'لا مخرج'.. عرض يجسد الفلسفة الوجودية
مجلة الفنون المسرحية
الحوار بين الشخصيات في المسرحية لا يخلو من العمق ما جعلها أحد أكثر عروض المهرجان تميزاً وإظهاراً لقدرات الممثلين الأدائية.
---------------------------------------
المصدر : ناهد خزام - العرب
الحوار بين الشخصيات في المسرحية لا يخلو من العمق ما جعلها أحد أكثر عروض المهرجان تميزاً وإظهاراً لقدرات الممثلين الأدائية.
شارك المعهد العالي للفنون المسرحية بعرض “لا مخرج” ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري . المسرحية من إخراج وائل عبدالفتاح، وهي تعدّ أحد الأعمال اللافتة لرائد الوجودية الفرنسية جان بول سارتر، وكذلك أحد أكثر أعماله المسرحية تناولاً على خشبة المسرح العالمي، وربما يعود الأمر إلى طبيعتها الفلسفية كمعظم أعمال سارتر التي تمزج بين الأدب والفلسفة، أو لتكثيفها لفكرة الوجودية التي يعد سارتر أحد أقطابها، فالعلاقة بين الفرد والآخر هي المحور الرئيسي للعرض.
وما يميز المسرحية كذلك هو الحوار بين شخصياتها الذي لا يخلو من العمق ما جعلها أحد أكثر عروض المهرجان تميزاً وإظهاراً لقدرات الممثلين الأدائية...
تدور أحداث المسرحية حول ثلاث شخصيات انتهت حياتهم وانتقلوا معاً إلى الجحيم. وسرعان ما يكتشف الثلاثة أن الجحيم الذي انتقلوا إليه ليس هو الجحيم الذي كانوا يتصورونه وهم أحياء، فهو جحيم من نوع آخر، إذ يمثل هذا الاقتراب من الآخر عبئاً نفسياً بعد أن تحوّل كلّ واحد منهم إلى مرآة كاشفة لأخطاء وآثام الآخر، حينها يدرك ثلاثتهم أن الجحيم ماثل في الآخر، أو كما صرخ أحدهم في نهاية المسرحية بعبارة سارتر الشهيرة “الجحيم هو الآخرون”.
لا يملك أيّ من الشخصيات الثلاثة الفرار من هذا الجحيم الناشئ من تلك الحياة المشتركة، وتفنن سارتر -كعادته- في اختيار أشخاص روايته، بين رجل خائن وامرأة ساقطة وقاتلة، وأخرى سحاقية تتلذذ بتعذيب الآخرين. يضعنا العرض أمام ثلاث شخصيات يعمل كل واحد منها رقيباً أو شاهداً يخجل منه الآخران، أو على الأقل يعملان له حساباً، كما أن كلاّ منهم يتذكر آسفاً جرائمه التي أودعته ذلك الجحيم.
جوزيف جارسن هو واحد من هذه الشخصيات الثلاث، وكان يتولى إدارة صحيفة تناهض الحرب وتدعو للسلام، وهو حين اشترك في الحرب فر من ميدان القتال، لذا فقد حكم عليه بالموت رمياً بالرصاص، غير أن الرواية على هذا النحو الذي يرويه جارسن على مسامع الآخرين تصوره شهيداً لقضيته ولا يستحق الجحيم ما يولّد شعوراً بينهما أن شيئاً ما مخفياً لم يصرح به، وسرعان ما ندرك أن الرجل قد قدم لنا صورة منقوصة عن حياته، فهو خائن لزوجته وغير عابئ بآلامها، وهو ما أودعه الجحيم.
يتكرر الأمر مع شريكي جارسن في الحجرة، فكل منهما يحكي رواية منقوصة عن حياته فيما ينبش الآخران من ورائه عن الحقيقة حتى يتعرّى كلّ منهم في النهاية أمام بعضهم البعض. فـ”آنيز” موظفة البريد الفقيرة هي امرأة سحاقية كانت تضاجع فتاة بلهاء رغمًاً عنها، فلما يئست الفتاة فتحت أنبوب الغاز كي تخلص نفسها فمات الاثنان معاً، أما الثالثة فهي “أستيل” الجميلة الباريسية التي كانت تغوي الرجال، حتى أن أحدهم قد انتحر بسببها كما تسببت في قتل ابنها وزوجها، واستحقت الجحيم بعد وفاتها بداء الدرن.
فكرة العرض فلسفية والديكور رمزي
تراوح أداء الممثلين بين الصعود والهبوط واستطاع مخرج العرض وائل عبدالفتاح توظيف ذلك الأداء جيداً خلال النقاط الفاصلة والمشحونة في سياق العرض. كما أن الديكور والإضاءة كانا عاملين مؤثرين، إذ أضفى كلّ منهما شعوراً من الأريحية على خشبة المسرح، وهو شعور مناقض للصراع المتصاعد بين الشخصيات، وهو أمر لا يعيب العرض كما يرى البعض بل ساهم في تأكيد أجواء التوتر والتصاعد المشحون بالعاطفة في أداء الممثلين.
يقول وائل عبدالفتاح مخرج العمل “تناولت النص برؤية رمزية لأن الفكرة فلسفية بحتة، والديكور أيضاً تعبيري رمزي، وحركة الممثلين تظهر وكأنهم يتحركون في مثلث، ولكن في الحقيقة حركتهم دائرية مستمرة. وقد ركزت على الأداء التمثيلي لأن الشخصيات غنية جداً، ولكلّ منها بعد نفسي وآخر أخلاقي”. ويضيف “المشكلة الأساسية في المهرجان هي الدعاية، فملصق المهرجان سيء للغاية، كما أن المهرجان في حاجة ماسة إلى لجنة دعم لبعض العروض التي لا تتبع مؤسسات ثقافية مثل المستقلين والفرق الحرة، ولا بد من الاهتمام بحفلات افتتاح وختام المهرجان، كما أتمنى زيادة قيمة الجوائز في الدورات القادمة”.
يذكر أن أولى الندوات التي أقيمت على هامش المهرجان كانت تحت عنوان “المسرح والإرهاب” وحضرها عدد كبير من النقاد والمهتمين بالمسرح. في هذه الندوة لفت الناقد خالد رسلان إلى تعدد أوجه الإرهاب والذي قد يتمثل في السلطة أيضاً سواء كانت سلطة نقدية أو مؤسسية أو سلطة الدولة نفسها. وذكر أن المسرح كبنية جمالية تتعامل مع الأنا والآخر، فهو يواجه إرهاب الآخر ويفرض الحوار، فالمسرح لا يواجه الإرهاب في حد ذاته، ولكن مشكلة الإرهاب هي ما بعد الإرهاب.
كما أكد الدكتور أسامة أبو طالب أستاذ أنثروبولوجيا المسرح بأكاديمية الفنون أن المسرح لا يمكن إلا أن يكون معادياً لكل نزعات التطرف والتعصب والإرهاب، وأضاف أن التطرف ليس مجرد آفة فكرية بقدر ما هو مرض يدعو صاحبه لتبديل عقليته، سواء كان إرهاباً فردياً أو جماعياً، له أبعاد إثنية أو جنسية أو عقائدية، أما المسرح فهو يقف في مواجهة كل هذه الأشكال لأنه بطبيعته معاد لكل أشكال القهر والتمييز والإرهاب.
يذكر أن هذه الدورة من المهرجان القومي للمسرح المصري تحمل اسم الفنان الراحل نور الشريف ويشارك فيها 41 عرضاً مسرحياً، تتنافس على جوائز تبلغ قيمتها نحو 340 ألف جنيه مصري، كما تقدم أغلب العروض مجاناً للجمهور، وترأس اللجنة العليا للمهرجان هذا العام الفنانة سميحة أيوب.
---------------------------------------
المصدر : ناهد خزام - العرب
0 التعليقات:
إرسال تعليق