مسرح الشارع بين العرض والجوهر الفكري /'د.حسين التكمجي
مجلة الفنون المسرحية
د.حسين التكمجي |
مسرح الشارع بين العرض والجوهر الفكري
لعل من اهم المقومات المسرحية التي ساهمت بإعادة تنشيط مسرح الشارع ، في جميع المدن العربية والأوربية ، هي أزمة المسرح ، التي باتت تشكل عزوف الجمهور من حضور المسارح المغلقة ، ولأسباب عدة تباينت من خلال عدم نبني المسارح لهموم الناس ، أو وضع حلول معرفية للمشكلات الراديكالية للسياسة أمام شعوبها ، ولعل المسارح لم تعد مهتمة بحل المشكلات الاجتماعية أو السياسية او الفكرية والنفسية بصيغ تعليمية كما قدم لها المسرح الملحمي ، أو ان المسارح اتجهت نحو التجريب الذي لا يمت صله بجوهر المجتمع والبحث عن الشكل دون الجوهر ، بحثا عن الصورة الملغزة دون الفكر المعرفي الذي يشكل غذاء الروح والنفس معا ناهيك مما يبحث عنه شباك التذاكر .
لهذه الأسباب وغيرها ، توجه المسرحيين الى معالجة جمهورهم العازف عن الحضور الى المسرح ، حتى وان كان ذلك يتطلب الوقوف امامه في الساحات والحدائق والشوارع ومناطق التجمع او السجون وما الى ذلك ، وللسبب ذاته سعى مسرح الشارع الى تجديد هويته بالوسائل البسيطة والمتاحة لتحقيق الغرض ضمن مفهوم التمسرح ، محولا البحث عن أفكار تعالج المشكلات التي ألمت بالمجتمع والتنفيس عن الحلات النفسية والشعورية التي تنتاب الأفراد ، والتي بات الجمهور بأمس الحاجة لها كونه لا يبوح بها لأسباب داخلية ، بل ربما وجد أن المسرح قادرا بكل جرأة للتعبير عنها ،حينما يعبر عنها بصيغ نفسية وفكرية واجتماعية وفقا للمعير الجمالية والمعاير الفنية ، إن المسرح هنا يعبر بالضرورة عن ضمير الجمهور ومعاناته وهو ما يجعل الفرد متبينا لهذا النوع من البوح بوصفه صوت الأنا الداخلية للمتلقي ، ولما كانت هذه المسارح تعبر عن هموم الناس دون أن يدفع الفرد مبلغ بطاقة الدخول ، فقد يجد المتلقي أن صوته مسموع وهو يعبر عن كاهله ومعاناته وانكساراته امام الملاء، حتى اصبح لمسرح الشارع هذا الحضور المعرفي والثقافي وربما السياسي والاجتماعي ، المتوافر بين المقهى والشارع والأسواق ،حين بدء الجمهور يرى متعة الفهم والادراك ومستوى عالي من النقد الاذع للسلبيات ، فلم يعد الفرد هنا منطويا على نفسه ومستسلم لما هو فيه ، بل متفهم في اخذ قراره الفطري والنفسي من تلكم الأوضاع .
وعلى وفق ما تقدم بات المسرح يبحث عن مدخلات تفي بالغرض كالارتجال وتوظيف اقل قدر من الموسيقى واستخدام النقد والسخرية بصيغة الكوميديا السوداء وفن التنكر والتزين والبحث عن أسلوب غير نمطي للشخصية وتوظيف كل ما يساهم بشكل دلالي وبسيط في حضور الفكرة ،خصوصا أن المؤدي اقرب الى جمهوره من المسارح المغلقة ، فيشعر بالتشاركية والحفاوة والتأثر والتأثير ،ولعل المتلقي هنا مستمتع بما يقدم بل متأثر به ذلك لكونه يحاكي همومه اليومية ومشكلاته الداخلية والاجتماعية ، بل هو صوت المتلقي غير المسموع أصلا ، بوصفه يناقش حياتهم فكرية كانت أم حسية.
ولهذا نجح مسرح الشارع في كل مكان بوصفه مسرح اقتصادي جدا ، فهو يستغني عن تأجير المسارح ويقتصد بالكلية بالمنظر ويهمش الإضاءة ويكتفي بموسيقاه دون وجود أجهزة صوت ويكتفي ببعض الأزياء والاكسسوارات الدلالية ، اذ بهذه البساطة يستطيع ان يقدم فرجة مسرحية وفكرية وجمالية وحسية باقل التكاليف .
وفوق كل ذلك فمسرح الشارع بعيد جدا عن مقص الرقيب ، ولذا وجدنا من المناسب أن تكون عروض مسرح الشارع ذات اهتمام بمباشر بقضايا المواطن والوطن اليومية ، وهي من الكثرة ما لا يمكن حصرها ، قد تخضع لمحاربة الفقر والجوع والعوز الذي يشكل الجريمة بأنواعها والاستغلال والصدمة النفسية والانحلال والتعاطي والعنف ضد الأطفال والمرأة والمتاجرة بالبشر ، كل ذلك يعيد لمسرح الشارع أن يكون مسرح علاجي من الطراز الأول ، بل هو الحاضنة التي نلجأ اليها لحل المشكلات ، واجد من الضروري ان يكون هناك مؤتمرا لمسرح الشارع يبحث كل المقررات الازمة لتطويره بوصفه اصبح ظاهرة مهمة في مجتمعاتنا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق