المسلم، وأردفت: المسلم دائما يفاجئ جمهوره المسرحي بالديكور الضخم وكافة عناصر الفرجة المسرحية والإبهار، وهو يتعب كثيرا على عمله طوال المراحل التحضيرية.
واسترجع النجمة الكوميدية هيا الشعبي الذاكرة سنوات طويلة منذ بدايتها الأولى في مجال التمثيل خلال مسرحية «الحرمنة» التي قدمتها مع فرقة المسرح الشعبي عام 1993، متطرقة إلى انتشارها وبروز نجوميتها التي حققها عبدالعزيز المسلم خلال مشاركتها معه في مسرحية الرعب «البيت المسكون» التي قدمت عروضها في عام 1996، مؤكدة أن ذلك هو سر تعاونها المستمر مع الفنان المسلم والحرص على التواجد في أعماله المسرحية سنويا، وأردفت قائلة: «عبدالعزيز هو أخوي العود الذي أكن له كل الاحترام والحب والتقدير، ولا أنسى وقفاته معي».
واستطردت: أنا والمسلم نشكل ثنائيا متفاهما منذ أيام مسرحية «البيت المسكون» إضافة إلى الأعمال المسرحية اللاحقة، ولقينا النجاح، فهو يعرف كيفية تفصيل الدور على هيا الشعيبي، مشيرة إلى أن هناك أعمالا تلفزيونية كوميدية ستجمعهما قريبا خلال الفترة المقبلة.
وحول تخوفها من خوض تجربة «جنوب افريقيا»، أجابت: أنا لا أخاف المسرح ولله الحمد، ولقد ولدت وترعرعت على الخشبة، لكني أخاف من الجمهور أكثر من العمل وردود الفعل حول دوري والمسرحية بشكل عام، مؤكدة على أن العمل يتسم بالضخامة الكبيرة والنجوم الذين فيه يتمتعون بخبرة وباع طويلين على خشبة المسرح.
وفي سياق مختلف، تحدثت الشعيبي عن حضورها الرمضاني هذا العام، وقالت انه قوي، حيث تشارك في مسلسل «سيلفي» الذي يعرض يوميا على محطة «ام بي سي»، إلى جانب مشاركتها في بطولة المسلسل الكوميدي «رمانة» مع سيدة الشاشة الخليجية الفنانة القديرة حياة الفهد، وأشارت إلى أنها تشارك أيضا في مسلسل «كلام أصفر»، معبرة عن أسفها الشديد لتأجيل عرضه بعد رمضان.
يذكر أن مسرحية «جنوب افريقيا» من تأليف وإخراج وبطولة الفنان عبدالعزيز المسلم، إلى جانب كل من الفنانين هيا الشعيبي، أحلام حسن، شهاب حاجيه، عبدالله الباروني، أمل عباس، عبدالله المسلم وهاني الطباخ وعدد من الفنانين الشباب.

----------------------------------------------------------
المصدر : عبدالحميد الخطيب - الأنباء 


خوان غويتيسولو إلتحق بصديقه جان جينيه

مجلة الفنون المسرحية

خوان غويتيسولو إلتحق بصديقه جان جينيه

من عمالقة الأدب الإسباني وعاشق العرب وفلسطين!

لم يكن خوان غويتيسولو (1931 ــ 2017) الذي غادر عالمنا أول من أمس كاتباً أجنبياً يقيم في المغرب. لقد كان كاتباً مغربياً أيضاً، انشغل بهموم هذا البلد، دافع عن قضاياه وتعلّم لهجته وتماهى مع أشكال وأساليب الحياة فيه. هذا ما تقوله السنوات الطوال التي عاشها في مراكش، المدينة التي اختار منذ السبعينات الإقامة في أحيائها القديمة.

كان غويتيسولو مريضاً في الفترة الأخيرة. أصدقاؤه المقربون انتبهوا إلى ذلك، وعرفوا أنّه يسير نحو النهاية. فقد جعل الكسر الذي تعرّض له على مستوى الحوض، جسده منهكاً وثقيل الحركة. توفي صبيحة الأحد في بيته في «درب سيدي بو الفضايل» بعد 86 عاماً، قضى معظمها في المغرب، وتحديداً في المدينة الحمراء التي يعود إليه الفضل في تصنيف ساحتها الشهيرة «جامع الفنا» من لدن اليونسكو ضمن التراث العالمي الشفهي مع مطلع الألفية الجديدة.
في الفترة ذاتها، سينحاز إلى المهاجرين المغاربة الذين تعرضوا لاعتداءات ذات طابع عنصري في اسبانيا، فالهجرة بالنسبة إليه «حق مقدس» كما كان يرى جيل دولوز.
غير أنّ انشغال غويتيسولو بقضايا المغرب يعود إلى نهاية السبعينات، يوم دافع بشكل قوي عن مغربية الصحراء في وقت كانت الأوساط الرسمية في اسبانيا ضد هذه المسألة. ويمكن في هذا الصدد الوقوف عند كتابه اللافت «مشكل الصحراء» الصادر سنة 1979. كما أنّ صاحب «حدود زجاجية» كان من المدافعين عن فكرة «المغرب الكبير» الداعية إلى اتحاد البلدان العربية الخمسة في شمال إفريقيا (المغرب، الجزائر، ليبيا، موريتانيا وتونس) لتشكل قطباً اقتصادياً وسياسياً فاعلاً على المستوى العربي والقارّي بعيداً عن التشنجات السياسية.
تصادم باكراً مع نظام فرانكو الديكتاتوري الذي حوّله من مواطن إسباني إلى لاجئ غير مرغوب فيه. منذ مطلع الخمسينات، غادر بلاده باتجاه باريس، ثم اختار المغرب. قرر أن تكون مراكش مقاماً وملهمة للكتابة، هو الذي كان يردّد في حواراته: «أنا ابن ساحة جامع الفنا»، مشيراً في المقابل إلى أنه لم يعد يعتبر نفسه جزءاً من المجتمع الإسباني «لأني لا أشاركه قيمه. فنتيجة لإقامتي الدائمة في الخارج، عوّضت الأرض بالثقافة».


دافع عن فلسطين، وانتقد استعمار الجزائر، وغزو العراق

ظل غويتيسولو الذي وصفه كارلوس فوينتس بأنه «أحد عمالقة الأدب الإسباني» يذكّر اسبانيا بأثر الحضارة العربية والإسلامية فيها... أثر يسعى الخطاب الرسمي دائماً إلى محوه وإلى محاولة اقتطاع ثمانية قرون من الحضور العربي والإسلامي في التاريخ الاسباني.
منذ روايته الأولى «لعبة الأيدي» (1954) ــــ اللعبة التي ظل غويتيسولو يجيدها على مدار عقود ــ وهو يتشابك بالكلمات، لا بالأيدي فحسب، مع الكثير من القضايا الإنسانية التي تناولها في مؤلفاته، ودافع عنها عبر مواقفه المعروفة، سواء تلك المرتبطة بالشعب الإسباني، أو بعدد من الشعوب العربية والإسلامية. وهنا يمكن تذكر تلك الريبورتاجات الروائية والنصوص التي خصّصها لغزة والقاهرة والجزائر وفاس واسطنبول والشيشان وغيرها.
فضلاً عن ذلك، لا يمكن نسيان موقف غويتيسولو من القضية الفلسطينية، ومن الاستعمار الفرنسي للجزائر، ومن الغزو الأميركي للعراق، ومن قضية البوسنة، واستبداد بعض الأنظمة العربية. لا يمكن نسيان الكتب التي أصدرها في السبعينات وخلخلت الأوساط الثقافية والسياسية في اسبانيا، لأنها كانت محاكمة لتلك النظرة السلبية التي يملكها الاسبان إزاء المرحلة الأندلسية. كما لا يمكن نسيان جائزة القذافي العجيبة التي رفضها غويتيسولو فيما تهافت عليها المثقفون العرب.
لن يدفن جثمان غويتيسولو لا في مراكش حيث عاش، ولا في برشلونة حيث ولد، بل في مدينة العرائش شمال المغرب جنب صديقه الكبير جان جينيه. وقد تواصلنا مع أصدقائه من المثقفين المغاربة المقيمين في مراكش، أولئك الذين كانوا يترددون على منزله ويجالسونه سواء في مقهى «مطيش» أو مقهى «فرنسا» في ساحة جامع الفنا.
يقول الشاعر والإعلامي ياسين عدنان: «في كانون الأول (ديسمبر) الماضي رأيتُه آخر مرة. تعمدنا المرور على «القنارية»، أخي طه، الصديق محمد آيت لعميم وأنا، بغرض الاطمئنان عليه والسؤال عن أحواله بعد الكسر الذي تعرّض له على مستوى الحوض إثر سقوطه في مقهاه الأثير: مقهى «فرنسا» المُطل على ساحة جامع الفنا، الساحة التي أدهشته وغيّرت فهمَه للأدب. كان متعباً، لكنه مع ذلك جاملنا قليلاً. كان أيضاً يجيب على أسئلتنا باقتضاب، ثم يسرح في البعيد».
ويضيف عدنان: «قبل ذلك. وعقب فوز خوان بجائزة «سرفانتس» التقيتُ به في مقهى «فرنسا» يشرب شايه بهدوء ويرقب الساحة. هنأته بالفوز. لكنه لم يكن مهتماً جداً لذلك. كان أول سؤال بادرني به: «هل قرأت خطابي أمام الملك؟». قلت له طبعاً قرأته. «بأي لغة؟» سألني. «بالفرنسية والعربية»، أجبته. ثم بدأ يسألني عن الترجمة العربية: «هل كانت موفقة؟». هكذا هو خوان غويتيسولو. التفاصيل هي ما يهمه. وربما حرصه على أن يصل خطابه إلى العالم العربي، ثم إلى أصدقائه المراكشيين بشكل خاص. أما الأمور الأخرى، فلا يكاد يهتم بها. المجد الأدبي لا يعنيه. يعنيه الموقف. وتعنيه الكلمة. ويهمه كثيراً أن يصل صدى كلمته إلى من يحب».
الناقد والمترجم محمد آيت لعميم يقول لـ «الأخبار»: «ذات مرة وأنا أكلمه حول ابن عربي، طلب مني أن أرافقه إلى بيته في درب سيدي بو الفضايل في القنارية، وأهداني نسخة من روايته «الأربعينية». بعد ذلك، توطدت علاقتنا وكان يعطيني مقالات كتبت حوله أترجمها إلى العربية، وكان يفرح حين يرى اسمه مكتوباً بالعربية. مرة سألته وأنا أتجول معه في ساحة جامع الفنا: لماذا لا تنتقد الكتّاب العرب؟ ففاجأني بجواب ذكي قال لي: أنا كتبت «الأربعينية» واستلهمت الفتوحات المكية، وكتبت «فضائل الطائر المتوحد» واستلهمت فيها ابن الفارض. كنت بهذا الصنيع أنتقد أولئك الذين راحوا يبحثون عن الحداثة عند كتّاب الغرب».
يضيف آيت لعميم: «لقد ظل خوان وفياً لمراكش التي أعطته الكثير وبادلها المحبة نفسها، وقد طالبت في تأبينه أن يتحول بيته متحفاً ومعهداً للدراسات الأندلسية المغربية».
الناشر عبد الغفار سويرجي الذي كان يلازم خوان كثيراً، يرى أن وفاته تشكل «فقداناً لأحد الكتّاب العالميين الكبار. فالراحل هو أحد أبرز كتاب اللغة الإسبانية في العصر الحاضر، تعلم في مراكش العامية المغربية وكتب روايته الشهيرة «مقبرة» التي تستلهم لغات الشارع والحياة اليومية والخيال الشعبي لرواة الساحة». ويضيف: «إنه كاتب وشاعر وروائي إسباني طبع تاريخ الأدب الإنساني بطابع فريد. يعيش بلا أرض، وطنه الترحال. يحلم بمجتمع متعدد الأعراق، مفتوح على آخره. مجتمع مواطنوه أتراك، عرب، وهنود وأوروبيون... الكتابة عنده هي الحياة ذاتها».

---------------------------------------------------------------
المصدر :عبد الرحيم الخصار - الأخبار 

عودة فؤاد نعيم: «الملك يموت»... عاش المسرح في «المدينة»

مجلة الفنون المسرحية

عودة فؤاد نعيم: «الملك يموت»... عاش المسرح في «المدينة»


بدءاً من اليوم، تنطلق على خشبة «مسرح المدينة» أربعة أنشطة تقام في مناسبة شهر رمضان. أعمال مسرحية وسينمائية وموسيقية تقارب السلطة والموت والشيخوخة والقضية الفلسطينية مع فؤاد نعيم، وسيمون شاهين، وكارول منصور، ونضال الأشقر

يعود المسرحي والفنان التشكيلي والإعلامي فؤاد نعيم إلى مملكته ولو عبر ملكٍ يموت. هكذا يمكن رسم الحدث، لكن لا يمكن إختصار الفعل المسرحي الذي يقوم به الرجل ذو التسريحة المميزة والنظارات الطبية حين يقدّم عمله «الملك يموت» بدءاً من الليلة على خشبة «مسرح المدينة». هو الصحافي القادم من مؤسسات كبيرة وجهدٍ متواصل (أنشأ القسم العربي في وكالة الصحافة الفرنسية، وكان مديراً لأكثر من مؤسسةٍ إعلامية كبيرة كـ «تلفزيون لبنان») والمسرحي الذي قدّم أعمالاً مميزةً (الثلاثية المعروفة «المتمرّدة، «البكرة، و«الحلبة، مع زوجته الفنانة القديرة نضال الأشقر).

وها نحن أمام عملٍ لا يمكن حصره في إطارٍ زمنيٍ محدد. نحن أمام «ملك» يمكن استحضار قصّته الخاصة كي تصبح عامةً ترسم حكايا جميع الملوك/ القادة. إنها لعبةٍ مسرحية شبه «واقعية/ حقيقية» أرادها الروماني الفرنسي يوجين يونسكو الذي أنجزها عام 1962، وقد عرّبها نعيم نفسه بعامية بيضاء. علماً أنّه قدّمها ـ ليومٍ واحدٍ فقط ــ خلال الاحتفالات بالعيد العشرين لـ «مسرح المدينة» (الأخبار 8/10/2016).
الفرح هو محرّك فؤاد نعيم للاشتغال بالمسرح ـ أو الفن عموماً- فـ «الفرح في التركيب، الفرح في صناعة العمل، هذا هو الفرح الحقيقي». التشكيلي الذي غاب طويلاً عن المسرح، يشرح سبب تقديمه هذا النصّ: «المسرحية تتطابق مع ما يمرّ به العالم العربي حالياً. كما تتطابق مع المرحلة التي أمرّ بها أنا شخصياً. إنها حكاية أي ملك متمسّك بالسلطة، ينهار البلد حوله، وهو لا يقتنع بأنّ عليه ترك السلطة. من جانب آخر، هي مرحلة في حياة الإنسان حين يعرف أنه على وشك الموت، فيستيقظ فجأة على أشياءٍ آيلة إلى الذهاب وكان متمسكاً بها. هو لا يستطيع التفلّت منها».


حلّت يارا بو نصّار مكان برناديت حديب في العمل

إذاً إنّها حكاية الموت من خلال سيرة ملكٍ متمسّكٍ بالحياة: «يمكننا القول إنَّ السلطوي لا يموت، المسؤول لا يموت، هو متمسك دائماً بما تبقى من مملكته ومن مكاسب الحياة التي يملكها على حساب الآخرين» يشير نعيم. أما لماذا اختار يونسكو، فيجيب: «لقد قرأت يونسكو قبل أربعين عاماً، وقد أعدت قراءته قبل المسرحية. تبيّن لي بأن فهمي ومقاربتي له يختلفان عما كانا عليه في السابق، ولأنَّ نصّه يتناسب مع الحالة العربية عموماً، واللبنانية خصوصاً».
التدريب على النص استمر شهراً كاملاً مع طاقم العمل. يشير نعيم إلى أنّه بعدما ترجم النص، أعطاه لممثليه كي «أترك لهم فسحةً للتفاعل مع الدور. أعتقد أنّ نصف مهمة المخرج هو أن يأخذ ما يجده مناسباً من الممثل ليضيفه إلى العمل، ثم إننا نتحدّث هنا عن واقعٍ نحياه. بالتالي، فإن لكل مشارك مقاربته وجملته الخاصة وأسلوبه». يشارك في المسرحية خليطٌ جميلٌ من المسرحيين، فيحضر جورج خبّاز المعطاء والخلّاق (شارك في صناعة موسيقى المسرحية كونه عازف بيانو) «الذي يحمل كل الدراما وعكس الدراما في شخصيته. لديه القدرة على إبكائك وإضحاكك في الوقت عينه» بحسب نعيم. كما تشارك يارا بونصّار (حلّت مكان برناديت حديب المرتبطة بعملٍ آخر) فـ «أعدنا التدريبات في المسرحية لأجلها، لأن كل شخص جديد يضيف إلى طبيعة العمل ميزاته وشخصيته، وهذا أمر متوقع وجميل» وفق نعيم، إلى جانب مشاركة باتريسيا سميرا (عرفناها سابقاً في إنطلاقتها القوية في مسرحية «علاقات خطرة» للماهر جو قديح). بدورها، تشارك مي أوغدن سميث (عرفناها أيضاً مع «آب بيت بيوت» مع النشيطة سحر عسّاف) المميزة وصاحبة «الحوار الطبقي والمميز» بينها وبين الملك، برفقة موريس معلوف «ذي الوجود القوي»، ووليد جابر مؤدياً دور الحرس. تضاف إلى كل هؤلاء فرقةٌ موسيقية ثلاثية تتكوّن من محمد عقيل، نبيل الأحمر، وعماد حشيشو الذين «أسموا أنفسهم قلب العمل النابض» يشير نعيم ضاحكاً. يظهر نعيم إرتياحه التام في العمل مع المجموعة الحالية. هنا يحضر السؤال المعتاد: هل الممثل اللبناني في مستوى نظرائه العرب؟ (خصوصاً السوريين والمصريين). بحرفته يدرك نعيم تماماً بأن الممثل اللبناني قد يكون ضحيةً لاستعجال المنتجين (سواء في التلفزيون أو سواه). يعلّق: «الإستعجال يعني عدم التركيز على النص، أو العمل، أو عدم تدريب الممثل». ويكمل ضاحكاً: «كان الراحل شوشو يقول بأنّ التلفزيون يصوّر 13 ساعة تلفزيونية بأقل من 10 ساعات، ربما هذه الجملة توضح الفكرة بأكملها».
«الملك يموت» لفؤاد نعيم: بدءاً من اليوم حتى 15 حزيران ــ «مسرح المدينة» (بيروت). للاستعلام: 01/753010.

البرنامج

سيمون شاهين والأصدقاء
12/6 ــ س: 21:30 «مسرح المدينة»


في مناسبة منحه الدكتوراه الفخرية في «الجامعة الأميركية في بيروت»، يحط العازف والمؤلف الموسيقي الفلسطيني سيمون شاهين (1955 ــ الصورة) في «مسرح المدينة»، ليقدّم حفلة موسيقية برفقة أصدقائه. ابن ترشيحا (الجليل المحتل) المتميّز في مجال الارتجال الذي يفيض أداؤه حساسية ورخامة، يُعدّ مرجعاً موثوقاً للموسيقى العربية في بلاد العم سام. إلى جانب أسطواناته وعمله التدريسي، حصل شاهين على جوائز عدّة منها «جائزة التراث الوطني» في البيت الأبيض (1994)، كما عُيّن في اللجنة الرئاسية الاستشارية للفنون في «مركز جون فيتزجيرالد كينيدي».

«خيوط السرد» لكارول منصور
19/6 ــ س: 21:30 «مسرح المدينة»


في وثائقي «خيوط السرد» (كتابة: سحر مندور) تدخل كارول منصور فلسطين من خلال أحلام 12 إمرأة فلسطينية، وحيواتهن قبل الشتات. تقابل المخرجة اللبنانية محاميات، وفنانات، وربات منازل، وناشطات، ومعماريات، وسياسيات. ما يجمع سردياتهن عن بلادهن المسلوبة هو فن التطريز التقليدي الفلسطيني، حيث تدرز كل واحدة منهن قصّتها ليقدمن لنا حكاية نسوية جماعية عن فلسطين المحتلة. من بين النسوة نذكر: سعاد العامري، وليلى عطشان، وأمل كعوش، وليلى خالد، وماري نزال بطاينة، ودينا ناصر ورائدة طه، وسلمى الأسير، وملاك الحسيني عبد الرحيم، ونظمية سالم، وسيما طوقان غندور، وغيرهن.

«مش من زمان» لنضال الأشقر
20 و21/6 ــ س: 21:30 «مسرح المدينة»


لمرّتين فقط، تقدّم نضال الأشقر عرض «مش من زمان» (ساعة واحدة)، الذي أعدّته ونفذّته بنفسها. إنّها سيرتها الذاتية، وعبارة عن مذكّرات مغناة وممسرحة عن طفولة «سيّدة المسرح اللبناني». ستخبر «الست نضال» الحضور عن سياسيين وطنيين لطالما هربوا من الفرنسيين وغيرهم. أشخاص لا شك في أنّهم ساهموا في تجسيد المخيّلة الخصبة لهذه الفنانة الرائدة، سيّما أنّهم كانوا توّاقين إلى الحرية المطلقة. لن تكون بطلة «زنوبيا» وحيدة في هذين الموعدين، بل سيرافقها الموسيقيون: خالد العبد الله، ومحمد عقيل، ونبيل الأحمر، وإبراهيم عقيل.


----------------------------------------------------
المصدر : عبدالرحمن جاسم - الأخبار 


الاثنين، 5 يونيو 2017

فرنسا وتأصيل العملية الثقافية والفنية في العراق

مجلة الفنون المسرحية

فرنسا وتأصيل العملية الثقافية والفنية في العراق 

عبد العليم البناء 

على وقع خطى تأصيل العملية الثقافية والفنية في العراق ،لاسيما في إطار السينما والمسرح ، وبالتزامن مع وقع وزخم الانتصارات المتصاعدة ضد الإرهاب الداعشي ، زار العراق وفد فرنسي يمثل مؤسسات فنية وانتاجية وتسويقية مختلفة ، بالتعاون بين وزارة الثقافة والاثار والسياحة ومنظمة سيوا الفرنسية، وبالتنسيق مع دائرة السينما والمسرح ودائرة العلاقات الثقافية العامة،ضمن مشروع متكامل يهدف الى تجسير التواصل بين المثقفين العراقيين والفرنسيين ،لاسيما المسرحيين ، وبما ينسجم ومصلحة المسرح العراقي نهوضا وتطورا وتواصلا وحضورا فاعلا، في المحافل والمهرجانات المسرحية الدولية وبالذات في فرنسا ،والاطلاع على واقع الحركة المسرحية الشبابية في العراق ،ونقل الرؤى المسرحية العراقية الى العالم بأسره.
هذه المبادرة الفريدة من نوعها عراقيا وفرنسيا ، حققت وتحقق أهدافا عدة ،حيث أن الوفد الذي ترأسه السيدة ياقوتة بلقاسم مديرة الاعمال الفنية في شركة (سيوا) الفرنسية، وضم 15عضوا من مجموعة التبادل الثقافي بين العراق وفرنسا ، وبينهم مديرو مهرجانات وموزعون ومسوقون للعروض ، سعى الى التعرف على الابداع المسرحي العراقي ،واكتشاف المنجز المسرحي الشبابي العراقي ،ونقل تجاربه وافكاره للدول المتطورة في مجال الفن المسرحي عالميا، في إطار بحث استقصائي لهذه التجارب الشابة ،تنفيذا لمشروع تعاون مسبق بين مجموعة من الفنانين العراقيين والفرنسيين. 
وعلى هذا الصعيد شهد الوفد عروضا مسرحية شبابية في العديد من مسارح بغداد، بينها مسرحيات :(امونيا) و(نويز) و(هاملت) و(المقهى) و(توبيخ) و(سلفى) و(هاملت) و(خريف) و(السرداب) لمجموعة من المخرجين الشباب، في اطار هذا المشروع ،حيث سيتم اختيار الأفضل من بينها لعرضه في مهرجانات فرنسية مهمة ، مما يعد فرصة إبداعية مهمة ،تحدث للمرة الأولى ،وبهذا الشكل غير المسبوق ،وبحيادية تامة.
فيما يشمل الهدف الثاني من الزيارة ،تنفيذ ماتم الاتفاق عليه سابقا في اطار التجربة المشتركة بين نخبة من الفنانين العراقيين ، وباشراف الفنان د.هيثم عبد الرزاق ود. اقبال نعيم مع بعض الاصدقاء الفرنسيين في المسرح الفرنسي الوطني في بيزنسون "مجموعة سيوا" ، وهي منظمة عالمية تعمل على تسويق الاعمال الفنية وخلق مشاريع فنية في اوروبا تجمع بين العرب والاوروبيين، من خلال العمل على (ثلاثية اورستيا) للكاتب الاغريقي اسخيلوس، التي تتحدث عن العنف والجريمة واستمرار القتل والثأر والانتقام ، كما تناقش موضوعة الديمقراطية عند الاغريق آنذاك، حيث وجدت المخرجة الفرنسية سيلي بوت ود. هيثم عبد الرزاق ان فكرة العمل مقاربة للواقع العراقي الذي نعيشه لاسيما انها تعكس تجربة انسانية عامة، وهدفها التسامح والابتعاد عن مفاهيم القتل ، وسبق أن قدم العمل في مدينة ليمو بعد ان انجزت التمارين لمدة سنتين في بيزنسون ثم مدينة ليموستك ، حيث ستسكمل بعض الاجراءات هنا في العراق لإعادة التمارين من اجل عرضها في عام 2018، ليتحقق الهدف الأساسي من هذا المشروع المرتكز على التلاقح العراقي الفرنسي المشترك ،وتبادل الخبرات التي تنتج عن معرفة فنية وفكرية وثقافية لا غنى عنها لكلا الطرفين ،من خلال ورشة مسرحية مشتركة بين الفنانين العراقيين والفرنسيين ، وسيقدم في العديد من الدول الاوروبية كرسالة سلام ومحبة ،لاسيما في ظل تصاعد العمليات الإرهابية التي يعيشها العالم ، والتي تعكر صفو سلام وأمان الشعوب والتعايش السلمي بكل أبعاده .
إن اطلاق وتحفيز مثل هذه المبادرات الإبداعية الرصينة من لدن دائرة السينما والمسرح ،التي تقودها حاليا الفنانة المقتدرة تمثيلا واخراجا الدكتورة اقبال نعيم ،وهي المرة الأولى التي تحصل في تأريخ هذه الدائرة ،حيث انها خرجت من رحم هذه الدائرة ،وعاشت وتعرفت على جميع ابعاد ومفاصل العمل فيها ،وهو ما يصب في مصلحة هذه الدائرة الأهم من بين دوائر وزارة الثقافة والسياحة والاثار،لأنها عانت الكثير من التردي والإهمال ،فضلا عن توالي أكثر من مدير عام على ادارتها ، كان معظمهم يسعى لجعلها بقرة حلوب تدر السحت الحرام ، له ولحاشيته من وعاظ السلاطين والمرتزقة، الذين كانوا للأسف الشديد محسوبين على الوسط السينمائي والمسرحي ،حيث كان همهم الوحيد تحويل جل موارد الدائرة لحسابهم الخاص ،والاثراء اللا مشروع على حساب الدائرة ومنتسبيها ومبدعيها ومشاريعها المهمة .
بوركت هذه الخطوات التي نأمل أن تكون مفتتحا لمبادرات ومشاريع متنوعة وجدية ،تشمل كل مفاصل العملية الفنية والإنتاجية والابداعية والإدارية ،والموازنة بين الاعمال الجادة والاعمال الجماهيرية الشعبية لتعظيم موارد الدائرة ،وإعادة الدائرة الى نظام التمويل المركزي الذي طال انتظاره.

نيكولا تريون يحول مقابلة صحافية إلى عمل مسرحي

مجلة الفنون المسرحية

نيكولا تريون يحول مقابلة صحافية إلى عمل مسرحي

أبو بكر العيادي

أيّا ما يكن الحوار الذي يُجرى مع علم من الأعلام، فهو في جوهره إخراج مسرحي، على حلبة تضع وجها لوجه شخصين لا يلتزمان قطعا بالموضوعية، سواء كان الحوار مجاملا على طريقتنا العربية، أو مشاكسا على الطريقة الأنكلوسكسونية، ومَن أجدرُ من نيكولا تريون لأخذنا إلى أجواء اللقاءات مع مشاهير هذا العالم، وهو الذي حاور عددا منهم، في عمل مسرحي عنوانه “حوار” يعرض الآن على خشبة مسرح “بلفيل” بالعاصمة الفرنسية بباريس.

“حوار” (بمعنى مقابلة صحافية) مسرحية صاغها نيكولا تريون، الصحافي بجريدة “لوموند” والمسؤول عن “مسرح الأفكار” و”مساجلات العالم” في مهرجان أفينيون، انطلاقا من حوارات شهيرة، لأعلام بارزين في دنيا السياسة والأدب والفن والمسرح، وحتى لأناس عاديين، ليقترح نظرات متقاطعة إلى مجريات عصرنا وتحولاته، وقد اختار الحوار، وهو الذي طالما مارسه بحرفية عالية، لأنه على حدّ قوله، “نقاش مخصوص، فريد من نوعه، لكونه موجها إلى جمهور من القراء أو المستمعين أو المشاهدين، حسب أداة الاتصال المستعملة”.

وتريون في مسرحية “حوار” التي تعرض حاليا بمسرح “بلفيل” الباريسي لا يستعمل تلك الحوارات كمادة توثيقية، بقدر ما يجلو منها موقفا من الحياة والنفس يُنتزع أحيانا رغم أنف المستجوَب، والغاية، في هذا العصر الذي يعمّه الهذر والثرثرة، إبراز حقائق ومقولات تقطع مع الابتذال والامتثالية.

فالحوار، منذ ابتكار الصحافة، عمّ العالم، واتخذ أشكالا تتراوح بين التواطؤ والمجاملة، وبين المشاكسة والاتهام، هذا التعدد هو ما أراد تريون تناوله، بالرجوع إلى لحظات مأثورة من حوارات كان أبطالها مارغريت دوراس، وبيير باولو بازوليني، وجيل دولوز، وميشيل فوكو، وإمانويل كارير، وكاترين دونوف، وحتى بعض مشاهير المحاورين في التلفزيون الفرنسي مثل تييري أرديسون، وبرنار بيفو، وفلورانس أوبنا، أو البيلورسية سفيتلانا إليكسيفيتش الفائزة بجائزة نوبل للآداب، دون أن يكون الأداء تقليدا لهذه الشخصية أو تلك، بل إعادة تركيب وبناء وخيال.

منذ ابتكار الصحافة اتخذ الحوار أشكالا تتراوح بين المجاملة والمشاكسة، وهو التعدد الذي أراد تريون إبرازه
ورغم بساطة الحوار الظاهرة، لا يدري المستجوِبُ والمستجوَبُ إلى أين سيقودهما، فهو حديث خاص بينهما، لا يقول فيه الطرفان حقّا ما يجول بخاطريهما في الغالب، إذ ثمة أشياء لا يجدر أن يُسأل عنها المرء، وأشياء أخرى لا يبوح بها إن سُئل، فقد يكون الجواب أحيانا مرهونا بمركز المستجوَب الاجتماعي، الذي لا يسمح له بأجوبة عفوية، لأنه قد يؤخذ بجريرة قوله.

كل ذلك صاغه تريون في شكل مسرحية فلسفية تدعو إلى التأمل والتفكير، ولكنه شفعه أيضا بمواقف هزلية، أو ساخرة، تعمدها أصحابها أو وردت عفو الخاطر، من الكذب المتعمد، والرهبة التي تجاوز الحد، إلى الأسئلة (أو الأجوبة) المثيرة أو المستفزة، من ذلك مثلا “من الذي كنت تفضل ألا تصادفه أبدا؟ أي سنّ تريد أن تبلغ؟ أي رجل سياسي يسرك خبر موته في حادث؟ هل تمزح حينما تكون وحدك؟ إذا فرضنا أنك لم تقتل أحدا في حياتك، فكيف تفسر أنك لم تقدر عليه؟ ماذا ينقصك كي تكون سعيدا؟ هل تستطيع على الأقل أن تصادق نفسَك؟”، وهي أسئلة مشوبة بالمرح والسخرية، ولكنها تعكس صورة عن العصر.

ولما كان الحوار تبادلا، فقد استعمل المخرج تقنية “ميكرو الرصيف” لسؤال المتفرجين “هل أنت سعيد (ة)؟”، قبل أن يبث على شاشة فوق الخشبة مقاطع من شريط مماثل أنجز في ستينات القرن الماضي يسأل فيه المخرج والإثنولوجي جان روش وعالم الاجتماع إدغار موران المارةَ عن رأيهم في السعادة.

وقبل أن نكتشف جوانب طريفة أو مقززة عن بعض الأعلام، كميشيل فوكو الذي كان يقبل الإجابة عن أسئلة “لوموند” شريطة ألا تذكر اسمه، أو المخرج السينمائي الشهير جان لوك غودار وهو يسأل مارغريت دوراس “نجب طفلا، ثم ماذا نفعل به؟”، ذلك أن المحاوِرين عادة ما يلاحقون الشخصيات المعروفة كي يرغموهم على الكشف عن أفكارهم الحقيقية، وليست تلك التي ينطقون بها للعموم.

توخى تريون إخراجا بسيطا ولكن ملائما وفعالا، استند فيه إلى ممثلين بارعين يتنقلان في ركح مقتصد الديكور، مع مزج ذكي بين المسرحة والأرشيف، لخدمة فن الأسئلة، ويشعر المتفرج بمقدار الجهد المبذول في البحث والتوثيق لإعداد عمل فرجوي، يدور في مرحلتين غير متكافئتين: الأولى تبادل فيه نوع من التواطؤ الخفيف بين نيكولا بوشار وجوديت هنري.

للإشارة بذكاء إلى مهارة الصحافيين وقدرتهم على انتزاع أجوبة لا يروم المستجوَبُ قولها، وذلك بالتوسل بألوان التأثير والانفعالات الإيجابية ومنح الطرف المقابل ثقة كي يرد بأريحية كما يرد على صديق. والثانية، وإن كانت عصية نوعا ما، تستوجب قدرا من الإنصات والتركيز، فهي تعطي الأولوية لأهمية الكلمات، والأسئلة والأجوبة، وأساليب الاتصال، حيث يقول تريون “من الحكمة اليوم، في عالم صارت الأمور فيه تجري على غير ما نشتهي، أن نخصص الوقت أحيانا كي نسأل أنفسنا بعمق”.

لقد أضحى الحوار في عصرنا عبورا إعلاميا ضروريا للسياسيين والفنانين والرياضيين، وبفضل المسرح، تحول هذا التمرين الأسلوبي إلى مادة تمثيل، وإمتاع، وتفكير، وبين إلقاء المستجوِب في حلبة الأسود أو إجلاسه في عيادة محلل نفساني، يبني فن المحاورة هنا فضاء يمكن للكلمة داخله أن تتحرر.

------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 


تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption