العرض الأخير لمسرحية «الصابرات»: حين تتجرّد المرأة من إنسانيتها تصبح «مومسا»
مجلة الفنون المسرحية
العرض الأخير لمسرحية «الصابرات»: حين تتجرّد المرأة من إنسانيتها تصبح «مومسا»
مفيدة خليل - المغرب
هل سبق أن تساءلت عن جسدك، هل سبق أن اكتشفت تفاصيله وتأملت جزئياته؟ هل سبق أن أحببت جسدك أم سألت الخالق عن سبب تشوه ما؟
ان كان تشوه الجسد مقلق فكيف بتشوه الروح؟ هل سبق أن تساءلت عما تشعر به بائعة الهوى بعد إنهاء عملها؟ وهل سبق أن طرحت السؤال كيف تنظر الى جسدها؟
أسئلة عديدة طرحها مركز الفنون الركحية والدرامية بالقيروان في مسرحية جريئة الطرح هي «الصابرات» اخراج حمادي الوهايبي وتمثيل كل من حسام الغريبي وخديجة البكوش ومريم بن حسن ورابعة الجلالي واشراف الطمومي التي قدمت في اخر عرض لها بقاعة الفن الرابع بالعاصمة.
حين يصبح الجسد سلعة
ثلاثة اجساد على الركح، من اللباس يبدو انهنّ نسوة، ثلاثتهنّ تصرخ وتعربد، في الخلف صورة لاحتجاجات عاشتها القيروان لإغلاق الماخور الموجود هناك، هتاف تكبير سب وشتم جميعها تسمعها، زينة الركح بسيطة كرسي وفانوسين، من الصوت يبدو ان المكان مهجور وبعد دقائق يعرف المشاهد انهنّ الثلاثة هربن من الماخور بعد ان هوجم من قبل السلفيين، هنّ ثلاثة «رباب» و «زهيرة» و«السيدة» ثلاثتهن يحملن «صرّ» الملابس» يلبسن «الجلباب» ويبحثن عن مكان للاختباء بعد ان هربن» ثلاثتهنّ جميلات، لكل واحدة سرها وسحرها، ثلاثتهنّ يعملن «بائعات هوى»، جمعهنّ «ماخور عزيزة» وبعد اقتحامه اجتمعن في البطحاء بحثا عن سبيل آخر للعمل، هنّ نسوة أجسادهنّ جميلة، فكيف بارواحهنّ و هل يجوز الحديث عن روح المومس او قلبها؟ الحديث عادة ما يكون عن جسدها، عن ثمن الساعة او الليلة عما قدمته للحريف من متعة؟ اما الاشارة الى مشاعرهنّ فذاك غير متوفر.
ثلاثتهن اجتمعن في الماخور وعملن لسنوات.. من الأسماء يعرف المشاهد التناقض العجيب فرباب من الربابة الالة الموسيقية عذبة الصوت بينما نجدها فريسة للحبوب والمخدرات والاجتس و«زهيرة» تصغير لاسم زهرة وعوض ان تكون «زهرة فواحة متفتحة» وهي ابنة الجبل نجدها جسد مرمي مرّ عليه الاف الرجال، و «السيدة» لا تملك حتى سيادة جسدها، تناقض عجيب بين الاسم والمهنة تناقض بين الجسد و المشاعر تناقض قدّم على الركح بوجيعة النساء وجيعة وألم حضر في اداء اشخصيات وهن يحكين قصصهن وما دفعهن للعمل في الماخور، لكل واحدة حكاية وثلاثتهنّ اجتمعن في ظلم مجتمع قاس لا يرحم، مجتمع يرى في اجسادهنّ عورة، مجتمع يغفر للرجل اخطاءه اما المرأة فيعاقبونها اشد عقاب، لكل منهنّ حكايتها الخاصة حكاية قد تؤثر في القارئ ولكنها تطرح السؤال عن حقوقهنّ هل هنّ يتمتعن بحقوقهن المدنية كاملة؟ وهل بائعات الهوى لهنّ حقوق كبقية النساء ام هنّ مواطنات درجة ثانية؟ .
الأمن الموازي والتجارة الموازية والجنس الموازي
اختلفت انتماءاتهنّ واحلامهنّ وجمعتهنّ أجساد هي حطب النار تقدم لرجال يبحثون عن المتعة بمقابل بخس، اختلفت أراؤهنّ واتفقن على السمع والطاعة امام عزيزة صاحبة الماخور، لك ان تتخيل كيف هي حياتهنّ داخل الماخور اجساد محبوسة بين جدران عالية ربما نسيت بعضها الشارع والطريق العام، ليس مهما الحب ما يهم ان تنتهي المهمة ويقبضن الثمن ونصفه لصاحبة المكان هنّ جسد دون روح، رؤوس دون ادمغة اجسام لا مشاعر لها ، ميزتهن ضحكة و بعض غواية لاستقطاب الزبون لا غير، هكذا كن على الركح، جزء مما تعيشه المرأة داخل الماخور.
في «الصابرات» طرح للسؤال «عنف وإغلاق للماخور؟ ثم ماذا؟» و هل العنف هو الحل؟ في العمل طرح للجنس الموازي، فكما عاشت تونس على مشاكل الامن الموازي والتجارة الموازية التي انهكت كاهل الدولة اصبح هناك «جنس موازي» فثلاثتهن بعد أن أغلق الماخور اتخذن من البطحاء والشارع محل عمل، عمل غير مراقب ولا يخضع للمراقبة الطبية ولا القانونية، الجنس الموازي وما له من خطورة على المواطن كان محل سؤال في الصابرات، سؤال عن غياب المراقبة و امكانية انتشار امراض قد تكون جد خطرة ، خاصة بعد ان اصبحت كل «مومس» هي سيدة نفسها وسيدة عملها ووحدها تختار زبائنها بعيدا عن مراقبة السلط المشرفة.
جرأة الطرح وبساطة الديكور
الصوت مزعج، يوقظ في الروح الاسئلة عن بائعات الهوى وحقوقهنّ ونظرة المجتمع اليهنّ، ضوء اصفر باهت كما الوان الخريف يبعث في الروح الخوف والوجل، الديكور جد بسيط فأجساد الممثلين وحركاتهم كانت مصدر قوة العمل، لكل مشهد حكاية ولكل مشهد ألوانه وسينوغرافيا خاصة به، في «الصابرات» حضر الرجل أيضا فـ«خميس» شهر كوبة هو نقطة الربط بين ثلاثتهن، هو محرك الاحداث وان ابتعد عن المشهد قليلا، خميس ابن عزيزة صاحبة الماخور هو من يغوي النسوة ليعملن في الماخور مقابل عمولة معينة، في دور خميس ابدع الفنان حسام الغريبي، فنان كشف انه ممثل من طينة الكبار لحضوره الركحي سحره وطريقة خاصة في ايصال مجموعة من الرسائل نجده في الصابرات في دور «طفل غير شرعي» هاجسه الاول معرفة من يكون والده اما الثاني فالبحث عن المال عن طريق «الطريق المستقيم» وزاده لحية وقميص.
«الصابرات» نص جريء وأداء أكثر جرأة وطرح لاسئلة من المسكوت عنها فموضوع الجنس من المحظورات في المجتمع خاصة ما يتعلق بالمومسات او بائعات الهوى، في «الصابرات» أيضا نقد لحال البلاد التي شبهوها بالماخور المهدوم ، البلاد التي أصبح أبناؤها يخافون بزوغ شمس الغد ، البلد الذي اصبح أبناؤه مواطنون يعيشون التوهان والضياع تماما كما بائعات الهوى يجهلن من الزبون وكم سيدفع، في «الصابرات» نقد لطرقات الوطن فالطريق المستقيم لم يعد مستقيما بل امتلأ بكثرة الحفر، حفرة للفساد واخرى للمحسوبية وثالثة للرشوة ورابعة لسيطرة السياسي وخامسة لمن يتاجر بدماء الشهداء وسادسة للمشاريع المعطلة وخامسة للاحلام المؤجلة.
في الصابرات الكثير من الجرأة ونقد لحال الوطن انطلاقا من مظاهرة حقيقية حدثت امام ماخور القيروان، نقد للواقع بطريقة مسرحية بها الكثير من الوجيعة، الصابرات كان العرض الاخير امام الجمهور ولكنه ترك سؤالا مفتوحا «كيف سيكون الغد؟».
0 التعليقات:
إرسال تعليق