مسرح البلاي باك علاج نفسي للممثل والجمهور
مجلة الفنون المسرحية
مسرح البلاي باك علاج نفسي للممثل والجمهور
الخليج
هذا الكتاب وعنوانه «تشخيص الآخر» ليس موجهاً لقارئ المسرح المتخصص فقط، لكنه كتاب موجه إلى محبي المسرح وعشاقه، وتعود أهميته إلى أنه يطرح بين دفتيه مقترحات فنية بالغة الأهمية، غاية في البساطة، لتقديم مسرح فني متكامل، يستند في تكوينه إلى استخدام أبسط الإمكانات، دون اعتماد نهائي على توافر إمكانات ضخمة، أو ديكورات متعددة الوظائف، أو نصوص عالمية فقط، أو موسيقى تصويرية، تكتب لنصوصه خصيصاً، فضلاً عن أن هذا المسرح لا يقدم فعل «التقنع» داخل أقنعة تتستر من ورائها وجوه الممثلين، ولا يستعين بماكياج يحيل وجوههم إلى شخوص أخرى، فيساندهم التصنع في إخفاء حقيقتهم بل يبتعد قدر استطاعته عن تصميم أزياء مسرحية، تحاك خصيصاً للممثلين، إنه مسرح يتخلى عن ذلك كله من أجل أن يكتشف بتجرده كل شيء، وعلى وجه التحديد يكتشف الحقيقة المجردة، التي تخلع كل الأقنعة بأنواعها المختلفة.
يوضح نيك راو، مؤلف الكتاب الذي ترجمه إلى العربية محمد رفعت يونس والشيماء علي الدين، أن هذا المسرح يتخلى عن العناصر المسرحية جميعها، لكنه لا يتخلى عن عنصر وحيد يخصه ويلتصق به، إنه لا يتخلى عن الإنسان وحقيقته التي ليس بمقدوره أن يخفيها أمام أعين مشاهديه، وتكون الوسيلة التي يتوسل بها في طريقه هي أنه يضع في اعتباره أن مسرح (البلاي باك) الذي يقدّمه هو مسرح «ذاكرة البشر» مسرح لتأريخ هذه الذاكرة البشرية وتوثيقها، وفي سعيه للقيام بتقديم علاج ناجح لمريديه، سواء أكانوا من المشاركين - جمهوراً أو مؤدين - إنما يحاول البحث عن «تطهر للنفس» أشبه بذلك الذي وضعه أرسطو في كتابه «فن الشعر» كوظيفة أساسية للمسرح، وذلك من خلال مسرحة قصة قد سردها في الحال - قبل عرضها بلحظات- أحد المشاهدين عبر ذاكرته الخاصة، فهي قصة شخصية له، فيقوم وجود هذا المسرح على التفاعل ما بين تأثر جمهور المشاهدين وتفاعله بما يشاهده وتعاطفه مع أبطاله.
على أن أهمية ما يهدف إليه هذا الكتاب عن مسرح «البلاي باك» يتمركز حول الذاكرة البشرية، وهي الشيء الوحيد الذي لا يمكن لنا الاستغناء عنه أو التخلي عنه، سواء بإرادتنا أو عن غير أرادتنا، فالذاكرة ليست ذلك الشيء الذي ينافق أو يدعي أو يكذب أو يخادع، في ذاكرتنا يتم الحفاظ على براءتنا وتلقائيتنا التي نلقاها في لحظات العودة إلى أحداث الماضي لمسرح البلاي باك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق