أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 27 أبريل 2017

مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي 1438 هـ

مجلة الفنون المسرحية

مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي 1438 هـ

مسابقة وطنية خاصة بعروض الفنون المسرحية الإبداعية، تهدف إلى بث روح المنافسة بين فرق الفنون المسرحية من كافة مناطق المملكة واختيار أفضل العروض، بهدف المساهمة في تنشيط وتطوير الحركة المسرحية، ودعم وتشجيع التجارب المسرحية المحلية والخليجية المميزة، واكتشاف المواهب الفنية وإبرازها وصقلها، والترويج للحركة المسرحية.
ضوابط المسابقة:
أن تكون الفرق المسرحية المشاركة مرشحة من قبل الجهات الرسمية التابعة لها.
أن تكون العروض المسرحية ملتزمة بلوائح النشاط المسرحي والنظم والقوانين المعمول بها في الدولة.
تقتصر جميع عروض المهرجان على مسرح الكبار.
عند انسحاب أي فرقة فإنها تحرم من المشاركة في الدورة القادمة.
يحق للجنة العليا لأيام عكاظ المسرحية وجائزة عكاظ للإبداع المسرحي وبموجب توصيات اللجنة المنظمة تعديل بنود ومواد اللائحة.
شروط التقدم للمسابقة:
لا يسمح لأي عمل مسرحي مضى على إنتاجه وعرضه أكثر من عام أن يشارك داخل المسابقة.
لا يحق للمخرجين المسرحيين أن يشاركوا بأكثر من عمل مسرحي داخل المسابقة.
لا يسمح لأي ممثل أن يشارك في أكثر من عمل مسرحي واحد داخل المسابقة ويستثنى من ذلك المؤلفين المسرحيين.
لا تقل مدة كب عرض مسرحي عن خمسة وأربعين دقيقة ولا تزيد عن ستين دقيقة.
لا يزيد كل فريق مسرحي عن 12 عضو من مخرج وممثلين وفنيين.
آلية المشاركة:
ترسل طلبات الترشح والمشاركات إلى جامعة الطائف، مكتب معالي مدير الجامعة، ص.ب (888)، الرمز البريدي (21974) بالحوية، الطائف المملكة العربية السعودية.
تعبئة استمارة المشاركة (نموذج الاستمارة).
استيفاء كافة ما ورد في شروط التقدم للجائزة.
آلية التحكيم:
ترسل مشاهد من الأعمال المسرحية المقدمة إلى لجنة التحكيم.
تقوم اللجنة بفحص الأعمال وتقييمها، واختيار أفضل سبعة أعمال مسرحية.
ترفع اللجنة تقريرًا بالفرق المسرحية التي تم اختيارها إلى اللجنة المنظمة.
تقوم اللجنة المنظمة بالتواصل مع الفرق المسرحية السبعة، ودعوتهم للمنافسة المباشرة أيام السوق.
تتم المفاضلة بين العروض المسرحية من خلال مسابقة تفاعلية تتم في أثناء السوق، ولمدة عشرة أيام، ويكون التحكيم على النحو الآتي:
يقوم كل فريق مسرحي بتقديم عرض مسرحي واحد على فترتين.
تقيّم لجنة التحكيم المسرحية ويكون لها 75% من الدرجات.
تعطى الفرصة لتصويت الجمهور، ويتم احتساب متوسط تصويت الجمهور بواقع 25%.
يتم جمع درجات اللجنة ومتوسط تصويت الجمهور لاختيار أفضل عرض مسرحي لأفضل فرقة مسرحية مشاركة.
استحقاق الفائزين:
جائزة عكاظ للإبداع المسرحي:
تتكون مفردات جوائز المسابقة المسرحية من:
أــ مبلغ مالي ب ــ شهادة براءة الجائزة جـ ــ درع عكاظ للإبداع المسرحي.
أولاً: تمنح جائزة عكاظ للإبداع المسرحي لأفضل عرض مسرحي بقرار لجنة التحكيم لأفضل فرقة مسرحية مشاركة بجائزة مقدارها ((100,000 مائة ألف ريال.
ثانياً: تمنح جوائز مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي بقرار من لجنة التحكيم للفنانين المسرحيين المشاركين في المسابقة في المجالات التالية:
جائزة أفضل تأليف بمبلغ مالي مقداره (20.000 ريال) عشرون آلاف ريال.
جائزة أفضل إخراج بمبلغ مالي مقداره (15,000 ريال) خمسة عشر آلاف ريال.
جائزة أفضل ممثل دور أول بمبلغ مالي مقداره (15,000ريال) خمسة عشر آلاف ريال.
جائزة أفضل ممثل دور ثاني بمبلغ مالي مقداره (10,000ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل ديكور بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل إضاءة بمبلغ مالي مقداره (10,000ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل مؤثرات صوتيه وموسيقية بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل سينوغرافيا بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
كما يحق للجنة التحكيم وضع جوائز وشهادات تقديرية حسب ما تراه مناسباً.
كيفية التقدم للمشاركة في الجائزة:
يتم التقديم للمشاركة في اللجائزة من خلال الاستمارة الخاصة بها المتوفرة على الرابط (نموذج الاستمارة).
ترسل العروض الفنية على ملف إلكتروني أو CD مع السيرة الذاتية والايميل الإلكتروني على العنوان التالي: جامعة الطائف، مكتب معالي مدير الجامعة، ص.ب (888)، الرمز البريدي (21974) بالحوية، الطائف المملكة العربية السعودية.
يجب ملئ استمارة المشاركة كاملاً وفي حال وجود أي نقص أو معلومات غير دقيقة فقد تعرض المشاركة للاستبعاد دون إشعار المشارك.
الإعلان عن نتائج الجائزة:
سيتم الإعلان عن أسماء الفرق الفائزة – بإذن الله تعالى- يوم الثلاثاء 27/10/ 1438 هـ، الموافق 21/07/2017م. وذلك فور انتهاء لجنة التحكيم وصياغة المحضر النهائي للنتائج والتي يعلن عنها رسميا خلال حفل اختتام فعاليات سوق عكاظ أمام الحضور لتوزيع الجوائز
آخر موعد لاستقبال المشاركات:
آخر موعد لاستقبال المشاركات في المسابقة هو 19/08/1438هـ الموافق 15/05/2017م في تمام الساعة 11:59 مساء، وتعتبر أي مشاركة تصل بعد موعد انتهاء “فترة المسابقة” ملغاة، علما أن توقيت المملكة العربية السعودية (3 GMT +) هو التوقيت المعتمد لكل الأوقات والتواريخ في جوائز ومسابقات سوق عكاظ.
للتواصل والاستفسارات بخصوص الجوائز والمسابقات:
يرجي الاتصال على الهواتف: (0533590059 – 0550068777- 0566587766)
أو عبر البريد الالكتروني: sooqokaz@tu.edu.sa

تكريم الفنانة سمر محمد في فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر في تونس

مجلة الفنون المسرحية

تكريم الفنانة سمر محمد في فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر في تونس 

انطلقت  في العاصمة التونسية فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر ..
المهرجان الذي ينظمه اتحاد إذاعات الدول العربية بالتعاون مع مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين وبشراكة مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) كرم مجموعة من المبدعين العرب من بينهم النجمة لعراقية الكبيرة سمر محمد الى جانب احمد عب العزيز ورانيا يوسف من مصر وشكران مرتجى من سوريا وطوني عيسى من لبنان وزهيرة بن عمار وحسين المحنوش من تونس و كمال عبادي من السودان وسهيل الصغير من تونس وطارق بالخيور من السعودية ولطفية إبراهيم من ليبيا وسالم بهوان من سلطنة عمان ورؤوف الباسطي ومحمد مصمولي وعادل موتيري من تونس .
 والفنانة سمر محمد بدأت حياتها الفنية على خشبة المسرح، بمسرحية "أوديب ملكا"، إخراج شفاء العمري، الذي رأى موهبتها فشجعها على الذهاب إلى بغداد، لتصقل موهبتها هناك. بدأت سمر التمثيل في مسقط رأسها مدينة الموصل عام 1968 وكانت اولى محطاتها في المسرح مع مسرحية "اوديب ملكا "اخراج شفاء العمري، الذي تعتبره سمر صاحب الفضل الاكبر في صقل موهبتها، وتشجيعها على دخول عالم المسرح . 
وفي أوائل سبعينات القرن العشرين انتقلت سمر إلى بغداد، حيث بدأ مشوراها الفني الفعلي بادائها عشرات الادوار سواء في اعمال اذاعية وتلفزيونية أو في المسرح. شاركت الفنانة سمر في العديد من المهرجانات الفنية وأبرز أعمالها في مجال المسرح  دورها في مسرحية دائرة العشق البغدادية. ومسرحية "حلم مسعود "اعداد واخراج الدكتورة عواطف نعيم. وشاركت  بمسرحية "ورود وسر العنقود" التي عرضت ضمن مهرجان الطفل في بغداد، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذه المسرحية. 

أنطلاق مهرجان الفدان العربي للمسرح في تطوان

مجلة الفنون المسرحية

أنطلاق مهرجان الفدان العربي للمسرح في تطوان 

انطلقت أمس الثلاثاء 25 أبريل بتطوان فعاليات مهرجان الفدان العربي للمسرح في نسخته الثامنة.
و وسط حضور غفير غصت به جنبات المركز الثقافي بتطوان حظيت جمهورية تونس ضيفة شرف التظاهرة باحتفاء خاص، مع تكريم إدارة المهرجان كل من الفنان المسرحي عادل ابا تراب والكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى.
وفي كلمته خلال حفل الافتتاح قال رضا الدغمومي مدير المهرجان إن التظاهرة تؤكد استمراريتها كأحد أهم التظاهرات المسرحية بمدينة تطوان بالرغم من كل التحديات و الصعوبات ومنها عدم الانخراط الفعلي لمختلف الشركاء المحليين و الهيئات المنتخبة في دعم الفعل المسرحي بالمدينة.

في الأثناء  نوهت عدد من كلمات الافتتاح بتنظيم هذه التظاهرة وجدية القائمين عليها. و تميز الحفل بتقدم عرض مسرحية نهير خريف لفرقة خديجة من تونس الشقيقة. هذا و تتواصل فعاليات المهرجان بتطوان إلى غاية 30 من أبريل الجاري.

ويقدم مهرجان الفدان العربي للمسرح في دورته الثامنة التي تحتضنها تطوان في الفترة ما بين 24 و 30 أبريل 2017. برمجة غنية و متنوعة تحول مدينة الحمامة البيضاء و على مدى أسبوع عاصمة ثقافية بامتياز و محجا لمريدي أبي الفنون و المشتغلين في حقول الإبداع المتعددة. 

وتكرم الدورة الثامنة للمهرجان كل من الفنانين المسرحيين حسنة طمطاوي، حسن النفالي، عادل أبا تراب و الزبير بن بوشتى. لإسهاماتهم المتميزة في الحقل المسرحي، على مستويات التمثيل و الإخراج و التأليف و الإدارة و السعي المتواصل ليتبوأ المسرح مكانته الحقيقية كأب للفنون و حاضنٍ لمختلف أشكال العرض و الفرجة الفنية ، وأيضا كمساهم في التنمية البشرية و المجالية و في هذا الصدد تناقش ندوة المهرجان "المسرح المغربي و رهاناته التنموية" آفاق العرض المسرحي وأبعاده التنموية خاصة بعد التحولات التي شهدتها بلادنا على مستوى التقطيع الترابي و المكانة التي بوأها دستور 2011 للجهات بحضور أكاديميين و باحثين و فنانين و مسؤولين عن تدبير الشأن الثقافي.

ونظرا لما صارت تشكله الوسائط المتعددة من راهنية تسائل ندوة " المسرح في زمن الوسائط" مدى استثمار التكنولوجيا بأبعادها الجمالية و التواصلية في العرض المسرحي بكل مكوناته بحضور فنانين مسرحيين بصموا باجتهاداتهم على مسرحة جديدة وسائطية أكثر فأكثر.

كما أن المهرجان في بعده التأطيري يفتح أمام شباب المدينة ورشات تكوينية في الإلقاء و إدارة الممثل و مسرح الطفل .

 وتجدر الإشارة أن الدورة الثامنة لمهرجان الفدان العربي للمسرح تنظم هذه السنة بدعم من وزارة الثقافة و الاتصال و المسرح الوطني محمد الخامس و جهة طنجة تطوان الحسيمة و عمالة إقليم تطوان و المجلس الإقليمي لتطوان و بشراكة مع جماعة تطوان و المركز الثقافي للمدينة.


--------------------------------------------
المصدر : بريس تطوان 



جامعة حلوان تفوز بالمركز الأول فى مسابقة إبداع عن العروض المسرحية

مجلة الفنون المسرحية

 جامعة حلوان تفوز بالمركز الأول فى مسابقة إبداع عن العروض المسرحية

 فازت جامعة حلوان، بالمركزالأول فى مسابقة إبداع، تحت رعاية الدكتور ماجد نجم القائم بعمل رئيس الجامعة، وهى المسابقة التى أقيمت لشباب الجامعات والمعاهد العليا والأكاديمية، فى مجال العروض المسرحية، التى أقيمت على مسرح وزارة الشباب والرياضة. 

وفازت جامعة حلوان بالمركز الأول عن عرض "مسرحية بيانكو " التى حصلت على جائزة قيمتها( 75 ألف جنيه، كما حصل الطالب محمد أحمد من جامعة حلوان على المركز الثانى فى المواهب الفردية غير المتخصصة فى مجال الأخرج، وحصل الطالب ايهاب صلاح من جامعة حلوان على جائزة أفضل سينوغرافيا.

وتولى لجنة تحكيم المسابقة فى مجال العروض المسرحية الفنان جلال الشرقاوى، والفنانة سميحة أيوب والفنانة وفاء الحكيم.


--------------------------------------

المصدر : اليوم السابع 

الأربعاء، 26 أبريل 2017

قراءة في كتاب " اللغة الجسدية للممثل " تأليف د. مدحت الكاشف

مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي

مجلة الفنون المسرحية



مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي


د. راسل كاظم

   لكون جسد الممثل يدرك بوصفه ظاهرة بصرية لذا يمكن معرفة لغته كونها وسيطا للاتصال من خلال استخدام رموز ايحائية، تسعى الى بناء فهم مشترك خاضع لثقافة المتفرج وخبرته المكتسبة من الواقع لاجل اكتشاف المعنى ودلالته، فهيئة الممثل كمظهر مادي خارجي متمثلة بجسده هي شكل قائم بحد ذاته يرتبط بدلالة شخصيته، اما اذا اضفنا علاقة اخرى ضمن اشكال جديدة، فأنها تكون لنا دلالة اجتماعية او فكرية، فتتكون الدلالة "حالما كان هناك جزءان او اكثر مجتمعان مع بعضهما لكي يصنعا نسقاً مرئياً"(1)وهنا لا يمكن تجاوز مساحة اشتغال الممثل، كونه يشكل محصلة كل الفضاءات الاخرى للعرض المسرحي وبحسب فرضية (إلين ستون) فان الصورة ومن ضمنها جسد الممثل تعمل في اربعة مستويات "المستوى الوظيفي - السوسيومتري* - خلق الجو العام – الوظيفة الرمزية"(2). وفي حركة العرض تبدأ الاشكال بالتحول الى طاقة تعبيرية فتتنامى الاشكال المرئية وتصبح سلسلة من الرموز المتفاعلة مع دلالات العرض الاخرى، فالحركة تقوم بتفكيك ما هو مركب لاعادة تركيبه من جديد ولإنجاح عملية التواصل، لا بد أن تتوافق الدلالة التي يرسلها الجسد مع الرموز التي تصل إلى ذهن المتلقي، وكما يرى (باربا) ان هناك تقنيات مشتركة لتمظهرات الجسد. وكل ما نسميه بـ"التكنيك ما هو الا استخدام خاص لجسدنا"(3) وليس المقصود من التكنيك هو الجسد الخام المستخدم في الاشكال اليومية وانما المقصود هو الشكل المفعل للحركة ومعنى ذلك ان الجسد يمارس عصيانه ضد الشكل السائد، وفي تحرير طاقته يتحول الجسد من شكله الخامل الى شكله الجديد الناشط. والخطوة الاهم تكمن

في فهم تكنيك الجسد اليومي الذي من الممكن ان يستبدل بعد ذلك بتكنيك اضافي أي تكنيك لا يسير وفق الحالات المعتادة للجسم وهذا التكنيك الاخير هو ما يقوم الممثل باستخدامه في الالفية الثالثة الذي يسير على مبدا اقل المجهود . أي الحصول على افضل النتائج مع اقل مجهود لان المجتمعات الحديثة لا تريد تبديد طاقتها وتحاول ان تستخدم اقل طاقة لاكبر انتاج ، " ولغة جسد الممثل عندما يتم تنشيطها على مستوى ذي فاعلية فأنها تكون بالتالي كثيفة المعاني، وكون الجسد يتمتع بالحياة فأنه يعطي ديناميكية لكل عناصر العرض، ويمثل جسد الممثل ست علامات بصرية من مجموع العلامات البصرية التسع، التي تنتمي الى منظومة العلامات في المسرح المتكونة من ثلاث عشرة علامة، حسب تصنيفات (كوفزان)، لنظم علامات المسرح. وهذا ما يضع الجسد في مقام الصدارة بالنسبة للعلامات البصرية، من خلال تعبير الممثل الذي يتشكل بالجسد والمظهر الخارجي له، وتزداد اهمية جسد الممثل كلما تحررت خشبه المسرح من الاشكال المعمارية الثابتة والتقليدية، ويمكن للجسد ان يفوق في شعره شعر الكلمة المنطوقة، كما حلم (ارتو)، فجسد الممثل يمكن ان يصور افكارا ومواقف ذهنية ولمحات من الطبيعة، بطريقة ملموسة، ان يذكر الاشياء والتفاصيل الطبيعية. فضلاً عن الانماط الكامنة في الاساطير والطقوس والاحلام التي تفصح عن تجليات جدية في البحث عن انماط للتعبير الجسدي والتي تطلبت الانفتاح على الحضارات الشرقية، لهذا كانت رغبة بروك تتوجه الى الجسد لإيمانه الشخصي بان الجسم الانساني يمثل الوعاء الذي يحوي بقية العناصر ويرى (بارت) ان فن المسرح هو "فن ازدهار وتفتح الجسد"(4)، اما (ميرهولد) فانه يرى ان ابداع الممثل ينبثق من الجسد، وهو "ليس ابداع شخصيات، بقدر ما هو ابداع اشكال بلاستيكية جديدة في الفضاء الزماني المكاني للعرض"(5). وقد تطور مفهوم جسد الممثل لدى المسرحيين المعاصرين ومنهم الباحث والمسرحي (باربا)، من خلال ربط المسرح بالانثروبولوجيا، بهدف كشف وظائف غير مألوفة من خلال البحث باشكال الحركة الجسدية للمسرح الشرقي، ان المرسل في العرض هو جسد الممثل وهو يحقق التواصل مع المتلقي "فالتواصل يفترض مرسلا ومستقبلا وعمليتين متقدمتين لا متناظرتين هما عمليتا التشفير والترميز ، أي الشفرات وفك الرموز ، الترميز يمثل المتكلم وفك الرموز المؤول.

ووظيفة جسد الممثل في العرض ليست معنية بنقل المشاعر، بقدر عنايتها بما يرمز اليه هذا الجسد في تشكيلاته التشريحية، لان المشاعر يمكن ان تنقل عن الطريق اللفظي للممثل, لذا لا بد أن توضع قدراته بالحسبان ، بمعنى عدم إغلاق رسالة النتاج على ذاتها ، بل يفترض السعي الى الانفتاح على دور المتلقي وقراءته ، لذا يفترض التنسيق مع كفاءة مدركاته ومعجم شفراته وهذا ما مهدت له السيميائية التي تمحورت بحوثها حول العلامة ، وعنيت بها على مستويين:

المستوى الأول :الانطولوجي : ويعنى بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها.

المستوى الثاني: البرجماتي : ويعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية ، ومن منطلق هذا التقسيم نجد ان السيميوطيقا اتجهت اتجاهين:

الاتجاه ألاول : يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها

الاتجاة الثاني : يركز على دراسة توظيف العلامة في عمليات الاتصال ونقل المعلومات.

فاللغة والتفكير والعلم والفن والأدب والأشياء و القيم لابد لها من علامات تتكون بوساطتها او نتيجتها ، فالعلامات ودلالاتها هي عماد الوجود الإنساني وصوره التداولية والتواصلية ، فقد بلغ مجال السيميولوجيا الخاص الى أوسع دوائر المعرفة والى الممارسة الاجتماعية بكافة أبعادها ، تتوخى المعرفة العميقة بمختلف ظواهر الوجود والوعي الاجتماعيين بواسطة البحث عن مظهرها الدال ودلالاتها الممكنة في الماضي والحاضر والمستقبل. ويمكن ان نقسم مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي الى:

اولا/ مرجعيات ثقافية : أن الثقافة هي الحقل الأوسع في الدراسات السيميولوجيه لأنها تتضمن حقولاً عدة مثل الأدب والفن ، والتاريخ والتراث ، والسلوك والعادات وهذه الأنظمة العلاماتية تنتمي الى موضوع يتسم بالتعميم وبالضرورة تنتج بنيه ذاتية تجعل بعضها متمايزا عن البعض الأخر ذلك ان لكل نظام ثقافي/ علاماتي شفراته التي يأتلف منها. فشفرات الطقوس والشعائر لجسد الممثل تختلف عن شفرات العادات . والشعائر تختلف شفراتها من ديانة الى أخرى وهكذا الأمر مع جميع مظاهر الثقافة في عموم المجتمعات ، وهناك الكثير من الاراء التي طرحت بهذا الخصوص، منها الرأي القائل: ان الثقافة بوصفها آليات لتنظيم المعارف وحفظها في وعي الجماعة تثير المشكلة النوعية للتواصل او الاستمرار الثقافي ، وان لهذه الاستمرارية وجهين:(8)

1. استمرارية النصوص المعرفية للذاكرة الجمعية
 2. استمرارية القواعد الشفرية. او النظام الشفري للذاكرة الجمعية.

وفي حالات بعينها يحتمل الا يرتبط احد هذين الوجهين بالأخر ارتباطاً مباشراً وعلى سبيل المثال فقد ينظر الى بعض المعتقدات على أنها عناصر في نص من نصوص ثقافة قديمة في الوقت ذاته الذي فقد فيه النظام الشفري لتلك الثقافة. وتعني هذه الحالة ان النص الثقافي امتد بحياته وعاش بعد حياة النظام الشفري. وقد تحدث الحالة بالعكس فقد تبقى شفرات بعينها في حين تنمحي نصوصها من الذاكرة الجمعية او يبقى بعضها ، كما في حالة الأمثال الشعبية التي تكون شفرة متداولة في حين ان حكايات كثيرة من الأمثال تختفي من التداول او لا يعرفها المستشهد بالمثل، ولما كانت الثقافة تشمل جميع أشكال المعرفة بما فيها التاريخ والتراث ، والآداب والفنون ، وتضم العادات والتقاليد والأعراف ، وحتى تلك التي تبدو تارة وتبيد تارة أخرى ، فان من هذه الأشكال الثقافية/ المعرفية تظهر شفرات جديدة ، بعد ان استعانت هي بشفرات متداولة, من اكثر تلك الأشكال الثقافية هي النصوص الأدبية والفنية على اختلاف أنواعها وتوجهاتها وذلك من خلال توظيف شفرات بعينها في سياقاتها سواء كانت عملية التوظيف هذه قصدية ، ومن اجل أحياء شفرات _تاريخية ، تراثية، او تلقائية حين تبتدىء الشفرات المحورية لنسق ثقافي معين، تفرض نفسها بعدها الخيار الامثل في تقديم مضمون ما. ولما كانت الثقافة في مجملها تتكون من نصوص ، رسائل يتولد بعضها من البعض الأخر ، وبما يكفل لها الديمومة والتواصل ، فان لغة الجسدهي شفرات ثقافية, وان القيام بصياغة رسالة تعني القيام بعملية تشفير الجسد على وفق سياق معين.

ثانيا/ مرجعيات جمالية : وتنتمي الى الاتجاه الفني ـ الفلسفي، فقد حاول المسرح عبر تاريخه الهرب من رتابة التقاليد وثقلها الصارم حيث يستدعي ذلك ظهور نوازع جمالية جديدة مرتبطة مع اذواق الناس وحاجاتهم الجمالية وهذه بطبيعة الحال سرعان ما تترك مواقعها لاخرى اكثر تقدماً، فلكل زمن جمالياته، ولكل مرحلة سماتها التي قد ترتبط بجماليات الفنون المجاورة او تشترك معها. مما يدفع الممثل للجوء نحو استخدام اسلوب تعبيري معين قد يسهم باضطرار الممثل عبر التأويل لمجاراة هذه النوازع الجمالية، فحركات وايماءات الممثل في العصر الحديث تختلف اختلافاً كبيراً عنه في عصر النهضة، والعلاقات الجمالية بالمقابل اختلفت وتباينت بشكل كبير، مما حتم على الممثل الاهتمام بنوع الاشارة التي يرسلها جسده لايصال البعد الجمالي للمسرحية، فطبيعة الفنان قادرة على التفاعل مع المحيط وبناء علاقات نابعة من اتصاله مع الاشياء، بحيث تكون هذه العلاقة التوليدية مبنية على استجابات الفنان عند تفاعله مع المحيط. إن العمل الفني يتطلب من حيث هو نتاج للروح نشاطية ذاتية خلاقة تجعل منه حينما تصوغه وتشكله موضوعا لحدس الآخرين وتخاطب حساسيتهم ومخيلة الفنان هي التي تمثل هذه النشاطية الذاتية الخلاقة"(9). ان عملية استحضار البنى و النظم والعلاقات التي اكتسبتها الذاكرة بواسطة فاعلية ذهنية (الخيال) و التي التقطها حسيا من العالم المحيط فقد تحدث بشكل عام عن طريق استحضار واع, ان الممثل باستخدامه المطلق لأسرار جسده التعبيرية وعلاقته بالفضاء المادي المحيط به يعد حالة مثيرة واستثنائية أثناء تحقيقه للفعل والرؤيا في العرض. ولهذا فهنالك علاقة بين الكتلة، والمادة ـ الجسد والشيء تنتج معنى دلالياً للتعبير عن الحدث والفكرة من خلال الرؤى والإيقاع الموسيقي المميز لحركة الجسد في علاقته بالمادة. ووفق التيارات المسرحية التي تعاقبت وشكلت بالمقابل مدارس جمالية تغيرت نظرة الفنان الى الجمال من عصر الى عصر، ومن مرحلة الى اخرى، ومن مكان الى اخر.

ثالثا/ مرجعيات ايديولوجية : تستخدم في التعبير عن أفكار تتجاوز على نحو واسع حدود الحكاية التي ترتبط بها، وهي تعكس موقف المخرج إزاء أهم المشاكل الفكرية والسياسية وهنا يكون الفنان حراً في اختياره للصراع الفكري الذي يصطف معه و يجعله مادة لفنه ، ويمكن ان يصبح وثيقة في امكان المتلقي التحاور معها عبر رؤية تاريخية جمالية و اعية . و العامل الفكري مجاور للتاريخي و يستمد منه التشكيلات و المحددات التي تفصل بين الطبقات و الفئات وحتى الاختصاصات في الثقافة و المعرفة و بناء القيم . و المجتمع هو الميدان الذي تجرب فيه كل المبادىء و النظريات ، عبر سلسلة من الثورات الاجتماعية و السياسية و العلمية التي غايتها في الاساس تطوير المجتمع ، و اكتشاف و زرع القيم الجديدة 
رابعا/ مرجعيات اجتماعية: يكتسب الفرد بوصفه (الاساس في تشكيل المجتمعات) خبراته عن طريق الممارسة العلمية والتفكير في المشكلات الحسية المرتبطة بواقع الحياة ، فالمعرفة التي تأتي عن طريق تراكم المعلومات وفهمها ، هي اساس الخبرة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ، لذا فإن الخبرة تتسع وتتعمق لتوضح حقيقتها بكل جوانبها المختلفة الحسية والعقلية والروحية , الوجود الاجتماعي يرتكز على تشابك طقوس تكمن وظيفتها في ادارة العلاقات بين البشر والعالم، وبين الناس فيما بينهم، فكل انسان عبر مسيرته الخاصة، وباسلوبه الخاص يرمز لعدد كبير من الاوضاع التي يصادفها والحياة اليومية هي المكان المميز لهذه العلاقة، وهذه العلاقة تترك اثرها على الممثل، بطريق تكوين شبكة من المعلومات يستثمرها في سبيل اسقاطها على اداء جسده. ويمكن لهذه المرجعيات ان تختلف باختلاف المجتمعات فما يصح في مجتمع قد لا يصح في اخر كما تختلف زمانياً في المجتمع الواحد، فالقيم كغيرها من الانساق الاجتماعية معرضة للتغيير والتبديل خلال تاريخ المجتمع. ولا يعني هذا ان تغيرها مرهون بعامل التقادم الزمني نفسه، وانما بالاحداث والتقلبات واشكال الاحتكاك الحضاري والتثقيف التي يتعرض لها المجتمع. أن الرسالة المميزة للفن هو ان يرتفع ويحلق بمشاعرنا الى آفاق عالية ولابد أن يسمو الفن على الواقع حتى يحفزنا على إصلاحه أن يكون هذا الفن متصلا بقيم المجتمع الحاضر وأهدافه المستقبلية ، وفهم هذا الفن يعد فهما لهذه القيم والأهداف وذلك لبنائها وتطويرها ، مما يرتقي بالمجتمع الانساني المتحضر.على وفق القيم والأهداف الاجتماعية بل إنه يحرضه على

 قراءتها والحكم عليها ، ويشجعه على التفكير في أهداف الفنان المتجلية في عمله ورسالته وفي رؤيته ، ومعرفة علاقتها بالمجتمع وقيمه.

المراجع:
1. دني هو بسمان :علم الجمال ، ترجمة : ظافر الحسن (باريس : بيروت ، منشورات عويدات ، ط4 ،1983 ، ص106.
* القياس السيوسومتري هو القياس في المستوى الاجتماعي.
2. ألين ستون، جورج سافونا، المسرح والعلامات، تر، سباعي السيد، مهرجان القاهرة الدوري للمسرح التجريبي، وزارة الثقافة ، القاهرة، 1991، ص 203.
3.  باربا ، مسيرة المعاكسين ، انثروبولوجيا المسرح . ترجمة قاسم البياتي ، دار الكنوز الادبية ، الطبعة الاولى ، لبنان ، 1981 ، ص105.
4. رولان بارت، المسرح الاغريقي، ترجمة سهى يشور، (المعهد العالي للفنون المسرحية، 1987)، ص 25.
5. سعد صالح، الانا والاخر.. ازدواجية الفن التمثيلي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والاداب والفنون، 2001، ص174.
6. جوليا كريستيفا : علم النص ، ترجمة : فريد الزاهي ،ط1 ( الدار البيضاء ،دار توبقال للنشر )1991 ،ص18.
8.  ينظر : اوسينسكي بوريس وزميله : حول الالية السيميوطيقية للثقافة ،ترجمة عبدالمنعم تلميعه، في كتاب 9- مدخل الى السيميوطيقا_مقالات مترجمة ودراسات مصدر سابق ، ص301.
هيغل، فكرة الجمال، تر: جورج طرابيشي، (بيروت, دار الطليعة، )، ج2، ط1،1978, ص 291.

الحكواتي ماحي صديق..تروبادور الزمن المتحول

مجلة الفنون المسرحية



الحكواتي ماحي صديق..تروبادور الزمن المتحول

احميدة عياشي 


في "ربيع أسود"يقول كاتبي الذي أحببت حياته المتشردة ونزق كتاباته يوم كنت طالبا جامعيا الأمريكي هنري ميللر(1891-1980)"انا رحالة، ولست مغامرا"وهل يمكن آن يكون المرء رحالة دون آن يلتف حول عنقه حبل المغامرة،؟!الرحلة مغامرة، والمغامرة هي رحلة في قلب المجهول والخطر، رحلة في الظلام وفي أذغال الزمن المبهم المليئ بالأشياة الحلوة والمرة التي لايمكن آن تنسى لتتحول في لحظة الراحة المؤقتة أو الاستراحة من الترحال إلى حكاية تروى،يستعيد فيها صاحبها الوجوه التي بات يفتقدها والأزمنة التي أصبحت تشكل بالنسبه اليه مصدر الشوق والحنين،حكاية تنقل من مكان إلى مكان ومن سخص إلى آخر..
قفزت إلى ذهني مثل هذه العبارة التي قرآتها منذ وقت طويل وعثرت عليها في أحد دفاتري القديمة وأنا آتهيأ للكتابة عن ماحي صديق الذي أصبح حكواتيا محترفا منذ التسعينيات،هل كانت الحرب التي عشنا نارها وأوارها وجحيمها هي من فتقت في أعماق ماحي ذلك الخيط الإبيض الذي جذبه إلى سحر الحكاية التي لم تتوقف لياليها التي تحولت من السواد إلى ألوان ستى عمرة بالحياة والرغبة الجامحة في العيش الذي يجعل من المأساة حكاية تروى، ومن التاريخ خيوطا تنسج ومن التجربة الشخصية زادت لتعددالحكاية وانبعاثها من تحت رماد الحياة اليومية القاتلة كما الطير الأسطوري الخرافي كما العنقاء !
ماحي ليس مجرد حكواتي بالنسبة إلي وحسب بل هو صديق تعودعلاقتي به إلى أكثر من ثلاثين سنة،لا أكاد أصدق أن تكون علاقتي به تمتد إلى هذه السنوات الطويلة التي تذكرنا بالماضي السحيق شبه المندثر وبالزمن وبالموت المحلق في السماء كعقبان مسرحيات كاتب ياسين القديمة وكغربان أفلام هيتشكوك العظيم...ماذا لو أردت استعادته من أيامنا الأولى لأروي حكاية الصديق الذي أصبح حكواتيا ،تروبادورا يجول في داخل البلاد من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى أخرى..أحد الصورة مستتة، متلاشية أحيانا ومكثفة في أحيان أخرى
إبن الڤرابة الذي يروي حلمه وهو يمشي
عاش ماحي طفولته في المدينة العتيقة وتسمى الڤرابة،في هذا الفضاء أتفت سيدي بلعباس حول ذكرتها وتلافيف حياتها الحميمة، قريبة من وادي ماكرُة الذي يمشي متهاديا حينا ويشتد هيجانه تارة ليتحول إلى فيضان كاسح، متمرد، متجدر ، فالع للشجر والحجر والحيوانات والأشخاص..فيضان وادي ماكرٌة أسطوري وغريب،لم يكتب عنه إلا القليل، حكاياته ظلت تروى من العجائز إلى الأحفاد، وكان ماحي من هؤلاء الأحفاد الذي تفتح ذهنه على شجرة الحكاية المتشابكة والمعقدة والمتدفقة،حيث تأخذك إلى حيث لاتدري،ولد في سيدي بلعباس العتيقة،في العام 1960 كان يفصلنا عن يوم الاستقلال عامان،لم تكن سيدي بلعباس مدينة عادية، بل كانت مدينة كولونيالية بامتياز،حولها نابليون الثالث إلى عرين اللفيف الأجنبي،جاءها العسكريون المغامرون من كل الجهات، وتدفق نحوها المعمرون من كل الأنحاء، من جنوب فرنسا، من إسبانيا، من إيطاليا، من مالطا، لكن اأيضا توجه نحوها المغاربة من سجلماسة والسود من المالي والنيجر، وكانوا يسمون بالعبيد،تحولت سيدي بلعباس إلى موزاييك حقيقي، تمازجت في بوتقته الإثنيات والقوميات والديانات والثقافات،تلاقى فيها المغامر بالمقاوم، المهجر بالرحالة،الغازي بالاجئ،لم تكن مدينة ذات جاه تاريخي برغم وجود الأثار الرومانية والبربرية في الضواحي التي تدل على أن للمدينة ذاكرة
وصل اليها الأمير المقاوم عبد القادر، كان لديه رجاله في سيدي بلعباس،كان الأمير يقاوم على أكثر من جبهة،يواجه العسكر الفرنسي من جهة والخائن المنقلب الذي رأى في أوامر الأمير تضييقا وردعا وحدا لحريته وإلحاق ضر بمصالحه
كان الطفل ماحي مسلم شديد الارتباط بوالدته التي كانت تتكلم الى جانب العربية الفرنسية والإسبانية،كان وضعهم متواضعا،يفتقر البيت إلى الإضاءة عندما يحل الليل وهنا يقول لي ماحي كانت "الأم لا تتوقف عن الرواية،تحكي بتدفق وغزارة خاصة وأن حكاياتها تكاد لا تتوقف أو تذبل،كانت بالنسبة لماحي المنهل الذي تغذى به مخياله، يتحول الليل الى كتاب مفتوح وصوت الأم لا يتوقف بل يجول بالطفل في القرى، والجبال، والبراري،ينتقل به من زمن إلى أزمنة مفتوحة تلك الحكايات يقول لي ماحي "ظلت محفورة بذاكرتي ومنقوشة في خيالي،كانت نبعث بقوة وحيوية وأنا ألتقي بجمهوري المتعدد في مدن عربية وأوروبية وجزائرية،كان صوت الأم ينبعث من تحت الطبقات السميكة التي علاها غبار الزمن المتتالي والتراكم، وغطت عليها الأيام المتناسلة"
ناس الطحطاحة
يتذكر ماحي صديق مكان طفولته الآول ومهد صباه الزاخر بالصور والوجوه يقول " كانت الطحطاحة قلب القرابة، وقلب سيدي بلعباس العتيقة التي كان يسكنها الأهالي وقت الاستعمار بينما المدينة الكلونيالية فلقد كان يقطنها الفرنسيون والاسبان والمالطيون ،عالمان متناقضان ومتصدمان، هناك في المدينة الكولونيالية،المقاهي التي تجلس على طيراساتها البنات الحسنوات والشباب الذي يتجرع الجعة، والاستيديوهات التي تنطلق منها الاغاني الشهيرة في ذلك الزمان،بينما في المدينة العتيقة حيث الطحطاحة تنتشر المقاهي العربية من مقهى الهلال إلى مقهى ولد الزين هناك كان يجلس مغنيي الراي القديم مثل الشيخ المدني صاحب الأغنية الشهيرة "يا عودي واش بيك!؟"هناك كان يلتقي الشعراء الشعبيون يتداولون قصائد الملحون،ويتبادلون الاخبار والقصص، وفي قلب الساحة المسماة طحطاحة يجلس المداح ن والڤوالون والشعراء،تنطلق الاغاني من الديسك لتنتشر في ساحة الطحطاحة"هذا العالم المليئ بالألوان والأصوات لايمكنني نسيانه" يرددعلى مسمعي،
انتقل ماحي إلى شارع ڤومبيطا، وكانت عائلته تشجعه على ممارسة الفن،فدخل حركة مسرح الهواة وهنا كان ماحي صديق من بين الممثلين الذين برزوا ولمعوا وظهرت مواهبهم بشكل قوي في التمثيل،وكانت هذه التجربة المسرحية التي ابتدأها مع فرقة مسرح الأحياء غنية وقوية أقرت روحه كما يقول "وأضفت لي تجربةًجديدة ساعدتني على مواصلة مغامرتي المسرحية في شكل فن الحكاية"كان رئيس الفرقة يدعى قادة بن شميسة، وهو نفسه انتقل بعد تجربة زاخرة في المسرح إلى فن الحكاية وقد انتقل الى عدة بلدان أوروبية،وقدم قصصا محلية وأخرى مقتبسة من التراث الفني العالمي
الحكواتي في زمن الدم والعودة إلى بشير حاج علي
كان معي وهو في ريعان الشباب يؤمن باليسار كمخرج وحلم طوباوي لكن في الوقت ذاته طل متعلقا بتاريخه السخصي والمحلي والعائلي، طل الدين عنده يأخذ تلك المكانة الحميمة في حياته الشخصية، كقصة مفتوحة على كل الامكانا ت التي تقربه من الإنسان،الدين عند ماحي ،لحظة انبثاق الكلمة والحكاية،ماحي يقرأ باستمرار ويعيد ما قرأه في حكاية يتحد فيها الشفوي بالمكتوب، الحلمي بالطيفي، التاريخي بالميتي والواقعي بالخيال،
آتذكر في الثمانينيات كنت عائدا في العطلة إلى مسقط رأسي بسيدي بلعباس، التقينا ولم نتوقف عن الكلام،حدثته وقتها عن شعراء مصريبن متمردين ومختلفين أمل دنقل ونجيب سرور،كانت كتابات ياسين وقتها تجمعنا،طلب مني نصوص نجيب سرور، حسن وبهية، كانت ملحمة حب مصرية شعبية استلهمها الشاعر في عمل شعري باهر،قرأها ماحي عشرات المرات،سكنته حتى النخاع،استلهما هو بدوره وكتبها بلغته المتدفقة الشعرية الجزائرية،كنت وقتها منجذبا إلى تجربة مسرح الممثل الوحيد "قدور البلاندي"الذي دفعني إليها مختار بوجمعة الذي بدآت ممارسة المسرح لأول مرة معه في فرقته التي كانت تسمى فرقة "الأصلي"..مختار بوجمعة كان أيضا صديقنا في تلك الفترة، كانت لديه تجربة متميزة،مختلفة ألبترحوله الكثير من سوء التفاهم والانكار، كانت أثارها عميقة على مسيرته المسرحية التي توقفت ووصلت إلى طريق مسدود للأسف،سافر إلى سوريا،قضى زمنا كعامل في ورشة الديكور بأحد المسارح بدمشق، عاد إلى الجزائر بعد خمس سنوات من الغربة، جاء محملا بالكتب والأحلام والطموحات، قدم بعض الأعمال المسرحية التجريبية ثم ابتلعته روتينية المسرح الجهوي ببلعباس والصراعات النقابية العقيمة التي أطفآت جمرته المتوقدة التي بها وعلى نورها سلكت طريق النضال والابداع الثقافي..لم يحدث لماحي ماحدث للمختار،التزم ماحي لوقت بالنضال السياسي اليساري ودافع عن الخيارات التقدمية والثقافية المرتبطة بالهوية،التقينا مجددا في العاصمة ،وكان قريبا من فرقة دبزة التي كان يمثلها سليم بن سديرة الطالب في معهد العلوم الاقتصادية والناشط في محيط اليسار التروتسكاوي ،أذكر كيف وقف الماحي بصمود يوم حاولت ادارة مهرجان مسرح الهواة بمستغانم في المنتصف الأول من الثمانينيات حظر وجود فرقة البزة بالمهرجان وذردها،ثم أذكر شجاعة ماحي في سنوات الدم،كان مع ايقاف المسار الانتخابي ومواجهة الاسلاميين، التقينا يومها في أحد شوارع سيدي بلعباس وكان نقاشنا حادا، كنت ضد ايقاف المسار وكان هو مع مساندة ايقاف المسار،كان قد انتهى من مسيرة تندد بالاسلاميين الراديكاليين،كان رفقة رفاق واصدقاء، كان رفقته صديقنا محمد شاهي الذي شجعه فيما بعد على انتهاج طريق الحكواتي،تلاسنا وتشابكنا بالكلام، وظننت آن فصلا من الصداقة قد وصل إلى نقطة النهاية بسبب السياسة،التقيت بمحمد شاهي بعد سنوات وكان قد تغير قليلا وأعاد النظر في حماسته الراديكالية، ثم مات في ذات عيد أعياد الأضحى، تحول ماحي مع الزمن المتحول الذي يترك في أعماقك الكثير من الخيبات،توصل ماحي إلى لحظة انقسعت فيها شمسه الروحية وفتحت آمامه طريقا جديدا للتآمل والالتزام الجديد المختلف يقول لي ماحي "كانت سنوات الحرب التسعينية جدرية في إعادة بناء نظرتي حول نفسي وعن العالم الذي يحيطني، كنت أروي وأعلق على ما كان يدور وقتها وأنا أجلس إلى الاصدقاء مثل محمد شاهي واحميدة العياشي وعباس الزين وجمال وفاتح ،كان جمال رفيقي في الأحاديث اليومية التي كانت تجمعنا في تلك الأيام المرعبة التي تعرض فيها الصحفيون مثل الطاهر جاووت وعمر ورتيلان واسماعيل يفصح وبختي بن عودة ومبدعون مثل عبد القادر عللولة وعز الدين مجوبي والمغني حسني ومعطوب لوناس للاغتيال،يفتح الموت والدمار أمامك أبواب أخرى تعود بك إلى نقطة البداية من اجل اعادة ترتيب كل هذه الفوضى التي تقذف بنا فجأة في تياراتها المتضاربة والمتناقضة والهائجة كعاصفة هوجاء ومجنونة"
ويضيف ماحي صديق قائلا وهو يعود الى سنوات الصخب والعنف"في ذلك الوقت صمت المسرح وساد الصمت في المباني المسرحية،واغلقت أبواب صالات الاحتفالات، وتفرقت الفرق المسرحية،منهم من مات واختفى في غياهب الصمت ومنهم من ترك البلاد هاربا بجلده،كان علي أن أجد طريقي لاحتفظ بسلطة الكلام التي كانت تعرضني يوميا الى مخاطر الموت" 
اهتدى ماحي في تلك الفترة إلى فن القول، إلى الحكواتي الذي ينقل حكايته المأساوية إلى الناس ليرويها ويقصها، استعاد فنا كان شبه منسي وملقى به في ظلام النسيان،يقول ماحي"لقد وجدت آخيرا ضالتي وسلطتي الحقيقية التي آبني بها آحلامي الجريحة واعيد من خلالها بعث قصوري التي تلاعبت بأطيافها الرياح والعواصف،لقد عثرت على كنزي المفقود، الحكاية،وكان نص الشاعر الجزائري، والمناضل اليساري بشير حاج علي الذي تعرض في السنوات الأولى التي أعقبت انقلاب 19جوان الذي قاده الكولونيل هواري بومدين ضد احمد بن بللة مصدر انبعاثه وملهمه،نص البشير يسمى "العسف"يروي بشير حاج علي التعذيب في سجون بومدين،ينقل التجربة المؤلمة التي تعرض لها المناهضون للانقلاب العسكري الذي قام به بومدين ومن بين هؤلاء المناضلين كان الشيوعيون المنتمون إلى حزب الطليعة الاشتراكي الذي كان يقوده بشير حاج علي ،صمد البشير، وحول ليليه إلى أقمار وآناشيد للصمود والآمل،،كنت التقي ماحي في تلك الفترة، انتقلت اليه شعلة البشير، ليحولها الى خطاب انساني،مدين للقهر والتعذيب،تحول ماحي معها،تخلص من سطوة الايديولوجيا واستسلم لبهجة الحكاية التي جعلت منه آكثر شفافية وإنسانية،طاف ماحي صديق بنص العسف عند الرفاق، وانتقل به إلى أماكن لم يكن ليفكر أنه يصل اليها،هي تلك القرى المنسية وسط الجبال، هي تلك الوجوه المغمورة الصامتة ولها كنز من القصص التي لم ترو بعد،وفتح نص "العسف"أمام ماحي بهجة اكتشاف مولود معمري،الكاتب الذي اشتهر بروايته "الهضبة المنسية" وقصة "الأفيون والعصا "التي اقتبست للسينما وتحصلت على عدةًجوائز وهي تروي قصة الحرب والثورة في زمن الخمسينيات
"اماشاهو"لمولود معمري كانت الباب الثاني للحكاية التي جعلت ماحي صديق يختار طريقا جديدا سينتقل به إلى فصل جديد من الحياة،حيث سيغادر مهنته الاساسية موظف في الخزينة الولائية،ينتقل من سيدي بلعباس بعد زواجه إلى مدينة بني صاف، ويتفرغ نهايئا لفن الحكواتي،يقدم بعض حكاياته في الخارج لانشر بعد آن سدت الابواب في وجهه بالجزائر،تبدأ رحلته الى مارسيليا، الى دول مغاربية في تونس، والمغرب لتفتح الابواب على مصراعيها الى بلدان أفريقية، الى دبي، الى اسبانيا،الى البرتغال،الى الاردن الى مصر الى الكونغو
"الحرب تدمر لكن تخلق الحياة من جديد"
لا آتذكر أين قرأت هذا القول، لكن على كل حال قرأته وأنا طالب في الجامعة، ربما قال أحد المعلمين الثوريين الذين تعلمت منهم الكثير،تعلمت من حياتهم الشجاعة في قول الحقيقة، والاخلاص في تأدية الرسالة التي خلقنا لأجلها آو خلقت لأجلنا حتى نعطي لحياتنا وأفعالنا معنى،ربما يكون قائلها فلاديمير اليتش لينين،صاحب الكتب التي ايقظت عقلي مثل "ما العمل"و"الدفاتر الفلسفية" و"خطوتان الى الخلف وخطوة إلى الأمام"
الحرب ليست شرا مطلقا عندما تفرض نفسها علينا أحيانا بسبب المجانين الذين يتسببون في اشعالها ،لم يكن واحد من الجزائريين يتوقعون آن الحرب كانت تنتظرهم في قارعة الطريق بعد أن تخلصوا من جثة الحزب الوحيد وفرحوا بانتفاضة أكتوبر 1988،وقتها التقيت بماحي بمقهى الصومام القريبة من بيت عائلته في شارع ڤومبيطا،كان جالسا مع صديقه الحميم أحمد مهاودي، شاعر تروبادور،عاشق للرحلات لكن رجله أعاقته عن ذلك،فاطلق لحيته وصار مثل المتصوف المحنون، دائم الرحلات بين الكتب والاسماء التي لاتريد ان تنتهي في غابة الشعراء والكتاب والمسرحيين، من كاتب ياسين ومحمد ديب ومولود معمري الى شارل بودلير ورامبو وريلكة،كان ماحي واحمد يجلسان النهار كله وهما يتحدثان بشراهة،القي القبض على أحمد مهاودي واقتيد الى مقر الاستخبارات،غداة اكتوبر وقتلت طفلة آمام آعين ماحي برصاصات طائشة غيرت من حياة ماحي صديقي،وفجرت حساسيته الشعرية بشكل عميق ومهول
وجد ماحي نفسه في مفترق الطرق بين الانسان والمثقف الملتزم سياسيا، بين الحلم الطوباوي والحقيقة الواقعية المليئة بالنتوءات السوداء، توقف أمام الالام التي أثارتها بأعماقه الحرب ليعيد اكتشاف لغة جديدة، لغة الحب ولغة الانسان،الانسان حيثما كان،الانسان بعيدا عن اللغة واللون والنتماء العرقي والقومي، الانسان بكل ابعاده ،بكل الانسانية التي تجعل منه شريكا ونظير،لا عدوا ،قريبا لا بعيدا، حميما لا غريبا
الحرب يقول لي ماحي "غيرتني، انسنت خطابي، وسعت من نظرتي الى الأشياء وعمقت من حساسيتي تجاه الالوان والاشياء والكائنات"
اصبحت الاشياء قطعة موسيقية متعددالانغام بالنسبة لماحي ،وزاد من ايقاعها،تلك المرأة التي أحبها ومنحت له سارة التي تخرجت من الجامعة، وحاج علي،الذي اطلق اسمه على بشير حاج علي،يقول لي ماحي "شكرا لك لأنك منحتني ان آتحدث عن علاقتي بزوجتي التي منحتني كل شيئ لما ارتضت ان تقاسمني زهدي، بساطتي وحياتي المتواضعة "
عندما اتصلت بماحي صديق ليروي لي بدري حكايته ،كان على آهبة السفر الى معسكر، والى مدن جزائرية أخرى ليحط به الترحال بتونس،كان قادما لتوه من مدن آخرى لينتقل الى مدن آخرى، واحداها مدينة مراكش حيث التقى بجمهوره المغربي في الساحة الاسطورية للحكاية،التي مر بها الرواة وصناع الحكايات من المغاربة والعرب الرحالة،وقد يكون منهم الرحالة الطنجاوي الاسطوري الذي لا يموت "ابن بطوطة"؟!
يرتدي ماحي لباسه التقليدي الموشح بالبياض والصفرة الجمعية المشيعة للنور الداخلي الذي يجعل من اللسان حصانا حرا،يطير،يحلق في سماء الحكايةيطلق شعره كأي راو قادم من زمن الحكاية ومدن الأوشام، يحدق في الوجوه كأي انسان متشرد عركته الحياة وحنكته الأيام والحار والعواصف،يفتح يديه وهو يتآمل السماء حيث عين الرب ترعاه، يفتح كتبا الحكاية فينتفح الجسد مثل عباءة في قلب السماء، تشرئب الاعناق، تتعدد الجنسيات، تتناسل الاصوات،تتراقص الكلمات وتهطل الصور مثل التبر من آعالي العوالم البعيدة ويشرق العالم المحكي عبر ذاك النداء العميق الذي يشدنا الى منبع الخيال والنقاء،تلك هي حكايتنا جميعا التي يرويها حكواتي تروبادور.

------------------------------------
المصدر : الحياة نت 


في مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني..تمثلات الواقع العربي لدى المسرحيين الشباب العرب

مجلة الفنون المسرحية

في مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني..تمثلات الواقع العربي لدى المسرحيين الشباب العرب

بشار عليوي 

لا يُمكن لأي مُتابع للمسرح العربي المُعاصر أن يتخطى التأثير الواضح للمسرحيين الشباب العرب، وتمظهرات هذا التأثير في إعادة صياغة المشهد المسرحي الجديد في عموم العالم العربي التي باتت تنأى بمُخرجات الحرائق المُشتعلة في هذا البلد العربي أو ذاك، واضطراب الواقع العربي العام بجميع مفاصلهِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.  

وهذا كُلهُ ألقى بظلالهِ على تفكير هؤلاء المسرحيين الذين وجدوا أنفسهم إزاء تحد كبير يتجسد في كيفية إثبات وجودهم أولاً داخل المسرح العربي، وثانياً كيفية مُقاربة الواقع الحياتي المُضطرب أصلاً والتمرد عليهِ مسرحياً، وهذا ما تمثلَ في مُجمل العروض المسرحية العربية التي شهدها (مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني للمسرح الشبابي1-8/4/2017) في مصر، فثُمةَ قواسم مُشتركة ما بين تلك العروض لعلَ أبرزها المحمولات الفكرية التي تجسدت عبرَ الوجع الذي حملهُ المسرحيون العرب الشباب ممن وجدوا في ماهية المهرجان مجالاً رئيوياً للبوح الداخلي من خلال عروضهم الصادمة فكرياً والباعثة على الدهشة جمالياً، وتُعنى هذهِ الفُسحة النقدية بثلاثةٍ منها بُغية إعطاء صورة وافية عن طبيعتها مُجتمعةً .

"شقف" ورحلة المجهول
عن فكرة للفنان الراحل "عز الدين قنون" , وهوَ من إنتاج مسرح الحمرا في تونس وأم سي سبايس كندا، تأليف وإخراج: سيرين قنون ومجدي بو مطر، تمثيل(بحري الرحالي/ ندى الحمصي/عبد المنعم شويات/ ريم الحمروني/ اسامة كشكار/ مريم دارا/ وغي اونصونصوي/ صوفيا موسى)، يتحدث العرض عن موضوعة الهجرة الغير شرعية التي تُعاني منها بُلدان أوروبا عبرَ تدفق المُهاجرين العرب والأفارقة إليها وفي العرض مجموعة مهاجرين غير شرعيين قد جمعهم قارب صغير يُبغون الهروب من بلدانهم بُغية تحقيق أحلامهم المُتجسدة في الوصول الى أرض ثانية هي ايطاليا بالتحديد بعيداً عن مآسي بُلدانهم، ولعلَّ ميزة هذا العرض الذي قُدّمَ سابقاً في افتتاح مهرجان قرطاج 2016 وعُرض بعدها ولأيام عدّة في تونس، هوَ وجود شخصيات مُتعددة من بُلدان عربية وأفريقية جسدها ممثلون شباب من تونس وسوريا ولبنان وأفريقيا، قُدمَ هذا العرض داخل قاعة الكونغرس جولي فيل في شرم الشيخ، حيثُ تُبادر كُل شخوص العرض الى سرد الوقائع اليومية التي مرت بها بأسلوب الفلاش باك، مُحاولة أستثمار وقت الرحلة الطويل والمحفوف بالمخاطر في تبيان ماهية أسباب الإقدام على رحلة الهجرة، وتميّزَ المؤدون بشكل يوحي بالتباري فيما بينهم خصوصاً وأن العرض يحوي شخوصاً تتحدث بلغتها ولهجتها الاصلية ، فضلاً عن تحميلهِ لثيمة اساسية تتمثل في أن المعاناة الانسانية واحدة في كُل زمان ومكان، لكن تبقى مُعاناة الشباب العربي هي الطاغية في بحثها عن الخلاص وتغيير الواقع نحو الأحسن، وظفَ ًصُناع العرض لعبة "القفازة" المُستخدمة في مراكز ألعاب الأطفال وتطويعها لصالح العرض عبرَ جعلها قارباً يضم هؤلاء المُهاجرين غير الشرعيين بُغية المُقاربة ما بين حركة القفازة وحركة القارب، لكن جمالية هذا التوظيف قد تم استهلاكها مع دقائق العرض الأولى عبرَ البوح بها واستمراريتها خلال العرض.

موت صالح للشرب" العراقي والمُغايرة في الطرح والإسلوب
من إنتاج نقابة المعلمين العراقيين- فرع بابل بالتعاون مع فرقة جامعة بابل للثقافة والفنون، توليف وإخراج: محمد زكي، تمثيل(حسين العكيلي/ محمد المسعودي/ محمد الدليمي/ بشار عليوي/ محمد زكي/ حسين العسكري) إشراف: د.عامر صباح المرزوك، تميّزَ هذا العرض الذي لم يسبق لهُ أن قُدّمَ في أي مكان سواء داخل أو خارج العراق، عن باقي عروض المهرجان بكونهِ من عروض(مسرح الشارع)، فكانَ مُغايراً في طرحهِ الفكري وإسلوبهِ الجمالي، وتساوقاً مع اشتراطات مسرح الشارع المُتمثلة في ذهاب المسرح الى الناس حيثما وِجدوا ضمن تجمعاتهم العشوائية في مُختلف الفضاءات (ساحات وأماكن عامة/ أسواق/ ميادين/ شوارع) بُغية طرح موضوعات آنية تستدعي اهتمامهم وتفاعلهم معها، فقد اختار القائمون على هذا العرض الساحل البحري لمدينة شرم الشيخ لتقديمهِ وفقاً لماهية موضوعهِ المُتمثل بوصول عدد من الشباب الهاربين من جحيم الحروب الاقليمية والاقتتال الداخلي والحرائق المُشتعلة حالياً في منطقتنا وتحديداً في العراق وسوريا، الى بر الأمان بعد رحلة مُميتة تسببت بمقتل باقي أقرانهم الذين كانوا معهم في رحلة الموت، ولعلَّ أبرز مُتمثلاتها، هي مأساة الطفل السوري "أيلان" الذي وظّفهُ العرض توظيفاً يُحسب لهُ حينما جعلهُ أيقونة العرض كَكُل واللافتة العريضة الشارحة لُجمل طروحاتهِ فكانت جثة الطفل ايلان المُلقاة على الشاطئ (جسدها كاتب السطور) بوصفها صورة تعقلن الملفوظ الحواري ولا تحتاج لأي تفسير، يبدأ الشبُان الناجون بالوصول الى الشاطئ الواحد تلو الآخر ويسرد كُل واحد منهم قصتهِ وقصص أقرانهِ ممن غرقوا في عرض البحر، عبر التذكير بالتراجيديا العراقية والسورية اللتين فاقتا كُل التصورات، ليعمد المؤدون الى إشراك الجمهور في اللعبة المسرحية، فنجد ثمّة تجاوبا واضحا من قبل الجمهور دلالة على إدانة موت الضمير الإنساني وعجزهِ عن إيجاد نهاية للحروب الآنية والمُستقبلية ووضع حدٍ لمأساة الشعوب لينتهي العرض الذي حاز على الإعجاب الكبير من قبل جمهور المهرجان وصنّفهُ النقاد بكونهِ نقطة تحول واضحة في مسار المهرجان، بدخول عدد من افراد الجمهور وارتدائهم الفانيلات الحمراء"ملابس الطفل ايلان" وتمددهم مع باقي الممثلين على الساحل في مشهد تضامني مع المأساة الانسانية عموماً ووجع الشباب العربي الذي يرى أن المستقبل أمامهُ في نفق مُظلم. 

"ثورة دون كيشوت" والاحتجاج على واقع الحياة التونسية
من إنتاج فرقة "كلاندستينو للانتاج المسرحي" التونسية، اعداد عن رواية "دون كيشوت" الاسبانية الشهرية للروائي (سرفانتس) أعدها وأخرجها: وليد الدغستي، تمثيل(يحيى الفايدي/ ناجي قنواتي/ أماني بلعج/ منير العماري/ منى تلمودي)، يتحدث العرض الذي سبق وأن قُدّمَ في مهرجان عشيات طقوس الاردني عام 2016 وحصل على 4 جوائز، وقُدّمَ ضمن العروض المُتنافسة على جائزة سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي في مهرجان المسرح العربي بدورتهِ العاشرة - الجزائر2017، عن كائنات في مدينة غامضة تستيقظ فجأة من رحم النفايات وتتمدد سريعاً لتفتك بالمدينة وتحتل مناطق حيوية تسيّرها حسب رغباتها  ورغم المقاومة والمعارضة الا انها تواصل تخريبها لكل تفاصيل الجمال مستعينة بشبكة معقدة من اصحاب النفوذ والمال فتعتصر المجال العام والخاص وتأسس لواقع مرعب عبرَ مُقاربة متن الرواية الأصلي وإعادة إنتاجهِ بشكل يُحاكي الواقع التونسي الحالي في استعراض لأبرز التحولات التي عاشتها تونس خلال فترة ما يُسمى بالربيع العربي وما تلاها، لم يعمدَ المُخرج "دغستي" الى استثمار كامل الفضاء المسرحي المُتاح أمامهُ وتطويعهُ لصالح مُخرجات العرض، وفَضَلَ الاتكاء على الأداء العالي والمُنضبط للمؤدين الفايدي والتلمودي وقنواتي وبلعج والعماري الذين قطعوا أشواطاً أدائية عديدة بفضل مرات تقديم العرض السابقة، ومما يُحسب لهذا العرض اشتمالهِ على مُجمل تمثلات وجع الشباب العربي تجاه مآسي بلدانهم والواقع المرير الذي يعصف بمُجتمعاتهم.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

ناجي صوراتي.. تجربة مسرحية مثيرة للجدل

مجلة الفنون المسرحية

ناجي صوراتي.. تجربة مسرحية مثيرة للجدل

نوقلا طعمة 

في ظل استمرار المخرج اللبناني ناجي صوراتي في تقديم تجاربه المسرحية -التي تحمل مقاربات ذهنية وفلسفية وتعتمد بشكل كبير على الديكور وقوة أداء الممثلين- يتواصل الجدل بشأن تجربته الفنية، حيث وصفها نقاد بأنها نخبوية، وتدخل ضمن ما يعرف بـ"مسرح الهاوية".

ولئن أطلقت عبارة "مسرح الهاوية" على عدد من التجارب المسرحية العالمية، إلا أن الوصف المتعلق بتجربة صوراتي، هي في استشعار بعض النقاد لمخاطر في العروض التي يقدمها، حيث يعبر أحيانا عن موقفه من خلال مشاهد خطرة يؤديها الممثلون على خشبة المسرح.
قوة الأداء
ويبرر صوراتي وصف الهاوية بقوله "أضع الممثل على الهاوية، فديكوراتي كبيرة ومرتفعة لستة أمتار أو ثمانية أحيانا وعلى الممثلين التدريب، وأداء مشاهدهم عليها. وهناك نار أو مياه أو حديد على المسرح. هكذا مكونات تظهر الممثل كأنه على هاوية".

ويضيف في تصريح  للجزيرة نت أن "التجربة فرضت نفسها علي منذ بداياتي قبل عشر سنوات خلت، وقد وصفتها الصحف بمسرح الهاوية، وأنا لا أميل إلى هذا التعريف".
ويؤكد صوراتي أنه "عبر نظرة أولية سطحية يبدو الخطر على الممثل حقيقيا، لكن عندما نعرف أنه خضع لتدريبات متخصصة تمكنه من مواجهة أخطار كهذه، ندرك أنه ليس في خطر حقيقي، سحر المسرح أنه يضع الإنسان بمواجهة ذاته".
وتتوافق المخرجة والممثلة عايدة صبرا في رؤيتها مع صوراتي إذ تقول إن "الممثل المدرب بشكل جيد يستطيع أن يتلاءم مع كل الوضعيات، فإذا تعرض لمواقف صعبة يعرف كيف يتلافى خطرها".
إلا أن الكاتب جاد الحاج انتقد تجربة صوراتي ويقول للجزيرة نت "صوراتي فنان وموهوب، والمسرح غير بقية الفنون، يصل إلى الناس بصورة مباشرة، وهذا ما لمسناه في مسرحيته (قاسيم عراكية)، التي تناولت فكرة الرعب، وقد وصلت كما يجب. لكنه في تجربته الأخيرة (ذرة رمل في عين الشمس) انصرف إلى هاجسه الشخصي، ونرجسيته، وغاب الهم الاجتماعي عنه".
أعمال نخبوية
وتعتبر (ذرة رمل في عين الشمس) وهي آخر أعمال صوراتي، المستوحاة من نص لإيتيل عدنان، فلسفية الأبعاد، تعالج عمى البصيرة، وتحكي قصة عالم فيزياء أصيب بالعمى، واعتقد الناس أنه أعمى نفسه بفقء عينه، ويتحدث الممثل خلال العرض مع الجمهور، ويفسر أنه لم يعم نفسه، بل أنه صار أعمى لأنه رأى أمرا ما.

ويرى صوراتي أن النص المسرحي "ليس بالضروري أن يكون حوارا، فهو يتكون من إضاءة وديكور وممثل وملابس وصوت، ومن جمل حوارية أيضا".
وتعلق صبرا على تجربة صوراتي بأنه "يعتمد على نصوص ليست مسترسلة على مستوى الحكاية، لكن من خلال المخيلة وتقنيات الإخراج والسينوغرافيا ينتج نصوصا بصرية تعتمد أكثر على التعبير الجسماني".
لكن جاد الحاج انتقد نخبوية المقاربة المسرحية لصوراتي، وصعوبة الأسئلة التي يطرحها على الجمهور وقال "المسرحي مدين بمستوى معين للمجتمع، لكن صوراتي في مسرحيته الأخيرة كان نخبويا، ولم يقدم للمشاهد ما يجيب على هواجسه وأسئلته".
في المقابل يرى صوراتي أن "هذا النمط من المسرح ليس صعبا، لكنه بالتأكيد ليس مثل مسرح القرن التاسع عشر -القصة الواحدة- الذي لا يعبر عن تطلعاتي". 
يذكر أن صوراتي درس الحقوق، ثم السينما والتلفزيون، وبعد تخرجه، اكتشف -من خلال التدريس- قوة المسرح المتمثلة بنظره في "التواصل مع الجمهور". قرر الاستمرار في المسرح والإخراج، بعد أن تابع دراسته العليا في لندن، ويعلق بقوله "تركز عملي واهتمامي على المسرح حيث أجد نفسي فيه، ومنذ أن عدت من لندن ٩٨، أنتجت مسرحية كل عام".

---------------------------------
المصدر : الجزيرة

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

مجلة الفنون المسرحية

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

باريس - نبيل مسعد 


توقع كثيرون ممن يتابعون أعمال فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الفرنسية الوطنية، أن تتغير بعض الأمور فيها إثر تولي الفنان إيريك روف إدارتها في منتصف عام ٢٠١٦، خصوصاً أن الأسلوب الذي ميز المديرة السابقة موريال مايات واجه على مدار أربع سنوات عشرات الانتقادات الحادة، خصوصاً لجهة قلة اتخاذ المبادرات الفعالة والاكتفاء بتكرار ما هو موجود مرات ومرات.
ولكن هناك ألف طريقة وطريقة للتجديد وتغيير المعايير، وتلك التي اختارها إيريك روف تدل حتى الآن على رغبة ملحة في كسر أكثر من الأسلوب الإداري الذي طالما ميز زميلته السابقة، فالمسؤول الجديد يطيح عبر الأعمال التي يقرر تقديمها على خشبة أعرق مسرح في فرنسا، كل الكلاسيكية التي يفترض وجودها في إطار فرقة كهذه استحقت مع مرور الزمن (٤٠٠ سنة) لقب «بيت موليير»، تيمناً بالكاتب الراحل جان موليير (1622-1673) الذي وضع أساسها في القرن السابع عشر، والذي دخل إلى التاريخ كواحد من أبرز المؤلفين المسرحيين في تاريخ البشرية/ حاله حال الإنكليزي وليم شكسبير.
وتأتي الكلاسيكية المكسورة بفضل إيريك روف، ليس في المسرحيات التي يقرر عرضها فحسب، ولكن أولاً من المخرجين الذين يسلمهم زمام تنفيذ هذه المسرحيات، والذين إذا تميزوا بعبقرية محددة صنعت سمعتهم في إطار المسرح الحديث، فإنهم يديرون ظهرهم في شكل كلي لما هو تقليدي ويفضلون اعتماد منحى «جنوني» في إدارة الممثلين وطريقة استخدام مساحة الخشبة والديكور والعنصر الصوتي أيضاً.
وآخر مثال على ذلك، يتلخص في دعوة إيريك روف المخرجة المسرحية البرازيلية كريستيان جاهارتي إلى تقديم مسرحية مقتبسة عن الفيلم الفرنسي الكبير والمعروف عالمياً والذي يدرس في معاهد السينما حتى في الولايات المتحدة الأميركية «قاعدة اللعبة» La Règle du jeu، من إخراج جان رونوار في مطلع الأربعينات من القرن العشرين. والفيلم معروف بالنظرة القاتمة التي يلقيها مؤلفه على المجتمع البورجوازي الفرنسي الذي يعيش الحرب العالمية الثانية من دون أن يدرك أنه يشهد نهاية عالم سيبتلعه الظلام.
ولم تعثر كريستيان جاهارتي على طريقة لتفتتح مسرحيتها سوى تكريسها نصف ساعة لعرض فيلم سينمائي في قاعة مسرح «لا كوميدي فرانسيز» على شاشة ضخمة، هو مجّرد إعادة بأسلوب فني حديث للفيلم الأصلي «قاعدة اللعبة» وبممثلين جدد هم أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذين سيظهرون عقب الفترة المذكورة فوق الخشبة وكأنهم قفزوا من الخيال السينمائي إلى الواقع المسرحي، أمام الجمهور في الصالة.
ولكن ما فائدة هذا الفيلم أو هذه المقدمة السينمائية بمعنى أصح، إذا علمنا أن المتفرج الباحث عن «قاعدة اللعبة» في حلته السينمائية يقدر على مشاهدته أينما شاء في الصالات بما أنه لا يزال يُعرض في نواد السينما، أو بواسطة الوسائل الحديثة المتوافرة؟ وعندما يتحول العرض في ما بعد إلى عمل مسرحي بحت، يروح يروي أحداث العولمة التي تعيشها المجتمعات حالياً ساعياً إلى العثور فيها على البؤس البشري الذي طالما واجهه العالم في أيام تنفيذ فيلم رونوار.
ويغادر المتفرج قاعة «لا كوميدي فرانسيز» من دون أن يدرك ما الذي حدث على مدار ساعتين كاملتين، وماذا كانت الحبكة، ولماذا حل الصوت العالي إلى درجة قتله كل ما قد يشبه الانفعال، مكان الحوار العادي الذي يسمح بحسن إدراك المعاني. ويسأل المشاهد ما علاقة التحفة السينمائية «قاعدة اللعبة» بالمهزلة التي يسمح إيريك روف بعرضها في المسرح الذي يديره والتي لا يتذكر المتفرج من حسناتها في النهاية إلا فرقة الممثلين البارعين المظلومين، وعلى رأسهم المغربية الجذور سوليان إبراهيم.

--------------------------------
المصدر : الحياة 

مسرحية "الثلث الخالي" للمسرح الجهوي للعلمة في مهرجان للمسرح العربي بالقاهرة

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

باريس - نبيل مسعد 


كان الموسم المسرحي 2015 - 2016 فوق خشبة «لا كوميدي فرانسيز» (المسرح الوطني الفرنسي) قد شهد عرض أحد أنجح الأعمال التي قدمتها هذه الفرقة في السنوات الخمس السابقة، وهو «لوكريس بورجيا»، المسرحية التي ألفها الأديب الفرنسي الراحل فيكتور هوغو والتي اختار المخرج دوني بوداليديس أن يقدمها في حلة استثنائية بعيدة كلياً عن الكلاسيكية التي عادة ما تميز مؤلفات هوغو.
وأتت الهامشية من وراء قرار بوداليديس منح دور بطلة المسرحية لوكريس بورجيا وهي امرأة صاحبة نفوذ تُمارس الديكتاتورية في كل مجالات حياتها، متجاهلة إنسانيتها ومستعدة لارتكاب أبشع الجرائم حتى في حق أقرب المقربين إليها، إلى الممثل غيوم غاليين بينما أسندَ شخصية الأمير الشاب دي جينارو إلى الممثلة المغربية الجذور سوليان إبراهيم.
وفور الإعلان عن الحدث، حجزت الأماكن لستة شهور مقبلة في أقل من أسبوع من تاريخ طرحها للبيع. وانقسمت الآراء حيال أداء غيوم غاليين لشخصية بورجيا واضعاً جانبه الذكوري القاسي في مقدم الساحة، وإن كان قد ارتدى ملابس نسائية، فجسّد امرأة مجرّدة من أدنى درجات الأنوثة أو مشاعر الأمومة.
كما تساءل الجمهور عن طريقة تمثيل سوليان إبراهيم الناعمة دور الأمير دي جينارو. وأبدت الغالبية رضاها عن مبادرة المخرج بوداليديس معتبرة إياها في محلها بل أكثر من ذلك، بما أنها شكلت خطوة جريئة للغاية في مسار فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذي تميزه الكلاسيكية. وهناك فئة ثانية رأت في الحكاية حيلة دعائية هدفت إلى تحقيق «تقليعة» غير جديرة بسمعة الفرقة الوطنية أو مكانتها لا أكثر ولا أقل.
حققت المسرحية نجاحاً لافتاً، ولكن بعد تولي الفنان إيريك روف مسؤولية إدارة الفرقة أخيراً، استدعى المخرج دوني بوداليديس لإبلاغه بضرورة إعادة تقديم المسرحية، شرط إستاد الدور النسائي إلى لسيدة والدور الذكوري إلى رجل، على أن يبقى هو المخرج.
وبرر روف موقفه بحجة بسيطة لا تتعدى كون فيكتور هوغو من أكثر المؤلفين تقليدية ورومانسية في كتاباته وأن أبسط الواجبات تجاهه تستدعي الحفاظ على هذه المقومات والامتناع عن المساس بها.
وافق بوداليديس على إقتراح، بل على أمر رئيسه، وراح يعيد إخراج «لوكريس بورجيا» من الألف إلى الياء مختاراً هذه المرة الممثلة إلزا لوبوافر لأداء شخصية بورجيا، ومن ثم الممثل الشاب الداخل حديثاً إلى الفرقة الوطنية غاييل كاميليندي لتقمص الأمير دي جينارو.
وبدأت العروض الجديدة المستمرة حتى نهاية أيار (مايو) المقبل، وهي تلاقي بدورها رواجاً. غير أن البعــض يعـــتبر إلزا لوبــــوافر أكثر خــشونة من غيوم غاليين، وغاييل كاميـــليندي أكثر نــعومة من سوليان إبراهيم، بمعنى أن العرض خسر في نظر هؤلاء من قوته في ما يتعلق بتسليط الضوء على الخيط الرفيع الذي يفرق بين جنس وآخر.

--------------------------------------------
المصدر : الحياة 


مسرحية "دولة السرافة " تجسد حقيقة وحشية داعش من خلال المسرح

مسرحية " محاكمة صلاح الدين الايوبى " تأليف احمد ابراهيم الدسوقى

ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي .

مجلة الفنون المسرحية

ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي 

جواد الحسب 


في البدء لم يكن الإنسان البدائي يمتلك لغة التخاطب، وإنما كانت لغته الايماءة والإشارة والحركة، وكانت هذه اللغة تعبر عن حاجاته ورغباته، كذلك تعبر عن الفرح والحزن اللذين يختلجانه، فالرقصات والحركات بأنواعها تعبر عن الفرح والحزن لديه. فحين يستخدم الإشارة ، يكون قد أفهم الآخر بما يريد توصيله من غاية أو معنى ، وما تثيره هذه الإشارة أو الإيماءة لدى الجماعات من قراءة الحالة المراد التعبير عنها. وهذا ما كان يحدث قبل آلاف السنين. وقد ظل على إشاراته وحركاته أزمنة طوال حتى استطاع أن يكتشف لغة الكلام. لكن بقيت بعض تلك الإشارات والحركات تلازمه حتى يومنا هذا. ولقد أمست جميع الفنون المعاصرة تحن إلى ما كان الإنسان البدائي يتمتع به من مهارة في التعبير عبر الإشارة، وهي بمجملها حركات تمثل بالنسبة له لغة تواصلية مع الآخرين. فالإنسان يستخدم إشاراته وعلاماته التي ينتجها جسده قديماً وحديثاً مع وجود لغة الكلام التي تمكنه من أن يكون مكتفياً بها، إلا أن إشاراته أكثر بلاغة وأصدق من الكلام، قد يتخلل الكلام بعض الكذب، إلا أن الإشارة لايمكن أن تكون غير صادقة فهي أحساس حركي وشعوري نابع من النفس. فجسد البدائي كان يُقرأ عليه ما يختلج في نفسه من حزن وفرح وغضب وإنكسار وضعف وهذا مايحققه ممثل اليوم لصناعة جسد مطواع قادر على استنباط نفسه جسدياً أو إدخال حركته الجسدية إلى النفس، وبالعكس. فحركة الجسد هي ما تعكسه النفس فطرياً، وهي التعبير عن النفس بكل خلجاتها وانفعالاتها، والحركة قد تسبق الكلام لأنها تمثل المنظومة البصرية أو الاتصال مع الآخر حركياً ومن خلال الإشارة. لإقامة علاقات اجتماعية معتمدة في تواصلها على حركات وإشارات متفق عليها، فالحزن إشارة دون أن يقول الإنسان أنا حزين وأيضاًً الابتسام إشارة، وكذلك التحية، وقد تختلف الإشارات من مجتمع لآخر طبقاً للاعراف التي تمت بينهم. 
لقد تراجع دور الكلمة على المسرح، بعد أن كانت الدعامة الأساسية له، ذلك أن المسرح كان يسيّرهُ النص والاعتماد على خطابه الأدبي، دون حذف أو اختزال أو تلاعب، وقد غيب الجسد وحركته، أزمنة طوال، حتى جاء الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام بالحركة وانبثقت من هذا عروض البانتومايم والكوريغراف والباليه وغيرها من العروض التي تعتمد الجسد كلغة تعبيرية. فالممثل استطاع من خلال الحركة أن يحقق خطابه البصري. فجسد الممثل لا يتحدد ضمن نسق معين، إنما ينطلق نحو الاكتشاف في جغرافيا الجسد، واللعب في تضاريسها المكتشفة وضمن أنساق جديدة من الحركة، لكن هناك حدوداً مرسومة له، تميزه عن سواه من الممثلين، رغم أن هناك تشابه في الأفعال والسلوكيات بين الممثلين، والممثل يجهد نفسه باحثاً عن شيء يميزه عن الآخرين، ويتم ذلك عبر الجسد. إن مفهوم جسد الممثل على المسرح، ليس ثابتاً في جميع الأنواع المسرحية، إذ إنه يتطور، ويتحول ويتغير، وفق ما يلحق به من تطورات تجري على احداث المسرحية، ومع تطور القوانين الاجتماعية في الحياة. يقول باربا: " الجسم في حالة حياة يمدد حضور الممثل وإدراك المشاهد. إنه لايعني وجود شخص حاضر أمامنا ولكن تغييراً مستمراً وتفتحاً يتم تحت أبصارنا . إنه جسم في حالة حياة . لقد تم تحوير الطاقة المتدفقة أثناء سلوكنا الاعتيادي لتصبح مرئية بصورة غير متوقعة"( ). 
فالممثل هو الجسد الحي الحاضر أبداً على الخشبة، وهي المكان الذي يستطيع أن يمارس حياته الفنية عليها، لتجسيد الشخصيات الدرامية. فعبر تاريخ المسرح، منذ زمن الإغريق والمآسي العظيمة، وحتى العصر الحديث، لم يجد المبدعون بديلاً عن الممثل في تحقيق العرض المسرحي. صحيح أننا لانعرف كيف كان الممثل يؤدي دوره ويجسد الشخصيات في زمن الإغريق، "إلا أنه كان يبدو أن القصص التي تحكي الاساطير الإغريقية كان يمثلها بالحركات ممثل واحد، ثم بالحوار بين هذا الممثل وقائد الجوقة وبالأغاني والرقصات الرمزية التي كانت تؤديها الجوقة."( ) وكان المتفرج يستقبل كل هذا ويتفاعل معه، وتتحقق المتعة في ظل تلك البداية للمسرح. لاشك بأن مكانة الممثل بقيت كما هي عليه محافظة على قيمتها الجمالية أداء وتجسيداً. فالممثل المسرحي بشكل خاص هو الذي يحقق أفعاله على الخشبة، ويبدع في رسم الشخصيات وصياغتها، على وفق الأفعال النفسية والجسدية. وبهذا تظهر الشخصيات الدرامية على الخشبة من الحركة والصوت. فالحركات اليومية الاعتيادية التي يكتسبها من المجتمع فهي على الأرجح تكون ثابته، وذلك بفعل أنغماسه ومعايشته لمجتمعه. والمسرح حقيقته تكمن في أنه فعل جماعي وإبداع مشترك، ضمن عملية يتخللها الفكر الخلاق، فكل كلمة، وكل حركة من حركات الممثل يجب أن تتشبع بالفكر والمشاعر والأحاسيس، لتصل إلى المتفرج عبر الحركة والكلمة. فالمسرح يفرض على الممثل أن يكون منبع إبداعه وظهوره من خلال تكاتف إبداعات الآخرين التي تسانده وتدعم حضوره، ومستوى التقنيات والعناصر السينوغرافيا والوسائل الأخرى التي تمارس دورها في بلورة وإبراز دوره، والعمل على إنجاح العرض. فللممثل شيئان لاينفصلان عنه في تأديته للدور هما جسده وصوته، يرافقانه في مجمل مسيرته الإبداعية، فسلوكه، وتصرفاته وكل اتجاه يتخذه يعتمد على جسده وصوته. والحقيقة التي تؤكد أن للجسد خصوصية تميزه بتكرار من شكليات منمطة، وسلوكيات يكتسبها من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها. فللمجتمع تأثير واضح لأسلوب التعامل مع جسد الممثل، أوعلى الفن بشكل عام، لكن الاختلاف يحدث إذا دخل هذا الجسد في بودقة الإبداع والتعبيرالفني، ويكون أكثر وضوحاً في أعتلائه الخشبة، وتقمصه للشخصية الدرامية، فالممثل حينما يبغي تجسيد شخصية درامية فلابد أن يقرأها بعمق السلوك والتصرفات والمشاعر والانفعالات، أي بشكل كامل من خلال تحقيق دراسة أبعاد الشخصية، التي قد يجد مثيلتها في الواقع، حيث إن جسد الممثل تتراكم فيه تقنيات فسلجية قد استمدها، سواءٌ كان يعيها أو لايعيها فهي تعبرعن مجمل ثقافته الذاتية، "وان كبارالممثلين في الغرب يحصلون على تكنيكهم من خلال التجربة الشخصية الطويلة في ميدان العمل، وليس من خلال ايجاد اسلوبهم الخاص ضمن التقاليد السابقة لهم"( ). 
وعليه فإن الممثل قد استمد التقاليد والتصرفات من التجربة الذاتية ومن المجتمع الذي ينتمي إليه. ويعبر من خلال هذا في أدائه للشخصية الدرامية، إنما هو في الحقيقة يعبرعن ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها، وهو ما يعبر عنه أداؤه الطبيعي. إذن لايمكن أن نتعرف على جسد الممثل بمعزل عن مفهوم هذا الجسد وفلسفته ضمن الحضارة التي ينتمي إليها، أو تاريخه الطويل المفعم بالمعتقدات التي تتحكم بسلوكياته وذوقه وأفراد مجتمعه، الذي يشكل نمطاً من العلاقات بين المجتمع الواحد. وهذه العلاقات إنما هي الفعل الحياتي، التي تدفع بالناس لصياغة العلاقات الاجتماعية ضمن زمان ومكان محددين. يقول (ماركس): "إن الأعمال الفنية قد أنتجت تعبيراً عن ( الحالة المادية ) للمجتمع عند نقطة زمنية معينة. "( ) والمقصود بـ(الحالة المادية) هي مجمل العلاقات الاجتماعية التي يحكمها الوضع الاقتصادي ضمن مجال مجتمع ما، فينبثق من هذا المجتمع سلوكيات تتواءم مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فالسلوكيات الصادرة من الشخص ومجمل التصرفات التي يمارسها تتوقف على مدى علاقته بالآخرين الذين هم في تماس معه. وعلى ضوء ذلك يبني الممثل لنفسه قاعدة وتكون أساس إبداعه في تجسيد الشخصيات المسرحية. "يتخذ التجسيد – كعملية إبداعية – صوراً تكاد تكون متعاكسة في الثقافات المختلفة تبعاً لصورة الجسد الثقافية في كل مجتمع على حدة"( ). من هذا الفهم المتقدم لثقافة الجسد التي تحكمنا بالاعتناء على تكوينها، وصولاً إلى جعلها أداة ثقافية شأنها شأن كل اللغات الحية التي نستطيع بواسطتها ان نوصل أفكارنا بها – لغة الجسد – التي أصبحت فيما بعد لغة خاصة تحاكي بقية الثقافات المسرحية كما – عند كروتوفسكي وشاينا وكانتور وباربا وسواهم الكثير في بقاع العالم كافة. "وقد لعب المفهوم الجمالي للجسد في الثقافة الأوروبية، منذ اليونان القديمة، الدور الأساسي في نشأة الحاجة إلى المسرح واستمرارها عبر العصور التالية "( ). لهذا فإن جسد الممثل وهو يتحرك على الخشبة لايتخذ من شكله الخارجي وتحولاته هدفاً خالصاً للتعبير، وإنما عليه أن يوّحد ما بين الشكل الخارجي (فيزياء الجسد) عبر حركاته، والمشاعر الداخلية للشخصية الدرامية من خلال الأفعال ومجمل السلوكيات والتصرفات. فإذا كان الممثل يعتمد بالدرجة الأولى على الشكل الخارجي دون الاعتماد على الجانب النفسي، أعماق الشخصية، فمن المؤكد أن أداءه سوف يصبح ميكانيكياً، وهذا ما عمل عليه (ما يرخولد) وهي الفكرة التي أكدها في إدخال التكنولوجيا في العرض المسرحي، وقد كان ميله منصباً على جعل جسد الممثل آلة ميكانيكية تتدفق من خلالها الدلالات والرموز." كل ذلك يمكن اعتباره مادة لوضع مخطط أشكال تقوم على أساس الحركة الشبيهة بحركة الدمى المنظمة والميكانيكية"( ). والنتيجة أن الممثل يعمل بجسده بالدرجة الأولى وهو الشكل الخارجي، وأحياناً يجعله مقروناً بالحالات الانفعالية للنفس، وأن يوّحد بينهما، ويستطيع أن يعمل بجسده فقط دون الحاجة لحالاته النفسية، وحتى بدون الكلام، ويحقق المتعة الفكرية والجمالية. فالممثل في العالم يلغي بشكل نسبي أو شامل نمط خصوصيته لجسده، وقد أخذ يتطور بشكل كبير، بفضل علم الأنثربولوجيا الذي فتح الخطوط إلى كل بقاع العالم، ومعرفة الإنسان وبكل ما يحيط به وبمعطياته وإبداعه، فالأنثربولوجيا أخذت العالم نحو آفاق رحبة وواسعة. " لقد أكدت البحوث الانثربولوجية على أن هناك في حياة الشعوب ممارسة لتكنيك يومي اعتاد عليه الناس في حياتهم اليومية وهناك تكنيك خارج عن الحياة اليومية في ثقافة كل شعب"( ) من هذا المنطلق تعتبر انثربولوجيا المسرح أو الابحاث التي تدخل تحت هذه التسمية، المجال الأكثر ملاءمة لتداخل والتقاء الممارسات المسرحية. فالممثل اليوم، هو حصيلة تجارب الآخرين الذين سبقوه والذين مهدوا له الطريق بمعرفة أشكال جديدة تمارس في المسرح في بلدان متعددة. والممثل كما هو معروف هو الشخص الذي يخلق شخوصه على الخشبة. ولكن تبقى طبيعة حركته هي التي تميزه وتحقق إبداعه، ويتجلى ذلك من خلال ارتباطها بالتعبير الكلامي، ومن ثم مقارنة حركة الممثل بحركة الآخرين. كنوع من الصراع والارتباط، يستثمره في تجسيده للشخصيات وفي صراعها الدائم، التي تمثل خاصية (الدراما) المسرحية "وتشمل امكانات صراع الشخصية ما يأتي: صراع مع شخصية اخرى، صراع مع مجموعة من الأشخاص، صراع مع النفس، صراع مع البيئة، صراع مع مواد غير حية"( ). 
إن التغيرات والتحولات التي جاءت نتيجة الصراع شملت العلاقات بأسرها، سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية أو السياسية أو المهنية، فالجسد وفقاً للتغيرات والتحولات التي باتت معروفة، أخذ يتشابه مع كل التغيرات والتحولات التي تطرأ على الأجساد الأخرى في سائر مجتمعات العالم المختلفة، فليس هناك خصوصية معينة تخص مجتمع دون آخر في مجمل حالات الجسد وحركاته، فالخصوصية انتهت مرتكزاتها في مجتمعات العالم، وأخذ التشابه في أنماط الحياة وسلوكياتها وأفعالها يشمل العالم بأسره. أن وصف حالات الجسد على المسرح كونه جسداً اجتماعياً، لايعني به جسد الممثل فحسب، وإنما تتسع الظاهرة لتشمل الممثل والمتفرج معاً، بوصفهما يكوّنان المعنى الإنساني الذي ينحو نحو الاحتفال والظواهرالأخرى التي تحقق البهجة والفرح والأنغماس في عالم الخيال الذي يبغي الإنسان الهروب إليه، عبر الممارسات الدرامية( ). فجسد الممثل هو إيقونة لجسده الآخر، الذي ينتمي للواقع والحياة الطبيعية. " في المسرح يرتبط كل ممثل بعلاقة أيقونية مع دوره بمعنى أن وجهه يصبح دالاً على وجه الشخصية التي يؤديها. وتلعب المهمات المسرحية أيضاً دور العلاقات الأيقونية فهي تحاكي في مظهرها الأشياء التي تصورها.( ) إن عناصر اللعبة الدرامية المعقدة حاضرة على الخشبة تمارس أنشطتها بنظام محكم، والممثل هو المحرك لخطوط هذه اللعبة التي لم تكن مجانية، وإنما لها أهداف ولغة، ومن دون ذلك تصبح بلا جدوى. "ومثلما في أية لعبة من ألعاب المغامرات، ففي المسرح أيضاً توجد قوانين قاسية. وبالتالي فالمعرفة الحاسمة بقواعد اللعبة وقوانينها، كما في أية لعبة من ألعاب المغامرات، هي تحديداً تلك التي تعمل على تفجير السعادة المتأتية من نكران الذات أثناء الفوز."( ) فالمتفر ج حاضر في أنشوطة اللعبة الدرامية، وله دور فعال في التأثير على الممثل، وكذلك الممثل يؤثر فيه، وبهذا يكون كل واحد منهم يؤثر في الآخر. وهو ما يجعلنا نبحث في مستويات التعبير الجسدي الفني من جهة، ومن جهة أخرى مايثيره هذا الجسد عند المتلقي (المتفرج)، وبات من الضروري أن تنشأ علاقة بين جسدين، جسد الممثل، وجسد المتفرج. كي يتحقق التأويل والتفسيرلأبعاد الفعل الدرامي. فوضعيات الأجساد المختلفة، تحدد وضع جسد الممثل، وجسد المتفرج، فالفرق واضح بينهما، جسد الممثل المشار إليه فوق الخشبة، يمارس فعله الدرامي، يختبئ خلف أقنعة الشخصيات التي يجسدها، ويكشف عن الأسرار المستترة في النفس، والمتفرج يرى الممثل ويسقط كل ما قام به على نفسه( ). 
فاللعبة الدرامية تحكمها قوانين خاصة بها، والارتباط الوثيق بقوانينها يتم بين الممثل والمتفرج. وتتميز بأسلوبها التعبيري الذي يمثله جسد الممثل بشكل خاص من خلال ماديته الحيوية الذي "ينفق من الطاقة ما يزيد عن طاقة الإنسان العادي personne quotidienne ينفق تلك الطاقة بالمعنيين الحرفي والمادي"( ). وتتحول هذه الطاقة وتصبح وسيلة تعبير تبعث الحياة في الشخصيات الميتة في النص. لقد امتلك التمثيل طرقاً وخصوصيات متعددة، فكل طريق يمتلك خاصية من التعامل التي يعتمدها الممثل في معرفة حدود جسده وصوته، ومن خلال تواصله، وكيفية أن يصبح أداة مطواعة تمتلك طاقتها التعبيرية جسداً وصوتاً. وهذا ما أجمع عليه كل من ستانسلافسكي ومايرخولد حينما انصب اهتمامهما على الحركة التعبيرية التي تنتج الخطاب البصري فـ(مايرخولد) يؤكد على الظاهر، وهو الجسد (الخارج) ومن ثم يعكس بحركته إلى الداخل، " أي من خلالها يمكن اكتشاف المعنى الداخلي الكامن في حركة الممثل، فهي كنظام عمل يمكن أن تساعد في التوصل إلى (الصورة) والمشاعر الداخلية من خلال التأثير البلاستيكي المعبر.( ) بينما تنطلق هذه الحركة من الداخل إلى الخارج عند ستانسلافسكي، ويصبح مجمل اهتمامه يصب في محاكاة الواقع وانعكاساته على الممثل. ولكنه يؤيد ما ذهب إليه (مايرخولد) حول الحركة فيقول: " أن تنفيذ الفعل الفيزيولوجي تنفيذاً صحيحاً يساعد على خلق حالة صحيحة. انه يحول الفعل الفيزيولوجي إلى فعل سيكولوجي وذلك بتأثير قانون وحدة الحياة السيكو – فيزيولوجية."( ) يتشكل جسد الممثل عبر الممارسة والتعبير، ليكون أداة إيصال بكل محمولاتها من صور وأفكار للمتفرج. فالتمثيل فعل بحث عن الهوية وهو لايجد غايته إلا بأن يفقدها، وقد يكون الممثل مشتركاً في كتابة النص مع المؤلف من خلال أداء دوره، فهو يصيغ نصه من خلال قراءته العميقة مابين السطور لنص المؤلف، وتجسيد الشخصية الدرامية من خلال تغييب أناه المشغولة بالتفاصيل الحياتية اليومية، وحضور ذاته المبدعة المتشكلة من الفن، التي تسعد بوجودها على الخشبة، هروباً ورغبة بامتلاكها ناصية الإبداع وعملها في هذا الاتجاه( )، وبهذا يكون الممثل قد قدم الشخصية التي تركها المؤلف ناقصة ليكملها هو، ويملؤها كياناً وحياة. فالشخصية الدرامية في النص ليس لها كيان وملامح إلا بعد أن يجسدها ممثل وتدب الحياة فيها على الخشبة. إذا كانت الشخصية في النص بمثابة الروح فهي تبحث عن جسد تتحرك من خلاله، والممثل هو الجسد التي استعانت به للتجسيد وفي صياغة شخصيتها التي تكون قريبة دائماً من الواقع ولم تكن غريبة عن الممثل أبداً. قد نجدها بيننا في حياتنا العادية ونجري الحوار معها سواء في المقهى أو في الحافلة أو في أي محفل آخر، فهي تمتلك سلوكها الخاص في الدخول والخروج والمشي والجلوس لتشكل في النهاية مجموع ما سوف نعرفه عنها، وهي تؤدي دورها على خشبة المسرح. " إن كل إنسان هو ممثل بالطبيعة، يتقمص ويلعب الأدوار المختلفة، المقررة في الحياة اليومية، كنوع من المسايرة، أو التحايل، أو التكيف مع الآخر ... إلا أنه من المدهش دائماً الوقوف عند تلك الحالة الفريدة التي تصبح فيها هذه الطبيعة، أو الغريزة الأساسية، نشاطاً فنياً مؤثراً بذاته"( ). 
إن النظرة إلى الجسد كظاهرة مسرحية، يمكن دراسة نموها وتطورها من خلال التقاليد المسرحية، وكذلك التأثيرات التي حدثت عبر الزمن، ونعزو ذلك إلى الدوافع المحدثة للتطور والتغيير. ففي القرن العشرين حدث الانفتاح على العالم بكل معطياته ومنها المسرح، وذلك من خلال التبادل الثقافي بين بلدان العالم، مما جعل المسرح الشرقي يتأثر بالمسرح الغربي والتعرف على أحدث عروضه، "إن تأثير المسرح الغربي في الشرق هو أحد المعطيات الثابتة. وصار من المؤكد أن للمسرح الشرقي أهمية كبيرة في التطبيق العملي في المسرح الغربي. ولكن هناك في ذلك إرباك لا يمكن نكرانه : وهو أن هذا النوع من التبادل يدور في حيز السوق الكبير ( سوبر ماركت) للثقافة"( ). فالمسرح الشرقي، صار يجدد في مفاهيمه وبنيته المسرحية، التي كانت متقوقعة لسنوات طويلة، وذات تأثير على التجارب الغربية، وراح يكتشف اتجاهاتها وأشكالها المسرحية، وبالمقابل أخذ الغرب يتعرف على التراث الشرقي متأثرين بمضامينه وأشكاله، وبالفعل قاموا بدراستهِ، والتعامل معه كشكل من أشكال المسرح قائم بذاته، يذكر آرتو "عن مشاهداته في عروض شرقية قد اعجب بها، ان الناس في بالي يحققون فكرة المسرح الخاص بمنتهى الدقة، هذه الوقفات ذات الزوايا التي تتقاطع خطوطها تقاطعاً عنيفاً، وطبقات الصوت الآتية من الجزء الخلفي للحلق، والجمل الموسيقية التي تتوقف فجأة، ورقصات الدمى"( ).
إن حركات جسد الممثل هي التي تشكل جوهر العرض المسرحي، وليس لغة الكلام، حيث "يتحدد النص المكتوب في حاجته الحقيقية لتفعيل السياق المسرحي. ويشير في كل مكان إلى خضوعه لشروط العرض المادية، ولا سيما في جسد الممثل وقدرته على تجسيد الخطاب داخل الفضاء المسرحي."( ) وهذا ما أخذ يهتم به (آرتو) أخيراً حيث كان يقدس النص في بادئ الأمر، لكنه أخذ يبحث عن لغة جديدة تمارس سحرها وتأثيرها في إماطة اللثام عن أعماق النفس المخبوءة، حيث خرج منعتقاً من المدونات إلى حيث الفضاءات البصرية التي تمتلئ بحركات جسد الممثل وصرخاته التي اعتمدها بوصفها وسيلة تعبير أكثر من اللغة المنطوقة. "وحتى هوراس، الذي كان يخاطب الكتاب الناشئين في عصر أغسطس من خلال كتابه فن الشعر Ars poetica قال إن العين وسيط أكثر قيمة من الأذن وبناء على هذا أنصحهم بأن يكونوا على وعي بما يعرضون على خشبة المسرح."( ) ولهذا كان (آرتو) مهتماً بالممثل وبجسده أكثر من اهتمامه بأي شيء آخر، ولقد دعا إلى جسد الممثل وقدرته على التعبير قبل أن يأتي (كروتوفسكي) ويعلن اهتمامه بالجسد وتعبيراته، فالممثل هو الدعامة الرئيسة للعرض المسرحي. وكما هو معروف أن نشأة المسرح بدأت في عصر الإغريق، من خلال الممارسات للطقوس الدينية التي تمجد الآلهة وتحتفل بأعيادهم. فالممثل كحرفة انبثقت من تلك الممارسات الاحتفالية، وقد كان عنصراً فاعلاً فيها، وبعد مرور زمن طويل تحولت هذه التقاليد الدينية، إلى عروض مسرحية تشهدها مسارح العالم، تلك الأشكال التي نعرفها اليوم، ويلعب الجسد الدور الكبير في الممارسة الاحتفالية ويتبوأ موقعاً مهماً، وأهمية هذا الموقع تكمن في مكانة الإنسان بالنسبة للعالم ومن شعورهذا الإنسان بالتوحد مع مكونات عالمه الخاص ومن ثم بينه وبين الكون. "إن الوثنية الاغريقية عرفتنا بوظيفة الممثل التي استقلت عن الطقوس الديونيسيسية الصاخبة. هذه الوظيفة لم تكن منعزلة عن انشاد الجوقة ورقصها التي استمرت بتأثيرها الواضح على الممثل الروماني بهذا الشكل أو ذاك. اما في القرون الوسطى فإن عملية احياء فن الممثل اتبعت بصورة عفوية غير مقصودة فقد كانت الاهداف الدينية المسيحية هي الاساس في كل عملية أو تظاهرة اجتماعية "( ). 
ففي بدايات المسرح الأغريقي كانت حركات الممثلين مؤسلبة، لما فيها من رقص نابع من طقوسها الدينية، ومن ثم ابتكر اليونانيون أنماطاً حركية للجسد بشكل عام، ونوع من المسرحيات " المبكرة ذات الممثل الواحد يقترن بها اسم ثسبيس thespis الذي قيل عنه إنه كان يجمع بين التمثيل والكتابة المسرحية"( ) فالتمثيل كحرفة بدأت في زمن أسخيلوس على وجه التحديد، و(ثيسبس) أول مخترع لها، ولقد أزدادت أهميتها حينما بدأ يزداد عدد الممثلين في القرن الخامس قبل الميلاد. " وكان الممثلون الإغريق رجالاً دائماً، ولم تظهر النساء أبداً فوق المسرح،"( ) وبعد مرور زمن بدأ فن التمثيل يبحث عن أشكال مختلفة حتى وصل الينا بالشكل الذي نعرفه اليوم، وهو الفن الذي حافظ على مكانته وأصبح حرفة يستطيع من أمتلك الموهبة أن يمارسها. تكونت لدى الممثل عادات عبر مسيرة عمله الطويل، وهذه العادات قد أعاقت تطور ونمو أدائه، فلابد للممثل " أن يتحرر من كل العادات حتى يستطيع أن يفكر في دوره وهو صافي الذهن حتى يتقن أداء الشخصية التي يجسدها"( ). 
الممثل قبل كل شيء يمثل نفسه أولاً ومن ثم الشخصية المسرحية، وكان هذا يجعله متناقضاً أحياناً، وذلك فيما يريد أن يحقق التجانس بشكل كلي بين الشخصية الدرامية وشخصيته من حيث السلوك من الناحية النفسية وحركات جسده فيزيائياً، لينتج من هذا المزج سلوك وأفكارالشخصية الدرامية. وربما لا يحدث مثل هذا، وإن حدث فيتحدد بنسبة معينة، فالممثل يستطيع أن يتبنى مشاعر الشخصية التي يؤديها بشكل مغاير لمشاعره، ولكن ليس بشكل كلي، فحينما يضحك ينقل عدوى الضحك إلى الجمهور فيضحك معه، أو حينما يبكي يبكي معه. فـ "المسرحية تحاكي واقع تقديمها كواقع معاش بين بشر يحملون مخيلة قريبة إلى مخيلة الممثل"( ). 
فالأقنعة التي يلبسها الممثل قديماً بأشكالها وقسماتها الجامدة غير الواقعية تؤسلب أدائه ولا تجعله واقعياً، وهذه هي بواكير المسرح الإغريقي، آخذاً بالتدرج من الطقوس الدينية واحتفالاتها إلى العروض المسرحية التي نشهدها اليوم. الممثل في عصر التراجيديات وفي المسرح الإغريقي على وجه التحديد، لايظهر من وجهه شيء، حيث كان يتقنع وقد شكل ذلك عائقاً، بحيث منع القناع تعبيرات وجهه من الظهور، فبقيت مستترة ولايستطيع الممثل أن يعبر عن عواطفه، إلا فيما يظهره شكل القناع ان كان فرحاً أو حزيناً. فشكل القناع الجامد يعيق تعبيرات وجهه، وقد يلبس في المسرحية الواحدة عدة أقنعة، ولم " تكن جميع هذه الأقنعة متشابهة، وإنما كانت مصنوعة بحيث توحي بالتعبيرات التي يتميز بها الفرد. وكان بالإمكان تغييرها عند الضرورة، وكانت هذه الأقنعة تعني، بالطبع، عدم تغيير الممثل لتعبيرات وجهه وهوعلى المسرح."( ) ولكن القناع الذي يلبسه الممثل المعاصر يظهر تعبيرات وجهه، لأنه صمم بطريقة مختلفة عن الطريقة الإغريقية، حيث لم يكن جامداً، وإنما كان مرناً بمرونة عظلات وجهه، أو يصنع من الأصباغ كما في المهرج. إلى جانب القناع هناك الحذاء العالي الذي يلبسه الممثل الإغريقي، ليبدو طويلاً، ولكنه يقلل من حرية حركته، وبهذا التضخيم يبرز الممثل، ويكون واضحاً أمام الجمهور. لأن المسرح الإغريقي مسرح ضخم يشبه تماماً الملعب الرياضي في العصر الحديث، لذا يلجأ الممثل في ذلك العصر إلى القناع الضخم والحذاء العالي لكي يتناسب طردياً مع حجم المسرح. فشكل الممثل مؤسلب كذلك ما يطرحه المسرح من أفكار وقضايا تنتمي إلى التفلسف أكثر من انتمائها إلى حوار واقع الحياة التي يعيشها الممثل، وطرح مشكلاتها التي يعانيها مع المتفرج. والمسرح حينما تم انفصاله عن الطقوس الدينية، فصار مسرح محاكاة، ليس للواقع وإنما لأبطال الأساطير والآلهة وأنصاف الآلهة والملوك والأباطرة. والتجسيد عبر أحداث درامية لا تقترب من الحقيقة والواقع. هناك مسألة مهمة في عمل الممثل ألا وهي عملية الخلق أي التجسيد، وهذه ليست بالعملية السهلة، فهي تحتاج إلى تمارين على مستوى النفس داخلياً، وعلى مستوى الجسد خارجياً. الممثل بهذا الشغل الذي يقع على عاتقه أنه يريد أن يلعب. ولا يصنف عمل الممثل إلى (العمل)، وإنما إلى اللعب كنوع من أنواع اللعب وهي (حرفة) تنطوي على قدركبير من المتعة والغموض. وهي" وظيفة التعبير والاداء الفني سواء بواسطة الحركات او الاشارات او– خطو – الممثل امام المتفرج وتشكيله لخطوط وجهه وصياغته لكلامه المؤدى بلهجة ونبرة خاصة ليرسم من ذلك كله دوره الذي لا يكون بمعزل عن موقف هذا الممثل من قضايا عصره وهذا ما يصبه في سبيكة – طبائع – الشخصيات التي يعالجها فوق الخشبة"( ). عن طريق المحاكاة، وهي كمفهوم يحيلنا إلى منطقة التقليد، ولهذا استبعد الممثل عن جمهورية (أفلاطون) لأنه يقوم بالتقليد، فهو يقلد واقع الحياة، والحياة وفقاً لـ(نظرية الأشكال) تحتل مكانة ثانية بعد الحياة الأصل. لهذا يصبح التمثيل تقليد التقليد، وهنا يكمن خطره من وجهة نظر (أفلاطون) بوصفه فناً أدائياً لا ينتمي للحقيقة في شيء وإنما للوهم وطبيعته الخاصة هي التي تجعله خطراً.( ) ولكن في الحقيقة المحاكاة أعمق من هذا، فالمحاكاة هي محاكاة الأحساس الداخلي، فضلاً عن المظهر الخارجي، وهي عملية إبداعية تكشف عن حقيقة الإنسان، والمحاكاة أصبحت تنطوي على ما نسميه بإعادة تصوير الحياة على المسرح. يقع على الممثل العبء الأكبر، حينما يبدأ بتجسيد الشخصيات، وأيضاً حينما يعتمد على لغة جسده دون لغة الكلام، فالكلام في رأي الباحث: قد يوقف التعبيرالجسدي، والانتماء إلى نمط محدد من التعبير الأدائي. إن أهم ما يميز المسرح في العالم الغربي، هو أداء الممثل. فالممثل معني أكثر من غيره في المسرح على وجه التحديد يريد من جسده أن ينتج لغة بصرية. أن جسد الممثل يعمل على أسلوبين مهمين هما: الأسلوب التعبيري، والأسلوب التشكيلي، فالممثل في هذين الأسلوبين يجسد الكثير من المعاني التي يفصح عنها النص، ورؤية المخرج، والعمل بالأسلوب التشكيلي حينما يتعامل الممثل مع عناصر السينوغرافيا، وإمكانية تحويل الفضاء إلى كيان جمالي . 
صار المسرح في العالم يعتمد اعتماداً كلياً على حركة الممثل، فهي اللغة التي يفهمها العالم في كل مكان، وصارت لها قوانين وأنظمة تعمل على أساسها، فجسد الممثل يشكل المساحة الواسعة في الابداع المسرحي، ويصبح هو العالم إذا جاز لنا التعبير. "ان تقاليد مهنة الممثل استندت الى خبرة تاريخية لصياغة هذه اللغة الجسدية واللغة الكلامية منذ فرونيخوس وثبس وحتى روسكيوس الممثل الروماني الكوميدي ونظيره التراجيدي "ايزوبوس" وحتى عصر النهضة "( ). ففي عصر النهضة، كانت الحركة انعكاساً لما يقوله الممثل. فلم يكن الأعتماد على الجسد بوصفه أداة تعبيرية، وإنما أعتمد على حسن الإلقاء وفخامة الصوت بالدرجة الأولى. وقد برز مسرح كان مغاير لما هو سائد في هذه الفترة، اعتمد الحركة بشكل أساس، كما في المسرح الشعبي، الذي اعتمد الرقص والإيماءة والارتجال، متفقاً مع أسلوب عروض كوميديا دي لارتا، وعروض ما يسمى بمسرح الأسواق. حيث "يرتكز فن المسرحية في الكوميديا ديللارت على عملية المونتاج وعلى دمج مختلف أوجه المعرفة والتكنيك المتعلق بالعرض المسرحي"( ). التي اعتمدت جميعها على الحركة الجسدية والأرتجال، لتحقيق لغة العرض المسرحي. فالارتجال في كوميديا دي لارتا يعرفه (فرديناندو تافياني) بانه "فن الخلق في نفس لحظة التنفيذ. هو في الواقع مسألة ذاكرة وكانت الأكاديميات الإيطالية تعمل على تنمية ذلك التكنيك وتقيم مسابقات شعرية وخطباً ارتجالية حول مواضيع غريبة ولا تخطر على بال أحد"( ). الممثل أمام مسؤولية كبيرة حينما يدرك أن عملية التجسيد والتقمص والمحاكاة مهمة في غاية الصعوبة، حينما يتقن دوره أمام المتفرج وأمام الممثل الذي يشاركه في أداء الشخصية الآخرى في العرض، ومن ثم إرضاء لنفسه التواقة للإبداع والخلق. وللممثل فعله الذي يحركه في صياغة الأحداث، حتى نهاية المسرحية. فحركة الممثل على الخشبة هي تخصص قائم بذاته، ينظر إليها بعلمية وما تحتويه من تقنية بلاستيكية حيث "تستند حركات الممثل إلى حركاته ذاته تلك التي يعبر بها عما يعيشه، حيث انه يلمح باشاراته وحركته عما يعتمل في داخله وعند الآخرين ويكتشف تلك الحركات منهم ومن نفسه ويحاول تطبيقها على الدور المكلف به ومن مجموع هذه الحركات يتألف الدور"( ) فالممثل كتلة متحركة بأطرافها وأعضائها ومجمل حركاتها تنتج مدلولات ورموزاً مجردة وغير مجردة يستنطقها العرض المسرحي. 
حتى حلول نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بالجسد من قبل المسرحيين وشكل لديهم المحور الأساس في مجمل أعمالهم المسرحية، واستحوذ على اهتمامهم حتى يومنا هذا. إن كل فن سواء كان الفن المسرحي، أو التشكيلي، أو الموسيقي، فلابد أن يستقل بخصوصياته ويحضى باستقلاله، طالما تتوفر له وسيلته التعبيرية الخاصة به. لذا فإن الحركة الجسدية في عدد من الفنون حققت فيها طابع الاستقلالية ومنها الباليه والكوريغراف والبانتومايم. وجميعها تعتمد الحركة الجسدية وسيلة تعبيرية.
لقد أصبح الاهتمام بالجسد وتعبيراته وتقنيات أهم مميزات الأداء التمثيلي في العصر الحديث، ولقد توسعت منابع واتجاهات حركة الممثل، "يقوم باستخدام، أشكال، طرق عمليات، سلوك، حيل، خدع وأشياء ظاهرية أخرى نسميها بالتكنيك. إن التكنيك هو ما يميز عمل الممثل وله وجود في كل التقاليد"( ). لهذا بدأ المسرحيون يدرسون تشريح جسد الممثل، والطاقة الكامنة في أدائه، وتكنيكه الحركي والتعبيري، ويّنظرون له حتى يتم توظيفه للعمل المسرحي. فالحركة وتشكيلاتها صنفت كنظام متكامل، وحددت مراكز القوى في الجسد،"والوضعيات التي يأخذها أثناء الأداء وحركته في الفضاء وقربه وبعده عن أجساد بقية الممثلين وعناصر المكان"( ). 
فالممثل تسبق وجوده على المسرح مراحل متعددة، أبتداء من البروفات والتدريب للحصول على ضبط مقنع لدوره، ومن ثم وصوله إلى إتقان الدور والصعود على الخشبة أو أي منصة أخرى للعرض، ولقد كيّف نفسه وجعلها مطوّاعة للأداء ، ولقد سيطر على مراكز القوى والتوازن في الجسد، وهو يستثمر طاقته الابداعية التي تحرك جسده. فالأنثروبولوجيا اهتمت بموضوع الجسد بشكل خاص، وأيضاً عَدّته المنطلق الأساسي لإحياء عناصرالطقس واللعب والفرجة التي تعد جوهر المسرح. فالمتفرج جاء للمسرح لكي يرى، لا لكي يسمع، لأن المسرح يعني العرض لمجموعة من الناس، حيث أن كلمة العرض تقترن بالمشاهدة. لقد استمدت مناهج إعداد الممثل علوم الحركة والوضعيات حتى أصبح التدريب الجسدي للممثل من أساسيات الحركة التي لها علاقة بالأنواع المسرحية وأشكالها، فلقد أصبح من الممكن تعلم الوضعيات المختلفة للحركة حتى يتمكن الممثل من أداء أصعب الحركات على الخشبة، وخلق أي صورة من الجسد وحركته التي يتطلبها العرض المسرحي. ولاسيما أن الحركة تمثل العنصر الأكثر وضوحاً بالنسبة للمتفرج ، فهو قادر على مشاهدتها من بعيد ويدرك مغزاها. " كذلك قد ندرك يقينا أن كل حركات المؤدى وإيماءاته قد تم التدرب عليها من قبل وأن نبرات الحزن والفرح في صوته لا تعدو أن تكون تمثيلاً"( ). 
ولكننا وبتأثير فعل المشاهدة نعتقد أن ما نراه هو الحقيقة وليس تمثيلاً، كما في تصورنا الدائم عن خاصية المسرح. والصورة المرئية هي جسد الممثل ، كوسيلة تعبير يتمخض من خلالها العرض الصامت ( البانتومايم ) كشكل مسرحي قائم بذاته. إذ لايستخدم "التمثيل الصامت اية مناظر ولا اية متممات ولا وسائل اخرى. والوسيلة الوحيدة التي يستخدمها للتعبيرهي جسم الممثل مسوقاً بأفكاره وعواطفه"( ). 
ولقد تم تطويرجسد الممثل ليشكل مع اليسنوغرافيا علاقة مشهدية متجانسة ومتكاملة فالصورة المسرحية المتكاملة هي الفن المركب من تقنية الاخراج وعناصر السينوغرافيا، وللممثل حرية كبيرة لحركته التعبيرية، حينما يطلق العنان لإبداعه الخيالي عندما يصبح شيئا آخر يسمح له بالتعبير عن عواطفه. فمثلاً حينما يجسد شخصية (عطيل)، فهو عطيل، بملامح الممثل نفسه، ويظهر لنا الحالة النفسية المضطربة والغيرة العمياء التي تقوده في النهاية إلى القتل. الممثل هو مبعث الحياة على الخشبة وذلك من خلال خلق شخصيات درامية يرسمها النص على الورق، فيقوم الممثل بانتشالها من الموت ليضعها حية على الخشبة، في العرض والمشاهدة العيانية لتدب في تلك الشخصيات الحياة، فالمادة التي يمتلكها الممثل ليحيل النص إلى عرض هي الفعل فمن خلال الفعل تتجسد الشخصيات، ومن خلال الفعل أيضاً يخاطب المتفرج والممثل وهو العنصر الذي يحرك جميع العناصر الأخرى حال ظهوره على الخشبة وهو الوجود الحي الذي يدعم من قبل العناصر السينوغرافية لتبرز حضوره وأداءه وتعمق من أفعاله، فعمل الممثل ليس بالعمل الهين، بل عمل شاق ينتسب إلى نوع من "الشجاعة الفائقة التي تجعل الممثل يعرض أمام أعين المتفرجين – نفسه وذاته الممتزجة بتلك الروعة والتواضع"( ). هكذا هوصف الممثل عند (كانتور) عندما يؤدي وظيفته على الخشبة دون تردد، أو خوف إلا أن الممثل ظل يحاكي حركة الآخر في الواقع للإيهام بالطبيعية ومن هذا الإيهام تمخض عن ولادة التعبير الجسدي المعاصر، الذي يشغل الفضاء بحركته، لتصبح هذه الحركة رؤيا معبرة تنتج من خلال تعبيراتها صور متعددة تشكلها السينوغرافيا. بدأ جسد الممثل يتحرر، ربما لأنه صار يبتعد عن كل ما كان يقيده، والانفتاح على الرقص التعبيري (الدراما دانس) والتطور في التمثيل الصامت (البانتومايم)، هذا من جانب، ومن جانب آخر، هو الابتعاد عن التقاليد الصارمة التي تسيطرعلى مجمل العلاقات الاجتماعية، والقيم الدينية التي تحد من التحررللجسد، فصار الابتعاد عن هذه القيم يحقق هذا التحرر، فالممثل يتحرر نحو الميل إلى الفعل. "كما يؤكد ستانسلافسكي فإن الشيء الرئيس في فن الممثل لا يكمن في الفعل ذاته، بل في نشأة الميل إلى الفعل نشأة طبيعية. فهذا الميل هو بالضبط نصف الموهبة وهو الجذر الأصلي لما تعارفنا على تسميته بالحضور: أي قدرة الشخص على أن يكون مؤثراً ومحسوساً بين الآخرين عند كلامه أو حركته أو حتى مجرد ظهوره بينهم ولو صامتاً!"( ). الواقع هناك متعة في إدراكنا لوجود الممثل على الخشبة يمارس لعبة التمثيل – التقمص والمحاكاة، تولد هذه المتعة الاحساس بالجمال. "إن احسن دراسة للدور هي التي تتم تدريجياً، وعندما يحاول الممثل تحضير الدور فإن عليه أن ينقل تعرفه للشخصية بأقل قدر ممكن من المشاركة الروحية مكرساً أكثر الأساليب ملاءمة للبحث عن الحركات الفيزيولوجية المعّبرة عن الشخصية، واختيار ملامح الشخصية بشكل تدريجي يساعد الممثل في مهمة التغلغل إلى أعماقها مما يمكن الممثل من كشف علاقة الشخصية بالعالم الخارجي."( ). 
فالممثل له طريقتين في أداء عمله: الطريقة الأولى يؤدي الشخصية من الخارج معتمداً على براعته الجسدية، فيجسد الشخصية من خلال الحركة، والطريقة الثانية: هي المحاكاة أي أن يعيش الدور بمشاعره بحالاته النفسية، " فهو يفعل هذا ابتغاء الوصول إلى فهم أعمق لطبيعة النفس البشرية بمعناها الكلي، فنحن في الأغلب نقف أمام المرآة لا من أجل الهروب من أنفسنا، بل من أجل مواجهتها،"( ). يرتدي أقنعة الشخصيات التي يجسدها، والممثل قد عمل بهذين الطريقتين، أن الممثل هو في الأساس جسد وروح، فمن خلال الجسد يخلق الممثل الشخصيات من الخارج، ومن خلال الروح يخلق(الحالات النفسية) ويكون حاضراً فيها وعيه وعقله. وقد يتلاشى الخط الفاصل بين هذين الطريقتين ليصبحا حالة واحدة. كذلك فإن الصدق الفني والصدق الحياتي يتداخلان معاً، فيتمخض السؤال الآتي: أيهما أكثر ثبوتاً وترسيخاً الفني أم الحياتي؟ ويرى الباحث أن الصدق الفني في الحياتي، والصدق الحياتي في الفني. " إن هذه الظنون، أو الظلال السلبية حول الفعل التمثيلي التي تنعكس بصورة واقعية في العقل العاجز عن إدراك الفاصل بين الصدق الفني والصدق الحياتي أي عند استحالة فهم وقبول حقيقة المفارقة التمثيلية تتعلق بما يضمره هذا الفعل التعبيري، بل وما يفصح عنه فعلاً "( ). 
لذا فإن جميع شخوص المسرحية ابتداء من الممثل الرئيس وحتى ممثل الكومبارس يشكلون كل في مجال ادائه قوة، فالإيماءة والحركة المنمطة غير كافيين، إذ إن أهم ما في اداء الممثل هو معايشة الدور، وإعطاء التصورات عن الشخصية الدرامية، ولقد أصبح إعداد الممثل للتدريب جسدياً، لكي يستطيع تطويع جسده لكل دور. " فمشكلة الممثل ليست في جسده ذاته بما هو عليه طبيعياً، ولكنها في جسده الثاني : ذلك الجسد العارض المتحول الخارج عن ذاته، الجسد الإيهامي القادرعلى إقناع المتفرجين كافة أنه ليس هو، وأنه أيضا ليس الصورة الوحيدة للشخصية التي كتبها المؤلف"( ). 
إن جميع المصممين للعناصر السينوغرافية تبدأ أهدافهم أولاً في نجاح العرض ومن ثم إبراز دور الممثل في العرض، لأنه يمثل هدفهم الأساسي. الممثل على المسرح يصيغ خطابه من خلال الشخصية التي يجسدها. " فيما يتعلق بأداء الممثل فقد كان هنالك وما زال مدرستان: في الأولى منها يجهد بعض الممثلين لأن يظهروا بقناعهم وأسلوب حديثهم مختلفين تماماً من دور لآخر، وفي المدرسة الثانية يحاول الممثلون على العكس أن يتصرفوا بشكل يمكن معه معرفة أصواتهم ووجوههم من تحت القناع ولذلك فإنهم لا يكثرون من المكياج"( ). فالتقنيات الجسدية للممثل، وحركته على المسرح، أهم ما يشغل الممثل في الولوج إلى الشخصية وفعلها الدرامي. فمن خلال المشاعر والأحاسيس التي يمتلكها الممثل ويحياها في الواقع الذي يعيش فيه، هي نفسها الذي يمنحها كأداء داخلي للشخصيات التي يجسدها، رغم أن لكل شخصية من تلك الشخصيات أبعادها الخاصة، ويتميز ممثل عن آخر وذلك من خلال عملية التجسيد والتأكيد على فعل الارتجال الذي يمنح الممثل العفوية والتلقائية " ويحتل الانتباه الداخلي طبعاًَ المقام الأول من الأهمية في عملنا، لأن القسم الأعظم من حياة الفنان على الخشبة وفي عملية الإبداع، إنما يجري في مجال التخيل الابداعي والفكرة المبتدعة والظروف المقترحة المبتكرة، ذلك كله يعيش على نحو غير مرئي في روح الفنان، وهو في متناول انتباهه الداخلي فقط "( ).
إن كل ما يؤكده (ستانسلافسكي) في طبيعة عمل الممثل ينصب بالدرجة الأولى على ما يعتمل داخل الممثل، حتى يصل به إلى إحراز النجاح في كل تجربة يخوضها في مضمار العملية الإبداعية، ولكن ليس من الحق أن نوعز نجاح العرض للممثل فقط وإن كان هو من يتحمل العبء الأكبر من مجمل العملية الإبداعية، إلا أن العملية الإبداعية عملية متكاملة تتمخض عنها القيمة الفنية ومجمل إبداعات الآخرين والمشاركة الحميمية بين المسرح والمتفرج. فالممثل من خلال جسده وصوته يوصل للمتفرج مضمون العرض. ولقد برزت أداءات جمالية وتعبيرية لحركة الجسد، كما في الكوريغراف وتطوراته السريعة. " الخطوات تترتب في حركة واحدة دائرية تحيل الجماعة إلى كيان منسجم لاتفصل بينه أية فروق أو عوائق"( ). وذلك للانفتاح على الحركات الأخرى مثل الرقص التعبيري( الدراما دانس )، والعرض المسرحي، والباليه والبانتومايم، وغيرها من العروض التي تعتمد الجسد كلغة تجريدية أو تعبيرية في المسرح الحديث، إن مركز الأداء عند الممثل هو جسده ونفسه وإذا تعلق بالجسد فقط فيُعدُّ مجرد تقني أو ما يشير إلى إنه مصدرالطاقة عند الممثل، وتركز ذلك من الناحية العملية في حضورالممثل، "فالممثل في اللحظة الاكثر انفعالية من خطابه الذي كان مصحوباً بالحركات، يتوقف عن الحركة ويكتفي بالكلام أو العكس يتوقف عن الكلام ولا يعبر عن انفعاله الا بالحركة. وقد تستخدم هذه الوسائل أحياناً في حالات مختلفة لا يوجد فيها تصاعد في التعبير الانفعالي"( ). 
جسد الممثل هو المادة العيانية، بالنسبة للمتفرج، ويحقق حركته في الفضاء، وهو يمتلك لغة، وحامل خطاب للآخر، ومعبر عن الذات وفي حركة متدفقة متجلية عبر تواصلها، ولها الرغبة في تحقيق حضورها المادي لنظرة المتلقي، من خلال الابتعاد والتقرب والنفور في الفضاء المسرحي. " يمكن أن نميز بين اتجاهين ومجالين من العمل مختلفين: من جانب هناك الممثل الذي يعمل ضمن طريقة منهجية لبناء العروض المسرحية التي تعتمد على شفرات ثابتة (codificato) ومن جانب آخر هناك الممثل الذي يعمل على إيجاد (خلق – المترجم) وتثبيت طريقة حضوره في كل عمل منفرد جديد، محاولاً تحاشي الوقوع بتكرار ما قام به العرض السابق"( ). 
حركة جسد الممثل هي جوهر التعبير في العرض المسرحي، ولهذا انطلق المسرح لتتبلور نظرة جديدة لجسد الممثل من خلال تأكيد حضوره الإنساني، وشكله وحركته لنظرة المتفرج، لقد حجب جسد الممثل بالأزياء وقد أثقلت من حركته، والباروكات والأصباغ السميكة على وجهه، ولقد استعبدته النمطية، ولم ينل مكانته وممارساته بالفعل العفوي الطبيعي. "وبتأثير من النظرة الأخلاقية والدينية التي تعتبر أن حرية الجسد خطيئة وأن الفنون الجسدية فيها امتهان للكرامة الإنسانية، وبتأثير من النظرة الجمالية التي اعتبرت ان الكلمة والفكر وكل ما يأتي من الراس أبولوني وجدير بالاحترام، في حين ان كل ما يتربط بالجسد والغرائز ديونيزي النزعة ومنحط "( ). لقد حدد الجسد قديماً تبعاً للأعراف الاجتماعية والتابوات الدينية وقد أهمل لمدة ليست بالقصيرة، لكن عصرنا الحالي هو الذي منح الجسد الحرية التي أخرجته من التقوقع ومن كل التبعات التي كانت تكبله. لذا ينبغي على الممثل أن لايعمل بنمط واحد ، أو تبني أسلوب معين محدد، وإنما عليه أن ينفتح على جميع الأساليب والأنماط ، حتى لايكون قاصراً في أدائه بحيث يستطيع أن يحاكي أو يتقمص شخصيات شتى بمختلف المستويات والمزايا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تقوم دراسته على استيعاب النص بشكل دقيق، حتى يدرك ما وراء السطور، ورسم معالم الشخصية وملامحها بشكل دقيق، عارفاً بعمق أبعادها والفعل الرئيس للمسرحية والفعل الذي يحركه إلى سلسلة المشاهد. وحركة الممثل "تقوم على أربعة أسس هي الفضاء والجهد والانسجام والحساسية، التي تنشأ عن الأشكال الثابتة والمتحركة"( ). 
فالحركة هي أساس التمثيل وما تترجمه هذه الحركة من ديناميكية للشعور النابع من الممثل، والنظر إلى هذه الحركة بكل أبعادها، وبعلاقاتها سواء مع الفضاء المسرحي وبكل ما يحيط بها، وبعلاقتها بحركة أجساد الآخرين. لقد استطاعت الأفكار، ومجمل النظريات سواء التي جاءت عن تجارب، أوكانت نظريات مجردة، فهي تصب باتجاه العمل الفني، والارتقاء به إلى مرامي التعبيرية الدرامية، دون أن تلغي أو تزيح ماهو كلاسيكي بشكل نهائي، فالعروض المتنوعة استطاعت أن تجمع بين أشكال الرقص وحركة الجسد على المسرح، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تخلق شكلاً هجيناً، ليس مسرحاً خالصاً، ولا رقصاً خالصاً، وهو نوع من الفنون تخص الحركة الجسدية والرقص التعبيري، ويطلق عليها مسرح الجسد. "وقد تنوعت توجهات مسرح الجسد. بين مسرح يرفض الكلام أو يكون الكلام فيه تعويذة أو رقية سحرية أو نوعاً من الصراخ والأصوات غير المفهومة"( ). 
أن التنوّع في جميع أشكال المسرح هو إغناء للمسرح ككل، وهو منظومة تعبيرمؤثرة يتجاوز فيه الكلام مع حركة جسد الممثل، أو نجد في حركة جسد الممثل ما يغني عن الكلام، أو العكس، "إن جسد الممثل وحركته ينبغي أن تأخذ شرعيتها من كل مسطح، ومن كل شكل وصيغة، من كل خط تبنيه خشبة المسرح. فالحركة تتوالد في حركات متتالية، تخرج من شخصية لتدخل في نسيج وداخل حركة الشخصية الأخرى"( ). 
فالتمثيل هو تصوير وخلق ومحاكاة للواقع، أي إن الممثل يمتلك القدرة على صياغة الحياة على المسرح، والمتفرج يدرك على وجه الدقة من خلال فعل المشاهدة أن العرض يعنيه ويشكل جزءاً من حياته أو بعبارة أخرى هناك معانٍ من حياته تشكلها الصورة التي يراها. بفاعلية وديمومة الحياة ذاتها التي تحدث بشكل علمي ومحسوس.( ) لهذا فالتمثيل يبنى على أساس الفرجة، وعلاقة الممثل بالمتفرج لن تنفصم أبداً، لأن أساس العلاقة هوالعرض، وهو الذي من خلاله يجتمعا وفي نهايته يفترقا. فالمتفرج هدفه أن يرى العرض، والممثل أن يبدع في العرض. " والحقيقة أن الممثل لا يخدم أحداً، إنما نحن جميعاً نقوم على خدمته. لأنه هو الشخص الوحيد القادر على تجسيد التصورات والمقترحات في بناء المشاهد من خلال موهبته وقابليته وقدرته"( ). فبجسده وصوته وإيماءاته، يخلق صوراً مسرحية حية، يلتقطها الآخر، المتفرج وفي تواصل مستمر حتى اسدال الستار وتحقيق المتعة للطرفين. لقد استمد الجسد حركاته وسكناته من خلال مرحلة تاريخية طويلة قد مر بها وأيضاً مرحلة التجسيد التي يتميز بها لكنها لا تنتسب إلى قانون ضبط لإشكالياته الحركية. لذا فهي تبقى مفتوحة لتأويل واجتهاد وتصورات الآخر المعني بالمشاهدة. " فالخلق الفني ينتمي الى ما وراء العقل أو ما هو فوقه. لحظة اشراقية عليا يتصل فيها بالحقائق ويكون الفنان حالاً فيها ثم تدلهم عليه حواسه ويتسيد عقله من جديد ويرجع الى حالة الإملاق . فالابداع ليس كالجنون حالة دائمة لا رجعة فيها الى التعقل والعقلانية"( ). 
وقد تأتي للممثل لحظات يتوهج فيها، فيسمو، ومن ثم يعود إلى حالته الطبيعية. وقد تتسيد عليه تلك اللحظات، فتجعله يبدو غير طبيعياً، ربما هي هذه الحالة التي نصف فيها المبدع بالمجنون، والممثل هو حلقة مهمة من حلقات التجلي للعرض على صعيد الرؤية الاخراجية. فجسد الممثل في مشاركة عناصر السينوغرافيا تنبثق من هذا التمازج لغة بصرية. هي لغة العرض تقيم مرتكزاتها على نظام تعدد الأصوات، وهذه التعددية الخاصة بالفن المسرحي هي التي تميزه عن الفنون الأخرى كما تسمح لمشاهدين من أذواق واهتمامات مختلفة أن يفهموا نفس العرض.( ) والجسد يثري بدلالاته المقروءة بصرياً فالممثل على خشبة المسرح، يتكيف ويتآلف مع جميع مفردات العرض، بوصفه الشخصية المجسده لا أن يكون هو الممثل، وهي لحظة إبداع تحقق له أن يغيب ويخرج من نفسه، ليحضر ويدخل في الشخصية الدرامية، فيقوم بالتقنع والتنكر، ويغير من صوته طبقاً لصوت الشخصية التي يجسدها. ويتخذ أسلوباً وحركة تختلف عن أسلوبه وحركته في الواقع. بالرغم من هذا، والممثل يبقى محتفظاً بشيء من ذاته، ولم يكن ذوبانه في الشخصية التي يؤديها بالكامل، فهو والشخصية التي يجسدها تبقى في ميزان متأرجح، " إذ تبدو حالة العرض كأنها خروج من الشيء الملموس، أي الوجود المادي الحاضر للشخص الممثل، وفي الوقت نفسه دخول قصدي إلى الصورة الخيالية لشخصية أخرى. وكأنها- أيضا- عملية انقطاع عن الذات فيما يشبه الغيبوبة المؤقتة"( ) والمتفرج يدرك ما يحدث للممثل على الخشبة بوضوح، ويقوم بسد الثغرات التي يتركها له، ويحاول جاهداً أن يعززها بتصوراته وتوقعاته، فالمتفرج يبحث دائماً عن علاقة وطيدة تجعله قريباً من شخوص المسرحية التي يشاهدها. وهو بهذا يرى الممثل ويشعر بما يعتريه من مشاعر على الخشبة. فالممثل " لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يتمثل نفسه تماماً في شخصيته المسرحية، واننا لا نستطيع أن نرسم خط مساواة مابين الممثل والشخصية التي يؤديها وأن الملابس والقناع وحركات الممثل ليست الا علامة تدل على الشخص الذي يمثل"( ). فهو ليس أداة مجردة تخلو من الشعور والاحاسيس، وهوالحامل لأفكار المؤلف (النص)، إلا أنه بقي محتفظاً بأفكاره هو وبذاته، ولايمكن أن يكون آلة صماء لاتعي ماتقول، أو دمية تحسن التحرك واللعب." إنه قبل كل شيء نفسه، ممثلاً، وشعوره مرهف بوجوده الأولى، وبمضمون هذا الوجود الإنساني. فليس الممثل نسخة وفية، ولا هو إعادة إنتاج لأدوار قرر أن يمثلها، ودائماً – وبدون انقطاع – هو على وعي بأقدار هذه الأدوار، ومواقفها الذاتية"( ).
فقدرة الممثل على المحاكاة هي أول المفاتيح للدخول للشخصية، سواء بجسده أو بصوته، قد يبدو ذلك صعباً في بادئ الأمر، ولاسيماعندما يلتزم موقفاً إنسانياً، لكن بعد أن ينحت الشخصية بداخله تصبح القضية في منتهى السهولة، فما " أسهل أن نحاكي ونقلد بالصوت، أو بالجسد أنموذجا ما، لكن من الصعوبة بمكان أن نعبر خلال طريقة محاكاتنا هذه عن موقفنا من الحياة والإنسان. إن التمثيل والتقليد ينتمي إلى الحرفة وليس إلى الإبداع"( ). وهي عملية قد تبدو سهلة لكنها منتهى التعقيد عند الممثل، لكنها موجودة عند كل إنسان حينما يقوم بمحاكاة مثال له، تأكيداً على ذلك أنها عملية إبداعية تكشف عن حقيقة الإنسان. بكل ما ينطوي عليه من نوازع وغرائز وسمو، والفن هو الذي يكشف كل هذا أمام الجمهور. قد تكون استجابة الجمهور للممثل هي واحدة من القضايا التي تشغله بالدرجة الأولى. فالعملية التواصلية التي تتم بين الممثل والمتفرج، وهذه واحدة من أساسيات فن المسرح والعمل عليها دائماً، فيقوم الممثل بإيصال ما يمكن إيصاله للمتفرج، الممثل صاحب رسالة، وهو أداة إرسالية تبحث دائماً عن مستقبل لها هو المتفرج الذي جلس في الصالة ليشاهد ما يعرض أمامه. "وللتواصل المسرحي خصوصية يتفرد بها عن سائر النشاطات التراسلية الأخرى وهي استحالة عزل علامة ما وعَدّها وحدة دلالية صغرى، لأن كل مقطع دال مهما كان صغيراً، هو عبارة عن شبكة من العناصر العلامية التي تتخذ في دلالاتها قنوات تواصلية مختلفة (سمعية وبصرية) ترتبط بقوة مع منظومة العرض العلامية (الإضاءة وتشكيل الفضاء، حركة الممثل، المناظر والملحقات)."( ) فجسد الممثل وحركته على المسرح، يشكل مع السينوغرافيا الصورة. فالمتفرج لايرى الممثل أحياناً، وإنما يرى ما رسمه للشخصية التي تقمصها في حدود خياله وإبداعه. وعليه أن يستعمل خياله باستمرار، لكي يبني الشخصية التي يريد تجسيدها، مع بحثه الدؤوب عن كل ما ينطبق عليها أو ما يتعارض معها، ففي أدائه للدورعن طريق خياله وذاكرته الانفعالية، لاكتشاف ملامح الشخصية داخلياً ثم تكوين صورة دقيقة، تتطابق ولو حتى بشكل نسبي، مع عالمها الخارجي. فالممثل على الخشبة يلقي، والإلقاء يعني أن تكون للجمل المعاني الحقيقية، ولكن يأتي هذا بعد الأهمية التي يحوز عليها الجسد وحركته على الخشبة من قيمة، أكثر من قيمة الكلمة، "فالكلمة تأتي في المرحلة الثالثة: الحركة أولاً، ثم الفكرة، وبعد ذلك الكلمة"( ). حينما يهتم الممثل بحركته البلاستيكية، يجعل المتفرج ينصت إلى ماتقوله نفس الممثل فجميع الحركات والأوضاع التي يقوم بها الممثل تؤكد أن المتفرجين يقرأونها رغم الصمت، فالصمت أحياناً يسمو على اللغة الكلامية، وهو لغة قائمة بذاتها ، فالكلام على المسرح لايستطيع أن يقول كل شيء. حركة الممثل وصوته على المسرح يقومان بتحويل الشخصية المتخيلة إلى شخصية مجسدة من لحم ودم، أي أن بهذا التحويل يتم بعث الحياة على المسرح، ولهذا نجد أن " الحوار ليس فعلاً، وبالتالي لا يمكن اعتباره من أدوات التعبير في المسرح، فالكلام لايُلمس ولايُرى وبالتالي ليس فعلاً مرئياً، في حين أن الدراما فعل يشاهد action، وعليه لا مكان للكلمة المجردة – التي تموت حين قولها – في الحياة وعلى المسرح، أما الذي يهمنا فهو الممثل (الفاعل) الذي يقول الكلمة التي تموت ويعزز المعنى بالفعل الذي يبقى أمام النظر كـ (شاهد عيان)"( ). 
فالممثل قبل أن يقرأ النص بعمق، حتى يستنبط الأفعال والأنفعالات، لا بد أن يكون على دراية تامة بإمكانية جسده الحركية والتعبيرية، ومن ثم يطلق العنان لخياله، ليعطي التصورات حول الشخصية الدرامية التي يريد تجسيدها . فقراءة النص بالنسبة للممثل بشكل دقيق يجعله يسهم في عملية الإخراج، وقد يغني رؤية المخرج بتصوراته وأفكاره،" ويكتشف عالم ما وراء الحوار، يكتشف اللغة الحقيقية بين الكلمات المكتوبة في النص الأصلي، وهذا هو الأصل في خلق نصه الشخصي"( ). بمعنى أنه يستطيع أن يتخذ من نص المؤلف نصاً آخر، يكتبه بجسده على المسرح. فاللغة هي التي ترسم التصورات التي تقود إلى العرض، من النص ينطلق الممثل نحو العمل على حركته وسبر غور اعماقه، ليكتشف الخبايا والدوافع والاقنعة التي سوف يرتديها في العرض أو يخلعها ليظهر كوامن نفسه المستترة للمتفرجين. لهذا فهو " العنصر الديناميكي المتحرك في التشكيل يتفاعل مع مكونات العرض البصرية بأسلوب الأداء الاندماجي ويتعامل مع كافة هذه العناصر وكأنها جزء لا يتجزأ من الحياة بهدف خلق متلقٍ يعتمد الهدوء والاستسلام الذي ينتج بدوره لذة جمالية مبنية على التوافق بين التشكيل الطبيعي من جهة، وإرادة المتلقي الذاتية من جهة أخرى( ). للمسرح تقسيمات مكانية تتمثل في القوة والضعف وذلك حسب مواقعها ومجالات الرؤية، وكل ما يوضع على المسرح من كتل ومرتفعات، ومناطق الضوء والظل، وماتشغله حركة الممثل في هذا الفضاء، له خطوطه على الخشبة. فحركات الممثل المتناسقة والمتوازنة التي تمتلك رشاقة الحركة والمرونة العالية للجسد والتي تبرز المعالم الجمالية في العرض المسرحي، لها مكانها في الفضاء وخطوطها الميزانسينية. " كل حركة او صوت في المسرح لا يخلو من دلالة، فالدلالة هي السمة التي تشترك فيها كل الحركات والأصوات في المسرح"( ). 
لم تعد موهبة الممثل كافية، فيما لو تعززت هذه الموهبة بتجاربه، وبثقافته، ولهذا اهتمت الدراسات المعاصرة بتقنية الممثل وبأهمية جسده بوجه الخصوص، والدور الذي يلعبه في عملية التجسيد على المسرح، "رافقت حركات الجسد وإيماءاته الإنسان منذ مراحل وجوده الأولى. وتعقدت وتشابكت هذه الحركات والإيماءات، بدخول الحياة الإنسانية مجالات مختلفة وظهور أنماط متقدمة من هذه الحياة. ويبدو أن العلوم الإنسانية لم تكتف بملاحظة هذه الحركات والإيماءات، بل جعلتها مادة للدراسة والتأمل سعياً إلى فك رموزها ودلالاتها ومن ثم تفسيرها"( ) فالمتفرج الذي يشاهد العرض، فإنه يتوقع أن يشاهد إنساناً، وهذا الإنسان له خاصية بإنه يحمل خطاباً مسرحياً من خلال حضور جسده، حيث أن الجسد يرتبط بالمسرح، وأداة الممثل هو الجسد، فهوالظاهروالبارز من خلال الأضواء، وحضوره في الفضاء المسرحي. في بداية القرن العشرين كشف افرينوف الروسي عن حقيقة لم يتأملها رجال المسرح خصوصاً، حينما قال: "تلعب الكلمات دوراً مساعداً على خشبة المسرح، لأننا نسمع بعيوننا، أكثر مما نسمع بآذاننا"( ) فمن خلال ذلك أكد (افرينوف) على مسرحة المسرح، يريد أن تتجلى الرؤية البصرية وتزيل كل ما هو لاينتمي إليها، وتعتمد بشكل واضح على أسلوب اللعب دون الاعتماد على محاكاة الواقع، أو نقل صورته على المسرح، لأن المسرح ليس هو الواقع، وإنما هو واقع متخيل عن الواقع. بمعنى أن الحدث الواقعي لاينقل كما هو، وإنما هو عرض للحدث الواقعي على المسرح. فالمسرح في الآونة الأخيرة بات يتقدم نحو الجوانب البصرية، تاركاً كل ما هو أدبي، واعتمد بشكل أساسي الرؤية البصرية (الصورة) التي تتشكل من الممثل والعناصر السينوغرافية، " والممثل ليس لساناً ينطق الشعر أو النثر فحسب، وإنما هو رأس وعينان وذراعان وساقان وعليه أن يتقن استعمال ذلك كله، على خشبة المسرح"( ) حيث إن جسد الممثل على الخشبة، كيان عارض، لكنه يعكس جوهر النص بالرؤية الإخراجية للعرض، فجسد الممثل يقترن حضوره بالعناصر الأخرى ليكون الجميع لغة بصرية، تتحقق في فضاء المسرح، وهي كنوع من الغواية التي تأخذنا إلى عالم الصورة التي تجمع السمعي والبصري، فالصورة المرآوية ساحرة صنعتها عناصر السينوغرافيا مع الجسد عبر تمظهراته ليحفز من خلال الممارسة تحريك المتلقي للقراءة التأويلية من خلال تدفق الدلالات البصرية والسمعية.
وتتحدد العلاقات في العرض المسرحي على وفق تسلسل ارتباطاتها إلى ثلاث علاقات فعلاقة الممثل بالممثل الآخر هي العلاقة الأولى، تأتي بعدها علاقة الممثل بالعناصر السينوغرافية وهي العلاقة الثانية، ثم علاقة الممثل بالمتفرج وهي العلاقة الثالثة. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش : 
(1) باربا، أوجينيو، وآخرون: طاقة الممثل، وزارة الثقافة، مهرجان القاهرة الدولي، ترجمة: د. سهير الجمل، القاهرة، ص294 .
(2) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، تر/ صدقي حطاب، دار الثقافة – بيروت،1966، ص54. 
(3) بياتلي، قاسم: دوائر المسرح، دار الكنوز الأدبية، ط/1، بيروت - لبنان،1998، ص64. 
(4) إنغليز، ديفيد، وجون هغسون: سوسيولوجيا الفن، عالم المعرفة، الكويت، 2007، 48.
(5) سعد، صالح: الأنا – الآخر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2001، ص91.
(6) سعد، صالح: الأنا – الآخر، المصدر نفسه، ص92 .
(7) مايرخولد، فسيفولود: في الفن المسرحي، تر/ شريف شاكر، ك2، دار الفارابي ، بيروت، 1979، ص 20.
(8) بياتلي، قاسم: دوائر المسرح، مصدر سابق، ص 30.
(9) أونيل، أر. أج، وأن. أم. بورتز: المخرج فناناً، تر/سامي عبد الحميد، نيويورك، 1987، ص290.
(10) ينظر: الياس، ماري: جسد الممثل في المسرح الشرقي والغربي، مجلة الحياة المسرحية، ع/42، وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، ص 126.
(11) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، تر: نهاد صليحة، مركز الشارقة للابداع الفكري، دائرة الثقافة والاعلام بحكومة الشارقة، ص 74.
(12) سالنيكوفا، يكاترينا، وآخرون: السرد والمسرح، تر/ أشرف الصباغ، المجلس الأعلى للثقافة، دمشق،2000 ، ص16.
(13) ينظر: الياس، ماري، جسد الممثل في المسرح الشرقي والغربي، مصدر سابق، ص 126.
(14) باربا، أوجنيو، وآخرون، طاقة الممثل، مصدرسابق، ص130
(15) سوداني، فاضل: البيوميكانيكا وجماليات مايرخولد، مجلة الحياة المسرحية، ع/36، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص45.
(16) ستانيسلافسكي، كونستانتين: إعداد الممثل، تر/شريف شاكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1997، ص16.
(17) ينظر: سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص10.
(18) سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص80 .
(19) بياتلي، قاسم : دوائر المسرح، مصدر سابق، ص123.
(20) يوسف، عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل، كلية الفنون الجميلة، بغداد، 1988، ص216 .
(21) اليوسف، أكرم: الفضاء المسرحي، دار مشرق مغرب، دمشق، 2000، ص58.
(22) والتون، ج. مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح، تر/ محسن مصيلحي، المجلس الاعلى للثقافة، الكويت، 1998، ص16.
(23) يوسف، عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل، المصدر السابق، ص28 .
(24) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص54.
 ثيسبس الأكاري: ممثل إغريقي، فاز في سنة (535) ق.م في أول مباراة للمأساة وهو الذي أدخل الممثل الواحد مع رئيس الجوقة في المسرح الإغريقي ويعتبر اول ممثل في تاريخ المسرح. 
(25)ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص55.

-----------------------------------------------------------------
المصدر : الحوار المتمدن 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption