قراءة في مسرحية ( البوشيه ) الإماراتية .. حضور النص وغياب الرؤية الإخراجية ..
مجلة الفنون المسرحية
قراءة في مسرحية ( البوشيه ) الإماراتية .. حضور النص وغياب الرؤية الإخراجية ..
يوسف الحمدان
اختتمت فرقة مسرح أوال مهرجانها الدولي 11 بعرض مسرحية ( البوشيه ) لمؤلفها الإماراتي المبدع إسماعيل عبدالله ومخرجها المؤلف الإماراتي المبدع أيضا مرعي الحليان ، إنتاج فرقة مسرح رأس الخيمة ، وذلك على خشبة مسرح مركز شباب المحرق الثقافي ، بمشاركة شابة وحضور لا تعوزه خبرة للفنان خالد البناي .
في هذه المسرحية الشاعرية المتدفقة بحكاياها وموروثها الشعبي ، يلامس المخرج الحليان عالم الصراعات الطبقية التي تقتضيها العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة بين غانم بن حمود بن غانم ، سليل إحدى العائلات المهيمنة والمتنفذة ، وبين الراقصة جواهر المتمردة على تقاليد القبيلة وعاداتها ، حيث يتورط غانم بعشقها إلى درجة يحسم فيها أمر هذا العشق بالزواج السري منها وقبوله بكل ما يترتب على هذا الزواج من مصائب ، إلى أن تأتي لحظة الحسم الأصعب لمثل هذه العلاقة وذلك بعلم والده المتغطرس حمود بن غانم عن زواجه من الراقصة سرا ، فيبدأ معها الصراع المعلن بين الأب حمود والراقصة جواهر ، الأمر الذي يصل بحمود بن غانم إلى حد التصفية الجسدية والروحية للراقصة جواهر ، لولا طفر صوت والدته المحذر في اللحظة الأخيرة وهي تدعوه عندما كان طفلا للبقاء في البيت ساكنا صامتا حتى تنهي مهمة رقصها في ستر إحدى الدور المجاورة لمنزلهم ، بينما يظل الإبن العاشق غانم مندسا في قاع خوفه ورهبته من أبيه ، وخوفه على زوجته الراقصة جواهر .
هذه هي الحكاية التي نسج حرير حدوثتها المغمورة بالموروث الخليجي المكتنز بحكايا وأغنيات المسكوت عنه ، نسجه المؤلف إسماعيل عبدالله بروح شاعرية تغري أي مخرج للتصدي لها ، وها هو مرعي الحليان المخرج الثالث أو الرابع الذي يتصدى لمثل هكذا نص ، فهل تمكن الحليان من طرح رؤية جديدة على النص ؟ أم ظلت الحكاية هي المسيطرة بنص مؤلفها على العرض كله ؟
يبدو أن نص إسماعيل عبدالله كان أقوى وأكثر سطوة في العرض من لغة المخرج ، بل أن قراءة المخرج للنص أفقدت النص نفسه روحه الحاثة والمحفزة على التأويل وتعدد الرؤى فيه ومن خلاله ، حيث كنا أمام خطاب منولوجي مباشر ومنمط ، بل أن هذا الخطاب أصبح صوتا لا يحكي بقدر ما يذهب عكس الحكاية نفسها ، ولولا بعض الرقصات الشعبية الشجية ومن بينها ، بل أهمها أغنية البوشيه ورقصتها السامرية ، لتصلبت الحكاية كلها في هذا الخطاب الأدائي .
لقد كان بإمكان المخرج الحليان أن يبحث عن منافذ بحثية أخرى في قراءة النص ، ولعل ( البوشية ) نفسها تحمل دلالات لا حدود لها حين الوقوف عندها ، فهي ليست خمارا أو عباءة فحسب ، هي مساحات لقراءات يتداخل ويحتدم فيها الجمال بالقبح ، الجرأة بالخوف ، الظلام بالنور ، الستر بالفضح ، الملاك بالشيطان ، المرأة بالرجل ، الطهر بالعهر ، والتي من خلالها تفتح الحكاية أبوابا لا حدود لها لقراءة ما لم يحكى في هذه الحكاية ، خاصة وأن المؤلف يجوس عميقا في قراءة المسكوت عنه في حكايانا وموروثنا الشعبي .
ما رأيته في هذه الحكاية أن كل هذه الممكنات التأويلية تخرج من مازورة واحدة تتشابه في أغلب مخرجاتها ، أداء حد الصراخ وحد الضعف وحد الغضب ، ولا يوجد ماء يتسلل بين هذه الحدة فيمنحها جداول وانسيابات متعددة في الأداء ، بل أن حتى الفرقة الشعبية التي قدمت الموروث الغنائي لهذه المسرحية لم يمنحها المخرج بعدها الدرامي في العرض ، فظلت بعيدا عن روح الحكاية في المسرحية إلا بقدر ما يتقبله وجداننا الشعبي من نغم اعتدنا الارتياح إليه عندما نصغي إليه ونراه مجسدا بشكله الطبيعي المعهود عبر الرقص .
كما أن توظيف هذا الموروث الغنائي الشعبي الراقص بشكله العفوي غير المخرج مسرحيا أرهق فضاء العرض بثقله ، مثلما أخل بروح المشاهدة للمحور الأساسي في الأداء للعرض ، حيث ازدحمت المشهديات كلها في زوايا لا تعرف بالضبط مقدمتها من عمقها على الخشبة أحيانا .
وأتساءل : ما هي وظيفة هذه الأطر المجردة على الخشبة ؟ هل هناك تعامل أو توظيف مبرر لوجودها الجمالي أو الأدائي أو الحركي ؟ فليعذرني المخرج الصديق الحليان ، أرى أنها أربكت العرض أكثر مما أضافت إليه ، كما أن وجودها المجرد على الخشبة يتناقض تماما مع الشكل الواقعي للأداء وللأزياء التقليدية ولكل مفردة على خشبة المسرح بما فيها الإضاءة التي تحولت إلى إنارة للكشف المؤقت للدور وليس بوصفها جمالية دلالية تثري التجربة .
لا شك أن العرض توفر على طاقات شابة مميزة ولديها استعداد كبير لأن تذهب إلى أبعد ما ذهبت إليه أدائيا في هذا العرض ، وخاصة الشابة ميرة العلي التي قامت بأداء دور الراقصة جواهر ، إذا ما قارنها بالشاب حسن بلهون الذي قام بأداء دور غانم العاشق المرعوب والذي في رأيي ينبغي الاشتغال كثيرا على أدائه الصوتي الذي غيب الكثير من المعاني الدالة في النص ، ولكن العرض في رأيي يحتاج إلى تأمل أكثر من قبل المخرج الحليان في قراءة ما يكتنز به هذا النص من قدرة لا محدودة على تفجير الطاقات الأدائية شبه المعطلة في هذا العرض .
وختاما تحية حب لفرقة مسرح رأس الخيمة ، إذ لا يزال في الوقت متسع لتأمل العرض وتقديمه بما هو أفضل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق