أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 16 أغسطس 2018

مسرحية " لم يحن الأوان " تأليف : مطهري وحيد

مجلة الفنون المسرحية





الشخصيات : 

                 حفار القبور
                 الروح
                 رسول الموت 
                 المعلم 
                 الأطياف ( أهل المدينة )


المكان : يمينا مدينة خراب ،  يسارا مقبرة 
الوقت : ليلا

يضرب زلزال عنيف ، الإنارة قاتمة ( ضجيج ، صخب، جري ، صراخ، غبار كثيف...)
( يسمع أصوات صراخ ممزوجة بالفوضى والصخب)
 زلزال ، زلزال..حرب الحرب ... الحرب إنه الزلزال..... إنها الحرب ... آآ....
يتلاشى صوت الزلزال والصخب ، وتعلو موسيقى معبرة عن مأساة ، وتبقى الموسيقى لحظات (إظلام ) ( موسيقى دليلة والزيبق)

إنارة خافتة مع صوت الموسيقى ، تتزايد الإنارة شيئا فشيئا. 
     يمين وسط وسط الخشبة بيضة كبيرة بحجم نصف رجل، ووراء البيضة شبكة من خيوط أو قماش تمتد حبالها من الأسفل إلى الأعلى وأفقيا وعلى شكل مائل عشوائي ، تصنع ممرات وطرق ملتوية، كأنهامدينة خراب ، تلتصق بها بقايا بيوت مخربة.
خلف الخشبة وإلى الامام ق
    يدخل حفار القبور يجر جثة متجها إلى المقبرة  ، يحفر قبرا ثم يدفن الجثة ويحمل معوله ويتقدم ليجلس بجانب قبر آخر .
وراء البيضة وتحت سقف الخيوط ، مجموعة من الأشخاص ( أطياف) ، يمشون أفقيا ، رؤوسهم مطأطأة ، يتاوهون بانسجام ، وينتحبون كسمفونية للموت. الإضاءة فوقهم خافتة، يتوقفون على شكل تماثيل .

حفار القبور:  كأني أدفن نفس الجثة كل يوم ، يلقى الإنسان نفس المصير ، مجرما كان أم بريئا، حاكما أم محكوما ، طاغية أم عبدا.. 
( ينهض ويذهب إلى أحد القبور) 
تكلم أيها القبر ، فإني أعلم ماتحت ثراك 
( يضحك ساخرا)
 كيف تشعر أيها الناسك المتعبد ، وقد برد جسدك تحت التراب؟ هل تخشى الوحدة؟ هاه!؟ 
( تتحول تعابير وجهه إلى الجدية) 
 ألم تكن بالأمس القريب عينا من أعيان البلاد؟ يهابك العابدون ، ويخشاك المجرمون،
 كالجبار الواقف بين الأقزام....؟ وماكنت عليه سوى كذبة سوداء وراء رداء أسود ،
 تغرف من كاس الخطيئة، تسحق شرف أرملة ضعيفة، لا حول لها ولا قوة ، مستترا برداء الوقار .....
 أي شريعة عمياء تجرم الخطيئة فتبيحها لكم....؟ ، ما أنت الآن؟ ( تفوووه) يبصق عليه.
     ( ينتقل إلى قبر أخر) 
وأنت، أنت يا صاحب العدل والميزان ، أيصلح أن تكيل بما تشتهي وما لا تشتهي ...
 وتقضي بما تعلم وما لا تعلم؟ فيقولون هذا مجرم  ويسفك دمه ، فتسلبه أنت حياته ، ويقولون هذا قاض عادل؟
أي ميثاق إئتمنتك عليه السماء؟ أنظر ما أنت عليه الآن، قضت شريعة الحياة فيك حكمها ، وانتصر الدود لأبرياء ظنوا من بني جنسهم انتصارا، فلم يستنصرو لهم.
     ( ينتقل إلى قبر أخر) 
  وأنت يا ملك التخمة، لو إستأثرت بالقليل ، لما مات هذا الفقير جوعا ، ولنجوت بنفسك من تخمة قتلت شعور الانسان فيك قبل أن تقتلك.
يطوف حفار القبور حول المقبرة ويقول:
 هذا ما تستحقونه، لقد جلبتم الموت إليكم طوعا ، حتى البؤساء والفقراء منكم اشتركوا في الجريمة بسكوتهم ، وذلهم ، وهوانهم. هذه شريعة السماء، تعاقبكم جميعا تعاقبكم جميعا .
 ( ويخرج)


       يقوم مجموعة من الأشخاص ( أطياف) ، بنفس الوضعية الأولى يتاوهون وينتحبون في صوت منسجم مع نفس الموسيقى الأولى 
كأنهم عبيد مقيدين بالأغلال.
( يحدث دوي عنيف وموسيقى تنذر بحدوث شيء ما )
تتحرك المجموعة حركات عشوائية ، مترقبة ما يحدث، يدورون حول البيضة ، كأنهم يطوفون ويسارعون في التأوه ، ويتخذون وضعية عبادة ويتجمدون على طول خلف الخشبة.
تفقس البيضة ويخرج منها إنسان ، يطل برأسه بعد أن تسقط القشرة على الأرض.
    ينظر يمينا وشمالا، ويخرج ببطئ ، كأنه يتحقق من شيء ، مع موسيقى مصاحبة للحدث والترقب ، حتى يجلس على الأرض.

الروح : عجبا! لا أحد يترقب مجيئي! ( يفكر) ، ربما لأنهم سئموا الإنتظار ، أتراهم قادمون؟ وماذا إذا لم يحضرو؟ ماذا سأفعل؟ هل سأبقى هكذا؟ 
( يقوم من مكانه ، ليستكشف المحيط من حوله ويتجه إلى المقبرة ، في حركات صبيانية،يكتشف قبرا) 
ماهذا؟ باب سفلي؟ هل يوجد لديهم عالم سفلي؟ بل هي أبواب ، أووووه ، إنها كثيرة ، كثيرة 
( يسمع صوت أقدام فيعود إلى مكانه مسرعا ، ويتصنع الإنتظار ، ويجلس) 
 يدخل حفار القبور ويشم المكان .
حفار القبور:  أشم رائحة غير رائحة الموت...، هل بعث ميت من قبره؟
الروح : ( يسمعه) أيقصدني أنا؟ من الميت؟ وأين القبر؟ 
 ( يحدث ضجة متعمدة فينتبه له حفار القبور ، ويلتفت نحوه قليلا )
حفار القبور: أي جنس أنت؟ أبعثت من قبرك ..... ؟
 أم شياطين الأرض عاقبتك في هذا الخراب ...؟ 
(يجلس حاملا معوله)
الروح : كنت أعلم أن هناك من يرتقب مجيئي ، (يصفق بيديه) وها انت .
حفار القبور: أي لعنة حلت بك يا هذا؟
الروح : ( يقوم من مكانه ويذهب نحو حفار القبور)
 إسمع، توقعت أن اجد هذا العالم عظيما، لقد سئمت الإنتظار في هذه البيضة،
( يتشقلب) 
 ثم قل لي ، ألم يكم من المفروض أن تقيموا احتفالا بقدومي ؟ إنه يوم ميلادي، يجب ان تكون سعيدا.
حفار القبور: لا تستطيع أن تقدر لنفسك من السعادة ماتريد يا هذا.
الروح : أنا ، استبقت الزمن وقدرت لنفسي المجيء قبل الأوان 
( يضحك)
حفار القبور: كانوا يأملون مجيئك ، لكن أحلامهم صارت حلما بعيد المنال.
الروح : من هم؟! وأين هم؟! 
حفار القبور: حلت عليهم لعنة السماء ، ماتوا جميعا، ومن بقي منهم ، أطياف تندب حظها وتنتحب ، وتأمل وهما أن يأتيهم نبي من الأرض يخلصهم من الخراب واللعنة.
الروح : أنا ، سأخلصهم 
( يتشقلب ويصعد على قبر )
حفار القبور : إنك تنتهك حرمة قبورهم .
الروح : ماذا ... ؟ 
( ينزل من على القبر)
  قلت لك أنني سأخلصهم
حفار القبور: هم كذلك يعتقدون.
الروح : لم تقل لي، هل تسكن هنا ؟ هل تعيش لوحدك ؟ 
حفار القبور:  صدقت ......  هذه مدينتي ، أطهر أرضها من جثث نتنت ، فأوريها الثرى، حتى إذا فعلت ، أحس أني أسديت الآثمين معروفا.
الروح : آثمين؟
حفار القبور:  إنهم أطياف المدينة، بقية الناجين من الحرب والزلزال ، ينقرضون شيئا فشيئا ، فأدفنهم قبل أن تحتفل الغربان والكلاب بجثثهم في المدينة
 ( يشير إلى المدينة)
الروح : المدينة ... المدينة ...؟ لا أبصر سور خربة هينة ، كبيت العنكبوت.
حفار القبور:   وكذلك كانت قبل اليوم ، هرج ومرج ، عروشها مرفوعة على جماجم وعظام، بل هي اليوم خير مما كانت عليه، فربما تطهرت من الخطايا والآثام.
الروح : إذا، أنت تدفن الموتى؟
حفار القبور:   إنها مهنتي.
الروح : وهل تفعل شيئا سواها؟
حفار القبور:   إحترفتها لأكسب رغيفا.
الروح :  أنت تعرف الكثير عن الموت ، هيا حدثني عنه.
حفار القبور:    أنا أعرف رسول الموت و لا أعرف الموت .
الروح : وأين هو؟
حفار القبور : سيأتي بعد قليل ، كان ينتظرك .
الروح : وهل يعرفني ؟
حفار القبور : أجل .
الروح : هيا حدثني عن ما سمعتهم يقولون عن الموت .
حفار القبور:     إنه يسير خلفنا ، يتبعنا كالظل ، حتى إذا التقيناه وجها لوجه ، إنحطت عزيمتنا ولم يبق فينا سوى صوت صامت ، نفني بقية أنفسنا في الندم.
الروح : أنا سأقابله ، وأصرعه ..... 
( يقولها بعزم رافعا يده في السماء)
حفار القبور:     إنه هادم اللذات يا هذا، حتى الموت نفسه يموت، بعد أن يفني على كل شيء.
الروح : لقد جئت لاخلصهم ، فانا الأمل الجديد ، فإن عاشوا تناسلوا، وإن تناسلوا قضوا على الموت ، هذا ما أوحت إلي البيضة .
حفار القبور:     لقد تناسلوا من قبل آثاما وخطايا ، فما عساهم يتناسلون بعد هذا ؟ ويخرج حاملا معوله.
يتلاشى الروح شيئا فشيئا حتى يختفي مرددا ما قاله حفار القبور ( فما عساهم يتناسلون ..... )











المشهد الثاني 









المكان : نفس المقبرة 
الزمن : مساءا / إضاءة حمراء


يدخل رسول الموت يرتدي معطفا أسود وقبعة يحمل عصا صغيرة ، تبدو عليه القوة والعنف والسيطرة من خلال مشيته ونظراته .
يجول في المقبرة برقصات ساخرة حول القبور  مع موسيقى غربية مصاحبة للرقص ،
يجلس على قبر بوضعية تدل على انتهاك حرمة القبر ويصفق بعد انتهاء الموسيقى وفجأة يلاحظ أن البيضة فقصت ، يندهش ويتقدم نحوها بحذر شديد إلى أن يصل ، يفتش داخل البيضة فلا يجد شيئا ، فيدرك أن المولود المنتظر قد خرج للدنيا ، وسبق أوان خروجه فيجن جنونه ويجري يمينا وشمالا مظطربا كالمجنون ويخرج من المقبرة للبحث عنه ثم يعود لكن أكثر إظطرابا .
يدخل الروح الى المقبرة قبل عودة رسول الموت ويختبئ وراء قبر مدركا ان رسول الموت يبحث عنه ، يحدث المولود ضجة من مخبئه فينتبه له رسول الموت ويمسكه . 
رسول الموت : أممم ... و أخيرا قد أتيت لهذا العالم .
الروح : ألم تكن ترتقب قدومي ؟ 
رسول الموت : بلى ، لكنك جئت قبل الأوان . 
الروح : كذلك قال حفار القبور ، إنه صديقي ، قال أيضا أنني جئت قبل الأوان ، هذا ما يظنه .
رسول الموت : لقد صدق ،  فقد ولدت لتقبر ، ومن العجب أن صديقك حفار القبور هو من سيقبرك حيا.
الروح : لا ، لا ، أنت مخطئ يا هذا ، جئت لأخلصكم مما أنتم فيه .
رسول الموت : أنت لا تعرفني كي تخلصني .
الروح : ألست من أهل المدينة  ؟
رسول الموت : وإن يكن ؟
الروح : إذن أنا من سيخلصكم من الخراب إن تبعتموني .
رسول الموت : بل أنا من سيخلصك مما أنت فيه . 
الروح : اسمع يا هذا ، أنا لست بشرا ، أعني أنا لست مثلكم ، فنصفي من الماضي وبعضي من الحاضر و البعض الآخر سيكون مع الجيل الجديد الذي سيتبعني ، أنا روح فقط ، روووح ...  هذا ما علمتني إياه البيضة 
رسول الموت : أعلم ، ولهذا جئت لأخلصك وأوفر عنك عناء التعب . 
الروح : أوووووه ... أظنك لا تفهم ما اعني .
رسول الموت : بل إني أعني ما أقول (بغضب) فقد بعثت روحك لتقبر ، هذا مصيرك أيتها الروح 
الروح : أمرك عجيب ... ! ثم قل لي من أنت ؟ ولما تخبرني هذا ؟  هل أنت مأمور ؟
رسول الموت : بل أنا الآمر الناهي وعليك أن تطيعني حتى تنجو .
الروح : (يضحك) أنجو من ماذا ؟ قلت لك أنني مخلص أهل المدينة مما هم فيه ، لقد بعثت لهذا الأمر .
رسول الموت : لا تكن عنيدا ، اسمعني جيدا ، إن هذه المدينة آثم أهلها ، وقد سلط عليهم عقاب من السماء حتى يفنوا جميعا ، فلا تتعب نفسك في أمر كان حكمه مقضيا . 
الروح : بت لا أفهم سبب تشاؤمك .
رسول الموت : قضي الأمر وكفى ، ولم يبقى في المدينة سوى مستضعفين آثمين هالكين لا محالة .
الروح : سأنقذ من تبقى منهم ، مهمتي تقتضي أن تستمر الحياة . 
رسول الموت : لقد وضعوا لها هؤلاء الآثمين نهاية ، ومجيئك الآن محاولة فاشلة من أسلافك ليبعثوا الحياة في عظام رثة  .
الروح : هم يأملون أن يمتد بني جنسهم إلى نهاية الزمان .
الروح : وهذه هي نهاية الزمان فاستعد لتقبر هذا الجسد وتريح هذه الروح الهائمة في ثنايا الخرائب .
الروح : وهل في القبر راحة ؟ 
رسول الموت : ستصعد روحك إلى عالم الخلود ، تلك هي الراحة الأبدية ، فاغتنم الفرصة وانعم بها .
الروح : وأهل المدينة الباقون ، ألا يحق لهم أن يعيشوا ...؟ أن يتناسلوا ... أن تستمر حياتهم ؟  
رسول الموت : لقد تناسلوا آثاما وخطايا .
الروح : كذلك قال حفار القبور ، كأنك تشبهه .
رسول الموت : أنا لا أشبه أحدا ، أنا رسول الموت ، أختار من تختاره وأدله على قبره .
الروح : وهل بعثك الموت إلي ؟
رسول الموت : ليس بعد ، لكنني أحاول أن أقنعك بالحقيقة ، لعلك تختار مصيرك وتسبق قدرك للقبر كما سبقت أوان خروجك من هذه البيضة .
الروح : أراك تصر على فنائي وكأن بك حاجة لزوالي قبل تنفيذ مهمتي . 
رسول الموت : نعم ، لأنني لا أريد أن أبقى فوق هذه الأرض .
الروح : وما يمنعك ؟ 
رسول الموت : قلت لك أنا رسول الموت ، يجب أن يفنى كل شيء ، بعدها أرتاح تحت الأرض ، فقبري ينتظر  منذ وقت طويل ، وقد جئت أنت لتفسد علي راحتي .
الروح : بل جئت لأخلصك أنت ومن بقي من الناجين . 
رسول الموت : إن خلاصهم تحت الأرض وليس فوقها ، فكفاك عنادا .
الروح : أنت تضعف همتي وتنقص عزمي .
رسول الموت : بل أخلصك من عذاب عسير ستلاقيه من هؤلاء البشر ، إنهم آثمون ، كلامهم نفاق ، حكمهم ظلم واستبداد ، وحياتهم حروب وحروب حروب ، فإلى متى سنغفر لهم آثامهم ؟ حتى وإن فعلنا ، فإنهم سيعيدون ارتكاب الخطيئة ، هذه فرصتي لأبيد بني جنسهم ، فلا تحل بيني وبينها .
الروح : أنت تخيفني . 
رسول الموت : بل أنا أساعدك في فهم الحقيقة والقرار ، فهلم إلى قبرك حتى ترتاح روحك الهائمة وتنعم بالخلود الحقيقي . 
( يأخذ رسول الموت الروح إلى قبر )
الروح : لست أدري كيف أموت ، وكيف تذهب روحي إلى الخلود ؟
رسول الموت : لا تخف ، ستتعلم .
الروح : هل سأتألم ؟ 
رسول الموت : أبدا ، ستحس بنشوة الموت ، إنها كالسحر . 
( ويمدده في القبر ) 
الروح : ( قبل أن يختفي في القبر ) أخاف أن أفقد الطريق إلى الخلود .
رسول الموت : ستجدها بعد أن تدفن ، سأدفنك بنفسي و لن أنتظر حفار القبور ، إنه لشرف عظيم لك أن أدفنك ، أنت محظوظ . 
( يحمل رسول الموت المعول ويشرع في دفن الروح ) 
يدخل معلم الحياة 
المعلم : قد سبقتني في لقاءه ، لكنني لن أدعك تفعل ما أنت ناو فعله .
رسول الموت : سحقا ، ليتك تأخرت قليلا يا معلم الحياة . 
( يخرج الروح من القبر يتأوه ويصيح ويتنفس بصوت عال ثم يجلس متكئا على القبر )
المعلم : مرحبا بك أيتها الروح الطيبة ، لقد طال انتظارك ، لكنك أتيت قبل الأوان . 
( يتقدم المعلم نحو الروح ويساعده على النهوض بينما يبقى رسول الموت جانبا ) 
الروح : إذن الكل يعرفني ؟ 
المعلم : والكل كان يرتقب مجيئك لتخلصهم . 
رسول الموت : لا تصدقه ، فهو أسير هواه وأمانيه مثل بقية الناجين من أهل المدينة .
المعلم : بل أنا معلم الحياة يا نذير الشؤم ، الحياة باقية ما دام هناك أمل ، وها قد جاء من يخلص أهل المدينة .
 رسول الموت : هلم بنا لتنقذ نفسك قبل أن يفسد هذا المعلم أفكارك كما أفسد أفكار الآخرين .
( يضع رسول الموت يده على كتف الروح فينزعها عنه بعنف ) 
الروح : من أصدق ؟ أنت ... أم أنت ... ؟ أنا لا أعرف كليكما ، بعثني أسلافي في مهمة لأنقذ الحاضر والمستقبل فإذ بي في صراع لست أدري المذنب فيه ؟ ولمن أنحاز ؟  سأبقى محايد ولن أقف إلى جانب أي منكما حتى أتبين الحقيقة .
المعلم : اسمع أيها الروح الطيبة ، مهمتك تقتضي أن تنقض الناجين من اهل المدينة فلا تفسد الأمر . 
الروح : وهذا ما أسعى إليه . 
المعلم : إذن هلم بنا . 
( يحاول المعلم اخذ الروح معه )
رسول الموت : لا . 
( يتوقف الجميع مع لحظة صمت )
المعلم : لا تضيع الوقت ، هلم بنا . 
رسول الموت : لا . 
الروح : لما تمنعني من تنفيذ مهمتي ؟ 
رسول الموت : لأن أسلافك لا يعلمون أن أهل المدينة آثمون ، فلو عرفوا خطاياهم وآثامهم لما أرسلوك ، فلا تكرر نفس الخطأ .
الروح : وهل كنت موجودا من قبل لأكرر الخطأ الآن ؟
رسول الموت : وجد قبلك من هم أعلى شأنا منك وأنقذوا الآثمين ، لكنهم عادوا لحروبهم وظلمهم واستبدادهم ، فدعهم ينالوا عقابهم ، أتركهم يفنون ، دع الأرض تتطهر من عفنهم . 
المعلم : من أنت حتى تحاسب وتعاتب وتقدر نهاية الزمان ؟
رسول الموت : لن تمنعني أيها المعلم ، إنكم تضيفون للتاريخ مأساة أخرى .  
المعلم : أو ليست هذه مأساة ...؟
رسول الموت : على الأقل ستنتهي اليوم وننتهي معها . 
المعلم : لا تصغي إليه إنه دجال .
رسول الموت : لا تصغي إليه ، إنه كذاب .
المعلم : لا تصغي إليه .
رسول الموت : لا تصغي إليه .
المعلم : إنه دجال 
رسول الموت : لا تصغي إليه .
( يمسك الروح رأسه بيديه كأنه سينفجر )
الروح : كفا ....( ويسقط أرضا يبكي )  كفا .... كفا ...
( لحظة صمت ) 
يدخل حفار القبور حاملا معوله ويجلس في نفس مكانه 
حفار القبور : ها قد إلتم الشمل ، صراع ابدي منذ الأزل وإلى الأزل .
يجري الروح نحو حفار القبور .
الروح : صديقي حفار القبور ، أنا خائف .
حفار القبور : لست صديق أحد ، أنا حفار القبور ، صديق الموتى لا الأحياء . 
الروح : أرجوك ساعدني ، اختلطت في رأسي الأمور .
حفار القبور : أنا أساعد الموتى فقط ، أساعدك عندما تموت . 
الروح : قصدك ستدفنني ؟ 
حفار القبور : أجل . 
الروح : إذن أنت تريدني أن أموت ... أنت تريدني أن أموت ...
حفار القبور : لا شأن لي بموتك أو حياتك .
يقترب رسول الموت من الروح 
رسول الموت : إذن هلم بنا 
( ويحاول أخذه ) 
حفار القبور : ( بعنف ) أتركه 
يتركه رسول الموت مفزوعا فيقترب منه المعلم محاولا أخذه معه 
المعلم : هلم بنا . 
حفار القبور : ( بعنف ) أتركه .
يتركه المعلم مفزوعا .
الروح : مع من أذهب ؟
حفار القبور : يجب أن تختار وتقرر مصيرك ومصير أهل المدينة . 
رسول الموت : اسمع أيتها الروح ، هؤلاء القوم ليسوا خيرا من عاد أو ثمود ، العقاب من جنس العمل ، هم أقاموا الحروب و الله عاقبهم بالزلزال فهل تعترض على حكم الله في
 الآثمين ؟
الروح :  لكني لا أطيق أن أتحمل هذا ... إنها مأساة ...
رسول الموت : ( محاولا أن يستعطف الروح )
 أعلم ما تشعر به ، قضي الأمر فهلم معي إلى قبرك لتجد سعادتك الأبدية وترتاح . 
المعلم : لا ، لن يذهب معك مكرها .
رسول الموت : بل هو ذاهب طوعا . 
المعلم : أيها الأمل المخلص ، ما مصير أهل المدينة إن ذهبت معه ؟ ماذا ستقول لأسلافك ؟ أنت الأمل أنت الخلاص .
يأخذ المعلم الروح معه .
المعلم : هلم بنا ننقذ أهل المدينة .
حفار القبور : توقف .
( يتوقف الجميع )
حفار القبور : لن تكرهه للذهاب معك .
المعلم : بل هو ذاهب طوعا .
الروح : كفا ... كفا ... صدقت أيها الحفار ، يجب أن أقرر مصيري ...... لكن ليس عليا أن أقرر مصيركم.... أنت و بقية الأطياف الناجين  .... 
ظننت وهما أنني سأصنع ابتسامة دافئة على أفواههم ، فخاب مل ظننت .....
اسمعوني جيدا ، قضي الأمر الذي فيه تستفتون ، فما خوف الغريق من البلل إلا هراء .... و الجبان يحمل حتفه على كتفيه .... و الغريب أعمى ولو كان بصيرا ، ..... سأرجع من حيث أتيت .... و سأعود فقط عندما تدركون أن التسامح يحتاج إلى قوة أكبر من الانتقام ..... عندها فقط سأعود ، فربما لم يحن ، ربما سآتي في وقت آخر ... لم يحن الأوان .... ... لم يحن الأوان بعد  ... لم يحن الأوان .....
( يسقط رسول الموت يصرخ ويتأوه ويخرج زاحفا ويسقط في نفس الوقت المعلم يتأوه ويصرخ أيضا )   
رسول الموت : لا ... لا .... لا تصغي إليه ، خلص نفسك وخلصني ، أنت خلاصي ... أنت خلاصي ...
المعلم : لا ... لا تصغي إليه ، عد .... عد إلى هنا ، خلص أهل المدينة ، أنت الخلاص ، أنت الخلاص . 
الروح : لم يحن الأوان ، لم يحن الأوان ...
( ويدخل في البيضة  )
يبقى حفار القبور وحده متحسرا 
حفار القبور : ربما سيعود ذات يوم ، أمل أن يعود ذات يوم .
( يجلس في مكانه يبكي )
تخرج الأطياف تحمل شموعا  تنتزع خيوط العنكبوت معلنة الصحوة وتتجه نحو حفار القبور ، تحيط به ، يعطيه طيف شمعة فيأخذها حفار القبور وكتفاه تهتز من شدة البكاء ، ينهضه أحد الأطياف ويذهب الجميع إلى البيضة ، يطوفون بها حاملين الشموع ، ويجثوا الجميع على ركبتيهم  يتضرعون خاشعين نادمين يدعون الله ....

ويسدل الستار 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption