أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 6 مايو 2015

فلسفة نيتشه وتطبيقاتها على مسرحية "جلسة سرية "./ ثائر عبد علي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني



(فريدريك نيتشه ) :فيلسوف ألماني وشاعر، وعالم كلاسيكي، تأثر به كثير من الفلاسفة والكتّاب وعلماء النفس في القرن العشرين تأثرًا شديدًا.أُعجب نيتشه بدرجة كبيرة بالحضارة الإغريقية الكلاسيكية. وفي كتابه الأول ميلاد المأساة (1872م) قدم نظرية ثورية عن طبيعة المأساة والحضارة الإغريقية 

فقد قال إن الفهم الصحيح لهما يكون باعتبارهما نتائج الصراع الجدلي بين اتجاهين إنسانيين أساسيين:
1. ( الاتجاه الأبولوني ) وهو الرغبة في الوضوح والنظام، ويرمز لهما بأبولو إله الشمس الإغريقي.ويكون منبع للفن الاكلاسيكي،ويتسم بالاعتدال والتناغم ومعرفة الذات،ويتحدد بقواعد واضحة منها ( نكران الذات – بطولي – جاد – كلاسيكي – حواره مثالي شعري – شخصية نمطية ..) 
2. (الاتجاه الديونيسي ) وهو دافع بدائي غير عقلاني نحو الفوضى ويرمز له بإله الخمر ديونيسيوس.ويمثله الفن الرومانسي،ويكون (عاطفي – هوائي – لعوب – محتال )ويخرج عن القواعد المحددة (الرتابة – التكرار – الهدوء الثابت – الرعب عنده يساوي انفعال جمالي – والمتعة عنده بخلق هدوء جمالي ) ليكون عند المتلقي شعور بالمتعة او الرعب على المستوى الحسي والانفعالي.
وكانت نظرية نيتشه الأساسية في علم النفس تقول إن كل تصرفات الإنسان تهدف في تحركها أساسًا إلى الرغبة في القوة (إرادة القوة) ولم يعن بذلك أن الناس كانوا يرغبون في تغلب بعضهم على بعض عضليًا فقط، ولكنه كان يعتقد أن الناس يريدون القوة للسيطرة على مشاعرهم المنطلقة.
مسرحية ( جلسة سرية ):
تــالـيــف :- جان بول سارتر.
اعداد واخراج:- علاء قحطان.
تمثيل :- (هشام جواد – حيدر جمعة – احمد صلاح الدين – ريتا كاسبار – قائد عباس – احمد ابراهيم)
جاء عرض مسرحية (جلسة سرية) من إعداد وإخراج علاء قحطان لمسرحية (جان بول سارتر) لفرقة مسرح بغداد للتمثيل، وهذه المسرحية كتبها سارتر قبيل الاحتلال النازي لفرنسا، وكما هو معروف ميل (سارتر) إلى الوجودية، التي تناقش مختلف القضايا الإنسانية بعيدا عن الديانات السماوية، فهو في أغلب الأحيان يبحث عن أسئلة وجودية ويجيب عليها بطريقته، لذا ليس غريبا، أن نجده يفترض أن ما يقع للإنسان من شرور وظلم من الآخرين يعتبره (جحيما) وأن أعمال الآخرين السيئة- حسب رأي سارتر- ترتكب في الجحيم داخل الجلسة الشريرة المفترضة. وسعى المخرج قحطان إلى تضخيم الفعل النازي الشرير، وما يمارسه من عنف وسطو وتعذيب عبر شاشة سينمائية مساعدة تقع على جنبات الخشبة، بعد أن استهل العرض بعرض لقطات نادرة لتصريح سارتر حول آرائه وفلسفته الوجودية، ويؤكد أن المسرح هو الوثيقة العُظمى التي تسجل التيارات الفكرية والسياسية العالمية التي تلقي بظلالها الكثيف على الأجناس الأدبية والفنية، وتخرج على شكل روائع تتناقلها الأجيال وتخلدها المجلدات.إن المتابع للعرض يجده يتضمن الكثير من الدلالات والمعاني التي تنسجم مع فلسفة نيتشة حول الشخصية (الابولونية) والشخصية (الديونسية). وفي البداية يظن المشاهد بأنه داخل معبد (لاهوتي) حيث الكاهن والشخصية المثقفة (الأبولوني )المحورية للعرض، والتي لا تملك حق القرار في التعبير عن ذاتها، لذا فإنها تظهر مقهورة ومغلوبة على أمرها، بفعل شخصية الراهب المُتسلط (الديونيسي )، الذي يمارس القمع عليها بكل جبروت وطغيان وبدون رحمة. وحاول العرض عكس العذاب والألم الذي تتعرض له الشخصية الأساسية ( الأبولوني ) على الواقع العراقي الحالي، والذي يعاني العديد من الانتكاسات الداخلية والخارجية، وذلك من خلال رؤية إخراجية تحريضية تحمل من الهم السياسي الكثير. جميع الشخصيات التي جسدت الأدوار في العرض عكست فلسفة (نيتشة) وبدت مشحونة بالكثير من الدلالات والرؤى الغريبة، فهي شخصيات ناقلة لرؤى وتيارات فكرية معينة، وهي شخصيات مسحوقة قابعة في قاع الجلسة السرية التي ظلت مستمرة، لذا اختفى الصراع التقليدي ليتحول إلى صراع داخلي لدى الشخصيات، حتى يحسب المشاهد بأنه أمام شخصيات تصارع ذاتها وأفكارها التي آثرت ألا تنتهي، وحتى عندما تظهر (المرأة) فإنها أيضا تكون في صراع مع الرجل( الأبولوني )تارة ومع الكاهن (الديونيسي )، تارة أخرى. ان المخرج في هذا العرض اراد ان يختزل النص المسرحي لينطلق من فكرة الجحيم الارضي الذي ينادي به سارتر عبر النص متمثلاً بجملة (الجحيم هو الآخرون) ويبدأ العرض بملامح بصرية تكشف عن تشكيلات لجحيم من نوع آخر متمثلاً بسلطة الدين التي تقمع كل من لا ينتظم تحت لواءها رافضة العقل الانساني وقدرته على الخلق الابداع وقد عبر المخرج عن هذه الافكار بصورة صورية وسمعية خلق من خلالها اجواءاً طقسية تمنح لكل العالمين خصوصيته فقد كان توظيف الاجراس والازياء الكهنوتية والتي يصاحبها اداء تعبيري للممثلين قد منح العرض ميزة الطقوس وقد عبر عنها في اشارات حركية وصرخات يبثها الممثل (الديونيسي )، الذي يؤدي دور قمة الهرم السلطوي بين الحين والاخر منح الجو المسرحي شيئاً من الايقاع الذي استمر ممسكاً بزمام العرض حتى النهاية. 
اما قراءة المخرج للعالم الاخر الا وهو عالم العقل والمعرفة المتمثلة بشخصية صاحب الكتاب ( الأبولوني ) الذي يرفض ذلك الافق الضيق الذي تنادي به سلطة العالم الاخر ويتمسك بعقيدة المعرفة. وقد اعطى الكتاب الذي تتمسك به الشخصية علامة مزدوجة على خشبة المسرح فهو من جهة علامة مرتبطة بالعلم والمعرفة ومن جهة اخرى ومن زاوية نظر سلطة الدين علامة على كتاب للكفر والالحاد كون السلطة الدينية المتمثلة بالشخصية (الديونيسي )، ترفض الاقتراب منه والنظر الى الافكار الموجودة داخل هذا الكتاب لتتبين الحقيقة وتنظر اليه بوصفه رجس من عمل الشيطان ليكشف لنا البطل ان كتابه هذا ماهو الا كتاب معرفة وان الشخصيات تطلب العلم والتطور ولاتبحث عن الوجود والعدم كما يدعي الاخرون وبهذه الحقيقية التي يعبر لنا المخرج من خلالها عن فرضية جحيم سارتر الارضي والمتمثل بتدخلات الاخرين في حياتنا تلك التدخلات التي تحول حياتنا الى جحيم اكثر قساوة من ذلك الجحيم الغيبي الذي ينتظر المذنبين في الآخرة....

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption