أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

المخرج د. أحمد محمد عبد الامير : فنون الحركة والظل سيكون لها الفضاء الرحب لما يتمتع به الظل من مشاركة بصرية ووجدانية مع المتلقي

مجلة الفنون المسرحية


المخرج د. أحمد محمد عبد الامير : فنون الحركة والظل سيكون لها الفضاء الرحب لما يتمتع به الظل من مشاركة بصرية ووجدانية مع المتلقي

تجربة ( السندباد ) مونو مايم خيال الظل حكاية ظل هارب من سرديات ألف ليلة ... وليلة
السندباد هو السفير المادي والروحي للإنسانية المعذبة التي تبحث عن الاستقرار والامان الروحي ..
تكشف التجربة الظلية جزءً من الواقع العراقي ليمثل الواقع العالمي وكشف حجم مأساتنا وحيرتنا واحلامنا التي لا تتحقق 
تجربة تنحو خارج السياق المألوف في فنون الظل المعروفة من قبل المتلقي من حيث الفكرة والاسلوب التقني 

حاوره – عبد العليم البناء 

يشهد المسرح العراقي دوما تحولات نوعية عامة وعلى صعيد المسرح الصامت وخيال الظل خاصة ،والاخير شهد أيضا تحولات وتطورات مختلفة انعكاسا لتطوره عربيا وعالميا وبات يفرض حضوره الجدي والفاعل إسوة بباقي الوان المسرح المعروفة ،ومن هنا تأسست ( ورشة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل ) في عام ( 2006 م) ضمن الاجواء الاكاديمية في كلية الفنون الجميلة لجامعة بابل ، لتختص في تدريب وتقدم الاعمال الايمائية الصامتة لطلبة قسم المسرح ولتكون في البدء جزءً من درس التمثيل الصامت ،الذي أشرف على تدريسه ومفرداته العملية والتطبيقية المخرج الاكاديمي الدكتور أحمد محمد عبد الامير اضافة الى درس التعبير الحركي ،فطبق فيها انماطا ادائية مختلفة منها ( البانتومايم / والمايم بأنواعه ) التي تعد من الفنون الصعبة والممتنعة عن الاداء الكامل ،واستطاع نقل التجربة الصفية للورشة الى المشاركة في الفعاليات الفنية والجماهيرية بعيدا عن السقف الاكاديمي يكون فيها الطالب والمدرس هم اصحاب العمل الفني ، ومنها كان العرض الايمائي ( لاصقوا اعلانات ) ليصور الواقع العراقي المعاصر عبر تجسيد فكرة الانتخابات بوابة للصراع والإحتراب ايمائيا ،ومسرحية (صور من بلادي) التي تنبع عن ورشة مكثفة للبحث عن فن غريب اطلق عليه ( مايم خيال الظل ) وهو يجمع التعبير الحركي الايمائي الظلي للأشياء وللجسد، اضافة الى عروض ظلية قصيرة ومنها مشاهد تخللت عروض لفظية .وآخر تجارب الورشة عرض ( السندباد ) واستخدم فيها التقنية الرقمية في تشكيل الظل المسرحي ليجمع الموروث الثقافي العراقي والعربي مع تقنية المسرح الظلي الذي ينسب ارثه للعرب قديما ،وكان من اقدم اسماء مؤسسيه هو العراقي الموصلي ( ابن دانيال ) ،وهو من تأليف واخراج الدكتور أحمد محمد عبد الامير ، أداء ظلي ومخرج مساعد الفنان الشاب حسين مالتوس ، تقنيات رقمية منتصر العذاري ، ومؤثرات موسيقية حسين مالتوس ، ومن انتاج دائرة السينما والمسرح ومن المؤمل ان يقدم في افتتاح مهرجان منتدى المسرح القادم .. وبغية الوقوف على فكرة واسلوب تقديم هذا العرض ومحطات أخرى من مسيرة المخرج الدكتور أحمد محمد عبد الامير الاستاذ في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل وتخصصه النادر جدا كانت لناهذه الجولة من الحوار:

* ما الفكرة التي ينطوي عليها عرض ( السندباد) وهو ينحو منحى غير تقليدي يتمثل بلون من المسرح ، الذي على ما يبدو لم يأخذ مساحته الكافية وحضوره الفاعل على الأقل محليا ،على الرغم من تقادم الزمن عليه عراقيا ؟.
- تدور فكرة العرض الايمائي الظلي حول جدلية الوجود والعدم ، تمثل فيه شخصية السندباد السفير المادي والروحي للإنسانية المعذبة التي تبحث عن الاستقرار والامان الروحي.. رحلة افتراضية تبدأ من النشأة الاولى لظل الشخصية ورحلتها في عالم المثل ومن ثم ارتكابها الخطيئة الأولى ،ونزولها إلى العالم الأرضي وصراعها مع الشخصية الأرضية التي تمثل الواقع لتمنعه من تحقيق حلمه في الاستقرار، والامان، والسلام، حتى في حلم العودة ، كما تكشف التجربة الظلية جزءً من الواقع العراقي ليمثل الواقع العالمي .إنها حكاية يرويها ظل يعيش الاغتراب، رحلة يمتد عمقها نحو جذور روح تبحث عن مستقر لها ،هاربا من المدن الغريبة ، ظل لمْ يتعَبْ من السفر .. (السندباد) ليس سندباد ألف ليلة وليلة إنه ظل يمثلنا جميعا يكشف حجم مأساتنا وحيرتنا مع الظل يكشف احلامنا التي لا تتحقق . في عرض (السندباد) لا نرى (علي بابا) ولا (ياسمين) الطائرة المسحورة اللطيفة ، بل نرى ظلالنا ترحل وتتجول باحثة عن وجودها ، رحلة افتراضية يحاول كادر العرض تجسيدها لعلنا نصل الى الحلم المنشود بين طرقات الخوف والموت ،يضيع فيها العمر هباء كل منا سندباد ، يحمل حكايته ليرويها ، انها حكايات الظل ، حكايات الحقيقة وسنرى انفسنا هناك ..تجربة تنحو منحى خارج السياق المألوف في فنون الظل المعروفة من قبل المتلقي من حيث الفكرة من جانب والاسلوب التقني من جانب آخر . استخدمنا التقنية الرقمية والمونتاجية السينمائية كما سعينا الى الاقتصار على وجود ظل واحد كراو ومؤد وحيد في العرض ( مونو مايم خيال الظل )، وهذا جديد في مجال تجارب فنون ظل وهو ما يحسب الى هذه التجربة الادائية وفرادتها في التقديم والتي تعتمد ظلال الاشياء والاجسام المشكلة للفضاء وبيئة العرض.

*وهذا يعني أن فنون الظل ستكون هي فنون المستقبل حسب هذه الرؤية والفعل الابداعي المنظور..
فعلا ..إن فنون الظل هي فنون المستقبل الذي يمكن أن يعكس التطور التقني والمعرفي والجمالي ،كما انه أرض خصبة للتطوير والتقدم بعد أن عانى الفن الحواري من أزمة المراوحة والثبات في العقود الاخيرة . فنون الحركة والظل سيكون لها الفضاء الرحب امام الفرجة الجماهيرية لما يتمتع به الظل من مشاركة بصرية ووجدانية مع المتلقي ،لأنه جزء من التجربة الذاتية ومرتبط بذكريات الطفولة وهواجس الذات ومن التعبير المجازي للغتنا المنطوقة، كما يمدنا بإمكانات واسعة للتعبير الجمالي والصوري بشكل واسع كما يمكن لنا ادخال التقنيات البصرية ، اذ استطعنا في هذا العمل من تطبيق التقنيات البصرية والمونتاجية السينمائية بشكل يتيح تجسيد وتصوير بيئات واسعة ، مما ترتب عليه ولوج تجربتنا الى مجالات تقنية سينمائية تحقق لنا تصوير وتجسيد البيئات الافتراضية التي يسعى العمل لتحقيقها وتقديمها في العرض الظلي الصامت ، كما يفتح الباب واسعة لتحقيق المشاهد الافتراضية والسريالية بشكل أوسع ويحقق الطرح الجمالي والأثر البصري على المتلقي ،الذي خبر الصورة والحركة ودلالاتها اثر التقدم التقني والبصري الواسع للأنترنيت والساتلايت واجهزة التواصل التقني والاجتماعي الرقمي .

* اذا كان الامر كذلك فما الذي يميز هذا العرض عن عروضك السابقة شكلا ومضمونا ؟.
- تجربة ( السندباد ) الظلية تختلف عن باقي التجارب الظلية السابقة من حيث اعتماها على الافق التقني في تشكيل فضاء العرض ،بعيدا عن الاسلوب السابق الذي كان يركن الى استخدام اسلوب الاداء المعروف في الاعتماد على قدرات الجسد او الاجساد مجتمعة في تشكيل الفضاء وتكوين البنى الشكلية للعرض ، استعنى هنا بالتقنية الرقمية لتشكيل الفضاء من جانب واعطاء بعد آخر لم يكن للتجارب الظلية المقدمة من الفرق الغربية المعروفة حيث أضفنا البعد الثالث للظل ، اذ من المعروف أن تقنية الظل تعتمد على بعدي الطول والعرض لظل المؤدي وللأشكال مع استخدام الشفافيات التي تحوي البعدين ،وقد استخدمناها سابقا وانتفت الحاجة اليها في عرض السندباد مستعينين فيها بقدرة الصورة الرقمية من تشكيل البيئة الظلية الثلاثية الابعاد ( الطول ، والعرض ، والعمق )، كما تمكنا من اضافة البعد الاخر للأشكال وهي اللون والخامة للشكل وللفضاء الافتراضي لم يكن من السهل ادخالها في العروض المعروفة وهذا ما يحسب لهذه التجربة المعاصرة ،فهذه الخطوة التجريبية كلفتنا جهدا معرفيا لاكتشاف قدرات التقنية الرقمية التي كانت بعيدة عنا لأسباب ثقافية جعلتنا لا نركن اليها ، وأنها بعيدة عن اختصاصنا وضرورياته الفنية والجمالية الا في مجالات ضيقة يؤديها فنيون أكفاء ، فاضطررنا لولوج فضائها الواسع لخلق المشهد الدرامي أو التعبير عن الحالة الانسانية والذي تطلب لأجله وقتا طويلا ، كذلك تطلب قدرا من المال للمنفذ والمصمم التقني خلف الحاسبة الالكترونية وبرامجياتها الواسعة والمتعددة وهي من الاختصاصات النادرة والمكلفة ايضا . ومن جانب آخر ، التجريب ومدياته والوقوع بأخطائه لأننا ندخل مكانا لم يخبرنا أحد به أو قام بتجربتها فاعتمدنا على الذات وقدراتها ، كما تطلبت بعض المشاهد الجمع ما بين الاسلوب الادائي التقليدي للظل ودمجه مع التصوير الفلمي وادخاله للتقنية الرقمية لخلق اشكال وبيئات تحقق الفكرة الرمزية للمشاهد وابعادها التعبيرية الحديثة . 

* يبدو أنك ما زلت تنحت وتصوغ شكلا مسرحيا صعب المنال لكنه سهل التوصيل لرسالته لشعوب العالم على اختلاف لغاتها ، ما العوائق التي واجهتك فنيا وفكريا وجماليا وابداعيا ؟.
- المسرح الصامت بشكل عام والظلي بشكل خاص له شروطه ومواصفاته الجمالية والادائية ،كذلك له لغته التي تركن الى لغة الايماءة والحركة للتعبير عن الحكاية الافتراضية والمجازية ، وبخاصة نحن هنا نتحدث عن فن الظل الذي يجرد المجرد بعيدا عن لغة الكلمة ودلالاتها اللغوية ، للاعتماد والاكتفاء بأبعاد الايماءة ودلالاتها للتواصل مع الفكرة من قبل المتلقي الخبير بلغة الايماءة والتعبير الحركي ، والذي يتطلب منا الدراية بفنون الايماءة ودلالاتها وبنيتها وكيفية ارسالها وتلقيها من قبل المتلقي حيث يصبح التواصل هاجسا متواصلا مع مجموعة العمل في شروط التداول وتحقق المعنى والرسالة وتحقق فكرة العمل وطبيعتها التقدمية التقنية الحديثة.هنا نفتح المجال لحوارية بصرية دلالية مع المتلقي ، تجعل التجربة الفنية المسرحية أمام محك مع المتلقي .. لغة الحركة والايماءة اصبحت من أهم لغات التواصل ما بين البشر وهذا يدفع التجربة الظلية الحداثوية الى الدخول في مجال الايماءة ودلالاتها ، إذ تشير الدراسات الثقافية أن ( 90 % ) من لغة التواصل بين البشر هي لغة الحركة والايماءة وأن المتبقي منها هو لغة الكلمة والصوت وبذلك تصبح فنون الظل الايمائية أقرب لغة الى ذهنية المتلقي .

*وهل يصلح أي مسرح لعروضك التي تتطلب تقنيات وأدوات فنية وعناصر تمثيلية ذات مزايا جسدية مرنة تستجيب لمعالجات درامية غير تقليدية ؟
- العرض الظلي الحديث ( مايم خيال الظل ) يتطلب بيئة مكانية خاصة يشترط فيها العمق خلف الستارة والاظلام التام ، فالأماكن المفتوحة لا يمكن تقديم العرض الظلي فيها الا في شروط خاصة . ادوات العرض ستارة بيضاء كبيرة ذات خامة خاصة مناسبة مع جهاز اضاءة ، مما يجعله قليل الكلفة ماديا وصعب التحقق للشروط الطبيعية كذلك التمرين المستمر لمجموعة العرض التي تتطلب مؤديا ايمائيا من جانب وواعيا بشروط وأعراف مايم خيال الظل . إن مواصفات ممثل خيال الظل (الجسدية، والعقلية، والأدائية) هي: الذاكرة والحساسية، الذكاء ، سرعة الإدراك ، التذوق للموسيقى ، المعرفة بفن الرسم والنحت ، المعرفة بمبدأ الانسجام والنسب ، تكامل الهيئة الجسدية ، سرعة الحركة والمرونة ، وحسن الخلق، والجدية بالعمل واتقانه من حيث النسب والتوازن والتناسق في الأداء ، وأن يكون ذا حس إنساني متقدم، وأن يتماها مع الموضوع المقدم ، وأن يكون رياضيا ومتمكنا من أدواته ، ومرتبطا ببيئته الثقافية ، ذا ذاكرة حسية وانفعالية متمرسة ، وعارفا بأعراف التمثيل الإيمائي وتقاليد خيال الظل ، وبمفهوم الإيماءة وآليات الإرسال والقراءة .
للظل الصامت لغة ولغته تتكون من العناصر: الشكلية، والأدائية، والإيمائية، واللونية، والفراغية، والصوتية، التي تتشكل وتندمج في فضاءات الشاشة البيضاء, لتشكل المعنى الظلي في بنية سمعية بصرية رصينة، ولأجل أن يجذب عمل خيال الظل انتباه المتلقي وأن يؤدي دوره التعبيري وجب أن تنتظم عناصره فيؤدي دورها الجمالي والدلالي المطلوب في العمل، والاستخدام الصحيح لهذه العناصر يجعلها ذات أثر حسي وذهني في الوقت ذاته من الناحية الجمالية والدلالية .

*اذا كان الامر كذلك فما الرسالة التي اردت ايصالها محليا وعربيا ودوليا ؟.
- الهدف هو جمالي ، وتقني ، وادائي ، ان لا نقف على حافة الفن والابداع اذ لا حدود ولا هوية خاصة به ، فلا ضرورة للمراوحة حول ما هو منجز فالعقل والخيال مدياته أوسع مما نعتقد فلا خوف من التجريب والبحث عن اشياء لم نكن نبحث ،فكل شيء بات متوافرا من حولنا الصورة ، والتكنلوجيا الحديثة ، فمن الضرورة اتخاذ موقف من قفزات العصر وتطوره . 

* وما الذي تراهن عليه في هذا العرض شكلا ومضمونا ؟.
- عرض ايمائي ظلي عراقي شكلا ومضمونا يروي حكاية تمثلنا وحدثا يصور بيئتنا وثقافتنا وهمنا ، عرض لا يشبه أي تجربة غربية . ( السندباد ) حكاية ظل هارب من سرديات ألف ليلة ... وليلة ، ليروي حكايتنا نحن العراقيين ، عن حلم قديم لم يتحقق منذ نشأتنا بين يدي ارادة السماء وصولا الى نزاعنا اليومي ، تائهين بين الحروب والصراعات ولا تتحقق . أما الشكل فلا أرغب بالتقليد والاتباع تعلمنا الف باء الظل وعلينا ان نكتب أحرف الظل الاخرى ، ولعلنا نصل الى تحقق ذلك اتمنى ذلك بأذن الله . فاتجاه ما بعد الحداثة فتح الباب على مصراعيها للولوج الى علم الصورة والتعبير الظلي الحديث ، لتكون لنا البصمة في ذلك محليا أولا ليكون درسا للجيل القادم . ولعلنا نستطيع أن نوصل تجربتنا الى مصاف الدول العربية لإيصال رسالتنا للآخر .

* وما المشاريع الجديدة ل(ورشة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل ) ؟ وهل مازالت قائمة الى الان ؟ وما أبرز منجزاتها التي تصب في إطار تفعيل التمثيل الصامت والرقص الدرامي وخيال الظل ؟.
- نأمل تطوير فن مايم خيال الظل باستخدام اساليب حديثة ونشر تقاليده بين شبابنا لتطوير امكاناتهم الادائية والتقنية والتعبيرية ، وامكانية توظيفه في المسرحيات اللفظية والتعاون معهم كضرورة جمالية ودلالية كما عملنا في مسرحيات اخرى ومنها ( امام البابا ، وماراثون ).
الولوج نحو أنماط ادائية متعددة اخرى تنضوي تحت يافطة التعبير الحركي او المسرح الحركي والصامت أو الايمائي ، فكان الرقص الدرامي من بين الابواب التي خاضتها الورشة في البحث والتجريب داخل المؤسسة لتشارك فيها في النشاطات الفنية خارج حدود الجامعة في النشاط المحلي والدولي . وكانت تجربتي ( شك ) رقص درامي عام ( 2007 ) ( كرستال ) عام ( 2008 م) وعرض ( السينما تحت اقدام شارلي ) يجمع ما بين المايم والرقص الدرامي وأعمال اخر. كذلك الدخول الى عالم ( مايم شوارع ) لتقديم اعمال في الساحات والاماكن المفتوحة ، فكانت الورشة مع ( مهرجان دربندخان الدولي لمسرح الشارع 2010 ) كذلك المشاركة في تقديم عروض مع طلبة الكلية في تأسيس ( مهرجان العروض الايمائية القصيرة ) السنوي في ساحات الكلية كذلك مهرجان الشارع في جامعة بابل والمشاركة مع ( الهيئة العربية للمسرح ) في تقديم الفعاليات الايمائية الصامته في مهرجان الشارقة ( 2016 ) في ساحاتها ، كذلك فتحت الورشة للتعاون مع المؤسسات التربوية ومنها تقديم الورش لتعليم المسرح الصامت لوزارة التربية في بابل كذلك وزارة الشباب ومراكزها في بابل ومهرجاناتها السنوية ، كذلك الورشة لخيال الظل لذوي الحاجات الخاصة ( لمعهد الامل للصم والبكم ) في بابل .

* في هذا السياق وفي ضوء تخصصك الدقيق في هذا اللون من المسرح ما المقترحات التي تراها فاعلة ومؤثرة في إشاعته وتعميمه ؟.
- تفعيل الورش مع المؤسسات المختلفة ومنها التربوية والاكاديمية بخصوص فنون الايماءة والتعبير الحركي الصامت ( المايم ، والبانتومايم ) وفنون خيال الظل الحديث الصامت لمواكبة التطور الثقافي والصوري والتقني والادائي الحديث لأنها لغة العصر وفنونه ، كذلك ضرورة الدعم الاعلامي والصحفي لتسليط الضوء على هذا الفن واهميته وجماليته الاخاذة لأنه من أقرب الفنون الى الذات ودواخلها عبر لغة الايماءة ، والظل لغته الخيال ( لعبة قديمة قدم الإحساس بالشكل، واللون، والحركة ) تجربة تسقط ظل الخيال والأسرار والبواطن والواقع . كما قامت بذلك التوجه ورشتنا في جامعة الكوفة في تقديم ورشة مايم خيال الظل الحديث وورشة الظل الصامت مع معهد الامل لذوي الحاجات الخاصة ( الصم والبكم )، والتي اتاحت الفرصة لتعرف الفتيان بهذا الفن من جانب والتعبير عن ذواتهم الصماء بشكل فني وجمالي ودلالي فاعل ، وضرورة دعم الاعمال الايمائية للمشاركة في المهرجانات الرسمية داخل العراق وخارجة ، فالعصر الحديث هو عصر الحركة والايماءة وتقنية الصورة لأنها تنافس الكلمة المنطوقة ، وهذا جواب الجدل الحاصل نحو المهرجانات المسرحية المحلية والعربية التي تركن الى الكلمة دون لغة الجسد .

*كلمة أخيرة ...
- الجسد عقلنا الكبير ، منبع الوعي والفكر والحركة ، في الفن كان الحوار واللعبة مع (الجسد، والروح)، (الأصل، والصورة)، (الأسود، والأبيض)، (الظل، والضوء)، (أنا، والظل).. منذ القدم ومع الطفولة، لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر ، ولا يمكن أن يوجد مخلوق أو كائن حي أو جماد بغير ظل . فن الظل هو فن المستقبل ، فن الحقيقة ذاتها .سيحقق عرض ( السندباد ) حلم التوحد والانصهار مع الذات بلا وسائط ، نتمنى ان يحقق ذاته على خشبة المسرح العراقي .

الصور لعرض مسرحية  السندباد







الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر

وزارة الثقافة : 

تقيم وزارة الثقافة بالتعاون مع فرقة الزرقاء للفنون المسرحية ووزارة التنمية الاجتماعية ونقابة الفنانين الأردنيين مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الخامس عشر، وذلك في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء الموافق 1/11/2017، على مسرح مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي / الزرقاء.




"صور الإستعارة في أداء الممثل المسرحي العراقي " في اطروحة دكتوراه

باحث في قسم الفنون المسرحية يناقش توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي

مجلة الفنون المسرحية

باحث في قسم الفنون المسرحية يناقش توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي

كلية الفنون الجميلة بغداد

تمت في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد مناقشة رسالة الماجستير في تخصص المسرح للطالب ( وسام عبد العظيم عباس) عن بحثة الموسوم (توظيف تقنيات اداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي ) 
تتركز مشكلة البحث في وجود عشوائية في توظيف تقنيات  الاداء ويغلب عليها طابع الاجتهاد الشخصي في الاداء التمثيلي في مثل هذه العروض لذى عمد الباحث الى الكشف عن طبيعة التغيرات الصوتية والحركية في مثل هذا النوع من المسارح، وتاتي اهمية البحث في توفير دراسة علمية تبحث في طبيعة التقنيات والكيفيات الادائية في عروض المسرح التفاعلي  في العراق، ولغرض الوصول الى غايات البحث رسم الباحث مسارات البحث عدة فصول تناول في اطارها النظري عدة مباحث منها 
المبحث الاول المسرح التفاعلي (المفهوم- التقنيات – المرتكزات)
المبحث الثاني: مرجعيات المسرح التفاعلي.
المبحث الثالث: اشتغالات الممثل في المسرح التفاعلي.
وتوصل الباحث الى جملة من الاستنتاجات لعل من ابرزها، جمع الممثلين بين تقنيات الاندماج والتقديم في اداء الدور فضلا عن مهارات اخرى مثل القدرة على الارتجال والتكيف في الضورف الطارئة عبر ما ينتجه المتفرج من معطيات جديدة في العرض المسرحي وهذا يعني ان الاداء يتغير في المسرح التفاعلي بتغيرة تقنية المسرح المستخدمة، وتوصل الباحث الى جملة من التوصيات لعل ابرزها، يتجه المسرح التفاعلي الى دراسة السمات الثقافية والفكرية والاجتماعية العامة للجمهور من اجل تحديد انساق التواصل معه.

محمد مرسي على مسرح شكسبير

مجلة الفنون المسرحية

محمد مرسي على مسرح شكسبير

احمد عمر - عربي 21


هل يمكن تحويل مأسوات شكسبير الدامية إلى عروض كوميدية مضحكة؟

يقال في مدارس المسرح وفن الدراما؛ إن الموت يجعل الكوميديا تراجيديا. يضرب بو علي ياسين المثل في شرح أحد أنواع الضحك الشهيرة، وهي سقوط الرجل الوقور في عرض الطريق، فنضحك جميعاً، ويرى بعضهم في التفسير أننا نضحك بسبب طفرة المشهد، ولشعورنا بالنجاة من الحادث، الضحك هو انتصار. يقول بو علي ياسين: إن الرجل لو سقط وانكسر، أو جُرح، لفزعنا إلى نجدته وطلب الإسعاف له، فالدم يعطل الطرافة، وهو نذير شؤم. الكوميديا والتراجيديا جاران، بينهما برزخ لا يبغيان، لكن يمكن تحطيم الجدار، وقد يؤخذ الجار بالجار، وكان عزيز نسين ماهراً في تحطيم هذا الجدار، وهو الذي قال في تشخيص كتابته الساخرة: حولتُ دموعي إلى ضحكات على وجوه العالم.

 لكن الدموع غير الدم.. في التراجيديا دماء، وهي غالباً ما تعطل بهجة الكوميديا، وحتى تنجو التراجيديا سباحةً في بحر الدم إلى ساحل الكوميديا، علينا أن نقنع الناس بأنّ الدماء التي نزفت من الملك أو من الشعب ما هي إلا مياه مصبوغة باللون الأحمر، أو أن القتلى إرهابيون، أو أن الشعب المقتول هم حاضنة لهم أو دروع بشرية، فقد أفتت إسرائيل بالتخلص من الدروع البشرية، وتأست بها دول عربية. يمكن التخلص من خمسين درعاً بشرياً في سبيل التخلص من إرهابي واحد. قد تتحول التراجيديا إلى كوميديا إذا قلنا بعد المذبحة "خلصت"، فهذا يرسل البشرى، ويَعِد بنهاية التراجيديا، أن نقنع الشعب بأن البلد بألف خير، ونعرض المسلسلات الكوميدية، ومسابقات الجمال، وأن يتحول المفتي إلى مهرج، وإذا تحول المفتي إلى مهرج في مذبحة فهذا يجعل المأساة ملهاة.

 ثمت أمثله كثيرة على الضحك في الجنازات المصرية، وفي المقابر، خذ فلم "الكيف"أو فلم "مقابر مفروشة للإيجار"، خذ فلم "جنة الشياطين" مثلاً، وهو فلم لم أستطرفه، وشعرت بغربة شديدة فيه، لسبب بسيط، هو أن قصة الفلم هي للبرازيلي جورجي أمادو، وهي قصة غير مصرية، ومخالفة للدين الإسلامي والتقاليد العربية، ومن المفارقات أن محمود حميدة ضحى ببعض أسنانه في سبيل إقناعنا بالفلم، ولو ضحى بفكيه ما هو ببالغ غايته.

التراجيديا الشكسبيرية ليست جنازة شخص من عامة الشعب، غالباً هي جنازة ملك، أو جنازة أمّة، أو هي حدث ينتهي بنهاية حزينة مأساوية. وحتى نقلب المأساة إلى ملهاة، ما علينا إلا أن نمضي إلى خصوم المقتول، وسنجد السعادة بالنهاية المأساوية، وقد نجدهم يوزعون السكاكر والفطائر في الضاحية. لقد كانت نهاية صدام حسين مأساوية، وقد سعد بها خصومه واشتفوا منه، وخلّدوه من غير أن يقصدوا. كانت نهاية مأساوية، لكنها سعيدة لخاتمة طاغية غسل بها بعضاً من طغيانه.

لوحة ليوناردو دافنشي، الموناليزا، ذات الابتسامة الحزينة، أكثر لوحة عالمية تعرضت إلى دغدغة أصابع الكوميديا، ورياح الضحك، ويسبقها تمثال الحرية في واشنطن، ويمكن ذكر بعض وضعيات مقترحة لتمثال الحرية التي رسمها رسامو الكرتون، أو توهموها.. خذ مثلاً: تمثال الحرية يرفع إصبعاً وسطى لزائري أمريكا، أو يرفع إشارة رابعة، أو يحمل قنبلة نووية.. لكننا نتحدث عن الدراما، الآن لنعمد إلى مشهد شهير من مسرحية يوليوس قيصر الشهيرة، مثالاً:

عبد الفتاح بروتوس، وحمدين صباحي، والبرادعي - وتأتأته عنصر كوميدي - قابلة للاستثمار المسرحي والتهريج، يتأمرون على يوليوس عيسى العياض، فيقتلونه قتلاً معنوياً حسدا من عند أنفسهم، وقد استثمر السيسي إعلام الحكومة في تدمير الرجل، فنكل به تنكيلا، وكانوا جميعاً ينفذون مؤامرة قذرة - واعذرونا على الصفة المبتذلة في الإعلام - ويأتمرون بإيعاز من الغرب، ممثلة بالحسناء السندريلا آشتون، موفدة الاتحاد الأوروبي، إلى برّاد مرسي، للاطمئنان على طعامه وميرته. وزيارة برّاد مرسي في السجن مشهد كوميدي، يؤكد علو حضارة الغرب، وقيم الثورة الفرنسية، والجبنة الفرنسية، وكان الغرب قد اطمأن على الشعب السوري، بعد أن أتلف سلاحه الكيماوي بصفقة عرضها بوتين، وضمن أنه سيموت تحت البراميل.

المهم: يُطعنُ يوليوس العياض بخمس وثلاثين طعنة، ثم يأتي عبد الفتاح بلوتوس، ويطعنه الطعنة السادسة والثلاثين، في الظهر طبعاً، فيلتفت يوليوس مرسي وقد بوغت، ويقول: حتى أنت يا حاج عبد الفتاح، ألم نصلِ سوياً جماعة؟ وكان عبد الفتاح بروتوس قد ظهرت له زبيبة من سجود السهو.

 المشهد مأساوي ودموي،  وكان مرسي أول رئيس منتخب منذ سبعة آلاف سنة، وفي زيارته إلى ألمانيا كان ينظر في ساعته، فسخر منه الإعلام  المصري، ثم رأينا عبد الفتاح بروتوس يزور إيطاليا، فرأينا رئيس الوزراء الإيطالي يعبث بهاتفه، والشاويش السيسي يهذي ويخطب. انتخب مرسي بالرغم من كل الدعوة المضادة.  وكان نوح فيلدمان، أستاذ القانون في هارفارد، قد  قال: الديمقراطية تعني أن الإسلام سيعود. رأينا هذا في كل التجارب الديمقراطية العربية، في مصر وفلسطين.

 سنضحك، وعبد الفتاح يقول، وهو يطعن مرسي بعد أن تمر جملته، على سلسلة من الفلاتر: فلتر الأمانة، فلتر الصدق، فلتر الإخلاص، ويقول: في ستين داهية.. جلد تخين.

 وقد يجد المصريون جملاً أكثر طرافة، فهم معلمو الخليقة في فن الكوميديا، ثم يحولون جلد يوليوس العياض إلى سجادة يمشي عليها السيسي إلى قصر الشعب بسيارته.

 الغرب يحب المسرح، كما يحب المسلمون المسجد.  المسرح معبدهم، وهو الآن يخرج مسرحيات تراجيدية في سوريا ومصر، ويرسل لنا بعض الأطعمة الفاسدة، وبعض الكوندومات الواقية للتكاثر، وواقيات البعوض، ويمنح الجوائز لمثقفين منتخبين بالفلاتر الثلاثة. وقد بات المسرح السعودي التراجيدي مضحكاً أيضاً.. خذ مشهد إخراج ولي العهد السعودي موبايلين من جيبه، كما يفعل السحرة في السيرك. ربما يُستحدث باب جديد في أبواب نوبل، مثل باب: جائزة نوبل لتحويل الإسلام إلى دين "دايت"، ويقال إننا سنرى قريباً إلى جانب صحيح البخاري ومسلم، صحيح ابن سلمان.

كشف مرسي عن طموحه: الخبز، السلاح، العلم، قال: بنات مصر هن بناتي. الخليجي كان متعوداً على لعب دور الخواجة السائح في مصر، وقد ضمنه بعد الانقلاب، فبات الجرسون هو الرئيس المصري، ويقدم هذه المرة، بدلاً من الشاي والشيشة والراقصة، جزراً مثل تيران وصنافير.. وسيناء.. وصلحه.

تعال نقترح أن عبد الفتاح برتوس يلعب شخصية أخرى، هي شخصية أنطونيو، ويخطب في الجموع المصرية، وقد فعل:

 في المسرحية، أنطونيو خطيب بارع، استطاع قلب المشهد لصالح الشرعية. ليكن أنطونيو هو عصام سلطان، تخيل معي أن هذه الشخصية الكبيرة في السجن، وفي السجن مسرحيات ترهيب وتخويف وتعطيش، أو لنتخيل أن الكتاتني هو أنطونيو، أو أن عميد البياطرة العرب، محمد بديع، صاحب قولة سلميتنا أقوى من الرصاص، هو أنطونيو..

تخيلوا أن يخرج مرسي من السجن، ويروي ما حدث.

 تعالوا نتخيل أن السيسي يلعب أكثر من دور في المسرحية: هو نبي، وفيلسوف، ومشير، وبلياتشو، فيخطب بفلاتره الثلاثة، وينشد فيقول: أنا متحوجش.. فيغير المشهد برمته وهو يتحدث عن الإرهاب المحتمل، ويدعو الشعب إلى دفع الفكة، والدول المجاورة إلى دفع أتاوة الرز. سيكون خطاب أنطونيو في المسرحية مقاطعاً من خطبه العظيمة التي غيّرت وجه مصر، فبات القفا هو الوجه، والوجه هو القفا، وآه يا قفا.

 في سوريا، الضحك صعب، المأساة أكبر من تحويلها إلى كوميديا. أنا أظن، مثل أكثر الناس، أن مصر هي قلب العالم الإسلامي، والغرب يخرج مسرحيتها.

 تعالوا نموت ضاحكين.

المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة
من خلال إحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم أعمال جديدة تجذب جمهور الشباب


*د. رياض عصمت - الشرق الأوسط


الكلمات وحدها لا تصنع مسرحاً. المسرح لوحة متكاملة من الأداء الجسدي والصوتي مع الضوء والموسيقى والفن التشكيلي وسواها من عناصر تقنية حديثة، تتشكل في تكوينات درامية يبدعها تصور مخرج تجسيداً لخيال مؤلف. قد تصنع الكلمات دراما إذاعية، وفي أحسن الأحوال، تلفزيونية. لكن المسرح المعاصر اتجه تدريجياً في النصف الثاني من القرن العشرين إلى البحث عن لغته التعبيرية الخاصة والمتميزة عن السينما والتلفزيون، بل حتى عن المسرح بصورته التقليدية والتجارية، وهي لغة الجسد وتقنيات الفنون الحديثة. هل بدأ الأمر، يا ترى، مع مايرهولد والبايوميكانيك المستلهم من «الكوميديا دي لارتي»؟ أم تراه بدأ مع أدولف آبيا وتأثير النحت، أم من غوردن كريغ وتأثير الماريونيت؟ أتراه بدأ مع أروين بيسكاتور أم ماكس راينهارت، بحيث نسأل هل كان إدماج السينما في العروض المسرحية أبلغ أثراً أم إدماج السيرك؟ وهل كان الألماني برتولد برشت الرائد الأبرز والمنظر الأهم لتفاعل الفنون في المسرح المعاصر؟ في الواقع، يصعب تحديد الموجة من قطرات الماء. الأهم هو استمرار انسفاح الموجة على الصخر مرة تلو أخرى حتى تحفر أثراً.

البلدان الأكثر حفاوة بهذا الطراز من تداخل الفنون البصرية هي: وتشيكيا، وبولندا، وفرنسا، وألمانيا، والدنمارك، وهولندا، وبريطانيا، وروسيا والولايات المتحدة. منذ زمن طويل، اشتهرت براغ بطراز سمي «المسرح الأسود»، يعتمد على مؤدين يرتدون ثياباً سوداء، ويحركون أشياء مطلية بألوان فسفورية، هذا بالإضافة إلى استخدام التشيك الرائد لتقنية «سينيراما»، وهي إدماج مقاطع صورت سينمائياً مع أداء الممثلين الحي على خشبة المسرح. بدورها، كانت بولندا رائدة في تجارب لغة المسرح الممتزجة بالفن التشكيلي، خاصة مع تحول بعض الرسامين والمصممين إلى مخرجين، وفي طليعة هؤلاء غروتوفسكي ومسرحه الطقسي، كانتور ومسرحه البصري، توماشيفسكي ومسرحه الإيمائي الذي أبهر دمشق في أواخر الستينات، جوزيف شاينا والاستوديو الاختباري في وارسو، (وقد دعي إلى القاهرة في أواخر القرن الماضي، وشاهدت إحياءه لعرضه «ربليكا» عن الجحيم النازي على مسرح «الهناجر» في دار الأوبرا المصرية) في ألمانيا، تألق في برلين في القرن الماضي المخرج بيتر شتاين، ومن بعده في القرن الحادي والعشرين المخرج توماس أوسترماير، واستخدم الأخير منهما شاشة ضخمة تعرض لقطات مكبرة جداً لتعابير وجوه الممثلين في «هاملت» مع فرقة موسيقية تعزف بشكل حي على الخشبة موسيقى صاخبة Heavy Metal.

كان من أوائل المخرجين المجددين في فرنسا منذ أواخر الخمسينات المخرج روجيه بلانشون في مدينة ليون، متأثراً بنظريات برشت، فأخرج من نصوصه «خوف وبؤس في الرايخ الثالث»، و«شفايك» و«المرأة الطيبة من ستشوان»، كما استخدم بلانشون السينما في مسرحية شكسبير التاريخية «هنري الرابع»، فضلاً عن تجديده في إخراج مسرحية موليير «جورج داندان». في زمن لاحق، ظهرت في المسرح الفرنسي تجارب ملهمة لمخرجين طليعيين مثل أريان مينوشكين وفرقتها «مسرح الشمس»، وكذلك إخراجات باتريس شيرو المبهرة بصرياً. كما تألق المخرجون الزائرون من بلجيكا مثل يان فابر، الذي حضرت له عرضاً أثار ضجة كبرى في مهرجان «أفينيون» الفرنسي، وحمل عنوان «أنا الدم». مؤخراً، لفتت إخراجات البلجيكي إيفو فان هوفه الأنظار في لندن ونيويورك وأمستردام، خاصة مقاربته الكلاسيكيات بأسلوب فذٍ ومبتكر، منها مزجه لعدة مسرحيات شكسبيرية في Kings of War وRoman Tragedies إلى مقاربته لمسرحية آرثر ميلر «منظر من الجسر»، سواء في مسرح «ينغ فيك» في لندن، أو مسرح «غودمان» في شيكاغو.

بدأت آثار تداخل الفنون تنال حفاوة في لندن على نحو متأخر نسبياً. بدأ تريفور نن بذلك في بعض عروض الميوزيكال في القرن الحادي والعشرين، رغم أنه جاء إليها من خبرة طويلة في إخراج أعمال شكسبير، وإن كان التجديد مع الشكسبيريات أمرٌ مألوف وقديم العهد في «فرقة شكسبير الملكية» و«المسرح القومي» عند عدة مخرجين آخرين استخدم بعضهم أحيانا وسائل التقنية المتقدمة. اليوم، يتألق المخرج والممثل البريطاني المعروف سيمون ماكبارني في تطوير مسرح الجسد مع فرقته ذائعة الصيت «كومبليستيه» في لندن. كذلك لمعت المخرجة كيتي ميتشل بإخراجاتها في بريطانيا وألمانيا. لمعت أيضاً فرقة «1927» في لندن بطابعها التجريبي الذي يستخدم وسائل الاتصال المتعددة، كما في عرضها الشهير Golem. برزت أيضاً فرقة Frantic Assembly من الويلز، وهي تمزج بين المسرح الجسدي والموسيقى الحديثة، كما في عرض Beautiful Burnout وCurious Incident of the dog in the Nighttime بحيث انتقل العرض الأخير إلى أحد مسارح لندن، وحظي بجوائز.

في الدنمارك، يتصدر حركة المسرح الطليعي المخرج الإيطالي الشهير يوجينيو باربا، الذي يدير منذ سنوات «مسرح أودين» في مدينة هولتسبرو، ويقوم بجولات عالمية في مختلف أصقاع الأرض. أخرج باربا مسرحية «هاملت» في قلعة «ألسينور» نفسها التي جعلها شكسبير موضعاً لأحداث قصة الأمير الدنماركي الذي يخطط للإطاحة بعمه المستبد وقاتل أبيه غيلةً وغدراً محتلاً عرشه ومقترناً بزوجته. زار باربا سوريا وقدم ثلاثة عروض مونودراما من إخراجه، وأجريت معه آنذاك لقاءً تلفزيونياً مطولاً.

شهد المسرح الروسي انقلاباً جذرياً، وتغير رفضه المتشدد لأي تيار مجدد ومجرب خارج إطار واقعية ستانسلافسكي واضطهاد السلطات آنذاك لمايرهولد بسبب أسلوبه التجريبي، وتهميش تجارب تاييروف، إلى القبول بالتجريب الذي كان من المحرمات في الربع الأول من القرن العشرين. تعرض حتى ستانسلافسكي نفسه في أواخر حياته، وكذلك فاختانكوف، إلى الضغط كي لا ينحرفا عن المنهج الواقعي ويقاربا تجارب الشكل الجديد. منذ مطلع السبعينات تقريباً، رُدَّ الاعتبار إلى مايرهولد، واحتفي بأساليب مسرحية متنوعة في الاتحاد السوفياتي والجمهوريات التابعة له آنذاك. في مقدمة الأسماء اللامعة التي تألقت عالمياً يوري لوبيموف ومسرحه الشهير «تاغانكا» في موسكو، وبالأخص إخراجاته التي شاهدتها لعروض «عشرة أيام هزت العالم» و«طرطوف»، وما سمعت من الصديق الراحل فواز الساجر عن مقاربته المبدعة لمسرحية «هاملت». اشتهر عالمياً أيضاً الجورجي روبرت ستوروا بإخراجه لمسرحيتي شكسبير «ريتشارد الثالث» و«الملك لير»، وقد حضرت الثانية منهما في موسكو. كما اشتهر نيكروشوس بإخراجه المجدد لمسرحية تشيخوف «الخال فانيا»، التي أعجبت بها أيما إعجاب. في القرن الحادي والعشرين، ظهرت عروض المخرج ذي الأصل الليثواني ريماس توميناس ذات الطابع التجريبي، وفي طليعتها «الخال فانيا» و«يوجين أونيغن». كما لمع نجم المخرج التجريبي ديمتري كريموف في القرن الحادي والعشرين، وبالأخص عرضه التجريبي اللامع تشكيلياً «شيطان، نظرة من الأعلى» Demon، View from Above.

تملك الولايات المتحدة زخماً قوياً في المسرح التجريبي منذ ستينات القرن الماضي، وبالأخص جوليان بِك وجوديث مالينا في «المسرح الحي». كما نذكر من بين الفرق التجريبية الرائدة «فرقة سان فرانسيسكو الإيمائية» لمؤسسها المخرج المتأثر ببرشت ر. ج. ديفيز. اكتسبت الكثير من هذه الفرق شهرتها من معارضتها السياسية لحرب فيتنام، ومن جولاتها المظفرة في العواصم الأوروبية. عندما عملت في أواخر الثمانينات مساعداً للمخرج الطليعي الراحل جوزيف تشيكن، شاهدت في منزله فيديوهات عن عروضه الرائدة حين أسس وأدار فرقة «المسرح المفتوح». في أواخر الثمانينات أيضاً، شاهدت عرضاً مذهلاً في سان فرانسيسكو لرائد المسرح التشكيلي / البصري الأميركي جورج كوتس، وكان مذهلاً في جمالياته وابتكاره في الاستفادة من التقنيات الحديثة. حالياً، تقدم المخرجة كاثرين سوليفان في شيكاغو عروضاً من هذا الطراز، تستخدم فيها وسائل الاتصال الجماهيري multi - media كأدوات تعبير، وهي نموذج لتجارب متعددة أخرى كثيرة، وبالأخص في نيويورك.

ختاماً، نكرر القول: إن المسرح ليس كلمات فحسب، وإنما فرجة بصرية تتداخل فيها عناصر الأداء الجسدي ورسم الحركة مع الموسيقى والضوء والتشكيل لخلق تعبير يهدف إلى التأثير في عاطفة وعقل متفرج ملَّ من الأساليب التقليدية، وصار يطمح إلى أسلوب جديد يهز مشاعره ويحفر أثره عميقاً في الوجدان. إنه التطهير الذي ينشده المسرحي المعاصر بانفتاحه على استخدام تقنيات وسائل الاتصال الحديثة ضمن العرض المسرحي الحي وهو يقوم بإحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم نصوص جديدة تجذب جمهور الشباب خاصة إلى ارتياد المسارح.

* مخرج وكاتب مسرحي سوري مقيم في الولايا

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

صباح الأنباري وأعماله الكاملة

مجلة الفنون المسرحية

صباح الأنباري وأعماله الكاملة

د. أسماء غريب

(1)
لماذا الأعمال الكاملة؟أيُّ سرٍّ هذا الّذي يُحَفِّزُ العديدَ مِنَ الأدباء عَلى التّفكير في لحظةٍ مُعيّنة مِن حياتِهم، بإصدارِ "أعمالهم الكاملة" في مُجلّد أو مجلّدات عدّة، يجمعُون فيها كلّ ما ألَّفُوه طيلةَ حياتهم الفكريّة؟! هلْ في هذا الأمرِ إعلان عنْ قرب النّهاية؟ أو اعتراف ضمنيّ بأهمّية ما تمَّ تقديمُه مِن عملٍ يُعتَقَدُ في أحقّيتِهِ بالجمعِ والتوثيقِ ليَنْتَفِعَ بهِ ومنهُ الآخرون؟ وماذا عن موقف دُورِ النّشر في هذه القضيّة؟ أو بعبارة أخرى؛ ما الّذي يدفعُ بناشر مَا إلى خوض هذه التجربة، والمغامرة بالنّشر لكاتبٍ قرّر أن يجمعَ أعمالَهُ في زمن قلّ فيه إقبالُ القرّاءِ والنّقّادِ على الكِتاب والكُتّاب والأدباء بشكلٍ عامّ؟! 
لا أحدَ غير مَنْ يعملُ في مجال الكتابة ويعرفُ دهاليزَها الشّائكة، ويَخْبِرُ معاناة الأدباء والنّاشرين معاً، يُمْكِنُهُ أنْ يجيبَ عن هذه التساؤلات بكلٍّ حيادية وتوازنٍ ورصانةٍ، وعليهِ أقولُ: إنّ الّذي عادةً ما يُشَجِّعُ كاتباً مَا على نشرِ أعماله الكاملة ليسَ فقط الإحساس الذّاتيّ أو الشخصّيّ بأهمّية ما تمَّ تقديمُه خلال سنوات العمر الماضية، وإنّما هُو الاعترافُ الجمعيّ والغيْريّ بمَا لهذه الأعمال نفسها من قيمة أدبيّة وعلميّة عالية، وهو الأمرُ الذي لا يمكنُ الأخذ به في غياب عنصر التراكم الكمّيّ والكيفيّ، والذي أعني به مجموعَ ما تراكَمَ من موادّ ونصوص وكُتُبٍ فَرَضَتْ ليس على الكاتبِ وحده وإنّما على النّاشر والنّاقد والمهتمّين مِن الأساتذة الأكاديميين وغيرهم من ذوي الخبرة الاعترافَ الصّريحَ أو الضّمنيّ بأهمّية تجربة كاتب ما سواءً كانَ شاعراً، أو روائياً أو مؤرّخاً أو مسرحيّاً وهلمّ جرّاً، وبأحقّيَتِهِ أكثر من غيره بأنْ تُوثَّقَ أعمالُه وتُجْمَعَ في مجلّدات تُجَنِّسُ لما يُسَمّى بـ (الأعمال الكاملة).
وبما أنّني بصدد تناوُلِ تجربة الأديب المسرحيّ صباح الأنباريّ، أقولُ إنَّ صاحبَ كتابِ (المجموعة المسرحية الكاملة) الذي صدرَ مؤخّراً الجزءُ الأول منه (1)، قد تحقّقَ في مسيرتِه الإبداعيّةِ عُنْصرُ التّراكُم بامتياز، إضافة إلى عُنصرَيْ التّجديدِ والخصوصيّة اللذان يُشَكّلان ركيزة مُهمّة يعتمدُ عليها النّقدة والبحّاثة وكذا النّاشرون ليُقرّوا مدى أحقّية أديب ما في جمع نتاجاته بين دفّتيْ مُجلّدٍ أو مجلّديْن أو ربّما أكثر.
وأمّا عُنصر التّراكُم عند الأنباري فتؤكّدُه إصداراتُه التي تجمّعت على امتداد السّبعِ عشرة سنوات الأولى منَ القرن الواحد والعشرين، انطلاقاً من (طقوس صامتة) ووصولاً إلى (مذكّرات مونودرامية) (2)، إضافة إلى العديد منَ المقالات التي كتبَها في مجال المسرح والنّقد المسرحيّ والتي تتجاوزُ الخمسين مقالةً نُشِرتْ في العديدِ مِن الجرائد والمجلّات كـ (الموقف الثقافي)، و(العرب العالمية)، وجريدة (الحياة)، و(طريق الشّعب)، و(المدى)، و(الزمان) و(التآخي)، ومجلة (دجلة)، وغيرها منَ المنابر الثقافيّة والإعلاميّة، دون نسيانِ المسرحيـّاتِ التـي أخرجَها للخشبة ضمنَ أنشطة (فرقة مسرح بعقوبة) كمثلِ مسرحية علي سالم (بهلوان آخر زمان)، ومسرحية (المفتاح) ليوسف العاني، ثم مسرحية (قضيـّة ظـلّ الحمـار) لفردريش دورنمات.
كما لا يفوتني أنْ أسجّلَ أنّ الأنباريّ حظيَ باهتمام العديد من النقاد والمتتبّعين الأكاديميّينَ لرحلتِه وتجربتهِ المسرحيّة والّذين بلغتْ كتاباتُهم عنهُ ما يفوق التّسعين مقالة، أذْكُرُ منهم على سبيل المثال لا الحصر كلّاً من تحسين كرمياني (3)، ود. فاضل عبود التميمي (4)، ود. فائق مصطفى، ود. إبراهيم علي محمود، وسعد محمد رحيم (5)، ثم علي مزاحم عبّاس (6) وشاكر مجيد سيفو وبلاسم إبراهيم الضاحي (7)، وكذا محيي الدّين زنكنة (8). ويضافُ إلى هذا العديد من اللقاءات الصحفيّة التي أجْرِيَتْ معه، ونُشِرتْ على صفحات العديد من الجرائد داخل أو خارج العراق (9).
أمّا لمنْ يسألُ عنْ عُنْصُرَي التّجديدِ والخصوصيّة في التجربة الأنباريّة، فالمرادُ بهما نجاحُ الأنباريّ في تجنيسٍ جديدٍ بمجالِ الكتابة المسرحيّة بطريقةٍ حوّلَ معها وبهَا النصَّ الصامتَ مِنْ سيناريو متخصِّصٍ فنّيّاً وتقنيّاً بخشبة المسرح إلى نصٍّ مقروء منَ الناحية الأدبيّة، وذلك لخبرة الأنباريّ الطويلة في مجال المسرح الصّامت الذي هو بالنسبة له فنٌّ بصريٌّ يشتغلُ على الصّورة التي يُحَرّكُها الفعلُ والرّغبة والهدفُ بغرض تشكيلٍ معنى مُعيّن يكونُ قادراً على التجسُّد في هيئة نصّ مُدَوّنٍ على الورق، أو عرضٍ فوق خشبةِ المسرح، وهذا ما جعل الأنباريّ يحظى بهذه الخصوصيّة التي تُمَيّزُه عنْ غيره من رواد المسرح العربيّ لأنهُ يُعَدُّ أوّلَ مَنْ أسّسَ صرحَ أدبيّات المسرحيّة الصّامتة، على الرغم مِنْ ما في كتابةِ النصّ المسرحيّ الصّامتِ مِن صعوباتٍ قدْ تجعَلُ في الكثيرِ مِنَ الأحيانِ مهمّةَ الإبداعِ والتميُّزِ في هذا الجنسِ الأدبيّ الجديدِ أمراً مستحيلاً، لا سيما إذا كانَ الكاتبُ غيْرَ مُتَمَرّسٍ في العمل الإخراجيّ المسرحيّ، ولا خبرة لديه فيه، وذلكَ لأنّ كتابةَ النصِّ الصّامت تقتضي بالأساس معرفةَ شروط وقواعد الخشبة والتّمثيلِ معرفةً دقيقةً، تُكَمِّلُ ما يكونُ قد تراكَم عند الكاتبِ عبر السنوات منْ ثقافةٍ مسرحيّة شاملة وعالميّة تكونُ تطبيقيّةً أكثر منها نظريّة، حتّى يستطيعَ اللّعبَ بمرونة على حبلِ الخيالِ والابتكار الجديدِ المُتجدّد والمُتحرّرِ مِنْ ربقات التناصّ المسرحيّ الذي غالباً ما يجرُّ رجلَ المسرحِ إلى اجترار ما سبقَ أنْ كتبَهُ الآخرون، أو استلهام النّصوصِ مِن تجارب أخرى عالميّة كانت أو وطنيّة أو محليّة. وكلّ هذا يعني أنّ صباح الأنباريّ قد نجحَ بخبرته العميقة ليس فقط في تجنيسِ المسرحيّة الصّامتة وإنّما في إيجاد لغة إنسانيّة عالميّة مُشْتَرَكَةٍ للتثاقُفِ والحوار البنّاء وتبادل الخبرات دون الحاجة إلى التّرجمة، لأنّ هذا النوعَ من الإبداع أثبتَ مع الأنباري، أنه الأقدَرُ على تمكينِ الإنسانِ من التواصل مباشرةً مع أخيه الإنسان كيفما كانت لغته، وديانته واعتقاده، كما الرياضيات والموسيقى بالضّبط، التي هي لغة السّماء.
(2)
الطّريق إلى الأعمال الكاملة

قد يبدو لمُتَتَبّعي إصدارات صباح الأنباري في مجال المسرح الصّامت، أنَّ البدايات كانت منذ سبع عشرة سنة فقط، أيْ حينما أصدرَ سنة 2000 (طقوس صامتة)، في حين تقولُ لائحة الجرد البيبليوغرافيّ لأعماله المسرحيّة الصّامت منها أو الصّائت، إنّ نقطة الانطلاق الحقَّة كانت سنة 1974، أيْ حينما أخرجَ مسرحية (بهلوان آخر زمان) التي ألّفها علي سالم، وأعدّها عبد الخالق جودت، وقدّمتها فرقة مسرح بعقوبة، لكن هل حقّاً تُسَجَّلُ بدايات المُبدع معَ أوّل عملٍ يُقَدِّمُهُ أو يُصْدِرُهُ؟ أعتقدُ أنّ الأمر فيه حيف وظلم ما بعده ظلم، فالبدايات لا تسجِّلُهَا الأوراقُ والكتبُ فقط، ولا العروضُ ما دمنا بالآداب المسرحيّة منشغلين في مقالتنا هذه، وإنّما تُسَجِّلُهَا الأماكنُ، والتّجَاربُ المعيشة فيها ومن خلالها منذ أن يرى المبدعُ النّورَ إلى آخر يوم في حياته الدنيويّة، وقَوْلِي هذا يُشَرِّعُ لي سؤالي الجديد عن دوْر الأماكنِ في حياة صباح الأنباري، والبدايةُ ستكونُ من بعقوبة.
وُلدَ صباح الأنباريّ حسبَ ما هو مسجّل في الوثائق الرسميّة في مدينة بعقوبة عام 1954، لكن حسبَ ذاكرة والِدِهِ فإنّ الولادة الحقّة كانت عام 1952. وبعقوبة هذه تقعُ على نهر ديالي المرتبطِ بنهر دجلة في جنوب محافظة بغداد، ويصبُّ فيه نهر الوند قربَ مدينة جلولاء، كما يحتضنُ بحيرتيْن ذواتا جمالٍ خلّاب هما حمرين ودربنديخان في محافظة السليمانية. ومن تعدُّدِ هذه الأنهار وروافدِها وبحيراتها وُلدَ اسم المدينة الثاني لبعقوبة والذي يعشقُ صباح الأنباري على وجه التّحديد أن يناديها بـهِ، وهو (مدينة البرتقال)، وقد يعترضُ بعضُ القرّاء على قولي هذا مؤكّدين أن كلّ أهل العراق يحبّونَ مناداة المدينة بهذا الاسم وليس الأنباريّ فقط، إلّا أنّني أنظرُ إلى الأمر بعين داخليّة لا تتحدَّثُ سوى بحرفِ الاندهاش المصحوب بسحريّة الجمال ورهافة الحسّ، فأنا لستُ منَ العراق كي أرى ما يراه عمومُ النّاس من هذا البلد الأثير، وإنّما مِن مغرب جبال الأطلس وأنهار أمّ الربيع ودرعة وتانسيفت، وكلّ ما يصلُنِي من بلاد الرّافدين هو جديد عليّ وعتيق في الوقت نفسه، وضاربٌ في جذور انتمائي الكونيّ لكوكبِ الرّوح وكنوزه الدّفينة، ألجُه بقلبي الطّفل وأقولُ بلسانه ما لم يقله غيري من قبل، ولذا، فإنني أرى أنّ اسم (مدينة البرتقال) وهو يُتَهَجَّأُ حرفاً حرفاً في قلب وبين يدَي صباح الأنباري لهُ وقع خاصّ فيه منَ الجمال والسِّحْر ما يحتاج إلى التوقّف أكثر فأكثر عند هذه المدينة.
بعقوبة هي بيْتُ الصّبر والدّمع والجَلَد، وهي قبلَ هذا وذاك حوضُ الذّهب، وإذ أقول هذا فإنّي أعني الأرضَ الّتي ظهرتْ فوقها خيراتُ الله متجلّيةً في حقول البرتقال والليمون والرّمَان والنخيل، والزهر والورد الفوّاح، والنباتات العطريّة من ياسمين وميرمية وعطرشيّة أو ما يسميها البعضُ بنبتة اللقلقيّ النّفّاذ، ترمزُ كلُّهَا إلى الدّفء والمحبّة والوفاء والإخلاص، لأنّ أبناءَها، ولا سيما منهم أهلَ الحرفِ والتّقوى، استمَدّوا كلّ هذه الصّفات النبيلة من عطور نباتاتِ مدينتهم وألوان زهر النارنج فيها، وعرفوا باكراً أنّ سرّ السّعادة لا يكمنُ في الاعتناء بالفراشة وأجنحتها السّاحرة، وإنما في الاهتمام بالأرض والحقل والوفاء لهُما والدّفاع عنهما بكل تفانٍ ونُكْران للذّات، حتى تؤمّهُما بعد ذلك كلّ فراشات الكون، وتصبحُ الأرضُ وطنَ النّور والعشقِ المنبعث سحرُه في كلّ القلوب. وليس غريباً أن نجد الأنباريّ قد تعلّم من مدينته الكثير، لأنه نبتَ كما شجرة البرتقال فيها، ففاح أريجه وامتدَّ إلى أبعد بقاع الله في الأرض؛ استراليا حيث يقيمُ اليوم هو وأسرتُه الفاضلة الكريمة.
وشجرةُ البرتقال البعقوبيّة حاضرة في كلّ شيء خطّتهُ يداه، بدءاً من بداياته الشّعريّة إلى نصوصه المسرحيّة الصّامت منها والصائت (10) ومروراً بنصوصه في النّقد المسرحي والشعريّ، ولعلّ أكبر دليل على ما ذهبتُ إليه هو كتابُه (الرّسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال) (11) والّذي ظهرتْ فيه بعقوبة بأبهى صورها عبر توثيق الأنباريّ لإبداعات رواد الرّسم والفوتوغراف فيها كالفنّان ناظم الجبوري، وسامي مسعد وأكرم الخزرجيّ وعدنان حسين مطر، وكذلك عبر تجلّيات جماليّة لا تجيدُ احتضانَها مدينة أخرى غير بعقوبة لأنّ لها منَ الأبناء مَن هُم وحدهم قادرون على مدّ جسور المحبّة انطلاقاً مِن مساحاتِ طبيعةِ مدينتهُم المفتوحة وفضاءاتها وحقولها وبساتينها اليانعة التي شربوا منها جميعاً إكسيرَ التمدّن والتحضّر والحوار والتآخي والتآلف مع الآخر (12) ليس فقط لأنّها قريبة من العاصمة بغداد وإنّما لأنّ حجرَ العشق والحكمة والفلسفة والعرفان كامنٌ فيها وهذا ما يبرّرُ تسميتي لها آنفاً بحوض الذّهب.
لكن ما الذي حدثَ لبعقوبة فيما بعد؟ من هشَّمَ قلبَها وأهرقَ دمعَها، وأحرقَ أشجارَهَا، وجفّفَ أنهَارَهَا؟ أينَ ذهبَ بياضُ القيمر وصفاؤه، وعطرُ الدولمة والبرياني والكباب في مطابخ البيوت البعقوبيّة الكريمة؟ بل أينهم البعقوبيّون البسطاء الّذين كانوا يتحلّقون حول المذياع لينصتوا بكلّ شغفٍ إلى مصطفى جواد وهو يطلُّ عليهم ببرنامجه الإذاعيّ اللغويّ الشيّقِ (قل ولا تقل)، وحول شاشة التلفزيون العتيقة ليتابعوا مؤيد البدري في برنامجه (الرياضة في أسبوع)، ويستأنسوا بالمسرحياتِ والمسلسلات التي خلدت في الأذهان كمسلسل (تحت موس الحلاق) ضاحكين منْ أعماق القلوب من كلّ ما كان يقدّمُه سليم البصري (حجّي راضي) وحمودي الحارثي (عبّوسي) وهُما يعالجان قضيةَ محو الأميّة لا سيما في حلقات خاصّة أذْكُرُ منها حلقةَ (تلميذ مسائي)؟ أين ذهبَ كلّ هذا البهاء والجمال والسعادة؟ الجواب يوجدُ في أعمال صباح الكاملة: إنّها الحرب تلك التي كان يحاولُ والدهُ أن يُبْعِدَ شبحَها عنهُ وعن بقيّة إخوته، وهو الرجل الذي خبِر ويلات الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ويعرفُ جيّدا ما تخلّفه الحروب كلّها بدون استثناء من دمار وخراب. لكن هيهات هيهات، فحروب بلاد الرافدين الكثيرة ابتلعتْ أهل الأنباري، ولم تتركْ له لا أبا ولا أخا ولا أمّا ولا أختا، وأذاقتهُ باكرا مرارة السّلب والحرمان والموتِ الخاطف الغادر، فأصبحَ مثله مثلَ العديد مِنَ البعقوبيين شجرةَ برتقالٍ قُطِعَتْ أوصالُهَا، ونُسِفَتْ أوراقُهَا وغُيّبَتْ شمسُها عن المدينة، ولم يبقَ أمامها سوى أن تحمل ما تبقّى مِن جذعها المُقاوِم لأوار الحقد والكراهية والتعصّب الطّائفي لتذهبَ وتغرسَه في أرض أخرى لا حربَ فيها علَّ الجذعَ يُنْبِتُ أغصاناً جديدةً تورِقُ زهراً عَطِراً وفاكهةً تسرُّ النّاظرينَ، لتحتفظَ مِن خلالها على صِلَتِها بنهر الحكمة الأمّ، وتعيدَ الحياةَ إلى حوض الذّهب ومكنوناته البهيّة.




(3)
في حضرة اليمامة والقمرية

في أرضِ المهجر (أديلايد) اختمرتْ ونضجتْ فكرةُ جمع كلّ ما أنتجَه صباح الأنباري خلال مسيرته الإبداعيّة في مجموعة شاملة هي (المجموعة المسرحية الكاملة)، وعبر منشورات ضفاف اللبنانية وصلَ الجزء الأول إلى مناطق مختلفة منَ العالم منها مصر، أرض الفنون ورواد المسرح العربيّ الأوائل، هناكَ حيثُ وُزِّعتْ العديدُ مِنَ النّسَخِ على طلّاب الدراسات العليا بقسم المسرح في جامعة طنطا باعتبار أنَّ هذا الجزءَ قد أصبح مقرّرَهم الدراسيّ لهذه السنة الأكاديميّة الجارية، وجسراً للتواصلِ بينهم وبين صباح، وبينهم وبين الجامعات العربيّة من خلال أستاذهم الدكتور سيد علي إسماعيل (13).
يتكوّنُ الجزء الأول من (المجموعة المسرحية الكاملة) من فصليْن جامعيْن هُما (المسرحيات الصوامت وأسسها النظريّة والتطبيقية) و(نصوص المسرحيّات الصوامت) الذي يضمُّ ثلاثَ مجموعاتٍ جمَعَ الأنباريّ في الأولى منها كلّ الصوامت التي صدرتْ عام 2000 في كتابه (طقوس صامتة)، وأعادَ نشرها في (كتاب الصوامت) الذي صدرَ عام 2012. أمّا في المجموعة الثانية فجمعَ كلَّ الصوامت التي صدرت في (ارتحالات في ملكوت الصّمت) بدءاً من مسرحية (الالتحام في فضاءات الصّمت) وانتهاءً بـمسرحيّة (حجر من سجّيل) (14). وفي المجموعة الثالثة أدرجَ إحدى عشرة مسرحية، اثنتانِ منها سبقَ أنْ صَدَرَتَا في (كتاب الصوامت) (15) وهُما (قطار الموت) و(عندما يرقص الأطفال)، أمّا التّسعُ الباقيات فهي نصوص جديدة نُشِرَتْ واحدة منها ورقيّاً في جريدة (تاتو) (16) وثانية رقميّاً على موقع (بصرياثا) (17) وثالثة منها ورقيّاً أيضاً في مجلّة (الجديد) (18) أمّا المسرحيات الستّ الأخرى فنُشِرَتْ كلها ورقيّاً في جريدة (العالم) عام 2014، وهي المسرحيات التي سأختارُ من مجموعها كاملة (19) مسرحية لا غير، وأعني بها مسرحية (الهديل الّذي بدّد صمتَ اليمامة) (20)، وذلك لأنّي أعتبرُهَا أكثرَ النّصوص اختزالاً للمسار الأنباريّ كاملاً، ولأنّهُ يحكي عن بعقوبة وعن شيَم الوفاء والعفاف والكفاف والغنى عنِ النّاس التي تُمَيِّزُ هذا الأديب والتي تجلّتْ في إهداءاته سواءً منها التي افتتحَ بها (المجموعة المسرحيّة الكاملة) أو تلك التي تصدّرتْ (كتاب الصوامت) أو نصّ المسرحية ذاته، وهي الإهداءات التي سأجردها كما يلي:
- في المجموعة المسرحيّة الكاملة:
((إلى الّتي لا أزال على قيد محبّتها، وإلى أبنائي... وصمتي المناهض للتهريج، والضجيج، والثرثرة العالمية)) (21)؛
- في كتاب الصوامت:
((إلى الّتي طوّقتْ بهديلها الشجيّ صمتَ انتظاري الطّويل، وفرشت ظلّ جناحها الوارف على ملكوتي الدّرامي، إلى زوجتي لول (كما يحلو لي أن أسمّيها)، أهدي هذا السّفر من الصّوامت)) (22)؛
- في مطلع مسرحية ((الهديل الّذي بدّد صمت اليمامة):
((إلى اللائي انتظرن عودة يمامهن طويلاً. وإلى زوجتي مع خالص الهديل)) (23).
الجميل في هذه الإهداءات التي تفيضُ محبّة وإخلاصاً وسمواً واحتراماً لشريكة العمر والحياة هوَ حرصُ صباح الأنباري الشّديد على الدقة في اختيار الكلمات ومعانيها، فهو لمْ يستخدم كلمة (الحمام) مثلاً، وإن كانت تدلّ على معاني لطيفة ساميةً أهمّها السلام والاطمئنان الرّوحيّ، ولكنّه انتقى مصطلحَ (اليمام) ليخاطبَ زوجتَهُ والقرّاءَ من خلالها داعين إياهم للتعمّق في فحوى نصوصه، وذلك لسعة وغزارة ثقافة هذا الأديب ومعرفتهِ للفرق بين كلا النّوعين من الطّيور، وهذا ما يؤكّده جمعه بين اليمام والهديل والصّمتِ، ليلخّص المعنى الحقيقيّ لمسرحياتهِ الصّامتة.
اليمامُ في عرف المختصّين بعلم الطيور (Ornithology) أشدّ وفاء وإخلاصاً من الحمام، وأكثر حبّا للحريّة، لذا، فإنّه منَ الصّعب جدّا قنصُه، إضافة إلى أنه لا يطيق أن يستسلم للإنسان ليروّضَهُ على العيش حبيسا بين الجدران، وإذا حدثَ وحُبِس فإنه لا يفرّخ إلا نادراً، وإذا أفلت من سجنه فإنه لا يعود إليه أبداً، ويحبّ الهجرةَ كثيراً بحثاً عن أوطان أكثر أماناً واستقراراً، وإذا عشقَ كثُر هديل ذُكْرانِه.
وفي اللغة العربية لا يوجدُ مذكّر مصطلح "اليمام"، إذ اليمامة كما الحمامة والنملة والنحلة ونحو ذلك تطلقُ على الذكر والأنثى، فإن قصدوا التمييز بين الذّكَر والأنثى ميزوا بينهُما بوصف كأن يقولوا نحلة ذكر مثلا، أما اليمام فقد وضعوا لأنثاه اسماً خاصّاً بها هو القمرية. وبناء على هذا التمييز بين الجنسين فإني أجدُ نفسي بين يمامة وقمرية: يمامة هي صباح الأنباري وقمرية هي حبيبتُه (لول) كما يعشقُ أن يسمّيها، ولهذا فإنّ من يقرأ للأنباري بعينِ المحبّة لا بدّ سيجدُ زوجتَه وقمريتَهُ السّيدة لميعة الناشئ حاضرةً بشكل أو بآخر في كلّ نصوصهِ الصّامت منها والصّائت (24). وهكذا يصبحُ جليّا لماذا اختار نصّ (الصّمت الذي بدّد هديل اليمامة) وأهداهُ لها بكلّ تفانٍ ومحبّة، لأنهُمَا معاً معنيان أكثرَ من غيرهما بما عانته المرأةُ العراقية ومازالت من ويلات الحرب التي قصمتْ ظهرها، ورمّلتها، وتركتها عرضة لوحوش الغاب وللعزلة والحزن والقهر والاكتئاب. 
والحربُ في نصّ هذه المسرحية تُعَدُّ الحدثَ الرّئيس الذي تلتقِي حولهُ الشّخصياتُ (25) وتتفجّرُ عبره الصّراعات ولحظاتُ التوتُّر والتأزُّم لتضفيَ عليهم جميعاً حضوراً مسرحيّاً يشُدُّ بشكلٍ أكثرَ عمقاً بصرَ الجمهور، مخترِقاً فكرَهُ ووجدانَهُ، وواضعاً إيّاهُ أمامَ الوجهِ الحقيقيِّ للحرب، بالضّبط كما فعلت مارغريت ميتشل مِنْ خلال روايتها (ذهب مع الرّيح) التي كانت تقرأها من حين لآخر بطلةُ مسرحيّة الأنباريّ. 
ولمْ يكتفِ الأنباري بالحربِ كحدث قامَ بِمَسْرَحَتِهِ على الخشبة، وإنما كواقعةٍ للكشفِ النّفسيّ عبر تقنية العزل والانتقاء، والتي أعني بها ذاك المجهود الذي بذله الأنباريّ لينتقي من حدث الحرب عنصرا واحداً هو المرأة ليتمكّنَ منْ معالجة علاقتِها بتداعيات الحرب بشكلٍ مكثَّفٍ ومُخْتَزَلٍ حتّى يضمنَ سرعةَ وصول رسالته إلى الجمهور والتأثير المباشر فيه، دون المبالغة في الإثارة العصبيّة للمُشاهد كيْ لا يصرفَه عن الالتفات إلى المعاني الإنسانيّة والمظاهر الفنيّة في المسرحية من رسم للشخصيات، وبناء فنّيّ متكامل لها، وإضاءةٍ وأصوات وما إليها.
وفي مقابل حدث الحربِ، يَظهرُ في هذه المسرحية حدث آخر لا يقلُّ أهمّية عن الحدث الأول، وأعني به الدّعوةَ إلى السّلام والوئام بين بني البشر من خلال عنصرٍ على قدر عالٍ من الرّقيّ والأناقة والوسامة الفنّية، وهو هديلُ اليمام، والذي ما هو في الحقيقة سوى هديل صباح الأنباريّ نفسه الموجّه للنّاس أجمعين، فهو الدّاعي إلى العفاف والمحبّة، وإلى الوفاء والسّلام عبر كلّ نصوصه القديم منها والجديد، السّلام الذي هو لغة الصّامتين، المُبتعدين عن ثرثرة العالم، وغباء وضجيج أهل الاستكبار والاستعلاء.
سيبقى الأنباريّ شاهداً على زمنه من خلال تجاربه الغنّية، ومسرحياته الصّامتة التي اخترقتْ حجب العوالم، وأدخلتِ القارئَ والمتفرّجَ على حدّ سواء إلى حضرة البَصَر والبصيرة ليعثُرَ فيها كلّ واحد على يمامته أو قمريته، ويهدلَ معهُ أو معها أنشودة السّلام الأبديّ، لذا فإنّي أقولُ ختاماً: لا تصدّقوا هذا الهرمَ إذا ما أصدر أعمالَه الكاملة مُعلناً ختامَ المشوار المسرحيّ، لأنّه بكلّ اختصار، رجلُ الورشات الكبيرة المفتوحة إلى ما لا نهاية، وما زال في جعبتهِ الكثير، ونصُّهُ الصّامت الأكبر والأهمّ مازال في الطّريق، فانتظروه، وانتظروا هذه اليمامة ذات الهديل السّاحرِ الشجيّ.

الهوامش:
(1) صباح الأنباريّ، المجموعة المسرحية الكاملة (ج1)، ط1،  منشورات ضفاف، لبنان، 2017.
(2) - طقوس صامتة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2000؛
- ليلة انفلاق الزمن، اتحاد الكتاب العرب – دمشق، 2001؛
- البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002؛
- ارتحالات في ملكوت الصمت، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2004؛
- المخيلة الخلاقة في تجربة محيي الدين زنكنة الإبداعية، منشورات مجلة بيفين، السليمانية، 2009؛
- المقروء والمنظور... تجارب إبداعية محدثة في المسرح العراقي، دار سردم للطباعة والنّشر- السليمانية، 2010؛
- المكان ودلالته الجمالية في شعر شيركو بيكس، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011؛
- قاسم مطرود في مرايا النقد المسرحي، دار نون للنشر والإعلام، القاهرة، 2011
- تجليات السرد وجمالياته في قصص محيي الدين زنكنة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2011؛
- كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012؛
- التأصيل والتجريب في مسرح عبد الفتاح قلعجي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2013؛ 
- محيي الدين زنكنة / الجبل الذي تفيأنا بظلاله الوارفة، منشورات مهرجان كلاويز السابع عشر، السليمانية، 2013؛
- شهوة النهايات / ثلاث مسرحيات عراقية صائتة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2013؛ 
- الرسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال، قوس قزح للطباعة، كوبنهاكن الدينمارك، 2014؛
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين، دار ضفاف / بيروت، 2014؛ 
- مذكرات مونودرامية / نصوص مسرحية صامتة، دار ضفاف / بيروت، 2015.

(3) انظر كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 185.
(4) المصدر نفسه، ص 191.
(5) المصدر نفسه، ص 206.
(6) المصدر نفسه، صص 213-233.
(7) المصدر نفسه، صص 234-266.
(8) ألّف صباح الأنباري عن محيي الدّين زنكنه في النّقد المسرحيّ أربعة كتب هي:
- البناء الدرامي في مسرح محيي الدّين زنكنه، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، العراق، 2002؛
- المخيّلة الخلاقة في تجربة محيي الدّين زنكنة، منشورات مجلة به يفين (10)، 2009؛
- تجلّيات السرد وجمالياته في قصص محيي الدّين زنكنه، ط1، دار الشؤون الثقافية العامّة، 2011؛
- ثمّ محيي الدّين زنكنه، الجبل الذي تفيّنا بظلاله الوارفة، مطبعة دلير، من مطبوعات مهرجان كلاويز السّابع عشر، 2013.
(9) - صباح الأنباري يتحدث لـ (الزمان) عن المسرح الصامت، (الزمان)، لندن، 10/ 7/ 2009؛
- حوار مع الكاتب المسرحي والناقد صباح الأنباري، (الدستور)، العراق، 1/12/2003؛
- ثمّ صباح الأنباري بين هواجس الكتابة والتمثيل والإخراج، (أشنونا)، العراق، 20 / 10 /2001، وغيرها من العشرات من اللقاءات.
(10) انظر مسرحية (الهديل الذي بدّد صمت اليمامة) والتي ظهرت فيها بعقوبة من خلال الحمولة الرمزية العالية لكأسيْ عصير البرتقال الموضوعـتين فوق المنضدة التي تجلس إليها الشخصية الرئيسة: كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 101.
(11) الرسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال، قوس قزح للطباعة، كوبنهاكن الدينمارك، 2014.
(12) انظر في هذا الإطار صورة الأنباري (داخل صالة التصوير) وهو يجلس على مقعد مرتفع في شهره السادس وإلى جانبه فتاة كردية تضع يدها البيضاء الكريمة على صدره الصغير بكلّ محبّة وحنان: (الصورة موجودة بموقعه الرسميّ، وتحمل رقم 54).
(13) يشهد العديد من رجال ورواد المسرح العراقي المعاصر للأستاذ د. سيد علي إسماعيل بما يبذله من جهود حثيثة بكلّ محبة وإخلاص من أجل إعلاء صرح هذا الفن والوصول به إلى أكبر عدد من الجمهور والمتتبعين منَ البحاثة والنّقدة، وأذكر له شخصيّاً بكلّ تقدير ومودة واحترام ماقام به تجاه مشروع (فوبوس وديموس) للمسرحيّ العراقي ميثم السّعدي حينما جعلهُ ضمن المنهج الدراسي لطلبته في قسم النقد بكلية الآداب (جامعة حلوان / جمهورية مصر العربية)، وأصبح أيضا معتمدا في امتحانات الجامعة السنوية، وهو المشروع ذاته الذي سبق أن ألّفتُ عنهُ كتاباً نقديّاً بعنوان (ميثم السعدي وثنائية العرض المسرحي)، وصدر في بغداد، عن مطبعة تنوير عام 2016.
(14) وهي موجودة أيضا في (كتاب الصوامت)، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، صص80-148.
(15) المصدر نفسه، صص 157-166.
(16) مسرحية (الموت بين يدي القصيدة) عدد تموز 2014.
(17) مسرحية (جرذان سود وشمس بيضاء)، آذار 2015.
(18) مسرحية (دولة السّيّد وحيد الأذن)، عدد جزيران 2016.
(19) يبلغ عدد المسرحيات المنشورة في هذا الجزء الأول من المجموعة المسرحية الكاملة خمساً وعشرين مسرحية.
(20) صباح الأنباري، (الهديل الذي بدّد صمت اليمامة) من المجموعة المسرحية الكاملة، منشورات ضفاف، بيروت، 2017، ص 115.
(21) المصدر نفسه، ص5.
(22) صباح الأنباري، كتاب الصوامت، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، 2012، ص 5.
(23) المصدر نفسه، ص 100، وفي المجموعة المسرحية الكاملة، ص 115.
(24) انظر على سبيل المثال لا الحصر: صباح الأنباري، ليلة انفلاق الزمن، اتحاد الكتاب العرب – دمشق، 2001، صص 8-28-29.
(25) امرأة في الثلاثين ورجل الظلّ ثمّ الرجال الثلاثة.



عروض وندوات في مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة

مجلة الفنون المسرحية


عروض وندوات في مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة


الشارقة - العرب

 تنظم إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة الدورة الثالثة من مهرجان المسرح الصحراوي، في الفترة من 14 إلى 17 ديسمبر المقبل في منطقة الكهيف.

وتشارك عروض من الإمارات وموريتانيا والمغرب وسلطنة عمان في الدورة الجديدة من التظاهرة، المكرسة لنوع من المسرح يستلهم موضوعاته وحلوله التقنية من البيئة الصحراوية، ويستند فنيا على عناصر مثل السرد والربابة والتشخيص وسواها من أشكال التعبير الفني التي طورتها مجتمعات الصحراء العربية.

وعقدت اللجنة المنظمة للمهرجان اجتماعا بقصر الثقافة في الشارقة برئاسة أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح بالدائرة ومدير المهرجان وبحضور رؤساء وأعضاء اللجان الفنية، وقد تم خلاله التأكيد على اكتمال جميع التحضيرات الخاصة بالضيافة والإعلام الورقي والإلكتروني، وخاصة منها ما يلي: موقع المهرجان ولوازمه التقنية المتعلقة بالإضاءة والصوت، سواء للعروض أو للأنشطة الثقافية المصاحبة من ندوات ومسابقات.

وصمم موقع المهرجان حتى يماثل بنائيا قرية صحراوية، وقد توسطته منصة تقديم العروض، توزعت من حولها الخيام ومصادر الضوء والصوت، إضافة إلى مداخل الاستقبال والأنشطة الأخرى.

وقال أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام، إن “المهرجان يحظى بدعم حاكم الشارقة ويسترشد بتوجيهاته ورؤاه في تطوير الفن المسرحي، وذلك بالارتكاز على المرجعية الثقافية العربية واستعادة ما تكتنزه من أنماط حكائية وأدائية ثرية، وتسليط الضوء على ما تضمنه من قيم وتقاليد وأعراف النبل والأصالة، عبر الاشتغال المسرحي البنّاء والرشيد، ومن خلال الوسائل والأدوات المبتكرة، التي تعمق من وقع جمالياتها ودلالاتها وتحببها لجمهور اليوم وتضمن لها مكانها ومكانتها في فرجات عصرنا”.

وبيّن بورحيمة أن “فكرة المهرجان وجدت ترحيبا واسعا من قبل الفاعلين المسرحيين في كل مكان، وخاصة المتطلعين منهم إلى استكشاف إمكانيات وتحديات جديدة تثري الممارسة المسرحية المعاصرة”، مشيرا إلى أن الدورة الجديدة ستشهد حضور العديد من الأسماء المسرحية العربية، الراسخة والشابة من الإماراتيين والعرب.

وينظم المهرجان في يومه الأول “اللقاء التعريفي” الذي يجمع الفرق المشاركة ووسائل الإعلام، وفي كل ليلة من لياليه يحتفي المهرجان بالثقافة الصحراوية للبلدان المشاركة في حين تحفل روزنامة الأنشطة المصاحبة بالعديد من البرامج ذات الطابع النظري، ومن أبرزها المسامرة الفكرية التي ستأتي بعنوان “مضامين المسرح الصحراوي وأساليبه: بين الكائن والممكن” بمشاركة نخبة من المسرحيين العرب.

كما سيتم تنظيم ندوات تطبيقية تعقب تقديم العروض مساء كل يوم، فضلا عن معارض فلكورية يومية تعكس جانبا من ملامح الثقافة الصحراوية لدى البلدان المشاركة، كما يدشن المهرجان أول كتاب حول فكرته، تحت عنوان “المسرح والصحراء” ويتضمن مداخلات ورؤى حول تجربة المهرجان ومستقبله، إضافة إلى قراءات في بعض عروضه وفعالياته السابقة.

عبد الحق الزروالي: المسرح كان ضحية «الربيع العربي»

مجلة الفنون المسرحية

عبد الحق الزروالي: المسرح كان ضحية «الربيع العربي»
المسرحي المغربي يشكو طغيان وسائل التواصل الحديثة وهيمنة كرة القدم


عبد الكبير الميناوي - الشرق الأوسط 

يعتبر عبد الحق الزروالي، اليوم، أحد أبرز المسرحيين المغاربة الذين استطاعوا فرض حضورهم حتى خارج البلد، بعد أن اقترنت تجربته بـ«المسرح الفردي»، عبر عشرات الأعمال المتميزة، من قبيل «جنائزية الأعراس» و«رحلة العطش» و«عكاز الطريق» و«سرحان المنسي» و«زكروم الأدب» و«افتحوا النوافذ» و«كدت أراه» و«كرسي الاعتراف».

في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، يستعيد الزروالي بداياته الفنية، مستعرضاً اختياراته المسرحية، متحدثاً عن انخراطه في تجربة «المسرح الفردي»، منتهياً إلى أن المسرح العربي كان أول ضحية للهزات التي عرفها العالم العربي في السنوات الأخيرة (الربيع العربي)، مشيراً إلى أن طغيان وسائل التواصل الحديثة وهيمنة كرة القدم قلصا من هامش متابعة المسرح الذي «كان قدره، عندنا، منذ بداياته، أن يمارس كرد فعل وليس كفعل». وفيما يلي نص الحوار:



* متى بدأت مسيرة عبد الحق الزروالي المسرحية؟

- بدأت في 1961، بفاس، مسقط رأسي. كنت وقتها طفلاً صغيراً قادته الصدفة إلى أداء دور مسرحي، بعد أن اختارني صديق للعائلة، كان يعشق المسرح، ويشتغل به، لأداء دور رئيسي في عمل مسرحي، بعنوان «في سبيل الوطن».

يمكن القول إن هذا الدور جعلني أكتسب عشقاً مفرطاً للمسرح، إلى الحد الذي تداخلت فيه الأشياء في داخلي، حتى أنني لا أعرف هل أنا أحيا في التمثيل أم أمثل في الحياة. تداخلت عندي الأشياء، وقتها، فصرت أقرأ الكتب في خزانات المدينة، مع حرص على مشاهدة العروض المسرحية وتتبع الأخبار الفنية، والبحث في تاريخ الممارسة المسرحية، مغربياً وعربياً وعالمياً؛ الشيء الذي ضخم لدي الشعور بالمسرح. اشتغلت، في البداية، في «فرقة التوحيد الفني»، قبل أن تتشتت في 1965، فأسست، إلى جانب عدد من المسرحيين، «فرقة البراعم»، التي اشتغلنا فيها تحت رعاية الأديبة خناثة بنونة. بعد ذلك، عملت ضمن «فرقة المسرح الشعبي»، التي حققنا بها نجاحاً وطنياً، بعد فوزنا في 1968 بجائزة مسابقة، كان يرأس لجنة تحكيمها المسرحي الكبير الطيب الصديقي.

* من المعروف أنكم تحتفظون للمسرحي الراحل الطيب الصديقي بتقدير لافت؟

- هو أستاذي وقدوتي. شاهدت له، منذ 1967، أعمالاً كثيرة. كنت أقول إنه إذا كان علي أن أمتهن المسرح فإن علي إما أن أشتغل في مستوى مسرحه، باعتباره مسرحاً بمستوى عال، عربياً وعالمياً، أو أن أمارس شيئاً آخر. لذلك، حرصت على أن أكون كنحلة في بستان، تأخذ من كل نبتة ما تراه مناسباً، لكي تكتمل عندها في المساء تلك القطرة من العسل، التي تسعى إلى المساهمة بها في مملكة النحل.

* عرفتم، أكثر، من خلال تجربة «المسرح الفردي».. كيف جاءت هذه التجربة، التي تميزتم بها، مغربياً وعربياً؟

- بعد تشتت «فرقة البراعم»، في 1967، صار لدي شعور بأنني أتعذب مع كل الفرق التي أجد نفسي أشتغل تحت لوائها، كممثل، أنا الذي كنت أمثل نصوصاً لم أكتبها، وأخضع لمخرجين بالشكل الذي أجد فيه صعوبة في التناغم مع باقي الممثلين. أذكر، في هذا الصدد، أن قلبي تعلق، في فترة المراهقة، بصبية فاسية، وقد كانت فاتنة، من عائلة ميسورة، على نقيضي. وصادف أنني قرأت رواية «مجدولين» لمصطفى لطفي المنفلوطي، فأحسست كما لو أنها كتبت من أجلي، فتماهيت مع مضمونها، إلى درجة أنني أعدت قراءتها مراراً، حتى حفظتها؛ فصرت أقدم مقاطع منها في مناسبات معينة، من دون أن أكون على دراية مسبقة بشيء اسمه «المسرح الفردي».

* بعد ذلك، ستتكرس تجربتكم مع «المسرح الفردي»، مغربياً وعربياً؟

- أذكر الدورة الأولى لأيام قرطاج المسرحية بتونس، في عام 1983، حيث شاركت بمسرحية «جنائزية الأعراس»، إلى جانب عدد من المسرحيين العرب، عبر أعمال أثارت دهشة وانتباها وجعلت منا «رؤوس فتنة». قبل ذلك، في المغرب، ساهمت في تجربة «مسرح الهواة»، من 1968 إلى 1975، وكانت تلك أزهى فترة في تاريخ المسرح المغربي، عرفت تجارب رائدة بالمقياس العالمي. للأسف، كانت هناك سياسة رأت أن «مسرح الهواة» يشكل نوعاً من الخطورة، وأنه أداة توعية وفضح لكثير من التشوهات ذات البعد الاجتماعي والسياسي، وللظلم والقمع. كان «مسرح الهواة» قيمة إبداعية، أعطى ممثلين ومؤلفين ومخرجين كباراً. بعد الحضور والهالة التي صارت لـ«مسرح الهواة»، صدر قرار بضرورة وقف زحف هذه التجربة. لقد كنت حاضراً في هذه المحطة الجميلة من المسرح المغربي، إما كممثل، أو كمساهم ببعض النصوص، من قبيل «صالح ومصلوح».

أشير في هذا السياق، إلى أنني اشتغلت بالصحافة، حيث حاولت أن أزاوج بين عملي في جريدة «العلم» والممارسة المسرحية. عملت بنفس الروح في كلا المجالين. المسرح يبقى أبو الفنون، وهو شيء تأكد في تجربتي؛ فمسرحية «افتحوا النوافذ»، هي نصوص نشرها عبد الرفيع الجواهري في الصحافة قبل أن أحولها إلى الخشبة، وكانت من أجمل أعمالي. أيضاً، ديواني «نشوة البوح» وجد طريقه إلى الخشبة، وكذلك كان الحال مع روايتي «الريق الناشف». أرى أننا كلما اشتغلنا على الأجناس الأدبية الأخرى، برؤية إخراجية وبتصور سينوغرافي، وبتناغم بين المكونات الذاتية للمبدع، كان النجاح حليفنا. هذا التعدد في تجربتي، كان عنصر إخصاب وإثراء لمفهومي لمعنى الكتابة والتواصل مع الجمهور، ولدور الكلمة في سياق مكونات العرض الأخرى. فالمسرح ليس رواية تقرأ، أو شعراً يلقى. إنه الصناعات كلها، تقريباً، حيث نكون مع النجارة والحدادة والخياطة والصباغة. وهو الأجناس الأدبية كلها، كما أنه العلوم كلها، من علم النفس إلى علم الاجتماع، علاوة على أن هناك حاجة إلى الوعي بدور الدين والفلسفة في الحياة، من جهة أن كتابة حوار لشخصية في نص مسرحي تحتاج إلى إدراك عميق وقدرة على أن نكلم كل شخصية بلغتها وقاموسها وتركيبتها النفسية؛ وهنا تكمن خطورة العمل المسرحي. في 1976، تساءلت: هل آن الأوان لكي أترك الصحافة لاحتراف المسرح؟ حدث انشطار وصراع في داخلي، فقلت لماذا لا أكتب مسرحية فردية، أشتغل عليها وحدي، فيما أمارس الصحافة كمهنة للعيش والحضور اليومي بين الناس، ومن حين لآخر، أحمل أمتعتي للعمل المسرحي. وكان أن كتبت «الوجه والمرآة»، التي قدمتها في مهرجان شارك عدد من المسرحيين المغاربة، لتنطلق الانتقادات، التي اعتبر أصحابها أن ظاهرة «المسرح الفردي» تدمر العمل الجمعوي وأنها مدعومة من أجل قتل «مسرح الهواة». كان ردنا أن ما نقوم به هو مكون من مكونات المشهد العام للمسرح، وأنه محاولة للإفلات من قبضة الأزمة، وليس تعويضاً أو تكريساً لها.

* اليوم، بعد هذا المسار الفني الحافل، كيف يستعيد عبد الحق الزروالي شريط السنوات الماضية، من حياته وتجربته؟

- تواصلت تجربتي، إلى اليوم، بنحو ثلاثين عملاً مسرحياً، كتابة وإخراجاً وأداء وحضوراً، محلياً وعربياً. أنا لا أتباهي، الآن. لكنني أحاول أن أرسم إشارة تبين أن الانتماء للمسرح هو مسألة الكل للكل، بحيث لا يبقى لك لا الوقت ولا التفكير في شيء آخر. كان علي أن أتميز عن الآخرين بحاجة واحدة، وهي قدرتي على الصبر والتحمل، لذلك كنت أقود سيارتي الصغيرة، حاملاً ديكوراتي، متجولاً داخل المغرب أو في البلدان العربية. هذا الهوس والجنون والحماس القوي والعشق المفرط للمسرح هو الذي يترك هذا الزروالي البسيط يعطي كل هذا المنجز المسرحي، بثلاثين عملاً فردياً ونحو 15 عملاً جماعياً. أحس بأنني كنت جديراً بالانتماء للمسرح. صحيح أن المسرح لم يمنحني كل شيء، لكن، يكفي أنه أعطاني حباً وحضوراً. لا ندماً. لقد شاركت في أكبر المهرجانات المغربية والعربية والعالمية، كما تجولت في البوادي والأسواق الشعبية المغربية، حيث قايضت المسرح بالبيض والعسل والدجاج والقمح؛ وقدمت عروضاً في السجون، حيث كان يشترط علينا ألا تكون بيننا ممثلات حرصاً على مشاعر المحبوسين؛ وفي المستشفيات، كان يطلب منا ألا تكون عروضنا ضاحكة، حفاظاً على صحة المرضى.

* تحدثتم عن تجربة «مسرح الهواة»، بشكل أعادنا إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي، حين انتشر مفهوم الالتزام. كيف يمكن تناول هذا المفهوم، بين الأمس واليوم؟ وكيف واكبتم، شخصياً، هذا التحول؟

- لقد تربى المسرح المغربي في مرحلة ما بعد الاستقلال. قبل ذلك، حاولت المضامين أن تجعل المسرح أداة لمناهضة الاستعمار، وبالتالي وسيلة لخدمة قضايا الوطن والشعوب. كانت البداية مسيسة. استقلت الأقطار العربية، تباعاً، وحين وجد المسرح نفسه أمام أنظمة فاسدة، واصل العناد ضد مظاهر الفساد والهيمنة والقمع والطغيان، فتقوي البعد السياسي في التجارب المسرحية إلى حد أن الجانب الإبداعي في المسرح أصبح ضعيفاً، بحيث يكفي أن تغضب وأن تشتم لكي يصفق لك الناس. وهم يصفقون على جرأتك لا على قيمتك الأدبية والفنية. وقع خلط. وقد كنت أقول إن الرهان على البعد السياسي أو الشعارات يجعلك محصوراً في بعد متحول ومتجدد، وأن علينا أن نراهن على الإبداع مع تضمينه لمحات وتلميحات سياسية وانتقادات تخدم الإبداع، لا العكس؛ وأن علينا ألا نسقط في الالتزام بشكل مباشر. الأنظمة ساهمت، هي، أيضاً، في ذلك من منطلق تبني مجموعة من الأعمال ذات الطابع التهريجي الفج السخيف، فدعمتها بوسائل إعلامها الرسمي لكي تجعل منها النموذج الأمثل. ولذلك، ظل هناك صراع بين تجارب مرتمية في أحضان الأنظمة ومسرح يؤمن بقيمة المسرح في التغيير والنضال. وفي الحالتين معاً كان الضرر يلحق بالمسرح.

وإضافة إلى الأحزاب التي كانت في الحكم، على صعيد العالم العربي، لا ينبغي أن ننسى أن أحزاب وتيارات المعارضة، كان لها، هي أيضاً، دور سلبي، حيث إنها استخدمت المسرح ولم تخدمه حين أتيحت لها فرصة ممارسة تحمل مسؤولية القرار السياسي.

فيما يخصني، تحولت، في المرحلة الأخيرة، بعد مسرحية «كدت أراه»، في 2003، التي اشتغلت فيها على كتاب «المواقف» للنفري، والتي كان لها مفعول الحدث والدهشة على الصعيد العربي، إلى زروالي آخر. يمكن القول إنني بقيت وفياً للالتزام، لكنني سعيت إلى أن أكون صانع فرجة وفرح، قبل كل شيء.

* ماذا عن حالة المسرح المغربي، بشكل خاص، والعربي، بشكل عام، في الوقت الراهن؟ وأية آفاق يمكن استشرافها؟

- لقد تضرر المسرح العربي من الهزات التي عرفها العالم العربي، في السنوات العشر الأخيرة، حيث تقلصت مساحة المهرجانات، بشكل أفرز تراجعات على مستوى الحضور المسرحي. أضف إلى ذلك طغيان وسائط التواصل الحديثة، التي صارت تتلف ما تبقى من اهتمام، فأصبح المتلقي، الذي هو أساس المسرح، يبتعد أكثر فأكثر؛ فضلاً عن هيمنة كرة القدم، حيث إننا ما إن ننتهي من كأس العالم، حتى ننتقل لمتابعة كأس أوروبا أو أفريقيا، أو غيرها من المسابقات الوطنية أو الدولية، بحيث تجد كل المقاهي ممتلئة عن آخرها بالمتفرجين، معظم ساعات اليوم، بل إن هناك من يقتل وقته في متابعة مباراة معادة قد يكون مر عليها عام أو أكثر، وذلك على نقيض ما يحدث في الغرب، حيث نلاحظ كيف أن المسارح، في فرنسا، مثلاً، تشتغل في نفس توقيت مباريات المنتخب الفرنسي لكرة القدم. صحيح أن هناك مبادرات عربية، من قبيل ما تقوم به الشارقة، وبعض الأسماء التي ما زالت تناضل، لكن الواقع يقول إن المسرح، مغربياً وعربياً، يعرف تراجعاً، بفعل دوامة من الانشغالات والمشكلات والتأثيرات السلبية، من كل جانب. لقد كان قدر المسرح، عندنا، منذ بداياته، أن يمارس كرد فعل وليس كفعل. في زمن الاستعمار مورس ضد الاستعمار. بعد ذلك مارسناه ضد القمع. نريد، فقط، أن نصل، يوماً، إلى ممارسة المسرح كفعل وليس كرد فعل. عندما نمارس المسرح كفعل، بقواعده وهدوئه ورزانته، من دون أن نكون أدوات لتبليغ رسائل، آنذاك سنحس بنشوة المسرح.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption