مسرح العرائس يفتح ستائره لعرض لم يسبق له في سورية … هنادة الصباغ : الآليات الموجودة تعود إلى الستينيات وما زلنا نعمل بالروح نفسها
مجلة الفنون المسرحية
مسرح العرائس يفتح ستائره لعرض لم يسبق له في سورية … هنادة الصباغ : الآليات الموجودة تعود إلى الستينيات وما زلنا نعمل بالروح نفسها
سوسن صيداوي - الوطن
«الدمية» محرك لعوالم وخيالات. سلاح ذو حدين. منها ننطلق نحو الاختراعات والابتكارات، أو نحو الجمال والتصاميم الرائعة، أو ربما العكس، فمن الدمية ذاتها يتكون دافع لتحفيز العنف والاقتتال. كل ما سبق ذكره هو بسبب ما تخفيه الدمى من طاقات لا يمكن الاستهانة بها في إثارة وتحريض الخيال المنعكس بلا شعور على تصرفات الصغار. ولكن الحديث عن أنواع الدمى وتأثيراتها في الطفولة لسنا بصدده. فما نريد تسليط الضوء عليه هو مسرح العرائس الذي يعتبر نواة حقيقية في تربية الطفل وتعليمه وتوسيع مداركه لأهم الأمور الحياتية والمجتمعية وغيرها. وفي وقتنا الراهن في سوريتنا الحبيبة، هناك مساع حثيثة من مديرية المسارح في وزارة الثقافة، لإنعاش هذا النوع من المسرح، بعد أن طاله سبات طويل دام لعشرات السنين، مؤثراً في جميع مفاصله المنتجة. اليوم الأمل كبير بالكوادر الشابة الأكاديمية والموهوبة، والطامحة للّحاق بركب من سبقونا لتقديم الأفضل، لأن هذه الكوادر عالمة بأهمية المسرح وبمحبتها، قادرة على العطاء على الرغم من أن الوارد المادي ليس بالمتاح أو رمزي جداً. هذه النهضة ستتجاوز المشكلات الكثيرة التي كانت عالقة، فالكوادر المسؤولة حاضرة، والميزانية «رغم تواضعها» إلا أنها كافية من أجل صناعة الدمى والديكورات والإضاءة وغيرها من أمور جدّ أساسية في مسرح العرائس. أما بالنسبة إلى دور الإعلام في الوقت الحاضر من حيث الترويج للعروض، فاليوم لن يكون الإعلام قاصرا كما في الماضي، فسرعة التواصل الإلكتروني توصل الخبر بأجزاء من الثانية، ليس هذا فقط بل أيضاً أصبح التواصل أسهل مع الجهات المهتمة بالعروض كوزارة التربية وغيرها من المنظمات والجمعيات الراعية للطفولة.
لمحة
يعود تأسيس أول فرقة لمسرح العرائس في سورية إلى عام 1960 حينما استقدمت مديرية الفنون في وزارة الثقافة مجموعة من الخبراء اليوغسلاف بفن العرائس، كما أجرت مسابقة لانتقاء لاعبي الدمى، هكذا تشكلت اللبنة الأساسية لمسرح عرائس دمشق بإدارة الفنان عبد اللطيف فتحي، في تلك الأثناء الفنانون الذين عملوا في هذا المسرح كانت أسماؤهم كبيرة منهم:يوسف دهني، محمد عدنان اليغشي، محمود المعلم، تيريز أشقر، ياسين بقوش، توفيق العشا، علي القاسم، فاطمة الزين، يوسف حرب. قدموا مجموعة من المسرحيات المتنوعة في تقنيات المسرح، وكانت أول العروض في نيسان في عام 1961 بمسرحيتي «البطة ذات التاج الذهبي» ومسرحية «بيت الدببة الثلاثة» في صالة التجهيز الأولى للبنات في مدرسة زكي الأرسوزي بدمشق، في تلك الفترة شهد مسرح الدمى في سورية نهضته في قاعات وصالات كل من المسرح العسكري والاتحاد العام لنقابات العمال ومسرح القباني وصالة الحمراء وصالة معهد الحرية ودار السلام ومسرح الثانوية البطريركية والمراكز الثقافية، إضافة لتقديم مسرحياته في الحدائق العامة بدمشق.
ليس هذا فقط بل استطاع هذا النوع من المسرح أن يصل إلى المحافظات السورية وإقامة دورات تدريبية آنذاك في فن تحريك وصناعة العرائس لمعلمي ومعلمات المدارس الابتدائية في كل من حماة ودير الزور وحلب، مستقطبا كتّاباً ومترجمين ومعدّي نصوص ومخرجين كان أبرزهم الياس مرقص، ظافر عبد الواحد، شريف الراس، نجاة قصاب حسن، ميخائيل عيد.
الحاضر من؟
اليوم وباهتمام كبير وكما ذكرنا أعلاه، هناك اهتمام كبير بمسرح العرائس، وتسعى مديرية المسارح من خلال ورشة في مسرح القباني لإعداد كادر من الشباب، سيكون الانطلاقة في إحداث تغيير جوهري في هذا النوع من المسرح، وحول الورشة ومن يشارك بها، وأهدافها تحدثت هنادة الصباغ الحائزة دبلوم فنون جميلة من جامعة دمشق، وماجستير تصميم الدمى من روسيا الاتحادية «بالرغم من أننا تأخرنا، إلا أننا نحاول من خلال هذه الورشة أن ننشر ثقافة مسرح العرائس في سورية. في البداية قدمت المشروع لمديرية المسارح والموسيقا، وقوبلت أفكاري بالدعم والتشجيع الكبيرين، حيث تبنت المديرية المشروع وقدمت التسهيلات اللازمة على كل الصعد. بدأنا بالورشة في تاريخ 15/7/2017، واستمرت مدة خمسة عشر يوماً بهدف تفعيل وتطوير مسرح العرائس بعد أن كان متوقفا لفترة طويلة، وآلياته الحالية بدائية، وتعود إلى الستينيات تقريبا، وروح العمل فيه لم يطرأ عليها أي تطوير منذ ذلك الزمن. ما نتطرق إليه في الورشة هو ثيمة إنسانية موجهة للكبار قبل الصغار، بغرض جذب العائلة، والكبير فيها قبل الصغير. ليس هذا فقط، فالمديرية جادة باستمرار الورشات بعد انتهاء العرض وخاصة عندما لمسنا الاهتمام الكبير من المتقدمين إلى الورشة فمنهم المدرسون والمرشدون النفسيون الموقنون لحقيقة أهمية الدمية في إيصال الأفكار للتلاميذ بشكل أسرع وأبسط. وانطلاقاً من غيرتي على مسرح العرائس، وبنفس الوقت اطلاعي على ما يجري في دول العالم والوطن العربي، رأيت أن نتطرق في الورشة إلى أمور جديدة، لهذا قررت العمل على ما يسمى «دمى مسرح الطاولة» وهو نوع جدّ صعب، لأن فيه ظهوراً للممثل على الخشبة مع الدمى، والذي عليه أن يكون فاصلا لحواسه، وشعوره كلّه موجهاً للعمل مع الدمية. وتهتم التدريبات في الورشة بناحيتين الأولى تكنيكية حركية، والثانية هي العمل على الأداء والعاطفة، إضافة إلى العمل الجماعي لأن دمية مسرح الطاولة يحركها ثلاثة ممثلين تقريباً، إذاً ليس لدينا بطولة فردية. أما الدمى فهي من نوع جديد، ورقية وبلا ملامح، لهذا قلت العمل في هذا النوع من المسرح صعب، سواء على الشباب الذين لديهم خبرة سابقة في مسرح العرائس، أم على الشباب الذين يتدربون معنا لأول مرة، وهنا أريد أن أشير إلى أن عدد الشباب المشاركين ثمانية عشر، منهم من تحكمه ظروف الدراسة أو ظروف أخرى، لهذا قررت أن أعتمد لأجل العرض الذي نقوم بالتحضير له على نحو اثني عشر شاباً وشابة، والبقية موجودون وستكون فرصهم بالمستقبل أكبر. أما بالنسبة للعرض فهو قائم على التحريك وليس فيه أي كلام، يتخلله مقطوعات موسيقية وهي من تأليف سامر القصير».
التجربة مختلفة
من بين المشاركين في هذا المشروع التقينا الممثلة إيمان عمر وهي مؤسس مسرح عرائس ومصنّعة دمى ومحرّكة، حدثتنا عن تجربتها: «أشارك بصناعة الدمى وهو أمر يستهويني كثيراً، لأنني أشعر بالدمية كصديقة لي ويربطني بها أمر خاص ينعكس علي ويجذبني ويجعلني قادرة على تحريكها رغم كل الصعوبات، شاركت بهذه الورشة كي أزيد من خبرتي أكثر في تصنيع الدمى وأكتسب خبرة جديدة، فـ «دمى الطاولة» أمر جديد لم نتعلمه سابقاً، وهو نوع يتطلب التحريك من ثلاثة أشخاص أو أربعة، فيه الكثير من التعب ولكنه ممتع جداً. في العرض سنوجه رسالة عن الطبيعة، وسيقام لأول مرة في سورية، وهو للكبار والصغار».
طموحٌ شاب
من الشباب المشاركين البعيدين عن التمثيل في التجربة ولكنهم قريبون في المحبة والمتابعة والرغبة الواعدة بتقديم شيء جوهري يكون له أثره العميق في الآخر، الشابة لجين كيالي وهي خريجة نحت وطالبة سنيغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية، تحدثت عن مشاركتها «تعلمنا في الورشة كيفية تحريك الدمى وكيفية صنعها من المواد الأولية، صحيح الأمر معقد، لأن علينا نقل إحساسنا إلى الدمية من خلال تحريكها، لكن هذا الأمر أكسبني المهارة التي تتطلب مني فصل حواسي، والقدرة حين أدائي وتحريكي للدمية بألا أتكلم حرفاً أو أقوم بأي حركة على المسرح. أنا متفائلة جداً بالعرض لأنه أمر لم يكن مطروقاً سابقاً، كما أنه مفيد جداً للعائلة».
الخبرة قديمة
رنا صعب ممثلة ولاعبة عرائس، حاضرة بين الشباب في الورشة، تحدثت عن الورشة: «الخبرات التي لدينا في مسرح العرائس هي تراكم لكم سابق من المعلومات من الستينيات لخبراء أجانب وعرب وأساتذة سوريين. وبالنسبة لهذه الورشة فيها إضافات كثيرة لي ولخبرتي وما هو مختلف تماماً عما تعلمناه وقدمناه، لأننا نعمل على الحس والحركة والسمع والبصر، والأستاذة هنادة تبذل جهداً كبيراً كي تُخرج من أعماقنا الإحساس، ونستطيع الارتقاء لتقديم الأفضل في العرض الذي هو تجريدي ليس فيه أي كلام».
0 التعليقات:
إرسال تعليق