الفنان طعمه التميمي .. كوكب من كواكب الابداع والتالق
مجلة الفنون المسرحية
الفنان طعمه التميمي .. كوكب من كواكب الابداع والتالق
جوزيف الفارس :
تعرفت عليه في سنة 1965 حين دخولي معهد الفنون الجميلة وهو طالب في القسم المسائي , ومع العديد من نجوم الدراما العراقية لا حقا منهم : الفنانة المتالقة فوزية عارف , والفنانة والتي لم تزاول مهنة التمثيل والاخت العزيزة هناء المشهداني والتي لم تزاول مهنة التمثيل , والفنانة غزوة الخالدي وفخري العقيدي وجاسم شعن ورشيد شاكر ياسين وعبد الامير السلمي وعبد الامير السماوي , والعديد من هؤلاء الطلبة والذين اصبحت لهم مسيرة يشار لهم بالبنان ان كانوا في بغداد , او من محافظات القطر ومنهم من الموصل , محمد نوري طبه , وعبد الامير السلمي من البصرة , والانكى من هذا ان الفنان طعمه التميمي ولادته من محافظة البصرة الا انني لم اعرف في وقتها انه بصراوي الولادة , كان طالبا ادهشتني اخلاقه , وطيبة قلبه والمتاثرة باهالي البصرة .
ان الفنان طعمه التميمي يحمل من المواصفات والمقومات الاساسية اهلته لان يكون فارسا من فرسان الدراما العراقية , بل فاق بحرفيته وبمؤهلاته الفنية العديد من النجوم العراقيين والعرب والعالميين والذين شاركوه في العديد من الاعمال الفنية في السينما العراقية والتي شهدت على ابداعاته .
ان الفنان طعمة التميمي اهلته المقومات الاساسية والتي توفرت فيه كممثل جيد , هذه المقومات التي يجب على كل ممثل جيد يملكها , مثل الصوت الجسد , كان يملك صوتا جميلا يكيفه وبموجب متطلبات الشخصية التي يجسدها , وكذالك يملك من الجسد والتي يستطيع ان يكيفه وفق الشخصيات المختلفة من شخصيات الاعمال الدرامية منها المركبة والبسيطة , ولقد استطاع هذا الفنان البارع والمتقد نشاطا وحيوية في تمثيله ان يجسد دور انطونيو في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير والتي اخرجها الفنان المرحوم جعفر السعدي , وكذالك في شخصية الدكتور سكمن في مسرحية عدو الشعب للكاتب النرويجي هنريك ابسن والتي اخرجها الفنان المبدع المرحوم الاستاذ بدري حسون فريد .
لقد جسد الفنان المرحوم شخصية انطونيو في مسرحية يوليوس قيصر تجسيدا رائعا , لقد استطاع بصوته الجميل ان يستخدمه كممثل حرفي في تجسيد هذه الشخصية الكلاسيكية والتي يصعب على اي فنان ان يجسد مثل هذه الشخصيات ليعبر ومن خلال المشاعر والاحساس الصادق والتي جائت عن تفسير الحوار تفسيرا سايكولوجيا واخراج المعنى الحقيقي والمستتر ماوراء السطور , ومن خلال الالقاء المهني والذي ابدع فيه , سيما وان خطبة انطونيو الشهيرة والتي هي محط اختبار جميع الطلبة والذين كانوا يؤدون اختبار القبول في معهد الفنون الجميلة , هذه الخطبة المشهورة , تحتاج الى التلوين في الالقاء , وثقافة عالية في كيفية الالقاء السليم , وكيفية التعبير اللغوي والصوتي في امكانية التصوير الصوري للكلمة وللجملة , اضافة الى ان هذه الخطبة لا يتجرأ اي ممثل على القائها باستثناء الفنانين الذين يملكون الثقافة الحرفية في تجسيد مثل هذه الشخصيات الكلاسيكية لمتطلبات المقومات الاساسية في دراسة الشخصية وتحليل ابعادها وايجاد الصراع الاساسي والذي يساعده على تجسيد الشخصية وخلق العلاقة بين الحدث والشخصيات الاخرى في المشهد الواحد , هكذا تمكن الفنان طعمة التميمي وهو طالبا في الصف الثالث المسائي في معهد الفنون الجميلة من تجسيد شخصية انطونيو , وخلق عنصر التشويق والاثارة في مشهد التابين والتشييع للقيصر والذي اغتالته الزمرة الملتفة حوله من امثال كاشيوس ( الفنان فخري العقيدي ) وبروتس حبيب القيصر والذي جسده الفنان المرحوم ( فاروق فياض ) .
لقد استطاع هذا الفنان ان يبدع في خطبة انطونيو وهو يلقيها باداء جميل وهو يدور حول جثة القيصر بعد ان سبقه بروتس في الخطبة التي من خلالها بين للشعب الاسباب التي اودت بقتلهم للقيصر وتعليل ذالك بانه يحب روما اكثر من حبه لقيصر , مما جعل الجماهير تصفق له , انما خطبة انطونيو كانت مهمة صعبة على الفنان طعمة التميمي وكيفية القائها في وسط هذه الجماهير الحاشدة حول الجثة وهي تهتف لحياة روما ولاشرافها , وهنا رفع انطونيو يده ( طعمة التميمي ) طالبا الهدوء , ومن ثم بدأ بالقاء الخطبة محاولا ان يبدا من نقطة البداية لطبقته الصوتية بصوت هادىء وبالتدريج بدأ يتفاعل مع المشهد ويندمج اندماجا علميا مع المشهد والشخصية واستطاع وعن طريق خطبته ان يسيطر ويقنع الجماهير بان القيصر مازال شريفا من اشراف روما وان حبه لها لا يقل عن محبته لكم , وهكذا استطاع ان يقنع الجماهير المحتشدة حول جثة القيصر بخطبته الرائعة والتي صاغ حوارها بلغة شعرية جميلة الكاتب العبقري شكسبير .
ان الفنان طعمة التميمي له من الخلق والاخلاق مما ساعدته على امتداد جسور المحبة بينه وبين زملائه من الفنانين , ومتواضعا بشخصيته , وفنان يحترم فنه ويقدسه ومن خلال التزامه بمواعيد التمارين , والحضور في الوقت المحدد للتصوير ان كان في التلفزيون او السينما , يلتزم بتوجيهات المخرجين , اضافة الى كونه مبدعا ومبتكرا للعديد من الاضافات لادواره التي يمثلها , وبعد استئذانه من المخرج واخذ رايه يبدأ العمل بها .
الفنان طعمة التميمي صاحب مواقف وطرائف جميلة ما زلت اتذكرها الى الان , ففي احد الايام تاخر عن موعد حضوره لتمارين مسرحية يوليوس قيصر , وبعد انتظار اقترح عليه مدير المسرح الطالب ( على ما اتذكر اسمه قاسم محمد حيث كان يعمل مديرا لشركة صناعة وبيع الطابوق في الشركة العامة للمقاولات والمشاريع الانشائية في بغداد ) اقترح عليه ان يبدؤون بالتدريب على المشاهد والتي ليس فيها طعمه , وانما الاستاذ جعفر السعدي اصر على ان يبدأ المشهد والذي فيه المرحوم طعمه , كي يجعله يتحمل نتائج تاخير العمل وتخلفه عن حضوره في الوقت المحدد للتمرين وبيان مدى الضرر الذي سببه هذا التاخير , حيث وصل به الامر الى حرمانه من العمل في هذه المسرحية واعفائه عن تجسيد هذه الشخصية , وبينما نحن في تفكير عميق عن مساوىء ما سينتج عن هذا التاخير , واذا بالباب الخارجي لقاعة المرحوم الاستاذ حقي الشبلي ينفتح ويطل علينا طفل صغير محمولا على ذراعي شخص مجهول لكون جسمه في الخارج ولم يظهر منه سوى الطفل ويديه , مما جلب انتباهنا وانتباه الاستاذ جعفر السعدي , والذي خلقت هذه الحركة تسائلات عمن يكون هذا الطفل , وما علاقته في الحضور الى قاعة التمارين , واذا بالطالب طعمة التميمي يدخل وهو حامل طفله المريض وابتسامته على وجهه ,و ينظر بعينين تتوسلان من الاستاذ جعفر السعدي السماح للدخول والعفو عنه لهذا التاخير , واذا بالقاعة وبما فيها من الطلبة يغرقون بالضحك ومع الاستاذ المرحوم جعفر السعدي والذي احنى براسه الى الارض بغية ان لا يشاهده المرحوم طعمة وهو يضحك , وبعد هدوء القاعة من الضحك , بادره الاستاذ جعفر قائلا له ( ليش باباتي هذا التاخير ؟ ) فاجابه طعمة وباعتذار شديد ان سبب تاخيره هو الطبيب والذي حضر متاخرا الى العيادة للكشف على ولده وعلى ما اعتقده انه كان فارس هو المريض ودرجة حرارته عالية جدا , عندها عفى عنه الاب الحنون الاستاذ جعفر السعدي , وتلقى الطفل في احضانه , واشار على طعمة باخذ الطفل والذهاب الى البيت , الا ان طعمة رفض الذهاب الا بعد اكمال التمرين , وبعدها ذهب مع ولده وزوجته الى البيت وهو مرتاح جدا لكونه استطاع ان يعيد المياه الى مجاريها , وان يعيد ثقة الاستاذ جعفر السعدي باخلاصه والتزامه بمواعيد التمارين .
ان ابداعات هذا الفنان ليس لها حد , ولا هو يقتنع بمحطة من محطات ابداعاته ان لم يضيف من تجربته الذاتية الى معظم الادوار التي جسدها ضمن مسيرته الفنية , فلقد ابدع ايضا في مسرحية عدو الشعب للكاتب النرويجي ( هنريك ابسن ) والتي اخرجها الفنان الاستاذ المرحوم بدري حسون فريد .
لقد تناولت عدو الشعب قضية جماهيرية , وبصراع دار بين الحق والباطل , حيث يكتشف الدكتور استكمن طبيب البلدة تلوث المياه الصافية , ومن خلال حرصه على صحة المواطنين , فذهب يشكو هذه الظاهرة للعمدة والذي كان مهملا وغير ابه بالحفاظ على صحة الجماهير , الا ان الدكتور استكمن لم يستكين الى خطورة التلوث والتي ستؤدي الى كارثة صحية نتائجها وفاة معظم الذين يشربون من هذه المياه المتلوثة , ومع بعض النفوس الضعيفة من سكان البلدة والذي يحضى العمدة بتاييدهم ضد الدكتور استكمن وعن طريق غير شرعي لمحاربة افكاره مما يستدعي الامر الى اجتماع بين اطراف الصراع في ساحة البلدة لينعته العمدة ويصفه بعدو الشعب .
لقدجسد الفنان طعمة التميمي شخصية الدكتور استكمن باسلوب واقعي ومن خلال دوافعه الفوقية , وردود افعاله الانعكاسية بتفاعله الصادق مع الاحداث والذي حرك احاسيسه ومشاعره الانسانية والتي جعلته يثور على المسؤولين في البلدة ويصفهم بالانانية , وليس لهم الا التفكير بمصالحهم الشخصية والنفعية , لقد عراهم حينما نعتهم بالانانية والذين لا يفكرون بهموم الشعب ومصالحه في مشهد درامي في منهى الذروة , ساعده على ذالك مكياجه والذي كان من تصميم الاستاذ الماكيير الحاج ناجي الراوي انذاك , وكذالك لعبت الاضاءة الحمراءة اللون ضمن حزمة ضوئية تنبعث من بروجوكتور صغير ( سبوت لايت ) دورها في تجسيد المشهد والتي ابدع في تصميمها الطالب المبدع الفنان عبد الله حسن , حيث ظهر طعمة معتليا منصة عالية وكانت عبارة عن منضدة ذات مستوى مرتفع عن الارض , مما جعلت من هذا التكوين ( الاضاءة الحمراء والفنان طعمة التميمي والمتربع على المنضدة وبمكياج اشبه بشخصية لينين مع سكسوكته الصغيرة وهو يتحرك بجسده يمينا ويسارا وباياديه والتي يعلن من خلال ايمائاته الرمزية بالثورة والاتحاد وشعره الذي انسدل على وجهه كل هذا ونحن كاننا امام لوحة تشكيلية معبرة عما اراد التعبير عنه الاستاذ بدري حسون فريد , جائت المسرحية معبرة عما اراد المخرج العبقري توصيله للجماهير المحتشدة , ونحن كنا نمثل جماهير البلدة ( كومبارس ) اصبحنا في موقف لا يحسد عليه يومئذ , حينما اخبرنا الاستاذ بدري عن عزمنا بجلب البطانيات معنا احتياطيا خوفا من توقيفنا لاعتبار اسقاطات هذا العمل على الواقع المتردي ومناهظا للنظام في تلك المرحلة بالذات , لقد نجح الفنان الطالب طعمة التميمي بتوصيل مااراده المخرج للجماهير المحتشدة في القاعة , والدليل على نجاحه هو التصفيق الحاد والمتكرر من قبل المشاهدين مما جعلنا نؤمن بان الفكرة قد وصلت وذالك من تفاعل الجمهور مع احداث المسرحية , والسبب في هذا قدرة وطاقة هذا الفنان الممثل في تجسيد شخصيته والايمان به , كان الفنان طعمة التميمي جريئا وقويا ومؤمنا بحرفيته , ويحبها بشكل لا يوصف , لا يهاب الصعاب ويبذل جهدا وسعيا حثيثا من اجل الوصول الى ايجاد شخصيته الحقيقية على المسرح , ولهذا يسعى جاهدا ومن خلال التحليل والبحث الى تحقيق ما يصبو اليه من التالق والابداع في التمثيل , لقد حافظ هذا الفنان على رقيه ونجوميته منذ ان وطاة قدميه سلالم النجومية واصبح كوكبا يشار له من قبل معجبيه , فقد تعامل مع العديد من المخرجين التلفزيونيين والسينمائيين والمسرحيين باخلاص وبمحبة لا توصف , واستعانوا به في اعمالهم الدرامية , لقد اوجد له مدرسة خاصة واسلوب متميز في التمثيل كاي فنان عربي او عالمي , مثل عبدالله غيث وعزة العلايلي وانطوني كوين وغيرهم من نجوم الدراما العربية والعالمية .
لقد شارك الفنان طعمة التميمي في العديد من الاعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية مع كبار نجوم الدراما العراقية والعربية منهم الفنان الكبير خليل شوقي , ويوسف العاني وبدري حسون فريد , ومع نجوم الدراما العربية : عزت العلايلي , وليلى طاهر, وحسن الجندي .
وكذالك شارك في العديد من المسلسلات التلفزيونية منها : المتنبي , وذئاب الليل , ووجهان في الصورة , والذئب وعيون المدينة , والنسر وعيون المدينة , ومن الافلام السينمائية : القادسية , وفيلم الاسوار , وبيوت في ذالك الزقاق , والحدود الملتهبة , ومن المسرحيات القيثارة الحديدية , ومسرحية كلكامش ومسرحية الثعلب والعنب , ومسرحية يوليوس قيصر وعدو الشعب في معهد الفنون الجميلة وحينما تخرج عام 1967 .
قال الفنان خليل شوقي عنه : ( وجدت في شخصية رحومي والتي جسدها هذا الفنان في الذيب وعيون المدينة , والنسر وعيون المدينة , انه شديد الحرص على نجوميته , انه دقيق كل الدقة على فهم الشخصية , وهذا الشيء يعتز به كل فنان , لان الفنان ان لم يكن حريصا على ان يتفهم الشخصية كي يؤديها , فانه لا يقدم شيئا يذكر , ولهذا هو ترك اثرا كبيرا في الاعمال التي مثلها ) .
المعروف عن هذا الفنان الكبير , انه يكيف نفسه وعلى ضوء الادوار التي يمثلها , وكل منها وبموجب مستحقاتها من تحليل ابعادها وبما تتطلبه الشخصية ان كانت في المسرح , او في التلفزيون , او في السينما , وفي حديث له يذكر الفنان طعمة التميمي قائلا : ( المفارقة التي كنت امر بها هي : انني حينما كنت انتهي من تصوير الذئب وعيون المدينة , مباشرة اذهب لتمثيل سيف الدولة , وكلا الشخصيتين تختلفان عن بعضهما في الطراز والاسلوب والتاريخ , والحالة الظرفية التي تعيش كلا منهما .
كان الفنان الكبير المرحوم طعمة التميمي فنانا صادقا ومخلصا في عمله الاداري والفني , فكان اول دور له في القطاع الخاص هو المنعطف اخراج الاستاذ جعفر علي , وفيلم القادسية مع سعاد حسني وعزت العلايلي وحسن الجندي وليلى طاهر , وهو من اخراج صلاح ابو سيف , وفيلم المسالة الكبرى والذي انتج عام 1983 من اخراج المخرج العراقي محمد شكري جميل والذين شاركوا هذا الفنان المبدع فنانين اجانب منهم الممثل اوليفر ريد , ومارك سيندون , وهيلين ريان , ورودن كودين , اضافة الى نجوم الدراما العراقية , وكذالك فيلم الحدود الملتهبة .
قال عن انسانيته الفنان المرحوم مكي البدري : ( في اخر ليلة كنت معه فيها , اخرج لي قائمة باسماء بعض الفنانين المحتاجين , وامام كل اسم كان هناك رقم لمبلغ من المال , اخبرني انه حينما يتماثل الى الشفاء تماما , وهو يتمنى ان تكون الفرصة قريبة لكي يزورهم ويسلمهم المبلغ .
واخيرا رحل هذا الفنان طعمة التميمي , هذا النجم الساطع في مسيرته الفنية وكوكبا من كواكب الابداع في الدراما العراقية , مخلفا لمسيرته تاريخا حافلا بالانجازات الفنية والتي مازالت متعلقة في اذهان الجمهور العراقي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق