المسرحية الفلسطينية «أيام التنظيم»: إجرام وفساد ومتاجرة بالدين.. عن الجيل الذي كان!
مجلة الفنون المسرحيةالمسرحية الفلسطينية «أيام التنظيم»: إجرام وفساد ومتاجرة بالدين.. عن الجيل الذي كان!
وديع عواودة
الناصرة: أطلق مسرح السرايا العربي في مدينة يافا داخل أراضي 48 مسرحية «أيام التنظيم»، وهي عمل جديد يعكس واقع الحياة الاجتماعية والتغيرات السلبية الطارئة عليه. ومسرحية «أيام التنظيم» من تأليف أيمن اغبارية، إخراج يوسف أبو وردة، ومن بطولته إلى جانب الفنانين مكرم خوري، وروضة سليمان. تصميم الديكور والملابس أشرف حنا، موسيقى وائل أبو سلعو، ومساعدة المخرج فاطمة خطيب.
عُرضت المسرحية في الهواء الطلق، داخل ساحة عمارة السرايا التاريخية في يافا، تزامنا مع صوت المؤذن من مسجد البحر المجاور، تبدأ بدخول «رجاء» المنصة وتبدأ بالصلاة والدعاء، ولاحقا يتضح أنها تتظاهر بالدين والورع والتقوى. تدور أحداث المسرحية حول تَقاطعات السياسة والجَريمة والمَال في المجتمع الفلسطيني في الداخل، حيث تنقل المسرحية تَحول هذا المجتمع من أرض خصّبة للحركات السياسية المكافحة في َسنوات السبعينيات والثمانينيات، إلى دفيئة للجريمة المُنظمة والفساد السياسي والاقتصادي، في هذه الأيام، كما يتجلى في استشراء الجريمة والعنف على أنواعهما.
الأحداث
تقع الأحداث في ليلة واحدة يلتقي فيها ثلاثة أصدقاء أقرباء على شرفة بيت مَشبوه: يُونس الصحافي، الذي عاد لتوه من خارج البلاد، بعد غياب طويل، وموسى المُرشح لرئاسة السُلطة المَحلية في بلدته، ورَجاء المتديّنة المحجّبة، التي تُدير مَحل صِرافة.
المشتركُ بينهم هو كَونهم في الماضي أعضاء مؤسسين في تنظيم سياسي فعّال في أيام شبابهم، فيجتمعون ليتذكروا مَاضيهم، وتطفو علاقات ومشاعر الحب والكراهية والجَشع والغِيرة والأنانية والتدمير الذاتي بينهم بشكل واضح، وفي الخلفية يبدو المجتمع الفلسطيني هشًّا، نتيجة الانزلاق نحو الجريمة، وتغير المفاهيم والقيم. ويونس بعد سنوات من العمل السياسي والنضال داخل أراضي 48 يتعرف على متطوعة فرنسية، ويغادر معها إلى باريس ليقيم معها وينجب منها «سيرين»، وما لبثا أن تطلقا، ودخلا في خلاف قضائي حول حضانة الطفلة. يعود يونس للبلاد كي يبيع أرضه، ويعود لتغطية ديونه، وتوفير نفقات المحكمة، واستعادة طفلته، ومواصلة حياته في مغتربه. لكن موسى ورجاء وبقية أقاربه يتهرّبون من التوقيع القانوني المستحق، بصفتهم أولاد عمومة وشركاء في الأرض. رجاء تحاول إقناع يونس بالبقاء في البلاد بكل طريقة وتبوح في نهاية المطاف بأنها طامعة في الزواج منه، وأنها لن توقعّ له على بيع الأرض، إلا إذا استجاب لمطلبها، فيعود ويكرر رفضه كونها بنت عمه وبمثابة اخته.
مظفر النواب
وردا على توبيخها له بأنه غادر الوطن لفرنسا بعدما كان رئيسا لتنظيم سياسي وطني، قال لها إنه غادر بعد ضغوط واعتداءات ومحاولات ابتزاز إسرائيلية له، بعد خروجه من السجن قبل سفره إلى فرنسا. وحينما تهيب به البقاء وتعزف له على وتر الوطنية، وتدعوه للبقاء والمشاركة في المزيد من الخراب، على مبدأ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، ومبدأ «أنها لن تعمر إلا إذا ما خربت بالكامل» وتذكره بقول الشاعر العراقي مظفّر النواب: سيكون خرابا سيكون خرابا… لابد لهذه الأمة أن تأخذ درسا في التخريب»، وعندها يرد يونس بدعوتها، إلى أن تكمل ما قاله مظفر النواب للتدليل على موقفه: تعب الطين… سيرحل هذا الطين قريباً».
«معك دولار تسوى دولار»
وحينما يسأل يونس من أين جئتم بكل هذا السوء والفساد؟ تقول رجاء: «إسرائيل الأب ونحن الأم وأنجبنا الفساد والعجز». أما رجاء فتلعب دور مديرة مكتب صرافة وترتدي الحجاب وتتظاهر بالدين، وتقوم بالوعظ في بيوت العزاء، لكنها في الواقع شريكة في تجارة السلاح والمخدرات، خلف مكتب الصرافة. وتوّفر مساعي موسى للزواج من رجاء، التي ترفضه، فرصة للنكتة السوداء، وهما يتبادلان التهم عن حقيقة كل منهما، مما يخفف الجو الكئيب للقضية التي تعالجها المسرحية، وربما هناك فرصة للمزيد من مثل هذه النكتة السوداء وغيرها، بغية التخفيف والترفيه. وفي المسرحية يقول «موسى» (يمثله الفنان يوسف أبو وردة) مخاطبا ابن عمه «يونس» الصحافي المثقف العائد من فرنسا (يمثله الفنان مكرم خوري) إنه لابد أن يغادر عالمه الافتراضي والتعايش مع مصطلحات وعادات مجتمعه داخل أراضي 48 مقدما له أمثلة كالقول «معك دولار تسوى دولار».
جائزة العشرة ملايين
في التزامن يتواصل السجال بين موسى المرشح لرئاسة البلدية، والمتورط بموبقات السلاح والمخدرات ويونس، فالأول سمع صدفة من الثاني معلومات رواها له صديق فرنسي عن موقع دفن جندي إسرائيلي، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن جائزة بعشرة ملايين دولار لكل من يكشف عن مكان القبر، لكن يونس يستشعر بأن موسى زميله في التنظيم قد تغير، خاصة أنه يكاشفه بأنه يريد تحويل المعلومات التي سمعها منه لضابط مخابرات إسرائيلي متقاعد، طمعا بالجائزة المالية.
تطلق المسرحية عدة سهام، نحو ظواهر سياسية واجتماعية دخيلة وسلبية بطريقة فنية، وأحيانا بطريقة مباشرة منها ضد النضال على الفيسبوك بدلا من النضال الميداني الحقيقي، وكذلك انشغال النواب العرب بقضايا مطلبية معيشية.
من جهته يونس يحاول إقناع موسى بأن رفات الجندي، ربما تتسبب في إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، ولا يجوز الكشف لجهة إسرائيلية عن مكان قبره حتى لو كان مقابل ملايين الدولارات، لكن موسى لا يقتنع ويلحّ ليل نهار طالبا من يونس تذكر التفاصيل التي سمعها من صديق فرنسي، كي يحصل على الجائزة المالية، ويرفض يونس ويتساءل هل تريدني أن أكون مخبرا لإسرائيل. «فكّر بأم هذا الجندي فهذه قصة إنسانية»، يقول موسى لكن يونس يرفض ويقول في المقابل «فكّر بأمهات مئات الأسرى»، ثم يؤكد متهربا محاولا التخلّص من إلحاح موسى، أنه لا يذكر التفاصيل، وأن صديقه الفرنسي لم يكن متأكدا من روايته. في محاولة لإقناع يونس الذي عاد من فرنسا، وما زال يحتفظ بأخلاقه وعاداته وقيمه، بتسليم المعلومات يقوم بإطلاق رصاص أمامه في محاولة لترهيبه لكن بدون جدوى. وقبلها يحاول الإيقاع به بتسجيل كلامه ومحاولة تزوير التسجيل، كي يبدو وكأنه معني بتشكيل تنظيم سري عسكري تمهيدا لمحاولة ابتزازه بشأن المعلومات حول موقع الجندي الإسرائيلي المفقود. يونس الذي بدا طيلة المسرحية مهموما بما فيه، على الصعيد الأسري والشخصي، يبدو بوضوح مصدوما من الواقع الاجتماعي لأهله، فيرفض البقاء وهو يتساءل: هل تريدونني أن أبقى هنا، وقد تحولتم إلى عائلات إجرام وحيتان مال وأعمال وتجار سلاح؟ تريدونني أن أعيش في عالم الفساد والمال والقوة؟
التستر بالدين
تطلق المسرحية عدة سهام، نحو ظواهر سياسية واجتماعية دخيلة وسلبية بطريقة فنية، وأحيانا بطريقة مباشرة منها ضد النضال على الفيسبوك بدلا من النضال الميداني الحقيقي، وكذلك انشغال النواب العرب بقضايا مطلبية معيشية، تخص شق الطرقات وجمع القمامة، وفتح مكاتب للبريد وغيرها، مقابل تأكيد الساسة المحليين المتنافسين على إدارة البلديات على شعارات سياسية كبيرة كحق العودة، وكل ذلك في رسالة واحدة عن انقلاب الموازين في السياسة العربية. وينعكس انقلاب المفاهيم الاجتماعية في عدة مقاطع منها، يتحدث موسى لرجاء عن يونس بتهكم بالقول إنه مجنون ومهووس، ويريد أن يبيع أرضه كي يصدر صحيفة ومنشورات لكارل ماركس ولينين وغيرهما من «المفكرين الكفرة». كذلك تعالج المسرحية بجرأة ظاهرة شبه مسكوت عنها، وتتمثل بالتستر بالدين، للتغطية على السلوك الفاسد، كما يتجلى في شخصية رجاء المتدينة في ظاهرها، لكنها متورطة بأعمال العائلة في تجارة المحرمات، فهي توعظ بالخير وتطبق عكسه.
------------------------------------
المصدر : القدس العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق