أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 27 نوفمبر 2014

مسرحية " العسعاس " لمنير العرقي ...تونسة طبعت في العقل والروح

مدونة مجلة الفنون المسرحية

مازال في تونس من يتعذب من أجل القيم
 مسرحية "العساس" لمنير العرقي.. تونسة طبعت في العقل والروح
الوقوف عند محطة الثورة على القمع يجب ان ينتهي.. يجب ان نغادر الآن وان نتجاوز الجدل إلى الفعل لقد طالت بتونس مرحلة المخاض.. مخاض عسير ننتظر منه ثقافة وفكرا ينطلق من ماض تليد لنصل به إلى مستقبل مستنير يحتاجه التونسيون اليوم ليحصدوا ثمرات صبرهم ونضالهم كل من مكانه ومن منطلقاته ومرجعياته شرط ان توصلنا إلى التعايش في هذا الوطن بسلام.. مغادرة محطة الثورة والتناحر على السلطة والكرسي والانطلاق في البناء فهمها المسرحيون على ما يبدو من خلال ما تابعناه وما قراناه عن حركة مسرحية دؤوبة بدأت منذ اكتوبر تاريخ انطلاق موسم 2014/ 2015 وتتواصل بمسرحيات قطعت على ما يبدو مع الرداءة والشعارات السياسوية وتوجهت للمجتمع التونسي بما يحتاجه من دفع للتأمل والتحليل والاتعاظ وبالتالي الرد بالفعل المناسب.
هذا ما يمكن ان نفسر به موقف المخرج المسرحي منير العرقي باختياره إخراج مسرحية «العساس» أو «حارس الليل» للكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر الخالية من السياسة والبعيدة عما تشهده تونس من صراع على الكرسي وسم تقريبا كل ما أنتج من إبداع منذ الثورة إلى يومنا هذا وهو الإطار الذي اخرج فيه العرقي مسرحية «الرهيب» و«شريفة عفية».
وانطلاق بناء الشخصية التونسية الجديدة والمجتمع التونسي الذي يريد ان يكون نموذجا يحتذى به من خشبة المسرح ليس بغريب عن تونس فرجالات المسرح ناضلوا وتصدوا ونقدوا في أحلك فترات الظلم والقمع والدكتاورية ولا احد ينكر عليهم مساهمتهم في الثورة وها هم اليوم ينخرطون في عملية التأسيس..
صحيح ان الانطلاق كان بالاستعانة بالنصوص العالمية المقتبسة ولكنها ذات قيمة أسست إلى مجتمعات جديدة بعد حروب وبعد نكسات وبعد وصول إلى طرق مسدودة وفرضت وقفات تأمل انتهت بروائع إنسانية صالحة لكل عصر ومصر وهو ما أثبته منير العرقي في مسرحية «العساس» التي صاغها بلهجة تونسية مفهومة وأضفى عليها من روحه المرحة وإحساسه المرهف بالآخر وبما يحتاجه في الوقت المناسب ومن سعة اطلاعه وخبرته بالجمهور ومدى قدرته على تحمل النقد مما شد إليها الجمهور رغم ما ورد على الركح من غضب وعنف في الحركة ( لم نكن نتصور ان منير يقدر عليه) وعنف في اللفظ ومن صراحة جارحة عن مأساة الإنسان الذي يمكن ان يكون تونسيا رغم ان النص انقليزي ومكتوب في ستينات القرن الماضي.
تناول منير العرقي في مسرحية «العساس «ما يطرح اليوم من أسئلة حارقة بقدرة الفنان القادر على رؤية الحقائق التي تخفى عن المواطن العادي وأدلى فيها بدلوه وقد كان ملأنا إخراجا وتمثيلا فلم يكن الأمر هينا بالنظر إلى صعوبة تناول وعرض الإحساس بالضيق والقلق واليأس والإحباط والشعور الدائم بقرب السقوط المدوي والسير السريع نحو الفناء ولم يكن من السهل التجرؤ على الجمهور التونسي اليوم وتونس على ما هي عليه من تهديد بالفتنة والانقسام وما تشهده من تناحر على كرسي الحكم بمثل ما تضمنه النص.
ومحاولة منير العرقي إيقاظ ضمير الإنسان في الجمهور ودعوته لفهم الحياة البشرية عبر عرض نماذج من الشخصية الإنسانية التي لا بد ان تتعود على قيادة ذاتها طبع في العقل والروح.. واتخاذه من المسرح وسيلة وهو اقوى وسائل التعبير على مر العصور للدعوة لضرورة مواجهة الانطوائية الاجتماعية والانهزامية التي تتسبب فيها مجريات الإحداث لبعض التونسيين نبشت في العمق.. أثرت وأقنعت..
عبر المسرح ناشد العرقي التونسيين بان يضعوا بأنفسهم حدا للجدل العقيم وللإحباط ومراوحة المكان ودعاهم لان يركبوا قطار المغادرة.. مغادرة للوصول بتونس إلى مرحلة البناء والتشييد وقال بمشاهد مؤثرة ومبكية وأخرى كاريكاتورية مضحكة وثالثة تدعو إلى مزيد إعمال الفكر ان قدر الإنســان ان يتصارع خيره مع شره وان لا يجد في الآخر ما كان ينتظره منه.
والسؤال الذي قد يؤرق من شاهدوا العرض يبقى إذا غادر الإنسان محطة اتسمت بالخراب والأخطاء على كل الأصعدة هل يختار ان يكون شريرا ليهابه الناس أم يختار أن يكون طيبا خيرا وهل يتعامل مع المجتمع بشرف واستقامة ام بنذالة ام يتعلم التعايش والتنسيب.
مسرحية «العساس» تعرض قصة شاب أنقذ شيخا من براثن صعاليك اعترضوا سبيله في ليلة ممطرة وضربوه وعذبوه.. أخذه إلى بيته وقدم له الفراش والغطاء الدافئ والمأكل والملبس وبعض المال وشغله حارسا على المكان.. ولكن الشيخ تنكل للمعروف وتسبب في المشاكل بين الأخوين المتأزمين والمحبطين أصلا ولكن حبهما لبعضهما كان اقوي من جشعه وشره.
نور الزرافي ومعز حمزة فهما عمق النص وانسجما مع منير العرقي ممثلا ومخرجا وجسدا باتقان وأوصلا فكرة غياب التواصل بين الأخوين مع العالم الخارجي ومع بعضهما ومررا إحساسهما بالجحيم الذي يعيشانه بالتعابير الجسدية للجمهور ولعل هذا الجمهور يتذكر ان في تونس من يتعذب ويتأرق وينازع الخوف والفزع من اجل القيم وأشياء أخرى غير الكرسي وخسارة السلطة.
 علياء بن نحيلة
الصباح

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption