غائب لا يعود ..وإزاحة أسطورة البطل العربي الأوحد
مجلة الفنون المسرحية
غائب لا يعود ..وإزاحة أسطورة البطل العربي الأوحد
بقلم :* د .مصطفى سليم
(غائب لا يعود) أمسية عربية تغلق كتب التاريخ وتبحر في متاهات العقل الجمعي المليئة بالتهرؤ والتناقض وانتظار الفعل لتصبح مؤشرا ثقافيا لأمة سليبة تنتظر البطل الأسطوري الأوحد الذي يأخذها بقوته الهرقلية نحو النصر ليعيد كتابة التاريخ كما نحلم به ونتمناه .
الكاتب هنا يدحض هذه الثقافة السلبية التي دمرت الأمة وينتصر للفاعل الجماعي ويلجأ للإحالة في هذا على البطل العربي الشعبي ( عنترة ) ولكنه هنا كما أراده الكاتب عنترة الذي غاب بفعل الخيانة والفساد والاحتيال ...غاب وغاب عنه الوعي والفعل ..غاب ولم يعد وربمالن يستطيع العودة كما يؤكد عنوان المسرحية ( غائب لا يعود ) .
ينجح السادة في تغييب عبلة وإيهام عنترة العائد بأنها لم تقابله وكعادتهم يستفيدون من هذا الوضع ثم تبدأ المواجهة البديعة بين عنترة / البطولة وامتدادها المتمثل في ( سيف ) شبيهه العصري المهزوم بثقافة الانتظار ، تلخص هذه الدراما التي تخلخل المفاهيم الثقافية السائدة التي تسيطر على ذهنية أبناء أمة محبطة تريد أن ترى الحقيقة وتحاول أن تعدل من مواقفها لتخرج من أزمنة الهزيمة لأزمنة الانتصار .
إن العجز عن قتل هذا الوهم هو الإدراك الذي تقود له هذه المواجهة التي تستخدم السيف كعلامة مرئية تشير للصراع بين فكرتي البطولة الفردية والبطولة الجماعية .
الكاتب هنا يستخدم قدرته على التحليل فيضفي عمقا وحياة لرموز الحكاية فنشعر أنهم يحيون بيننا ويتجاوزون أزمنتهم وأمكنتهم ليعبروا عنا نحن هنا والآن وهناك وعندئذ .
تبدأ المواجهة بين ( سيف ) الذي يمثلنا وبين عنترة الذي يمثل أسطورة البطولة الشعبية في مشهد المبارزة الأول وهو المشهد الأكثر سخونة وإثارة للفكر .
ويعمد الكاتب لحيلة تؤجل النهاية بوعد بمبارزة وفرصة أخرى ( لسيف ) الذي يجعله ( عنترة / الفكرة / الضمير ) ينتصر عليه ليعلي قيمة البحث عن حقيقة الذات العربية وقدرتها المفقودة .
المسرحية التي يقدمها الكاتب المصري المخضرم ( محمود القليني ) هي واحدة من أرقى نماذج مسرح الثقافة الجماهيرية في مصر والتي قدمت للثقافة العربية مجموعة من نصوص وكتاب المسرح فساهمت في الحفاظ على فن الكاتب المسرحي وعملت على تطويره ، وأعتبر هذا النص معالجة عصرية فريدة لموضوع قديم ومحبب لكاتب مسرح الثقافة الجماهيرية ومخرجيه وهو موضوع إزاحة البطولة الفردية لصالح البطولة الجماعية وإيقاظ الوعي الجمعي لقوة الفاعل الجماعي وقدرته على التغيير .
*شاعر وكاتب مسرحي / أستاذ مساعد الدراما والنقد المسرحي – أكاديمية الفنون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق