الوجه الآخر .. الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان.. أعيش معاناة الناس... مسكون بهمومهم...لكن الأمل قائم
مجلة الفنون المسرحية
الوجه الآخر .. الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان.. أعيش معاناة الناس... مسكون بهمومهم...لكن الأمل قائم
حوار محسن بن أحمد- الشروق
أنت فنّان مبدع مثير للجدل كيف حالك اليوم وكيف تتفاعل مع الوضع؟
يشبه حالي حال البلد اليوم. لست أقل سوء ولست أحسن حالا أعيش معاناة الناس مسكون بهمومهم ومشاغلهم. ولكن رغم كل السلبيات التي نلاحظها في العديد من المجالات أستطيع أن أقول إنه يحقّ لنا أن نأمل بأننا سنخرج يوما من الوضع المتأزّم الذي أصبحنا فيه آجلا أم عاجلا. نعم أعتقد أن في تونس لا يزال هناك كثيرون من الرجال والنساء وخاصة الشباب الذين هم متشبثون بحبهم للوطن يعتبرون أن تونس عندهم أمانة يستحيل التفويت فيها ومستعدون لكل التضحيات من أجلها. هؤلاء. نجدهم يعملون في دواليب الدولة وحتى خارجها يرفضون ممارسة الخدع ومستعدون بالغالي والنفيس لحماية الشعب والوطن من المخاطر والتجاوزات التي تهدّد مستقبل تونس واستقرارها . وألفت انتباهك أن هذا لاحظته من خلال لقاءاتي مع الجماهير والحوارات مع الأهالي عند زياراتي للعديد من الجهات بمسرحيّة «ارهابي غير ربع» هؤلاء نجدهم أيضا ينتمون إلى فئات متعدّدة ليسوا من الطبقة المحرومة التي تعاني خاصة من البطالة واليأس والفقر والاحتياج والخصاصة فقط بل وحتى من طبقة المحظوظين الذين كسبوا أرباحا دون المرور من مسالك الفساد.
إذن هكذا تجدني أتفاعل مع الوضع بصفتي فنّانا مواطنا. لست محلّلا سياسيّا ولا أتعاطى السياسة وإنما أنا فنّان والح على كلمة فنّان أحمّل نفسي مسؤوليّة الاهتمام بالشأن العام إذ أعتبر أنّه لا يجوز أن يقتصر التفكير والحديث عن واقعنا للسياسة والسياسيين فقط
هذا يعني أن لك مآخذ على أهل السياسة؟
باختصار أقول لك إن المشهد السياسي كما نعيشه في تونس اليوم لا يليق بالشعب التونسي. عندما نشاهد قبة البرلمان فارغة من النواب باستثناء أربعة أوخمسة فقط للنقاش مع وزير الداخلية في الشؤون الأمنية للبلاد. هذا عار على الساحة السياسيّة. هذا يحزنني كثيرا ويجعلني أتساءل ماذا فعلنا نحن الشعب حتى نستحق هذه اللامبالاة وهذا الإهدار في الحقوق وهذا التراخي للقيام بالواجب. أهكذا نكافئ الشعب بعد كل ما تقدم به من تضحيات جسام ورغم كل ما منحه للساحة السياسية بفضل الانتفاضات التي قام بها في كل الجهات؟ وبعد كل ما أهداهم لهم من حريات ومكاسب لم تكن النخب السياسية ولا النقابية قادرة على افتكاك ربع ما تتمتع به اليوم في حين أننا نمر بفترة عسيرة جدا وظروف صعبة جدا جدا لم يسبق لها مثيل منذ الاستقلال. وضعية اقتصادية منهارة صراعات شخصية يزعم أصحابها أنها سياسية ونحن ضحيتها، فساد متفشي في كل الإدارات. التعليم في انحلال تام الصحة في تدهور مستمر أعداد كبيرة من خبرائنا وأطبائنا وأساتذتنا الجامعيين ومهندسينا وعلمائنا يهاجرون تاركين البلد للمجهول بسبب انعدام الرؤية الواضحة في الأفق .كل هذا الإهدار من المتسبب فيه؟ من المسؤول عنه؟ أليست الأغلبيّة الحاكمة؟
كثيرون هم من غابت فيهم الوطنيّة فأصبح عندهم الحرام حلالا والحلال حراما. هؤلاء سيحاسبهم التاريخ ويفضحهم. أعدك أنهم سيتلقون درسا يكون عبرة للأجيال القادمة. الزمن لا يرحم. حذار من إسكات الشعب. إن الأوجاع مهما انطفأت يمكن أن تستيقظ يوما من أعماقها. أكرّر وأقول حذار من إسكات الشعب.
أثار فيديو لك نشرته أخيرا في صفحتك جدلا كبيرا وردود أفعال كثيرة حول موقفك من ترشّح تونسي من ديانة يهوديّة للانتخابات البلدية؟
ما المانع في أن ترشح تونسي من ديانة يهودية لرئاسة بلدية. المهم هو أن يكون تونسيا قولا وفعلا أولا. حقوقنا حقوقه واجباتنا واجباته. السؤال هو: بصفته نائبا باسم النهضة هل يقبل أن يتبنى ما تتبنّاه النهضة خاصة ما يتبناه الشعب التونسي أم لا. وحتى أكون واضحا هل يقبل مثلا أن يشارك أهالي المنستير وخاصة الذين نوبوه للخروج يوما في مظاهرات لفائدة الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه المشروعة كما يعبّر عنه الشعب التونسي أم لا؟ إن كان نعم فهو منا وإلينا مبجّل مكرّم على رؤوسنا ككل من يشرّفنا وإن قال لا فهل هذا يعني أن النهضة تقول أيضا لا بما أنها رشّحته ليكون نائبا باسمها. إن كان يقبل ما تقبله النهضة هل ترفض النهضة ما يرفضه هو. ليس غريبا عن أحد أنّ هذا هو التساؤل الذي يتردّد عند أكثريّة الناس الذين فاجأتهم المبادرة .
وللتوضيح أضيف، أنت تنتخب من يمثلك لأنك ترى أنّه يمكن أن ينتسب إليك. تنتخبه لينوبك للدفاع عن خياراتك وقناعاتك. أنت تنتخبه لأنه يشاطرك الانتماء أو لأنه أقرب الناس لرؤيتك وتصوًرك لمعالجة المسائل والمشاغل التي تخصك بصفتك مواطنا. مسائل اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها من التي تهمك وتعنيك في علاقاتك مع الوطن داخليا وخارجيا. أنت ننتخب من يمثلك لينوبك في كل هذا. ولا يجوز أن من ينوبك يخالفك في الجوهر. عندها لم يعد نائبك كما هو الحال لأغلبية النواب عندنا. فهوينوب حزبا أواتجاها ليميًزه عليك بعد أن منحته انت الفرصة ليكون في الحكم وفي مجلس النواب. هذا غير معقول ولايمكن قبوله. أقول حذار من اللعب بالنار. منذ عشرات السنين نعيش في تونس توازنا بين الأديان لابد من المحافظة عليه.
كيف ترى مستقبل الانتخابات البلديّة؟
هل يعقل أن نجدّد الثقة التي أعطيناها للأغلبية الحاكمة في البرلمان لنزيدها ونعززها بأغلبية أخرى في البلديات بعد كل النتائج والخسائر. أليس هذا عبثا. هل قدرنا هو أن يكون شعبنا رهينة لشعوذة سياسية
يبدو أنّك تدعوإلى مواصلة الثورة؟
ثورتنا ينقصها البعد الثقافي تنقصها الحكمة والصواب. ثورتنا ينقصها العقل الجماعي والمشروع الجماعي المتعدّد. الفن. يحرّر العقول ويعزّز الانتماء بقيم الحريّة ويدرّبنا على احترام الرأي الآخر. ليس أفضل من ممارسة الفعل الثقافي والفني للتوقي من كل أشكال التطرّف والتحجّر والتصلّب ومن كل محاولات الاستقطاب من طرف شبكات الفساد والإرهاب. إني أحدّثك عن تجربة. من هذا المنطلق أنتجت وقدّمت مسرحيتي الأخير « إرهابي غير ربع» التي لاقت نجاحا كبيرا في عروضها في العاصمة وفي صفاقس وفي سيدي بوزيد وفي القصرين وفي تطاوين وغيرها ولاقت استحسانا مشجعا من طرف النقاد والصحافة. الإرهاب لم يعد يقتصر على الطرح الأمني فقط. مكافحة التطرّف والفساد بصفته المدخل الأكبر للإرهاب هي أيضا معركة ثقافيّة بالأساس. كنت أنتظر أن تعجّل الحكومة ومؤسسات الدولة بإحداث « شانطي» ثقافي على الصعيد الوطني للتوعية والتحسيس قصد التوقي لمكافحة الإرهاب والتطرف والفساد. اننا نشاهد تغييبا متعمّدا لهذه الرؤية التي مع الأسف نرى المؤسسات الدولية أكثر عناية وانتباها ومساندة لها من مؤسّساتنا الوطنيّة.
نحن في حاجة إلى ثورة ثقافيّة تغيّر العقل السياسي عندنا وتحرّره من عقده وتناقضاته حتى نتخلص جميعا من ثقافة التأزّم وشخصنة الحكم والقرار. ومع الأسف علينا أن نصبر لتحقيقها. خاصة وأن حكامنا مرضى بالأنا المكبوت.
ما هي مقومات الثورة الثقافية التي تدعوإليها
لعلّك لاحظت كيف أن في بداية الثورة وقع تغييب الطرح الثقافي في كل المنابر الإعلامية في شأن الثورة وأسبابها ومستقبلها. هذا عن قصد أو عن غير قصد حتى لا تكسب الثورة بعدها الفكري والثقافي وذلك خوفا من توعية الشعب بمسائل يتعمّد الخطاب السياسي إخفاءها والتي يختلف طرحها لدى أهل الفكر والثقافة مقارنة بالمسؤول السياسي وأهل السياسة. فاستقلال القضاء وتحرير الإعلام من التسلّط السياسي والمالي والتنمية الثقافيّة لم تكن شعارات تطرح باستمرار من قبل جل الأحزاب وحتى في اعتصامات القصبة 1 و2 في بداية الثورة , في حين أن هذه المسائل مرتبطة عضويا بما نعيشه من وضعيات وظروف عدّة ولذلك لا بد من تكريسها في عقلياتنا وفي مجتمعنا .الثورة الثقافية تستوجب توحّد كل القوى الفاعلة في ميادين المعرفة والفكر والفنون والثقافة والعلوم وهذا مع الأسف مفقود. الثورة الثقافية تستدعي أيضا تضامن الإعلام مع الطرح النقدي الحر والمستقل عن التجاذبات السياسية. هذا الطرح الحر ليس مفقودا وإنما هو مغيّب. مفكرون ومبدعون ونخب غالبا ما تكون مغمورة ومعزولة في الجهات. أكثرها تفقد القدرة على التعريف بنفسها والتصريح برأيها للجمهور العريض، بسبب غياب إعلام قريب للواقع الجهوي والمحلي، يمكّنها أن تعبر عن معاشاتها ومشاغل أهالي جهاتها وشبابها. نخب تقدر أن تأطّر وتساهم في تنمية مناطقها وتأثر بقول كلمتها في ما يخص الشأن العام وبالخصوص في ما يهم تأسيس الركائز الجديدة التي يمكن أن نبني بها الجمهورية الثانية.
أنت تعمل للفكر الحر لماذا لا تجسّد ذلك في إطار أحد الأحزاب؟
الديمقراطيّة كسياسة لا بدّ لها من أحزاب ولكن الديمقراطيّة كقيم لا بد لها من ثقافة قادرة أن تنهض بالفرد والمجتمع؟
أنا صديق لكثير من الأحزاب ولكني أخيّر أن أكون مستقلاّ حرّا في رأيي دون أن أتقيّد بإطار يكلّفنى مسؤوليّة التعبير عن شعاراته أو الحديث باسمه وأنا لست راغبا للدفاع عنه. الانخراط في حزب من الأحزاب لا يناسبني
ألا ترى أن هناك فهما خاطئا للحرية أساء للبلاد عامة والإقتصاد خاصة؟
نحن اكتفينا بأن نأخذ من الحريّة إلا مظهرها وتركنا الجوهر وما هو في أعماقها. الحرية عندنا تفتقد التوازن. عندما لا تستوي الحقوق مع الواجبات تصبح الحريّة فوضى كما هو حالنا اليوم. الحريّة الحقيقية هي القادرة على إنتاج القيمة المضافة والارتفاع لما هو أرقى وأسمى. نحن نتخبّط في تناقضات متشعبّة وصراعات مصطنعة لا يمكن حلّها بالعقليّة السائدة عندنا الآن. وفي غياب إرادة سياسيّة حقيقية تعطي للإنتاج الفكري والثقافي والإبداعي المرتبة التي تستحقها من الأولويات سنظلّ عاجزين عن الخروج من المآزق التي ورطنا أنفسنا فيها.
الحرية تفقد معناها عندما يصبح كل شيء مسموحا به. والحريّة بدون تنمية ثقافية فكريّة علميّة وتربويّة فهي حريّة فاقدة البصر والسمع.
ما دامت الثقافة مغيّبة والفنّان الملتزم معزولا فلا نستغرب ما تلاحظه من تجاوزات في حق الحرية وفي حق تونس باسم حرية التعبير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق