قاسم محمد ..دائرة التمثيل البغدادية
مجلة الفنون المسرحية
قاسم محمد .. دائرة التمثيل البغدادية
عبدالعليم البناء
ضمن مسارات عملها المتنوعة تواصل الهيئة العربية للمسرح ، وبتوجيه من سلطان الثقافة وعاشق المسرح رئيسها الأعلى الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ، القيام بمهامها في رعاية الإبداع والمبدعين في عوالم وفضاءات المسرح ، بمختلف تمظهراتهم وانثيالاتهم العملية والنظرية والعمل على تكريسها في قالب فكري ونقدي والسعي لنشرها على أوسع نطاق ، وهو ما احتوى عليه عديد إصداراتها التي شكلت مرتكزات نافعة لنشر وتكريس عطاءات صناع الجمال المسرحي وترصين لغته الباذخة لإغناء المكتبة المسرحية، وذلك إنطلاقاً من إيمانها بأن المسرح ورموزه في بلادنا لابد أن يحظى بالإهتمام وتسليط الضوء على المنجزات والتجارب الإبداعية المحلية ،وتأصيلها بالتواشج والتعاشق والإستنباط والإستفادة من تجارب الآخر.
وحيث كان المعلم الكبير الراحل قاسم محمد ،المخرج ، والمؤلف ، والكاتب ، والمنظر والمفكر ،أحد أبرز الفاعلين في المسرح العربي كان لابد أن تجد أفكاره ورؤاه وتنظيراته طريقها الى المعنيين بالمسرح ، فوجدت الهيئة ضالتها في كتاب جديد من تأليفه حمل عنوان ( دائرة التمثيل البغدادية) ، وبعنوان فرعي موح ومعبر ودال ضمن اللعبة المسرحية (في توصيف مفهوم الإنسان الممثل وأدائه المتجدد) ، ومن إعداد د. يوسف عايدابي وخالدة مجيد (والأخيرة هي قرينة الراحل قاسم محمد) ، ومن تقديم الناقد الجمالي والأكاديمي د. عقيل مهدي يوسف .
والمهم أيضا أن هذا الكتاب ، وكما جاء في كلمة الناشر (الهيئة العربية للمسرح) التي تصدرت الكتاب ، أنه يمثل كبيراهتمامها "بتوسيع دائرة نشر مفاهيم نظرية من عالمنا لمسرحيين اجتهدوا في صياغة مفاهيم وأساليب من خبرة واقعنا ، عملياتية وتطبيقية، بل ويمكن أن نصل بها الى طريقة ومنهج (محلي) في الحيز المسرحي العربي مستفيدين بالطبع من الآخر الذي أفلح في صب قوالبه في مجتمعه وبلغته ، طمعاً في أن نجد أيضاً نحن لغتنا الخاصة بنا في التمثيل والإخراج والكتابة والسينوغرافيا والتقنيات ذات الخصوصية البيئية التراثية".
وتوضح في هذا السياق "بين أيدينا إجتهاد المسرحي العراقي قاسم محمد الذي كرس بحوثه في شأن الأداء ، منطلقاً من من التجريبية الشعبية حاملاً معه تراث المدرسة الروسية في النظرية والمفاهيم الأساسية والطرائق ، وهو يحث السير للتوصل الى دائرة التمثيل البغدادية – العربية. إنه بحث للعقل فيه نصيب وافر وكبير ، وللتأمل والمراجعة والتطبيق فيه سبل لابد أن تصل بنا الى دربة وتمكين وتعزيز للأداء والتعبير المختلف المخصوص والخاص بنا نحن لا الآخر".
ويرى د. عقيل مهدي في مقدمته للكتاب التي قامت على تقديم رؤية نقدية لمشاريع قاسم محمد الإبداعية ومتبنياته الفكرية والعملية أن "قاسم ، وفق قوانين المنهج المقارن ، يقترب ايضا من (باربا) في محاولته الدؤوبة لتاسيس عراقية ما لمسرحه ، دون رغبة منه، صريحة أو مضمرة، في السقوط باحابيل العرقية البغيضة (..) ، ولكنه يفهم المسرح ورشة يسكنها الأحياء من ابناء شعبه ويجري عبر شبكتها تداول خطابه المسرحي، ويتم تحقيق هذا التفاعل المؤثر نتيجة لعمليات التواصل بينه وبين متفرجه".ويضيف ، مواصلاً قراءته لاشتغالات قاسم محمد الرائدة والمتنوعة " وهكذا يدفع قاسم بقلوع سفينته المغتربة ، بأشرعة تفردها أجنحة الفراشات ، للإبحار باتجاه الرقم الطيبنية والمسلات ، بحثاً عن الكمال والخلاص بعيداً عن قيود حبال مطاطية ".
الكتاب الذي جاء في مائة وأربعين صفحة من القطع الكبير واحتوى على صورنادرة ومهمة وثقت لمسيرة قاسم محمد داخل وخارج العراق ، مع نشر سيرته الذاتية الباذخة بالثراء الإبداعي ، ركز على (توصيف مفهوم الإنسان الممثل وادائه المتجدد) بالتعبير عن الأمل لنا، نحن أهل المسرح العرب ، الذي " يكمن في تغيير نوعية اشتغالات التأهيل والإعداد والتدريب ، والذي يوفر الشغل على السعي لخلق ذلك اليوم الذي سيلتقي فيه المبدع الحالم والمحلوم به"، كما يرى قاسم محمد ، الذي ناقش في بحثه المتفرد النابع من تراكمية تجاربه تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً ودراساته وبحوثه وكتاباته (الإنسان الممثل) ، منطلقاً من تباين تجربته الذاتية وحيثيات حياته وتلويناته في أدق التفاصيل الأدائية ومضمراتها.
يرى الملهم والمعلم قاسم محمد ، أن "الإنسان الممثل هو المكان الوحيد الذي تجري فيه أحداث المسرحية ، لأنه أصلاً يعد المحصلة الأساسية والنهائية لجريان أحداث الحياة والتاريخ والذاكرة والحلم والتراث". ولا يتم هذا الحراك الإبداعي إلا " بإيقاظ كامل حراك اشتغالات الدماغ الإبداعية واشتغالات عناصر الإبداع ( الحلم /الخيال/الحدس الفني الصائب/الدافعية الأخلاقية/المزاج السعيد/الإرادة/ الشجاعة/ التأمل/ التركيز)"، ليعالج مسائل إعداد وتجهيز وتدريب الممثلين الجدد وما تعانيه من مشاكل عدة، متطرقاً في بحثه هذا الى مناقشة (ذاكرة التمثيل) ،و(علاقة الممثل بالمؤلف) ، و(علاقة الممثل بالمخرج) ، و(الممثل والجمهور) ليصل الى معالجة (مهنة الممثل) عبر (صناعة الدور) ، ومن ثم (المعالجة والأداء في المسرح الشعري) عبر (إشكالات واستداراكات) ، وهي جميعاً أمور مفصلية بل وجوهرية في ابراز قيمة ومكانة المسرح و(في توصيف مفهوم الإنسان الممثل وأدائه المتجدد).
0 التعليقات:
إرسال تعليق