أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 31 يوليو 2017

مهرجان أفينيون المسرحي الحادي والسبعون ينتصر للمرأة

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان أفينيون المسرحي الحادي والسبعون ينتصر للمرأة

محمد يوسف - العرب 

مضى شهر يوليو، وودعت أفينيون آلاف المسرحيين بعد التقاءات، على مدار الشهر الماضي، في فعاليات الدورة الحادية والسبعين من مهرجانها المسرحي الشهير. والذي يعرف مدينة أفينيون خارج أيام المهرجان، يدرك أن المدينة أثناءه تلعب دوراً آخر؛ تصير فضاءً مسرحياً يشغله ممثلون وعازفون ومهرجون ومتفرجون، على عكس الكآبة والرياح اللتين تشغلان أزقة المدينة خارج أوقات المهرجان.


 اختتمت الدورة الحادية والسبعون من مهرجان أفينيون المسرحي بمدينة أفينيون الفرنسية، الذي تشارك فيه فرق مسرحية تدعى من مختلف أصقاع العالم، حيث يحاول المهرجان دعوة أبرز الإنتاجات المسرحية الفرنسية والعالمية إلى فعالياته.

حققت هذه الدورة من المهرجان أرقاما مهمة في عروضه الرسمية “الإين”، فقد بلغت مجمل العروض المشاركة في هذه الدورة 59 عرضا، وبيعت فيه 112 ألف تذكرة دخول، بينما وزعت بالمجمل 152 ألف بطاقة دخول، إذ هناك بعض العروض المجانية.

إضافة إلى العروض الرسمية كان الجمهور على موعد مع عروض “الأوف” أفينيون الذي انطلقت دورته الأولى في عام 1969 متأثراً بروح الـ68 وبات مع مرور السنين يقترب أكثر من روح المؤسس جان فيلار الذي كان يرى المسرح خدمة عامة كالغاز والكهرباء والماء. ويسمح الأوف للجميع بالعرض وكثيراً ما تتحمل الفرقة المشاركة أعباء التكاليف ومهمة اجتذاب الجمهور، وقد تجاوزت عدد الأعمال المشاركة هذا العام الألف عمل.

عروض متنوعة

تحت عنوان “المرأة القوية” وبإشراف وبرمجة المدير الفني للمهرجان الرسمي الكاتب والمخرج أوليفيه بي، الذي يشغل منصبه منذ أربعة أعوام، قُدمت في دورة هذا العام عروض تميزت بتنوعها الجغرافي وبتنوع موضوعاتها وتعدد الهويات الفنية لصناعها. كما تجدر الإشارة إلى أن دورة هذا العام شهدت حضوراً ملحوظاً للأعمال القادمة من القارة الأفريقية وبخاصة العروض الراقصة، حيث عرضت ستة أعمال من مالي وساحل العاج ورواندا وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا. أما عن المشاركات العربية في البرنامج الرسمي، فاقتصرت على عمل “بكيت دمعاً من دون عين” للكريوغراف التونسي رضوان المؤدب، الذي عمل مع عشرة راقصين، ورسم حركتهم على موسيقى الأغاني التراثية التونسية التي أداها الفنان محمد شبيل.


سيتحولون إلى أشباح في البيت السجن
وفي الحديث عن أبرز سمات دورة هذا العام، نلاحظ غياب الأسماء البارزة التي كانت تتواجد بشكل مستمر في المهرجان كتوماس أوسترماير ووجدي معوض وساشا فالس وروميو كاستيلوتشي وغيرهم، وذلك على حساب حضور أسماء أخرى شكلت روح دورة هذا العام كـ: تياغو رودريغيس، وكيتي ميتشل، وسيمون ستون، وسوتاشي مياغي، وغيرهم.

بالتوازي مع الثيمة الرئيسية للمهرجان، كانت البداية من اليابان مع عرض “أنتيغون” الذي كان بمثابة تحفة بصرية قدمت في ساحة الشرف داخل قصر الباباوات (المسرح الأبهى في أفينيون). في عرض المخرج سوتاشي مياغي ستكون المملكة الإغريقية عائمة على سطح من الماء، وعليها تتوزع كتل الممثلين والعروش والموسيقيين الذين يؤدون تراجيديا سوفوكليس. لا تعديلات كبيرة على النص الأصلي، إلا أن الخشبة تم تجهيزها لتبدو الحكاية وكأنها تروى ضمن مشهد طقسي غير منته، الفضاء أشبه بمعبد كبير تشغل الظلال خلفيته الكبيرة، كما خففت رشاقة حركة الممثلين من هول المأساة المقدمة.

حاول المخرج الياباني الاستفادة من جماليات الرؤية الخاصة التي توفرها ساحة الشرف في قصر الباباوات، ذاهباً نحو الأقصى في التجريب للاستفادة من موروث ثقافته البصري والموسيقي، موظفاً في المسعى ذاته القدرات الصوتية الهائلة لممثليه لتبدو أنتيغون وكأنها حكاية يابانية أساساً.

أحد اكتشافات “أفينيون” لهذا العام، كان الاسترالي سيمون ستون (32 عاما)، مخرج فيلم “الابنة”(2016) المأخوذ عن مسرحية “البطة البرية” لهنريك إبسن. قدم ستون عمل “IBSEN HUIS” المأخوذ عن أعمال الكاتب النرويجي ليروي باللغة الهولندية، وعبر ساعات أربع تقريباً، حكاية تمتد من ستينات القرن الماضي حتى لحظتنا الراهنة يندد فيها بالنفاق الاجتماعي والرياء الذي يحيط بكل المجتمع وبالقضايا التي شغلت كاتب “بيت الدمية”.

عبر ديكور شديد الواقعية شغل الزجاج جزءًا كبيرا منه، زج الشاب الاسترالي بأبطال إبسن داخل ذلك البيت (السجن) ليتحولوا مع مرور العرض إلى أشباح تعيد قراءة إبسن ضمن إحداثيات اللحظة الراهنة من عالم اليوم.

نساء ثائرات

جاءت دورة أفينيون هذا العام لتقدم صورة للمرأة يتقاطع ويتداخل فيها السياسي مع الاجتماعي والثوري، سواء أكانت هذه البطلة متواجدة في المأساة أو في النصوص المسرحية الشهيرة أو في واقعنا السياسي المعاصر (كالعرض الذي كتبت نصه وزيرة العدل السابقة كريستيانا توبيرا).

على النحو السابق تتبعنا حكايات بدأت ولم تنته مع آخر ستار أسدل في المهرجان “أنتيغون” الذي تعد بطلته أولى الشخصيات النسائية الثائرة في التاريخ حيث دعت إلى تحدي السلطة والقوانين والأعراف المعمول بها، مروراً بنورا هنريك إبسن التي شكلت ركلتها لباب بيتها وقرارها بالخروج إحدى بدايات الطريق لتحرر المرأة في القرن الماضي، وليس انتهاء بكريستينا فيدال العاملة بالمسرح (ملقنة) والتي أخرجها البرتغالي تياغو وردريغيز لتروي عن هامش سكنته خلال ربع قرن في الكواليس.

كيف نكتب للطفل العربي

مجلة الفنون المسرحية

كيف نكتب للطفل العربي

 عايدي علي جمعة - الجديد 


تبدو الخطورة الكبيرة لمرحلة الطفولة وأثرها الكبير على الإنسان بعد ذلك في مراحل حياته المختلفة. وقد كان للاكتشافات الكبيرة لعلم النفس دور كبير في معرفة هذه الحقيقة. ومن هنا تبدو العناية بالطفولة. ومن مظاهر هذه العناية بمرحلة الطفولة الاهتمام بالكتابة للأطفال. فوجدنا اتجاها عالميا واضحا يتوجّه للأطفال. ولم يكن وطننا العربي ببعيد عن هذا التوجه. فظهر كتّاب كبار كرّسوا جانبا مهما وحقيقيا من إبداعهم لمخاطبة هذه الفئة العمرية إيمانا منهم بأحقيّتها في الفهم ووجودها الحقيقي على خريطة الحياة. ومن ثم يثار السؤال ذو الأهمية الفائقة وهو ماذا نكتب وكيف نكتب للطفل العربي؟

وهنا من المهم لمن يتصدى للإجابة على هذا السؤال أن يضع باعتباره ضرورة أن تكرّس الكتابة للطفل نفسها لكلّ ما يمكن أن يساهم بطريقة فعالة في تحرير الطفل العربي من القيود الحديدية للعلاقات المكبّلة والمنتهكة لحقوق الإنسان.
ولذا يجب النظر إلى طبيعة المشاكل المهيمنة في الدول العربية بصورة عامة وفي كل بيئة عربية بصورة خاصة. تلك المشاكل التي تكشف بالأساس عن حالات قهر بصورة أو بأخرى للإنسان العربي، لأن أطفال اليوم هم رجال الغد.

وهنا نستطيع أن نستشهد بتحليل مفكر تونسي هو الدكتور عبدالوهاب بوحديبة في كتابه “المتخيل المغاربي” (1994)، لقصة من قصص الأطفال التي كانت منتشرة في تونس، حيث تحكي هذه القصة -وهي قصة كانت منتشرة أيضا في ريف مصرـ عن ماعز تركت أولادها وأغلقت الباب عليهم وذهبت للسوق بعد أن أوصتهم بالحرص الشديد من فتح الباب لأحد، لأن الثعلب المكار سيلتهمهم إذا فعلوا ذلك. ولكن الثعلب المكار جاء وقلّد صوت الأم وطلب منهم فتح الباب ففتحوه وهم يظنّونه أمهم فأكلهم. وحينما عرفت الأم ذهبت إليه تحت الشجرة ووضعت قرونها في بطنه واستخرجت الأطفال منه.

يرى الدكتور عبدالوهاب بوحديبة أن القرون للأم هنا هي المعادل التعويضي لرمز الرجولة عند الرجل وضرب هذه القرون في بطن الثعلب/الرجل هو اعتراض من الأمّ التونسية على قهر الرجل التونسي لها، فكانت النتيجة السعي الحثيث في تونس من أجل مساواة المرأة بالرجل. لأن الأطفال الذين تشربوا هذه الحكاية منذ الصغر ما لبثوا أن أصبحوا كبارا فاعلين في المجتمع ولهم كلمتهم.

ولذا يحسن في الكتابة للطفل العربي الاهتمام بالعلاقات الإشكالية الموجودة في المجتمع. وهذا الاهتمام يكون من وجهة نظر ثائرة وناقدة لكل ما هو مكرّس للقهر.

ويرى الدكتور مجدي يوسف في محاضرة له بعنوان “قصص الأطفال العرب في عصر هيمنة ديزني” وهي المحاضرة الافتتاحية في “مؤتمر أدب الأطفال في العالم” بجامعة ريجينسي بورج بألمانيا في عام 1996 أن الطفل العربي كان متفاعلا بشكل إيجابي كبير مع ما يقدم له من موضوعات وقصص كانت الأمهات تحكيها للأطفال مباشرة. ولكن ظهور التلفزيون الذي جاء بثقافة ديزني حول استقبال الطفل من استقبال إيجابي متفاعل للقصص التي ترويها الأمهات والعمات والجدات إلى استقبال سالب لها على الشاشة. وبدا طرزان رمز الرجل الأبيض هو النموذج للبطل المخلّص، فانبهر الأطفال بهذا النموذج.

ويليق بالكتابة للأطفال في الأساس احترام الطفل، لأن الطفل قليل التجارب. وهذه التجارب التي يتمتع بها الكبار ويتيهون بها على الأطفال هي أحجار تقيّد فتنة الدهشة و التجريب للعالم الموجودة بقوة في نفس الطفل. والفنان الحق هو الذي يبذل كل طاقته من أجل أن يرى العالم كطفل.

وهنا فإن الحوار التفاعلي الخلاق مع الأطفال هو الأساس في أيّ كتابة لهم. ومن خلال هذا الحوار التفاعلي الخلاق تبث قيم التسامح وحب العدالة والحفاظ على البيئة والنظرة العلمية للكون وحب الوطن والعمل الدؤوب واحترام الآخر. وهذه عملية تحتاج أن يتشرّبها الأطفال من تصرّفات الكبار، وليس من كلامهم.

وتحسن ملاحظة أن لغة القمع والقهر للأطفال تأتي بنتيجة عكسية. فقد رأيت طفلا يحبس عصفورا في قفص وحينما يقال له “أطلق العصفور من القفص” كان يرفض تماما. وحينما قيل له “أتحب أن تُحبس في حجرة ولا تخرج أبدا” قال لا. ثم أطلق العصفور على الفور. ومن هنا فإن مسألة الإقناع للطفل تبدو ذات أهمية كبيرة.

ويحدث الإقناع من خلال اللغة التي تتم مخاطبة الطفل بها. وهنا يبدو مهمّا بذل الجهد الفائق من كلّ كاتب للطفل كي يكتشف اللغة التواصلية مع الأطفال الذين يتوجّه لهم بالكتابة.

وتبقى مسألة الشكل الكتابي الذي يجب تقديمه للطفل، لأن هذا الشكل في غاية الأهمية. وهنا تظهر مسألة التصوير الفني لما يقدم للطفل، أو الكتابة الفنية. ومن الملاحظ أن اعتماد الكتابة على قصة سردية مكتملة له جانب كبير من شحذ عملية الفهم لدى الطفل. وهذه القصة السردية المكتملة قد تكون في قالب قصصي أو قالب مسرحي أو قالب شعري أو غير ذلك من فنون الأدب، مع نصب فخاخ من الأسئلة الشاحذة على إعمال الطفل لعقله.

ويجب أن نعترف بأن ما يوجّه للطفل من كتابة هو من صنع الكبار. وهنا تظهر إشكالية حقيقية وهي أن الطفل لا يكتب للطفل وإنما الكبير هو الذي يكتب للطفل.

ومن هنا فإن كتابة الكبير للطفل يكون منظورها المهيمن هو تهيئة الطفل ليكون رجل المستقبل. وهذا المستقبل هو تصوّر الكبير له في لحظة الكتابة، وليس الواقع أو تصوّر الطفل.

كما أن التركيز الكبير على تهيئة الطفل للمستقبل تجعل قيم الكبار وتصوّراتهم هي المهيمنة في الكتابة، والنتيجة هي جعل حلقة الطفولة حلقة في السلسلة العمرية للإنسان. فيغيب الانغماس التام في مرحلة الطفولة ذاتها.

ترى هل يسمح الكبار بمنح الفرصة كاملة للأطفال لكي يكتبوا هم كتابتهم؟ وكي يخرجوا ما في نفوسهم على الورق؟

سيظهر رأي يقول بأن الطفل عاجز عن الكتابة ولكن مواجهة هذا الرأي تتحدد من خلال عمليات التسجيل الأمين لأفكار الأطفال ورؤيتهم للعالم.

ففي جانب الرسم مثلا نجد خيال الطفل يسجل انطلاقا فنيا فائقا، ولكنه يقمع من التقاليد التي يتمسك بها الكبار.

وهنا نقترح بأن تظهر إلى النور مؤسسات مهمتها مراقبة الأطفال من بعيد وتسجيل أفكارهم ورؤاهم عن العالم.

وقد رأيت طفلا في القرية كان يتحدث عن أبيه الذي يملك طائرات كثيرة في الدور الثاني من بيته، وقد صدّقه الأطفال وكل طفل يتقرّب إليه كي يركب معه في الطائرة ويمر بها على الحقول. ولو تم تسجيل الحوارات التي دارت حول ما قاله هذا الطفل لكانت لدينا قصة مكتملة ومشوقة، تكشف عن رؤية هؤلاء الأطفال للعالم.

ولكن ستظهر إشكالية حقيقية في هذا الجانب، وهي ما مدى حضور الجانب الأخلاقي في عمليات التسجيل والمراقبة دون أخذ إذن من نقوم بالتسجيل لهم ومراقبتهم؟

فلو أخذنا رأيهم في التسجيل والمراقبة فإن مرحلتهم العمرية لا تجعل من هذا الرأي فيصلا نهائيا في الموضوع.

ويجب الاهتمام بوجود رقابة هادفة على ما يقدّم للأطفال من برامج. فقد لوحظ في الكتابات التي تتحول إلى برامج للأطفال في عالمنا العربي حضور العنف والدمار بصورة فائقة تجعل المهتمّين بالأطفال في غاية القلق من هذه الكتابات المتحولة إلى برامج. لأنها تبث قيم العنف الشديد في نفوس بريئة، وهذا البثّ لا يستطيع الطفل التخلص منه بسهولة حتى بعدما ينضج ويكبر فتكون النتيجة ما نشاهده في عالمنا من عنف غير مبرر.

وفي النهاية يحسن لدى من يكتبون للأطفال -من وجهة نظري- عدم التكيف مع النظام القيمي السائد حتى ندع للأطفال فرصة التجريب إلى أقصى درجة.

المسرح مابعد الحداثي خلخلة القناعات وتعليق المعنى

مجلة الفنون المسرحية

المسرح مابعد الحداثي خلخلة القناعات وتعليق المعنى


عواد علي - الجديد 


رغم أن أعمال تيار مابعد الحداثة، في الفنون بشكل عام، تراوغ محاولات التصنيف والتحديد دائماً، فإن المسرح مابعد الحداثي هو، ببساطة شديدة، ذلك المسرح الذي يقوم على خلخلة القناعات، وتقويض القواعد والفرضيات العقلانية التي طرحتها الحداثة، واستحالة تحديد المعنى، والتلاعب الواعي بالصور الخيالية، وأنماط تصوير الواقع، وبالرموز والمعاني، واستخدام فن الكولاج، وتدمير استقلالية العرض المسرحي. وقد ظهر بتأثير من أساليب الفن، أو التصميم المعماري مابعد الحداثي، وسمات «المفارقة» «والدلالات المتناقضة» في السرد الروائي، وتقنياته التي كسرت الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية، وبين التاريخ والرواية، وكذلك من نظرية رقص مابعد الحداثة وتجاربه التي تطورت في فترة ستينات القرن الماضي.
بعض نقاد المسرح في الغرب، وخاصةً باتريس بافيس، يرى أن مفهوم «المسرح مابعد الحداثي» مفهوم غامض، فاقد الذاكرة، سريع الزوال، يتسم بعدد من النزعات، أبرزها:

نزعة اللاتسييس: إن مابعد الحداثة تستوي في نظر بعضهم بلاتسييس الفن، وغياب منظور تاريخي، وعودة لقوة المحافظين الجدد الذين يرحبون بتطوير العلم الحديث مادام هذا يتخطى مداه ليحرز تقدماً تقنياً ونمواً رأسمالياً، وينصحون بسياسة نزع الفتيل من المضمون المتفجر الخاص بحداثة ثقافية، أو إبقاء السياسة بعيدة ما أمكن عن متطلبات التبرير الأخلاقي-العلمي.

نزعة الإحكام والشمولية: إن التحدي في وجه العمل الفني، كشمولية، لم يصبح نصيراً لمابعد الحداثة، وقد لاحظت نظرية بريشت في المسرح الملحمي أنه «ليس ثمة ما هو أصعب من قطع عادة معاملة عرض ككل»، لكن هذا التفكيك لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما يصبح المرء معتاداً على إعادة مركز العمل وإكماله ووضعه في وهم الشمولية.

نزعة إفساد الممارسة بالنظرية: لكي يجري تذوّق العرض المسرحي بافتراض أنه لا يمكن استيعابه أو تفسيره، لا بد من فهم طريقة أدائه لوظيفته، وهكذا كانت الشخصية المجردة والمبدئية والمنهجية لكثير من العروض، أو التمييز بين أداة الإنتاج والتلقي، وبين النشاط التأويلي الذي يقوم به المتلقي. إن فن مابعد الحداثة يستخدم ويعيد استثمار النظرية في إنتاج المعنى قي كل مكان وكل لحظة في الإخراج، ويصبح النص والإخراج العمود الفقري في الممارسة الدالة، ويشقان سلسلةً من المسارات تتناقض ويتقاطع بعضها مع بعض، ثم تنفصل مرة أخرى رافضةً دلالةً شاملةً أو مركزيةً.

وبناءً على ذلك فإن مسرح مابعد الحداثة، حسب بافيس، يرفع النظرية إلى مرتبة النشاط العابث، ويقترح القدرة على إعادة تمثيل الماضي بدلاً من التظاهر بإعادة خلقه وامتصاصه كميراث وحيد. وفي ضوء هذه النزعات يمكن اعتبار الفرق بين الحداثة ومابعد الحداثة المسرحية كما يأتي: لم تعد مابعد الحداثة تشعر بالحاجة إلى إنكار أي دراماتورجيا، أو رؤية عالم (كنقيض لمسرح العبث مثلاً)، إنها تعطي لنفسها مهمّة إحداث تفكيكها الخاص كطريقة لتجسيد نفسها لا في تراث شكلي أو موضوعي، بل في وعي ذاتي متأمل للنفس، ومن ثم بأدائها لوظيفتها كما لو أن كل الأشكال والمضامين قد فقدت أهميتها بالنظر إلى الوعي بالأداء الوظيفي والتلفظ. أما العلاقة بين مسرح مابعد الحداثة والميراث الكلاسيكي فإنها تمضي، ليس عن طريق التكرار أو رفض المضمون، بل من خلال ابتكار نوع من العلاقة التي يمكن مقارنتها بذاكرة كومبيوتر.

من أبرز أشكال المسرح مابعد الحداثي ما اصطلح عليه بـ»المسرح مابعد الدرامي»، في منحاه العام، وتفرعاته العديدة مثل «مسرح الهيستيريا الوجودي» الذي أسسه ريتشارد فورمان في نيويورك، وهدفه مسرحة عمليات التفكير في مجموعة من الصور عالية التعقيد لإنتاج مسرح تجريدي يقوم المشاهد فيه بممارسة الاستغراق الذهني وسط هيستيريا وجودية تطلقها الصور المتلاحقة، في حين يقف الممثلون مجرد متحدثين خلف إطارات لإيصال الأفكار! وكذلك أعمال زميله روبرت ويلسون التي تميزت بكونها خاليةً من أيّ بناء سردي، ومفتقدةً إلى أيّ نقطة يمكن اعتبارها بدايةً أو نهاية فعلاً أو ردة فعل، شيئاً من خطاب مكتوب أو شفاهي.

إن هذا الشكل المسرحي ينهض على التشظي والتنافر والتقويض انطلاقاً من مفهوم جاك دريدا للطريقة التي تعمل بها اللغة، ولوظائف العلامات ونسق عملها (عبر علاقات الاختلاف والإرجاء التي يستحيل معها تحديد معنى الدوال بصورة نهائية). وهو أيضا وليد التفتت الاجتماعي للمجتمعات المعاصرة، والتشابك العالمي للأسواق ووسائل الإعلام، حسب توصيف الفيلسوف الفرنسي ليوتار للوضع مابعد الحداثي.

لقد نظّر لمفهوم «المسرح مابعد الدرامي» الباحث والناقد المسرحي الألماني هانز- تيز ليمان (أستاذ الدراسات المسرحية في جامعة غوته بفرانكفورت) عام 1999 في كتاب له بالعنوان نفسه لخّص فيه عدداً من الخصائص والسمات الأسلوبية التي ميزت المسرح الطليعي منذ أواخر الستينات من القرن الماضي. ورغم أن المفهوم ليس جديداً بشكل جذري (إذ أن المسرحي الأميركي ريتشارد شيشنر استخدم المصطلح أول مرة عام 1970 لوصف الأحداث)، فإن ليمان طوره ليصبح نظريةً شاملةً.

شهدت الثقافة المسرحية العربية في السنوات الأخيرة سجالاً فكرياً حول مفهوم «مابعد الحداثة» ومرجعياتهما بشكل عام في المسرح، والمظاهر والرؤى التي أفرزتها تجاربها في المسرح الغربي، وعلاقتها بالتصوّرات الفلسفية والأحداث والتحوّلات

تجارب عالمية

منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ظهرت عروض مسرحية تدور في فلك النماذج الفنية التي أتت بها مابعد الحداثة، مثل: العروض التي قدمها المخرج والكاتب الكندي (الصيني الأصل) بنج تشونج (1946-) في الولايات المتحدة الأميركية، والتي اتسمت بـالتنافر والتشظي، وتوظيف وسائط فنية متعددة تطرح كل واحدة منها قضية منفصلة. وعروض المخرجة الأميركية اليزابيث ليكومبت (1944-) مع فرقتها «ووستر»، ابتداءً من عام 1978، التي جمعت بين عناصر، صوتية وبصرية، شديدة الاختلاف والتباين، مستقاة من مصادر متنوعة (أعمال درامية، وأفلام سينمائية) في كولاج مسرحي مثير، يدمر أفق التوقعات المعتاد. والعروض الأخيرة للفنانة الأميركية جوان جوناس (1936-)، التي تتناول قصصاً مألوفةً، وأساليب وأنواعاً فنيةً معروفةً، وتوظّف عدداً من الوسائل المتنوعة بطريقة تبدو وكأنها تتعمد تدمير قدرة هذه الوسائل والأساليب على الانتظام والتآلف في وحدة فنية كلية.


نحن والمسرح مابعد الحداثي

شهدت الثقافة المسرحية العربية في السنوات الأخيرة سجالاً فكرياً حول مفهوم «مابعد الحداثة» ومرجعياتهما بشكل عام في المسرح، والمظاهر والرؤى التي أفرزتها تجاربها في المسرح الغربي، وعلاقتها بالتصوّرات الفلسفية والأحداث والتحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المجتمعات الغربية، والتيارات الفنية التي تنضوي تحتها، وجذورها في تجارب بعض المسرحيين المتمردين وتنظيراتهم. وقد نظم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في سياق هذا السجال، ندوةً رئيسةً عام 2004 بعنوان «المسرح في زمن مابعد الحداثة». ومن بين الآراء والتصورات التي يستند إليها ذلك السجال:

-1 إن مصطلح «مابعد الحداثة» لا يوجد أكثر غرابة وفوضى واضطراباً وتشويشاً وضلالاً وغموضاً منه في تاريخ الحركة الفنية والأدبية العالمية، والدليل على ذلك، حسب أصحاب هذا التصور، كثرة المسمّيات التي أطلقت عليه، مثل: «مجتمع الاستعراض» طبقاً لجي ديبور، و»المجتمع الاستهلاكي»، كما وصفه هنري لوفيفر، و»مجتمع مابعد الصناعي»، الذي صكه دانييل بل، و»ما بعد الاقتصادي»، حسب هيرمان كاهن، و»مابعد المادي»، طبقاً لرونالد انجلهارت. لكن هذه المسميات التي يستشهد بها هؤلاء المسرحيون هي لمفكرين سوسيولوجيين واقتصاديين، لا لمنظرين أو باحثين مسرحيين، حاولوا تخطي مفاهيم علم اجتماع الحداثة ونظرياته، وقاموا بتأويل أعمال ماركس، وتكريس التوجه الكوني (العولمي)، والإفادة من ثورة المعلوماتية، وبشّروا بمجتمع خالٍ من الطبقات والثقافات المهيمنة (مجتمع الموجة الثالثة)، وبنهاية الأيديولوجيات الكبرى.

-2 إن الحداثة نوع من الشكوكية تجاه ما وراء السرد، إذ تضع في الصدارة ما هو غير صالح للتقديم في التقديم نفسه، ويوضع الفنان أو الكاتب المابعد حداثي في موقع الفيلسوف، فالنص الذي يكتبه، والعمل الذي ينتجه لا يكونان محكومين، أساساً، بقواعد مسبقة، ولا يمكن أن يحكم عليهما على وفق حكم معين.

ويتسم هذا التصور بكونه تصوراً عاماً وبدهياً لطبيعة العمل المسرحي مابعد الحداثي، من دون أن يوضح كيفية خرقه للقواعد المسرحية المتعارف عليها. وإذا كانت تلك ميزته الأساسية، فإن عشرات الأعمال الفنية التي تصنف ضمن حركة الحداثة قد فعلت ذلك منذ أكثر من نصف قرن.

-3 إن المسرح مابعد الحداثي له تاريخ صلاحية محدد، فهو يتنكر للمسرحيات الكلاسيكية، ويتميز بكونه ضد المعنى، ومن أهم سماته: «الكولاج»، و»البارودي»، و»المحاكاة التهكمية»، وإلغاء الفواصل بين الثقافة العليا وثقافة الجماهير وخلط فنونهما معاً، ويركز على ثقافة تتسم بعدم التماسك والتشظي حين يردد مريدوه أن العالم بلا معنى، وأنه مشتت ومتجزئ. وعلى النقيض من ذلك يعد المسرح الكلاسيكي مسرحاً خالداً، لا تنتهي صلاحيته، ويفصل بين الثقافة الرفيعة والثقافة المنحطة.

ومن غير أن ننحاز إلى المسرح مابعد الحداثي يمكن الرد على أصحاب هذا التصور الأخير بملاحظتين أساسيتين أولاهما: أنهم يتناسون أن الكثير من النصوص الكلاسيكية نجحت في العروض المسرحية المعاصرة بفضل القراءات الجديدة لها، سواء المتشظية أو غير المتشظية، والرؤى الإخراجية الحداثية، أو مابعد الحداثية التي صاغتها، والأنماط المختلفة لتلقيها، ومن ثم فإن تلك النصوص اكتسبت صلاحيةً جديدةً بفعل إعادة إنتاجها بوصفها مواد أوليةً، أو خامات قابلةً لاكتساب خصائص مغايرة لطبيعتها الأولى في المختبرات والمشاغل الإخراجية، وفعاليات القراءة والتلقي. أما الملاحظة الثانية فهي أن مصطلح «المعنى» عندهم يفتقر إلى الدقة، أو يشوبه اللبس، فمابعد الحداثة لا ترفض ما يوحي إليه الخطاب الأدبي أو الفني من مدلولات تنتجها إمكانيات التأويل، بل ترفض المدلول المركزي أو الشامل الذي يقترحه منتج الخطاب، وتحل محله عدداً لا نهائياً من المدلولات التي يشكّلها القارئ أو المتلقي، وتدعو إلى تعليق المعنى بدلاً من تحديده، وذلك لأن الخطاب الأدبي أو الفني، من وجهة نظرها، يشق، في ممارسته الدالة، سلسلة من المسارات تتناقض ويتقاطع بعضها مع بعض، ثم تنفصل مرة أخرى رافضة دلالةً قارةً أو مغلقةً.


تجارب عربية

قُدّمت في المسرح العربي تجارب عديدة يمكن إدراجها في سياق المسرح مابعد الحداثي، نذكر منها، تمثيلاً لا حصراً، بعض تجارب المخرج العراقي صلاح القصب، المعروفة بـ»مسرح الصورة»، مثل: (عزلة في الكرستال، الحلم الضوئي، وأحزان مهرج السيرك)، وعروض المخرج الأردني محمد بني هاني (أحلام مقيدة، الثقب الأسود، وسمفونية وحشية)، ومجموعة من تجارب المخرج البحريني عبدالله السعداوي مع فرقة الصواري (سكوريال، الكمامة، الرهائن، القربان، الكارثة، والساعة 12 ليلاً)، وبعض عروض المخرجة الأردنية مجد القصص، مثل (سجون، بلا عنوان، وأوراق الحب).

يُعد صلاح القصب رائداً في هذا الاتجاه، فتجاربه التي تابعناها منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي تقوم على شبكة من التكوينات الجسدية، والأشكال الحركية والإيمائية والسينوغرافية المركبة، الغامضة، المصممة على وفق علاقات إيحائية متغيرة، تصاحبها إيقاعات صوتية بشرية مختلفة، كالتمتمات، والصرخات، والتأوهات، والهمهمات. وتستغني أحياناً عن الحوار استغناءً تاماً، أو تكتفي بالقليل الجوهري منه لإعلاء الجانب البصري في العرض. إن من أبرز ما تميزت به هذه التجارب:

-1 عدم ترابط الأفعال المسرحية، وتقاطع حلقاتها باستخدام أسلوب الهدم والبناء المتكرر للفعل، أو الحافز الواحد، بحيث لا تنمو الأفعال نمواً طبيعياً.

-2 التوكيد على أنماط السلوك التي يفرزها اللاشعور عند الشخصيات، لذا تبدو مفتتة، شعورياً ووجودياً، وعلامات قابلة للتكرار، والموت والانبعاث.

-3 ابتداء لوحات العرض من شكل فوضوي وقلق وملتبس وانتهائها إلى شكل منتظم ومستقر قابل للتأويل والاستنطاق.

-4 نزوع لوحات العرض إلى أن تكون حلماً متدفقاً يثير الدهشة بغرائبيته، وكشفه عن المسكوت عنه، والمطمور في داخل الإنسان.


أحزان مهرج السيرك

في عرض «أحزان مهرج السيرك»، الذي أعده عن سيناريو سينمائي قصير للكاتب والشاعر الروماني ميهاي زامفير، جرّد القصب اللوحات المسرحية من ملامحها الأيقونية، مقدِّماً تجربةً ذات أجواء غريبة تتداخل فيها مستويات عديدة من أشكال التعبير البصري السيريالي والفانتازي والرمزي، في نسيج شديد الكثافة، تفتقر فيه اللقطات والصور إلى الحد الأدنى من المعقولية، فلا وجود لأيّ حبكة، ولا استمرارية للفعل، ولا زمان وفضاء تاريخيين، بل ذاتيان ونفسيان، حيث تبدو معظم المرئيات والكائنات في فضاءات سحرية وحلمية، مقتطعةً من سياقها الطبيعي، موضوعةً في مواقع اعتباطية مدهشة، متنقلةً بحركات سائلة كما لو كانت كائنات أسطوريةً.

الحداثة وما بعد الحداثة.. تناقضات من التمثيل إلى العرض

مجلة الفنون المسرحية

الحداثة وما بعد الحداثة.. تناقضات من التمثيل إلى العرض

صميم حسب الله  - المدى


كثيرة هي الدراسات التي تناولت دراسة مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة ، سواء  بوصفها مناهج نقدية أو بوصفها أساليب اشتغال  كما هو حاصل في الدراسات المسرحية التي اختارت الحداثة وما بعد الحداثة التي باتت تمتلك خاصيات متنوعة على مستوى النص أو العرض ، بمعنى أن العديد من الدراسات كشفت عن وجود علامات فارقة في نصوص الحداثة وأخرى ترتبط بنصوص ما بعد الحداثة ، وبالرغم من أن كلا المصطلحين لم يستقرا على تصورات مفاهيمية محددة وقارة إلا ان الدراسات المسرحية لم تزل تنهمر علينا كما السيل الجارف ، والعديد منها يزيد من غموض المصطلحات بدلاً من أن يفك الاشتباكات الحاصلة فيها ، وبخاصة بما يتعلق بـ(التفريق بين الحداثة – وما بعد الحداثة).
وفيما يتعلق بالدراسة التي بين أيدينا والمعنونة (من التمثيل إلى العرض - مقالات حول الحداثة وما بعد الحداثة، تأليف : فيليب أوسلاندر، ترجمة : د.سحر فراج إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي- 14)، فهي إبتداءً تسهم على نحو فاعل في زيادة الغموض والتعقيد ، وذلك يعود إلى انها تلغي الحدود الفاصلة بين المصطلحين ،بالرغم من أن عنوان الكتاب يحيل القارئ إلى وجود مفصلين في الدراسة أحدهما يتعلق بدراسات الحداثة والآخر حول مابعد الحداثة ، إلا الخلط بين المصطلحين بدا واضحا حتى أننا نعتقد أن العنوان لايرتبط بطروحات الكتاب ، وقد أكد المؤلف ذلك من خلال توجيه الشكر "إلى تاليا رودجرز على اقتراحها إياه "(1)  وقد تبين لاحقاً ان العنوان لايرتبط بفلسفة الكتاب وإنما يرتبط بمسيرة المؤلف الشخصية  والذي يشير إلى ذلك بقوله :" توحي عبارة من التمثيل إلى العرض بمسار النمو الذي اتبعته اهتماماتي ، حيث تطورت من التزام في الأساس بالمسرح إلى مفهوم أوسع للعرض وانواعه (ارجو الا يكون من التطاول أن اوحي بأن العديد من دارسي المسرح من أبناء جيلي يشتركون معي في هذا التطور الفكري) "(2)، ومن هنا نجد ان الخصوصية التي يفترض ان تكون حاضرة في أفكار المؤلف، بل إنها كانت تعتمد على الأفكار التي يتداولها المسرحيون في تلك المرحلة.  
 وفي إشارة أخرى  أراد المؤلف لها ان تكون علمية في تحديد ضرورات اختيار العنوان فإنه يؤكد " ان عبارة العنوان توحي بالتطورات والمناقشات داخل الحقل الاكاديمي الامريكي الذي يحيط بتطور دراسات الأداء كحقل علمي بمنأى عن دراسات المسرح ولذا فإنني سأبدأ مناقشتي بتلك  المجادلات(...) فإن عنوان هذا الكتاب يعبر عن مفهومي للعلاقة بين الدراسات المسرحية والدراسات الأدائية على انها علاقة اتصال وليست علاقة انفصال "(3)
ويبدو ان المؤلف أراد تدعيم الفكرة التي طرحها حول أهمية العنوان فراح يؤسس مفهوماً عن اختلاف المسرح عن الأداء ، معتمدا في ذلك على تقسم المسرح إلى قسمين " الاول هو المسرح الجماعي الذي ينقل المشاهدين إلى حالة من الانسجام الوجداني بعضهم مع بعض من خلال احتفائهم بهويتهم المشتركة ككائنات بشرية(...) اما المفهوم الثاني فهو المسرح المقدس ويعتبر مسرحاً علاجياً صمم من اجل تحقيق التجدد الروحاني من اجل الكشف عن الاشياء المادية النفسية المكبوتة"(4).
ان المؤلف يدور في حلقة مفرغة من المعلومات التي عفا عنها الزمن وانتهى منها ، ذلك أن المؤلف يعمل على إعادة انتاج الاشكال المسرحية السابقة إبتداءً من ستانسلافسكي وانتهاءً ببيتر بروك، ولا جديد في تلك الطروحات سوى انها معلومات للذكرى ،  كما يفعل الامر ذاته مع بعض المفاهيم التي باتت ثابتة في الوعي المسرحي ، كما جاء في مفهومه عن التطهير الذي يعتقد به اكتشافا مابعد حداثيا حينما يقول " أن التطهير لم يكن التأثير الوحيد الذي يوقعه العرض على الجمهور، فالكاتب والمؤدون والجمهور على السواء يدركون التطهير كنتيجة لمشاعرهم في العمل الفني، ويكون هذا نتيجة لأن العقل الكلاسيكي لم يكن ليميز بين الكاتب والنص والاداء والجمهور كخواص للنقد المعاصر "(5) وعلى الرغم من بداهة المعلومة التي طرحت بخصوص التطهير إلا أن المؤلف يقع في مغالطة مفادها عدم امتلاك المتلقي الكلاسيكي  القدرة على التمييز بين (الممثل والمؤلف والجمهور) اعتقد أن هذه مغالطة كبيرة .
وفي الفصول الاخرى من الكتاب والتي حملت عنوانات فاعلة إلا أنها لم تكن تمتلك مضامين معبرة عنها ذلك ان تلك العنوانات كانت تشير إلى مسرح مابعد الحداثة ، إلا ان المضامين كانت تشير إلى دراسات مسرحية ، بمعنى ان الاشتغال النظري هو الذي كان حاضرا في هذا الكتاب على العكس من طروحات المؤلف في البداية حول اختلاف (المسرح عن العرض) ، فهو يعمل على توظيف دراسة سابقة بشكل او بآخر كما يفعل العديد من الكتاب العرب  ومنهم دراسات   (يوسف عبد المسيح ثروت) ، والتي يعد هذا الكتاب على شاكلتها ، بوصفه كتاباً تجميعياً لعدد من المقالات  على طريقة الاستعراض وليس على طريقة التحليل النقدي الذي يقدم قراءات جديدة ومغايرة لتلك الأفكار التي تشكل بمجملها المفاهيم المعاصرة المتمثلة في طروحات الحداثة ومابعد الحداثة.

7 عروض مسرحية تمثل مصر بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبى وتكريم مخرج صينى

مجلة الفنون المسرحية


7 عروض مسرحية تمثل مصر بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبى وتكريم مخرج صينى


تزخر الدورة الـ24 من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر التى ستنطلق يوم 19 سبتمبر بالكثير من العروض المسرحية التى تم اختيارها والعديد من الدول المشاركة، وقد كشفت إدارة المهرجان عن مشاركة متميزة لـ40 دولة أجنبية وعربية من بينها: أمريكا – روسيا – المانيا – السويد – أسبانيا – فرنسا – البرازيل – الهند – أوغندا – نيجريا – تونس- العراق – المغرب – والأردن والأمارات والبحرين .

كما تشهد هذه الدورة مشاركة متميزة للصين بعرض "حب التاسعة والنصف" لأهم مخرجى الصين المعاصرين "مونغ جينغ هوى" وتشارك أمريكا بعرض "وفاة بائع متجول" للكاتب آرثر ميللر لفرقة "مسرح ميتو"، والتى قدمت عروض على مسرح "بام "ببروكلين الذى يعد من أهم مسارح الولايات المتحدة الأمريكية والعالم .

كما تتميز هذه الدورة بمجموعة من الورش التدريبية التى يشارك فيها شباب المسرح المصرى ويقوم بالتدريب فيها خبراء مسرحيون من عدة دول منها ألمانيا – لبنان – فرنسا – نيجريا – سويسرا – الصين.

مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى يرأسه الدكتور سامح مهران، وتديره الدكتورة دينا أمين والمنسق العام للمهرجان هو المخرج الكبير ناصر عبد المنعم الذى كشف لليوم السابع عن تفاصيل جديدة تتمثل فى أسماء لجنة اختيار العروض المصرية المشاركة فى المهرجان، والتى ستختار 7 عروض مسرحية منها العرضين الفائزين فى المهرجان القومى للمسرح المصرى، و5 عروض أخرى تقدمت للمشاركة وقد تكونت اللجنة من الكاتب المسرحى الكبير محمد أبو العلا السلامونى، وعضوية كل من الفنانة سلوى محمد على والدكتورة سامية حبيب والكاتب المسرحى إبراهيم الحسينى والناقد ياسر علام.

وأشار المخرج الكبير ناصر عبد المنعم إلى أن إدارة المهرجان تدرس حاليا عددا من الأفكار الجديدة، وتتناقش فى أسماء المكرمين بالدورة المقبلة وكل ما يخص المهرجان من تنظيم وأنه متفائل جدا بهذه الدورة، ويتمنى من المسرحيين أن يساندوا المهرجان لأنه مهرجان مصر ومن أهم وأقدم وأعرق المهرجانات المسرحية.

-------------------------------------------------------
المصدر : جمال عبد الناصر - اليوم السابع

حوار مع رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي د. سامح مهران : مسرح ما بعد الحداثة أنتج ما يسمى بموت الناقد

مجلة الفنون المسرحية

حوار مع رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي د. سامح مهران : مسرح ما بعد الحداثة أنتج ما يسمى بموت الناقد

حاوره: أحمد الطراونة - الرأي

قال المخرج المسرحي والاكاديمي المصري د.سامح مهران: انه ورغم الاشتباك الآني الخجول مع الفعل المسرحي إلا ان ما بعد الحداثة انتج ما يسمى بموت الناقد، لأننا إذا اعتبرنا الممثل جسدا سيميائيا أو وسيطا، فأن ذلك يعني أن ما يقدمه مفتوح على مجموعة من المعاني، وبالتالي انتفاء دور الناقد.

ويضيف مدير مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي ان المسرح مستهدف، وان التمويل الخارجي انتج ما يسمى بالاستعمار الخطابي.

ويرى رئيس كلية الفنون السابق ان المسرح لايعاني المعظلات، كما يدّعي البعض، لأن هنالك من يصطنع هذه المشاكل، ويحاول أن يبرر فشله.

وأكد رئيس أكاديمية الفنون المسرحية السابق والذي يعد شخصية ثقافية اكاديمية متنورة ان الأكاديميات الرسمية ضد الخروج عن هذه الأكاديمية، وحتى تاريخيا وفي فرنسا كانت الأكاديميات ضد الأشكال التي تخرج عليها وتدرس بعيدا عنها، لاعتقادهم أن الخروج عنهم هو خروج عن المألوف.

وفيما يلي  الحوار:

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، مؤسسة ثقافية جذرية أسهمت ولا تزال في خلق الوعي وتجذيره. هل هذه الصفات المهمة لهذا المهرجان كانت وراء اغتياله للحظة من الزمن؟ أم أنه كان محط صراع بين من يحملون مشعل التنوير وسواهم ؟
ـــ في العصور الماضية كان المسرح مستهدفاً لأنه تميّز من جهتين: حضور الممثل كوسيط سيمولوجي أو كجسد سيمولوجي، وحضوره بجسده الفعلي. ولعل حضوره بجسده الفعلي قد يثير بعض الغرائز لدى المتلقين، إذ هو محط أنظارهم، ومن هنا هاجمه رجال الدين، وأعني هنا المسرح بشكل عام وليس التجريبي فقط، خاصة وأن التجريبي يثير هذه القضية أضعافا مضاعفة عن المسرح العادي، لأنه يستنبط القيمة من فعل التجربة ذاتها، ولا قيمة سابقة على فعل التجربة، إضافة إلى أن المسرح التجريبي يقول إن الهويات ليست فعلا متجذرا في تراث، ولكن متجذر في الـ(هنا والآن)، وهذه خطورة المسرح بشكل عام أيضا، إلا أن التجريبي يؤكد على القيمة التالية لفعل التجريب والتي تنطلق من الجسد المادي للممثل، لذلك هنالك اهتمام بالجسد المادي وليس هنالك اهتمام بالهوية المتجذرة بالتراث، أي أن المسرح التجريبي ليس حاملا لعالم سابق التجهيز. وعندما استعدنا مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي لم يكن هدفنا أن ندخل في صراع مع أي جهة لأننا في إدارة المهرجان الحالية نميل إلى سياسة التفاوض وليس إلى سياسة التصادم، ومن خلال سياسة التفاوض نستطيع أن نقف بالمهرجان من جديد ونعيد له الألق الذي اختفى خلال سنوات غيابه.
• هل هنالك تجريب حقيقي على صعيد المسرح العربي ؟ وهل استوعب المسرحي العربي فكرة التجريب وأعاد إنتاجها وقدم أعمالا مهمة في هذا السياق ؟
ــ هنالك تجارب مفصلة، فتجربة مسرحية «الطوق والأسوارة» سنة 1996 التي فازت بجائزة الإخراج للمهرجان التجريبي وكانت من إنتاج مسرح الطليعة، من خلال هذه المسرحية وضعنا كل الموروثات على محك التساؤل، وهنا أريد القول إن المسرح يعبر حقولا بربرية، وهو معني بتساؤلات تستدعي بالضرورة أدوات مغايرة للتعامل معها، والنص التجريبي مفتوح على احتمالات لأنك إذا ألغيت الجسد السيمولوجي حامل المعنى تفكك الثقافة بشكل عام، فتصبح أمام تفسيرات مغايرة تماما وفقا لثقافة المتفرج ومرحلته العمرية وانتماءاته الماقبلية والآنية وذلك بسبب التأويلات المربحة للعملية المسرحية.
• هل تقصد أن التجريب يعمل على اخضاع المقولات التراثية، ام انه فحص لكل ما هو قبل الان ؟
ــ منذ عصر النهضة كانت هنالك مقولة هي (هنا والآن) وقد أثرت على الفن بشكل عام، وهي تؤكد أنك معني بسياق، وأنه لابد من ربط المسرح بالسياق الحاوي، إلا أنه يمكن أن ينفتح المسرحي على ثقافات أخرى كما فعل بريخت مثلا ليغني الأداة المسرحية ذاتها.
• هل هنالك باحث حقيقي ينظر للحالة المسرحية العربية ؟
ــ أنا ضد هذا المنهج، لكنني مع التفاعل، وأنا ضد أن يكون هناك شكل مسرحي، فالأشكال لا توجد من فرد، إنما هي حصيلة تطور، كما هي الميلودراما والتي نشأت مع ظهور الطبقة البرجوازية في أوروبا، والتي انتهجت أسلوب المصالحة بين الطبقات، كما حدث في مسرحية فقراء نيويورك والتي تنتهي بالتصالح مع الشرير من أجل أن يتقدم المجتمع، والمصالحة هي شكل من أشكال التسامح، يعني أنه لا يوجد شكل جاهز وإنما الشكل هو حصيلة تطورات اجتماعية وثقافية وغيرها، وأنا ضد البحث عن شكل مسرحي عربي رغم أن لدينا أنماطا مختلفة من الأشكال المسرحية وغيرها والتي لم توضع في سياقاتها لكي تكشف سوءات المجتمع، وضمن إطار ساخر مثلا، وتدفعه للتطور، وما يميز المسرح في فترات سابقة وما بعد الحداثة هو تكنيك الخفاء أي أنه يتم اللجوء إلى بنية استعارية مصحوبة بمحاكاة ساخرة والتي تعمل شكلا من أشكال الإفاقة لهذا المتفرج فتعيده إلى التفكير فيما يرى.
• هل لايزال المسرحي العربي مبهورا بالنصوص الغربية ولايزال يعيد اجترارها بعيدا عن طرح قضاياه الملحة على خشبة المسرح ؟
ــ لا أميل كثيرا إلى ذلك لكنني أميل إلى فكرة أن الأشكال لا تأتي بقرار أو رغبة في التنظير وإنما بمحاورة ثقافية، فالمتابع للمسرح المصري في الستينات وفي سياق التفريق بين الكوميديا والتراجيديا يرى أن هنالك أحداثا ما قبل رفع الستارة، أو ما يسمى بالوضعية الأساسية، كقتل والد هاملت والذي يحدث قبل رفع الستارة، ثم الوضعية الاستهلالية، لذلك فإن حل الصراع من ناحية البنية في التراجيديا يتم بين التناقض بين الوضعيتين الأساسية والاستهلالية، ولعل المسرح المصري في الستينات كان يجد أن حل الصراع هو بتكرار الوضعيتين كما حدث في مسرحية «بلدي يا بلدي» لرشاد رشدي إذ تبدأ بظهور الفرنجة وتنتهي بعودة الفرنجة، وبذلك لا نستطيع القول إنه تماهى مع الغرب وإنما هنالك حساسية عالية بين الوعي واللاوعي، وهذا يقود إلى ما يسمى بالازدواجية الأيديولوجية أي أن المسرح المصري والعربي بالعموم تعامل مع التقنيات الخاصة بالعرض باعتبار أنها حلية وليست حوامل لأيديولوجيته، وهذه كانت قضية، إلا أن الأجيال الجديدة من المسرحيين الآن أصبحوا على درجة جيدة من الوعي فيما يخص هذه المؤثثات المرافقة للعرض.
• هل ترى أن هنالك استنساخا للمهرجانات العربية، أم أن هنالك عجزا لدى إدارات المهرجانات لخلق فضاءات جديدة ؟
– لعهد قريب كان المشتغلون بالمسرح هم خريجو المعاهد الفنية، أما الأجيال الجديدة فأغلبهم جاءوا من مراكز اجتماعية ومراكز حقوق الإنسان وليس لهم علاقة جذرية بالدراسات المسرحية المتعارف عليها، وبالتالي فإن بداياتهم كانت في فضاءات غير تقليدية والمهرجانات الآن تستوعبهم، وهذا جزء من الثقافة الرسمية التي بدأت باستيعاب الثقافة الخارجة عن الثقافة الرسمية في المهرجانات، وذلك كمحاولة لاحتوائهم للفضاءات الرسمية عبر المهرجانات وهذا هدف سياسي غير منظور، لأن هؤلاء جاءوا من فضاءات مجهولة وغير معروفة للمسرحيين الذين نعرفهم كما هي حركة المسرح المستقل في مصر، وكما هو في بعض الدول المختلفة ولديهم أفكار متطورة عن الحريات وعن الدولة المدنية وحقوق الإنسان وغيرها، لذلك أتصور أن أي حركة مسرحية مهما كانت، تقود إلى غنى وتطور الفكر المسرحي.
• حقوق الإنسان، تقود إلى ما يسمى بالتمويل الأجنبي تحت عناوين كبيرة كحقوق الإنسان مثلا. هل ترى أن هذا التمويل يأتي من فراغ ؟
– كنتُ طرحت قبل فترة فكرة «الاستعمار الخطابي»، وهذا جزء من الاستعمار الخطابي، فأنا كمسرحي عربي لست معنيا بقضية الشواذ جنسيا، لأن لدي من القضايا الكبيرة والمهمة وأهم كثيرا من هذه القضايا الصغيرة، وأن تملى علي معالجات بعينها هذا هو الاستعمار الخطابي، ولست ميالا للعديد من القضايا التي يتم معالجتها بطريقة مفرطة في التناول، كالعنف المبالغ فيه والجسدية المبالغ فيها، وأنا لست ضد تناول السائد في المجتمع ولست مع الاستكانة له، لكن إذا كان ولابد علي أن أتناوله بقدر محسوب بعيدا عن الحدية في الطرح حتى لا يفقد المسرح أتباعه .
• بين فكرة «الاستعمار الخطابي» و»مسرح النخبة» كيف سيكون المسرح جماهيري ؟
ــ المحاكاة الساخرة هي شكل سهل الوصول، وقادرة على تناول جميع ما هو جاد بشكل ساخر، والمحاكاة الساخرة تستدعي ممثلا وليس مؤديا والفرق كبير بين الاثنين، فالمؤدي يمتلك سيرة ذاتية تشتبك مع المواقف والأشياء المعلنة وتمزج الذاتي بالموضوعي فيدخل كذات وليس كحامل للمعاني أو حامل سيميولوجي، وهذا يبين أنه يتماس مع الموضع من خلال ذاته هو، فيحمل قاموسا من النكات الشعبية والأمثال الساخرة والرقصات الشعبية الخاصة بالبيئة التي يمثلها والأفكار والآراء، وهذا يأتي بارتجال من خلال الدخول والخروج الذكي والربط ليوصل الفكرة للذين هم أقل ثقافة، إضافة إلى الصورة التي توصل الفكرة بأقل جهد لأن الصورة قادرة على إيصال ما تريده أفضل من الخطاب.
• هل تأثر المسرح بالإعلام وفكرة الصورة التي تحدثت عنها ؟
ــ طبعا، كان «قرامشي» يعمل على ثقافة الأميين، وعندما تربط كلام «قرامشي» بما قاله «دينس ددرو» والذي قال إنه لابد من وضع الحقيقة في حيز التحقق المرئي، لذلك فقد تعارض الملفوظات الإشارة أو الحركة أو الإيماءة، والصور تعبر عن علاقات اجتماعية أيضا كما قال «جي ديبور»، لذلك فهي توصل أسرع بكثير من كل المقولات، وهذه تضع المتفرج البسيط أمام تساؤلات ولا تعطيه إجابات وتدفعه للبحث عنها أيضا وأن يكون جزءًا من هذه الإجابات من خلال تطوير وعيه وأن يصل إلى قناعة ما تجاه ما هو مطروح.
• إعادة كتابة التاريخ من خلال المسرح، أو إعادة طرح ما سلف بصورة أكثر وعيا ونضجا، هل يسمح السياسي للمثقف أن يمسك الخطاب في الشارع من خلال المسرح، أم أن هنالك صراعا حقيقيا بين المسرح كمثقف جذري معنوي وبين المؤسسة الرسمية أو السياسي الذي يعي فكرة إلى أين يذهب المثقف بالشارع ؟
ــ المسرح هو حلبة صراع على مستوى الجسدية وعلى مستوى الخطاب وعلى مستوى المعنى، وفي العالم كله السياسي يتبع المسرح إلا في العالم العربي، فلو استسلم المثقف للسياسي لضاع المسرح، لكن المسرح يعمل فلترة للفعل السياسي، فالمسرح منذ بداياته وعلى زمن آرسطو وأوديب كان يكرس للمدينة والبنية البطريركية باعتبارها فكرة سابقة آنذاك، لذلك فقأ أوديب عينيه لأنه لم ير واقع المدينة الجديد، وعندما نحلل أوديب نرى أن قتل الأب عودة للمجتمعات الأمومية والزواج من الأم عودة للمجمعات الأمومية، فحل المسألة بنموذج سفنكس، فمن أين أتى بهذا النموذج، من خلال العمق الانثربولوجي للمجتمع، حيث يمثل سفنكس الآلهة مزدوجة الجنس التي ترعى الانتقال من المجتمعات الأمومية إلى المجتمعات الذكورية، ونموذج للاستعمار الثقافي الدياني المصري، وبالتالي الخلاص منه هو خطوة للأمام مقابل خطوتين إلى الخلف وبالتالي يمكن القول إن اوديب هو من سلفيّ ذلك الزمان، وهذا ما قصدته بالسياق الحاوي فيما سبق، ويؤكد على أن المسرح هو لعبة انحياز، وكان هنالك صراع زمني عند سفوكليس في لحظة نادرة جدا في المسرح العالمي، صراع بين الزمن الدائري (زمن القبيلة والعشيرة والاسطورة) ومع الزمن الغائي أو زمن المدينة، وكلما عدت إلى الوراء كلما تقدم زمن المدينة إلى الأمام فهذا صراع لرؤيتين للزمن الدائري والغائي.
• ضاع المسرح في سياقات الصراع بين السياسي والمثقف، المسرح العربي هل لديه فعل مسرحي حقيقي يطهّر الذهنية العربية من الزمن الدائري واخذها للزمن الغائي ؟
ــ الرؤية غائمة، فأنت إما أن تكون متماهيا تماما مع الغرب أو ترتد إلى الجذور، وهذه رؤى حدية، لذلك لابد من انتهاج أسلوب التفاعل وهو يعني الإضافة، لأن هنالك قرارات صعبة في لحظة تاريخية معينة يجب على الناس أن يتفاعلوا معها ليتابعوا صيرورة التطور وأن يتنازلوا عن جزء من تراثهم ليكون في نفس اللحظة قادرا على الإضافة إلى التراث العالمي وإلا سيكون خارج السياقات.
• شخصية «حبّاك» التي خلقتها لمقاومة الفساد، هل لاتزال موجودة رغم ما أهرق من دم على أسوار المدينة العربية ؟ وهل لايزال يمتلك قدرا من المقاومة للسائد الطاغي ؟
ــ حبّاك موجود في كل لحظة وفي كل مكان، وهو يعبر عن الشخصية المصرية التي تملك خفة الدم والتي تعمل مقالب في السلطة، وهذا أحد أسئلة الشعب المصري، ولذلك نحن في المسرح نمد الخطوط على استقامتها، وقد حققنا نجاحا كبيرا بهذه المسرحية، ومع الضغوط الاقتصادية يقاوم المصري ذلك بالسخرية، لذلك فحبّاك موجود وسيبقى.
• المسرح يعاني بعض المعظلات، مخرج ونص وتمويل، بحكم خبرتك الإدارية والأكاديمية والإبداعية هل أنت مع ذلك ؟
ــ أنا ضد هذا الكلام، لكن هنالك من يصطنع هذه المشاكل، ويحاول أن يبرر فشله، النص موجود والإخراج موجود والممثل موجود لكن للأسف قنوات التواصل هي الضائعة والتي تفقد التواصل بين هذا الفعل المسرحي وجمهوره، وقد شاهدنا عرض «الشقف» التونسي – مسرحية تونسية عرضت في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الدولي- وهو عرض أكثر من رائع لأنه يمس العصب العاري، ولا ينفصل عن مجتمعه، ويلتحق بمجتمع آخر ليعرض هذا الصراع بين ثقافتين وبمنتهى البساطة، وهذا بتكلفة بسيطة، ونحن مصرّون على صيغ قديمة لابد من التحرر منها وإعطاء فرص جديدة لكل الشباب، لذلك لابد من الابتعاد عن الفكرة التاريخية والتواري خلفها لاسقاطها على الواقع، فالواقع مليء بما فيه وهو ليس بحاجة لاسقاطات.
• إذا كيف ترى من يذهبون للبحث عن النص العالمي ليحقق حضورا عاليا ؟
ــ المسرح مثله مثل أي ساحة أخرى للصراع بين القديم والجديد، فالقديم لم ينسحب بشكل كامل والجديد لم يحقق الاكتمال بعد، إضافة لذلك فالمشهد النقدي غير موجود أيضا إلا من بعض الأصوات، إلى جانب طغيان النظريات التقليدية في تدريس المسرح نفسه وكأن التقليدية هي التي يجب أن تقاس عليها جميع النصوص، لذلك أنت بحاجة لحساسية أخرى وثقافة أخرى، ومن هنا ألغيت الحبكة من العديد من النصوص والأعمال، لأن الحبكة تعني أن ثمة حتمية تاريخية، ولأن فكرة الحتميات التاريخية قد انتهت فإن الحبكة قد انتهت.
• المشهد النقدي في الوطن العربي غير قادر على متابعة المشهد المسرحي العربي سواء على مستوى التنظير أو على مستوى التطبيق، أنت ماذا ترى ؟
ــ أنا معجب جدا بمركز دراسات الفرجة في المغرب، سواء على مستوى التنظير والبحث والتطبيق وغيره، وتقدم الباحثون المغاربة في المراكز الثلاثة الأولى لمسابقة البحث العلمي التي أجرتها الهيئة العربية للمسرح وقد كنت حينها رئيسا للجنة التحكيم، لكن كل مركز من هذه المراكز الشبيهة يخدم منطقته فقط وهذه مشكلة حينما يختصر نشاطه النقدي فقط في النشاط المسرحي الخاص بمنطقته.
• هل ثمة ما يبرر الظهور على استحياء للأكاديمي العربي في المشهد النقدي المسرحي ؟
ــ الأكاديميات الرسمية هي ضد الخروج عن هذه الأكاديمية، وحتى تاريخيا وفي فرنسا كانت الأكاديميات ضد الأشكال التي تخرج عليها وتدرس بعيدا عنها، لاعتقادهم أن الخروج عنهم هو خروج عن المألوف.
إلا أن الهيئة العربية للمسرح قد انتجت العديد من البحوث النقدية وأسهمت في إيجاد العديد من الكتب النقدية، التي تربط التنظير بالتطبيق، إضافة إلى خزانات المسرح العربي كخزانة المسرح الأردني.
• لكن هل هنالك حركة نقد آنية تشتبك مع الفعل المسرحي على الخشبة ؟
– دعني أقول إن ما بعد الحداثة قد أوجدت ما يسمى بموت الناقد، لأننا إذا اعتبرنا الممثل جسدا سيميائيا أو وسيطا، فإن ذلك يعني أن ما يقدمه مفتوح على مجموعة من المعاني، وبالتالي انتفاء دور الناقد، لم يعد هذا الناقد وسيطا أو موجها لي، فانفتاح النص على تعددية معانيه أوقف مهمة الناقد كسلطة فكرية أو ذهنية على النص أو المخرج، لذلك هذا ما عنيته بموت الناقد.

“مشعلو الحرائق” في عرض مسرحي: “الإرهاب الذي أشعل الحرائق في العالم العربي لن يتوقف هناك”

مجلة الفنون المسرحية

“مشعلو الحرائق” في عرض مسرحي: “الإرهاب الذي أشعل الحرائق في العالم العربي لن يتوقف هناك”


مشعلو الحرائق هو أسم مسرحية عالمية كتبت بالأصل باللغة الألمانية تأليف الكاتب السويسري ماكس فريش في عام 1953 وترجمت الى لغات عديدة وتحولت الى عمل درامي إذاعي ومثلت على مسارح عالمية عديدة ولكنها لم تظهر بنسختها السويدية الا من خلال المخرج العراقي كريم رشيد وهذا ما أثار حماس الجمهور السويدي ليشاهدوا ما الذي يمكن ان يقدمه لهم مخرج اجنبي من خلال تقديمه لمسرحية عالمية كان السبّاق بنقلها الى السويد ، حيث بدأ العرض المسرحي الأول بتاريخ 31/5/2017 في مسرح الأستوديو التابع للمسرح البلدي في مالمو.

عندما كنت في طريقي الى المسرح لحضور عرض الساعة السابعة مساءآ كنت أبني توقعاتي عن عدد حضور الأشخاص السويدين بالنسبة للعرب بين جمهور العرض ، وكنت على قناعة بأن العرب سيكونون الأغلبية حيث سنقف مفتخرين بإنجازهذا المخرج العراقي وعرضه المسرحي الذي تدور فكرته حول الأجانب او الغرباء أومشعلي الحرائق ، تلك التهمة التي طالما ألصقت بنا لسبب أو لآخر ، تهمة إشعال تلك الحرائق المغرضة بغض النظر اذا كانت حرائق فيزيائية حدثت بالفعل او معنوية وفكرية، ولكن بمجرد وصولي الى المسرح اكتشفت للأسف اني الحاضرة العربية الوحيدة بين حشد  الجمهور في ذلك اليوم.

بدأ العرض بمجرد مرورنا عتبة الدخول المسرح حيث أستقبلتنا ممثلتان وقفتا عند الباب، أخافتني إحداهما عندما سألتني بصوت منخفض ومثير للريبة عما إذا كان لدي ولاعة أو علبة كبريت أم لا؟  وأوقدت في داخلي سؤالا عما يعنيه ذلك وصلته في العرض، وموقفنا من الحرائق التي يتصاعد لهيبها في أماكن كثيرة ولأسباب مختلفة هنا وهناك.

أحداث المسرحية

تدور احداث المسرحية حول التناقض بشكل عام بين الأستجابة أو الرفض لما نتعرض له من ضغوط مشعلي الحرائق بمختلف تنوعهم وانتماءاتهم، وذلك من خلال حكاية مشوّقة عن شخصية صاحب مصنع غير متسامح في الحياة العملية ولكنه يعيش في المنزل بشكل لائق وودود، لكنه يمكن أيضا أن يكون تجسيدا لشخصيات أستبدادية وجشعة كثيرة في التاريخ مثل أولئك الذين تقودهم أنانيتهم الى إشعال الحرائق على أنواعها، ثم يعودون الى بيوتهم ليتصرفوا بشكل مصطنع ومؤدب يوحي بشعور الاستقامة البرجوازية.

حيث تتورط هذه الشخصية بأستضافة أثنين مشعلي الحرائق والسماح لهم المبيت في غرفة في سطح المنزل، بعد أن استمع الى تزلفهم وتوددهم المصطنع وأقتنع بأنهم مثله يودون التخلص من كل أولئك الذين يناصبهم الخلاف، فأقنعوه بأن يستقروا على سطح منزله لينتهي الأمر بقيامهم بأضرام النار في منزله أيضا بعد ان أشعلوا حرائق أخرى في كل ضواحي المدينة.  المسرحية بالطبع تعرض كوميديا سوداء ليست واقعية ولكنها تصف ضعف المبادئ بشكل عام اتجاه الشر الذي يحدث في العالم، وورطة وسذاجة أولئك الذين يتسترون أو يدعمون مشعلي الحرائق لظنهم أنهم بذلك يتجنبون شرهم.

ذلك التفكير الأناني الفردي يرتد في الآخر على صاحبه ويجلب له الخراب الذي حاول تجنبه. كان فريق التمثيل يتشكل من سبعة ممثلات سويديات جسدن شخصيات العرض بطريقة توحي بما تضمره رسالة العرض المسرحي حيث تنتمي الشخصيات لما تمثلها من المواقف الأجتماعية والطبقية والسياسية أكثر من إنتمائها لصفتها الجنسية كأمرأة أو رجل، وهذا ما جعل فكرة تغيير الشخصيات جميعا الى نساء تبدو متوافقة مع محتوى العرض.

كريم رشيد: الإرهاب يوقد حرائق الكراهية والتزمت

وحول سبب اختيار هذا المسرحية يقول المخرج كريم رشيد: ” تنشب الحرائق لأسباب كثيرة بعضها تافه للغاية لكنها قد تتسبب بتدمير مجتمعات بكاملها، خصوصا تلك التي تنشب بسبب التطرف السياسي والديني، وهذا ما نشهده حاليا في أجزاء مختلفة من العالم، حيث يوقد الإرهاب حرائق الكراهية والتزمت”.

يضيف: ” يظن البعض انه في مأمن من تلك الحرائق طالما أنها بعيدة عنه دون ان يدرك أن الحرائق عندما تنشر لن توقفها حدود، فيما يظن البعض الآخر أن دعمه لمشعلي الحرائق قد يجنبه خطرهم لكن ذلك محض وهم وغباء. وهناك أيضا الحرائق التي تندلع لأسباب مثل الجشع كحرائق السيارات وحرائق أخرى لغرض طرد المهاجرين حيث يحرق المتطرفون أماكن أقامة اللاجئين ، كما أن هناك حرائق الفكر التي هي أشد خطرا ،  لهذا أخترت هذه المسرحية لتكون صافرة إنذار تذكرنا بأن الأرهاب الذي أشعل الحرائق في العالم العربي  لن يتوقف هناك وأنه سينشر حرائقه في كل مكان يصل أليه ، وهذا ما نشهده حاليا في أوربا ويشكل تحديا كبيرا للسياسة الأوربية كما أنه جعل المهاجرين العرب أمام إشكالية جديدة لم يكن طرفا فيها ، إذ أنه غالبا ما يتحمل ردود الأفعال الناتجة عن العصابات الأرهابية التي  تقوم على التطرف الديني والفكري” .

------------------------------------------
المصدر : زينب وتوت - الكومبس 

الأحد، 30 يوليو 2017

هنريك إيبسن في صيغة أسترالية وموليير ألماني

مجلة الفنون المسرحية

هنريك إيبسن في صيغة أسترالية وموليير ألماني

أتى عملٌ آخر مهم للمخرج الأوسترالي الشاب سَيمون سْتُون يطرح مسألة الأسرة والإرث بطريقة حادّة. ونصّ المسرحية عبارة عن ملخَّص لمسرحيّات هنريك إيبسن، الكاتب النروجي الذي عاش في القرن التاسع عشر. وهو يستخرج من بعضها شخصيات يحمّلها سيناريوات جديدة تتبلور من خلال العمل مع الممثلين، والممثلون هنا فرقة تونيلغروب أمستردام، وهي من أفضل الفرق الأوروبية. ومن المعلوم أنّ إيبسن قد أولى أهميّة قصوى في مسرحيّاته للمآسي العائلية وللأسرار المكتومة التي تمنع الفرد من التحكّم بمصيره. وقد أتى السرد كأنّه المقابل العصري الغربي للعنة عائلة الأتريد اليونانية التي تنتقل من جيل إلى جيل. والشخصية الرئيسية في المسرحية هي المكان، هو بيت حقيقي موضوع على الخشبة ركائزه من خشب وحيطانه من زجاج، بيتٌ شفّافٌ ترى فيه كل شيء، يشعّ كمصباح في الظلام. والبيت موضوع على محور يدور عليه طوال العرض، يسمح بذلك من رؤية غرف مختلفة فيه كما يسمح بخاصة بتنويع وجهات نظر السرد. والاستعارة واضحة فالمسرحية – التي عنوانها تحديداً «بيت إيبسن» - ليست إلا للبوح عن أحداث مرعبة مكتومة جرت في هذا المكان سمّمت مصائر أهله. هذا البيت الذي نال جائزة لهندسته المرهفة قد بناه كِييس في اوائل الستينات كي يكون مكاناً للعطلة والترفيه لعائلته. وكييس شخصيّة لامعة ومعقدّة معاً، مهندسٌ معماري بارع وغولٌ كتوم نسج علاقة جنسية حميمة مع ابنته المراهقة ومارس الزنا مع طفلات أخرى من العائلة. وارتكابه زنا المحارم هذا يأتي باللعنة على العائلة التي تتخبط جيلاً بعد جيل في ويلات لا نهاية لها. والمسرحية ليست إلا مواجهة بين الشخصيات يبوحون فيها بأسرارهم الشنيعة التي طال كتمانها، يمزّقون بعضهم بعضاً ويتمزقون بلا هوادة، في سرد لاهث لا يخضع لخطّ زمني مستقيم بل ينتقل بين التواريخ. أما الأداء، فهو مثالٌ للدقّة والحذق والتناسق بين الممثلين والقدرة على التعبير عن أقسى المشاعر بأوجز الوسائل. هنا لا صراخ حادّ، لا مبالغة، بل كلمات وإشارات تخرق في الصميم. والمسرحية التي تنقسم إلى ثلاثة مشاهد تنتقل، على عكس دانتي، من الجنّة إلى المطهر فإلى الجحيم وتنتهي مع ألسنة النيران تلتهم البيت فلا خلاص... «وقد يأتي لاحقاً من لا يعلم قصة البيت فيعجبه المكان والشاطئ والمنظر الخلّاب ويبدأ قصة جديدة...».

الفن والسلطة
الفنّان المسرحي والسلطة في أناشيد تمجّد المسرح وصنّاعه: موليير والباريسيون وبرز في هذه الدورة عملان مسرحيَّان مهمّان يتناولان صلة الفنان بالسلطة، أوّلهما عمل المخرج الألماني فرانك كاستورف، وهو أحد أهم المخرجين الألمان جعل من الفولكْسْبون (أي المسرح الشعبي) البرليني الذي كان مديراً له منذ خمسة وعشرين عاماً مسرحاً أساسياً في أوروبا. هذا العمل الذي ينقل إلى المسرح سيرة موليير كما قدّمها الأديب الروسي بولغاكوف في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، في كتابَين له عن الفنان المسرحي الفرنسي، هذا العمل يعير اهتماماً خاصاً بعلاقة موليير المعقدة بالملك لويس الرابع عشر الذي حماه من جهة ضدّ المتديّنين والنبلاء، كما أنّه، من جهة أخرى، منع بعض عروضه لمجاراة القوى الاجتماعية الرافضة لها. والمسرحية التي تسخر من حمق السلطة السياسية ومن هشاشة الفنّانين وقابليّتهم للعطب نشيدٌ يدافع عن مسرح لا يخضع لقيود المموّلين والسلطة السياسية، وهي تجمع في خطٍّ واحد موليير وبولغاكوف الذي يدين إلى ستالين وحده المرات النادرة التي استطاع فيها أن يقدّم مسرحياته على الخشبة، وكاستورف الذي نَحَّتْهُ مؤخَّراً سلطات برلين الإدارية عن إدارة الفولكسبون، ممّا أثار احتجاجاً واسعاً في ألمانيا. وقد ربط كاستورف في تقديمه عمله بين تنحية سلطات برلين الإدارية له وعمله هذا.
وبالطبع أهمية «رواية موليير» هذه تكمن في فنّ كاستورف، بل لنَقُل في عبقريّته المسرحية التي تتجلّى هنا في عملٍ كل مواصفاته عملاقة: عمل من ست ساعات تقريباً تحت قبّة شاهقة في ساحة قصر العروض الشاسعة حيث تبدو عناصر السينوغرافيا، قياساً، صغيرة - ومنها مسرح خشبي قديم ينتقل على عجلاتٍ وغرفة الملك لويس الرابع عشر التي تكثر فيها الرموز المشيرة إلى الممّولين،- ساحة شاسعة حيث يعدو الممثلون فيبدو كفاحهم في سبيل مسرح حرٍّ، عدواً نحو هدف صعب المنال. وكاستورف الذي يُدخل في نصّ بولغاكوف نصوصاً أخرى مستقاة من مسرحيات راسين وكورنيل وموليير ونصاً لفاسبندر، قاطعاً بذلك حبل السرد، يطلب من ممثليه التزاماً جسديّاً كلّياً ويعتمد على الفيديو الذي يلتقط وجوههم تتلوّى وتكشّر وتبتسم في مبالغات تعبيرية بعيدة عن الحسن الذي يقود الجمالية السينمائية. ولهذا العالَم العملاق فنّانوه العمالقة الذين يفرضون الإعجاب وأولهم الممثلّة الفرنسيّة جان بَالِيبار التي تلعب دور مادلين بيجار، رفيقة موليير، وتبدو جوهرة تتألّق في أناقة أداء لا تني على رغم الأهواء العاصفة، والفنّان الفرنسي جان-داميان باربين الذي يتألق في أصالته مهما كانت المبالغة، كما يتألق في دقّة أدائهما الفنّانان الألمانيان ألكسندر شيير في دور موليير، وجورج فريدريك في دور لويس الرابع عشر.
أما العمل الثاني الذي هو نشيد نابض بالحياة يشيد بالمسرح، فهو عمل الفنّان أوليفي بي الذي نقل فيه إلى الخشبة روايته «الباريسيون» المنشورة عام ٢٠١٦. والمسرحية التي تدوم أربع ساعات تقريباً تروي مسيرة شاب طَموح يقدم إلى باريس من مدينة صغيرة بعيدة ويتعهّد أمام نفسه «فتح» العاصمة، على غرار راستينياك، بطل بلزاك في «الكوميديا الإنسانية»، حين يأتي إليها من دون أن يعرف أحداً فيها. هذا الشاب الذي يشبه بالطبع كثيراً أوليفي بي نفسه، يسلك مسيرة حافلة يواكب فيها وجوهاً من الدعارة مؤثِّرة في إنسانيتها العميقة، تبدو أكثر اهتماماً بالسياسة من السلطات الإدارية أو السياسية نفسها. وترى المسرحيّة أنّ كُنه الباريسيين هو خضوعهم للموضة، جواباً عن غياب الله وانهيار المثل السياسية العليا. ويتطرّق أوليفي بي في المسرحية إلى مواضيع هي في صلب عمله السابق، أورلندو، بل في صلب عمله بعامة، ومنها الحب المثلي وانفصام المرء في رغباته بين زهد ورغبة في ملذّات العالم، والعلاقة بالله والسخرية من السلطة السياسية – ومن وزير ثقافة قد تكون الثقافة آخر همّه. وقد لا يكون الجانب الأكثر جرأة في مسرحيّته تعرّي الممثلين ولا الكلام عن المثلية والجنس ولا سخريته من السلطة السياسية، بل قد يكون إدراجه في السيناريو بحث الشخصيّات الحثيث عن الله في مشاهد يتحاور فيها أكثر من واحد من الشخصيّات بشغف ولوعة مع راهب دومينيكي، وهو بحث تُسمع فيه أصداء صوت بول كلودل وغنائيته في «حذاء الساتين» وغيرها من المسرحيّات. فمَن من المخرجين الغربيين المعاصرين يمكنه الآن إدراج تساؤلات من هذا القبيل في أعماله المسرحية؟
أمّا ديكور «الباريسيين» وأضواؤه فهو رائع الأناقة وهو من صنع بيار-أندري ڤايتز وقد حقّق هذا الفنّان كل ديكورات الأوبرا التى أخرجها أوليفي بي – فبي من كبار مخرجي الأوبرا الأوروبيين، إلى جانب عمله المسرحي. والديكور أرضٌ من مربعّات بيضاء وسوداء تمتدّ شبكتها على مدّ النظر - توحي المرايا بلا نهايتها – تنتصب عليها مباني الحجر الباريسية الهوسمانية المعروفة بأناقتها، ويرقص عليها أوريليان كما تتسارع عليها الأحداث، لاهثة الوتيرة، متلوّنة النبرة، طوال ساعات أربع تقريباً.

رئة المسرح وفن الضيافة
وثمة عمل ثالث هو نشيد بالغ الشاعرية يشيد بالمسرح وصانعيه وهو عمل للمسرحي البرتغالي تياغو رودريغيز، يدفع فيه إلى الخشبة مَن بقي طيلة حياته المهنية في حفرة تحت الخشبة. فقد أقنع المخرج البرتغالي الذي تسلّم عام ٢٠١٤ إدارة المسرح الوطني في ليسبونا، إحدى آخر ملقّنات الكلام في المسرح، كريستينا فيدال، أن تخرج من حفرتها وتروي حكاياتها على المسرح. وملقّن الكلام، كما نعلم، يهمس من حفرته الكلمة للممثّل الذي نسي نصّه خلال العرض. ومهنة ملقّن الكلام هذه تختفي تدريجيّاً من المسارح الأوروبية، وقد استبدلت الآلات التكنولوجية البشر في التلقين ودعم الذاكرات المتهافتة. والعرض ليس عرضاً وثائقياً بل هو تأمّل حول الذاكرة والنسيان وذاكرة الأمكنة وأنفاس المسرح ورئته الحيّة. ولم يتسنَّ لنا مشاهدة هذا العرض الذي أجمع الناس على ثنائه، ولنا إليه عودة عند مروره في باريس.
وأتى عملان مسرحيان في القسم الثاني من المهرجان حملتهما دورة خِرِّيجي المعهد الوطني العالي للفنون المسرحية ليؤكدا اهتمام الفنّانين المحترفين بنقل المعارف والصنعة المسرحية إلى الشبيبة. أوّلهما عمل المخرج فرنسوا سرفانتيس وعنوانه: «كلار، أنطون، وغيرهم»، دفع فيه الفنانين الشباب، انطلاقاً من عمل دقيق على الذاكرة الجسدية وحدها، إلى استدعاء مَن طبع حياتهم من البشر من أهل القُربى أو من ذوي القرابة الروحية. فتجلّت على الخشبة جمهرة من الأشباح النابضة بالحياة وردت من كل أقطار العالم ومن قرون خالية بعضها يعود إلى القرن السادس عشر، كلٌّ يحمل حكاياته ومأساته، وبدا عمل سرفانتيس، الذي يرى أنّ فنّ الممثّل هو فنّ «حسن الضيافة»، عملاً شخصياً ذا براعة وحسّاسيّة مرهفة، فريداً في نظرة هذه الشبيبة المتفائلة إلى المستقبل، وهي نظرة تكاد تختفي من المسارح الغربية المعاصرة. أما العمل الآخر، فهو عمل الفنان كْلمَان ِإرْفيو-لِيجِي الذي أخرج عملين لموليير هما ردٌّ على الانتقادات الحادّة التي أثارتها مسرحيّته «مدرسة النساء»، يلعب فيهما موليير وفرقته أدوارهم الحقيقية فيقدّم أحدهما فرقة تعدّ نفسها لتمثيل مسرحية والآخر مشاهدين يخرجون خائبين من مسرحية «مدرسة النساء». إلا أنّ عمل إرْڤيو-لِيجِي لم يكن مقنعاً لصعوبة تصوير المسرح في المسرح، ولأنّه يفترض من المشاهدين معرفة حقّة بمسرحيّة «مدرسة النساء» وبالسياق الاجتماعي في عام ١٦٦٣.

امرأة تنهض وتنطق في الظلمة
فهذه هي بعض الخيوط وبعض المسرحيّات التي استوقفتنا في المهرجان. ولنا حديث آخر عن الطفولة وعن العروض التي عمادها الصورة لا الكلام. يبقى إنّ المهرجان – الذي يجمع «أقلية» هائلة من ١٢٠٠٠٠ مشاهد تصل إلى ١٥٠٠٠٠ مشاهد، إن حُسب جمهور العروض المجانية، ليس قائمة مشاهد إنما هو فرحة واحتفال قد تكون وجوهه الأساسية في هذه الدورة النساء. منهن المذهلات في أعمال باهرة منذ العمل الأول كالمخرجة كارولين جويلا نغوين في مسرحِيّتها «سايغون» ولنا إليها عودة في الأشهر المقبلة عند عرضها في باريس. وقد يلخّص روح المهرجان وشاعريّته عمل كريستيان توبيرا، وزيرة العدل في العهد السابق، بالتعاون مع المخرجة آن-لور لْيَاجْوَا، اللتين وضعتا وأحيتا مسلسلاً مسرحيًّا مجانيّاً سمَّيتاه «سوف ننال كلَّ ما يُنال» دار في حديقة سيكانو كلّ يوم عند الساعة الثانية عشرة، وحشد كل يوم جمهوراً حافلاً من المستمعين. وهو عبارة عن قراءة نصوص شعرية وأدبية - مستقاة من أكثر من ٦٠٠ نصّ - تضع اللغة والأدب في صلب المسار السياسي. فالمعارك السياسية الكبرى تعتمد على الكلمة وبلا كلمة لا نضال من أجل الحريّة والكرامة، كما يقول أوليفي بي. وقد تكون الصورة العلم لهذه الكلمة ولهذا النضال في هذه الدورة صورة امرأة تنهض وتنطق في الظلمة داعية إلى التخلِّي عن تقسيم الإنسانية تقسيماً قاطعاً ونهائياً إلى أصدقاء وأعداء، إلى أهل الخير وأهل الشرّ.


----------------------------------------------
أفينيون  - جورجين أيوب  - الحياة تجريبي 

مسرحية "العذراء والرجل الخفى " تأليف : احمد إبراهيم الدسوقى

مجلة الفنون المسرحية
المؤلف احمد ابراهيم الدسوقي 

«شكسبير» في جامعة الملك عبدالعزيز

مجلة الفنون المسرحية

«شكسبير» في جامعة الملك عبدالعزيز


عرض نادي المسرح بعمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، مسرحية «في بلاط شكسبير» وسط حضور امتلأت به جنبات قاعة المسرح، يتقدمهم عدد من الأكاديميين ومجموعة من مسرحيي جدة.

المسرحية هي نتاج ثلاث دورات قدمها نادي المسرح في الجامعة في علوم المسرح (التأليف والإخراج والسنوغرافيا)، حيث كان الراوي يستلهم في العرض قضايا مهمة طرحها شكسبير قي مسرحياته الخالدة (من قتل عطيل لحبيبته ديدمونة وهاملت في الانتقام ممن سمم والده وقنبلة الشرّ)، التي تمحورت حول شخصية ياغو، وتمكن مخرج العرض ومعده الفنان خالد الحربي من جعل تلك المجاميع من الممثلين في حركة منسابة ومقننة وبشكل احترافي مسرحي وإبهار بصري ومؤثرات صوتية صاحبت العرض صفق لها الحضور. وفي نهاية العرض قدم عبدالله باحطاب شهادات لأبطال العمل، وتحدث الفنان خالد الحربي لـ»المدينة» حول النص وفكرته، فقال: أنا سعيد جدًا بهذا الحضور وهذا التفاعل وبأداء الممثلين، أما المسرحية فهي إعداد لثلاث مسرحيات لشكسبير هي هاملت وعطيل وماكبث وتم ربطها من خلال فكرة الشرف والخيانة ومحاولة إسقاطها على الواقع.

---------------------------------------
وكالة أنباء الشعر 

السبت، 29 يوليو 2017

العرض الأردني "عطيل يعود" الاشتباك القاتل بين الخيال والواقع

سأموت في المنفى لغنام غنام أول مونودراما المزدوجة تعتمد على موهبة الممثل

مجلة الفنون المسرحية

سأموت في المنفى  لغنام غنام أول مونودراما المزدوجة تعتمد على موهبة الممثل

 هايل المذابي : 


المونودراما هي لفظة لاتينية مركبة من شقين الأول مونو و الآخر دراما و مونو تعني شخص واحد و الدراما تعني المسرحية و المحصلة من الشقين تعني ” المسرحية التي يؤديها شخص واحد ” أو بلغة العصر “ون مان شو”.. ظهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر محاولات لتطوير هذا الفن من خلال الاعتماد على موهبة الممثل و ليس بإقحام شخصية أخرى في المسرحية و ظلت هذه النظرية التي تعتمد على الممثل و موهبته حبيسة الكتب بمعنى أنها لم تُستوعب في الأعمال الفنية و يتم تجسيدها على الخشبة. عربيا قدمت أعمال كثيرة و سجلت بأسماء أصحابها لدى مؤسسات و هيئات عربية و دولية لكن أغلبها كان احتياليا على المصطلح و لم تعتمد على موهبة الممثل كما أسلفت. و كان بالإمكان الاستعانة بالعلوم الأخرى و موروثات الشعوب لإحداث إضافة حقيقية لهذا الفن لكن لم يتم استيعابها بهذه الطريقة و تم اللجوء أحيانا إضافة شخصيات أخرى أو تغيير في الديكور ليظهر ثنائية العرض. مثلا يقسم علم الشخصية الإنسان إلى ثلاث شخصيات: تلك التي هو عليها و الأخرى تلك التي لا يعرف عنها شيئا و الثالثة التي يظن أنها هو و هذا يناسب تقديم ثلاثية مونودرامية من خلال ممثل واحد و لكن بشرط تحقق موهبته. و هناك أيضا مصطلح القرين الذي يمكن تجسيده على الخشبة من خلال موهبة الممثل و إمكانياته.. و هناك في علم النفس نظرية العالم يونج التي تقول أن الإنسان ثنائي الجنسية و في كل رجل ذكر و أنثى و في كل أنثى مثله و هو ما سمي بالأنيما و الأنيموس الحس الذكوري و الحس الأنثوي و هذا كان أيضا يمكنه تقديم ثنائية مزدوجة تعتمد على موهبة الممثل نفسه الذي يجسد نفسه.. و لعل أهم الأعمال التي ظهرت مؤخرا عمل الفنان المسرحي الفلسطيني غنام غنام و يحمل عنوان “سأموت في المنفى” ليقدم أهم مونودراما مزدوجة بقدرة الممثل و إمكانياته فهو يتحدث بلسان ما كان يفترض به أن يكونه و لسان ما انبثق من تلك الشخصية و سماها شخصية “البدل فاقد” لكنه قدم الشخصيتين بانسيابية لم يكن فيها تكلف و جاءت بالطبيعة كلياً و استطاع غنام بذلك أن يحقق المعادلة في المونودراما المزدوجة التي تعتمد على الممثل و إمكانياته و موهبته.
غنام غنام في رائعته "سأموت في المنفى" حقق معادلة المونودراما المزدوجة معتمدا في ذلك على موهبته أولاً في الأداء الحركي و الأداء اللغوي فظل من خلال اللغة و قواعدها يتنقل بين شخصية افترضها و شخصية أخرى أسماها كما أسلفت "بدل فاقد" و كل هذا جاء طوعاً ليخدم القضية التي يتحدث عنها العرض المونودرامي و هي "القضية الفلسطينية"، و بنفس الكيفية التي كان غنام فيها هو المؤلف للنص و المؤدي للعرض و المخرج، إنه يستخدم كل ما تعلمه طيلة حياته ليخلق عرضا مسرحيا يشبه أن يكون خلاصة التجربة أو هكذا جاء ضمنياً.

الجمعة، 28 يوليو 2017

كسر القواعد المسرحية فـي مسرح عصام محفوظ

مجلة الفنون المسرحية


كسر القواعد المسرحية فـي مسرح عصام محفوظ

فاتن حسين ناجي - المدى 

ولد الشاعر والكاتب المسرحي والناقد اللبناني عصام محفوظ عام 1939 جنوبي لبنان.. كتب الشعر في بداية حياته الادبية ثم مالبث أن هجر الشعر ليتحول الى المسرح  حيث دفعته هزيمة حزيران الى هجران الشعر والتحول الى المسرح، بعد أن ملأ حقائبه بأجمل دواوين الشعر ((أشياء ميتة))، ثم ((أعشاب الصيف)) (1961)، و((السيف وبرج العذراء)) (1963)، و((الموت الأول)) (1973).
بعدها اتجه الى المسرح والتأليف المسرحي بصورة خاصة، وعمل أستاذاً لمادة التأليف المسرحي في الجامعة اللبنانية، حينها عدّ رائداً  للمسرح اللبناني الحديث على مستوى التأليف في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان من اوائل الذين طالبوا بخروج المسرح واللغة المسرحية عن اللغة الشعرية وعن أي قيود درامية أو شكلية يمكنها أن تجعل المسرح يدور ضمن حلقة مفروضة عليه. طالب أن تتحرر اللغة أن تكون عامية محكية لذا قدم اغلب مسرحياته باللغة 
اللبنانية .
قدم محفوظ الكثير من المسرحيات كانت أولها مسرحيته «الزنزلخت»، كتبها عام 1964 وضمنها مقدمة تعد هذه المقدمة البيان المسرحي الحديث رقم واحد. 
في مسرحيته حيث اعلن ولادة اتجاه جديد... في بيانه "ضدّ الاتفاق، ضد التقليدية، ضدّ التفاهة، ضد الكسل، ضد اللامسرح". إنّها حرب تجعل أعماله عند "الحد الفاصل بين النص الأدبي والنص المسرحي... إنني ضد الكلمة الشعرية في المسرح، ضدّ الحذلقة الذهنيّة، ضدّ البلاغة، ضد الخطابة، ضد الغنائيّة، ضد الفكر، ضدّ كلّ ما يقتل الحياة في اللغة المسرحيّة". يرى عصام محفوظ أن على المسرح "أن يتحيز لموقف، وأن يبدأ هذا الموقف من الواقع، مستخدماً أول عناصر هذا الواقع: لغته، اللغة المحكية، لغة الشارع والبيت، لغة القبضة
والشجار".
ثم كتب مسرحيته الثانية ((القتل)) عام (1969) وبعدها ((الديكتاتور )) التي كان اسمها الجنرال واجبر على تغييرها الى الديكتاتور. ومن ثم  ((كارت بلانش)) عام 1970 ثم مسرحية ((قضية ضد الحرية)) (1975)، ومسرحية «التعري» عام (2001) آخر مسرحية كتبها قبل الحرب فكانت "حسن والبيك" وكانت عبارة عن مونودراما. 
بعد ذلك تحول الى الكتابة بعد أن جمع مقالاته في الصحف مؤكداً على الشخصيات الثورية والتمردية التي اعطاها اهمية كبيرة في كتاباته ومن قبلها مقالاته الصحفية لاسيما أن كتاباته تخصصت في ميدان الدراسات الأدبية والكتابات والنقدية في اسلوب حواري تارة واسلوب تراثي تارة أخرى، حيث قدم لنا «سيناريو المسرح العربي في مئة عام» (1981) مستعرضاً فيه التراث المسرحي العربي، ومن ثم وفي مجال المسرح ذاته قدم لنا «مسرح القرن العشرين» في جزأين عام (2002)، وبعدها قدم حواراته و«حوار مع الشيخ الأكبرابن عربي» (2003)، و«حوار مع الملحدين في التراث» (2004)، ربما تجلى رفض القواعد المسرحية في رفضه لأن يكون الكاتب خاضعاً للون ادبي واحد، لذا نراه يتنقل بين الشعر والمسرح والنقد والمقال الصحفي وحتى الكتابات السياسية وايضاً في رفضه للغة الشعر داخل المسرحيات مؤكداً على أن اللغة العامة ولغة الشارع هي الافضل في تقديم الحبكة الدرامية على اصولها التامة. وكسره للتابوهات الدرامية القديمة، حيث كان ضد الخطابة والزخارف اللغوية والصورية داخل العمل المسرحي حتى تكون الصورة النهائية للمسرحية صورة متكاملة من البساطة .
توفي عام 2006 بعد أن قدم للأدب والمسرح عدداً كبيراً من الدراسات والمسرحيات والروايات وحتى في فن الرسم والتشكيل والسياسة أيضاً، فقد بلغ عدد كتبه المطبوعة نحو خمسة وأربعين كتاباً.


“حكايات من الجزائر” عرض مسرحي بمهرجان للفنون في أسوان

مجلة الفنون المسرحية

“حكايات من الجزائر” عرض مسرحي بمهرجان للفنون في أسوان

يشارك القوًال والراوي الجزائري ماحي صديق في العرض المسرحي  ” حكايات من الجزائر ” ضمن فعاليات الدورة الرابعة، لمهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، والتي تقام بمدينة أسوان، في صعيد مصر، في الفترة من الخامس حتى العاشر من شهر  نوفمبر المقبل، بمشاركة 12 دولة عربية وافريقية.

يذكر أن الراوى والقوًال الجزائري، ماحي صديق ، ولد في عام 1960 بسيدي بلعباس في الجزائر، مال إلى المسرح قبل أن يعانق مجد الشعراء المتجولين.

واستلهم ماحي صديق، حكاياته من والدته التي سردت على مسامعه عشرات القصص في صغره ، بالرغم من كل صعوبات الحياة اليومية التي كانت تواجهها. وكان يجد طاقته وضالّته في روح الطفولة والبراءة التي اقتات منها بمدينته سيدي بلعباس ، التي لا تزال واحدة من أهمّ المدن التي تحتفظ بظاهرة ” القوّال” – الحكواتي- وينتمى لها عدد من أهم القوًالين على الساحة المحلية ، والدولية .
-----------------------------------------

المصدر : propaganda

مقاربات في مسرح العبث (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) للاستاذة سلوى باجي بن حميد: مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه والقراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

مجلة الفنون المسرحية


مقاربات في مسرح العبث (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) للاستاذة سلوى باجي بن حميد: مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه والقراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

لزهر الحشاني - المغرب 

 صدر خلال الاشهر القليلة الماضية  عن دار سحر للنشر  ، كتاب جديد باللغة الفرنسية للباحثة

والمختصة في مجال المسرح المقارن ، الاستاذة  سلوى باجي بن حميد يحمل عنوان « مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) ويقع الكتاب في 309 صفحة من الحجم الكبير.

قليلة هي البحوث العلميّة الأكاديميّة الجادّة في مجال المسرح المقارن، لذلك شكل صدور كتاب «مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم)» لسلوى باجي بن حميد  وهي أستاذة جامعيّة متحصّلة على التأهيل الجامعي في الآداب الفرنسية، تدرّس  المسرح بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة ورئيسة قسم الفرنسيّة بها، وقد شاركت بمداخلات في ندوات علميّة بتونس وخارجها، فضلا عن إشرافها على تنظيم عدّة ندوات وأيام دراسيّة. والكتاب دراسة مقارنة في مجال المسرح، موسومة بالطّرافة والرّيادة من حيث بيان الحاجة إلى الانفتاح وقراءة المسرحي في المسرح الغربي المعاصر، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مع مبدعي الدراما العبثيّة الّذين لا ينتمون إلى الحضارة الفرنسيّة إلا باللّغة فقط، وهم صموئيل بيكيت (S Becket) الإرلندي، ويوجين يونسكو (E Ionesco) الروسي، وكذلك آرثير آداموف (A Adamov) الروسي، بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية، لنيل مراقي الاغتناء والتطوير من ناحية، ولتجاوز حالة العقم التي عمّت مجموعة من المسارح الأوربية، بسبب التمركز حول قوالب فنية متقادمة لم تعد تؤثّر في جزء مهمّ من الجمهور. مثلما أفصحت هذه الدّراسة عن بعد مقارني، ووفّقت في إبراز أهميّة مسرحيّة الأديب المصري توفيق الحكيم يا طالع الشجرة (1962) وهي تكتب مسرح اللامعقول وتبحث عن العمق المفقود وتؤسّس لمسرح عربيّ جديد، معتمدا بالأساس على قدرات الفنّ الشّعبي وإمكانات الحسّ الشعبي القادرة على خلق الجديد من الإبداعات، بشكل لا يقلّ جدّة عمّا ينشأ في بلاد الغرب.

علما وأنّ هذا الكتاب يجيء موصولا بمقدّمة ماري كلود إيبار (M-C Hubert) أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة مارساي (مرسيليا) وهي مهتمّة بدراسة إشكاليات المسرح وقضاياه، ولها أعمال عديدة في ذلك تضاف إليها مقدّمة هذا الكتاب الذي تضمن ثلاثة محاور رئيسيّة: الأوّل: مسرح العبث مسرح ضدّ المسرح، والثاني: دراسة تحليليّة للعبث: بعد تخييليّ، والثالث: الموت والفنّ ثمّ خاتمة، وأخيرا ببليوغرافيا للمسرحيّات المدروسة، وعناوين أطروحات المرحلة الثالثة المقدّمة في قضايا المسرح، والمجلاّت، والقواميس، والأعمال النقديّة باللّغة الفرنسيّة.

جاء في تقديم ماري كلود إيبار تنويه وإشادة بهذا الكتاب لما له من فوائد ومزايا، أوّلا باعتبار ما شملته عناية الباحثة من المقارنة بين مسرحيّة الكاتب المصري توفيق الحكيم ومسرحيات كتّاب الدراما العبثية الفرنسيين، وثانيا باعتبار أنّ هذا العمل النقدي لا يبدو من صنف البحوث السّهلة، لأنّ سؤال عبثيّة الوجود بعيد أفقه وعصيّ إدراكه..

وفي مقدّمة الكتاب بقلم الباحثة سلوى باجي بن حميد، نلقى تنصيصا على مسألة هامّة تتعلّق بالدراما العبثية باعتبارها أكثر الأشكال انتشارا في القرن العشرين. وقد بيّنت أنّ أصول مسرح العبث وجذوره متعدّدة: منها تأثيرات السريالية، والدادائيّة، والفلسفة الوجوديّة، وكتابات ألبار كامو (A.Camus) وآنويي(Anouilh) وجيرادو(Giraudoux)  وسارتر(Sartre) الّتي تبرز خواء الحياة، وغربة الفرد داخل مجتمعه، وعدم الانسجام بين وضع الإنسان، ورغباته والقطيعة المتبادلة بين بني الإنسان، وشعورهم بالعزلة، ولا معقولية ما يمارسونه من أعمال تشكل الجزء الرّئيسي من حياتهم في هذه الدنيا.

وقد أشارت الأستاذة الباحثة في محور عنوانه «دراسة تحليليّة للعبث»: بعد تخييليّ، إلى خاصيّة من أهمّ خاصيّات مسرح العبث، ألا وهي تشظّي الفضاء والزمن، فالزمن في مسرحيّة انتظار جودو (en attendant Godot) لبيكيت (S. Beckett)أضحى هو السبب المباشر في معاناة الإنسان. وأمّا في المسرحية يا طالع الشجرة، فلا توجد في فواصل في الأزمنة والأمكنة، فالماضي والحاضر والمستقبل أحياناً يوجد في مكانين على المسرح، ويتكلم في الوقت نفسه، فكل شيء متداخل.. أمّا في المحور المعنون بــ «الموت والفنّ»، فقد حدّدت الباحثة أنواعا للموت مختلفة مثل الموت في الأدب والموت السلبي والموت العبثي والإفضاء إلى العدم والموت في مسرح توفيق الحكيم والموت الإيجابي والموت والبعث والأثر الفنّي تحدّيا للموت. ثمّ انتهت إلى جملة من الاستنتاجات، لعلّ أهمّها أنّ الإنسان لم يتوقّف عن البحث والتأمل في قضيّة الموت، ومن هنا يمكننا فهم تجربة سقراط مع الموت، لأنّه كان يؤمن أنّ الحياة تتحقّق بالموت، ففي الموت تتحرّر الرّوح السامية من الجسد الوضيع.. وبناء على ما تقدّم فإنّ هذا الكتاب بحث علميّ جادّ وعميق، يقدّم صورة واضحة عن تيّار العبث الّذي ساد في فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي، ثمّ انتشرت أفكاره في بلدان الأطراف ودول المشرق. غير أنّ معالم هذا النوع من المسرح لم تشكّل نسخا باهتة لا روح فيها بهذه البلدان، بل قام روّادها بتأصيلها بما يساير مقتضيات الهويّة والدّين والثقافة والعادات والتقاليد، لذلك بدا هذا النوع من المسرح لا على منهج واحد، ولا طريق واحدة، ولا رؤية واحدة. فيونسكو لم يتماه وبيكيت، وبيكيت لم ينسخ آدموف، والحكيم كذلك لم يغيّب إطلاقا وهو يكتب يا طالع الشجرة شرقيّته وعروبته، لذلك يمكن القول إنّ مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه، وبتعدّد القراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption