أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 11 فبراير 2021

مسرحية " لغْم في الطّريق " تأليف هايل علي المذابي

مجلة الفنون المسرحية

شخصيات المسرحية

الجندي: الشخصية الرئيسية في المسرحية وهو مجند تاه في الصحراء ويشغر في الخدمة الالزامية في الجيش مسؤول الاتصالات اللاسلكية أثناء التدريبات والمناورات التي تنفذ للمجندين في الصحراء. 
العريف: مجند يقع على عاتقه تنظيم الصفوف أثناء طابور القائد.
العقيد: قائد كتيبة المجندين في الخدمة الالزامية في الصحراء.
الطفلة: طفلة صغيرة سمراء لها ملامح البدواة، صماء، تبلغ من العمر 8 سنوات، الشخصية الثانية في المسرحية.
شخصيات أخرى: جمع من الجنود المشاركين في المناورات والتدريبات العسكرية.

 

 
تسطير

لإن الحياة معارك، ربما يتوجب على الإنسان في هذا العالم، في معركته مع كورونا، أن يتخيل أنه جنديٌ تاه في الصحراء، ثم ألفى نفسه فجأة تحت رحمة لغم، فيجبره على المكوث واقفاً في مكانه، وحياته مرهونة بصبره وصموده.!!


المشهد الأول

(معسكر التدريبات في بقعة من الصحراء ومشهد لكتيبة المجندين في الخدمة الالزامية في طابور القائد يتلقون التعليمات الخاصة بالمناورة العسكرية)

العريف:

(يصرخ بصوت عالي) استعد

(يضم الجنود في الطابور أقدامهم في حركة عسكرية واحدة ويصدر صوت مرتفع لوقع أقدامهم على الأرض)
العريف: 

(يصرخ مرة أخرى) استريح 
(يفتح الجنود أقدامهم بحركة واحدة (ويتصاعد الغبار من وقع أقدامهم) 
ثم يعيدها مرة أخرى فيكرر الجنود ما فعلوه مسبقا وبحركة واحدة.

(يدخل قائد الكتيبة ومساعده إلى ساحة الطابور متأنقين في بزاتهم العسكرية ثم يقف القائد أمام طابور الجنود المصفوفة ويأخذ مساعده في فحص الجنود بدلاتهم وأذقانهم المحلوقة ونظافة ملابسهم)

المساعد:

(يصرخ في وجه أحد الجنود ويبدو أنه نسي أن يقوم بتنعيم لحيته) لماذا لم تقم بتنعيم لحيتك أيها الفاشل؟

الجندي:

أعتذر حضرة المساعد فقد كنت في عجلة من أمري وخفت أن يفوتني الطابور فيتم معاقبتي.

المساعد:

(يحك بسبابته خده) آها وهل تظن أن عذرا كهذا قد ينجيك من الجزاء؟ لقد فعلت الصواب عندما هرولت إلى الطابور لكنك أخطأت عندما تركت لحيتك بدون حلاقة ولا بد من مجازاتك (يصمت قليلا) اسمع ستقوم بتنظيف الساحة وتلميع أرضية عنبر الكتيبة.. مفهوم أيها الغبي؟

الجندي:

(بأسى) نعم مفهوم حضرة المساعد وأعدك بأني لن أكرر الخطأ.

(يتركه المساعد وينصرف إلى فحص بقية الجنود ويجد أن أحدهم لم يقم بقص أظافره فيمسك بيده ويرفعها إلى أعلى مشيرا بها إلى بقية الجنود) أنظروا إلى نظافة هذا الجندي أنظروا إلى أظافره ما أطولها وما أجمل قذارتها (يتحدث بازدراء) بالله عليكم كيف لكم أن تأكلوا معه على مائدة واحدة (يصمت قليلا) ستنظف حمامات المصلى وستقوم بتقليم أظافرك بحكها على حجر... مفهوم؟

الجندي 2:

(بصوت منخفض) مفهوم حضرة المساعد.

المساعد:

(يصرخ في وجهه) ماذا لم أسمع أين زئير الجندي؟

الجندي2:

(يصرخ بصوت عال) مفهوم حضرة المساعد.

العقيد:

(يخاطب المساعد) يكفي ذلك الآن وليستمع جنود الكتيبة إلى ما أود قوله لهم قبل بدء التدريبات والانطلاق للقيام بالمناورة في عرض الصحراء.

المساعد:

(بصوت شديد) نعم حضرة العقيد (يتقدم حتى يصبح على مقربة من مكان العقيد ويرفع قدمه ويضرب بها على الأرض ويقدم التحية للعقيد).

العقيد:

(يخاطب الجنود) كما تعلمون أيها الأسود أن اليوم يعتبر يوما مهما جدا من أيام وجودكم في هذا المعسكر لتأدية واجب الخدمة العسكرية، إنه يوم يعتبر نهاية مرحلة وستكون المناورة التي ستقومون بها في الصحراء هي آخر ما سوف تقومون به قبل أن تنالوا إجازتكم النصف سنوية حيث قد مضى إلى الآن مدة ستة أشهر ولم تنعموا فيها برؤية أهاليكم وأصدقائكم، (يصمت قليلا) يجب أن تقدموا أفضل ما لديكم، يجب أن تتجاوزوا كل مخاوفكم لتتغلبوا على الصعوبات ليس فقط على صعيد الخدمة العسكرية بل وعلى صعيد الحياة إجمالاً. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.

أثناء توزيعهم في مناطق متفرقة في تلك البقعة من الصحراء، وأثناء احتدام المناورات التي استخدمت فيها الأسلحة، وحصل تبادل لإطلاق الرصاص الحي، مع الحذر من أي إصابات، ذهب كل جندي منهم في إتجاه، وتفرقت أيديهم.

 

المشهد الثاني

(جندي يحمل جهاز اللاسلكي على ظهره ويسير تائها وحيدا في بقعة من الصحراء بعد احتدام المناورات)

الجندي: ما هذه الوحشة المرعبة وما أشد قفرة هذا المكان وبؤسه، وكيف لها أن تستبد بهذا المسلك الذي أسير فيه..(يتحدث مع نفسه وهو يواصل السير)

الجندي:

(محدثا نفسه) يا للبؤس، كيف لم أنتبه إلى أنني ابتعدت كثيراً عن ذلك الطريق الذي سار فيه الرفاق، طريق العودة إلى المعسكر الذي كان يجمعنا؟  لقد تهت ولا أعرف الآن إلى أي اتجاه يسير، ليتني أملك حتى خريطة للطريق، أو رفيق، لما لا أحاول أن اتصل بالقيادة مرة أخرى لعلي أفلح في ذلك واحصل على استجابة..

(ينهمك بمحاولة الاتصال بجهاز اللاسلكي الذي يحمل حقيبته على ظهره، يحاول مرارا وتكرارا لكن دون جدوى)

الجندي:

(متأففا) أف ألا يمكن أن أحصل على تغطية للاتصال بهذا الجهاز الملعون؟ يبدو أنني وصلت إلى آخر مكان في العالم ترى كم تبقى من المسافة لأصل إلى الجحيم؟

(يعيد جهاز الاتصال إلى الحقيبة ويتقدم ببطء وحذر وترقب، خطوة تلو أخرى، يتأفف ويحاول أن يحجب بساعده هجير الشمس الذي يلفح هيئته)

الجندي:

يجب أن أحاول الاتصال مرة أخرى فهذا هو سبيلي الوحيد للخلاص لا يجب أن أنشغل بسوى محاولة أن يمسك خط الاتصال معي وأجد اجابة على اتصالي اللاسلكي بقيادة معسكر الرفاق فذلك وحده ما سيرشدني وينقذني من هذا الجحيم يجب أن أفعل ذلك يجب أن يستجيبوا (يغضب ويكاد أن يسقط من الحنق والغيظ).

(يتقدم خطوة أخرى ثم يقف واجما لا يحرك قدمه من المكان الذي داست عليه، بدا على وجهه هلع شديد)

الجندي:

لا لا لا ما هذا الذي ضغطت عليه قدمي إنني أشعر بشيء له حركة محسوسة تحتك به حذائي، لقد قضي علي الآن تماما، هذا ما كان ينقصني، هل هل هل هو لغم نعم فهذا ما يجيد الجندي معرفته وإن لم أعرفه أنا فمن سيعرفه؟ لقد تم أسري على يد لغم.

(يمسح العرق المتصبب من على جبينه بساعده ويبدو فاقدا لصوابه)

الجندي:

إنني أفهم جيداً أنني إن رفعت قدمي سينفجر اللغم وسأخسر حياتي، (يتحرك حركة مرتبكة يحافظ فيها على رباطة جأشه ويخرج جهاز اللاسلكي من الحقيبة التي على ظهره) يجب أن أحاول الاتصال مرة تلو أخرى وأخرى عبر هذا الملعون ويجب أن يستجيبوا لي وإلا فإني من الهالكين (يحاول الاتصال) التغطية ضعيفة جدا والأمل في النجاة أضعف!

الجندي:

(متحدثا إلى الفضاء من حوله) إنه أقسى السجون وأمرّها لإنه بلا جدران، إن حال من سجن في مغارة وثمة صخرة كبيرة تسد بابها، ولن تفتح إلا بكلمة سر لولا أنني لا أعرفها أو لا أجدها (يفتش في أغراضه وحقيبته وجيوبه بهستيريا) هاه هاه أين هي أين هي إنني لا أجدها؟

(يبدو المكان موحشا جدا وعلى الأرض حيث يقف على خشبة المسرح أشياء متشابهة، حشائش صحرواية تتوزع من حوله، وتنتمي لعائلة واحدة، والكثير من علب الأغذية الحديدية الفارغة، التي يظهر عليها كيف كوتها الشمس بهجيرها حتى استهلكتها تماما، وصوت ريح يعوي كعواء ذئب وغبار كثيف يحجب الرؤية يضطر الجندي أن يغطي على وجهه وعينيه بساعده حتى لا ينال منهما، ويمر قليل من الوقت حتى يهدأ الغبار فيرفع الجندي بصره ويجيلهما في انحاء المسرح ليقع بصره على أكمة تبعد عن موقعه بضعة فراسخ)

الجندي:

(متنهدا بأسى وينظر إلى أكمة قريبة من المكان) ليت أن هناك شيء مُجدٍ وراء تلك الأكمة!

(ثم يحاول أن يفعل شيئا، نظر إلى الأسفل حاول أن يحسن من وضعيته، أخرج خنجره ثم حفر حول مكان قدمه بحذر حتى يخفف الضغط ويتقي بذلك عدم تسرب الرمال إلى موضع الصاعق)

الجندي:

(يتحرك) لا مناص من أن أهيئ نفسي للإقامة بهذا المكان.

(راح يخفف الحمولة التي على ظهره، يخلع حقيبة الاتصالات ويخلع جعبته)

الجندي:

لعل هذا قد يمكنني من الصمود واقفا لأطول مدة ممكنة، (يحدث نفسه) ما خف وزنه طال عمره.

(ينتصب ويثبت قبعته ثم يغمض عيناه ويسود صمت وموسيقى موحشة)

الجندي:

عليّ أن أصمت لأنجو عليّ أن أرى في داخلي فالرؤية في الداخل أوضح.

(يفتح عيناه هلعا)

الجندي:

لكن كيف حدث هذا هل تستطيع هذه الصحراء أن تخبرني بما جرى؟، لقد كنت في غاية الفرح لإن كتيبتنا ستحصل على إجازة، بعد ستة أشهر من التدريبات والأعمال العسكرية الشاقة، لقد كنت في غاية الابتهاج لإني سأرى زوجتي وطفلتي وأمي وأبي، كنت سعيدا لإني سأتنفس حريتي من جديد وأنعم بالحياة وملذاتها، بعد أن كبلتني هذه الخدمة الإلزامية في الجيش، ثم فجأة حدث هذا الذي لم أحسب له حسابا، يالبجاحة الإنسان حين يخطط أكثر مما يكترث للغيب.. حين يمني نفسه بالغد إنه يخطط والقدر يضحك.!! (يضحك بأسى كمن فقد صوابه ثم يبكي ويضع كفه على عينيه ثم يصمت)

الجندي:

(بعد لحظات مخاطبا المكان) إن هذا الموقف الإجباري الذي أقفه هو موقف من حياته مهددة بالإصابة بالعدوى من وباء قاتل يتربص في أنحاء المدينة، و ليس له مصل، فإن خرج من داره قتله الوباء، وثباته في مكانه هو الشرط الوحيد الذي سيمكنه من النجاة من الموت المؤكد إن التزم به لكنه مميت أيضاً، لكن ليس لديه أي خيارات أخرى غيره. (يرفع رأسه نحو السماء) هل من خيارات يا رب؟

(يتأمل حوله، يتصبب العرق من جبينه، ويسيح على وجهه، فيختلط مع ذرات الرمال التي ترافق هبوب الرياح بين حين وآخر، فتتعفر بها هيئته وتفاصيل وجهه، يخلع قبعته العسكرية ويحركها أمام وجهه)

الجندي:

حتى الحرارة متواطئة ضدي مع هذا اللغم القذر، إنها أسوأ من جحيم الصيف نفسه، إنها تفسد العقل وتتلف البصيرة، نعم لم تعد بصيرتي تعمل، لقد افسدتها هذه الحرارة اللعينة..

(سكن، أغمض عينيه، وبدأ حديثاً مع نفسه)

الجندي:

يا إلهي لماذا أرى كل هذا، لماذا يترائ لي ملف حياتي، هذا اللغم جعل خوفي يمرر سيرة حياتي أمام عيني كما يمرر المونتير الأخبار في شريط متحرك أثناء نشرة الأخبار الرسمية في بث مباشر على التلفاز، وفي نهاية الشريط تعود صورة ثابتة في الانتصاب في ذهني كأنها إعلان لراع رسمي هي صورة انفجار لغم تحت قدم جندي وفقدانه لنصفه الأسفل ثم فقدانه حياته لا أعلم أين رأيتها ذات يوم!!.

(في تلك اللحظة وهو يحاسب نفسه يدخل المسرح مجموعة اشخاص بأثاث محكمة خفيف، منهم شخص بزي قاض وشخص بروب محام وجنود شرطة ورجل يمثل النيابة وشهود ومدع ورجل دفاع ومعهم لائحة اتهام وتعقد جلسة محاكمة تسلط عليه اضاءة حمراء)

النيابة:

(مشيرا بسبابته نحو الجندي) هذا الجندي متهم بما كان يخفيه عن زوجته من مخالفات لا تجوز لرجل متزوج، متهم بخذلانه لأصدقائه، متهم بنسيانه لحق ربه عليه.

القاضي:

(يصمت الجميع) حكمت المحكمة على المتهم بالمكوث في مكانه حتى يثبت عليه انه كان من أهل الخير، سيقر بذنوبه، وسيطوف حوله كل عمل صالح فعله ويحكي عن المتهم حتى تشفع له حسناته فتسقط عنه سيئاته. رفعت الجلسة (يخرج الجميع).

 

الجندي: (يصرخ آه لا لا ثم يسقط على عقب بندقيته المنتصبة على الأرض ويمضي وقت قليل فيستفيق شيئا فشيئا فينظر يمنة ويسره) لماذا تمضي الساعات ثقيلة، ولماذا لا أرى غير الخوف الذي يسكن أعماقي، لماذا أنا مكبل بعجزي ومثقل بجوانحي المكبوحة، هذا الثقل لا يشبه إلا أعباء المرء المالية في الحياة فتعمى عيناه عن الابصار لما دون فقره، إنني لا أجرؤ على التفكير في غير محاسبة نفسي وهذا الحذر من الحركة، ولكن لما لا يكون لوجودي في هذه البقعة من الصحراء عبرة وأنا الذي لا أفهمها، (فجأة وأثناء وقوفه منتصبا على ملامحه يبدو الإنهاك الشديد وشفتاه الناشفة تتوسل قطرة من الماء، تحدثه نفسه عن أخطائه التي اقترفها) سامحني يارب على أخطائي التي اقترفتها، أتمنى لو أكنت أملك الحق في رسالة أخيرة أرسلها لزوجتي المخلصة وأطلب منها المسامحة على كل ما أكنت أخفيه عنها من تجاوزات لا تجوز لرجل متزوج، وأصدقائي أيضا أتمنى أن يغفروا لي خذلاني لهم، وربي عن نسياني وتقصيري لحقي عليه...

أي قدرة يا إلهي تلك التي تستطيع أن تحول هذه البقعة من الصحراء إلى قاعة محاكمة؟ وهل يمكن أن يصبح الشعور بالذنب الذي يغشاني الآن قاعة للمحاكمة، بمدعٍ وقاضٍ ومحامٍ ودفاع وشرطة ومتهم ونيابة وشهود ولائحة اتهام!!

(يصمت مجددا عن هذيانه ثم يصدر قهقهه عالية ثم يتكلم) إن الوقوف على لغم هو الفصل الأول من يوم الحساب، قدم في الجحيم وقدم في الحياة، ولابد أن ينتصر أنصار أحد الفئتين لينضم المرء إليهم ويصبح منهم، فأنصريني أيتها السماء وأكرميني بإحدى الحسنيين..

(يسدل الستار)


المشهد الثالث

(جن الليل وبدأت أوهام الصحراء تختلط بأفكار ذلك الجندي، وبدأت الهلوسات تمتزج بجواءات عقله، ألفى نفسه، فجأةً، وهو محاط بقطيع من الذئاب، تتربص بالمكان وتنوي أن تفترسه، فأخرج خنجره وقاتلها حتى انتصر، ثم نصب بندقيته ونام عليها واقفا)


المشهد الرابع

(الشمس مشرقة، والجندي مازال اقفا في مكانه) يتناول زمزميته ويشرب ما تبقى من قطرات الماء الموجودة في زمزميته العسكرية، ويمضي الوقت وهو في حالة مزرية من الهذيان والهلوسة والإضناء والتعب، يغفو تارة ويفيق تارة، ثم يتناول جهاز اللاسلكي ويحاول الاتصال بالمعسكر مرة أخرى لكن بلا استجابة فيبدو اليأس على محياه، ويحاول مرة أخرى وأخرى ولكن بلا جدوى.

الجندي:

(يبكي وينتحب ويرفع كفاه إلى السماء) يارب إني أتوسلك أن ترحمني مما أنا فيه.. يارب إن بابك وصلاتي على عتباته والتضرع إليك أن تمنحني الرحمة هي الباب الوحيد الذي لا يوصد ولا أعرف غيره سبيلا لنجاتي، (يصمت قليلا) سأعترف يا رب إن كان ذلك ملائما سأعترف نعم بكل شيء فعلته في حياتي خيرا وشرا وأطلب منك المغفرة إذا كان اعترافاتي هي السبيل الوحيد لنجاتي من هذا المصير الذي ألت إليه.

(أغرورقت عيناه من الدموع التي ساحت على وجنتيه، كان رافعا رأسه نحو السماء منتحبا) اعترف لك يا الله وأتضرع إليك وأطلب المغفرة والسماح منك يالله..

"يارب لقد منحت ابليس فرصة ثانية حين طلب فرصة ثانية وهو الذي عصاك وكفر بعدالتك فامنحني فرصة ثانية لعلّي أعمل الخير وأكون من الصالحين" (ثم أغمي عليه).

 

 

المشهد الخامس

(لقد مضى يوم كامل بعد أن أغمي عليه)

الجندي:

(يستقيظ من سباته يفتح عينيه على مضض وأمامه طفلة صغيرة صماء في الثامنة من عمرها لها ملامح البداوة، كانت واقفة تشده من بزته العسكرية، وتهز جسمه المستبسل في الوقوف) يومئ لها مستفهما عما تريد..

الطفلة:

(تحاول أن تشير له بالإشارات وتفهمه ثم تمد يدها التي تحمل مجسما صغيرا لجندي في وضع الاستعداد للقتال ثم على وجهها ترتسم ابتسامة بريئة ممزوجة بحزن وأسى على حاله حين أدركت أنه افاق) تريه المجسم الذي بكفها

الجندي:

(يبادلها الابتسامة، وهو في حيرة مما تحاول أن تخبره به بايماءات أناملها وملامح وجهها)

الطفلة:

تعاود الايماء بالاشارات لما في كفها وتشير إلى قدمه التي تدوس على اللغم)

الجندي:

حقا، هل أنت تمزحين معي.. (يضحك وكما يبدو أنه فهم أنه يقف حيث تخبئ العلبة الخاصة بالمجسمات التي تلعب بها، لم يصدق ما وصل إلى ذهنه، الدهشة تستبد بملامحه) هل بالإمكان أن تعيدي الإشارات والإيماءات مرة أخرى لأتمكن من استيعابك )

الطفلة:

تعيد اشاراتها وايماءاتها عليه..

الجندي:

(قهقه عاليا وخر على الأرض ساجداً، ثم استلقى على ظهره فاردا ذراعيه يكاد يغمى عليه من شدة الضحك والبكاء لغرابة المفارقة..)

الطفلة:

(تنزع الزمزمية من مكانها بجوار موقعه وتومئ بالإشارات أنها ستذهب لإحضار الماء له ليشرب)

الجندي:

نعم نعم أريد الماء.. (يعاود الضحك والبكاء) شكرا يا رب شكرا لكرمك يا الله..

الطفلة:

(بعد مرور بعض الوقت تعود الطفلة محملة بالزمزمية العسكرية وتناول الجندي وتبتسم له)

الجندي:

(يبتسم لها ويتناول الزمزمية ويشرب بشراهة) أريد أن أصل إلى تلك التلة المرتفعة (يشير بسبابته إلى مكانها القريب منه).

الطفلة:

(تحاول مساعدته في النهوض لكنه يفضل الزحف وتسير مرافقة لزحفه)

الجندي:

(على التلة ينظر يمينا ويسارا ثم يتناول جهاز اللاسلكي) أظن الآن أنه سيكون هناك استجابة لاتصالي، دعينا نحاول..

الطفلة:

تبتسم له وتومئ بالموافقة برأسها)

الجندي:

ألوه حول أنا الجندي الذي أضاع الطريق والمكلف بالاتصالات اللاسلكية ألوه حول..

عامل الاتصالات في المعسكر:

ألوه حول الرجاء أن تصغى جيدا إلى التعليمات، عليك بالبقاء في مكانك وإن كان بالإمكان أن تشعل نارا في مكانك حتى نحدد موقعك فسيكون ذلك جيدا..

الجندي:

علم وحالا سأشعل النار (يخرج قداحته بعد أن يغلق الاتصال ويجمع حشائشا من المكان ويشعل النار)

(يمر وقت قليل ويظهر عدد من الجنود وقاموا بأخذه محمولا على ظهر نقّالة يصاحبهم الضحك).

يسدل الستار ويخرج الجميع

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption