تكنولوجيا المسرح .. الإضاءة المسرحية وفلسفة التصميم / م. ضياء عمايري
مجلة الفنون المسرحية
كما نعلم إنّ التطور في مجال تقنيات المسرح ومنها تقنيات الإضاءة المسرحية يترافق دائماً مع تطور في نظريات التصميم الخاصة بهذا المجال وبشكل خاص في مجال تصميم الإضاءة المسرحية ، وللأهمية سنعود إلى المراحل الأولى في تطور هذه النظريات إلى مؤسس طرق الإضاءة الحديثة والمؤسس للمنهج الخاص بالإضاءة المسرحية الأستاذ والمصمم المهندس الأمريكي ستانلي م . سي كانديلز ( 1897 – 1967 م ) والذي أغنى المكتبة التقنية المسرحية بكتبٍ أهمها :
- A method Of Lighting The Stage .
- A syllabus Of Stage Lighting .
حيث كانت خلاصة بحثه وفلسفته في إطار التصميم بشكل عام وتصميم الإضاءة المسرحية بشكل خاص على الشكل التالي :
- أهمية رؤية الممثل بشكل واضح أولاً .
- وأهمية إضاءة المشاهد والمناظر ثانياً .
- تقسيم خشبة المسرح إلى مناطق عمل يطلب إضاءتها ثالثاً .
- وإضاءة كل منطقة من مناطق العمل بمصدري إضاءة يتوضع كل منهما بزاوية / 45 درجة / أمامية بالنسبة للممثل رابعاً .
- ويؤكد م . سي كانديلز على ضرورة أن يكون أحد مصدري الإضاءة ذو حرارة لون دافئ " Warm Color " والمصدر الآخر ذو حرارة لون بارد " Cool Color " خامساً .
إنّ هذه اللائحة التي تمّ وضعها من قبل م . سي كانديلز كانت هي البداية في فلسفة التصميم الحديث للإضاءة المسرحية ، وقد اعتبرها الكثير من المختصين في هذا المجال الأساس في تصميم الإضاءة لأي عرض مسرحي .
هذا وقد تطورت فلسفة تصميم الإضاءة المسرحية وتنوعت بشكل كبير في وسائل وطرق التعليم وأصبحت تقوم على أكثر من أسلوب وطريقة ، وبات هناك العديد من وجهات النظر حول الغاية أو الغرض أو الهدف من فلسفة التصميم هذه ، ولكن بقيت هذه اللائحة أو القائمة نبراساً يهتدي إليها جميع المهتمين في هذا المجال وذلك من خلال تطويع هذه العناصر الخمسة لتحقيق الغاية من التصميم الضوئي للعرض المسرحي .
من هنا نجد أنّ البعض تحدث عن قائمة من أربع عناصر يقوم عليها التصميم هي الرؤية والتكوين والجو العام والواقعية والبعض الآخر يضيف إلى هذه العناصر عنصر دمج الواقع بالخيال لتعزيز قيمة العرض فنياً ، بالإضافة إلى عنصر الإيحاء بمشهد ثلاثي الأبعاد والجمالية التي يضيفها هذا العنصر ، وأحياناً يضيف البعض عنصر وضع علامات محددة خاصة بإضاءة بداية ونهاية العرض المسرحي .
مصممي الإضاءة الآخرين يضيفون عنصر الجمالية بحيث يكون لكل مشهد الإضاءة الخاصة به ، كذلك يؤكدون على أهميته عنصر التعاون بين المصمم والمخرج ومصمم الديكور والأزياء ومصمم الرقصات ... الخ ، وهناك أيضا عنصر آخر له علاقة بموضوع التصميم هو مساعدة الممثلين على الرؤية عند حالة الإطفاء العام من خلال ما يسمى بالإضاءة الزرقاء .
مما سبق وللأهمية سوف نتطرق بإيجاز عن بعض العناصر التي يقوم عليها التصميم والتي تعتبر بمجملها المكون الأساس لتصميم الإضاءة المسرحية .
فالرؤية الـ " Visibility " تعتبر العنصر الأهم في التصميم وهي الوظيفة الأبسط والأسهل فعندما لا يستطيع الجمهور رؤية الممثلين والديكور والأزياء وكل ما هو موجود على خشبة المسرح يصبح كل شيء يقوم به المصمم " مصمم الإضاءة " عديم الفائدة وضياع للوقت ، فالمطلوب من المصمم قدر الإمكان أن يتمكن من جعل الجمهور يرى ما تتطلبه الحالة الدرامية من إضاءة ، وهذا لا يعني أنّ الجمهور يجب أن يرى كل شيء طوال الوقت ، لكن فن الإضاءة المسرحية يتطلب أن يقوم المصمم بتوجيه الضوء إلى المكان الذي يريد وحجبه عن المكان الذي لا يريده .
وعلى الرغم من أنّ الرؤية غالباً ما ينظر إليها أنها أبسط وظيفة من وظائف الإضاءة المسرحية فإنه يمكن القول أنه ما لم نرى فإننا نادراً ما نفهم بوضوح وهذا شيء مهم جداً ، فالرؤية تعتمد على أكثر من مجرد شدة الضوء ، فهناك عوامل أخرى مثل التباين ، اللون ، الحركة ، المسافة ، الزمن كلها عوامل لها دور وتأثير مهم في الرؤية .
العنصر الآخر هو الجو العام / المزاج / الـ " Atmosphere / Mood " حيث يمكن القول أنّ الإضاءة المسرحية لها تأثير كبير ويمكن أن تستولي على الحالة النفسية ومزاج الجمهور وانفعالاته أثناء العرض ، فالإضاءة يمكن أن تسبب الإحساس بمشاعر وعواطف جياشة ومختلفة ، من مشاعر السعادة إلى مشاعر الحزن ، الرعب ، الحماس ، الملل ... كل ذلك يعتمد على عدد واسع من العوامل النفسية والفسيولوجية وهو رهن للطريقة التي يعبر فيها الجمهور عن نفسه .
ولكن هناك العديد من المصممين يخطئون عندما يقومون بالتركيز والاهتمام فقط بالحالة النفسية ومزاج الجمهور في الوقت الذي تكون فيه الرؤية غير متوفرة وغير منظورة ، ويمكن القول في حال كانت عناصر الضوء الأخرى ( الرؤية ، التكوين ، ... الخ ) قد طبقت بشكل صحيح تكون ردود الفعل للجمهور حقيقية ، إنّ هذه الحالة الدرامية الناشئة والتي تمّ ترجمتها ورسمها ضوئيا من قبل مصمم الإضاءة المسرحية تعتبر جزءً مهماً من التصميم وفلسفة المصمم .
عنصر آخر من عناصر تصميم الإضاءة المسرحية هو الواقعية الـ " Naturalism فهي توفر إحساساً بالزمان والمكان ، حيث يمكن أن يتم التعبير عن الحالة الدرامية بطريقة واقعية من خلال مصادر الإضاءة المسرحية " المؤثرات " نستطيع من خلالها الحصول على أشعة الشمس وضوء القمر، ضوء النار ، البرق ، ضوء المصباح ..... أو أي حالة إضاءة أخرى .
لكن الكثير من الواقعية أمر غير صحيح وغير محبب بشكل عام ، لذلك لا بد من أن يكون للجانب الجمالي أو الوظيفة الفنية الجمالية للإضاءة حيزاً في التصميم ويجب أن تكون هذه الوظيفة الجمالية محتواه في العرض شكلاً ومضموناً لكن دون مبالغة .
أمّا عنصر التكوين الـ " Composition " فهو عنصر مهم آخر في تصميم الإضاءة المسرحية وهو يشير إلى الجانب التصويري الشامل للمسرح ولخشبة المسرح وذلك من خلال رسم صورة ضوئيةً للفضاء المسرحي .
ربما يكون المشهد على المنصة مغمور بالإضاءة الواسعة ، العريضة ، الغامرة الناعمة وذلك حتى يتم الكشف عن الأشياء بشكل متساو ، أو ربما من خلال إضاءة مركزة مكانية محددة فقط أو أي أشياء بينهما ، ويجب أن يكشف التكوين عن الممثلين و المناظر بما يتناسب مع أهميتها وذلك من خلال بناء رؤية بصرية واضحة .
أخيرا يمكن القول أنّ هناك قدر كبير من الارتياح عندما ينجح المصمم في توصيل فلسفته في التصميم للجمهور بأكمله بحيث تترك الصورة التي رسمت ضوئياً الأثر المطلوب ، فالإضاءة المسرحية لم تعد مجرد إنارة بسيطة كما كانت قبل أقل من مائة عام ماضية ، بل أصبحت فلسفة يطلب من أصحابها أن يكونوا قادرين ليس فقط على فهم وتحليل النص وكل ما يحيط به اجتماعياً ونفسياً وسياسياً وتاريخياً .... بل أن يكونوا قادرين على ترجمة ورسم كل ذلك ضوئياً ، مستخدمين كل ما يمتلكون من أدوات الرسم الضوئي من جهة مصادر الإضاءة المسرحية والمؤثرات الضوئية وتجهيزات التحكم المبرمجة وكل ما هو متطور من التكنولوجيا المتخصصة في هذا المجال .
0 التعليقات:
إرسال تعليق