ظواهر لافتة في عروض أيام الشارقة المسرحية
مجلة الفنون المسرحية
ظواهر لافتة في عروض أيام الشارقة المسرحية
أبرزها الاهتمام باللغة العربية الفصحى
ظواهر لافتة في عروض أيام الشارقة المسرحية
أبرزها الاهتمام باللغة العربية الفصحى
اتسمت الدورة السابعة والعشرون من أيام الشارقة المسرحية التي اختتمت الأسبوع الماضي بعدة سمات بارزة شكلت طابعاً خاصاً لهذه الدورة، منها المشاركة المكثفة لمعظم الفرق المسرحية في الإمارات، حيث شاركت عشر فرق بعروضها، هي مسرح أبوظبي ومسرح دبي الأهلي ومسرح الشارقة الوطني والمسرح الحديث ومسرح رأس الخيمة ومسرح الفجيرة الوطني ومسرح خورفكان ومسرح دبا الحصن ومسرح دبا الفجيرة، ومسرح كلباء للفنون، وكان التنافس بينها إيجابياً، وقدم خلال المهرجان ثلاثة عشر عرضاً مسرحياً، ما أعطاه زخماً كبيراً وحضوراً فنياً وشعبياً متواصلاً على مدى أيامه العشرة.
من الظواهر البارزة أيضاً أن معظم العروض قدمت هذا العام باللغة العربية، فقد كان هناك تسعة عروض باللغة العربية الفصحى هي: (خفيف الروح، طروادة تنبش قبرها، خارج اللعبة، هوا بحري، في انتظار غودو، سكن سكن، غصة عبور، حلم وردي، تهافت)، وهي ظاهرة صحية إيجابية زادت من تفاعل ضيوف المهرجان، بشكل خاص، مع العروض، وتجاوبت مع مطالب وتوصيات سابقة كانت تلح على العناية بالفصحى في المهرجان، وأيضاً من ناحية العناية بأداء الممثل ونطقه، ومدى استيعابه للمفردات والجمل، والملاحظ أن الأداء بالعربية كان جيداً وسليماً في معظم العروض، وكانت هناك لحظات أداء جميلة مثل تلك التي قدمها محمد جمعة وجمعان الرويعي في مسرحية «تهافت» بلغة عربية فصيحة سليمة، أجادا في أدائها، وكان أسلوب الكاتب علي جمال فيها يرتقي في بعض الأحيان إلى حد الشاعرية.
وقد مثل أداء مجموعة الممثلين البارزين في مسرحية «غصة عبور»، (محمود أبو العباس، إبراهيم سالم، رائد الدلاتي، حميد سمبيج، أحمد أبو عراده، بدور) الذين أتقنوا بالعربية، وقد ضمنتها كاتبتها تغريد الداود لحظات شاعرية جميلة، خاصة مع لحظات البوح لدى شخصية الشاعر الشاب التي مثلها رائد الدلاتي، والملاحظ أن أغلب كتاب تلك العروض هم من الإمارات والخليج، ما يعني أن الفصحى بدأت تحرز لها مكانة متقدمة في الساحة المسرحية الخليجية التي جاءت فترة سيطرت فيها العامية عليها، وهو يدل أيضاً على أن الكاتب والمخرج أصبحا يعدان عملهما وعيونهما على الساحة العربية الأكبر.
من سمات دورة هذا العام الاستخدام المتقشف والواعي للسينوغرافيا، فلم تشهد أغلب العروض ذلك الإسراف الذي كان سائداً بشكل كبير في السنوات الماضية، وأصبح السينوغرافيون يستخدمون الإضاءة والديكور والمؤثرات الصوتية برشاقة، مكتفين برمزية كل عنصر، دون أن يسرفوا فيه، ففي مسرحية «بين الجد والهزل» التي فازت بجائزة أفضل عرض متكامل، أحسن المخرج حسن رجب استخدام تلك العناصر بما يؤدي قصده في تصوير أجواء الحرب والتطرف، من غير مبالغة، فالأزياء والرموز الممثلة للمتطرفين كانت مناسبة لهم تماما، كما أنه ومن خلال المؤثرات الصوتية والضوئية أعطى أجواء حقيقية لميادين المعارك، ولعبت المقطوعات الموسيقية والاستعراضية بين المشاهد المختلفة دوراً بارزاً في كسر الرتابة مع التمهيد للمشهد التالي تمهيداً مناسباً، واكتفى من الديكور بعدد محدود من الصناديق الخشبية الخفيفة القابلة للتحريك في كل اتجاه، ولعدة استخدامات، فتارة يرصها فتكون متاريس، يحتمي بها المتطرفون من الرصاص والقنابل، وتارة تتخذ مقاعد للجلوس، وسمح ذلك التقشف في الديكور بحركة سلسلة للممثلين، وخاصة: جمال السميطي وحسن يوسف اللذان قدما مشاهد حوارية ساخرة أثارت ضحك الجمهور، وخففت عنه ثقل جو الانفجارات والهلع الذي صنعته المؤثرات الصوتية والضوئية على الخشبة، وشكلت مساحات من التسلية الخفيفة، كذلك كان استخدام كل من أحمد الأنصاري في «حلم وردي» لتلك العناصر جيداً، وكانت أيضاً هناك علامات مضيئة على ذلك الاستخدام في «البوشية، سكن سكن، وخفيف الروح، في انتظار غودوا وطروادة تنبش قبرها».
من السمات التي يمكن رصدها كذلك عودة مسرحيين مخضرمين بارزين إلى حلبة المسرح بعد انقطاع عنها، ومنهم: جمال مطر الذي عاد مؤلفاً ومخرجاً لمسرحية «خفيف الروح»، وهو فنان عرفته الخشبة ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً، ترك بصمة واضحة في تاريخ المسرح الإماراتي، من خلال مسرحيات (جميلة، قبر الولي، غاب القطو، وراعي البوم عبرني، حلم السعادة، عنتر وعبلة، دار الهوى دار، بياض الثلج، قدري غاب عني ورحل)، وكذلك الممثل خالد البناي الذي عاد ممثلاً في مسرحية «البوشية»، وهو ممثل ومخرج ومؤلف مسرحي وعضو مؤسس في مسرح رأس الخيمة منذ 1979، وهو كذلك ممثل تلفزيوني في جعبته العشرات من الأعمال المسرحية والدرامية، وحاصل على بكالوريوس تمثيل وإخراج مسرحي دولة الكويت 1993، ثم على دبلوم دراسات عليا (ماجستير) 2006، انقطع عن الخشبة، لكنه لم ينقطع عن المسرح، فقد عمل منشطاً للمسرح المدرسي في منطقة رأس الخيمة التعليمية، لا شك أن عودة هذين الفنانين البارزين تحيي ما انقطع في مسيرتهما الفنية، وتشكل إضافة مستأنفة إلى الأيام وإلى الساحة المسرحية المحلية.
من السمات البارزة أيضاً في هذه الدورة كثرة العروض الثنائية «ديودراما»، فهناك أربعة عروض جاءت كلها بسمة التمثيل الثنائي وهي «خفيف الروح، في انتظار غودو، خريف»، وإلى حد ما «تهافت»، وظاهرة الديودراما هي ظاهرة متزايدة في المسرح العربي الراهن، وربما تعود لأسباب مادية بالدرجة الأولى، فمع شح مصادر المسرح وقلة التمويل، وغلاء رواتب الممثلين الذين يجنون مخصصات كبيرة من الدراما التلفزيونية، مع هذا الواقع تجنح الفرق والمخرجون إلى التقليل من التكاليف، قصد السيطرة على كل عناصر العرض، فيلجأون إلى عروض بممثلين بدل العروض التي تضم جيشاً من الممثلين يحتاجون إلى ميزانية كبيرة لا تمتلكها الفرق، ولذلك فمن المتوقع أن تزداد هذه الظاهرة وتترسخ مستقبلاً.
------------------------------------------------------------
المصدر : محمد ولد محمد سالم - الخليج
0 التعليقات:
إرسال تعليق