أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر

وزارة الثقافة : 

تقيم وزارة الثقافة بالتعاون مع فرقة الزرقاء للفنون المسرحية ووزارة التنمية الاجتماعية ونقابة الفنانين الأردنيين مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر، وذلك في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء الموافق 1/11/2017، على مسرح مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي / الزرقاء.




"صور الإستعارة في أداء الممثل المسرحي العراقي " في اطروحة دكتوراه

باحث في قسم الفنون المسرحية يناقش توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي

مجلة الفنون المسرحية

باحث في قسم الفنون المسرحية يناقش توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي

كلية الفنون الجميلة بغداد

تمت في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد مناقشة رسالة الماجستير في تخصص المسرح للطالب ( وسام عبد العظيم عباس) عن بحثة الموسوم (توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي ) 
تتركز مشكلة البحث في وجود عشوائية في توظيف تقنيات  الاداء ويغلب عليها طابع الاجتهاد الشخصي في الاداء التمثيلي في مثل هذه العروض لذى عمد الباحث الى الكشف عن طبيعة التغيرات الصوتية والحركية في مثل هذا النوع من المسارح، وتاتي اهمية البحث في توفير دراسة علمية تبحث في طبيعة التقنيات والكيفيات الادائية في عروض المسرح التفاعلي  في العراق، ولغرض الوصول الى غايات البحث رسم الباحث مسارات البحث عدة فصول تناول في اطارها النظري عدة مباحث منها 
المبحث الاول المسرح التفاعلي (المفهوم- التقنيات – المرتكزات)
المبحث الثاني: مرجعيات المسرح التفاعلي.
المبحث الثالث: اشتغالات الممثل في المسرح التفاعلي.
وتوصل الباحث الى جملة من الاستنتاجات لعل من ابرزها، جمع الممثلين بين تقنيات الاندماج والتقديم في اداء الدور فضلا عن مهارات اخرى مثل القدرة على الارتجال والتكيف في الضورف الطارئة عبر ما ينتجه المتفرج من معطيات جديدة في العرض المسرحي وهذا يعني ان الاداء يتغير في المسرح التفاعلي بتغيرة تقنية المسرح المستخدمة، وتوصل الباحث الى جملة من التوصيات لعل ابرزها، يتجه المسرح التفاعلي الى دراسة السمات الثقافية والفكرية والاجتماعية العامة للجمهور من اجل تحديد انساق التواصل معه.

محمد مرسي على مسرح شكسبير

مجلة الفنون المسرحية

محمد مرسي على مسرح شكسبير

احمد عمر - عربي 21


هل يمكن تحويل مأسوات شكسبير الدامية إلى عروض كوميدية مضحكة؟

يقال في مدارس المسرح وفن الدراما؛ إن الموت يجعل الكوميديا تراجيديا. يضرب بو علي ياسين المثل في شرح أحد أنواع الضحك الشهيرة، وهي سقوط الرجل الوقور في عرض الطريق، فنضحك جميعاً، ويرى بعضهم في التفسير أننا نضحك بسبب طفرة المشهد، ولشعورنا بالنجاة من الحادث، الضحك هو انتصار. يقول بو علي ياسين: إن الرجل لو سقط وانكسر، أو جُرح، لفزعنا إلى نجدته وطلب الإسعاف له، فالدم يعطل الطرافة، وهو نذير شؤم. الكوميديا والتراجيديا جاران، بينهما برزخ لا يبغيان، لكن يمكن تحطيم الجدار، وقد يؤخذ الجار بالجار، وكان عزيز نسين ماهراً في تحطيم هذا الجدار، وهو الذي قال في تشخيص كتابته الساخرة: حولتُ دموعي إلى ضحكات على وجوه العالم.

 لكن الدموع غير الدم.. في التراجيديا دماء، وهي غالباً ما تعطل بهجة الكوميديا، وحتى تنجو التراجيديا سباحةً في بحر الدم إلى ساحل الكوميديا، علينا أن نقنع الناس بأنّ الدماء التي نزفت من الملك أو من الشعب ما هي إلا مياه مصبوغة باللون الأحمر، أو أن القتلى إرهابيون، أو أن الشعب المقتول هم حاضنة لهم أو دروع بشرية، فقد أفتت إسرائيل بالتخلص من الدروع البشرية، وتأست بها دول عربية. يمكن التخلص من خمسين درعاً بشرياً في سبيل التخلص من إرهابي واحد. قد تتحول التراجيديا إلى كوميديا إذا قلنا بعد المذبحة "خلصت"، فهذا يرسل البشرى، ويَعِد بنهاية التراجيديا، أن نقنع الشعب بأن البلد بألف خير، ونعرض المسلسلات الكوميدية، ومسابقات الجمال، وأن يتحول المفتي إلى مهرج، وإذا تحول المفتي إلى مهرج في مذبحة فهذا يجعل المأساة ملهاة.

 ثمت أمثله كثيرة على الضحك في الجنازات المصرية، وفي المقابر، خذ فلم "الكيف"أو فلم "مقابر مفروشة للإيجار"، خذ فلم "جنة الشياطين" مثلاً، وهو فلم لم أستطرفه، وشعرت بغربة شديدة فيه، لسبب بسيط، هو أن قصة الفلم هي للبرازيلي جورجي أمادو، وهي قصة غير مصرية، ومخالفة للدين الإسلامي والتقاليد العربية، ومن المفارقات أن محمود حميدة ضحى ببعض أسنانه في سبيل إقناعنا بالفلم، ولو ضحى بفكيه ما هو ببالغ غايته.

التراجيديا الشكسبيرية ليست جنازة شخص من عامة الشعب، غالباً هي جنازة ملك، أو جنازة أمّة، أو هي حدث ينتهي بنهاية حزينة مأساوية. وحتى نقلب المأساة إلى ملهاة، ما علينا إلا أن نمضي إلى خصوم المقتول، وسنجد السعادة بالنهاية المأساوية، وقد نجدهم يوزعون السكاكر والفطائر في الضاحية. لقد كانت نهاية صدام حسين مأساوية، وقد سعد بها خصومه واشتفوا منه، وخلّدوه من غير أن يقصدوا. كانت نهاية مأساوية، لكنها سعيدة لخاتمة طاغية غسل بها بعضاً من طغيانه.

لوحة ليوناردو دافنشي، الموناليزا، ذات الابتسامة الحزينة، أكثر لوحة عالمية تعرضت إلى دغدغة أصابع الكوميديا، ورياح الضحك، ويسبقها تمثال الحرية في واشنطن، ويمكن ذكر بعض وضعيات مقترحة لتمثال الحرية التي رسمها رسامو الكرتون، أو توهموها.. خذ مثلاً: تمثال الحرية يرفع إصبعاً وسطى لزائري أمريكا، أو يرفع إشارة رابعة، أو يحمل قنبلة نووية.. لكننا نتحدث عن الدراما، الآن لنعمد إلى مشهد شهير من مسرحية يوليوس قيصر الشهيرة، مثالاً:

عبد الفتاح بروتوس، وحمدين صباحي، والبرادعي - وتأتأته عنصر كوميدي - قابلة للاستثمار المسرحي والتهريج، يتأمرون على يوليوس عيسى العياض، فيقتلونه قتلاً معنوياً حسدا من عند أنفسهم، وقد استثمر السيسي إعلام الحكومة في تدمير الرجل، فنكل به تنكيلا، وكانوا جميعاً ينفذون مؤامرة قذرة - واعذرونا على الصفة المبتذلة في الإعلام - ويأتمرون بإيعاز من الغرب، ممثلة بالحسناء السندريلا آشتون، موفدة الاتحاد الأوروبي، إلى برّاد مرسي، للاطمئنان على طعامه وميرته. وزيارة برّاد مرسي في السجن مشهد كوميدي، يؤكد علو حضارة الغرب، وقيم الثورة الفرنسية، والجبنة الفرنسية، وكان الغرب قد اطمأن على الشعب السوري، بعد أن أتلف سلاحه الكيماوي بصفقة عرضها بوتين، وضمن أنه سيموت تحت البراميل.

المهم: يُطعنُ يوليوس العياض بخمس وثلاثين طعنة، ثم يأتي عبد الفتاح بلوتوس، ويطعنه الطعنة السادسة والثلاثين، في الظهر طبعاً، فيلتفت يوليوس مرسي وقد بوغت، ويقول: حتى أنت يا حاج عبد الفتاح، ألم نصلِ سوياً جماعة؟ وكان عبد الفتاح بروتوس قد ظهرت له زبيبة من سجود السهو.

 المشهد مأساوي ودموي،  وكان مرسي أول رئيس منتخب منذ سبعة آلاف سنة، وفي زيارته إلى ألمانيا كان ينظر في ساعته، فسخر منه الإعلام  المصري، ثم رأينا عبد الفتاح بروتوس يزور إيطاليا، فرأينا رئيس الوزراء الإيطالي يعبث بهاتفه، والشاويش السيسي يهذي ويخطب. انتخب مرسي بالرغم من كل الدعوة المضادة.  وكان نوح فيلدمان، أستاذ القانون في هارفارد، قد  قال: الديمقراطية تعني أن الإسلام سيعود. رأينا هذا في كل التجارب الديمقراطية العربية، في مصر وفلسطين.

 سنضحك، وعبد الفتاح يقول، وهو يطعن مرسي بعد أن تمر جملته، على سلسلة من الفلاتر: فلتر الأمانة، فلتر الصدق، فلتر الإخلاص، ويقول: في ستين داهية.. جلد تخين.

 وقد يجد المصريون جملاً أكثر طرافة، فهم معلمو الخليقة في فن الكوميديا، ثم يحولون جلد يوليوس العياض إلى سجادة يمشي عليها السيسي إلى قصر الشعب بسيارته.

 الغرب يحب المسرح، كما يحب المسلمون المسجد.  المسرح معبدهم، وهو الآن يخرج مسرحيات تراجيدية في سوريا ومصر، ويرسل لنا بعض الأطعمة الفاسدة، وبعض الكوندومات الواقية للتكاثر، وواقيات البعوض، ويمنح الجوائز لمثقفين منتخبين بالفلاتر الثلاثة. وقد بات المسرح السعودي التراجيدي مضحكاً أيضاً.. خذ مشهد إخراج ولي العهد السعودي موبايلين من جيبه، كما يفعل السحرة في السيرك. ربما يُستحدث باب جديد في أبواب نوبل، مثل باب: جائزة نوبل لتحويل الإسلام إلى دين "دايت"، ويقال إننا سنرى قريباً إلى جانب صحيح البخاري ومسلم، صحيح ابن سلمان.

كشف مرسي عن طموحه: الخبز، السلاح، العلم، قال: بنات مصر هن بناتي. الخليجي كان متعوداً على لعب دور الخواجة السائح في مصر، وقد ضمنه بعد الانقلاب، فبات الجرسون هو الرئيس المصري، ويقدم هذه المرة، بدلاً من الشاي والشيشة والراقصة، جزراً مثل تيران وصنافير.. وسيناء.. وصلحه.

تعال نقترح أن عبد الفتاح برتوس يلعب شخصية أخرى، هي شخصية أنطونيو، ويخطب في الجموع المصرية، وقد فعل:

 في المسرحية، أنطونيو خطيب بارع، استطاع قلب المشهد لصالح الشرعية. ليكن أنطونيو هو عصام سلطان، تخيل معي أن هذه الشخصية الكبيرة في السجن، وفي السجن مسرحيات ترهيب وتخويف وتعطيش، أو لنتخيل أن الكتاتني هو أنطونيو، أو أن عميد البياطرة العرب، محمد بديع، صاحب قولة سلميتنا أقوى من الرصاص، هو أنطونيو..

تخيلوا أن يخرج مرسي من السجن، ويروي ما حدث.

 تعالوا نتخيل أن السيسي يلعب أكثر من دور في المسرحية: هو نبي، وفيلسوف، ومشير، وبلياتشو، فيخطب بفلاتره الثلاثة، وينشد فيقول: أنا متحوجش.. فيغير المشهد برمته وهو يتحدث عن الإرهاب المحتمل، ويدعو الشعب إلى دفع الفكة، والدول المجاورة إلى دفع أتاوة الرز. سيكون خطاب أنطونيو في المسرحية مقاطعاً من خطبه العظيمة التي غيّرت وجه مصر، فبات القفا هو الوجه، والوجه هو القفا، وآه يا قفا.

 في سوريا، الضحك صعب، المأساة أكبر من تحويلها إلى كوميديا. أنا أظن، مثل أكثر الناس، أن مصر هي قلب العالم الإسلامي، والغرب يخرج مسرحيتها.

 تعالوا نموت ضاحكين.

المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة
من خلال إحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم أعمال جديدة تجذب جمهور الشباب


*د. رياض عصمت - الشرق الأوسط


الكلمات وحدها لا تصنع مسرحاً. المسرح لوحة متكاملة من الأداء الجسدي والصوتي مع الضوء والموسيقى والفن التشكيلي وسواها من عناصر تقنية حديثة، تتشكل في تكوينات درامية يبدعها تصور مخرج تجسيداً لخيال مؤلف. قد تصنع الكلمات دراما إذاعية، وفي أحسن الأحوال، تلفزيونية. لكن المسرح المعاصر اتجه تدريجياً في النصف الثاني من القرن العشرين إلى البحث عن لغته التعبيرية الخاصة والمتميزة عن السينما والتلفزيون، بل حتى عن المسرح بصورته التقليدية والتجارية، وهي لغة الجسد وتقنيات الفنون الحديثة. هل بدأ الأمر، يا ترى، مع مايرهولد والبايوميكانيك المستلهم من «الكوميديا دي لارتي»؟ أم تراه بدأ مع أدولف آبيا وتأثير النحت، أم من غوردن كريغ وتأثير الماريونيت؟ أتراه بدأ مع أروين بيسكاتور أم ماكس راينهارت، بحيث نسأل هل كان إدماج السينما في العروض المسرحية أبلغ أثراً أم إدماج السيرك؟ وهل كان الألماني برتولد برشت الرائد الأبرز والمنظر الأهم لتفاعل الفنون في المسرح المعاصر؟ في الواقع، يصعب تحديد الموجة من قطرات الماء. الأهم هو استمرار انسفاح الموجة على الصخر مرة تلو أخرى حتى تحفر أثراً.

البلدان الأكثر حفاوة بهذا الطراز من تداخل الفنون البصرية هي: وتشيكيا، وبولندا، وفرنسا، وألمانيا، والدنمارك، وهولندا، وبريطانيا، وروسيا والولايات المتحدة. منذ زمن طويل، اشتهرت براغ بطراز سمي «المسرح الأسود»، يعتمد على مؤدين يرتدون ثياباً سوداء، ويحركون أشياء مطلية بألوان فسفورية، هذا بالإضافة إلى استخدام التشيك الرائد لتقنية «سينيراما»، وهي إدماج مقاطع صورت سينمائياً مع أداء الممثلين الحي على خشبة المسرح. بدورها، كانت بولندا رائدة في تجارب لغة المسرح الممتزجة بالفن التشكيلي، خاصة مع تحول بعض الرسامين والمصممين إلى مخرجين، وفي طليعة هؤلاء غروتوفسكي ومسرحه الطقسي، كانتور ومسرحه البصري، توماشيفسكي ومسرحه الإيمائي الذي أبهر دمشق في أواخر الستينات، جوزيف شاينا والاستوديو الاختباري في وارسو، (وقد دعي إلى القاهرة في أواخر القرن الماضي، وشاهدت إحياءه لعرضه «ربليكا» عن الجحيم النازي على مسرح «الهناجر» في دار الأوبرا المصرية) في ألمانيا، تألق في برلين في القرن الماضي المخرج بيتر شتاين، ومن بعده في القرن الحادي والعشرين المخرج توماس أوسترماير، واستخدم الأخير منهما شاشة ضخمة تعرض لقطات مكبرة جداً لتعابير وجوه الممثلين في «هاملت» مع فرقة موسيقية تعزف بشكل حي على الخشبة موسيقى صاخبة Heavy Metal.

كان من أوائل المخرجين المجددين في فرنسا منذ أواخر الخمسينات المخرج روجيه بلانشون في مدينة ليون، متأثراً بنظريات برشت، فأخرج من نصوصه «خوف وبؤس في الرايخ الثالث»، و«شفايك» و«المرأة الطيبة من ستشوان»، كما استخدم بلانشون السينما في مسرحية شكسبير التاريخية «هنري الرابع»، فضلاً عن تجديده في إخراج مسرحية موليير «جورج داندان». في زمن لاحق، ظهرت في المسرح الفرنسي تجارب ملهمة لمخرجين طليعيين مثل أريان مينوشكين وفرقتها «مسرح الشمس»، وكذلك إخراجات باتريس شيرو المبهرة بصرياً. كما تألق المخرجون الزائرون من بلجيكا مثل يان فابر، الذي حضرت له عرضاً أثار ضجة كبرى في مهرجان «أفينيون» الفرنسي، وحمل عنوان «أنا الدم». مؤخراً، لفتت إخراجات البلجيكي إيفو فان هوفه الأنظار في لندن ونيويورك وأمستردام، خاصة مقاربته الكلاسيكيات بأسلوب فذٍ ومبتكر، منها مزجه لعدة مسرحيات شكسبيرية في Kings of War وRoman Tragedies إلى مقاربته لمسرحية آرثر ميلر «منظر من الجسر»، سواء في مسرح «ينغ فيك» في لندن، أو مسرح «غودمان» في شيكاغو.

بدأت آثار تداخل الفنون تنال حفاوة في لندن على نحو متأخر نسبياً. بدأ تريفور نن بذلك في بعض عروض الميوزيكال في القرن الحادي والعشرين، رغم أنه جاء إليها من خبرة طويلة في إخراج أعمال شكسبير، وإن كان التجديد مع الشكسبيريات أمرٌ مألوف وقديم العهد في «فرقة شكسبير الملكية» و«المسرح القومي» عند عدة مخرجين آخرين استخدم بعضهم أحيانا وسائل التقنية المتقدمة. اليوم، يتألق المخرج والممثل البريطاني المعروف سيمون ماكبارني في تطوير مسرح الجسد مع فرقته ذائعة الصيت «كومبليستيه» في لندن. كذلك لمعت المخرجة كيتي ميتشل بإخراجاتها في بريطانيا وألمانيا. لمعت أيضاً فرقة «1927» في لندن بطابعها التجريبي الذي يستخدم وسائل الاتصال المتعددة، كما في عرضها الشهير Golem. برزت أيضاً فرقة Frantic Assembly من الويلز، وهي تمزج بين المسرح الجسدي والموسيقى الحديثة، كما في عرض Beautiful Burnout وCurious Incident of the dog in the Nighttime بحيث انتقل العرض الأخير إلى أحد مسارح لندن، وحظي بجوائز.

في الدنمارك، يتصدر حركة المسرح الطليعي المخرج الإيطالي الشهير يوجينيو باربا، الذي يدير منذ سنوات «مسرح أودين» في مدينة هولتسبرو، ويقوم بجولات عالمية في مختلف أصقاع الأرض. أخرج باربا مسرحية «هاملت» في قلعة «ألسينور» نفسها التي جعلها شكسبير موضعاً لأحداث قصة الأمير الدنماركي الذي يخطط للإطاحة بعمه المستبد وقاتل أبيه غيلةً وغدراً محتلاً عرشه ومقترناً بزوجته. زار باربا سوريا وقدم ثلاثة عروض مونودراما من إخراجه، وأجريت معه آنذاك لقاءً تلفزيونياً مطولاً.

شهد المسرح الروسي انقلاباً جذرياً، وتغير رفضه المتشدد لأي تيار مجدد ومجرب خارج إطار واقعية ستانسلافسكي واضطهاد السلطات آنذاك لمايرهولد بسبب أسلوبه التجريبي، وتهميش تجارب تاييروف، إلى القبول بالتجريب الذي كان من المحرمات في الربع الأول من القرن العشرين. تعرض حتى ستانسلافسكي نفسه في أواخر حياته، وكذلك فاختانكوف، إلى الضغط كي لا ينحرفا عن المنهج الواقعي ويقاربا تجارب الشكل الجديد. منذ مطلع السبعينات تقريباً، رُدَّ الاعتبار إلى مايرهولد، واحتفي بأساليب مسرحية متنوعة في الاتحاد السوفياتي والجمهوريات التابعة له آنذاك. في مقدمة الأسماء اللامعة التي تألقت عالمياً يوري لوبيموف ومسرحه الشهير «تاغانكا» في موسكو، وبالأخص إخراجاته التي شاهدتها لعروض «عشرة أيام هزت العالم» و«طرطوف»، وما سمعت من الصديق الراحل فواز الساجر عن مقاربته المبدعة لمسرحية «هاملت». اشتهر عالمياً أيضاً الجورجي روبرت ستوروا بإخراجه لمسرحيتي شكسبير «ريتشارد الثالث» و«الملك لير»، وقد حضرت الثانية منهما في موسكو. كما اشتهر نيكروشوس بإخراجه المجدد لمسرحية تشيخوف «الخال فانيا»، التي أعجبت بها أيما إعجاب. في القرن الحادي والعشرين، ظهرت عروض المخرج ذي الأصل الليثواني ريماس توميناس ذات الطابع التجريبي، وفي طليعتها «الخال فانيا» و«يوجين أونيغن». كما لمع نجم المخرج التجريبي ديمتري كريموف في القرن الحادي والعشرين، وبالأخص عرضه التجريبي اللامع تشكيلياً «شيطان، نظرة من الأعلى» Demon، View from Above.

تملك الولايات المتحدة زخماً قوياً في المسرح التجريبي منذ ستينات القرن الماضي، وبالأخص جوليان بِك وجوديث مالينا في «المسرح الحي». كما نذكر من بين الفرق التجريبية الرائدة «فرقة سان فرانسيسكو الإيمائية» لمؤسسها المخرج المتأثر ببرشت ر. ج. ديفيز. اكتسبت الكثير من هذه الفرق شهرتها من معارضتها السياسية لحرب فيتنام، ومن جولاتها المظفرة في العواصم الأوروبية. عندما عملت في أواخر الثمانينات مساعداً للمخرج الطليعي الراحل جوزيف تشيكن، شاهدت في منزله فيديوهات عن عروضه الرائدة حين أسس وأدار فرقة «المسرح المفتوح». في أواخر الثمانينات أيضاً، شاهدت عرضاً مذهلاً في سان فرانسيسكو لرائد المسرح التشكيلي / البصري الأميركي جورج كوتس، وكان مذهلاً في جمالياته وابتكاره في الاستفادة من التقنيات الحديثة. حالياً، تقدم المخرجة كاثرين سوليفان في شيكاغو عروضاً من هذا الطراز، تستخدم فيها وسائل الاتصال الجماهيري multi - media كأدوات تعبير، وهي نموذج لتجارب متعددة أخرى كثيرة، وبالأخص في نيويورك.

ختاماً، نكرر القول: إن المسرح ليس كلمات فحسب، وإنما فرجة بصرية تتداخل فيها عناصر الأداء الجسدي ورسم الحركة مع الموسيقى والضوء والتشكيل لخلق تعبير يهدف إلى التأثير في عاطفة وعقل متفرج ملَّ من الأساليب التقليدية، وصار يطمح إلى أسلوب جديد يهز مشاعره ويحفر أثره عميقاً في الوجدان. إنه التطهير الذي ينشده المسرحي المعاصر بانفتاحه على استخدام تقنيات وسائل الاتصال الحديثة ضمن العرض المسرحي الحي وهو يقوم بإحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم نصوص جديدة تجذب جمهور الشباب خاصة إلى ارتياد المسارح.

* مخرج وكاتب مسرحي سوري مقيم في الولايا

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

صباح الأنباري وأعماله الكاملة

مجلة الفنون المسرحية

صباح الأنباري وأعماله الكاملة

د. أسماء غريب

(1)
لماذا الأعمال الكاملة؟أيُّ سرٍّ هذا الّذي يُحَفِّزُ العديدَ مِنَ الأدباء عَلى التّفكير في لحظةٍ مُعيّنة مِن حياتِهم، بإصدارِ "أعمالهم الكاملة" في مُجلّد أو مجلّدات عدّة، يجمعُون فيها كلّ ما ألَّفُوه طيلةَ حياتهم الفكريّة؟! هلْ في هذا الأمرِ إعلان عنْ قرب النّهاية؟ أو اعتراف ضمنيّ بأهمّية ما تمَّ تقديمُه مِن عملٍ يُعتَقَدُ في أحقّيتِهِ بالجمعِ والتوثيقِ ليَنْتَفِعَ بهِ ومنهُ الآخرون؟ وماذا عن موقف دُورِ النّشر في هذه القضيّة؟ أو بعبارة أخرى؛ ما الّذي يدفعُ بناشر مَا إلى خوض هذه التجربة، والمغامرة بالنّشر لكاتبٍ قرّر أن يجمعَ أعمالَهُ في زمن قلّ فيه إقبالُ القرّاءِ والنّقّادِ على الكِتاب والكُتّاب والأدباء بشكلٍ عامّ؟! 
لا أحدَ غير مَنْ يعملُ في مجال الكتابة ويعرفُ دهاليزَها الشّائكة، ويَخْبِرُ معاناة الأدباء والنّاشرين معاً، يُمْكِنُهُ أنْ يجيبَ عن هذه التساؤلات بكلٍّ حيادية وتوازنٍ ورصانةٍ، وعليهِ أقولُ: إنّ الّذي عادةً ما يُشَجِّعُ كاتباً مَا على نشرِ أعماله الكاملة ليسَ فقط الإحساس الذّاتيّ أو الشخصّيّ بأهمّية ما تمَّ تقديمُه خلال سنوات العمر الماضية، وإنّما هُو الاعترافُ الجمعيّ والغيْريّ بمَا لهذه الأعمال نفسها من قيمة أدبيّة وعلميّة عالية، وهو الأمرُ الذي لا يمكنُ الأخذ به في غياب عنصر التراكم الكمّيّ والكيفيّ، والذي أعني به مجموعَ ما تراكَمَ من موادّ ونصوص وكُتُبٍ فَرَضَتْ ليس على الكاتبِ وحده وإنّما على النّاشر والنّاقد والمهتمّين مِن الأساتذة الأكاديميين وغيرهم من ذوي الخبرة الاعترافَ الصّريحَ أو الضّمنيّ بأهمّية تجربة كاتب ما سواءً كانَ شاعراً، أو روائياً أو مؤرّخاً أو مسرحيّاً وهلمّ جرّاً، وبأحقّيَتِهِ أكثر من غيره بأنْ تُوثَّقَ أعمالُه وتُجْمَعَ في مجلّدات تُجَنِّسُ لما يُسَمّى بـ (الأعمال الكاملة).
وبما أنّني بصدد تناوُلِ تجربة الأديب المسرحيّ صباح الأنباريّ، أقولُ إنَّ صاحبَ كتابِ (المجموعة المسرحية الكاملة) الذي صدرَ مؤخّراً الجزءُ الأول منه (1)، قد تحقّقَ في مسيرتِه الإبداعيّةِ عُنْصرُ التّراكُم بامتياز، إضافة إلى عُنصرَيْ التّجديدِ والخصوصيّة اللذان يُشَكّلان ركيزة مُهمّة يعتمدُ عليها النّقدة والبحّاثة وكذا النّاشرون ليُقرّوا مدى أحقّية أديب ما في جمع نتاجاته بين دفّتيْ مُجلّدٍ أو مجلّديْن أو ربّما أكثر.
وأمّا عُنصر التّراكُم عند الأنباري فتؤكّدُه إصداراتُه التي تجمّعت على امتداد السّبعِ عشرة سنوات الأولى منَ القرن الواحد والعشرين، انطلاقاً من (طقوس صامتة) ووصولاً إلى (مذكّرات مونودرامية) (2)، إضافة إلى العديد منَ المقالات التي كتبَها في مجال المسرح والنّقد المسرحيّ والتي تتجاوزُ الخمسين مقالةً نُشِرتْ في العديدِ مِن الجرائد والمجلّات كـ (الموقف الثقافي)، و(العرب العالمية)، وجريدة (الحياة)، و(طريق الشّعب)، و(المدى)، و(الزمان) و(التآخي)، ومجلة (دجلة)، وغيرها منَ المنابر الثقافيّة والإعلاميّة، دون نسيانِ المسرحيـّاتِ التـي أخرجَها للخشبة ضمنَ أنشطة (فرقة مسرح بعقوبة) كمثلِ مسرحية علي سالم (بهلوان آخر زمان)، ومسرحية (المفتاح) ليوسف العاني، ثم مسرحية (قضيـّة ظـلّ الحمـار) لفردريش دورنمات.
كما لا يفوتني أنْ أسجّلَ أنّ الأنباريّ حظيَ باهتمام العديد من النقاد والمتتبّعين الأكاديميّينَ لرحلتِه وتجربتهِ المسرحيّة والّذين بلغتْ كتاباتُهم عنهُ ما يفوق التّسعين مقالة، أذْكُرُ منهم على سبيل المثال لا الحصر كلّاً من تحسين كرمياني (3)، ود. فاضل عبود التميمي (4)، ود. فائق مصطفى، ود. إبراهيم علي محمود، وسعد محمد رحيم (5)، ثم علي مزاحم عبّاس (6) وشاكر مجيد سيفو وبلاسم إبراهيم الضاحي (7)، وكذا محيي الدّين زنكنة (8). ويضافُ إلى هذا العديد من اللقاءات الصحفيّة التي أجْرِيَتْ معه، ونُشِرتْ على صفحات العديد من الجرائد داخل أو خارج العراق (9).
أمّا لمنْ يسألُ عنْ عُنْصُرَي التّجديدِ والخصوصيّة في التجربة الأنباريّة، فالمرادُ بهما نجاحُ الأنباريّ في تجنيسٍ جديدٍ بمجالِ الكتابة المسرحيّة بطريقةٍ حوّلَ معها وبهَا النصَّ الصامتَ مِنْ سيناريو متخصِّصٍ فنّيّاً وتقنيّاً بخشبة المسرح إلى نصٍّ مقروء منَ الناحية الأدبيّة، وذلك لخبرة الأنباريّ الطويلة في مجال المسرح الصّامت الذي هو بالنسبة له فنٌّ بصريٌّ يشتغلُ على الصّورة التي يُحَرّكُها الفعلُ والرّغبة والهدفُ بغرض تشكيلٍ معنى مُعيّن يكونُ قادراً على التجسُّد في هيئة نصّ مُدَوّنٍ على الورق، أو عرضٍ فوق خشبةِ المسرح، وهذا ما جعل الأنباريّ يحظى بهذه الخصوصيّة التي تُمَيّزُه عنْ غيره من رواد المسرح العربيّ لأنهُ يُعَدُّ أوّلَ مَنْ أسّسَ صرحَ أدبيّات المسرحيّة الصّامتة، على الرغم مِنْ ما في كتابةِ النصّ المسرحيّ الصّامتِ مِن صعوباتٍ قدْ تجعَلُ في الكثيرِ مِنَ الأحيانِ مهمّةَ الإبداعِ والتميُّزِ في هذا الجنسِ الأدبيّ الجديدِ أمراً مستحيلاً، لا سيما إذا كانَ الكاتبُ غيْرَ مُتَمَرّسٍ في العمل الإخراجيّ المسرحيّ، ولا خبرة لديه فيه، وذلكَ لأنّ كتابةَ النصِّ الصّامت تقتضي بالأساس معرفةَ شروط وقواعد الخشبة والتّمثيلِ معرفةً دقيقةً، تُكَمِّلُ ما يكونُ قد تراكَم عند الكاتبِ عبر السنوات منْ ثقافةٍ مسرحيّة شاملة وعالميّة تكونُ تطبيقيّةً أكثر منها نظريّة، حتّى يستطيعَ اللّعبَ بمرونة على حبلِ الخيالِ والابتكار الجديدِ المُتجدّد والمُتحرّرِ مِنْ ربقات التناصّ المسرحيّ الذي غالباً ما يجرُّ رجلَ المسرحِ إلى اجترار ما سبقَ أنْ كتبَهُ الآخرون، أو استلهام النّصوصِ مِن تجارب أخرى عالميّة كانت أو وطنيّة أو محليّة. وكلّ هذا يعني أنّ صباح الأنباريّ قد نجحَ بخبرته العميقة ليس فقط في تجنيسِ المسرحيّة الصّامتة وإنّما في إيجاد لغة إنسانيّة عالميّة مُشْتَرَكَةٍ للتثاقُفِ والحوار البنّاء وتبادل الخبرات دون الحاجة إلى التّرجمة، لأنّ هذا النوعَ من الإبداع أثبتَ مع الأنباري، أنه الأقدَرُ على تمكينِ الإنسانِ من التواصل مباشرةً مع أخيه الإنسان كيفما كانت لغته، وديانته واعتقاده، كما الرياضيات والموسيقى بالضّبط، التي هي لغة السّماء.
(2)
الطّريق إلى الأعمال الكاملة

قد يبدو لمُتَتَبّعي إصدارات صباح الأنباري في مجال المسرح الصّامت، أنَّ البدايات كانت منذ سبع عشرة سنة فقط، أيْ حينما أصدرَ سنة 2000 (طقوس صامتة)، في حين تقولُ لائحة الجرد البيبليوغرافيّ لأعماله المسرحيّة الصّامت منها أو الصّائت، إنّ نقطة الانطلاق الحقَّة كانت سنة 1974، أيْ حينما أخرجَ مسرحية (بهلوان آخر زمان) التي ألّفها علي سالم، وأعدّها عبد الخالق جودت، وقدّمتها فرقة مسرح بعقوبة، لكن هل حقّاً تُسَجَّلُ بدايات المُبدع معَ أوّل عملٍ يُقَدِّمُهُ أو يُصْدِرُهُ؟ أعتقدُ أنّ الأمر فيه حيف وظلم ما بعده ظلم، فالبدايات لا تسجِّلُهَا الأوراقُ والكتبُ فقط، ولا العروضُ ما دمنا بالآداب المسرحيّة منشغلين في مقالتنا هذه، وإنّما تُسَجِّلُهَا الأماكنُ، والتّجَاربُ المعيشة فيها ومن خلالها منذ أن يرى المبدعُ النّورَ إلى آخر يوم في حياته الدنيويّة، وقَوْلِي هذا يُشَرِّعُ لي سؤالي الجديد عن دوْر الأماكنِ في حياة صباح الأنباري، والبدايةُ ستكونُ من بعقوبة.
وُلدَ صباح الأنباريّ حسبَ ما هو مسجّل في الوثائق الرسميّة في مدينة بعقوبة عام 1954، لكن حسبَ ذاكرة والِدِهِ فإنّ الولادة الحقّة كانت عام 1952. وبعقوبة هذه تقعُ على نهر ديالي المرتبطِ بنهر دجلة في جنوب محافظة بغداد، ويصبُّ فيه نهر الوند قربَ مدينة جلولاء، كما يحتضنُ بحيرتيْن ذواتا جمالٍ خلّاب هما حمرين ودربنديخان في محافظة السليمانية. ومن تعدُّدِ هذه الأنهار وروافدِها وبحيراتها وُلدَ اسم المدينة الثاني لبعقوبة والذي يعشقُ صباح الأنباري على وجه التّحديد أن يناديها بـهِ، وهو (مدينة البرتقال)، وقد يعترضُ بعضُ القرّاء على قولي هذا مؤكّدين أن كلّ أهل العراق يحبّونَ مناداة المدينة بهذا الاسم وليس الأنباريّ فقط، إلّا أنّني أنظرُ إلى الأمر بعين داخليّة لا تتحدَّثُ سوى بحرفِ الاندهاش المصحوب بسحريّة الجمال ورهافة الحسّ، فأنا لستُ منَ العراق كي أرى ما يراه عمومُ النّاس من هذا البلد الأثير، وإنّما مِن مغرب جبال الأطلس وأنهار أمّ الربيع ودرعة وتانسيفت، وكلّ ما يصلُنِي من بلاد الرّافدين هو جديد عليّ وعتيق في الوقت نفسه، وضاربٌ في جذور انتمائي الكونيّ لكوكبِ الرّوح وكنوزه الدّفينة، ألجُه بقلبي الطّفل وأقولُ بلسانه ما لم يقله غيري من قبل، ولذا، فإنني أرى أنّ اسم (مدينة البرتقال) وهو يُتَهَجَّأُ حرفاً حرفاً في قلب وبين يدَي صباح الأنباري لهُ وقع خاصّ فيه منَ الجمال والسِّحْر ما يحتاج إلى التوقّف أكثر فأكثر عند هذه المدينة.
بعقوبة هي بيْتُ الصّبر والدّمع والجَلَد، وهي قبلَ هذا وذاك حوضُ الذّهب، وإذ أقول هذا فإنّي أعني الأرضَ الّتي ظهرتْ فوقها خيراتُ الله متجلّيةً في حقول البرتقال والليمون والرّمَان والنخيل، والزهر والورد الفوّاح، والنباتات العطريّة من ياسمين وميرمية وعطرشيّة أو ما يسميها البعضُ بنبتة اللقلقيّ النّفّاذ، ترمزُ كلُّهَا إلى الدّفء والمحبّة والوفاء والإخلاص، لأنّ أبناءَها، ولا سيما منهم أهلَ الحرفِ والتّقوى، استمَدّوا كلّ هذه الصّفات النبيلة من عطور نباتاتِ مدينتهم وألوان زهر النارنج فيها، وعرفوا باكراً أنّ سرّ السّعادة لا يكمنُ في الاعتناء بالفراشة وأجنحتها السّاحرة، وإنما في الاهتمام بالأرض والحقل والوفاء لهُما والدّفاع عنهما بكل تفانٍ ونُكْران للذّات، حتى تؤمّهُما بعد ذلك كلّ فراشات الكون، وتصبحُ الأرضُ وطنَ النّور والعشقِ المنبعث سحرُه في كلّ القلوب. وليس غريباً أن نجد الأنباريّ قد تعلّم من مدينته الكثير، لأنه نبتَ كما شجرة البرتقال فيها، ففاح أريجه وامتدَّ إلى أبعد بقاع الله في الأرض؛ استراليا حيث يقيمُ اليوم هو وأسرتُه الفاضلة الكريمة.
وشجرةُ البرتقال البعقوبيّة حاضرة في كلّ شيء خطّتهُ يداه، بدءاً من بداياته الشّعريّة إلى نصوصه المسرحيّة الصّامت منها والصائت (10) ومروراً بنصوصه في النّقد المسرحي والشعريّ، ولعلّ أكبر دليل على ما ذهبتُ إليه هو كتابُه (الرّسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال) (11) والّذي ظهرتْ فيه بعقوبة بأبهى صورها عبر توثيق الأنباريّ لإبداعات رواد الرّسم والفوتوغراف فيها كالفنّان ناظم الجبوري، وسامي مسعد وأكرم الخزرجيّ وعدنان حسين مطر، وكذلك عبر تجلّيات جماليّة لا تجيدُ احتضانَها مدينة أخرى غير بعقوبة لأنّ لها منَ الأبناء مَن هُم وحدهم قادرون على مدّ جسور المحبّة انطلاقاً مِن مساحاتِ طبيعةِ مدينتهُم المفتوحة وفضاءاتها وحقولها وبساتينها اليانعة التي شربوا منها جميعاً إكسيرَ التمدّن والتحضّر والحوار والتآخي والتآلف مع الآخر (12) ليس فقط لأنّها قريبة من العاصمة بغداد وإنّما لأنّ حجرَ العشق والحكمة والفلسفة والعرفان كامنٌ فيها وهذا ما يبرّرُ تسميتي لها آنفاً بحوض الذّهب.
لكن ما الذي حدثَ لبعقوبة فيما بعد؟ من هشَّمَ قلبَها وأهرقَ دمعَها، وأحرقَ أشجارَهَا، وجفّفَ أنهَارَهَا؟ أينَ ذهبَ بياضُ القيمر وصفاؤه، وعطرُ الدولمة والبرياني والكباب في مطابخ البيوت البعقوبيّة الكريمة؟ بل أينهم البعقوبيّون البسطاء الّذين كانوا يتحلّقون حول المذياع لينصتوا بكلّ شغفٍ إلى مصطفى جواد وهو يطلُّ عليهم ببرنامجه الإذاعيّ اللغويّ الشيّقِ (قل ولا تقل)، وحول شاشة التلفزيون العتيقة ليتابعوا مؤيد البدري في برنامجه (الرياضة في أسبوع)، ويستأنسوا بالمسرحياتِ والمسلسلات التي خلدت في الأذهان كمسلسل (تحت موس الحلاق) ضاحكين منْ أعماق القلوب من كلّ ما كان يقدّمُه سليم البصري (حجّي راضي) وحمودي الحارثي (عبّوسي) وهُما يعالجان قضيةَ محو الأميّة لا سيما في حلقات خاصّة أذْكُرُ منها حلقةَ (تلميذ مسائي)؟ أين ذهبَ كلّ هذا البهاء والجمال والسعادة؟ الجواب يوجدُ في أعمال صباح الكاملة: إنّها الحرب تلك التي كان يحاولُ والدهُ أن يُبْعِدَ شبحَها عنهُ وعن بقيّة إخوته، وهو الرجل الذي خبِر ويلات الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ويعرفُ جيّدا ما تخلّفه الحروب كلّها بدون استثناء من دمار وخراب. لكن هيهات هيهات، فحروب بلاد الرافدين الكثيرة ابتلعتْ أهل الأنباري، ولم تتركْ له لا أبا ولا أخا ولا أمّا ولا أختا، وأذاقتهُ باكرا مرارة السّلب والحرمان والموتِ الخاطف الغادر، فأصبحَ مثله مثلَ العديد مِنَ البعقوبيين شجرةَ برتقالٍ قُطِعَتْ أوصالُهَا، ونُسِفَتْ أوراقُهَا وغُيّبَتْ شمسُها عن المدينة، ولم يبقَ أمامها سوى أن تحمل ما تبقّى مِن جذعها المُقاوِم لأوار الحقد والكراهية والتعصّب الطّائفي لتذهبَ وتغرسَه في أرض أخرى لا حربَ فيها علَّ الجذعَ يُنْبِتُ أغصاناً جديدةً تورِقُ زهراً عَطِراً وفاكهةً تسرُّ النّاظرينَ، لتحتفظَ مِن خلالها على صِلَتِها بنهر الحكمة الأمّ، وتعيدَ الحياةَ إلى حوض الذّهب ومكنوناته البهيّة.




(3)
في حضرة اليمامة والقمرية

في أرضِ المهجر (أديلايد) اختمرتْ ونضجتْ فكرةُ جمع كلّ ما أنتجَه صباح الأنباري خلال مسيرته الإبداعيّة في مجموعة شاملة هي (المجموعة المسرحية الكاملة)، وعبر منشورات ضفاف اللبنانية وصلَ الجزء الأول إلى مناطق مختلفة منَ العالم منها مصر، أرض الفنون ورواد المسرح العربيّ الأوائل، هناكَ حيثُ وُزِّعتْ العديدُ مِنَ النّسَخِ على طلّاب الدراسات العليا بقسم المسرح في جامعة طنطا باعتبار أنَّ هذا الجزءَ قد أصبح مقرّرَهم الدراسيّ لهذه السنة الأكاديميّة الجارية، وجسراً للتواصلِ بينهم وبين صباح، وبينهم وبين الجامعات العربيّة من خلال أستاذهم الدكتور سيد علي إسماعيل (13).
يتكوّنُ الجزء الأول من (المجموعة المسرحية الكاملة) من فصليْن جامعيْن هُما (المسرحيات الصوامت وأسسها النظريّة والتطبيقية) و(نصوص المسرحيّات الصوامت) الذي يضمُّ ثلاثَ مجموعاتٍ جمَعَ الأنباريّ في الأولى منها كلّ الصوامت التي صدرتْ عام 2000 في كتابه (طقوس صامتة)، وأعادَ نشرها في (كتاب الصوامت) الذي صدرَ عام 2012. أمّا في المجموعة الثانية فجمعَ كلَّ الصوامت التي صدرت في (ارتحالات في ملكوت الصّمت) بدءاً من مسرحية (الالتحام في فضاءات الصّمت) وانتهاءً بـمسرحيّة (حجر من سجّيل) (14). وفي المجموعة الثالثة أدرجَ إحدى عشرة مسرحية، اثنتانِ منها سبقَ أنْ صَدَرَتَا في (كتاب الصوامت) (15) وهُما (قطار الموت) و(عندما يرقص الأطفال)، أمّا التّسعُ الباقيات فهي نصوص جديدة نُشِرَتْ واحدة منها ورقيّاً في جريدة (تاتو) (16) وثانية رقميّاً على موقع (بصرياثا) (17) وثالثة منها ورقيّاً أيضاً في مجلّة (الجديد) (18) أمّا المسرحيات الستّ الأخرى فنُشِرَتْ كلها ورقيّاً في جريدة (العالم) عام 2014، وهي المسرحيات التي سأختارُ من مجموعها كاملة (19) مسرحية لا غير، وأعني بها مسرحية (الهديل الّذي بدّد صمتَ اليمامة) (20)، وذلك لأنّي أعتبرُهَا أكثرَ النّصوص اختزالاً للمسار الأنباريّ كاملاً، ولأنّهُ يحكي عن بعقوبة وعن شيَم الوفاء والعفاف والكفاف والغنى عنِ النّاس التي تُمَيِّزُ هذا الأديب والتي تجلّتْ في إهداءاته سواءً منها التي افتتحَ بها (المجموعة المسرحيّة الكاملة) أو تلك التي تصدّرتْ (كتاب الصوامت) أو نصّ المسرحية ذاته، وهي الإهداءات التي سأجردها كما يلي:
- في المجموعة المسرحيّة الكاملة:
((إلى الّتي لا أزال على قيد محبّتها، وإلى أبنائي... وصمتي المناهض للتهريج، والضجيج، والثرثرة العالمية)) (21)؛
- في كتاب الصوامت:
((إلى الّتي طوّقتْ بهديلها الشجيّ صمتَ انتظاري الطّويل، وفرشت ظلّ جناحها الوارف على ملكوتي الدّرامي، إلى زوجتي لول (كما يحلو لي أن أسمّيها)، أهدي هذا السّفر من الصّوامت)) (22)؛
- في مطلع مسرحية ((الهديل الّذي بدّد صمت اليمامة):
((إلى اللائي انتظرن عودة يمامهن طويلاً. وإلى زوجتي مع خالص الهديل)) (23).
الجميل في هذه الإهداءات التي تفيضُ محبّة وإخلاصاً وسمواً واحتراماً لشريكة العمر والحياة هوَ حرصُ صباح الأنباري الشّديد على الدقة في اختيار الكلمات ومعانيها، فهو لمْ يستخدم كلمة (الحمام) مثلاً، وإن كانت تدلّ على معاني لطيفة ساميةً أهمّها السلام والاطمئنان الرّوحيّ، ولكنّه انتقى مصطلحَ (اليمام) ليخاطبَ زوجتَهُ والقرّاءَ من خلالها داعين إياهم للتعمّق في فحوى نصوصه، وذلك لسعة وغزارة ثقافة هذا الأديب ومعرفتهِ للفرق بين كلا النّوعين من الطّيور، وهذا ما يؤكّده جمعه بين اليمام والهديل والصّمتِ، ليلخّص المعنى الحقيقيّ لمسرحياتهِ الصّامتة.
اليمامُ في عرف المختصّين بعلم الطيور (Ornithology) أشدّ وفاء وإخلاصاً من الحمام، وأكثر حبّا للحريّة، لذا، فإنّه منَ الصّعب جدّا قنصُه، إضافة إلى أنه لا يطيق أن يستسلم للإنسان ليروّضَهُ على العيش حبيسا بين الجدران، وإذا حدثَ وحُبِس فإنه لا يفرّخ إلا نادراً، وإذا أفلت من سجنه فإنه لا يعود إليه أبداً، ويحبّ الهجرةَ كثيراً بحثاً عن أوطان أكثر أماناً واستقراراً، وإذا عشقَ كثُر هديل ذُكْرانِه.
وفي اللغة العربية لا يوجدُ مذكّر مصطلح "اليمام"، إذ اليمامة كما الحمامة والنملة والنحلة ونحو ذلك تطلقُ على الذكر والأنثى، فإن قصدوا التمييز بين الذّكَر والأنثى ميزوا بينهُما بوصف كأن يقولوا نحلة ذكر مثلا، أما اليمام فقد وضعوا لأنثاه اسماً خاصّاً بها هو القمرية. وبناء على هذا التمييز بين الجنسين فإني أجدُ نفسي بين يمامة وقمرية: يمامة هي صباح الأنباري وقمرية هي حبيبتُه (لول) كما يعشقُ أن يسمّيها، ولهذا فإنّ من يقرأ للأنباري بعينِ المحبّة لا بدّ سيجدُ زوجتَه وقمريتَهُ السّيدة لميعة الناشئ حاضرةً بشكل أو بآخر في كلّ نصوصهِ الصّامت منها والصّائت (24). وهكذا يصبحُ جليّا لماذا اختار نصّ (الصّمت الذي بدّد هديل اليمامة) وأهداهُ لها بكلّ تفانٍ ومحبّة، لأنهُمَا معاً معنيان أكثرَ من غيرهما بما عانته المرأةُ العراقية ومازالت من ويلات الحرب التي قصمتْ ظهرها، ورمّلتها، وتركتها عرضة لوحوش الغاب وللعزلة والحزن والقهر والاكتئاب. 
والحربُ في نصّ هذه المسرحية تُعَدُّ الحدثَ الرّئيس الذي تلتقِي حولهُ الشّخصياتُ (25) وتتفجّرُ عبره الصّراعات ولحظاتُ التوتُّر والتأزُّم لتضفيَ عليهم جميعاً حضوراً مسرحيّاً يشُدُّ بشكلٍ أكثرَ عمقاً بصرَ الجمهور، مخترِقاً فكرَهُ ووجدانَهُ، وواضعاً إيّاهُ أمامَ الوجهِ الحقيقيِّ للحرب، بالضّبط كما فعلت مارغريت ميتشل مِنْ خلال روايتها (ذهب مع الرّيح) التي كانت تقرأها من حين لآخر بطلةُ مسرحيّة الأنباريّ. 
ولمْ يكتفِ الأنباري بالحربِ كحدث قامَ بِمَسْرَحَتِهِ على الخشبة، وإنما كواقعةٍ للكشفِ النّفسيّ عبر تقنية العزل والانتقاء، والتي أعني بها ذاك المجهود الذي بذله الأنباريّ لينتقي من حدث الحرب عنصرا واحداً هو المرأة ليتمكّنَ منْ معالجة علاقتِها بتداعيات الحرب بشكلٍ مكثَّفٍ ومُخْتَزَلٍ حتّى يضمنَ سرعةَ وصول رسالته إلى الجمهور والتأثير المباشر فيه، دون المبالغة في الإثارة العصبيّة للمُشاهد كيْ لا يصرفَه عن الالتفات إلى المعاني الإنسانيّة والمظاهر الفنيّة في المسرحية من رسم للشخصيات، وبناء فنّيّ متكامل لها، وإضاءةٍ وأصوات وما إليها.
وفي مقابل حدث الحربِ، يَظهرُ في هذه المسرحية حدث آخر لا يقلُّ أهمّية عن الحدث الأول، وأعني به الدّعوةَ إلى السّلام والوئام بين بني البشر من خلال عنصرٍ على قدر عالٍ من الرّقيّ والأناقة والوسامة الفنّية، وهو هديلُ اليمام، والذي ما هو في الحقيقة سوى هديل صباح الأنباريّ نفسه الموجّه للنّاس أجمعين، فهو الدّاعي إلى العفاف والمحبّة، وإلى الوفاء والسّلام عبر كلّ نصوصه القديم منها والجديد، السّلام الذي هو لغة الصّامتين، المُبتعدين عن ثرثرة العالم، وغباء وضجيج أهل الاستكبار والاستعلاء.
سيبقى الأنباريّ شاهداً على زمنه من خلال تجاربه الغنّية، ومسرحياته الصّامتة التي اخترقتْ حجب العوالم، وأدخلتِ القارئَ والمتفرّجَ على حدّ سواء إلى حضرة البَصَر والبصيرة ليعثُرَ فيها كلّ واحد على يمامته أو قمريته، ويهدلَ معهُ أو معها أنشودة السّلام الأبديّ، لذا فإنّي أقولُ ختاماً: لا تصدّقوا هذا الهرمَ إذا ما أصدر أعمالَه الكاملة مُعلناً ختامَ المشوار المسرحيّ، لأنّه بكلّ اختصار، رجلُ الورشات الكبيرة المفتوحة إلى ما لا نهاية، وما زال في جعبتهِ الكثير، ونصُّهُ الصّامت الأكبر والأهمّ مازال في الطّريق، فانتظروه، وانتظروا هذه اليمامة ذات الهديل السّاحرِ الشجيّ.

الهوامش:
(1) صباح الأنباريّ، المجموعة المسرحية الكاملة (ج1)، ط1،  منشورات ضفاف، لبنان، 2017.
(2) - طقوس صامتة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2000؛
- ليلة انفلاق الزمن، اتحاد الكتاب العرب – دمشق، 2001؛
- البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002؛
- ارتحالات في ملكوت الصمت، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2004؛
- المخيلة الخلاقة في تجربة محيي الدين زنكنة الإبداعية، منشورات مجلة بيفين، السليمانية، 2009؛
- المقروء والمنظور... تجارب إبداعية محدثة في المسرح العراقي، دار سردم للطباعة والنّشر- السليمانية، 2010؛
- المكان ودلالته الجمالية في شعر شيركو بيكس، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011؛
- قاسم مطرود في مرايا النقد المسرحي، دار نون للنشر والإعلام، القاهرة، 2011
- تجليات السرد وجمالياته في قصص محيي الدين زنكنة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2011؛
- كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012؛
- التأصيل والتجريب في مسرح عبد الفتاح قلعجي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2013؛ 
- محيي الدين زنكنة / الجبل الذي تفيأنا بظلاله الوارفة، منشورات مهرجان كلاويز السابع عشر، السليمانية، 2013؛
- شهوة النهايات / ثلاث مسرحيات عراقية صائتة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2013؛ 
- الرسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال، قوس قزح للطباعة، كوبنهاكن الدينمارك، 2014؛
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين، دار ضفاف / بيروت، 2014؛ 
- مذكرات مونودرامية / نصوص مسرحية صامتة، دار ضفاف / بيروت، 2015.

(3) انظر كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 185.
(4) المصدر نفسه، ص 191.
(5) المصدر نفسه، ص 206.
(6) المصدر نفسه، صص 213-233.
(7) المصدر نفسه، صص 234-266.
(8) ألّف صباح الأنباري عن محيي الدّين زنكنه في النّقد المسرحيّ أربعة كتب هي:
- البناء الدرامي في مسرح محيي الدّين زنكنه، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، العراق، 2002؛
- المخيّلة الخلاقة في تجربة محيي الدّين زنكنة، منشورات مجلة به يفين (10)، 2009؛
- تجلّيات السرد وجمالياته في قصص محيي الدّين زنكنه، ط1، دار الشؤون الثقافية العامّة، 2011؛
- ثمّ محيي الدّين زنكنه، الجبل الذي تفيّنا بظلاله الوارفة، مطبعة دلير، من مطبوعات مهرجان كلاويز السّابع عشر، 2013.
(9) - صباح الأنباري يتحدث لـ (الزمان) عن المسرح الصامت، (الزمان)، لندن، 10/ 7/ 2009؛
- حوار مع الكاتب المسرحي والناقد صباح الأنباري، (الدستور)، العراق، 1/12/2003؛
- ثمّ صباح الأنباري بين هواجس الكتابة والتمثيل والإخراج، (أشنونا)، العراق، 20 / 10 /2001، وغيرها من العشرات من اللقاءات.
(10) انظر مسرحية (الهديل الذي بدّد صمت اليمامة) والتي ظهرت فيها بعقوبة من خلال الحمولة الرمزية العالية لكأسيْ عصير البرتقال الموضوعـتين فوق المنضدة التي تجلس إليها الشخصية الرئيسة: كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 101.
(11) الرسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال، قوس قزح للطباعة، كوبنهاكن الدينمارك، 2014.
(12) انظر في هذا الإطار صورة الأنباري (داخل صالة التصوير) وهو يجلس على مقعد مرتفع في شهره السادس وإلى جانبه فتاة كردية تضع يدها البيضاء الكريمة على صدره الصغير بكلّ محبّة وحنان: (الصورة موجودة بموقعه الرسميّ، وتحمل رقم 54).
(13) يشهد العديد من رجال ورواد المسرح العراقي المعاصر للأستاذ د. سيد علي إسماعيل بما يبذله من جهود حثيثة بكلّ محبة وإخلاص من أجل إعلاء صرح هذا الفن والوصول به إلى أكبر عدد من الجمهور والمتتبعين منَ البحاثة والنّقدة، وأذكر له شخصيّاً بكلّ تقدير ومودة واحترام ماقام به تجاه مشروع (فوبوس وديموس) للمسرحيّ العراقي ميثم السّعدي حينما جعلهُ ضمن المنهج الدراسي لطلبته في قسم النقد بكلية الآداب (جامعة حلوان / جمهورية مصر العربية)، وأصبح أيضا معتمدا في امتحانات الجامعة السنوية، وهو المشروع ذاته الذي سبق أن ألّفتُ عنهُ كتاباً نقديّاً بعنوان (ميثم السعدي وثنائية العرض المسرحي)، وصدر في بغداد، عن مطبعة تنوير عام 2016.
(14) وهي موجودة أيضا في (كتاب الصوامت)، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، صص80-148.
(15) المصدر نفسه، صص 157-166.
(16) مسرحية (الموت بين يدي القصيدة) عدد تموز 2014.
(17) مسرحية (جرذان سود وشمس بيضاء)، آذار 2015.
(18) مسرحية (دولة السّيّد وحيد الأذن)، عدد جزيران 2016.
(19) يبلغ عدد المسرحيات المنشورة في هذا الجزء الأول من المجموعة المسرحية الكاملة خمساً وعشرين مسرحية.
(20) صباح الأنباري، (الهديل الذي بدّد صمت اليمامة) من المجموعة المسرحية الكاملة، منشورات ضفاف، بيروت، 2017، ص 115.
(21) المصدر نفسه، ص5.
(22) صباح الأنباري، كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 5.
(23) المصدر نفسه، ص 100، وفي المجموعة المسرحية الكاملة، ص 115.
(24) انظر على سبيل المثال لا الحصر: صباح الأنباري، ليلة انفلاق الزمن، اتحاد الكتاب العرب – دمشق، 2001، صص 8-28-29.
(25) امرأة في الثلاثين ورجل الظلّ ثمّ الرجال الثلاثة.



عروض وندوات في مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة

مجلة الفنون المسرحية


عروض وندوات في مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة


الشارقة - العرب

 تنظم إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة الدورة الثالثة من مهرجان المسرح الصحراوي، في الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر المقبل في منطقة الكهيف.

وتشارك عروض من الإمارات وموريتانيا والمغرب وسلطنة عمان في الدورة الجديدة من التظاهرة، المكرسة لنوع من المسرح يستلهم موضوعاته وحلوله التقنية من البيئة الصحراوية، ويستند فنيا على عناصر مثل السرد والربابة والتشخيص وسواها من أشكال التعبير الفني التي طورتها مجتمعات الصحراء العربية.

وعقدت اللجنة المنظمة للمهرجان اجتماعا بقصر الثقافة في الشارقة برئاسة أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح بالدائرة ومدير المهرجان وبحضور رؤساء وأعضاء اللجان الفنية، وقد تم خلاله التأكيد على اكتمال جميع التحضيرات الخاصة بالضيافة والإعلام الورقي والإلكتروني، وخاصة منها ما يلي: موقع المهرجان ولوازمه التقنية المتعلقة بالإضاءة والصوت، سواء للعروض أو للأنشطة الثقافية المصاحبة من ندوات ومسابقات.

وصمم موقع المهرجان حتى يماثل بنائيا قرية صحراوية، وقد توسطته منصة تقديم العروض، توزعت من حولها الخيام ومصادر الضوء والصوت، إضافة إلى مداخل الاستقبال والأنشطة الأخرى.

وقال أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام، إن “المهرجان يحظى بدعم حاكم الشارقة ويسترشد بتوجيهاته ورؤاه في تطوير الفن المسرحي، وذلك بالارتكاز على المرجعية الثقافية العربية واستعادة ما تكتنزه من أنماط حكائية وأدائية ثرية، وتسليط الضوء على ما تضمنه من قيم وتقاليد وأعراف النبل والأصالة، عبر الاشتغال المسرحي البنّاء والرشيد، ومن خلال الوسائل والأدوات المبتكرة، التي تعمق من وقع جمالياتها ودلالاتها وتحببها لجمهور اليوم وتضمن لها مكانها ومكانتها في فرجات عصرنا”.

وبيّن بورحيمة أن “فكرة المهرجان وجدت ترحيبا واسعا من قبل الفاعلين المسرحيين في كل مكان، وخاصة المتطلعين منهم إلى استكشاف إمكانيات وتحديات جديدة تثري الممارسة المسرحية المعاصرة”، مشيرا إلى أن الدورة الجديدة ستشهد حضور العديد من الأسماء المسرحية العربية، الراسخة والشابة من الإماراتيين والعرب.

وينظم المهرجان في يومه الأول “اللقاء التعريفي” الذي يجمع الفرق المشاركة ووسائل الإعلام، وفي كل ليلة من لياليه يحتفي المهرجان بالثقافة الصحراوية للبلدان المشاركة في حين تحفل روزنامة الأنشطة المصاحبة بالعديد من البرامج ذات الطابع النظري، ومن أبرزها المسامرة الفكرية التي ستأتي بعنوان “مضامين المسرح الصحراوي وأساليبه: بين الكائن والممكن” بمشاركة نخبة من المسرحيين العرب.

كما سيتم تنظيم ندوات تطبيقية تعقب تقديم العروض مساء كل يوم، فضلا عن معارض فلكورية يومية تعكس جانبا من ملامح الثقافة الصحراوية لدى البلدان المشاركة، كما يدشن المهرجان أول كتاب حول فكرته، تحت عنوان “المسرح والصحراء” ويتضمن مداخلات ورؤى حول تجربة المهرجان ومستقبله، إضافة إلى قراءات في بعض عروضه وفعالياته السابقة.

عبد الحق الزروالي: المسرح كان ضحية «الربيع العربي»

مجلة الفنون المسرحية

عبد الحق الزروالي: المسرح كان ضحية «الربيع العربي»
المسرحي المغربي يشكو طغيان وسائل التواصل الحديثة وهيمنة كرة القدم


عبد الكبير الميناوي - الشرق الأوسط 

يعتبر عبد الحق الزروالي، اليوم، أحد أبرز المسرحيين المغاربة الذين استطاعوا فرض حضورهم حتى خارج البلد، بعد أن اقترنت تجربته بـ«المسرح الفردي»، عبر عشرات الأعمال المتميزة، من قبيل «جنائزية الأعراس» و«رحلة العطش» و«عكاز الطريق» و«سرحان المنسي» و«زكروم الأدب» و«افتحوا النوافذ» و«كدت أراه» و«كرسي الاعتراف».

في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، يستعيد الزروالي بداياته الفنية، مستعرضاً اختياراته المسرحية، متحدثاً عن انخراطه في تجربة «المسرح الفردي»، منتهياً إلى أن المسرح العربي كان أول ضحية للهزات التي عرفها العالم العربي في السنوات الأخيرة (الربيع العربي)، مشيراً إلى أن طغيان وسائل التواصل الحديثة وهيمنة كرة القدم قلصا من هامش متابعة المسرح الذي «كان قدره، عندنا، منذ بداياته، أن يمارس كرد فعل وليس كفعل». وفيما يلي نص الحوار:



* متى بدأت مسيرة عبد الحق الزروالي المسرحية؟

- بدأت في 1961، بفاس، مسقط رأسي. كنت وقتها طفلاً صغيراً قادته الصدفة إلى أداء دور مسرحي، بعد أن اختارني صديق للعائلة، كان يعشق المسرح، ويشتغل به، لأداء دور رئيسي في عمل مسرحي، بعنوان «في سبيل الوطن».

يمكن القول إن هذا الدور جعلني أكتسب عشقاً مفرطاً للمسرح، إلى الحد الذي تداخلت فيه الأشياء في داخلي، حتى أنني لا أعرف هل أنا أحيا في التمثيل أم أمثل في الحياة. تداخلت عندي الأشياء، وقتها، فصرت أقرأ الكتب في خزانات المدينة، مع حرص على مشاهدة العروض المسرحية وتتبع الأخبار الفنية، والبحث في تاريخ الممارسة المسرحية، مغربياً وعربياً وعالمياً؛ الشيء الذي ضخم لدي الشعور بالمسرح. اشتغلت، في البداية، في «فرقة التوحيد الفني»، قبل أن تتشتت في 1965، فأسست، إلى جانب عدد من المسرحيين، «فرقة البراعم»، التي اشتغلنا فيها تحت رعاية الأديبة خناثة بنونة. بعد ذلك، عملت ضمن «فرقة المسرح الشعبي»، التي حققنا بها نجاحاً وطنياً، بعد فوزنا في 1968 بجائزة مسابقة، كان يرأس لجنة تحكيمها المسرحي الكبير الطيب الصديقي.

* من المعروف أنكم تحتفظون للمسرحي الراحل الطيب الصديقي بتقدير لافت؟

- هو أستاذي وقدوتي. شاهدت له، منذ 1967، أعمالاً كثيرة. كنت أقول إنه إذا كان علي أن أمتهن المسرح فإن علي إما أن أشتغل في مستوى مسرحه، باعتباره مسرحاً بمستوى عال، عربياً وعالمياً، أو أن أمارس شيئاً آخر. لذلك، حرصت على أن أكون كنحلة في بستان، تأخذ من كل نبتة ما تراه مناسباً، لكي تكتمل عندها في المساء تلك القطرة من العسل، التي تسعى إلى المساهمة بها في مملكة النحل.

* عرفتم، أكثر، من خلال تجربة «المسرح الفردي».. كيف جاءت هذه التجربة، التي تميزتم بها، مغربياً وعربياً؟

- بعد تشتت «فرقة البراعم»، في 1967، صار لدي شعور بأنني أتعذب مع كل الفرق التي أجد نفسي أشتغل تحت لوائها، كممثل، أنا الذي كنت أمثل نصوصاً لم أكتبها، وأخضع لمخرجين بالشكل الذي أجد فيه صعوبة في التناغم مع باقي الممثلين. أذكر، في هذا الصدد، أن قلبي تعلق، في فترة المراهقة، بصبية فاسية، وقد كانت فاتنة، من عائلة ميسورة، على نقيضي. وصادف أنني قرأت رواية «مجدولين» لمصطفى لطفي المنفلوطي، فأحسست كما لو أنها كتبت من أجلي، فتماهيت مع مضمونها، إلى درجة أنني أعدت قراءتها مراراً، حتى حفظتها؛ فصرت أقدم مقاطع منها في مناسبات معينة، من دون أن أكون على دراية مسبقة بشيء اسمه «المسرح الفردي».

* بعد ذلك، ستتكرس تجربتكم مع «المسرح الفردي»، مغربياً وعربياً؟

- أذكر الدورة الأولى لأيام قرطاج المسرحية بتونس، في عام 1983، حيث شاركت بمسرحية «جنائزية الأعراس»، إلى جانب عدد من المسرحيين العرب، عبر أعمال أثارت دهشة وانتباها وجعلت منا «رؤوس فتنة». قبل ذلك، في المغرب، ساهمت في تجربة «مسرح الهواة»، من 1968 إلى 1975، وكانت تلك أزهى فترة في تاريخ المسرح المغربي، عرفت تجارب رائدة بالمقياس العالمي. للأسف، كانت هناك سياسة رأت أن «مسرح الهواة» يشكل نوعاً من الخطورة، وأنه أداة توعية وفضح لكثير من التشوهات ذات البعد الاجتماعي والسياسي، وللظلم والقمع. كان «مسرح الهواة» قيمة إبداعية، أعطى ممثلين ومؤلفين ومخرجين كباراً. بعد الحضور والهالة التي صارت لـ«مسرح الهواة»، صدر قرار بضرورة وقف زحف هذه التجربة. لقد كنت حاضراً في هذه المحطة الجميلة من المسرح المغربي، إما كممثل، أو كمساهم ببعض النصوص، من قبيل «صالح ومصلوح».

أشير في هذا السياق، إلى أنني اشتغلت بالصحافة، حيث حاولت أن أزاوج بين عملي في جريدة «العلم» والممارسة المسرحية. عملت بنفس الروح في كلا المجالين. المسرح يبقى أبو الفنون، وهو شيء تأكد في تجربتي؛ فمسرحية «افتحوا النوافذ»، هي نصوص نشرها عبد الرفيع الجواهري في الصحافة قبل أن أحولها إلى الخشبة، وكانت من أجمل أعمالي. أيضاً، ديواني «نشوة البوح» وجد طريقه إلى الخشبة، وكذلك كان الحال مع روايتي «الريق الناشف». أرى أننا كلما اشتغلنا على الأجناس الأدبية الأخرى، برؤية إخراجية وبتصور سينوغرافي، وبتناغم بين المكونات الذاتية للمبدع، كان النجاح حليفنا. هذا التعدد في تجربتي، كان عنصر إخصاب وإثراء لمفهومي لمعنى الكتابة والتواصل مع الجمهور، ولدور الكلمة في سياق مكونات العرض الأخرى. فالمسرح ليس رواية تقرأ، أو شعراً يلقى. إنه الصناعات كلها، تقريباً، حيث نكون مع النجارة والحدادة والخياطة والصباغة. وهو الأجناس الأدبية كلها، كما أنه العلوم كلها، من علم النفس إلى علم الاجتماع، علاوة على أن هناك حاجة إلى الوعي بدور الدين والفلسفة في الحياة، من جهة أن كتابة حوار لشخصية في نص مسرحي تحتاج إلى إدراك عميق وقدرة على أن نكلم كل شخصية بلغتها وقاموسها وتركيبتها النفسية؛ وهنا تكمن خطورة العمل المسرحي. في 1976، تساءلت: هل آن الأوان لكي أترك الصحافة لاحتراف المسرح؟ حدث انشطار وصراع في داخلي، فقلت لماذا لا أكتب مسرحية فردية، أشتغل عليها وحدي، فيما أمارس الصحافة كمهنة للعيش والحضور اليومي بين الناس، ومن حين لآخر، أحمل أمتعتي للعمل المسرحي. وكان أن كتبت «الوجه والمرآة»، التي قدمتها في مهرجان شارك عدد من المسرحيين المغاربة، لتنطلق الانتقادات، التي اعتبر أصحابها أن ظاهرة «المسرح الفردي» تدمر العمل الجمعوي وأنها مدعومة من أجل قتل «مسرح الهواة». كان ردنا أن ما نقوم به هو مكون من مكونات المشهد العام للمسرح، وأنه محاولة للإفلات من قبضة الأزمة، وليس تعويضاً أو تكريساً لها.

* اليوم، بعد هذا المسار الفني الحافل، كيف يستعيد عبد الحق الزروالي شريط السنوات الماضية، من حياته وتجربته؟

- تواصلت تجربتي، إلى اليوم، بنحو ثلاثين عملاً مسرحياً، كتابة وإخراجاً وأداء وحضوراً، محلياً وعربياً. أنا لا أتباهي، الآن. لكنني أحاول أن أرسم إشارة تبين أن الانتماء للمسرح هو مسألة الكل للكل، بحيث لا يبقى لك لا الوقت ولا التفكير في شيء آخر. كان علي أن أتميز عن الآخرين بحاجة واحدة، وهي قدرتي على الصبر والتحمل، لذلك كنت أقود سيارتي الصغيرة، حاملاً ديكوراتي، متجولاً داخل المغرب أو في البلدان العربية. هذا الهوس والجنون والحماس القوي والعشق المفرط للمسرح هو الذي يترك هذا الزروالي البسيط يعطي كل هذا المنجز المسرحي، بثلاثين عملاً فردياً ونحو 15 عملاً جماعياً. أحس بأنني كنت جديراً بالانتماء للمسرح. صحيح أن المسرح لم يمنحني كل شيء، لكن، يكفي أنه أعطاني حباً وحضوراً. لا ندماً. لقد شاركت في أكبر المهرجانات المغربية والعربية والعالمية، كما تجولت في البوادي والأسواق الشعبية المغربية، حيث قايضت المسرح بالبيض والعسل والدجاج والقمح؛ وقدمت عروضاً في السجون، حيث كان يشترط علينا ألا تكون بيننا ممثلات حرصاً على مشاعر المحبوسين؛ وفي المستشفيات، كان يطلب منا ألا تكون عروضنا ضاحكة، حفاظاً على صحة المرضى.

* تحدثتم عن تجربة «مسرح الهواة»، بشكل أعادنا إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي، حين انتشر مفهوم الالتزام. كيف يمكن تناول هذا المفهوم، بين الأمس واليوم؟ وكيف واكبتم، شخصياً، هذا التحول؟

- لقد تربى المسرح المغربي في مرحلة ما بعد الاستقلال. قبل ذلك، حاولت المضامين أن تجعل المسرح أداة لمناهضة الاستعمار، وبالتالي وسيلة لخدمة قضايا الوطن والشعوب. كانت البداية مسيسة. استقلت الأقطار العربية، تباعاً، وحين وجد المسرح نفسه أمام أنظمة فاسدة، واصل العناد ضد مظاهر الفساد والهيمنة والقمع والطغيان، فتقوي البعد السياسي في التجارب المسرحية إلى حد أن الجانب الإبداعي في المسرح أصبح ضعيفاً، بحيث يكفي أن تغضب وأن تشتم لكي يصفق لك الناس. وهم يصفقون على جرأتك لا على قيمتك الأدبية والفنية. وقع خلط. وقد كنت أقول إن الرهان على البعد السياسي أو الشعارات يجعلك محصوراً في بعد متحول ومتجدد، وأن علينا أن نراهن على الإبداع مع تضمينه لمحات وتلميحات سياسية وانتقادات تخدم الإبداع، لا العكس؛ وأن علينا ألا نسقط في الالتزام بشكل مباشر. الأنظمة ساهمت، هي، أيضاً، في ذلك من منطلق تبني مجموعة من الأعمال ذات الطابع التهريجي الفج السخيف، فدعمتها بوسائل إعلامها الرسمي لكي تجعل منها النموذج الأمثل. ولذلك، ظل هناك صراع بين تجارب مرتمية في أحضان الأنظمة ومسرح يؤمن بقيمة المسرح في التغيير والنضال. وفي الحالتين معاً كان الضرر يلحق بالمسرح.

وإضافة إلى الأحزاب التي كانت في الحكم، على صعيد العالم العربي، لا ينبغي أن ننسى أن أحزاب وتيارات المعارضة، كان لها، هي أيضاً، دور سلبي، حيث إنها استخدمت المسرح ولم تخدمه حين أتيحت لها فرصة ممارسة تحمل مسؤولية القرار السياسي.

فيما يخصني، تحولت، في المرحلة الأخيرة، بعد مسرحية «كدت أراه»، في 2003، التي اشتغلت فيها على كتاب «المواقف» للنفري، والتي كان لها مفعول الحدث والدهشة على الصعيد العربي، إلى زروالي آخر. يمكن القول إنني بقيت وفياً للالتزام، لكنني سعيت إلى أن أكون صانع فرجة وفرح، قبل كل شيء.

* ماذا عن حالة المسرح المغربي، بشكل خاص، والعربي، بشكل عام، في الوقت الراهن؟ وأية آفاق يمكن استشرافها؟

- لقد تضرر المسرح العربي من الهزات التي عرفها العالم العربي، في السنوات العشر الأخيرة، حيث تقلصت مساحة المهرجانات، بشكل أفرز تراجعات على مستوى الحضور المسرحي. أضف إلى ذلك طغيان وسائط التواصل الحديثة، التي صارت تتلف ما تبقى من اهتمام، فأصبح المتلقي، الذي هو أساس المسرح، يبتعد أكثر فأكثر؛ فضلاً عن هيمنة كرة القدم، حيث إننا ما إن ننتهي من كأس العالم، حتى ننتقل لمتابعة كأس أوروبا أو أفريقيا، أو غيرها من المسابقات الوطنية أو الدولية، بحيث تجد كل المقاهي ممتلئة عن آخرها بالمتفرجين، معظم ساعات اليوم، بل إن هناك من يقتل وقته في متابعة مباراة معادة قد يكون مر عليها عام أو أكثر، وذلك على نقيض ما يحدث في الغرب، حيث نلاحظ كيف أن المسارح، في فرنسا، مثلاً، تشتغل في نفس توقيت مباريات المنتخب الفرنسي لكرة القدم. صحيح أن هناك مبادرات عربية، من قبيل ما تقوم به الشارقة، وبعض الأسماء التي ما زالت تناضل، لكن الواقع يقول إن المسرح، مغربياً وعربياً، يعرف تراجعاً، بفعل دوامة من الانشغالات والمشكلات والتأثيرات السلبية، من كل جانب. لقد كان قدر المسرح، عندنا، منذ بداياته، أن يمارس كرد فعل وليس كفعل. في زمن الاستعمار مورس ضد الاستعمار. بعد ذلك مارسناه ضد القمع. نريد، فقط، أن نصل، يوماً، إلى ممارسة المسرح كفعل وليس كرد فعل. عندما نمارس المسرح كفعل، بقواعده وهدوئه ورزانته، من دون أن نكون أدوات لتبليغ رسائل، آنذاك سنحس بنشوة المسرح.

الأحد، 29 أكتوبر 2017

فولتير وروسو يتخاصمان على خشبة المسرح

مجلة الفنون المسرحية

فولتير وروسو يتخاصمان على خشبة المسرح

 أبو بكر العيادي - العرب

“فولتير وروسو” مسرحية تستعيد الخصومة التي نشبت بين عبقريين من عباقرة القرن الثامن عشر، بين فولتير الخطيب المفوه والناقد اللاذع والأرستقراطي المهذب، وجان جاك روسو المفكر الموزع بين مثله الأخلاقية السامية وصعوبة عيشه في مجتمع البشر.

لا تزال الخصومة بين فولتير المناهض للكنيسة والداعي إلى التسامح، وبين روسو المدافع عن المساواة بين البشر والتائق إلى عقد اجتماعي ينظم علاقتهم بعضهم ببعض يرتد صداها حتى الآن في الوسط الثقافي الفرنسي، وقد استوحى منها جان فرنسوا بريفان مسرحيته الجديدة، واكتفى باسمي العبقريين عنوانا لها “فولتير – روسو” بتسبيق الأول أي فولتير(1694 /1778) لكونه أكبر سنّا من خصمه روسو (1712-1778).

والرجلان يختلفان في كل شيء (باستثناء سنة الوفاة) بدءا بالنشأة، ففولتير (واسمه الحقيقي جان ماري أرويه) ولد في عائلة برجوازية وحظي بما يحظى به أبناء الموسرين من تعليم ورفاه، ولكنه نفي إلى إنكلترا بسبب نقده اللاذع للكنيسة، ورغم أنه اكتشف في منفاه الإنكليزي الممارسات الديمقراطية لذلك البلد، فقد دفعه حب التشريفات إلى مخالطة الملوك إثر عودته من المنفى، من لويس الخامس عشر إلى فريدريخ الثاني ملك بروسيا الذي اعتبره “طاغية مستنيرا” لشغفه بالفلسفة، وليس غريبا أن يتماهى مع البرجوازية الثقافية ويخص الكنيسة الكاثوليكية بمقالاته اللاذعة حتى صار يلقب بالملك فولتير.

أما روسو فقد رأى النور في عائلة بروتستانتية متواضعة بجنيف، وعرف التشرد في صباه قبل أن تحتضنه عائلة برجوازية في منطقة شامبيري، ثم انتقل إلى باريس وتعرّف إلى دالمبير وديدرو، ولم تتجل موهبته إلاّ بعد أن شارف الأربعين عندما نشر كتاب “خطاب في العلوم والفنون”، تأسيسا لمنظومة فكرية ستكون سببا في ذيوع صيته.

ولئن كان فولتير جسورا جريئا حامي الطبع، فإن روسو كان ذا حساسية مفرطة، ينزع إلى التأمل وحيدا، ليؤكد أن الإنسان خيّر بطبعه وما انحرف إلاّ بسبب الحضارة والمدنية، وأن ظهور حق الملكية هو مصدر كل الشرور، ومن ثَمّ يدعو إلى إقرار الديمقراطية، ومساواة الجميع أمام القانون، بفضل عقد اجتماعي يشرف عليه شعب ذو سيادة مطلقة.

وكان أن قابل فولتير تلك الأفكار بسخرية، لا سيما تلك التي تتعلق بآداب الطبقة الأرستقراطية، لصلته المتينة بالملوك والميسورين، وندد بإدانةِ روسو الراديكاليةِ للفوارق الاجتماعية، ثم تصاعد الخلاف تدريجيا عبر رسائل نارية متبادلة حتى عاب فولتير على خصمه إهماله لأطفاله الخمسة، فتأثر روسو تأثرا بالغا دفعه إلى تأليف كتاب “الاعترافات”.

فولتير كان جسورا جريئا، في حين كان روسو ذا حساسية مفرطة، ينزع إلى التأمل وحيدا، ليؤكد أن الإنسان خير بطبعه
وتنطلق مسرحية “فولتير – روسو” عام 1765، حين طُرد روسو من سويسرا وجاء يزور فولتير في مسكنه بفيرني وسط فرنسا، ولم يكن له من غاية سوى التأكد ما إذا كان مؤلف “كانديد” هو صاحب المقالة الهجائية المجهولة التي اتُّهِم فيها بإهمال أطفاله الخمسة وتركهم في مستشفى عمومي.

تبدأ المسرحية في شكل كوميديا بوليسية مثيرة تتخللها تقلبات مفاجئة قبل أن تتحول إلى خصومة فلسفية، من خلال جدل حام وشجار أشبه بشجار الأزواج يتبادل الرجلان البارزان الشتائم، ويتقاذفان الأطباق وقطع الأثاث، ويتنازعان الأفكار عن التربية والله والمساواة والحرية والمسرح.. فيكتشف المتفرج ما يفرّق ويوحّد هذين العملاقين من رؤى سابقة لعصرهما، سوف تجني منها الإنسانية فوائد جمة، وهي رؤى ناجمة عن نفس المشغل الفكري: الإنسان وتطور المجتمع.

والخلاف بينهما كما يتبدى في هذه المسرحية ناجم عن الفرق العميق الذي يتمثلان به العالم، والإنسان، والمبادئ الكبرى التي يقوم عليها المجتمع، ورغم اهتمام كل واحد منهما بما ينشره الآخر، ومتابعته والتعليق عليه، فإنهما لم يتفقا على شيء، فكلاهما كان صورة حية لما ينبذه الآخر.

ولئن كانت وضعية الانطلاق متخيلة، فإن فحوى الجدل الذي دار بينهما، واتخذ وجه الخصام الحاد، مستمد في الغالب من أعمالهما، كان فولتير في الواقع يعيب على روسو ارتكابه قدرا كبيرا من الرذائل والجرائم أفظعها في رأيه عدم احترامه الدين.

ويذكر المؤرخون أن فولتير كان نشر في جنيف عام 1764 مقالة لاذعة غير موقعة بعنوان “شعور المواطنين”، يصف فيها روسو بالمهرج ويتهمه بالإساءة إلى الديانة المسيحية، قائلا “أن تكون مسيحيا وتريد تدمير المسيحية، فذلك ليس كفرا فقط، بل خيانة”، وكتب أيضا في المقالة نفسها “.. هذا رجل لا يزال يحمل الآثار المعيبة لفسوقه، ويجرّ تحت قناع المهرج الذي يتبدى فيه أسوأها.. إذ عرض أطفاله على باب أحد المستشفيات، متنكرا لكل مشاعر الطبيعة تنكُّرَه للشرف والدين اللذين خلعهما عنه”، وهو ما لم يغفره له روسو.

والمسرحية في النهاية تتناول مواضيع لم تفقد راهنيتها، إذ تبيّن أن أي مسعى أيديولوجي يمكن أن يحوي بذورا توتاليتارية، فروسو هنا هو مستبد خطر باسم الفضيلة، مهيأ لتصحير حياة الناس، لا سيما حديثه عن الآثار الشريرة للمسرح، ولكنه يتبدى أكثر صدقا من فولتير، وأقرب إلى واقع الحال في فرنسا اليوم بفضل طريقته في تمجيد الفرد، وقد أبدع جان بول فارّي في دور فولتير وسرعة غضبه وحدة لهجته، مثلما تميز جان لوك مورو في إظهار روسو كرجل حساس، مثير للشفقة والسخرية أحيانا، ولكنه ذو مشاعر إنسانية عميقة.


اكتساح كويتي لجوائز مهرجان مسرح الشباب العربي

مجلة الفنون المسرحية

اكتساح كويتي لجوائز مهرجان مسرح الشباب العربي

شريف صالح - الحياة 


اختتم على مسرح عبد الحسين عبد الرضا في الكويت، مهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، بمشاركة 12 دولة عربية، ونالت الدولة المضيفة، الجائزة الكبرى التي تحمل اسم صاحب المسرح، إضافة إلى سبع جوائز أخرى منها أفضل ممثل وإخراج، عن عرض «ريا وسكينة».
وفاز العراق بجائزة أفضل عرض متناغم، وأحسن مؤلف، عن «ون واي»، والمغرب بجائزة أفضل ممثلة عن عرض «سوالف القمرة»، وسلطنة عمان بجائزة أفضل ممثل دور ثان عن «لقمة عيش» لأحمد الرواحي، ومصر بأفضل أزياء عن «بينوكيو».
وبالنسبة الى كثيرين، كانت أبرز مفاجآت المهرجان استبعاد العرض الفلسطيني «مروح على فلسطين» من أي جوائز، على رغم أنه بشهادة كثيرين من أفضل عروض المهرجان، بزعم أنه نسخة «طبق الأصل» من عرض هولندي، فاكتفت اللجنة بمنحه شهادة تقدير عن موسيقى ومؤثرات سامر أبو هنطش.
ولو تحدثنا عن «الاستعارة» وشح التأليف، فنلاحظ أن العرض الكويتي «ريا وسكينة» نفسه، مستعار في عنوانه وحبكته من المسرحية المصرية الشهيرة، مع تغييرات بسيطة، والعرض المصري ذاته «بينوكيو» مستعار من قصة عالمية للأطفال، مع تباين مساحة الاشتغال والاختلاف عن العمل الأصلي.
كما أن مؤلف العرض القطري «همس الكراسي» كان متجاوزاً لسن الشباب المنصوص عليه في لائحة المهرجان. أي أن معظم عروض المهرجان عانت «أزمة» تأليف، ولجأت إلى «الاستعارة» النصية والبصرية، بدرجات متفاوتة.

الصوت العالي

وتكمن الملاحظة الثانية، في الصوت العالي والانشغال بما يُجرى في الساحة العربية، وظهر ذلك في العروض الخليجية عبر التركيز على تفكك المجتمع والأسرة والبطالة وضياع الشباب، كما في العرض الإماراتي «الليل نسي نفسه» أو السعودي «ليس إلا»، بينما تناول السوداني «مراكب الموت» قضية الهجرة غير الشرعية، وألقت الحروب بظلالها أيضاً خصوصاً على العرض العراقي.
وكان العرض الأردني «شمعة أمل»، الأسوأ، من ناحية المباشرة، والخطاب الوعظي، وأشدها قصراً، حيث لم يتجاوز 20 دقيقة، وأراد من خلال مشهد تمثيلي مفتعل، إدانة الإرهاب والحث على وحدة الأمة العربية. وكانت غالبية العروض المرتفعة النبرة، الأقل حصداً للجوائز، والأقل حضوراً في بورصة الترشيحات.
على مستوى التمثيل كانت هناك درجات اجتهاد كبيرة خصوصاً من علي الحسيني بطل «ريا وسكينة» والحائز جائزة أفضل ممثل، ومونية لمكيمل بطلة العرض المغربي والحائزة جائزة أفضل ممثلة، وكان العرض الأخير الأكثر نضجاً على مستوى الأداء التمثيلي، لجميع أبطاله، لناحية تقمص شخــصيات مختلفة، والتحول الدرامي، والحركة والحضور على الخشبة، وإن شكلت صعوبة اللهجة المغربية عائقاً كبيراً، في التواصل معه. كما ظهرت مشكلة اللهجة بدرجة أقل مع العرض السوداني. ومالت العروض إلى الحضور الجماعي، والأداء التعبيري والحركي، على حساب الممثل المفرد كما في عرض «مروح على فلسطين».
تُضاف إلى ذلك قلة العنصر النسائي، وهي آفة تظهر بوضوح في العروض الخليجية التي يلجأ بعضها إلى شباب لتجسيد أدوار نسائية، أو تصميم عالم بلا امرأة، ولذلك كانت جائزتا التمثيل النسائي شبه محسومتين، فظهرت امرأة واحدة في العرض الإماراتي، وفي المغربي أيضاً حيث جسدت شخصيات عدة، وامرأتان في عرض الكويت، وزاد العدد قليلاً في العرض المصري.

مسرح فقير

على مستوى السينوغرافيا، لجأت غالبية العروض إلى المسرح الفقير، قليل الكلفة، والستارة السوداء، والأجواء نفسها اتسمت بالسوداوية والكآبة نوعاً ما، اتساقاً مع طبيعة القضايا المطروحة. حتى العرض المصري عالج «بينوكيو» أو عالم الدُمى، عبر فلسفة وجودية عن الموت والحياة والحب والاغتراب، ولم يستثمر كثيراً في مجال الرقص وإشاعة البهجة. وعلى رغم أنه طرح أسئلة وجودية شائكة، رأى بعض النقاد أنه عرض لمسرح الطفل وليس الشباب!
في العرض الكويتي، اتسم الديكور بالثبات وكان عبارة عن سلالم عريضة تقسم الخشبة إلى مستويين: أعلى حيث مقر الشرطة والسلطة، وأسفل حيث بيت «ريا وسكينة». ومال العرض المغربي إلى التجريد والتحييد التام للسينوغرافيا، اكتفاء بشكل مبسط معلق في الأعلى كإحالة إلى «القمر»، مع بعض الصناديق يتم تحريكها واستعمالها. ولعل أسوأ العروض في الاشتغال على السينوغرافيا كان «شمعة أمل»، وأفضلها «مروح على فلسطين» الذي قرر تضييق الحيز التلقيدي للخشبة، كناية عن ضيق وتآكل مفهوم الوطن ذاته.
والسؤال الذي شغل كثيرين تعلق بإمكان أن يستمر المهرجان دورياً، اذ أكد مدير عام الهيئة العامة للشباب، الجهة المنظمة، عبدالرحمن المطيري حرص الكويت على أن يقام المهرجان سنوياً بالتناوب بين عواصم الشباب العربي، وتحت مظلة جامعة الدول العربية، فيما أشاد وزير الدولة للشباب بالوكالة خالد الروضان، خلال حفلة الختام، بدور الشباب وأهل المسرح في جمع الشعوب العربية.
وكان للجنة التحكيم برئاسة الفنان محمد المنصور مجموعة من التوصيات أهمها، الاعتناء بالتدريب ومهارات الشباب، وتوسيع رقعة المشاركة، في إشارة إلى غياب عدد كبير من الدول العربية، وكذلك أن تكون جميع العناصر المشاركة في سن الشباب الذي حددته اللائحة من 18 إلى 34 سنة.
عقب كل عرض أقيمت ندوة تطبيقية عنه، بمشاركة معقب رئيسي، إضافة إلى ندوة فكرية استمرت على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان «مسرح ما بعد الدراما بين النظرية والتطبيق في مسرح الشباب العربي»، إضافة إلى ورشة في التمثيل بإشراف مبارك المزعل وعلي العلي.
كما أقام المركز الإعلامي مجموعة كبيرة من المؤتمرات لرؤساء الوفود وأبرز الضيوف من المسرحيين العرب.

السبت، 28 أكتوبر 2017

"مسرح المعركة" تراجيديا لموت فقد رهبته

روجيه عساف.. "حرب طروادة" ما زالت مستمرة

روجيه عساف الشاهد الملك على نهضة المسرح اللبناني

مجلة الفنون المسرحية

روجيه عساف الشاهد الملك على نهضة المسرح اللبناني

مدرسة المواطنة والحريّة 

بيار أبي صعب - الأخبار


كلّما عاد روجيه عسّاف إلى المسرح، مخرجاً أو ممثّلاً، أو الاثنين معاً، كانت العودة حدثاً بحدّ ذاتها، ومناسبة للاحتفال. نحتفل، حتّى قبل أن نشاهد العمل، والمعروف أنّ الأعمال الفنيّة التي تُنتَج اليوم في مدينة كبيروت، بإمكانيّات المدينة ومع ناسها، عرضة لكل المخاطر والأنواء والرياح. الفكرة هي أن تخيّم على مسرحنا قامة هذا «القديس»، أو «الوليّ الصالح»، مؤسس «مسرح الحكواتي»، وقد ازداد جلالاً وتعباً مع السنوات.

الفكرة أن صنّاع العصر الذهبي لبيروت، لم يغيبوا كلّهم، أو يصمتوا، أو يستسلموا، أو ينقلبوا على تاريخنا وذاكرتنا. نذهب الليلة إلى «الطيّونة» ونحن نقول لأنفسنا إن الدنيا بألف خير، رغم كلّ شيء. إن الأشياء ما زالت ممكنة في هذا الزمن العقيم، المشلّع. إن القيم التي كافح لارسائها روجيه منذ عقود عدّة، مع حفنة من النساء والرجال، ما زالت راهنة، ويمكن أن نتشاركها مع أهل الحاضرة… وإن المشروع الذي منحه عمره هذا المثقف العضوي الآتي من الفرنكوفونيّة ـــ تركة الاستعمار ـــ إلى قلب العروبة والاسلام، ومعارك التحرر، والإنتماء إلى الناس وذاكرتهم الجمعيّة، هذا المشروع ما زال قابلاً للاستمرار والتجدد والانتقال إلى الأجيال الجديدة.
هذا هو الرهان الأساس لدى روجيه عسّاف، ولعلّه يختصر كل مسيرته المسرحيّة. في اعتقادنا أن الجماليّات، والتقنيات، والأساليب والمدراس، والمشاغل الثقافيّة والادائيّة والدراميّة، تأتي بعد ذلك. المسرح هنا مدرسة المواطنة، ومختبر لمستقبل نهضوي، وبلد على مقاس أهله. المسرح العسّافي مكان «لقاء» الممثلين والممثلات، القادمين من كل الجهات والشرائح، ليتبادلوا الأحلام والأوجاع والمشاغل، ليحفروا معاً في اللاوعي أو في الحاضر وأسئلته، ويفكروا وينفعلوا ويبدعوا، ليستعيدوا ذواتهم الحقيقية المغيّبة في مدينة السماسرة والقتلة والخراب العظيم. كل السر في طريقة عمل روجيه مع ممثليه وممثلاته. في ما يقترحه عليهم ويطلبه منهم. الفن هنا لم يعد سلعة واستعراضاً، ولا تجربة ابداعيّة «مجّانيّة»، ولا خطاباً أسلوبياً وتسويقياً ستتنافس عليه مهرجانات الرجل الأبيض… الفن مشروع ولادة جديدة. والمسرح العسّافي أيضاً، هو أرضيّة التماس والتفاعل بين صنّاع العمل وجمهوره: هؤلاء الرجال والنساء الآتون للبحث عن ذواتهم، واستعادة صوتهم المصادَر، وهويّاتهم المهدورة. من تلك العلاقة تولد روح المسرحيّة!
كل هذا سنجده الليلة في «طروادة»، تجربة روجيه عسّاف الجديدة، مع باقة من الممثلين والممثلات الشباب. غرف المعلّم من معين المسرح الاغريقي، هو المنكب منذ سنوات على اعادة قراءة تاريخ المسرح العالمي، على طريقته كفنّان القطيعة مع الأنماط المهيمنة، ومن زاويته التحليليّة النقديّة (صدرت أجزاء من موسوعته بالعربيّة عن «دار الآداب»، والجزء الأوّل بالفرنسيّة عن L’Orient des livres). ليطلع بنص لبناني في الصميم، وعربي بامتياز. فلنذهب مع حصار طروادة «حتى نهايات العواصم» كما كتب محمود درويش في «أحمد الزعتر». المسرح مع روجيه، مدرسة المواطنة والحريّة.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption