مسرح "المحڭور" .. يحرر الشارع العام ويسلم الميكروفون للشعب
مدونة مجلة الفنون المسرحية
جعل من المتفرجين أبطالا، الجمهور هو من يكتب النصوص ويتقمص الشخصيات، يتحكم في الفكرة في الحبكة وفي الحوار.
"المحكور" تجربة رائدة للمسرح الحديث ظهرت بعد أفول حركة 20 فبراير، نزلوا من الخشبة التقليدية وانطلقوا لتحرير الفضاء العام. حملوا الميكروفونات وسلموها إلى عمق الشارع المغربي ليجسدوا واقع القمع و"الحكرة" التي يعيشها المواطن. بعيدا عن المقاعد الحمراء، وفخامة المسارح، أسدلوا الستار عن معاناة القهر المغربي مباشرة على الهواء الطلق.
خلافا للمسرح الكلاسيكي الذي عزل المتلقي عن دائرة الفعل، وعن فرصة التأثير المباشر على الموضوع، عمل مسرح " المحكور" على تأسيس علاقة شراكة جديدة بين الفن والمواطن، بين القاعدة المسرحية والشعبية، بين الملقي والمتلقي. مسرح "المحكور" لم يكتف بتمثيل الواقع بل سعى إلى تغييره، وانتقل الجمهور من التصفيق إلى التدخل ومن التفرج إلى الكلام.
مسرح يشرع القوانين
"أن تكون مواطناً يعني أن تغيِّر المجتمع، أن تكون مواطناً يعني أن تجعل المجتمع بصورة أفضل، وإن مسرح المقهورين بإمكانه أن يساعد على ذلك" هكذا كان المبدأعند البرازيلي أوغوستو بوال مؤسس مدرسة مسرح المقهورينكأحد أنواع المسرح الحديث في ستينيات القرن الماضي. أوغوستو كان همه الأول الدفع نحو الحل الاجتماعي وليس التماهي معه كما جرت العادة في المسرح الكلاسيكي.
مسرح المقهورين نقل المتفرج من الهامش إلى المركز وجعله وسط النقاش من خلال صيغة الحل المسرحي أو "مسرح المنتدى".
يقول أرسطو" يسلم المتفرج نفسه إلى الشخصية الدرامية بحيث تقوم هذه الشخصية بأداء الفعل والفكر بالنيابة عنه" ويقول بريخت " المتفرج يسلم نفسه للشخصية الدرامية لتقوم بأداء الفعل بالنيابة عنه ولكن المتفرج يحتفظ لنفسه بحق التفكير وغالبا ما يكون هذا التفكير متعارضا مع فكر الشخصية الدرامية " .
أما أوغوستو بوال فيعارض الاثنين ويخالفهما جذريا ويقول"نحن المسرح، لأننا جميعا ممثلون، المسرح ليس بحاجة إلى جمهور ومنصة بل إلى مؤد ليكون قائما وموجودا".
كان متأثرا بالأفكار الثورية ومستلهما من الإنجاز الفكري لباولوفرايري حول تعليم المقهورين ليخرج إلى العالم من عمق أمريكا اللاتينية بمسرح ثوري تحول بعدها إلى أقوى قوة اقتراحية بالهند كتجربة رائدة حيث تحولت لحركة لها الالاف من المتعاطفين وأصبح قوة تفاوضية في الانتخابات واقتراحية تخرج بمذكرات تقدم للدولة وتؤخذ بعين الاعتبار كصوتأساسي للشعب ولغة الفقراء والمقهورين.
على أنقاض " 20 فبراير"
" تنص الفكرة أساسا على تشخيص الناس لتمثيلهم في وضعية قمع، وكيف يمكنهم التدرب على تغيير الواقع بأن تجعلهم في وضعية شبيهة بتلك التي عاشوها، ليتدربوا عليها نفسيا من أجل مقاومتها والبحث عن حلول سليمة لتغييرها". يقول حسني مخلص مؤسس مسرح " المحكور" في المغرب. هكذا ابتدأت الفكرة من صحفي وشاعر في الثلاثينات من عمره، درس المسرح بإسبانيا ليحمل بذور الفكرة ويزرعها في أرواح شباب أغلبهم من 20 فبراير يحلمون بالتغيير.
قلص حسني مخلص من المسافات واخترق الفضاء العام بكل فنية ليلقي أولى عروضه بمدينة الدار البيضاء في مارس 2012 وينتقل في الاشتغال، برفقة فرقة المتكونة من 10 شباب بينهم 4 إناث، على المشاكل الاجتماعية والقضائية كالإفلات من العقاب في الجرائم المالية، والرشوة، ووضعية النساء المقهورات، والبيدوفيليا...
يستذكر حسني مخلص أولى العروض " بدأنا بأول مسرحية اسمها (تلاح) ناقشنا فيها موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان وكانت تجريبية وبعيدة عن روح مسرح المقهورين الذي يتعامل مع وضعيات واقعية ملموسة بعيدة عن التنظير" كانت خطوة أولى جعلت الفرقة تدخل في تعاون مع جمعية ترانسبرانسي المغرب والقيام بقافلة بخمس مدن مغربية اسفي، الجديدة، سيدي بنور، ازمور وبنكرير. "
موضوع القافلة كان يتعلق بموضوع الرشوة في الإدارات العمومية، والقهر الذي يفرض على المواطن لكي يعطي الرشوة ويقضي مصالحه، كان الٌإقبال والتفاعل من طرف الجمهور كبيرا في مناطق لا تصلها الثقافة ولا المسرح، وعكس ما يقال اكتشفنا أن الشعب المغربي يتذوق المسرح الجيد ويحترمه" يقول حسني مخلص الذي يعتبر أن القافلة كانت محطة مهمة للفرقة من أجل تقوية أدائها وامتحانا حقيقيا.
"داها وداها" هو المشروع الذي تشتغل عليه فرقة حسني مخلص حاليا، يركز على وضعية النساء المقهورات داخل البيت أو خارجه " نعرف أن كلمة (داها وداها) تستعمل في الأعراس لكن معناها قدحي بمعنى الامتلاك والحكرة، اشتغلنا مع جمعية دولية ولأول مرة نقوم بعرض لفئة معينة يمارس عليها قهر معين واشتغلنا مع نساء حي سيدي مومن بالبيضاء عبر جلسات إنصات استمرت لثلاث أسابيع حكين فيه عن القهر اليومي الذي يتعرضن له، ارتكزنا عليه لكتابة النص المسرحي وفي الحقيقة (هوما اللي كتبوه ماشي حنا)" يقول مخلص.
الفرقة لم تكتف بعرض المسرحية فقط وإشراك النساء في المناقشة وتغيير الوضعيات ومخاطبتهن نفسيا بل تعمل على تكوينهن كي يتعلمن إنتاج مسرحيات للحديث عن حياتهن وتمثيلها بشكل مستقل دون الحاجة للعودة إلينا، وسيتوج المشروع بعرضهن للمسرحية التي سنكون فيها ضيوفا فقط خارج العرض".
مسرح "المحكور" الذي تأسس أيضا بالرباط وفاس هو شكل نضالي ضد القهر الثقافي والاجتماعي والسياسي يهدف إلى تحرير الفضاء العام وتقريب المسرح من معاناة المواطنين الملموسة وتقوية حسه النقدي ووعيه الجماعي.
"الحلقة"...التجربة المغربية
يتأقلم مسرح المقهورين بالخصوصيات المحلية لكل دولة، ويحاول الاندماج مع كل ما هو وطني أو محلي. وإن كانت الهند التجربة الرائدةتركز على الرقص والغناء الهندي اللذان وصلت عبرهما للعالمية فإن المغرب اختار من كل التقنيات شكل "الحلقة" للاقتراب من هويته الوطنية وتعايشه مع الفن الشعبي التقليدي.
ويمثل " الحلايقي" فيها شخصية رئيسية يقوم بدور الكوميدي أي جمع الناس إلى فضاء العرض، شد انتباههم، التفاعل معهم ومحاولة جعلهم أكثر اهتماما بموضوع العرض. يدخل وسط المسرحية أحيانا من أجل التذكير والربط والوصل بين الفقرات" يقول محمد التسولي أحد أعضاء الفرقة.
"الحلايقي" ينتقل بعد نهاية العرض المسرحي والدخول إلى مرحلة النقاش والتفاعل مع المتفرجين للعب دور " الجوكر" حيث يبدأ في طرح الأسئلة، ويعيد صياغتها، ويحاول دمج المتفرجين وتكسير حاجز الخجل والدهشة لدمجهم في مرحلة قلب الأدوار وتشخيص الوضعيات المقهورة من أجل إيجاد الحلول التشاركية حتى يتم التوصل لاتفاق نهائي وقد تطول المدة لأكثر من ساعتين ونصف أحيانا.
يوضح التسولي " بدعوة المتفرج وإشراكه في اقتراح الحلول فنحن لا نطمح في أن يرينا قدراته ومواهبه المسرحية، بل ليعطينا حلولا واقتراحات من منظوره نقول دائما(بغينا نشوفو الشعب اش باغي) نحن نحاول أن نجعله يعبر فنقلب الأدوار، صحيح أننا في الفرقة لنا قناعات ومبادئ لكن لا نملك الحقيقة، الحقيقة نملكها جميعا معا".
الجوكر لا ينه العرض المسرحي إلا بتسليم الميكروفون إلى الجمهور ولا يمل من تكرار أسئلته المعهودة " اشنوبانليكم، واش هادشي عادي ولا ماعاديش ،كيوقع ولا مكيوقعش، واش نتوما متافقين أو ممتافقينش.. واشنو هو الحل في نظركم؟"
زهور باقي
هسبريس
0 التعليقات:
إرسال تعليق