بعد فراق عشرين عاماً، يلتقي صديقان في المطار، وقد غيّرت الظروف التي مرا بها الكثير. المغترب، يبحث عن حلم، أو ربما وهم العودة والإستقرار في الوطن، والآخر يبحث عن فرصة للخلاص منه، ومن الصدأ الذي ينخر في مفاصله.
هذا ما يحاول الكاتب والممثل العراقي كريم رشيد، تجسيده في مسرحيته "جئت لأراك!"، الذي يستعد للعمل به، تمهيداً لعرضه بمسرح مالمو البلدي في شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم.
هذا العمل المسرحي الذي سيخرجه المخرج السويدي روبرت جيلينك، هو إنتاج مشترك بين المسرح البلدي Stadsteater Malmö والمسرح الوطني السويدي Riksteatern.
وتم إختيار العمل، ليكون أحد نتاجات الموسم المسرحي الجديد، حيث سيجري الإفتتاح في مدينة مالمو أولاً، ليتنقل العرض بعدها في عدة مدن سويدية أخرى، لم يُعلن عنها المسرح الوطني حتى الآن.
مسرح بلغات وثقافات متعددة
يقول رشيد الذي سيكون أيضاً أحد الممثلين المشاركين في المسرحية لـ "الكومبس"، إنه يسعى بعمله المسرحي هذا الى التأكيد على ” أننا لسنا ورثة ألف ليلة وليلة فقط، لكننا جزء من ماكنة الإنتاج الحضاري المعاصر، وان نصه المسرحي، يأتي كخطوة في هذا المشروع المتواصل الذي يركز على المسرح بلغات وثقافات متعددة ”.
وكان نص مسرحية "جئت لأراك" قد فاز بجائزة التأليف المسرحي في مسابقة الهيئة العربية للمسرح بالشارقة في العام 2011، وسيتم عرض المسرحية باللغات، العربية والسويدية والإنكليزية.
يصف رشيد وهو مؤسس فرقة "مسرح بلا حدود" في مالمو في العام 2002، نصه المسرحي، بإنه إمتداد لتجربته في تأسيس نمط من العروض المسرحية القائمة على التنوع الثقافي وإستخدام مسرح بلغات متعددة، قائلاً: هذا لا يعني إستخدام اللغات بشكل مجرد وإنما إستخدامها كتنوع في الشفرات والرموز الثقافية لإنتاج تفاعل بينها داخل المشهد المسرحي.
ويوضح، ان فكرة تقديم مسرح بلغات وثقافات متعددة، نشأت لديه منذ تأسيسه لفرقة "مسرح بلا حدود"، كإفتراض فني أساسي للعروض المسرحية التي يخرجها، وأنه ينظر الى ذلك، كطرف أساسي لمعادلة من طرفين، الأول، أن تكون العروض المسرحية متعلقة بما يحصل معنا أو ما يحدث في أمور حياتنا، هنا حيث نعيش، والآن في هذا الزمن، لنكون بذلك جزء من المنجز الثقافي المحلي داخل البلاد التي نعيش فيها.
والثاني، أن نقدم نتاجاتنا الفكرية والفنية، لتؤكد إنتماءنا الى الثقافة المعاصرة، بإعتبارنا جزء من المنجز الثقافي والحضاري المعاصر ومقاومة فكرة إزاحة الثقافة العربية نحو الإنزواء في المتاحف وسجلات التاريخ وفي زوايا ضيقة يجعل أنتماءنا الى الماضي وليس الى الحاضر.
المخرج السويدي روبرت.jpg
المخرج المسرحي روبرت جيلينك
أسرار "لقاء" في المطار !
يقول رشيد، إن المسرحية تتحدث بشكل أساسي عن عودة مغترب عراقي الى بلاده بعد عشرين عاماً من الهجرة وبعد أن تمكن من تأسيس حياة ناجحة والإندماج في مجتمعه المضيف، لكنه رغم ذلك يقرر العودة الى الوطن، وكأنه في صدد العودة الى نقطة إنطلاق، لير ما جرى في حياته، وأيضاً لمقابلة خصوم الماضي وتصفية حساباته معهم.
ويتابع: في المطار يلتقي المغترب بأقرب أصدقاءه، الذي كان يعمل مصوراً، عمل على توثيق الأعوام العشرين الماضية بما جرى فيها من أهوال وحروب ومآسي، حيث وفي إتجاه معاكس لما يريده المغترب، يتطلع صديقه المصور للهرب من الوطن بعد أن تشظت لديه فكرة الإنتماء إليه، ونشأت لديه رغبة البحث عن الخلاص الذاتي.
اللقاء بين المغترب وصديقه المُصوّر، يؤدي الى كشف أسرار كثيرة، توضح فيما بعد طبيعة ذلك النزاع والخلاف المتواصل بين الأطياف السياسية في البلاد ، بين أصدقاء الماضي الذين أصبحوا فجأة خصوما ألداء.
كريم رشيد: ”المسرحية لا تعكس تجربتي الشخصية”
لم يقتصر إبداع رشيد على فن التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي، بل تعداه الى السينما أيضاً، كونه من بين أول الممثلين العراقيين الذين عملوا في السينما السويدية بصورة إحترافية . حيث شارك في أحد الأدوار الرئيسية في الفلم الروائي السويدي "الصحفي العالمي مورغان بولسون"، وفلم آخر من سلسلة أفلام "فلاندر" السويدية – الإنكليزية ، الا أن ولعه في تطوير فكرة العرض المسرحي بلغات وثقافات مختلفة، خطفته من أضواء السينما الى عالم المسرح الفسيح.
وفيما إذا كانت المسرحية مستقاة من تجربة المؤلف الشخصية، أجاب رشيد، قائلاً: كل عمل يضم جزء من تجربة مؤلفه الشخصية ، الا أن مسرحية "جئت لأراك!" لا تعكس بشموليتها تجربتي الخاصة.
وطوال تجربته الفنية المسرحية في السويد، عمل رشيد بدأب على إنجاح فكرته في تقديم عروض مسرحية بلغات وثقافات مختلفة، فكان عرض مسرحية (( أنا املك مالمو Jag äger Malmö )) ثم مسرحية "ستيليت Stilett" الذي جمع بين ممثلتين سويدية ومصرية، ما دفع بمجلس الفنون السويدي الى إختياره من بين عدد كبير من المنافسين في العام 2012 ، حيث حصل على منحة لمدة عامين، دعماً لتطوير بحثه وعمله على تطوير تقنيات تحديث آليات التلقي في المسرح المعاصر.
إهتمام إعلامي متميز
وأولت الصحافة في جنوب السويد، إهتماماً مميزاً ، حالما أعلن المسرح الوطني المتخصص بالعروض الجوّالة ، إختياره مسرحية "جئت لأراك !" من ضمن باقة أعمال أخرى للموسم الجديد.
يعلق رشيد حول ذلك، قائلاً: ربما تكون الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتداعيات ذلك على حياتنا اليومية في السويد، وذلك التجوال المتواصل للأنسان بين الهنا والهناك ، حيث المكان الذي هو فيه والمكان الذي يتطلع أليه ، الهجرة والهجرة المعاكسة ، بكل تنوعاتها التي فرضتها الظروف السياسية والأجتماعية والدينية ، حيث تتخذ الهجرة أشكال متنوعة منها : التهجير ، والإبعاد ، والأقصاء ، والأسر ، والترحيل ، والنزوح .. وغيرها مما نراه من أهوال تحيط بحياة الملايين من البشر.
ويبحث المسرح البلدي في مالمو بالتعاون مع المسرح الوطني الآن عن ممثلين يجيدون اللغات، العربية والسويدية والإنكليزية ليكونوا ضمن كادر العرض المسرحي .
"المثقفون مطفئو حرائق”
وفي حديث للكومبس حول المثقفين والثقافة، يقول رشيد إن المثقفين والفنانين في جزء أساسي من رسالتهما العامة ، يؤديان وظيفة من يقوم بإطفاء الحرائق ، التي أصبحت تنتشر بشكل كبير سواءً على الأرض او حتى في المجال الفكري والمعرفي.
ويضيف: هناك تصعيد حاد للكراهية والعنصرية والتطرف الديني، هناك تطور سريع في وسائل الإعلام التي تُذكي من لهيب هذه الحرائق. وبالتالي أصبحت المسؤولية أكبر على المثقف أو الفنان في أن يلعب دور مطفىء الحرائق.
ويشدد القول: أعتقد وبشكل شخصي، ان من مهامنا الأساسية، إستثمار المسرح كأداة تعمق من شعورنا بالسلام، فالمسرح جزء من حرّاك بشري يبحث كل منا فيه عن وسيلة لجعل الحياة أفضل، ويعزز قبولنا للآخر وقدرتنا على الإعتراف بالخطأ، ويحفز لدينا إهتمامنا بالمستقبل والجمال والمعرفة والمتعة الفكرية، بدل إنتماءناغير المحدود للماضي.

لينا سياوش
الكومبس