جولة فى شارع المسرح الفلسطينى
مجلة الفنون المسرحية
جولة فى شارع المسرح الفلسطينى
ترجمة هشام عبد الرءوف - مسرحنا
كانت معظم مسرحيات الأديب السورى الراحل سعدالله ونوس(1941 -1997) مقتبسة من مسرحيات عالمية. لكنه كان يتمتع بقدرة عالية على صياغة هذه الأعمال بطريقة تظهر فيها وكأنها معبرة عن واقعنا العربى بكل دقة فكانت تلقى نجاحا كبيرا .
وأوضح مثال على ذلك مسرحيته الشهيرة “الملك هو الملك“ التى تتحدث عن الأكلين على كل الموائد ولا يحاولون تبنى أي موقف مبدئي. هذه المسرحية –التى استمتعت بمشاهدتها على مسرح السلام عام 1991 وكانت بطولة احمد بدير –مأخوذة فى الواقع عن مسرحية شهيرة للأديب الأمريكي مارك توين (1835 -1910). لكن ونوس خريج كلية الآداب جامعة القاهرة صاغها ببراعة منقطعة النظير حتى ليخيل لنا أنها تحدث بالفعل فى عالمنا العربى.
وحنظلة أيضا
ونفس الأمر تكرر مع مسرحية “رحلة حنظلة من الغفلة إلي اليقظة” أو باسمها المختصر “رحلة حنظلة“ التى أبدعها ونوس عام 1978. وقد اختار لها هذا الاسم تكريما لذكرى رسام الكاريكاتير الفلسطينى فهى مأخوذة عن مسرحية “كف تخلص السيد بوكنبوت من الأمة” للأديب الألماني السويدى بيتر فايس (1916-1982). وبسبب براعة النص المسرحى فى العامل مع قضية رئيسة من قضايانا فى العالم العربى تم تقديمها عشرات المرات على المسارح فى كل الدول العربية تقريبا بما فيها مصر. وكانت أحيانا تقدم باللهجات المحلية واحيانا بالعربية الفصحى وبرؤى مختلفة مع الحفاظ على الخط الأساسي.
وأخرجها عدد من ابرز المخرجين فى العالم العربى مثل فراس الريماوى فى الأردن وفؤاد الشطى فى الكويت. وكانت أخرها فى يوليو الماضى عندما قدمها قسم المسرح بجامعة حلوان بالعربية الفصحى ضمن مشروع التخرج لطلبة السنة النهائية. وسبق تقديمها على مسرح الطليعة من إخراج إسلام إمام.
مفاجأة
لكن المفاجأة غير المتوقعة كانت فوز المسرحية بالجائزة الأولي فى مهرجان “بيت تسافتا” السنوى للمسرح الإسرائيلي الذى يقام سنويا فى تل أبيب فى مسرح يحمل نفس الاسم. وتقدم فى المهرجان مسرحيات بلغات مختلفة. والمهم أن تكون الفرقة المسرحية المشاركة إسرائيلية.
وقد أبدي البعض دهشته من فوز المسرحية التى تتضمن انتقادات عديدة لإسرائيل وسياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين خاصة أنها قدمت اكثر من مرة بواسطة فرق مسرحية فلسطينية مثل العرض الذى قدم عام 2017على مسرح عشتار فى رام الله للمخرج الفلسطينى محمد غريب .
لكن الأمر لا يبعث على الدهشة إطلاقا لان ذلك لعبة إسرائيلية معروفة حيث تسعى لإظهار نفسها فى صورة الدولة الديمقراطية التى ترحب بالانتقادات وتتسامح معها. كما تؤكد اللجنة المنظمة للمسابقة أنها تعلى الاعتبارات الفنية فوق غيرها من الاعتبارات!!.
وكانت حيثيات فوز المسرحية على لسان لجنة التحكيم، أن المسرحية متقنة الأداء من قبل الممثلين، وهناك لغة فنية خاصة جدا، حيث تناغمت جميع المركبات المسرحية، من إخراج مسرحي، وتصميم الحركة، ومن النقاط الملموسة للعمل المسرحي العمل الجماعي من قبل طاقم العمل.
قدمت المسرحية –التى كانت ضمن عشرين مسرحية عرضت فى المهرجان - مدرسة “فرينج” للفنون بمدينة الناصرة المحتلة منذ عام 1948 وحصلت على دعم من بلدية الناصرة ودائرة الثقافة العربية فى وزارة الرياضة والثقافة الإسرائيلية.
والمسرحية من إعداد وإخراج: منير بكري وجسد شخصياتها عدد من طلاب السنة التمهدية بالمدرسة يتوقع النقاد أن يبرزوا فى المستقبل.
موكينبورت وحنظلة
وفى المسرحية تحولت الشخصية الرئيسة فى مسرحية بيتر فايس وهى شخصية موكينبورت الألمانية إلي حنظلة ?تيمنا باسم الشخصية الكاريكاتورية الساخرة سياسيا لرسام الكاريكاتير الشهير? «?ناجي? ?العلي?»?،? ?الذي? ?اغتيل قبيل كتابة مسرحية? «?ونوس?» ?بعام واحد. وكان العلى ابتكر شخصية حنظلة ?الكاريكاتورية قبل ذلك بسنوات??،? ?وع عقب هزيمة ? ?67 ? ?المريرة? ?،? ?ليظل مدافعا عن حق الفلسطيني? ?في? ?العودة.
وحمل النص المسرحى دعوة إلي التخلص من الأوهام والانتقال إلي مرحلة اليقين الذى لا يمكن الانتقال إلي الأفضل بدونه. وأكد على أن الأفضل ليس حلما??،? ?بل حقا مطلوبا?.
وفى المسرحية يتم القبض علي? ?الشخصية الرئيسية? «?حنظلة?» ?ذات ليلة دون أن? ?يعرف تهمته??،? ?ويزج به في? ?السجن??،? ?ليظل فيه ستة أشهر دون جريرة??،? ?رغم ما يعلنه دائما لسجانيه من أنه? ?يعيش دوما? «?بجوار الحائط?»?،? ?مستكينا وهاربا من أية مواجهة? ويدرك أن عليه أن? ?يدفع كل ما ادخره رشوة لسجانيه كي? ?يسمحوا له بالخروج من السجن فيفعل?،? ?فيعود لزوجته ليجدها قد حولت بيته لماخور??،? ?وتطرده من البيت مدعية عدم تفهمها لسر? ?غيابه??،? ?بل ومتهمة إياه بالخيانة? !!?،? ?كما? ?يطرد من عمله لتغيبه عنه دون إذن أو مبرر معقول??.
سرقة الثورة
ويطرح عدد من الأسئلة على نفسه حول ما? يجب أن? ?يفعله أمام هذا النظام الظالم??،? ?الذي? ?يفرض عليه الجوع??،? ?ويصادر حريته??،? ?ويغتال براءته??،? ?ويفسد ذهنه??،? ?ويشوش عقيدته??،? ?فيشارك شباب مثله في? ?ثورة تسقط النظام الظالم??،? ?لكن سرعان ما سقطت ثمار الثورة بأيدي? ?شبيهة بالأيدي? ?القديمة??،? ?وواجه نفسه وجمهوره بحقيقة أنه ثائر متمرد سرقت منه ثورته ?دون أن? ?يعرف كيف? ?يحول التمرد إلي? ?نظام? ?يحميه? ?.
وأخيرا يتوصل إلي ?أن إسقاط النظام في? ?ذاته ليس هو الحل??،? ?بل التغيير الجذري? ?المفتقد حتي? ?الآن علي? ?أرض الواقع هو الملاذ والمعبر الحقيقي? ?عن الثورة التي? ?ضحي? ?من أجلها??.
زكريا الزبيدى
عاشق للمسرح بدرجة فدائى
أولت الصحافة الإسرائيلية والعالمية اهتماما كبرا لموضوع الأسرى الفلسطينيين الستة الذين تمكنوا من الهروب من سجن جلبوع أقوي السجون الإسرائيلية المخصصة لاعتقال الفلسطينيين وتعذيبهم وامتهانهم.
وكان صاحب نصيبب الأسد من هذه الأضواء –رغم أنه أحدثهم فى تاريخ الاعتقال حيث تم اعتقاله قبل عامين فقط –زكريا الزبيدى قائد كتائب شهداء الأقصى –الجناح العسكرى لحركة فتح –فى محافظة جنين.
ولم يكن السبب أن جنين صاحبة أطول حدود بين الضفة الغربية وأراضي 48 (65 كيلومترا من 360 كيلومترا).ولم يكن السبب أن جنين احد معاقل المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي مثلما حدث عام 1948 وفى الاجتياح الإسرائيلي للضفة عام 2002 .
السبب أن الزبيدى كان ممثلا مسرحيا منذ طفولته فى المسرح المدرسى وبعض الفرق المسرحية الصغيرة . وكان يتمنى احتراف التمثيل المسرحى عندما يكبر. وتغيرت رؤيته إلي المسرح عندما عاصر الانتفاضة الفلسطينية الأولي التى اندلعت بين عامى 1987 و1993 ووجد فى المسرح وسيلة لتوعية الشعب الفلسطينى بتاريخه وحقوقه وأعداءه وكل ما يحتاج إلي معرفته. هنا أسس فرقة مسرحية من المتطوعين تقريبا لتمارس ما سماه وقتها المقاومة الثقافية للعدو الإسرائيلي. وحققت الفرقة نجاحا كبيرا فى الفترة من 1993 إلي عام 2000 حيث كان يحلم بسلام يسود بين العرب واليهود ودولة للفسطينيين. وحقق شهرة واسعة بين الفلسطينيين واليهود الذين كان بعضهم يحرص على حضور مسرحياته رغم هجومها على إسرائيل. وكان عدد من الصحف الإسرائيلية يجرى معه لقاءات. وأقام علاقات مع عدد من الشخصيات اليهودية.
نقطة تحول
وظل الأمر كذلك حتى اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 واستشهدت خلالها امه برصاص قناص إسرائيلي عندما كانت تقوم بنشر الغسيل فوق سطح المنزل فى مخيم جنين. ولحق بها شقيقه طه وعدد من أصدقاءه. ودمرت قوات الاحتلال يبته عام 2002 . هنا تخلى عن مثالياته وأمن كما قال لصحيفة صانداى تايمز أن الحل يمر عبر فوهة بندقية كما تقول القصيدة الشهيرة لنزار قبانى «أصبح عندى الآن بندقية» التى لحنها وغناها محمد عبد الوهاب وغنتها أيضا أم كلثوم.
وهنا انضم إلي كتائب شهداء الأقصى وشارك فى بعض عملياتها وترقى فى صفوفها حتى وصل إلي رئيس فرعها فى جنين . واصبح من المدرجين فى سجلات ألإرهابيين الذين شاركوا فى عمليات «إرهابية أدت إلي سقوط ضحايا أبراء من اليهود»!!!!. ولم يتوقف الزبيدى عن كفاحه المسلح رغم مطاردة قوات الاحتلال له وحتى بعد أن أصيب بندوب فى وجهه من جراء إنفجار قنبلة لم يحسن التعامل معها.
فيلم تسجيلى
وقد وردت فقرات عنه فى فيلم تسجيلى عن مسرح الأطفال فى مخيمات فلسطين أعدته الناشطة اليهودية «ارنا خميس صليبا» التى تزوجت بالقيادى الفلسطينى من فلسطينى 48 خميس صليبا وانجبت منه المخرج والممثل وكاتب السيناريو جوليانو صليبا الذى كان يقول عن نفسه دائما أنه يهودى فلسطينى وقتل فى ظروف غامضة فى جنين فى 2011 عن 52 عاما .
وقد عمل الزبيدى لبعض الوقت مع جوليانو خميس صليبا فى فرقة مسرحية بإم الحرية اسسها صليبا لتخليد ذكرى امه بعد رحيلها. وقال وقتها لوكالة الأسوشتيد برس أنه لا يزال يؤمن بأهمية المسرح لإقناع العالم بعدالة القضية الفلسطينية . لكن ذلك لم يكن يعنى إلقاء سلاحه .
وكانت إسرائيل تسعى إلي تشويه صورته فتحدث بعض مسئوليها عن أن الزبيدى عميل لأجهزة الأمن الإسرائيلية للمشاركة فى الإيقاع بعناصر المقاومة الفلسطينية لكن أحدا لم يصدق هذه الأكاذيب .
وتم اعتقاله عدة مرات دون أن يثبت فى حقه أي شئ خاصة بعد عفو مشروط عنه بناء على اتفاق مع الرئيس محمود عباس حتى تم القبض عليه فى 2019 بتهمة تدبير هجوم ضد سيارات إسرائيلية . وكان فى انتظار المحاكمة عن هذه التهمة عندما هرب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق