الكلام الكافي عن معرفة المسرح الشافي؟ / عبد المجيد صرودي
مجلة الفنون المسرحيةالكلام الكافي عن معرفة المسرح الشافي؟ / عبد المجيد صرودي
____
إن كلمة " مسرح " تحيلنا تركيبيا إلى سرَحان كل الحواس نحو الآفاق البعيدة.. أو كما جاء في قاموس المعاني الإلكتروني: يَسْرَحُ بِأفْكَارِهِ بَعِيداً: يَحْلُمُ، يَأْخُذُهُ خَيَالُهُ بَعِيداً، تَسْتَغْرِقُهُ الأفْكَارُ.. أي؛ تفكير يجاري اختلاف المواقف وصراع الأفكار، ليتذوق فسيفساء هذا الفضاء الفضفاض، الواسع الشاسع، الداعي - بالضرورة - إلى محاولة الإدراك عبر الخيال.. إنه كون فسيح، بل إن كلمة " مسرح " تحيلنا إلى حياة مصغرة دؤوبة لواقع معيش أو قابل للعيش..!
" المسرح " بهذه التركيبة؛ لفظة ثقيلة في الميزان ومقدسة في الأفهام.. وحين يؤخذ الحديث إزاء تاريخ المسرح والدراما وفعل المحاكاة والعرض والفرجة والخطابة وحسن الأداء والبلاغة والانتهاء إلى المعنى.. وكذا التمثيليات التي سادت عند البابليين والفراعنة والهند والسند القديمتين، ثم الإغريق، وما أدراكم ما الإغريق! فإنه حديث ذو شجون يمكننا من تسجيل ما يلي:
إن تاريخ المسرح لا يتناول تاريخ الأدب الدرامي فحسب، بل يتناول " الظاهرة المسرحية " أيضا، من خلال دراسة بذورها عبر الفترات المختلفة للمدنية الإنسانية في هذا البلد أو ذاك بنظرة خاطفة لهذا الفن المتسع الآفاق، المستعصي عن كشف جميع خفاياه.. كما ورد في كتاب" تاريخ المسرح" ليون شافصوريل، ترجمة خليل شرف الدين ونعمان أباظة.
فهذا الفن الجميل، تمثيل للأدوار وتجسيد للمواقف وتشخيص للأفكار والمعاني عبر ما يسمى " الاحتلال المشروع " عبر الفنون الستة الأخرى: موسيقى، وتشكيل، ومعمار، ونحت، وشعر، ثم سينما.. هو احتلالٌ يجعلك سيد خشبة المسرح والصالة لوقتٍ من الزمن تغزو فيه مشاعر وعقول المتفرجين.. أما هم فيسلمونك مفاتيح أرواحهم شريطة - وياللعجب - أن تكون أسلحة غزوك قوية.. أو كما يؤكد المسرحي العظيم:
Ahmad Sabry Ghobashy - أحمد صبري غباشي
وبناء عليه؛ فالخشبة - أو الركح - فضاء مقدس، أو بالأحرى محراب أو منبر الفن، ولا يجوز الصعود عليه إلا لمن كان فقيها مسرحيا، يريد إصلاح ما أفسده الناس.. إنه مكان يفصل بين وضعتين تصوفيتين فلسفيتين عقديتين، يفصل بين المدنس والمقدس في مرحلة وسطى تدعى " التطهير " وبلغة لاتينية أرسطية " catarces "
وإذ عرفنا ماذا يعني التمثيل؟ ومايجب أن يقدم لذلك المتلقي الطامع في أن يتزود بتلقين مسرحي رفيع المستوى ليتمكن من فهم الحياة وتأويل الوجود والتساؤل وإثارة العواطف أو التخلي عن كل زيف أو خلق و سلوك لاحقيقي وغير قابل لأن يكون صفة للشخصية المرموقة التي من خلالها يتم تشييد المجتمع الراقي؟ ستكون النتيجة مؤداها في العصر الحالي صار فيه أبو الفنون السيد المسرح يعيش تناقضات مستمرة، ما يستدعي رفض كل ما هو منافي للعرف الأرسطي الدرامي، وكذلك نبذ العرض العشوائي الخالي من الفكرة القابلة للتأويل، المشهد الفاقد للتصوير العقلي، والتساؤل الذي يقود إلى الحل المحتم و القائم على الجواب الأمثل، هكذا يمكن حدوث تلك النهضة المسرحية والثورة الفكرية التي من خلالها قد يستفيق عقل الإنسان و يدرك الصواب.. أو هكذا قال محمد عبابو، مهتم بالمسرح.
وختاما؛ فإن الأجمل والأروع في المسرح، هو ذاك البعد التربوي الأخاذ، الحافل بالحكمة والكلمة البانية.. ثم إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فاهدوا إليها طرائف الحكمة الحافلة بالأخلاق والقيم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق