جمال ياقوت يقدم أول موسوعة بحثية عن الإنتاج المسرحي "موسوعة الإنتاج المسرحي" تتتبع الإنتاج المسرحي انطلاقا من وظائفه وموارده وعناصره، فتخطيط المشروعات الإنتاجية، ومرورا بنظمه من آليات وأنماط.
مجلة الفنون المسرحيةجمال ياقوت يقدم أول موسوعة بحثية عن الإنتاج المسرحي
"موسوعة الإنتاج المسرحي" تتتبع الإنتاج المسرحي انطلاقا من وظائفه وموارده وعناصره، فتخطيط المشروعات الإنتاجية، ومرورا بنظمه من آليات وأنماط.
صعوبات كثيرة الموسوعة جاءت في خمسة أجزاء
الموارد تشكل أهم مدخلات عملية الإنتاج المسرحي بشقيها الفكري، والمادي
المشكلة تكمن في الاختيار وليس في الإنتاج نفسه
تعد "موسوعة الإنتاج المسرحي" للمخرج المسرحي وأستاذ التمثيل والإخراج والإنتاج المسرحي د.جمال ياقوت، الأولى مصريا وعربيا التي تتبع الإنتاج المسرحي انطلاقا من وظائفه وموارده وعناصره، فتخطيط المشروعات الإنتاجية، ومرورا بنظمه من آليات وأنماط، فأسسه النظرية والتطبيقية لتنظيم المهرجانات، وانتهاء بتسويق منتجاته. وقد جاءت الموسوعة التي صدر منها الجزء الأول بعنوان "مقدمة في الإنتاج المسرحي" في خمسة أجزاء.
وقد أكد ياقوت صعوبة ما أقدم عليه من عمل بحثي كهذا حيث قال في مقدمته "واجهت صعوبات كثيرة أثناء إعدادي لبحث الدكتوراه في مجال الإنتاج المسرحي بسبب الندرة الشديدة للمراجع التي تناقش هذا الفرع المهم من دراسات الفنون المسرحية، كما لاحظت أن المعاهد والكليات المتخصصة لا تقوم بتدريس مادة للإنتاج المسرحي – عدا قسم الدراسات المسرحية بكلية الآدب بجامعة الإسكندرية الذي يدرس مادة الإنتاج المسرحي لطلبة الفرقة الثالثة في مرحلة الليسانس، ومادة الإنتاج والتسويق لطلبة الدراسات العليا في مرحلة الماجستير، كما يدرس قسم المسرح بجامعة عين شمس مادة الإنتاج بوصفها مادة اختيارية في مرحلة الليسانس. أما دون ذلك، فلا ذكر لهذا الموضوع المهم بين مواد الدراسة في المعاهد والكليات المتخصصة في منطقة الشرق الأوسط، أما في الغرب فهناك أقسام للإنتاج في المعاهد والكليات المتخصصة في فنون المسرح. هذه الأسباب وغيرها هو ما دفعني لكتابة هذا المرجع، وكان السؤال الأهم في هذا السياق، ما الموضوعات التي يمكن أن يطرحها الكتاب، والتي يمكن أن تؤدي إلى التعامل مع المسرح بوصفه صناعة تهتم بتحقيق الأهداف المرجوة من العملية الإنتاجية سواء كانت هذه الأهداف ربحية أو غير ربحية".
وقبل ذلك أوضح ياقوت أن للإنتاج – بصفة عامة - أهمية كبرى في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية، إذ يُعدُّ "الإنتاج وسيلة لإشباع الحاجات الإنسانية (الطعام، الشراب، الملبس، المسكن، التعليم.. إلخ)، ومن الملاحظ أيضا أن الإنسان لا يستطيع أن يجد إشباعًا مباشرًا لهذه الحاجات من الطبيعة، ولكن الأمر يحتاج إلى قيام الإنسان بمجهود يؤدي إلى إيجاد سلع وخدمات بقصد إشباع حاجاته. كما أن الإنتاج مصدر للدخل؛ حيث تحصل عناصر العمل على أجر، ويحصل صاحب عنصر رأس المال على الأرباح الناتجة عن الاستثمارات ".
وأضاف "إن الإنتاج يُعنى بتحقيق القيمة المضافة بواسطة العنصر البشري - بصفته أحد أهم مدخلات العملية الإنتاجية - على مواد أولية للوصول إلى منتج نهائي يحقق منفعة ما، هنا تبرز أهمية الإنتاج بوصفه الآلية التي تتغير بها ملامح المدخلات بهدف الحصول على منتجات صالحة للاستخدام. فالشجرة التي تقتطع من الغابات لا يمكن استخدامها بالصورة التي أوجدت عليها في الطبيعة، لكن الإنسان يقوم بعمليات تحويلية تتمثل في تقطيعها وتهذيبها حتى تصل إلى صورتها النهائية في صورة ألواح منتظمة من الخشب توجه لصناعات متعددة في مجالات الأثاث، أو البناء أو أي مجال آخر، ليستفيد منها أطراف كثيرة على مر المراحل الإنتاجية التي تتمثل في الزراعة في بلد المنشأ، والقطع من الغابات، والنقل إلى المصانع، وإعادة التشكيل في صورة ألواح ومراين في المصانع، والبيع لتجار الجملة، والشحن البحري لبلد آخر، والتخليص الجمركي، والبيع لتجار محليين، والبيع لتجار التجزئة، والبيع للمصانع في البلد المستورد للأخشاب، وإعادة التصنيع في صورة منتجات نهائية، وأخيرًا البيع للمستهلك النهائي.
وأشار ياقوت إلى أن الإنتاج بهذا الشكل – وما يشابهه في صناعات أخرى - يدر عوائد على أطراف كثيرة في كل مرحلة، العمال، والصناع المهرة، وشركات النقل، والتجارة، والمصانع، والمستهلك النهائي، كل هؤلاء يستفيدون من فكرة الإنتاج الذي تطور مع بدايات الثورة الصناعية، وزادت معدلات تطوره مع الثورة التكنولوجية؛ حيث استبدل العنصر البشري في السنوات الأخيرة بميكنة متطورة ساعدت في الحصول على منتجات عالية الجودة في أزمنة تشغيل قياسية، وهو ما أدى إلى تقدم دولة على أخرى اقتصاديًا.
ويمكننا الاستدلال على أهمية الإنتاج بالنظر إلى بلد مثل الصين التي غزت العالم بكم هائل من المنتجات التي تقدم مستويات متباينة من الجودة، بدءًا من لعب الأطفال وحتى السيارات والطائرات والأجهزة التكنولويجة المعقدة. والمشكلة تأتي عندما نصدر أحكامًا عامة بأن المنتجات الصينية رديئة الجودة، استنادًا إلى المنتجات الصينية الرديئة التي غزت الأسواق العالمية في السنوات الأخيرة، وهو أمر يجافي الحقيقة، لأن المشكلة تكمن في رداءة اختيار المستورد الذي يبحث عن أرخص الأسعار بغض النظر عن الجودة، ويمكننا أن نتخيل المستويات المختلفة من جودة المنتجات الصينية عندما نكتشف أن غالبية المنتجات التي تباع في أسواق أميركا وأروربا – مثل الملابس والمفروشات - مصنوعة في الصين، وهي منتجات تتمسك بكل أسباب الجودة الراقية.
الإنتاج يُعنى بتحقيق القيمة المضافة بواسطة العنصر البشري - بصفته أحد أهم مدخلات العملية الإنتاجية - على مواد أولية للوصول إلى منتج نهائي يحقق منفعة ما
المشكلة تكمن في الاختيار وليس في الإنتاج نفسه، لأن المستورد الغربي عندما يذهب إلى الصين يختار ما يناسب الذوق المحلي في البلد المستورد من حيث التصميم والخامات، وهو بالطبع سيكون مستعدًا لدفع القيمة الملائمة لهذا الاختيار حفاظًا على المواصفات القياسية التي تتناسب مع ذوق المستهلك في هذا البلد.
وأكد ياقوت على أن المقدرة التخطيطية والتنفيذية للجهاز الإنتاجي في هذه الدولة، يمكنها ـ بمنظومته العلمية - من إنتاج عدد هائل من السلع القادرة على مخاطبة مستويات اقتصادية مختلفة، وهذا هو بيت القصيد، لأن هذا التباين يمثل السبب الأهم لنجاح المؤسسات الإنتاجية في الصين، لأنها هنا تصبح قادرة على التعامل مع جميع أشكال القوى الاقتصادية على مستوى العالم.
وقبل أن نبرح هذا الموضع، سوف أسوق تجربة عايشتها بنفسي، فقد سافرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، إلى لندن لمشاهدة بعض العروض الموسيقية في منطقة الويست إيند (West End)وقررت أن أشترى لاب توب ماركة APPLEلكني لم أجد جهازا بلوحة مفاتيح باللغة العربية، فقمت بشراء الجهاز بالمواصفات المطلوبة – عن طريق التليفون - من خلال الشركة الأم في انجلترا، وعندما أرسلوا لي رقم الطلبية عبر بريدي الإلكتروني، لتتبع وصولها إلى لندن، اكتشفت أن الطرد غادر الصين إلى كوريا إلى ألمانيا إلى لندن. وبغض النظر عما إذا كانت الصين تقوم بتصنيع الجهاز أو تجميعه، فإننا أمام ظاهرة اقتصادية تشير بوضوح إلى تقدير الصينيين لقيمة العمل والإنتاج، وهو ما وضعهم على قمة الهرم الاقتصادي العالمي.
ورأى أن الاهتمام بوضع استرتيجيات للإنتاج والتسويق يعكس رغبة المؤسسات الإنتاجية في التعامل مع الإنتاج بوصفه علمًا يعتمد على التخطيط والبحث عن أمثل الطرق لتحقيق الأهداف في المجالات المختلفة، ولا يخفى على الكثيرين منا ندرة الدراسات التي تهتم بالجانب الإنتاجي في مجال الفنون عامة والمسرح خاصة في عالمنا العربي، ويرجع ذلك إلى أننا لا نتعامل مع المسرح بوصفه صناعة، قد يكون للإنتاج السينمائي حظ أفضل في الاهتمام بهذا النوع من الدراسات ذلك لأن العالم – بما فيه دول الشرق الأوسط – تتعامل مع السينما بوصفها صناعة تحقق الكثير من الأهداف سواء الربحية أو غيرها، أما المسرح، فما زلنا للأسف نتعامل معه على أنه نشاط ترفيهي أو خدمي، حتى في ظل بعض تجارب المسرح التجاري المحدودة في العالم العربي.
الجزء الأول من الموسوعة ضم ثلاثة فصول رئيسة الأول: الإنتاج المسرحي، الوظائف والموارد وركز فيه ياقوت على ثلاث وظائف أساسية مرتبطة بعملية الإنتاج المسرحي، وهي: المنتج، ومدير الإنتاج، ومدير تخطيط الإنتاج. حيث نعرض لأنواع المنتجين الرسميين وغير الرسميين، من يهدفون لتحقيق الربح أو لا يهدفون لذلك، كما نعرض لمهام ومواصفات مدير الإنتاج، ومدير تخطيط الإنتاج، كما يسعى هذا الفصل لشرح مفهوم الإنتاج بصفة عامة، وما يرتبط به من مفاهيم مثل الموارد الاقتصادية بأنواعها المختلفة؛ طبيعية، بشرية، ومصنعة، وهنا نتعرض لأنواع رأس المال الذي ينقسم لشقين هما: رأس المال المتداول الذي يتضمن النقدية السائلة وما في حكمها، ورأس المال الثابت، الذي يتضمن الأصول الثابتة مثل المباني والأجهزة.
وعرض ياقوت في الفصل الثاني "عناصر الإنتاج المسرحي" لعناصر العملية الإنتاجية في المسرح والتي تقدمها عنصر الموارد التي تشكل أهم مدخلات عملية الإنتاج المسرحي بشقيها الفكري، والمادي، فنعرض للموارد البشرية التي تعمل في مجال الإنتاج المسرحي وهي: المنتج، والمؤلف، والدراماتورج، والمخرج، والممثلون، ومصممو العناصر المرئية مثل: الديكور والإضاءة والملابس والماكياج، ومصممو الاستعراضات، وكذلك نعرض لمصصمي العناصر المسموعة مثل: الشاعر، والمغني، والمؤلف الموسيقي، وكذلك يعرض الفصل لأفراد الشؤون المالية والإدارية، ومنفذي الأعمال الإبداعية، والأشغال المادية، وأخيرًا نعرض لوظائف المخرج المنفذ، ومدير خشبة المسرح، ومساعدي المخرج، وفريق الإدارة المسرحية.
أما العنصر الثاني من عناصر الإنتاج المسرحي فتمثل الأدوات التي يستخدمها كل مدخل بشري من المدخلات السابق الإشارة إليها، وكذلك يعرض هذا الفصل لأدوات تنفيذ المدخلات المادية للعرض المسرحي مثل الديكورات والملابس وخلافه.
والعنصر الثالث الذي عرضه ياقوت كان العمليات التحويلية التي يقوم بها كل مدخل باستخدام الأدوات. ولأن العمليات التحويلية تمثل عصب عملية الإنتاج المسرحي؛ فقد تم تقسيم هذه العمليات إلى مرحلتين: هما المرحلة التخطيطية، والمرحلة التنفيذية، في المرحلة التخطيطية يعرض المبحث للأعمال الذهنية التي تشكل بنيان العرض المسرحي لمجموعة المبدعين وهم على سبيل الحصر: المؤلف، والدراماتورج، والمخرج، ومصممو العناصر المرئية والمسموعة للعرض المسرحي، وكذلك الممثلون. كما نعرض في هذه المرحلة للعمليات التحويلية الإدارية التي يقوم بها المنتج، وأقسام الشؤون المالية والإدارية والتسويق.
ما في المرحلة التنفيذية التي يتم فيها العمل على أرض الواقع بصورة مادية من أجل إخراج العرض المسرحي للنور، فنعرض لها من خلال ثلاثة محاور: المحور الأول يهتم بالعمليات التي تخص العناصر الفكرية، وتتضمن أعمال المنتج، والمؤلف، والدراماتورج، والمخرج، ومصممي العناصر المرئية، أما المحور الثاني فيختص بالعناصر المادية من ديكور، وملابس، وإضاءة، وماكياج، وعرائس. وأخيرًا المحور الثالث ويهتم بالعمليات التحويلية التي تتم على العناصر الإدارية على مستوياتها الثلاثة، منتج، وشؤون مالية، وتسويق.
ثم عرض ياقوت للعنصر الرابع من عناصر الإنتاج المسرحي وهو المنتج النهائي الذي يمثل الهدف الذي تسعى العملية الإنتاجية للوصول إليه في النهاية، ومن هنا نعرض لطبيعة الجهات المستفيدة من عملية الإنتاج المسرحي – وهي العنصر الخامس - وأخيرًا يعرض هذا الفصل للعنصر السادس من عناصر الإنتاج المسرحي وهو طبيعة الاستفادة الناجمة عن القيام بالفعل الإنتاجي لكل مستفيد.
أما الفصل الثالث فتعرض فيه ياقوت لأهم العوامل التي تؤثر في عملية الإنتاج المسرحي، وأهمها، المقدرة التمويلية، والتسويقية، ومدى رواج المسرح بوصفه وسيطًا تثقيفيًا أو ترفيهيًا، والحالات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وقدر الضرائب والعوائد الحكومية على الفنون، ورواج السياحة الفنية، ومدى احترام حقوق الملكية الفكرية، وأخيرًا الانفتاح الثقافي خارج الحدود الإقليمية للبلد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق