أرواح المبدعين تتجلى في متحف "القومي للمسرح"
مجلة الفنون المسرحية
فيلا الأميرة رقية حليم تحتضن مقتنيات رواد التمثيل والموسيقى
تمثل المقتنيات الفنية لكبار الفنانين والمثقفين فى كل دول العالم، كنزا لا يفنى للأجيال المقبلة، وأثرا يتفاخر بها القاصى والداني، وتستثمرها الدول المتقدمة فى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، منها الترويج لحضاراتها، والتدليل على عظمة مبدعيها، واستثمارها فى الترويج للسياحة. وفى متحف المركز القومى للمسرح، تظل هناك الكثير من المقتنيات الفنية والشخصية، للكثير من العظماء، الذين تركوا بصمات يأبى الزمان أن يسقطها من ذاكرته، بسبب ما قدموه من فنون شكلت وجدان الدول العربية قاطبة، ومن أبرز ما يحتويه المتحف الذى يقع فى مقره الحالى بفيلا الأميرة رقية حليم، حفيدة محمد على باشا، تماثيل نصفية لعمالقة ورواد المسرح والموسيقى والفنون الشعبية، مثل على الكسار، ويوسف وهبى، وسيد درويش، وداود حسنى، وزكى طليمات، وأمينة رزق، وزوزو نبيل، ونجيب الريحاني، وناجى شاكر، وجورج أبيض، وغيرهم كثيرون.
سيد درويش
بلادى بلادى
«العود» رافق مجدد الموسيقى العربية ومؤلف النشيد الوطنى
يمثل عود الموسيقار الكبير سيد درويش؛ أهم مقتنى فنى فى حياته، ليظل شاهدا على الإبداع الخالد الذى تركه خلفه، ومن هنا كان من الضرورى أن يتم التأكد من أن هذا العود هو الشاهد والشريك للراحل الكبير، وليس أى عود آخر يمكن أن ينسب إليه.
ولذا فقد أكد المصور محمد فاروق، مدير إدارة المتحف ومدير التصوير بالمركز القومى للمسرح، أن العود الذى يحوزه المركز، هو العود الذى رافق «درويش» عبر تاريخه الطويل، فقد درج كبار الملحنين فى العالم بالقرن العشرين على أن يقوموا بكتابة أسمائهم داخل العود أو الآلة الموسيقية التى يعزفون عليها، وهو ما أكده أحد كبار الملحنين الشوام الذى جاء المركز ذات مرة، وتأكد بنفسه من العود، خاصة وأن درويش قضى فترة من حياته بدول الشام.
وهذا العود هو الذى أبدع «درويش» عليه النشيد الوطنى لمصر، والذى تعيش ألحانه حتى الآن، وقد عرف السيد درويش البحر باعتباره مجدد الموسيقى وباعث النهضة الموسيقية فى مصر والوطن العربي، حيث ولد فى الإسكندرية فى ١٧ مارس ١٨٩٢ وتوفى فى ١٠ سبتمبر ١٩٢٣.
وبدأ ينشد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازى والشيخ حسن الأزهري، ووضع ألحانا للكثير من الأوبريتات، التى بلغ عددها العشرين، ومنها تلك التى لحنها لفرقة نجيب الريحانى ولفرقة على الكسار ولفرقة منيرة المهدية مثل: كلها يومين، والفصل الأول من أوبريت كليوباترا وأنطونيو، ولحن لأولاد عكاشة الدرة اليتيمة، وهدى، وعبد الرحمن الناصر، وإذا اعتبرنا أن فى كل أوبريت عشرة ألحان فيكون مجموع ألحان الشيخ سيد فى أوبرتاته العشرين مائتى لحن، بالإضافة إلى الأدوار والموشحات والأناشيد الوطنية والمونولوجات، وغيرها من الألحان والأهازيج التى قدمها الشيخ سيد للموسيقى العربية.
يوسف وهبى
سفير جهنم
ملابس أول مسرحية «رعب» فى تاريخ الفن العربي
يحتوى المتحف على الكثير من المقتنيات الفنية للفنان الراحل يوسف وهبي، والذى لقب بعميد المسرح العربي، وعلى رأسها ملابس مسرحية «سفير جهنم» وملابس مسرحية «راسبوتين»، ومنها أيضا طربوشه والكثير من مقتنياته الشخصية والفنية التى استخدمها فى أعماله المسرحية الكثيرة، خاصة وأنه قدم الكثير من الأعمال مثل مسرحية «كرسى الاعتراف».
ولم يكتف «وهبي» بتقديم الأعمال المسرحية فقط، بل قام بنقلها أيضا من المسرح إلى الشاشة الفضية، إيمانًا منه بإبقاء هذا العمل الفنى خالدًا على مر الأيام والسنين، ومنها مسرحية «راسبوتين» و»المائدة الخضراء» و»بنات الشوارع» و»أولاد الفقراء».
وحول ملابس «سفير جهنم» والتى جسد خلالها عميد المسرح العربى شخصية الشيطان، أكد الدكتور أسامة رؤوف مدير إدارة بحوث الثقافة المسرحية أنها تعد أبرز مقتنيات المتحف كاملة وليس مقتنيات يوسف وهبى فقط، نظرا لأن هذه الشخصية كانت أول عمل رعب فى المسرح والسينما العربية قاطبة، وهو ما يمنحها مزيد من الزخم، ويعطيها بعدا لا يتأتى لغيرها بسهولة.
عباءة الشيطان فى مسرحية «سفير جهنم» تتمتع باللون الأحمر الفاقع حتى هذه اللحظة، دون أن ينال منها الزمن شيئا أو يؤثر على درجة لونها، وجاء اختيارها لهذا اللون باعتبار الشيطان خلق من نار، ومن الطبيعى أن تكون ملابسه وإكسسواراته مواكبة لهذا التصور، الذى درسه «وهبي» أثناء بعثته إلى إيطاليا على يد الممثل العالمى «كيانتوني»، ولذا كانت جميع أعماله تدور حول الارتفاع بالمستوى الثقافى والاجتماعى، ولاتزال ملابس مسرحية «راسبوتين» التى شاركته فيها البطولة الفنانة أمينة رزق، تقع على يسار مدخل المتحف، وتحتل مكانا بارزا منه.
زكى طليمات
الدوق «آرثر»
مؤسس وعميد معهد التمثيل.. «دكتوراه» فى الفن
«حقيبة شخصية، ونظارة وطربوش وعدد من المتعلقات الشخصية يحتويه متحف المركز للفنان الكبير الراحل زكى طليمات، الذى ولد بحى عابدين فى القاهرة من أب ذى جذور سورية، وحصل على البكالوريا من الخديوية الثانوية، والتحق بمعهد التربية، ثم أوفد فى بعثة إلى فرنسا لدراسة فن التمثيل فى باريس.
عرف زكى طليمات بدور آرثر الشهير فى فيلم «صلاح الدين الأيوبي»، وقد عرفه مشاهدو هذا الفيلم بجملته الشهيرة لليلى فوزى «فى ليلة أقل جمالًا من ليلتنا هذه ستأتين راكعة إلى خيمتي»، ويعرفه جمهور السينما أيضًا بشخصية المليونير والد زبيدة ثروت، فى فيلمها مع عبد الحليم حافظ «يوم من عمرى» وهو حاصل على جائزتى الدولة التشجيعية والتقديرية، ودرجة الدكتوراه الفخرية، وذلك بعد رحلة طويلة عمل خلالها مراقبًا للمسرح المدرسى من ١٩٣٧ إلى ١٩٥٢، ثم مديرًا للمسرح القومى من ١٩٤٢ إلى ١٩٥٢، ثم مؤسسًا وعميدًا لمعهد التمثيل، وأيضًا عمل مديرًا عامًا للمسرح المصرى الحديث.
عبد المنعم ابراهيم
عبدالمنعم إبراهيم.. طربوش ونظارة وقلم
أبدع فى تقديم دور المرأة.. و«سكر هانم» الأبرز
فى ركن مميز من المتحف، يقع «طربوش» الفنان الكوميدى الكبير عبدالمنعم إبراهيم، وكثير من زوار المتحف يجلسون فى منصة هذا الركن المميز ويلتقطون الصور به، كما تضم «فاترينة» خاصة له عددا آخر من المقتنيات ومنها النظارة والقلم الخاص به.
وتضم المقتنيات عددا من قطع الملابس التى شارك بها فى أعماله الفنية الكثيرة، باعتباره شارك فى بطولة الكثير من المسرحيات التى قدمتها فرقة المسرح الحديث، مثل «مسمار جحا» لأحمد على باكثير، و«ست البنات» لأمين يوسف غـراب، ليستقيل بعدها من العمل الحكومى، ويتفرغ لفن التمثيل فى مسرح الدولة، لكنه ترك فرقة المسرح الحديث عام ١٩٥٥، وانضم إلى فرقه إسماعيل يس، التى تكونت فى نفس الفترة، وفى عام ١٩٥٦، مثل فى مسرحية معركة بورسعيد، ثم مسرحيات تحت الرماد، والخطاب المفقود، إلى أن برز وجوده الفنى وأصبح له شخصية مميزة واعتبره النقاد فنانا فذا ومتعدد المواهب، حيث جسد أدوار المرأة، فى فيلمين وهما «سكر هانم» مع كمال الشناوي، وعمر الحريري، و«أضواء المدينة» مع شادية، وأحمد مظهر وقد أتقن دور السيدة التركية «المتفزلكة».
داود حسنى
الشاطر حسن
لحن لكبار المطربين.. واقتبس اليهود الكثير من أعماله
يعد عود الموسيقار الكبير «دافيد حاييم ليفي»، الشهير بداوود حسني، أهم مقتنى يمكن أن يكون فى حياته، لأنه الآلة الموسيقية التى صنع منها مجده الذى يظل خالدا حتى اليوم.
تكمن أهمية داوود حسنى من كون اليهود اقتبسوا الكثير من ألحانه، والعديد من التيمات اللحنية المتطابقة منه، حيث تأثر «حسنى» بالعديد من ألحان التراث المصرى، وتجلى ذلك فى العديد من الألحان التى قدمها طوال تاريخه الطويل والثري، كما كان صاحب سبق غنائى وهو تلحينه لأوبرا «شمشون ودليلة»، والتى يعدها مؤرخو المسرح الغنائى، أول أوبرا مصرية، على نص فرنسى، من تعريب بشارة واكيم، وقدمتها فرقة عبد الله عكاشة لأول مرة على مسرح الأزبكية، فى يناير ١٩٢٢.
كما لحن «حسني» لعدد كبير من الأسماء البارزة فى عصره، منهم الشيخ أبو العلا محمد، وعبده الحامولي، وسكينة حسن، ومنيرة المهدية، وصالح عبدالحي، وأم كلثوم، وأسمهان، وليلى مراد، ثم اتجه إلى المسرح فى عام ١٩٢٠، حيث وضع الألحان لأكثر من ٢٥ مسرحية، منها: (صباح، معروف اﻹسكافى، الشاطر حسن، الغندورة، شمشون ودليلة)، ولحن أكثر من ٥٠٠ أغنية (دور ومقطوعة) ونحو ثلاثون آوبرا وأوبريت. من ألحانه الأغان الشعبية «أسمر ملك روحي» و«جننتينى يا بت يا بيضة» و«البحر بيضحك ليه وأنا نازلة ادلع» و«يا تمر حنا روايح الجنة».
زكريا الحجاوى
رائد الفن الشعبى
مكتشف محمد طه و«خضرة».. ومؤسس مسرح السامر والثقافة الجماهيرية
يحتوى متحف المركز على الكثير من مقتنيات رائد الفن الشعبى فى مصر، زكريا الحجاوى، الذى ولد بمحافظة الدقهلية، والتحق بالمدرسة البحرية بالسويس، وفيها ظهر ميله الشديد لدراسة المواد الهندسية، فالتحق بمدرسة الفنون والصنايع الملكية بالقاهرة، وله دراسات علمية عن الفن الشعبى المصري، وله الفضل فى اكتشاف العديد من الفنانين الشعبيين وأشهرهم: محمد طه، وخضرة محمد خضر، وله يعود الفضل فى إنشاء مسرح السامر والثقافة الجماهيرية، ويعتبر من رواد الكتابة الإذاعية.
«عصا وقلم ومستندات وعلبة سجائر»؛ يمكن أن تلخص حياة رائد الفن الشعبي، بالإضافة إلى العديد من المقتنيات الأخرى التى استخدمها فى تقديم السير الشعبية التى أصبحت بفضله من أشكال الفن الإذاعي.
وبلغـت أعماله الإذاعية ٦٠ عملا منها: أيوب المصري، وكيد النسا، وسعد اليتيم، وملاعيب شيحة، وقدم للتليفزيون العديد من الأعمال منها: سيد درويش، وأدهم الشرقاوي.
وقدم للسينما العديد من السيناريوهات وحوارات الأفلام منها: أحبك ياحسن، وله العديد من المؤلفات منها قاع النهر، ويا ليل يا عين، وله دراسات علمية نشرها فى مجلة الرسالة الجديدة عن الفن الشعبى المصري، حيث تعتبر أولى الدراسات العلمية فى هذا المجال.
منيرة المهدية.. «السلطانة»
مقهى «نزهة النفوس».. ارخى الستارة اللى فى ريحنا
شهد مسرح قهوة «نزهة النفوس» فى حى الأزبكية، للمطربة الشهيرة منيرة المهدية، والتى لقبت بسلطانة الطرب، تقديم العديد من الأعمال الفنية والمسرحية والغنائية والترفيهية الشهيرة، بعد أن افتتحته فور انتقالها للعيش فى القاهرة، حيث ذاع صيتها وتحول المقهى إلى ملتقى رجال الفكر والسياسة والصحافة بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية.
ومن أهم مقتنيات المتحف يأتى مجسم هذا المقهى، الذى جاءت انطلاقة المطربة منيرة المهدية منه.
وبه تم تقديم الكثير من الأغانى التى نالت شهرة غير مسبوقة فى وقتها وكان بعض النقاد يعتبرونها من الفن الهابط مثل «ارخى الستارة اللى فريحنا.. لأحسن جيرانا تجرحنا».
0 التعليقات:
إرسال تعليق