عن ضمور المسرحية الشعرية في مسرحنا..المسرحيون: نحن اقرب اليوم الى مسرح الشارع ذو الاشتراطات المختلفة عن الشعر
مجلة الفنون المسرحية
عن ضمور المسرحية الشعرية في مسرحنا..المسرحيون: نحن اقرب اليوم الى مسرح الشارع ذو الاشتراطات المختلفة عن الشعر
علاء المفرجي - المدى
المسرحية الشعرية التي كتبت نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر تنتمي للشعر أكثر من انتمائها للمسرح،
لذلك انطفأ بريقها، ولم تعد خشبات المسرح تحتفي أو تهتم بها على الإطلاق، نتذكر ماكتبه أحمد شوقي، أو خالد الشواف من العراق، بل حتى نصوص الشاعر صلاح عبد الصبور، ومحمد علي الخفاجي، وخزعل الماجدي وآخرين.
في هذا الاستطلاع أجاب مسرحيونا عن السبب في ضمور المسرحية الشعرية، وغيابعا عن عروض المسرح، هل باختفاء روادها أم انها إستنفدت اغراضها؟ وهل هناك محاولة لاعادتها ؟
سعد عبد الصاحب: لانجد اهتمام بهذا النوع
الاسباب كثيرة منها رحيل الرعيل الاول لها كاحمد شوقي وعزيز اباظة وحافظ ابراهيم وعبد الرحمن الشرقاوي في مصر ومعد الجبوري ومحمد علي الخفاجي وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم في العراق فما عدا خزعل الماجدي لانجد ان هنالك اهتماما اليوم بهذا النوع المهم في ترصين لغتنا الام من جانب واظهار شعرية شعرائنا وفنيتهم من جانب اخر، وهناك سبب جوهري اخر هو عزوف ممثلينا ومخرجينا عن قراءة هذا النوع من المسرحيات وتذوقهم لها إضافة الى متغيرات سسيو ثقافية تتعلق بالواقع الثقافي والمعرفي الذي تعيشه الاجيال اليوم والمتغيرات الكبيرة التي طرات على المشهد الثقافي والمسرحي تحديدا فالجيل اليوم لا يقرا شعرا عموديا او قصيدة النثر وتلاوينها والبوصلة تتجه باتجاه الشعر الشعبي بغثه وسمينه.
طبعا قدمنا مؤخرا مسرحية سرندبال تاليف خزعل الماجدي وهي مسرحية شعرية على خشبة المسرح الوطني باخراج المخرج عماد محمد وعرضت ليوم واحد وكنت احد ممثليها... كان استقبال الجمهور لها جيدا لاسيما وان المسرحية تحكي عن اسطورة اشورية عن الملك سرندبال الذي يدعو الى السلام ونبذ الحروب..
كاظم نصار: السبب هو الحاجة الى لغة مباشرة
اظن ان التبدلات الحادة سياسيا وانعكاساتها على البنية المجتمعية ودخول الثورة التقنية وحاجة الناس الى لغة مباشرة بدون ترميز تلبي حاجته الروحية وقربها من مشكلاته افرز لغة وحتى لهجة مباشرة وحصل هذا في العالم العربي خاصة تونس ولبنان ومصر وحتى الخليج والعراق، حتى الشعر ذاته تعثر الاهتمام به واصبح السرد والدراما اكثر اهتماما للقراء والمشاهدين.
المسرحية الشعرية كان لها جمهورها ومتلقيها لكنه انحسر وتاه وسط عواصف التحولات والمتغيرات، وفي العراق ساهمت معطيات الحرب والحصار والتحول السياسي الى تبدل حاجات الناس من لغة فخمة شعرية رمزية الى لغة مباشرة اقرب للشارع واشتراطاته
عدا عن ان كتاب المسرح في تناقص وتواري بسبب تقلص مساحة المسرح في الحياة الثقافية وتاثيرها مع تزاحم الحياة السياسية وتقلباتها
ونحن اقرب اليوم الى مسرح الشارع ومسرح العبث ذوي الاشتراطات المختلفة عن الشعر وجمالياته، اظن انتهى زمن المسرحية الشعرية وعندما تحضر بين اونة واخرى تحضر يتيمة منفردة لاجمهور لها ولا انصار ولا متذوقين ذهبوا مع ذهاب وتواري النهضة المسرحية التي بدات تاكل ابنائها وترميهم في غياهب النسيان.
اطياف رشيد: انها اساس المسرح
تعتبر المسرحية الشعرية الصورة الارقى والابهى للمسرح لانها الاساس في نشاته اولا ولانها ترتقي بالذائقة والخيال الى مساحات وفضاءات سامية.فتأثير اللغة الشعرية منسجما ومناسبا مع الموضوعات الدينية والطقسية حيث نشأ في اليونان ومناسبا ايضا في احداث التأثير المرجو في المتلقي وتفعيل دور التطهير.بالاضافة الى كل ذلك كانت شكلا يمثل الفخامة سواء في اماكن عرضها او حين يحضرها الملوك والنبلاء اذ اصبحت تمثل وجها ارستقراطيا لما فيها من ترف لغوي.فاللغة الشعرية لها القدرة على تصوير اللامحسوس وتناول الرموز والايحاءات واستلهام الاساطير وان ذلك كله برأي بقدر ما كان مصدرا لقوتها وجمالها وتعاليها فانه بالتدريج خلف قطيعة بينها وبين الجمهور.فالموضوعات التي كان بأمكان المسرح الشعري طرحها كانت على الاكثر موضوعات رومانسية او دينية ونلاحظ هذه الميزة في مسرحيات احمد شوقي وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم.بينما المسرحيات التي تناولت القضايا الاجتماعية والسياسية بدات تختصر الطريق نحو المتلقي دون المرور بالاستعارات اللغوية او التزويق اللفظي والتشبيهات الخيالية. بل ان اللغة نفسها بدات تاكل نفسها اذا جاز لنا التعبير في مسرح العبث مثلا.اما عن مجاولة احيائها اعتقد ان كل التغيرات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي تمر بها المجتمعات تنحو نحو البساطة والاختزال واذا ما اعيدت المسرحية الشعرية الى الخشبة فانها ستكون للنخبة فقط لانها تمتلك خصائص نوعية وحساسية عالية.
فاتن حسين ناجي: السبب في تعددية
الاصوات والصراع
بين الشعر المسرحي والمسرح الشعري ثمة مقاربات ومفارقات خلقت وفقها جسور الريادة الاولى رغم عدم افتراق احدهم عن الاخر لكن الريادة الاولى جائت للمسرحية الشعرية وتلك الريادة لم تكن للشعر فقط بل للمسرح الذي ولد شعرا منذ اشعار المظاهر الشبه الدرامية الاولى للمسرح العالمي والعربي على وجه الخصوص والى ولادة المسرحيات العالمية الاولى اذ كان الشعر هو الاداة الوحيدة للمسرح الاغريقي وحتى الروماني لان استلهامهم الاول من الملاحم والاساطير هو ماجعل مسرحهم يبدا شعرا ولان المسرح في اصوله الاولى كان يسمى شعرا دراميا ولم يكن هنالك في بداية ظهور المسرح تصورا ان المسرح سوف يتحول الى نصوص نثرية وليست شعرية ولكن هنالك عدة اسباب جعلت المسرح في بادئ الامر يتحول تدريجا الى النثر ثم يختفي (بصورة نسبية)واهم تلك الاسباب التي تترواح بين الاسباب الخاصة بالبنية الدرامية العامة للنص وهي:
تعددية الاصوات والصراع في المسرح بصورة عامة والتي تنحصر جدا مع المسرح الشعري لذا كان ذلك سبب في انحصار المسرح الشعري اضافة الى
التركيز في المسرح الشعري حول الخواطر والتاكيد المباشر على الغنائية والمنلوجات الطويلة وكذلك التاكيد على الصياغة اللغوية وعلى القصائد الشعرية اكثر من الصورة الدرامية , التقيد الذي يحدث بين الوصف العام للحدث المسرحي من خلال رسم القصيدة المسرحية , يحتاج الشاعر الى مساحة واسعة للوصف وذلك مايتعارض في الوقت الحالي مع عصر السرعة ومتطلبات المتلقي.
ومنها اسباب واقعية معاصرة هي: تغيب القلم الشعري الرصين كما هي الجذور الاولى للمسرح الشعري وخاصة العربي،
تعددية الشعراء او مايندرج تحت مسمى شعراء دون وجود قواعد رصينة للمسرحية الشعرية والتي تتطلب جهد مائز وذو خصوصية عالية، متطلبات العرض المسرحي الذي تتواكب ومتطلبات الحداثة ومابعد الحداثة ومابعد الدرما.
احمد شرجي: العصر والثقافة اختلفا تماما
ارتبطت المسرحية الشعرية منذ نشأتها بالشعراء وتحديدا شعراء العمودي، جاءت بنسق يعتمد على الفخامة اللغوية والفصاحة تستند في احداثها على وقائع وشخصيات تاريخية أو قصص لها حضور في الذاكرة مثل قصة قيس بن الملوح وليلى العامرية، عنترة بن شداد، او واقعة الطف بكل حمولاتها الدينية، وغيرها الكثير، ولكن هذا الجنس المسرحي نجده فاعلا في بدايات المسرح او مع المد القومي في الخمسينيات الذي طرح قضية الاصالة والهوية المسرحية،باحثا عن خصوصية مسرحية مزعومة، و وجد في الاحداث التاريخية مادته المسرحية، ومن خلال هذا التوظيف بدأ العرب بالحديث عن ما يسمى بالمسرح العربي، ولكنهم تناسوا بانهم يقدمون مسر باللغة العربية، ولا الشعر ولا الجلباب العربي ولا قيس بن الملوح يعطي هوية مسرحية، هذا من جانب، اما جانب آخر، مع اكتشاف الضوء في نهاية القرن الثامن عشر والتاسع عشر بدا المسرح يبحث عن الاختزال والتكثيف والرمزية في المتن النصي، لم تعد الكلمة العنصر الرئيس في العرض المسرحي، بل الحكاية والشكل والصورة المسرحية، وهذا ما طرحه التعبيريون الذي رفضوا تسمية الشخصيات بأسماء، بل وضعوا لها ارقام وهكذا، وكذلك رواد مسرح اللامعقول، الذين كتبوا الثرثرة اليومية وهذا من نجده عند بيكت واداموف، والمسرح الحديث جل مشروعه تهميش النص وموت المؤلف وهناك مؤلف آخر هو المخرج للعرض المسرحي وبدأ المشروع النقدي يتحدث عن نصين نص المؤلف ونص المخرج، وهذا تهديم للسلطة اللغوية داخل النص، وأحياء الجسد واستنطاقه عبر فضاءات العرض المتعددة عبر الوسائطية والسينغرافيا التي بدأت تعمل بوصفها رؤية أخرها بجانب رؤية المخرج، وامام هذا التطور التكنولوجي الهائل وتوظيفها داخل العرض المسرحي، اعطى أولوية للصورة لأنها تعبر عن مجلدات من اللغة المكتوبة... العصر والثقافة اختلفا تماما، هذا زمن الاختزال والتكثيف، حتى شعراء العمودي غادروا قصيدة اجواء سوق عكاظ، واتجهوا الى قصيدة النثر، والمسرح هدم بمعول كبير سلطة الشعر وفخامة اللغة حتى لو كانت لغة شكسبير.
جبار خماط: اسباب كثير جعلتها تتقهقر
المسرحية الشعرية التي تتخذ من قوالب الشعر مادة درامية تديرها الشخصيات بالاداء، لم تعد منتشرة أو تكفي لسد شهية المتطلبات المسرحية المعاصرة، لذا اجد التفريق بين نوعين أساسيين هما
((نمسرح الشعر)) الذي يتخذ من قوالب اللغة وصياغات التعبير اللفظي، إطارا دراميا يدير الأحداث على نحو منضبط في حبكته وشخصياته،واتجاه آخر يتمثل في ((شعر المسرح)) لذي نادى به (جان كوكتو) على نحو الكتابة الدرامية، و(انطوان ارتو) في الدعوة إلى مسرح يتخذ من الصورة وتراكيبها في منظومة الجسد الحاكمة لأداء الممثل، والإحاطة السينوغرافية، التي تحقق نسقا تعبيرا يلتزم المشاركة العاطفية والفكرية لدى الجمهور هدفا عمليا ، فالمسرح الان، يعد طقسا يكسر المدرك الاجتماعي الثابت، وغياب(مسرح الشعر) جاء بسبب هيمنة الصورة والإطار التكنولوجي في التعبير عن تحولات الشخصية، والفضاء الرقمي، الذي يتجاوز الثابت الصلب، ويميل ليس باللغة والالفاظ، الي الصمت ولغة ا لجسد وليس اللغة اللفظية.
إن ما بعرف بالمسرحية الشعرية التي سادت في خمسينات ستينيات القرن الماضي، جاءت بسبب هيمنة الشعور بالبعد القومي، الذي تكون اللغة العربية بانساقها الشعرية التقليدية، نسقها المعبر عن روح المجتمع وتحولاته، وبها - المسرحية الشعرية - يتم التعبير عن قضايا الأمة وتاىخها وهويتها، واصلح طريق للتعبير عن هذا الهدف، هو الشعر العمودي ممزوجا بالدراما،لكن هذا التوجه بدأ بالانحسار مع هيمنة ظروف تواصلية جديدة، تعتمد الفضاء الرقمي، والتواصل بالصور وانساقها التعبيرية، التي تعتمد الاختزال والتكثيف والتلميح وليس التصريح، فظهرت ما يعرف الكتابة المسرحية على الخشبة، وهي دراماتورجيا الخطاب الأدائي الذي يصنعه التمرين، فضلا عن هيمنة اللهجات كوسيط تعبيري حميمي يتفاعل معه الحمهور،في(الهنا والان) كلها عوامل جعلت المسرحية الشعرية تتقهقر، وتصعد - بدلا عنها - المسرحية السائلة التي تعتمد الارتجال اللفظي، والبعد الحركي وإبعاد الصمت الموحية بالفكرة.وبرأيي أن كلا النوعين لا يحققان الان صناعة الفرجة والتفاعل لدى الجمهور، فلا اللغة الصلبة التي يتيحها الشعر دراميا تسمح بالتواصل العمومي، ولا الابتعاد عن اللغة، واللجوء إلى الخطاب السائل الذي تحققه الصورة وطقسية الارتجال، بل يتطلب الان مزجا ما بين اللغة الشعرية، وما بين صورة الممسرحة، ليتحقق توازنا ما بين الفكر والشعور لدى المتلقي الذي يكون جزءا من تيار الحياة المحيطة بكل تحولانها وضغوطها الراهنة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق