عواد علي يقرأ المسرح تخييلياً ويطرح مقاربات فنية جديدة أعاد مسرحة قصائد محمود درويش
مجلة الفنون المسرحية
بعد سلسلة من الكتب التي أصدرها الناقد والباحث عواد علي في فلسفة المسرح والبحث في البنيات الفنية والإبداعية فيه، صدر له مؤخراً كتاب جديد بعنوان (المرآة والتخييل.. دراسات في المسرح العربي) عن دار نينوى في دمشق.
ضم الكتاب فصلين، تناول في كل فصل مباحث مهمة وقراءات في المسرح العربي، ومن بحوث هذا الفصل ‘نساء السكسو.. فون: صورة الوطن في انزلاقه إلى الهاوية’، ‘العرس الوحشي: المارينز واستباحة الجسد العراقي’، ‘قصة حب الفصول الأخيرة: الحرب وتشظي الذاكرة’، ‘المهاجران: تراجيديا الاغتراب واندثار الحلم’، ‘أحلام شقية: المسرح حين يتمرأى في ذاته’، ‘بلا عنوان: الاغتصاب الرمزي وخيار التحدي’، ‘حارة عم نجيب: مزاوجة بين فن العرائس وفن التمثيل’، ‘حلم اسمه ليلة حب: شكسبير بثياب الفرجة’، ‘النهر المحوّل: الذاكرة والخيبة’، ‘فالصو: بين مطرقة التطرّف وسندان التنصير’، ‘لقاء الريح: محمود درويش في الفضاء المسرحي’، و’أوراق الحب… أوراق الحياة’.
يتحدث علي عن مسرحة قصائد محمود درويش، في أحد مباحث الكتاب، مشيراً إلى أن المسرح العربي استوحى العديد من قصائد درويش، و’من بواكير هذه التجارب، مثلاً، مسرحية ‘جواز سفر’ إعداد وإخراج السيد حافظ (مصر) عام 1970، و’أنا ضمير المتكلم’، إعداد وإخراج قاسم محمد عام 1972، و’تل الزعتر’ التي أعدّها وأخرجها عن قصيدة درويش الطويلة ‘أحمد الزعتر’، المخرج العراقي أنور محمد رمضان عام 1977 في مدينة كركوك. وفي عام 2005 أنتجت فرقة المسرح الوطني الفلسطيني
(الحكواتي) عرضاً مسرحياً بعنوان ‘جدارية’ استوحى موضوعها خليل ناطـور من قصيدة لدرويش بنفس العنوان، وأخرجها نزار أمير زعبي’.
ويرى علي أنه كان من المتوقع بعد رحيل محمود درويش أن يتجه المسرح العربي إلى تقديم سيرة حياته، لا بوصفه شاعراً كبيراً فحسب، بل لأنه رمز شديد اللمعان للروح الفلسطينية المقاومة، وللدفاع عن الحرية والجمال والحياة، وللثقافة العربية المعاصرة وامتدادها الإنساني.
المبادرة الأولى جاءت عقب رحيله بثلاثة أسابيع متمثلةً بعرض مونودرامي عنوانه ‘حنين’ كتب نصه ومثله عبد الغني الجعبري، وأنتجه مسرح الأحلام في مدينة الخليل الفلسطينية. ثم تلاه عرض ثانٍ عن الفترة المبكرة من حياة الشاعر بعنوان ‘لقاء الريح’، كتبت نصه فائزة اليحيى السفاريني، وأخرجه عصام سميح البلبيسي لـ’دارة الإشراقات الأدبية’ في مدرسة عمّان الوطنية. وهو عرض للفتيان شارك في تمثيله ثلاثة وعشرون ممثلاً وممثلةً، وأعيد تقديمه ضمن عروض الدورة الرابعة لمهرجان ليالي المسرح الحر عام 2009.
ومن ثم توالت عدد من العروض التي اشتغلت على نصوص محمود درويش وقدمتها للمسرح شعرياً وفنياً.
في الفصل الثاني من الكتاب اشتغل علي على محاور تختلف عن المحاور التي اشتغل عليها في الفصل الأول، ومن بحوث هذا الفصل، ‘الليالي السومرية: تفكيك الحضور النسوي في ملحمة جلجامش’، ‘الأقنعة: تجربة رائدة في مسرح الصورة’، ‘هبوط عشتار إلى بغداد: إله الخصب في قبضة المارينز′، ‘رامبو في المسرح العربي قبعتان ورأس واحد: السرد المشهدي صيغةً مهيمنةً’، و’ابن رشد: الحكمة في مواجهة القوة’.
وقد قدَّم علي دراسة مهمة في ملحمة جلجامش من خلال قراءتها من وجهة نظر مسرحية، وبالدرجة الأساس من خلال رواية لطفية الدليمي (عالم النساء الوحيدات) الصادرة في العام 1986، فيرى علي أن الدليمي تابعت ‘في هذا النص الحضور النمطي والمحدد للشخصيات النسوية في ملحمة جلجامش، فعملت على ابتداع شخصيات ثانويـة لتثري الصراع التراجيدي، مع مفهوم البطولة الذي تقدمه الملحمة بمساره الكلاسيكي، فكان الجميع أبطالاً، بهذا المعنى أو ذاك، حسب تأثيرهم في تنامي الصراع الأساسي بين الإنسان والموت، وبين الفرد والسلطة، وبين مفهوم القوة الجسدية ومواجهتها للعقل منتج المعرفة’، وبعد قراءته لنص الملحمة من جهة ونص جلجامش من جهة أخرى يشير علي إلى أن نص الدليمي تناول مفهوم الزمن لدى العراقيين الأوائل عبر شجرة الخالوب، التي رافقت جلجامش منذ ولادته، فمن خشبها صُنع مهدُه، وألعابُ صباه، وسريرُ متعته، وكرسيُّ عرشه، وما تبقى منها ينتظر لصناعة نعشه.
شجرةُ الخالوب هي الزمان الذي يتبدل معه الاستخدام المكاني الخاص بصيرورة بشرية، إذ كان مفهوم الزمـان ومفهوم المكان متداخلين في الفكر العراقي القديم، فيوصف الماضي بأنه الزمان الذي يقع أمام عيني المرء، أما المستقبل فهو الزمان الذي يقع وراء ظهر المرء لمجهوليته، والمهد واللعبة والسرير والعرش والنعش أمكنة تختزل المسافة بين الحياة والموت الذي لا مفر منه، وكانت العرافة تردد على مسمع جلجامش بصوت الشجرة هذه الحقيقة في مراحل رحلته الغامضة إلى مياه بحر الموت.
-----------------------------------------
المصدر : حسن علاء الدين - القدس العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق