أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 31 مايو 2016

في عرضها المسرحي لينا أبيض : الصحون المتشظية... إن حكت

مجلة الفنون المسرحية

عودة إلى العنف الأسري في لبنان


في تلك اللحظة التي يمر فيها المشاهد بحذر بين مسار الصحون البيضاء المتشظية على الأرض ليجد كرسيه، يصبح جزءاً من لعبة نزقة وحادة الطباع. إلا أن لينا أبيض تعاملت مع نزق العنف الأسري هذا بروح مغني الأوبرا المستتر خلف آلام حكايا أربع نساء.
وجد كل مشاهد كرسيه على تخوم الفضاء المسرحي محاذياً الخط المستطيل الأسود وانتظر كي يخفت الضوء ليبدأ عرض «بس أنا بحبِّك».
عندما بدأ الصوت الخافت لموسيقى فرقة «سفر»، كان المجال الحركي للممثلات مينيمالياً وبارزاً في كل تفاصيله وقفت الممثلات الأربع اللواتي جلسن بين المشاهدين، ومشت كل سيدة نحو دائرتها المتشظية من الصحون البيضاء. كان الضوء ينبعث من الصحون المتكسرة، عاكساً كل الحزن الذي اندفع كموج تائه من لباسهن الأسود كما لو أنه يحاول الخروج من ثنايا الجسد ويستقر في مكانٍ ما. في البدء، توحد صوت الألم كجوقة تتلو معلقة العنف على سبيل ذكرٍ محفوفٍ بالتعب يؤرشف العنف اللفظي الذي تعرضت له تلك النساء، ثم توالت الحكايا وبات الدخول في التفاصيل عند المشاهد أشبه بابتلاع الحصى. هنا ينتهي الشعر: عندما تبدأ شهادات النساء، تتوقف شاعرية المشهد الذي بدأ بخطى الممثلات الحذر بين
الصحون المتكسرة والمبعثرة على الأرض نحو خارطة آلامهن. نساء حافيات تتأمل كل واحدة منهن حائطاً أسود. هو شاهدٌ بدوره على كل العنف الذي مورس على جسد امرأة ما في مكان ما. كما لو أن النساء في تلك الخطى، أعدن مسار حيوات كاملة من العذابات حتى دخلت كل منهن دائرتها وتجرأت على سرد حكايتها الخاصة. تقاطعت الحكايات: ليزا (مي أوغدن سميث) سحرها زوجها وعنفها جسدياً قبل أن يطلب يدها للزواج، فوافقت واعترفت لاحقاً أنها أخطأت. زوجة جان (دارين شمس الدين) وصل بها الأمر إلى حد بيع طناجر منزلها لتنقذ زوجها بعدما ابتزّها أكثر من مرة، وزوجة طارق المقيمة في مونريال (ديما ميخائيل متى) التي وصل بها الأمر إلى وقف أي نوع من التفاعل مع زوجها بعدما صفعها لأن الطقس حار إثر جلسة على التلفزيون وبعد أن تركها وحدها في حديقة الحيوانات لأنها لم تلحق تصوير «الأسد هوي وفاتح تمو». الزوجة المقيمة في السعودية (لينا أبيض) التي ضربها زوجها بعامود الـIkea وجلس بكل اطمئنان لـ «يؤرجل». تقاطعت فصول آلام تلك النساء بشكل عشوائي يفلت منها المضحك والمبكي، وانتهت بتركهن لأزواجهن وحملهن جروحهن خارج الدائرة. الدائرة التي قبعت كل منهن فيها طوال فترة البوح باستثناء الزوجة المقيمة في السعودية.

هي المرأة الأكثر ضعفاً. حين دخلت دائرة الصحون المكسرة، كانت قدماها ترتجفان. ركعت على الأرض وبقيت حتى نهاية العرض تبعد عنها شظايا الصحون.أثناء تلاوة حكاياهن، كانت كل امرأة تبحث بين الصحون المتكسرة عن الأجزاء التي قد تلتئم في صحن شبه مكتمل الشكل لعل جرحها يلتئم أيضاً. كان صعباً للجرح أن يلتئم وإن أقنع المرء نفسه أن ما مضى قد مضى، فللألم ذاكرة تحفر عميقاً في الأجساد كما حفر الألم عميقاً في جسد زوجة طارق. بعد سنتين من تركه، أحست حين تعرضت لحادث غرق، أن الغرق فعلٌ جميل اذا ما قورن بكل ما تعرضت له عذابات.
اختزلت لينا أبيض عناصر عرضها بنصوص الشهادات واللعب على استعارات صورية متأتية من الصحون المتشظية وتماهيها مع حالة المرأة المعنفة وآلامها. في هذا الإطار، كان المجال الحركي للممثلات مينيمالياً وبارزاً في كل تفاصيله بسبب قرب المشاهد من كل ما يجري حوله. في الواقع، كان المشاهد جزءاً أساسياً من العرض، بل هو جماليته المتخفية: امتد المشاهدون على أطراف حيّز اللعب في «مسرح مونو الصغير»، وشكلوا حزاماً مستطيل الشكل يحيط بالممثلات. أصبح المشاهد اذاً جزءاً من المشهدية، وكانت انفعالاته ذات وقع موازٍ للشهادات التي تتلى. كم امرأة بين المشاهدين كفكفت دموعها؟ وكم مشاهداً رأى تلك الدموع كخلفية للمشهد المسرحي؟ حولت لينا أبيض كل مُشاهد إلى مرآة تعكس عليها ما لَم يُحكَ بعد. ما لن يُحكى. كأنها تضعه في حيّز من المسؤولية تجاه العنف الذي تتعرض له النساء في لبنان.
قد يكون من المفيد أكثر لو قامت المخرجة والمعدة لينا أبيض بجهد أكبر للفصل بين الشهادات كمضمون، والشهادات كمادة أدائية متحولة. ما زال وقع الشهادات قوياً على الممثلات بحيث اجتهدن أكثر مما ينبغي لترداده. كما لو أن تلك الأمانة الزائدة في نقل عذابات النساء وشهاداتهن، منعتهن من اللعب ولو قليلاً في الأداء: قليلٌ من النفس بين الحين والآخر، قليل من الاهتمام بالتفاصيل الأدائية الصغيرة كأن يستوعب الممثل حقيقة أقواله وانعكاسها على جسده كانا ليحدثا أثراً إضافياً في عملية التلقي.
بدت خاتمة العرض مفتوحة على بعض الأمل. مجرد أن تجرأت النساء على ترك أزواجهن بعد سنوات مديدة من التعنيف، يعد ذلك انجازاً. كما شكلت مساحة النقاش التي تلت العرض، جزءاً أساسياً من هدف «بس أنا بحبك» الذي يشكل امتداداً صريحاً لمسرحية «هيدا مش فيلم مصري» التي قدمتها أبيض عام ٢٠١٤ في حرم «الجامعة اللبنانية الأميركية». عندما انتهى العرض، قالت أبيض إنّ عروضاً مماثلة ستتكرر كل عام حتى يتم اقرار قانون عادل لحماية المرأة من العنف الأسري، لعل الشهادات المقبلة تكون الأخيرة عن نساء تعرضن للعنف.
«بس أنا بحبِّك»: حتى الأول من حزيران (يونيو) ــ «مسرح مونو» ـ
للاستعلام: 01/202422

-----------------------------------------
المصدر : منى مرعي - الأخبارالعدد ٢٨٩٨ 


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption