كتاب السيكودراما فلسفتها وممارستها نأليف د. رأفت عبد الحميد أحمد
مجلة الفنون المسرحيةكتاب السيكودراما فلسفتها وممارستها نأليف د. رأفت عبد الحميد أحمد
مقدمة الكتاب
عندما بدأت مشروع هذا الكتاب، وتعرفت على جاكوب ليفى مورينوJacob L. Moreno الطبيب النفسى ومؤسس السيكودراما من خلال أعماله، وبعد خوض هذه التجربة اكتشفت أن ما أعرفه كان قشورا متعلقة بتقنيات السيكودراما وليس فلسفتها وعمقها وتأثيرها الساحر على الإنسان، وتبين لى أن مورينو صاغ مسلماته بطريقة قد لا يفهمها عادة أولئك الذين يمارسون التفكير النقدى. وتقول زيركا Zerka بأن الجانب الشاعرى الملهم فى أعماله يغيم على عرضه العلمى. فهو كما تحدث دوريس تويشل ألين Doris Twitchell Allen، بأنه “فعال، مثل السماء والمحيط” يساعد الناس على التجاوز الدينوى، لتوسيع واقعهم (See Zerka’s foreword,1994 in book Psychodrama since Moreno).
ولعذارى السيكودراما، هذا الكتاب يستعرض لكم أحد طرق العلاج النفسى الذى يمزج بين الدراما كنوع من أنواع الفنون وعلم النفس كأحد العلوم الإنسانية التى تكشف عن الواقع النفسى للإنسان، فهو يعمل على تكامل العقل والجسد، والفن والعلم. وينقسم مصطلح Psychodrama إلى شقين الشق الأول Psycho ويعنى نفس، والشق الثانى Drama وتعنى دراما أو الفعل أو التمثيل الحركى، بالتالى Psychodrama تعنى الدراما النفسية أو المسرحية النفسية.
وتقول زيركا مورينو Zerka T.Moreno، أن السيكودراما أثبتت أن العمل يسبق الكلام، والكلام ينمو متأخرا وليس الطريق الملكى إلى النفس. ففى التعليم التفاعلى لا يمكننا فصل الجسم عن النفس(See Zerka’s foreword,1994 in book Psychodrama since Moreno) .
وسوف يتبين فى هذا الكتاب أهمية المجموعة العلاجية باعتبارها نموذج صحى لتعاملاتنا مع الناس، حيث تقول زيركا ، أننا مبدعين مشاركين فى عالمنا والكون والمسئولية الشخصية والمعالج فى الداخل. وما تذكره عن زوجها مورينو وظل معها إلى الآن، تعريفه للعلاج النفسى الجماعى، بأنه شخص واحد هو العامل العلاجى للآخرين، ومجموعة واحدة هى العامل العلاجى للآخر. وأيضا يرى أن السيكودراما هى استكشاف الحقيقة الشخصية للبطل/المريض، بطرق الإرتجال الدرامي(See in Ibid).
وهناك العديد من الملاحظات حول الإبداع السيكودرامي: فمن الأفضل الوصول إلى تنفيس عبر الفعل أو التمثيل بشكل كامل، لأن هذا سيزيد من تنفيس باقى أعضاء المجموعة، فعندما يكون الواقع قمعيا للغاية فإننا نحتاج إلى تجاوزه فى مجال الواقع الباقي(القدرات الخيالية)، الذى يجعلنا نقوم بما كان يمكن أن نقوم به أو كان يجب أن نقوم به، لاستكمال الواقع الفعلى، وتجاربنا وخبرتنا تستند على فهمنا لهذه الأحداث والأشخاص وأن التصورات العقلية قابلة للتغيير(See Ibid).
هذا الكتاب هو بمثابة مصدر منعش لإلهام الذين يمارسون السيكودراما. وهو يركز على أفكار مورينو التى تركت بصماتها فى مجال علم النفس العلاجى المتمثله فى العديد من مفاهيمه السيكودرامية، مثل المواجهة الشخصية والعفوية والإبداع، والمخزون الثقافى، وفعل الجوع، ومفهوم تيلى، والواقع الباقى وغيرها من المفاهيم السيكودرامية، هذا إلى جانب السياق التاريخى والفلسفى للسيكودراما وعرض لتأثير اللاشعور فى العملية العلاجية، وكذلك استعراض العديد من التقنيات والتطبيقات السيكودرامية والتمارين الاحمائية المتعلقة بالتطبيقات النفسية، بالإضافة إلى تناول المراحل الرئيسية فى السيكودراما بشكل متعمق( مرحلة الاحماء، ومرحلة الفعل ومرحلة المشاركة، ومرحلة المعالجة أو التحليل)، وكذلك يركز على الأدوات الرئيسية للسيكودراما بصورة أكثر عمقا(البطل/المريض، الأنا المساعدة، المخرج الجمهور/باقى أعضاء المجموعة والمسرح). وبحكم عملى فى مجال علاج الإدمان خصصت الفصل الرابع عشر من هذا الكتاب لتقديم مجموعة كبيرة من تمارين منع الزلة/الانتكاسة لمرضى إدمان المخدرات وأهدافها وخطوات تطبيقها. والخلفية المرجيعة لهذه التمارين، جزءً منها، من خلفية تحليلية بهدف الكشف عن الديناميات النفسية لمتعاطى المخدرات، وجزءً آخر، من خلفية سلوكية تشدد على المتغيرات أو المنبهات البيئية التى تؤدى إلى الزلة أو الانتكاسة. حيث يمكن إعادة بناء المتغيرات أو الاشارات الظرفية أو الشرطية من خلال السيكودراما والتدرب على السلوكيات البديله التى تقى من الانتكاسة. وكذلك الاهتمام بالعلاقات البين – شخصية ودورها فى الانتكاسة والتعافى.
فهذا الكتاب صالح للمبتدئين أو كما تصفهم مارسيا كارب Marcia Karp لعذارى السيكودراما، (وكذلك لغير المبتدئين)، فهم عذارى لأن اسألتهم تحافظ على إلهام وعفوية وأساسيات وفلسفة السيكودراما، فهم فى حاجة لطرح أسئلة مثل، ما هى السيكودراما؟ ما الأساس الفلسفى والنظرى الذى يجب أن نفهمه ونفسره وفقا لما يحدث؟ كيف يمكنى كمخرج أو معالج أن أقوم بتعظيم الأنوات المساعدة والإستفادة من الحكمة الجماعية للمجموعة؟ وما هو دور المخرج؟ وما هو نوع الاحماء الأكثر ملاءمة لهذه المجموعة المعنية؟ وكيفية عمل الاحماء لتحرير العفوية؟ وكيف نختار البطل من هذه المجموعة؟ كيف نصل إلى الإغلاق، وماذا يمكننا أن نتركه مفتوحا لمزيد من الاستكشاف؟ وكيفية ممارستها؟ وما علاقة الدراما النفسية بالدراما الكونية؟ وما هو تأثير الفراغ المسرحى على المرء؟ وغيرها من الأسئلة التى تعكس قائمة موضوعات هذا الكتاب، متمثله فى وحدة متماسكة.
تقول زيركا، أن أحد الأمور المهمة التى تعلمتها من عملية الاحماء وهى أنه عندما يتم احماء البطل بشكل كامل، لن يكون هناك جزء من الذات متاحا للوقوف جانبا، ولا يمكن لأى جزء أن يلاحظ أو يسجل الفعل؛ أى لا يكون هناك الجزء الناقد فى الذات (See Zerka T.Moreno’s Preface,1998. In book The Handbook of Psychodrama).
يعتقد مورينو أن كل شخص منا لدية ثلاث مكونات فى داخلنا المخرج والممثل والمراقب/الناقد. يخبرنا المخرج بما يجب فعله، فمثلا يقول المخرج “ابدأ بإجرا مكالمة هاتفية لا تحضرها”، مشيرا للممثل بإجراء المكالمة الهاتفية فلا يمكن للمراقب/الناقد أن يسجل ما يحدث من فعل إذا كان الممثل أو الفاعل مشاركا بشكل كامل؛ أى فى حالة من التعايش فى الموقف بعفوية باعتباره واقعا حقيقيا. هذا يعنى أن الممثل لا يمكنه تذكر ما قيل أو فعل ولكن يحدث التذكر عندما يسمح الممثل للمراقب/للناقد بأن يسجل التفاعل. فالممثل الذى يحترق تماما لا يترك أى مجال للمراقب/الناقد. وهكذا فإن عدم التذكر ليس هو الكبت لأن المرء لا يستطيع إلا كبت ما تم تسجيله فى الواقع. كل من المخرج والمراقب/الناقد بعيدا عندما يبدأ الممثل. إنه سبب رئيسى لماذا فى كثير من الأحيان لا يمكننا تذكر ما قيل أو حدث، ويسمي مورينو هذا “حرارة الفعل الأبيض”. عندما نرى أنفسنا فى وقت لاحق على شريط فيديو على سبيل المثال نحن نكون مذهولين: “هل فعلت هذا حقا؟” “كيف نظرت هكذا أو تصرفت بهذه الطريقة؟” حرارة الفعل الأبيض تحترق بعيد عن المراقب/الناقد. فعندما يكون المراقب/الناقد حاضرا، فى صورة صوت صغير داخلى يقول لك مثلا ” أنت ربما لا تفعل هذا جيدا”. فالآثار المترتبة على عدم التذكر هو عندما تُظهر نسيانا أو غيابا للذهن، فإن ذلك يرجع إلى أن عملية الاحماء الفعلية قد اكتملت(See Ibid).
ويتعين على المخرج إعادة البطل إلى مكانه فى المجموعة بأمان، وأن مشاركة المجموعة تتم بموادة ولطف. وتتيح هذه المشاركة للبطل أن يشعر بأنه مدعوم من البناء المعرفى لبعض الخبرات بطريقة إنسانية وغير صريحة فى المجموعة، ويتبن ذلك عندما يشارك عضو فى المجموعة عضوا آخر، ويقول له مثلا “تذكرنى خبرتك بخبرتى..إلخ”. وتقول زيركا، بأن مورينو علمنا أن التأكيد على الآخر والتصديق على خبرته أمر مهم جدا. مع هذا التأكيد فمن الممكن الوصول إلى”مفهوم تيلى” Tele أو “عن بعد”. وأفضل فهم لـ”تيلى” هو عبارة عن الوصول إلى مشاعر شخص آخر وقبول ومشاركة حقيقة تلك المشاعر فى اعتراف متبادل بالحقيقة. تعمل “تيلى” بين المخرج والبطل، والأنوات المساعدة والبطل، وبين أعضاء المجموعة. ولكن كيف تعمل “تيلى” بهذا الشكل الخفى؟. يحدث ذلك مرارا وتكرارا، وتستكمل قائله: فى الأونة الأخيرة اختارت بطلة وهى امرأة شابة، أحد الأعضاء( باعتباره الأنا المساعدة) ليمثل أبيها الذى توفى قبل بضعة أشهر، كان شاب يعمل فى نفس عيادة الصحة العقلية. لم يتم مناقشة موت والدها معه أبدا على الرغم من أن الموت كان له بعض الملامح الغير عادية. وفى عرض المشهد أظهرت أن والدها توفى أثناء نومه بجوار والدتها، بسبب أزمة قلبية حادة. لم تكن والدتها على علم بما حدث لأنها نامت من خلال الوسائد المتواجدة بينهما لتسهيل النوم الهادىء. وتمكنت البطلة أن تستكمل واعيها لوالدها، وهو عمل ذو مغزى عميق. وتمثل دهشتنا عندما بدأ مشاركة الأنا المساعد وقال: ” لم أتحدث ابدا عن هذا، لكن والدى توفى تماما بنفس الطريقة”. يا لها من دهشة، فالبطلة اختارت هذا الشخص من بين 45 شخصا، اختارت الشخص الوحيد الذى شارك خبرتها تماما. وتمكن العديد من أعضاء المجموعة أيضا بالمشاركة والتنفيس. فالحياة معقدة للغاية، لكن خصوصية الموقف كان يخص هذين الشخصين فى المجموعة اللذان كانا مرتبطين بشكل غير مرئى. ويتبين تيلى أيضا فى اختيار الشخص للعضو الذى يريد الجلوس بجواره فى المجموعة. إنه “تيلى” المسؤول عن العديد من تفاعلاتنا الخفية والغير مرئية. والاستفادة من هذا الوعى، لأن قدرتنا على التواصل بشكل مثمر مع كينونة زملائنا التى تؤسس أمننا فى الحياة نفسها وتحافظ على توازن بيئتنا الاجتماعية – العاطفية . (Ibid)
وفى هذا الكتاب سوف تقرأ أيضا عن مفهوم الدور وعكس الدور، وأن الأدوار التى تلعبها أو تحتاجها للعب تؤثر على سلامتنا المتبادلة وتساعدنا فى التفكير بأنفسنا كممثلين مرغوبين فى مسرح الحياة لأننا ونحن نرتجل يمكننا أن نلاحظ إذ كنا نتفاعل بطريقة مثمرة أو غير منتجه، بينما ونحن ننخرط فى هذا التعلم تكمن العفوية والإبداع فى الخلفية السيكودرامية، والتراجع والقيام بالفعل مرة أخرى بطريقة مختلفة هذا هو المكان الذى يمكن فيه إتقان العفوية والإبداع باعتبارهما مبدأن متلازمان(See Ibid).
قد يبدأ المرء فى إدراك أن الحقيقة الذى يعيش فيها قد لا تكون حقيقة بالنسبة لشخص آخر، وأن هذا هو مصدر الصراع بين الأفراد. والطريقة الرئيسية لتخفيف بعض الأذى فى تباين هذه الحقائق هى أن ندرك أن ما يتعامل معه كل منا هو “إدراكنا الذاتى” لهذه الحقائق التى غالبا ما تكون مفككه. سيطلب منك فى السيكودراما كما فى الفن تعليق الحكم النقدى أو رفعه لفترة من الوقت، ليتحدث قلبك وليس فقط رأسك. الذكاء والفطنة فى السيكودراما هى الفخاخ. إن فكرة “الإدراك الذاتى” تمنحنا الأمل لأن الإدراك دائما خاضع للتغيير وإعادة التقييم فى ضوء النتائج الجديدة. هل تذكر عندما ذهبت إلى المدرسة لأول مرة أو الجامعة؟ عدت إلى المنزل بعد فترة وبدا وكأن منزلك قد تقلص. هل تقلص المنزل حقا أم أنه مفهومك الذاتى الذى تغير؟ هل اكتشفت مؤخرا شيئا مثيرا للدهشة فى شخص ما أو صديق كنت تعتقد أنك تعرفه جيدا؟ هل هذا الاكتشاف احدث فرقا فى علاقتك؟ إن الوعى بالجوانب الجديدة أو الأدوار الجديدة، فى الذات وفى الذات الأخرى، هو الذى يخلق هذا التغيير، أى يحركك الإدراك الذاتى إلى منظور مختلف. نحن ليس لدينا الوعى الكامل بالذات الأخرى، والتعلم العميق فى السيكودراما يعنى أن نكون متواضعين حول ما نعرفه ونكون متفتحيين ومتحمسين للتعلم الجديد الذى يقدمه، مثل الفنيات السيكودرامية المتمثله فى البديل، وعكس الدور، والمرآة ومناجاة النفس والعديد من التقنيات الأخرى، كلها طرق لمساعدتنا فى التعلم(Ibid).
ولا يسعنى فى ختام هذه المقدمة غير أن أقول يا له من سحر وروعة درامية المسرح الداخلى للإنسان عندما تلتقى مع الفارغ الخارجى وتضع حدودا لها فى هذا الفضاء المسرحى فى حالة من التناغم الغير عادى مع مسرح وسحر الدراما الكونية لتظهر الذات فى شكل ثلاثي الأبعاد. فمن بداية هذا الكتاب تعمدت أن أخذ القارىء إلى قلب الحدث مباشرة، إلى قلب السيكودراما، ومناقشة مبادئها فى صورة دراماتيكية مرآوية عاكسة سبب معاناة الإنسان المتمثلة فى كذبة فى داخله. وهذا بالطبع يجعلنا نضع أيدينا على أعظم ثروة يمتلكها الإنسان وهى تلك الطاقة الغير قابلة للبقاء، أو السمة الأصيلة الملهمة للسيكودراما وهى العفوية والإبداع.
لذا أتمنى للقارىء أن يكتشف من خلال هذا الكتاب، المبدع الذى فى داخله. وأن يكون هذا الكتاب مرجعا حقيقيا له كمعالج غير تقليدى. وفى مناطق كثيرة فى هذا الكتاب سوف يتعايش القارىء مع واقعه الباقى، وسيصبح فى لحظات كثيرة مؤلف ومخرج وممثل مشارك من خلال ما يقرأه فى هذا الكتاب.
د. رأفت عبد الحميد أحمد
0 التعليقات:
إرسال تعليق