مسرح الطفل والمراهق في الإمارات.. الواقع والتحديات
مجلة الفنون المسرحية
مسرح الطفل والمراهق في الإمارات.. الواقع والتحديات
حسن علي الحمادي - البيان
مما لاشك فيه, أن مسرح الأطفال والمراهقين من الأدوات والوسائل الفنية والدرامية الممتعة والمثيرة في مجال ترسيخ المضامين النفسية والوجدانية والانسانية والقومية في وجدان الأطفال والمراهقين وفكرهم وجوارحهم منذ مرحلة مبكرة في حياتهم. والمثل العربي الشهير، (العلم في الصغر كالنقش في الحجر) يرتبط ارتباطاً وثيقاً في مجال المسرح, وإن لم يكن تعليماً مباشراً بالأسلوب التقليدي. ومع تطور العلوم والدراسات السيكولوجية ظهرت أهمية المسرح في نمو الطفل والمراهق جسمياً وعقلياً واجتماعياً وازداد اهتمام المسؤولين والمربين بنشاط المسرح من خلال ربطه باللعب التلقائي والمخطط, كوسيط هام واساسي للنمو المتكامل للشخصية. لقد أظهرت الدراسات الحديثة أن قدوم الأطفال والمراهقين إلى المسرح واستخدامهم لحواسهم المختلفة هو مفتاح التعلم والتطور, وبدون هذا الاستخدام يعاق التعلم والنمو. واعتبر المسرح أفضل وسيط قادر على اتاحة فرص استخدام الحواس والعقل بصورة بناءة, اذ ان الاطفال المراهقين من خلاله, يكتشفون بيئتهم ويتعرفون على عناصرها ومثيراتها المتنوعة والمختلفة, ويتعرفون على ذاتهم ـ ومن هم ـ ويعرفون مركزهم ويتعلمون أدوارهم ـ وأدوار الذين يحيطون بهم من كبار وصغار. كما أنهم يكتسبون من خلال المسرح اللعب وألوانه المختلفة ـ ثقافة مجتمعهم وقيمه ـ ويكتسبون اللغة التي هي أداة التعامل مع أفراد المجتمع من: مفردات, واصطلاحات, وعبارات, وجمل بالإضافة إلى ذلك يكتسب الطفل والمراهق كل الأمور الحياتية والوطنية كل حسب عمره الزمني من مرحلة تربيته المنزلية حتى المرحلة الإعدادية. مبررات الاهتمام منذ بدأ المسرح في دولتنا حتى أيام الشارقة المسرحية والتي انتهت فعاليتها مؤخرا, لم يظهر على الساحة الفنية مسمى (مسرح الطفل الإماراتى) . وبالرغم من قيام بعض الفنانين الإماراتيين بتمثيل مجموعة من المسرحيات إلا أنها اتخذت طابع المد والجزر في مضمونها وإعادة تكرارها وتنفيذها, واعني ان معظم المسرحيات التى قدمت للأطفال والمراهقين في دولتنا, تهتم كثيراً بقضايا الاساطير والخيال والحيوانات وما شابه ذلك بصورة مثيرة وجذابة.. وتناست قضاياهم المهمة والحساسة ألا وهي التربية والتعليم والانتماء إلى الوطن والمهارات الحياتية.. بل غالباً ما يعتمد في تلك القضايا على أغنية أو أغنيتين خلال العرض أو في نهايته للتنويه بهذا المضمون أو ذاك, فتبدو كلتاهما مقحمة بشكل لامسوغ له في النسيج الدرامي للنص المسرحي المقدم. ودراستنا هذه ليست بصدد نقد تلك الأعمال المسرحية, بل نريد التأكيد على ضرورة انشاء مسرح إماراتي يهتم بشؤون الطفل والمراهق لأن كليهما يحتاج إلى مهارات اساسية في جميع نواحي الحياة. وعندما نعود إلى واقع المسرح الإماراتي, واعني مسرح الأطفال والمراهقين الذي يبدو دوره غائباً أو متعثراً, فمن الملاحظ من خلال المتابعة لبعض الأعمال المسرحية الخاصة بهاتين الفئتين والتي يمكن ان تعد على اصابع اليد الواحدة في كل موسم, ان معظمها تركز الاضواء على التناقض بين قيم الخير والشر, مثل مسرحية (سمسوم الشرير) التي تم عرضها قبل عدة شهور. فهذا النوع من المسرحيات التي تقدم للطفل ظاهرة طبيعية, لكنها تلجأ أو تقع احياناً في محظور التقرير المباشر الذي قد يصل إلى استخدام احدى شخصيات العرض لكي تكون المتحدث الرسمي بلسان المؤلف, مما يدل على عدم تمكن المؤلف من توظيف الامكانات الدرامية في تجسيد وايحاء وتلميح واسقاط واستعارات ورموز وصور تخلق الجو العام الذي يتشربه الطفل بمتعة واثارة دون ان يتلقى درساً مباشراً في الفروق بين الخير والشر. ولقد خلق الله تعالى عز وجل الإنسان وفي داخله طبيعة فطرية تدرك ما هو شر وما هو خير, ماهو حرام وماهو حلال, ومن ثم فإن الطفل اصبح اليوم يحمل همومه منذ سن التاسعة, وقبل هذه السن كان يحتاج إلى اهله, اما بعدها فالأسرة اصبحت في نظره فندقاً, والمدرسة مسرحاً, والشارع أو المجتمع وسيلة مرور, ومن ثم فإن الطفل والمراهق ليسا في حاجة حقيقية إلى التعرف على هذه الفروق بطريقة مباشرة, ولكنهم في اشد الحاجة إلى المرور بتجربة نفسية (سيكولوجية) درامية ممتعة تعيد صياغة فكرهم ووجدانهم تجاه مفهوم اسرهم ومدرستهم والشارع الذي يمرون به ومجتمعهم, وهو ما تفتقر اليه معظم المسرحيات التي تقدم للطفل والمراهق, لأن المؤلفين كثيراً ما ينحازون إلى الجانب السهل والمباشر في التعبير, ويتركون, التكوين المركب للنص المسرحي الذي من شأنه ان يصبح جزءاً عضوياً من كيان الطفل والمراهق, وخاصة إذا وضعنا في اعتبارنا ان الفن هو مصدر من مصادر المعرفة والتربية للطفل والمراهق, بوصفه اداة متميزة تملك ما لاتملكه الأدوات الاخرى من المعرفة التقليدية. ولكي يشق هذا الفن طريقه نحو مستقبل أفضل لمفهوم الاسرة والمدرسة والمجتمع, ينبغي ان يغرس الايجابيات في تينك الفئتين اللتين تعدان من اخطر شرائح المجتمع تكويناً. ويتخذ بعض المعالم التي تعد ضرورات اساسية للخروج بهذا الفن من أزمته الجماعية التي نلمسها بالمتابعة لما قدم منذ نشأته في دولتنا حتى الآن, ومن هذه المعالم ما يمكن تأكيده وابرازه وهو ما نسعى إليه في هذه الدراسة. منهجية درامية مما لا خلاف عليه, ان مسرح الطفل الناجح هو الذي لابد ان يعرف سمات كل مرحلة عمرية بجميع جوانبها الانفعالية والثقافية والاجتماعية والحركية واللغوية, والاحتياجات التى تختلف باختلاف هذه المراحل.. خاصة ان كل مرحلة عمرية تحتاج إلى (تكنيك) درامي خاص يساعد المؤلف على توصيل النص إلى الطفل بسهولة في المرحلة المبكرة أو مرحلة ما قبل المدرسة.. وكذلك المراحل العمرية المختلفة, حتى نصل إلى مرحلة ما قبل المدرسة... وكذلك المراحل العمرية المختلفة, حتى نصل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة المراهقة والنضج, وهذه المرحلة هي التي نمزجها بمسرح الطفل من ناحية وفي مضمون بحثنا من ناحية اخرى. وهي المرحلة التي تفتقد الأعمال التي تتواءم مع سماتها وخصائصها وطبيعة القرن الحادي والعشرين وتحدياته, بل تعد مرحلة ضائعة وتدور في حلقة مفرغة ما بين أعمال الكبار واعمال الصغار, وكل المشاكل التي نسمع عنها ونواجهها تنشأ من هذه الفئة العمرية, سواء كان تسرباً دراسياً أو مخدرات وغيرها, وفي المقابل حتى يومنا هذا, يتعذر علينا الحصول على مسرحية موجهة إليها بصفة خاصة, مع ان هذه المرحلة العمرية هى مرحلة حرجة بطبيعتها, ففيها تتكون الملامح والخصائص المميزة التي قد تترك بصماتها على المراهق طوال حياته بعد ذلك, فهي تكاد تكون عنق الزجاجة التي يمكن ان يخرج منه المراهق ناضجاً واعياً, او يفتقد تماماً إلى مثل هذه الضرورات التي يجب ان يتسلح بها في مستقبله. ولذا اصبح في عصرنا الحالي للخبرات الدرامية matized Eypenienc Dra أهمية ومكانة فى العملية التعليمية التربوية, يكون فيها الطفل أو التلميذ أو الطالب المشارك فاعلاً وايجابياً وبذلك يتم توظيف الخبرات المسرحية للاسهام في العملية التربوية بصفة عامة والعملية التعليمية بصفة خاصة, وهذا قد يكون ممكن الحدوث اذا ما كان للدراما مكانة في المنهج. اما بخصوص المسرح المنهجي السليم فهو يمر بخطوات منتظمة يبدأها الطفل بالرياضة الحركية للتعبير عن طاقاته, ويكملها المراهق للتعبير عن ذاته والبحث عن الحلول لمشكلاته الآنية والمستقبلية, لذا فهو مسرح الطفل والمراهق الذي نبحث عنه ونتمنى ادراجه في قائمة الأنشطة المدرسية والأنشطة الاخرى المصاحبة لمسرح وزارة الإعلام في الدولة, ولهذا المسرح مراحله المختلفة: أولاً ـ مرحلة الحضانة: لاشك ان الطفل يُفصح عن نفسه منذ الولادة بالصراخ والبكاء ليستجيب له الأهل, ويبكي اذا غادر أهله غرفته, لانه يشعر ان فراقهم هو الموت بسبب عجزه, فتوقف الاتصال يعني الموت, ففي هذه المرحلة, نود الاشارة إلى الوالدين, ان لايأخذكم, الشرود وانتم تصغون لصوت اطفالكم, بل ابدأوا بممارسة التمثيل الذي يرغبون فيه من خلال اللعب حتى قبل دخولهم رياض الأطفال, فقد يرغب الولد بتمثيل دور ابيه مقلداً له (تمثيل الدراما الاجتماعية) في كلماته. وقد تقف البنت من والدتها نفس الموقف. فمثلاً الطفل عادة يبدأ الاستمتاع بسماع القصة حين يبلغ الثانية من عمره, وبعدها بقليل تأخذ الاشياء منه اهتماماً جديداً, فهو يستعلمها لخوض تجارب العالم التى يعرفها. فالكرسي ينقلب رأساً على عقب ليصبح عربة كعربة والده, والصندوق بالنسبة للبنت يصبح فرناً, والعروسة تصير رضيعاً يرضع اللبن متخذة دور الأم, وعندما تلعب البنت مع لداتها, او عندما يمتطي الطفل عصاه متخيلاً انها حصان (كذا) فيتصرف بما تمليه عليه انفعالاته آنذاك. هذه هي الاهتمامات التي يستوعبها الطفل في هذا السن وهي تصنع مادة غنية بالقصص ومن ثم يمثلها الطفل. أما طفل المرحلة الثالثة من عمره فيكون قد بلغ مرحلة التأكد من نفسه والوثوق بها والاعتزاز والفخر بقدراته, ويصمم على عمل كل شيء لنفسه, ويستنكر تدخل الكبار لأن تدخلهم يحرمه الشعور بالاستقلال. وفي هذه السن يبدأ في الاحساس بالاعتزاز بممتلكاته, كما انه يدرك التفاصيل التي تميز الاشياء المحيطة به سواء كان شخصاً أو لعبة أو جماداً. وقدرة طفل الثالثة على الملاحظة تزداد يوماً بعد يوم وخاصة فيما يتعلق بالجماد, فمثلاً يستطيع ملاحظة تغير لون غرفته من أبيض إلى وردي وهكذا. ومن الضروري ونحن بصدد الحديث عن مسرح الطفل ان نشير إلى انه لايكفي ان تماثل صور الناس أو الاشياء حرفياً, بل يجب ان تنقل الصور لافكار وانفعال, وخير طريقة لتحقيق ذلك هي الحركة والتمثيل. اما طفل الرابعة فيكون قد وصل إلى درجة عالية من ضبط النفس ومعرفة المحيط الذي حوله, ذلك انه يستطيع الآن ان يتحدث بسهولة ويلعب في تعاون مع غيره من الأطفال. فعلى سبيل المثال أطفال الرابعة يمكنهم ان يربطوا الافكار ببعضها ويلعبوها معاً في تعاون كلعبة واحدة. ويلاحظ ذلك على وجه الخصوص في لعبهم المنزلي حيث تجتمع كل الأسرة, فطفل يمثل الأم وهي تطبخ وتنظف المنزل وترعى الرضيع, بينما طفل آخر يمثل الأب وهو ذاهب إلى العمل, وآخرون يمثلون الأطفال وهم ذاهبون إلى النادي, او المراكز الرياضية أو الدينية. وهكذا تسير اللعبة خطوة خطوة تقود الفكرة إلى فكرة اخرى وكل طفل يلعب دوره. ومن الخطأ ان يحاول كاتب مسرحي ان يجعل من الشقاوة نموذجاً للأطفال في هذه المرحلة لانها تندرج تحت عنوان الخير والشر اللذين اسلفنا ذكرهما, فالمطلوب هو مسرحة المعلومات في هذه المرحلة عن طريق التمثيل الواقعي الممزوج بالحيوان والانسان والمألوف لديهم بعيداً عن الصورة الزائفة. ثانياً ـ مرحلة رياض الأطفال: تبدأ هذه المرحلة من سن الخامسة, فيصبح الطفل شخصاً صغيراً جاداً, فلعبه الآن شغل وعمل في نظره, ويشيرون إليه بذلك فيقول: (انا لا استطيع ان آتي لأني لم انته من عملي) . اما في سن السادسة فيطول مدى الانتباه عند الأطفال, ويسعون جاهدين إلى انجاز المهارات التى يطلبها منهم الكبار. ويتوقع ممن هم في هذا السن ان يتعلموا مهارات القراءة والكتابة, وان يتقنوها بالمستوى العادي لأمثالهم. ففي هذه المرحلة هناك بعض الألعاب التي يكون للتمثيل العفوي علاقة بها كدور الارنب في أغنية, أو أحد الأدوار الاجتماعية العفوية, ذلك ان مفهوم التمثيل واللعب مترادفان في المعنى والوظيفة والغاية, اذا كانت مقرونة بالتلقائية, حيث يمكن حينذاك تسخيرها والاستفادة منها في خطط وأهداف الروضة, الى جانب اسهامها في تطوير قابلية الأطفال ونشاطهم. ويحتاج طفل هذه المرحلة في علاقته مع الكبار إلى رصيد كبير من الأمن والاطمئنان والدفء العاطفي حتى لايحس بفقدان التوازن وهو ينشد الاستقلال عن الكبار. ثالثاً ـ المرحلة الابتدائية: يزداد مدى الانتباه والقدرة على التركيز في هذه المرحلة, ويتحقق الاستقلال في مهارة القراءة, ويقرأ الطفل في استغراق كامل, ويكتشف ان القراءة ممتعة كنشاط يزاوله. ومن ثم يقبل عليها كهواية, ويرغب في ان يترك في فترة هدوء مع القراءة لايقطعها عليه احد. اما التمثيل فيمكن ان يكون دوره فعالاً في امتاع الطفل وتقريب المعلومة إلى ذهنه, ويجعله قادراً على فهم الحياة والناس فهماً أفضل. والهدف الرئيسي للتربية المسرحية في المدارس الابتدائية الدنيا والعليا, هو تحقيق نشاط تربوي حقيقي. والنشاط في مجال التربية هو التعليم عن طريق العمل الايجابي والخبرة المباشرة, وعلى هذا فإن مدى نجاح النشاط المدرسي فى المدارس الابتدائية يتوقف على مدى ما حققه من فائدة في اطار هذا المفهوم التربوي الشامل. رابعاً ـ المرحلة الإعدادية: هذه هي مرحلة النمو السريع والبلوغ, وفيها يتنوع معدل النمو الجسماني, والفتيات يسبقن البنين في هذا التطور, اما من ناحية الاهتمامات القرائية فيستمر الخلاف بين ما يفضله البنون وما يفضله البنات. وفي هذه المرحلة يزداد احساس الجنسين بذاتهم ويمعنون في طلب اثباتها, ويهتم كلاهما بعواطفه الخاصة به وبغيره, ويبحثان عن القيم, وينفتحان على العالم فيهتمون بمشكلاته. فمن هذا المنطلق يجب استخدام الخبرة الدرامية للتدريس وغرس القيم (مسرحة المناهج) لخطورة هذه المرحلة, فيجب على المعلمين تنفيذ المنهج الدراسي وخاصة في مادة العلوم (للجنسين) وتهيئتهم لمواجهة مشكلاتهم, فمن الطبيعي ان يكون للأساليب التي يتبعها المعلمون في توصيل خبرات المنهج لتلاميذهم اثرها في تحقيق الأهداف المرجوة, فتكون هي أول الطريق للنجاح والقضاء على سلبيات هذه المرحلة التى يترك اثرها على الأسرة والمجتمع. فلابد من التركيز على التلميذ كمحور اساسي للموقف التعليمي الذي لابد ان تلبي احتياجاته, وان يكون ما يتعلمه ذا قيمة بالنسبة له. ومن الأنشطة التعليمية التي يمكن الاستفادة منها في التدريس منها, الدراما (الخبرة الدرامية) والخبرة المسرحية. فالمسر ح يحرك مشاعر التلاميذ واذهانهم في هذه المرحلة وتأثيره واضح كل الوضوح, فهم يبدون ردود فعل شديدة حيال الأعمال الدرامية. فمثلاً من عوامل الايهام المسرحي في هذه المرحلة تعاون التلميذ مع معلميه ومن ثم يتم بناء الموقف الاندماجي فيما بينهما, والذي من خلاله يستطيع المعلم القضاء على العديد من السلبيات التي تواجه التلميذ سواء مشكلات دراسية أو مشكلات اجتماعية وغيرها. فقد تكون مرحلة التعاطف الدرامي كمخرج ناجح للقضاء على هذه النوعية من المشكلات إلى ان تصل بالتلميذ إلى قمة الانفعال والتأثر فيما شاهده, اذا احسن تمثيل هذه المشكلات وتم الربط المقنع في معلومات تلك المشكلات, وروعيت الخصائص التربوية والسيكولوجية والفنية المختلفة. تساؤلات وحلول يلاحظ في كل ما تقدم, ان الايهام المسرحي وخيالات الأطفال في مراحلهم الدراسية المختلفة التي اسلفنا ذكرها تندرج تحت مسمى (خيالات الأطفال والمراهقين) التي تنبثق جذورها من اندماجهم وتعاطفهم وانفعالاتهم والتي تجعل للمسرح تأثيراً كبيراً في غرس القيم الجديدة وخاصة تلك القيم التي نشأ عليها آباؤهم واجدادهم من جميع النواحي سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو اقتصادية.. ألخ, اذ انه يضع أمام الأطفال الوقائع والاشخاص والافكار بشكل مجسد وملموس ومرئي ومسموع. ويعتبر مسرح الأطفال والمراهقين من الوسائط المهمة والفاعلة في تنمية الأطفال والمراهقين عقليا وعاطفيا وجماليا ولغويا وثقافيا. فهو ينقل للأطفال والمراهقين بلغة محببة إلى نفوسهم الافكار والقيم, كما يضعهم وجها لوجه امام تجارب جديدة ويحفزهم إلى التطلع نحو تجارب اخرى. أى أن الخبرة الدرامية الممسرحة بما تحويه من مواقف وحوار يمكن ان تسهم في اثراء القيم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها في نفوس الأطفال والمراهقين اذا كان المسرح الحكومي يتطلع اليها. بينما هناك اثراء آخر للدراما الممسرحة وهي تخص المسرح المدرسي وما يقدمه في اثراء المادة العلمية المقدمة داخل الفصل وتقديم العديد من المثيرات التي تحقق الرغبة في المعرفة, كما يمكن ان تثري صور النشاط خارج الفصل اقبال التلاميذ على المادة العلمية وينمي قدرتهم على التفكير السليم ويكسبهم الاتجاهات العلمية السليمة. وهذه المعلومات تقودنا إلى التساؤل: هل المدخل الدرامي مناسب للتربية المسرحية من خلال مسرحة المناهج؟ أم أن بعض المسارح الأخرى يمكن ان تكون أكثر فاعلية من مسرح المدرسة؟ هل هناك احتمال لأن يستفيد التلاميذ من قيامهم بأدوار تمثيلية بأنفسهم داخل مسرح المدرسة؟ أم الأدوار التي يقومون بها لفهم مغزاها في مسرح المدرسة؟ أم يعتبرونها عملا شكليا لامعنى له إلا ضياع الوقت والجهد والعزوف عنه بعد تمثيل الدور؟ هل تحقق الأهداف التعليمية دورها في المسرح المدرسي وتعمل على زيادة التعلم أم لاداعي لها؟ هل تتم الفائدة من استخدام مسرحية جاهزة من مسرح حكومي أو مسرح غير حكومي أو مسرح من دولة أخرى أم يتم اعداد مسرحية من داخل الدولة مع مشاركة ممثلين من خارج نطاق المدرسة؟ بداية لابد من التركيز على ان مسرح الطفل والمراهق الإماراتي سواء في داخل المدرسة أو خارج المدرسة (المسرح الحكومي) هو في حقيقته منهج للعب التخيلي الذي يشبع حاجات الأطفال والمراهقين الابتكارية الخلاقة, لان النص المسرحي المعروض لايعتمد على الارسال فقط, بل يمكن ان يتفاعل من خلال الاستقبال الوارد من الأطفال والمراهقين المشاهدين, وهذا التفاعل الحي بين المنصة والقاعدة من شأنه ان يشعر الطفل والمراهق انهم ذاهبون إلى ممارسة مثيرة هما عضوان ايجابيان فيها. فهم يرون الإنسان بنفسه يقف امامهم يؤدي الحركة والاثارة والابتسامة والضحكة, ويستخدم جميع حواسه وعضلاته, فيخلق من خلالها ومن خلال الحوار مع الآخرين حياة جديدة على المسرح. فإذاً الطفل والمراهق ليسا بمجرد مشاهدين سلبيين يتلقيان التعليمات والحكم والأمثال وغير ذلك من الوسائل التي تحيط الطفل والمراهق بقيود الاوامر والاحباطات التي يجب ان يتخلصا منها بمجرد دخولهما المسرح, سواء كان مسرحاً مدرسياً أو حكومياً, الذي يفترض انه المكان الذي ينطلقان فيه بخيالهما واحاسيسهما نحو كل ما يحبان ويرغبان التنفيس عنه. ولذلك فمن المهم تلمس ميل الأطفال والمراهقين للتمثيل من حبهم لمشاهدة برامج التلفاز الذي يقضون ساعات طويلة أمام شاشته ولاسيما أطفال المرحلة الابتدائية الدنيا والعليا والاعدادية, فلابد من معرفة اسقاطات الأطفال والمراهقين الرمزية على الاشياء المادية والطبيعية حتى يستفيد منها المهتمون بالكتابة لتلك الفئتين, اذ ان الدلالات الرمزية للموجودات عند الأطفال والمراهقين في المرحلة الابتدائية الدنيا والعليا والإعدادية لابد ان تختلف فيما بينهما. واذا كان الكاتب بالضرورة يستطيع ان يعبر ويظهر الفوارق الايجابية أو السلبية في المرحلة الإعدادية وآثارها الاجتماعية والتربوية وغيرها, فلابد ان يتمكن من معرفة هذه الدلالات الرمزية عند الأطفال بمختلف مراحلها, حتى يستطيع ان يستخدم لغتهم الارشادية, وبذلك ينجح في مزج العالم الفكري والفني الذي يأنسونه بحكم انتمائهم اليه. وهذا جزء من اللعب التخيلي الذي يساعد الطفل والمراهق على القيام بعدة عمليات معرفية, فمثلاً يستطيع الطفل التعرف على أدواته المدرسية والمنزلية وغيرها من أمور الحياة ولغوية تظهر في ادراكه للغته العربية التي يستطيع ان يعبر بها في جميع المحافل. اما بالنسبة للمراهق فقد تتمثل بمعرفته القيام بدوره في المنزل والمدرسة والمجتمع وذلك من خلال اندماجه الاجتماعي والتصدي للمشكلات التي تؤرق حياته في هذه المرحلة, سواء من ناحية نفسية أو فسيولوجية, وتغلبه عليها ينعكس بشكل مباشر على دروسه العلمية وصحته الجسمية. وجميع هذه العوامل يمكن الاستفادة منها في استكشاف قدرات المراهق الابداعية وموهبته الابتكارية. غرس القيم لاشك ان تجربة العرض المسرحي المدرسي وغير المدرسي (الحكومي) عند الأطفال والمراهقين, هي فى حقيقتها تجربة تساعدهم على ان يتحرروا من العديد من القيود التي تكبل حياتهم وتشدهم إلى الخلف, مثل الاحساس بالذنب والقهر والخوف, ولن يستطيعوا الخروج من هذه المآزق إلا إذا كان هناك ترسيخ لاحساسهم بالانتماء إلى دولتهم واحترام ذاتيتهم من خلال مسرحة فكرهم وتعميق وعيهم باحساسهم انهم يعيشون في داخل مجتمع يدركون ملامحه بالتدرج من خلال مشاهدتهم لمسرحية بعد اخرى, سواء كان داخل المدرسة والمتمثل في مسرحة المناهج او خارج المدرسة, وأعني المسرح الحكومي الذي يكمل ما يقوم به المسرح المدرسي بعرض المناهج بطريق مماثلة مشوقة ممزوجة بالانتماء الوطني والتعلم الذاتي. والعرض المسرحي يجب ألا ينتهي بمجرد اسدال ستار الختام. فالهدف ليس اثارة الأطفال والمراهقين بما يمثل امامهم وبما يلقى على اسماعهم من التعبير الجاد والساخر أثناء العرض المسرحي, وانما رفع وعيهم المبكر في استيعاب القيم بأنواعها وجماليات الشكل الفني, وفي هذا المجال يمكن ان نتحدث عن نوعية القيم التي لابد ان يغرسها المسرح المدرسي والحكومي في الأطفال والمراهقين ومنها: القيم النظرية: وهذه القيم هي تعبير عن اهتمام الأطفال والمراهقين وميولهم لاكتشاف الحقائق والمعارف من اجل تحقيق توازن بين الاشياء على أساس ماهيتها, ويتميز سلوك الفئتين في هذه القيم بالاتجاه الفكري العقلي والتجريبي والنقدي. القيم الاقتصادية: يتميز الأطفال والمراهقون بهذه القيم من ناحية الاهتمام النفعي فيحرصون على جمع الألعاب المركبة بالنسبة للطفل واعتبارها ملكاً خاصاً بهم, أما بالنسبة للمراهقين فيحرصون على جمع النقود وزيادتها ويتميزون بنظرة عملية للأشياء والأشخاص. القيم الجمالية: يهتم الأطفال والمراهقون بالناحية الجمالية فيما يحيط بهم, فهم ينظرون إلى ما حولهم نظرة التنسيق والتأليف الشكلي ولايقتصر هذا الجانب على الفنانين الذين يتعاملون معهم, بل يمتد إلى كل المعلمين والمتذوقين للفن والمهتمين به. القيم الدينية: يتمسك الأطفال والمراهقون بالمبادىء الدينية التي يتم غرسها بواسطة اولياء الأمور او المدرسة ويسعون إلى كسب رضى الله, ويحرصون على ان يكون سلوكهم دائماً قدوة طيبة. القيم الاجتماعية: يهتم الأطفال والمراهقون بأقرانهم ويحبونهم ويميلون إلى مجالستهم ومساعدتهم, فهم ليسوا انانيين أو انفعاليين بل يتسم سلوكهم بالمرونة. ونخلص من ذلك إلى ان تصنيف القيم لايدل على استطاعتنا الاحاطة بجميع اصنافها وانواعها, فهذا من اصعب الأمور, إلا اننا من واجبنا ان نركز على بدايات الطفل المسرحية من جميع جوانبها, والاصرار على تهيئة المراهقين, فهم يحتاجون إلى وقفة جادة من جانب وزارة التربية ووزارة الإعلام للنهوض بهذه الشريحة من خلال المسرح المدرسي والمسرح الحكومي, والبحث عن كل جديد من الأفكار والاشارات, والتعليقات وخاصة اثناء العرض المسرحي, لوقف النزيف الحالي من المشكلات الآنية والمستقبلية, سواء في داخل المدرسة مثل التدخين والتسرب الدراسي والمشاجرة, أو في المجتمع حيث العديد من المشكلات مثل التسكع في الشوارع والتباهي بمظاهر الحياة واثرها على الأسرة والمجتمع.. ألخ. إن ادراج مثل هذه المشكلات في المسرح المدرسي والحكومي يقلل من الهدر التربوي والاجتماعي, اذ لايستطيع ان ينجح المسرح المدرسي والحكومي لحل هذه المشكلات إلا إذا كانت هناك وقفة جادة من الجانبين, وأعني ان على كل من المسرحين مناقشة كل مسرحية تتحدث عن الأطفال أو المراهقين بعد عرضها من قبل خبراء تربويين ونقاد فنيين يستطيعون بأسلوب سلس ان يجعلوا الصغير والطفل الكبير والمراهق على اتصال حميم بالعرض المسرحي الذي قد يضيف إلى مداركه معارف اخرى يسجلها منذ نعومة اظفاره ومعايير وقيماً اجتماعية وثقافية تنمي مداركه المعرفية وخاصة المراهقين. فالتجربة المسرحية للصغار والكبار (المراهقين) في حقيقتها هي أسلوب قادر على ان يخلق من المتفرجين نواة للمستقبل, فهناك العديد من المواقع الاستكشافية للطفل والمراهق تعتبر مؤشراً لتجسيدها درامياً, فعلى سبيل المثال, البرامج التلفزيونية لقناة دبي الفضائية واهتماماتها بنشاطات الطفل الصغير والكبير مثل التحليق في الفضاء, واكتشاف الذات بواسطة المسابقات المتنوعة, كذلك مركز الاستكشاف في امارة الشارقة الذي يعتبر تجسيداً لصورة الغد المجهول الذي يتشوق إليه الطفل في عالمه السحري, وتزويده بطاقة مستمدة من الوعي والثقة بالنفس دون غرور, فالمطلوب من أي مسرح مدرسي أو حكومي أن يترجم هذه الابتكارات ويشبع حب الاستطلاع والاستكشاف, وغير ذلك من الخصائص التي تميز الأطفال و المراهقين جميعاً, والتي يجب ان تنمو دون ان يفرضها الكبار عليهم, سواء في اللعب أو القراءة أو التعليم أو التثقيف. اذ يجب أن يكون توصية الكبار (أولياء الأمور) والمعلمين بأسلوب دقيق وغير مباشر, ولكنه فعال خاصة عندما يكون زاخراً بالحب والحنان. الإقناع لا التعسف ان اسلوب الحوار في العرض المسرحي المدرسي والحكومي عندما يكون ناضجاً يمكن ان يشكل حوارا يتبع في الحياة اليومية. ونحن في دولة الإمارات نعاني من فجوة عميقة فيما يتعلق بأسلوب التربية القائم على انعدام الحوار بين الكبار والصغار, وهو ما نلمسه في وقتنا الحالي بالمدارس والمنازل والشارع نتيجة ضعف التنشئة الثقافية الاسرية التي أساسها الحوار الذي يمكن ان يؤدي إلى ايجاد افكار وآراء جديدة دون عسف من طرف لآخر, وبذلك يصبح الحوار المسرحي المدرسي والحكومي وما يحملانه من قيم ومعرفة, أكثر الأنشطة ايجابية في تعميق وعي الطفل وتكوين شخصيته, فمثلا, قيام تلاميذ رياض الأطفال في الآونة الأخيرة بتمثيل مجموعة من الفعاليات التي تعبر عن أسبوع المرور الإماراتي ـ الخليجي يحبب لهم الحياة المدرسية من جهة والنظام المروري في الحياة الاجتماعية على المدى البعيد من جهة أخرى, ويشعرهم بأداء ما عليهم من واجبات, كما يهيىء لهم فرص الإلمام بقوانين السير والمرور وحوادثه المتعددة. أما بالنسبة للمراهقين, فمثلاً (البنت) وتمثيلها لبعض المسرحيات التي تعبر عن دور الأم وارتباطاتها المتنوعة ومواقفها المختلفة من مجموعة التاريخ الحقيقى للأمهات على مدى السنين الماضية, اذ من خلال هذا الموروث الشعبي تكتشف البنت عادات وتقاليد الامهات على مدى السنين الماضية, ولتحقيق غرس مثل هذه القيم والمعلومات وغيرها لابد للحوار الدرامي في المسرح المدرسي والحكومي ان يتبنى مثل هذه الافكار والمعلومات حتى لايدور هدف الانتماء الاسري والتعليمي في دوائر مفرغة من التكرار وكثرة المرادفات أو التأكيدات المملة, فلابد من توازن المعلومة المسرحية المقدمة من الكاتب سواء من داخل المدرسة أو من خارج المدرسة, فيجب ان تكون الأساليب المتبعة من جانب الكتاب ايجابية تنمي وتطور الايقاع المسرحي ولاتوقف احداثه, مما يؤدي في نهاية الأمر إلى طمأنة الطفل وعقلنة المراهق بأنه لا يتلقى دروساً مملة في بعض فقرات المسرحية. كما يجب غرس الاثارة الجمالية والفنية والابتعاد عن ضعفها بسبب هذه الدوائر المهمة والتى ينبغي ان تكون غير مفزعة في الحوار, فعلى المؤلف محاولة البحث عن الدراسات الاجتماعية والثقافية والتربوية التي ترصد القاموس اللغوي بألفاظه وتراكيبه وعباراته التى تتفق مع كل مرحلة عمرية, لتوصل الاحساس بأحسن صورة يتخيلها, فالحوار المسرحي هو شريان المسرحية, لأنه يعبر عن شخصياتها نفسياً واجتماعياً, ونجاحه يرتبط إلى حد كبير بمدى موافقته لمستويات الأطفال والمراهقين كل في قدراته اللغوية والسلوكية. الاسطورة والواقع مما لاشك فيه ان مسرح الطفل يلجأ في كثير الاحيان إلى الاسطورة والخيال, تلك القصص التي تشرح خواص بعض الحيوانات أو طباعها, او عادات الناس وتقاليدهم. وهذا النوع من القصص يندرج تحت مسمى (القصص الشعبية) التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالأسطورة. إلا ان ذلك لايعني هروب مسرح الطفل والمراهق من الواقع, بل ينبغي علي المسرح المدرسي والحكومي الخاص بالطفل والمراهق مواجهة الواقع في كل صوره الجوهرية, لأنه يوجه الفئتين إلى سلبيات هذا الواقع من خلال تجربة درامية ممتعة وليس بالوعظ والارشاد. فمثلاً اعادة تمثيل مسرحية (توب توب يابحر) للأطفال والمراهقين, يكتسبون من خلالها الاشارات الواضحة لقيمة العمل والبناء والصبر والتحمل, فهذه المسرحية تعبر في مجملها عن معاناة الآباء والاجداد وماضيهم المجيد في مواجهة البحر واهواله. وتكرار مثل هذه الانماط من المسرحيات يعمل على ايقاظ الاحساس عند الأطفال والمراهقين ويكرس التقنيات الجمالية للمسرح الاسطوري أو الخيالي وتأثيرها الفعال الايجابي في طاقات الطفل والمراهق الابداعية, بل ان مشاركتهما في ابداع هذه الجماليات وابتكارها من خلال الاحداث, من شأنه ان يجعل الطفل والمراهق اعمق فهماً للواقع, واكثر قدرة على صياغته لصالحها, فالمسرح يساعد الطفل والمراهق في التعرف على ماضي الآباء والاجداد, كما يساعد على الانتماء إلى الجماعة والتعاون معهما من خلال اكتسابهما مهارات الآباء والاجداد ويتم تطبيقها من خلال علاقاتهما مع الشخصيات التي يتعاملون معها, ومن ثم يمكنهما التعامل مع اقرانهم بمواجهة الواقع لا ان يهربا منه, كما قد يتصور البعض تخوفاً من الجو الاسطوري. ولكن من يستلهم نصوصه المسرحية من التراث او الاسطورة الخيالية ينبغي له الحيطة والحذر في تناول السلوكيات الشخصية التي لاتنتمي إلى عاداتنا وتقاليدنا من جهة والتي قد تشوب العمل المسرحي سواء كان مدرسياً أو حكومياً من جهة أخرى. فمثلاً الأسرة لاترغب في تعليم اطفالها وكبارها بعض الانماط السلوكية التي لاتمت بصلة إلى موروثها الشعبي بالرغم من تقديمه بأسلوب ساحر وخلاب وكذلك بالنسبة للمدرسة فهناك العديد من المدارس ترفض بعض الانماط التربوية الخاطئة المتمثلة بالأهداف التربوية المتسلطة. ولذا وجب على من يتعامل مع التراث أو الأسطورة تقديمه برؤى تحمل مناقشة أو محاكمة هذه القيم أو المعايير المرفوضة من خلال مفهوم الكاتب أو من خلال المعلم الكاتب أو من خلال مناقشة الطفل والمراهق لها بعد العرض. التسلية النموذجية لاشك ان اشد أيام التوتر التي يعيشها الأطفال والمراهقين هي هذا العصر, وهم أكثر حاجة مما مضى إلى المرح والتسلية والترفيه, ولايتحقق ذلك إلا إذا كان هناك مسرح كرس أهدافه ولوائحه للتسلية الجادة لمواجهة الواقع وتفسيره, ومن ثم فهو لعب جاد من الطراز الأول والذي يمكن ان ندرجه تحت مسمى (القصة الفكاهية) والتي من خلالها يدخل كل أنواع الحكايات الهزلية والمضحكة للأطفال والمراهقين. والقصة الفكاهية ذات فائدة كبرى للطفل وتستحق التكرار والاعادة التي يطلبها الصغار, وتكمن قيمتها في تمرين عضلات الصوت والاسترخاء, فقد تتقمص هذه التسلية ثوب التمثيل أو المواقف العفوية مما يفجر طاقات الابداع والابتكار عند الطفل. أما المراهقون فقد يحتاجون إلى مكان خاص للقصة الفكاهية الممزوجة بالتسلية, وأعتقد ان اكثر مكان ملائم لهذه الفئة هو فصل الدراسة فمن المفيد للتلاميذ في هذه المرحلة ان يضحكوا اذا لم يكن ضحكهم تهكماً وسخرية من الآخرين أو خروجاً عن اللباقة والأدب والذوق. أما مسرح الطفل والمراهق الحكومي, فلابد ان تكون أهدافه مكملة للمسرح المدرسي, وغرفة الفصل وخشبة المسرح هما المكانان اللذان يغرسان القيم والاتجاهات للفئتين من ناحية التحرر العقلي والخيال الناضج والتوافق النفسي والاجتماعي الذي يستمتع به الطفل والمراهق على حد سواء في مشاهد العرض المسرحي المتقن الذي من خلاله يمكن ان تنضج شخصية تلك الفئتين دون قسر أو اكراه, لأن متعته بالتسلية تفوق اي اعتبار. كذلك فإن المسرح الحكومي والمدرسي يشبع خيال الطفل والمراهق الذي يجدانه متجسداً امامهما على المنصة, ويخفف أيضاً من قلقهما وتوترهما, ويمنحهما فرصة للتنفيس عن مكبوتاتهما ورغباتهما, وبذلك يصبحان قادرين على مواجهة الحياة بمشكلاتها المضادة. القيادة الناجحة ان الأطفال والمراهقين يهتمون كثيرا بما يمثل أمامهم وبما يلقى على اسماعهم مع انماط التعبير الجاد أو الساخر. فالحرص على اشراك هاتين الفئتين في استنتاج العمل المسرحي من جميع جوانبه (إخراجا ـ وانتاجا ـ وتمثيلا) يساعدهم في ذلك, ويوجههم في داخل المدرسة معلموهم وفي خارج المدرسة الفنانون المسرحيون الكبار. فالطفل والمراهق حينما تتوافر لهما تلك المتطلبات, يزيد احساسهما بأهمية دور الفرد في المجتمع, ذلك ان العناصر الثلاثة نوع من التقمص والتعبير عن النفس بالصورة التي يعشقها الطفل والمراهق بطريقة ايجابية ممتعة, ففي هذا المجال يشعر الأطفال والمراهقون بتنظم احاسيسهم ومكونات شخصيتهم وهم يمثلون ويعبرون عن مخاوفهم واحلامهم وتطلعاتهم لخبرات لم يكتسبوها من قبل. فمثلا يفاجأ بعض المعلمين في احيان كثيرة ان تلاميذه يحفظون تمثيلية ما ويستطيعون تمثيلها, وقد وزعوا أدوارهم, واكتشفوا بأنفسهم شخصيات أصدقائهم, التي تناسب شخصيات المسرحية! وهذا المنهج من جانب التلاميذ يتجاوز أسلوب الثواب والعقاب في التوجيه والارشاد, وهو أسلوب ثبت عقمه خاصة في العصر الحديث. فإذا كان المسرح يعلم الأطفال والمراهقين اسرار القيادة الناتجة عن اداء الأدوار والاخراج والتمثيل, فليس أقل من ان يملك المؤلفون القدرة على مثل هذه القيادة والتوجيه الفنى غير المباشر. الفروق بين المجتمعات والأجيال: إذا سألت طفلا في أية روضة أو مدرسة في دولتنا التساؤلات التالية: ماذا تشكل لك الروضة أو المدرسة؟ وماذا يشكل المنزل؟ فلعل الاجابة لاتتعدى أن تكون: إنني أذهب إلى الروضة أو المدرسة لأتعلم فيهما! ! أما المنزل فهو يشكل لي مكاناً للراحة والاستقرار واللعب. ومن المفروض ان يدرك كتاب المسرح المدرسي والحكومي ان مسرح الطفل والمراهق هو تجربة نفسية (سيكولوجية) كالأجابة التي نتوقعها من الأطفال والمراهقين. وهناك حقيقة لابد ان نذكرها وهي ان مسرح الأطفال والمراهقين اعمق تأثيرا فيهم من اثر مسرح الكبار في مشاهديه بصفة عامة.. وبذلك فإن أى اثر سلبي لايدركه الكاتب اثناء تأليف المسرحية لهاتين الفئتين العمريتين قد يحدث آثارا في نفسية الأطفال والمراهقين لايتخيلها المؤلف من هنا كانت الصعوبة الكامنة في الكتابة لمسرح الطفل والمراهق, لأنه يفترض في المدرسة حينما يقوم المعلمون بتدريب التلاميذ على تمثيلية معينة, ان يمتلك المعلمون المهارة اللغوية التى يفهمها الطفل والمراهق, فليس كل ما يقدم على مسرح الطفل الصغير يصلح للطفل الكبير (المراهق). وهذا يؤدي بنا إلى قضية المترجمات في المسرح الحكومي, اذ لابد من اختيار النصوص التى تلائم طبيعة أطفالنا الصغار ومراهقينا الكبار سواء على مستوى المضمون التربوي أو الشكل الفني, فليس كل ما يقدم على مسرح الأطفال والمراهقين في الخارج يصلح لمسرح أطفالنا ومراهقينا. وبصفة عامة فإن دولتنا تزخر بتاريخ طويل وموروث شعبي غزير لابد من استغلاله فكريا وفنيا, فالطفل والمراهق ليسا على استعداد للاقتناع بأي شيء يقدم لهما وهو وما يتصوره كثيرون, خاصة أطفال ومراهقي القرن الحادي والعشرين الذين يتعاملون مع الحاسب (الكمبيوتر والانترنت) والأجهزة التقنية (التكنولوجية) المعقدة, ولن يتقبلوا أي نص مسرحي يشعرون فيه بالاستهانة بعقولهم وتكنولوجيتهم, فإذا كانت القيم الإنسانية الراقية كالعدل والصدق والشجاعة والأمانة.. ألخ, لاتتغير بتغير الزمن, فإن طريقة تخزينها تكنولوجياً سهلة ويستطيع الطفل والمراهق اكتسابها. اما تجسيدها دراميا في النص المسرحي سواء في المسرح المدرسي أو الحكومي فإنها تختلف من عصر لآخر, فما كان يتقبله الطفل والمراهق في الستينيات قد يرفضه طفل ومراهق عام 2000م, واعني على سبيل المثال, إذا أردنا تجسيد لعبة شعبية قديمة (الدراما الاجتماعية) فلابد من مزجها مع التقنية الحديثة, وهنا تساعدنا الدراسات النفسية (السيكولوجية الجديدة) في محاولات الوصول إلى عقل الطفل والمراهق وقلبيهما. ويتحتم على وزارة التربية والتعليم والشباب في دولتنا والمتمثلة في قطاع الأنشطة ان تختار عددا من الكتاب المتميزين في مجال مسرح الطفل المدرسي, وأن تكون خطتهم اليومية والفصلية والسنوية تجسد القيم المرغوب فيها بالميدان التربوي والتي تثير احساس الدفء والاشباع العاطفي لدى الأطفال والمراهقين, ولكن بأسلوب ناضج يصل إلى مسرحة المناهج الدراسية والدراما الاجتماعية والفن المسرحي عن طريق الاشباع العقلي وتنمية الفكر وتوسيع المعرفة وتعميقها, ذلك ان الاشباع العقلي الذي هو بمثابة التوازن النفسي لا يغني عن الاشباع العقلي, فكلاهما دعامة ينهض عليها البناء الناضج لشخصية الطفل والمراهق. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للمدارس ان تثير اهتمام التلاميذ بالمسرح المدرسي؟ الإجابة: هي ان الأساس الذي يمكن ان تبني عليه المدارس خطتها حتى يدخل المسرح في مجال اهتمام التلاميذ هو ان تجعل المدرسة المسرح جزءا من البرنامج المدرسي وتقديره فيخصص المدرسون له وقتا وفسحة (ركنا) من الصف أو في الهواء الطلق أو في الإذاعة المدرسية أو مسرح المدرسة أو في أي مكان يراه التلاميذ مناسبا للقيام بالتمثيل, بل على المدرسين غرس هذا الفن لما يحويه من جمال في المعنى, والأسلوب, والصور, والخيال والمدرسون على الطريقة الحديثة يقدمون التشجيع والجوائز لأفضل مخرج ومنتج وممثل, بل يقومون بتسجيل المسرحيات على أشرطة فيديو وما شابهه حتى يستمع إليها التلاميذ كلما ارادوا, ولم تعد الجوائز تقدم على الانتاج والتمثيل والاخراج لمجرد حالة وقتية. وأهم من ذلك كله ان يحمل المدرس للمسرح محبة وتقديرا في نفسه فيفيض من هذه المحبة على تلاميذه (وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه!) . ويمكن لمسرح الطفل والمراهق الحكومي ان يقدما مناهج مكملة للمسرح المدرسي, سواء كانت مناهج فكرية وفنية لاعادة النظر في أسلوب التعليم القائم في دولتنا والذي يولد أجيالا ونسخاً متماثلة أو مكررة (كربونية) لاتعي أبعاد واقعها, بالاضافة إلى أسلوب التربية الواقع تحت القهر السلطوي من الكبار في البيت أو المدرسة, وهو ما يؤدي إلى تعطيل ملكات الأطفال والمراهقين ووعيهم, ويعوق قدراتهم على التفكير المبدع الابتكاري الخاص بهم. توصيات ومقترحات أولا: الرقابة الذاتية من المعلمين والكتاب لأنهم آباء قبل كل شيء ومسؤولون ذاتيا. ثانيا: الرقابة المسرحية من الإدارات المدرسية وقسم الأنشطة في وزارة التربية, بالاضافة إلى الرقابة المسرحية من وزارة الإعلام ودورها في توجيه القيم والاتجاهات لخدمة القضية التربوية والاجتماعية مع ملاحظة النقاط التالية: 1 ـ ضرورة وجود مسرح لكل مدرسة على مستوى الدولة (مدن ـ مناطق نائية). 2 ـ ضرورة وجود مسرح للأطفال والمراهقين تتبناه الدولة, كما هو الحال في مصر. 3 ـ ان تقف وزارة التربية ووزارة الإعلام من المحاولات الجادة موقف المتعاون مع توفير الامكانات لكي تقلل من الاخطاء الفنية. 4 ـ يجب ان نفرق بين مسرح الطفل المؤقت ومسرح الطفل الدائم, وذلك حين نقوم بتقييم العروض المسرحية الخاصة بالطفل. 5 ـ العمل على مشاركة بعض الأطفال والمراهقين النابهين لمشاهدة العرض المسرحي الخاص بالأطفال والمراهقين, واعطائهم مساحة أكبر في ابداء الرأي, وتكريم الأطفال والتعقيب على كل عرض مسرحي حتى يستأنس برأيهم. 6 ـ تشجيع المعلمين على الحضور إلى دور العرض المسرحي للأطفال والمراهقين, حتى يتشجع الطفل والمراهق على متابعة معلميه من جهة وغرس الحب للمعلمين في التواصل مع المسرح المدرسي والحكومي. 7 ـ ترك الحرية للطفل ليقول رأيه دون تدخل منا, وليعبر بلغته عن فكره ورأيه في المسرحية المعروضة. 8 ـ ان نراعي في مراقبتنا لدور مسرح الطفل والمراهق غياب النجومية عند بعض الأطفال عامة والمراهقين خاصة, حتى لاتطغى النجومية عندهم, وبالأخص المراهقين الذين يرون اظهار أنفسهم بطريقة أو بأخرى, وألا يؤثر العمل المسرحي سواء المدرسي أو الحكومي على تحصيلهم العلمي. 9 ـ المطالبة بالتلوين في أداء الأدوار, فتارة تكون تمثيليات تخص مسرحة المناهج والإدارة المدرسية, وتارة أخرى تشمل الدرامام الاجتماعية والموروث الشعبي. 10 ـ مشاركة أكبر مجموعة من الأطفال والمراهقين في العروض المسرحية حتى يشمل هذا النشاط مشاركة غير المتفوقين. وفي الختام, يجب ان تكون تجارب المسرحية الخاصة بالأطفال والمراهقين أكثر تأهيلاً وعمقا. ونتمنى على علماء النفس والمؤسسات التربوية المساهمة في تنمية الخيال والاحساس الجمالي لفن المسرح الإماراتي الخاص بالأطفال والمراهقين, وكذلك تعميق القيم الاجتماعية والدينية والقومية والمثل الإنسانية العليا الضرورية لطفل اليوم أو شباب الغد. كاتب وباحث من الإمارات .
0 التعليقات:
إرسال تعليق