مونودراما " اوهام " تأليف عكاب حمدي
مجلة الفنون المسرحية(تبدأ المسرحية بموسيقى مع الاضاءة التي تكشف لنا عن غرفة نوم باثاث بسيطة ، مرآة ، سرير نوم ، صورة رجل في منتصف العقد الثالث من العمر معلقة على الحائط ، امرأة في العقد الثالث من العمر مرتدية ملابس تدل على الحزن واضعة شال اسود اللون على راسها جالسة في وسط وسط المسرح فجأة يبدأ طرق متكرر على الابواب ومن اتجاهات مختلفة ، تنهض مسرعة وتتحرك باتجاه مصدر الصوت مع تصاعد الموسيقى )
المرأة / من الطارق؟ ...من الطارق؟ (يطرق الباب الثاني ، تتجه مسرعة اليه ) من الطارق؟ ... من الطارق؟ ...من بالباب ؟... من انت؟ (تفتح الباب ) (تنظر يمينا وشمالا) ياالهي لا يوجد احد امام الباب (يطرق الباب الاول ) ياالهي ربما تأخرت أن أفتح الباب ورجع الى الباب الاول (تتجه مسرعة اليه ).من.؟.. من الطارق؟ ... من في الباب ؟... من هناك ؟... من انت أيها الواقف أمام الباب ؟... ماذا تريد ؟ ... عن ماذا تسأل؟ ...زوجي ليس هنا ... منذ سنين وهو غائب ... لم اعرف مصيره ، لم يصلن منه أي شيء لا رسالة ولا اتصال ...لم انت ساكت ؟... لم لا تقل شيئا ؟... هل انت أصم ام ابكم أم كلاهما ( تضحك ) أفضل أن تكون أصم وأبكم حتى لا تسمع ولا ترى ما يحدث (تضحك) لالا ارجوك لا تزعل اني أمزح معك (تفتح الباب تنظر يمينا وشمالا ) لا يوجد احد امام الباب ...اين ذهب ؟!... ها .. ربما زعل من مزاحي وذهب ؟!... أنا غبية كثيرة المزاح ... لكننني لم أقل شيء يجعله يزعل ويذهب (تفكر) ياالهي اذن من طرق الباب ؟ أيكون صاحب القمامة ، لكنني لم اسمع صوت سيارته ولا منبهها المزعج الذي دائما ما يوقظني من نومي... لالا أكيد لم يكن هو ...اذن من هو؟ (تفكر) أيكون صاحب المولدة اتى مطالبا بالأجور... لكن الوقت مازال مبكرا... نحن في منتصف الشهر ولم يحن وقت الدفع (تفكر) ها .. الان تأكدت ..انهم اطفال الجيران في كل مرة يطرقون الباب ويهربون انه لعب مقرف ومزعج يا لهم من اطفال مشاكسين ... لكني لم اسمع اصواتهم ولا اصوات وقع اقدامهم وهم يهربون ...احتمال لا يوجد أحد امام الباب وأنا كنت أثرثر لوحدي؟ (تفكر) اذا لم يوجد أحد اذن من طرق الباب؟ (تفكر) لالا مستحيل ما سمعته تصورات او اوهام... لالا فعلا كان هناك طرقا على هذا الباب وعلى الباب الاخر ، ولكن اين ذهب انا لم اجد احدا (تمسك راسها بكلتا يديها ) ياالهي هل اصاب عقلي شيئا وأخذت اتصور بأنني أسمع اصواتا لا وجود لها ... لالا... انا متأكدة كان هناك من يطرق ( تتفحص نفسها ) انا ما زلت بكامل قواي العقلية ولم اصب بالجنون ..... اذن من ؟.. من؟ (تمسك راسها) ياالهي قتلني هذا التفكير والقلق ( صوت طرق الأبواب يتكرر ..تفزع) ما هذا؟ ... ما هذا؟ ياالهي في كل ليلة يقتلني هذا الطرق الذي سأجن بسببه ، في البداية كنت اتصور بانه حضر أسرع وأفتح الباب بعد ان ارتب الغرفة واضع العطر كي اخذه بأحضاني واعانقه عند الباب (. تضع العطر وترتب الغرفة ) حاضر ياحبيبي ... انا موجودة ... سأفتح الباب حالا ... كنت مشغولة في ترتيب وتنظيف البيت (تسرع وتفتح الباب) ياالهي لا يوجد احد... وهذا الطرق ... هل هو حقيقة ام وهم؟ ...كيف يكون وهما وصوته يخترق سمعي ويجعلني اهرع مسرعة لأفتح له الباب ... في كل يوم بل في كل ساعة يتكرر هذا الصوت الذي جعلني اشك بنفسي (طرق على الباب يتكرر) (تصرخ)
لالا سوف لن افتح الابواب بعد الآن ..انني لا اريد ان اسمعك ايها الصوت ... اني اكرهك ... لن افتح لك ابدا ومهما تكن ...عد الى حيث أتيت لن افتح... لن افتح .
(موسيقى ) (تجلس على السرير وتكلم الصورة )
سنين وأنا أنتظرك وأنت لم تفكر بي ... لم تفكر بآلامي وأنا اتقلب على هذا السرير... ليالي طويلة وانا اتخيلك وانت نائم هنا ...هنا وعلى هذا السرير... لم هذا التأخير .. لم لا تعد فأنا اعاني من الوحدة والحرمان والجوع وأنت لم تكلف نفسك وتتصل بي... أنا التي كنت دائما اتصل بك فأجد جهازك مغلق( بعصبية) أنا كرهت عبارة الجهاز مغلق أو خارج التغطية .. متى تكون داخل التغطية وترد علي فصبري نفد ولم تعد عندي طاقة للتحمل .. قل لي أين أنت الآن ؟ هل انت حي أم ميت ...جائع أم شبعان (موسيقى) أتدري ياحبيبي ان ابنك كبر... كبر وذهب الى المدرسة ... انه كثير السؤال عنك ... اين بابا؟ ... لم لا يأتي ؟... لم لا يتصل ؟...كنت دائما اكذب عليه واقول له انه مسافر وسيعود ... سيعود يا ولدي ، لكنه يسال... انه كثير السؤال ... الاطفال في عمره يسألون كثيرا وانا لا املك اجابة لكثير من اسئلته... في اغلب الاحيان اقف حائرة امامه ... ماذا اقول له ... كل الاعذار نفدت ... لم يبق عندي عذرا... في احدى الايام رجع من المدرسة وهو يبكي ... جن جنوني ... ماذا بك يا ولدي ؟ من اعتدى عليك ؟ اخبرني ؟ قال ياامي غدا سيحضرون كل اباء التلاميذ الا انا ... بكيت لبكائه ... لا عليك يا ولدي لا عليك ...قدري ان اكون له اما وابا ...انه يشبهك بمشاكساته... حكيت له كثيرا عنك وعن بطولاتك ومواقفك لأني اريده ان يكن شجاعا مثلك ... تتذكر ياحبيبي عندما حملت به وذهبنا سوية الى السوق لنشتري له سريرا صغيرا (تضحك ) اختلفنا اين نضعه انا كنت مصرة على ان اضعه هنا قرب سريرنا لكنك رفضت هذا المكان لأنه كان أمام النافذة وتخشى عليه من تيار الهواء البارد... في كل مرة كنت اجلب له لعبا كثيرة ... ما كنت أريده أن يحرم كما حرمنا نحن ..حرصت على أن يكون طفلا مدللا نعلمه ونكبره حتى يصبح رجلا ...ما كنت أريده أن يولد يتيما... آه ما أكثر الايتام في بلدي . (موسيقي) سوف لن اجعله يشعر باليتم... سأحقق له كل ما يتمناه الاطفال الذين ابائهم على قيد الحياة ...سوف انذر له عمري كي يكون مثلك ...مثل أباه الذي لم يبق له عندي الا ذكرياته التي امتع بها نفسي المتعبة والمتعطشة لتك الايام الخوالي.
(تضحك بألم وتجلس امام المرآة وتنزع الشال وتمشط شعرها وهي تغني )
كان يحب صوتي ، كان دائما يطلب مني أن أغني له ، لم أتذكر يوما اني رفضت له طلبا ، كنت له شهرزاد وكان هو شهرياري الذي أحببته أكثر من روحي ( تنظر في المرآة ) ياالهي لقد أخذ مني الانتظار كثيرا وهذه التجاعيد التي بدأت تزداد يوما بعد يوم لم تكن موجودة قبل شهور وهذا الشيب الذي غزى شعري بسرعة وبدون سابق انذار ... أتذكر وجهي كان مثل القمر خالي من التجاعيد وشعري أسود مثل الليل لا يوجد فيه شيبة واحدة (تقف) وكان قوامي جميل ... كان دائما يغازلني وانا اتدلل عليه فكلما يزاد غزلا كنت ازداد دلالا .
(تضحك وتنام على السرير وتغني ... ادلل علي ادلل )
أتذكر ليلة زواجنا والزفة ... الله كانت أجمل ليلة في حياتي
( تحول الشال الى طرحة تسير وكأنها عروس في ليلة زفافها ... موسيقى ... تجلس بحياء على حافة السرير .. ترفع الطرحة وهي تنظر اليه بحياء وغنج ودلال )
لالا ارجوك الوقت مازال مبكرا ... ماذا ؟! اغني لك ؟ حاضر ياحبيبي سأغني لك (تغني) ماذا تريد بعد ؟ ماذا؟ ارقص ؟! لكني لا اجيد الرقص ومع هذا سأرقص لك
( تنهض وتشد وسطها بالشال وترقص على انغام الموسيقى ...صوت طرق الابواب بشدة ... تتوقف الموسيقى ويتوقف الرقص... تهرول مسرعة الى الباب)
أكيد أنه حضر .. نعم انه حضر ... أهلا بك ياحبيبي جئت بعد غياب وانتظار طويل ... اهلا بك في بيتك (تفتح الباب ... تتفاجأ بعدم وجود احد) ياالهي ... انا متأكدة سمعت صوت الباب يطرق (بغضب ) ياالهي ها قد عادت الأصوات ثانية .. اني اسمع اصوات غريبة ... كثير ما استيقظ على صوته وهو يطلب مني ان اعد له الفطور وبمجرد ان استيقظ لا اجده ... كم مرة سمعت صوت صرير الباب وهو يفتح ليدخل الى غرفتي ... لكن عندما استيقظ اجد الباب مقفلا ... ما هذه الاصوات الغريبة ... ماذا تريدين مني ايتها الاصوات ... أتريدين ان تفقدينني عقلي ... سوف اتجاهلك ولن اصغي لك ... سأغلق اذني كي لا اسمعك (تكلم الصورة) أرأيت ؟ أصبح وجودك وهما ... حبك وهما ... مجيئك وهما ...كل شيء في هذا العالم هو وهم بوهم (تبكي موسيقى)
(تتحدث مع المرأة)
أما أنت أيتها المرآة فمنذ زمن طويل وأنا أجلس أمامك وأنظر الى نفسي من خلالك ...أصبحت صديقتي وخليلتي . أنا أحس بحميمية اتجاهك فأنت الوحيدة في هذا العالم صادقة لا تجاملين ولا تخدعين ولا تستحين تريني الاشياء على حقيقتها وكما هي ، أما ما حولي فيلفهم الغموض والكذب والخداع والنفاق ،.. من خلالك ارى اعماقي ...من خلالك أرى تعب السنين وهي ترسم خطوطها على هذا الوجه المتعب ... من خلالك ارى قبحي ... أرى جمالي الذي بدأ يتلاشى ... أنا لا أخشى من النظر فيك سأبقى انظر فيك حتى وأن لم ترن الا القبح انا لا اخشاك ... لا اخشاك
(موسيقى)
(للسرير)
أما أنت يامن قضيت عليك اجمل ليالي العمر ، ليلي يمر عليك سريعا دون ان اشعر به ... أنا مشتاقة اليك ...مشتاقة لدفئك فجسدي بدونك تنتابه موجات برد زمهريريه ...هيا ...هيا ايها السرير اعد الى جسدي الدفء فأنا محتاجة لدفئك ... محتاجة لأغوص فيك ..محتاجة أن تطفأ نيران جسدي التي بدأت تحرق كل أعضائي ...محتاجة أن تعيد لي انوثتي التي أطفئها الانتظار ... هيا اعد لي رعشات جسدي التي توقفت منذ زمن بعيد هيا ... هيا ... لم هذا السكون الذي لم اعتد عليه ... فمنذ عرفتك كنت مشاكسا مثيرا ... كنت تمتعني بمشاعر صادقة ...اما الان فانك كاذب مخادع... ما ان استلقي عليك حتى تبدأ تعرض لي صورا من الذكريات والاحلام والاماني البعيدة...ولكن سرعان ما افيق لأجدها مجرد تصورات وتخيلات و اوهام لا وجود له ...سوف لن اجعل جسدي بعد اليوم اسيرا لك ولأحلامك الكاذبة .... سوف لن تخدعني ابدا ...سألغي احلامي وذكرياتي وسأحولك الى اي طاولة في احد الاسواق الشعبية تباع عليك بضاعة تافهة ...بل سأحولك الى منضدة حقيرة أضع عليك اواني الطبخ والاحذية القديمة
(موسيقى)
(تكلم الصورة)
أما أنت ياشهرياري شهرزادتك وحيدة تسامر احزانها وآلامها عد لي فأبوابي مؤصدة الا لك ... متى تعود من الحرب فانتظاري طال وصبري نفد ... هيا ارجع فروحي صحراء ضمانة ... ارجع لترويها وتعيد لها الحياة ... هيا ارجع فأنا وأبنك لنا حق عليك ... كنت دائما أقولها لك لكنك كنت تقول الوطن احق بي منكم ..الوطن ...الوطن ولكن قل لي بربك ماذا اعطاك الوطن كي تعطيه اغلى ما تملك ... تعطيه روحك ويتم طفلك وحرمان زوجك وعندما تموت يحزنون عليك يوما او بعض يوم...اما انا وابنك سنعاني العمر كله من الفقر والحزن والحرمان ... كل هذا في سبيل الوطن... كل الاوطان تأخذ وتعطي الا وطني يأخذ ولا يعطي .. ما ذنب طفلك ولد يتيما ...ما ذنبه ينشأ مشردا في الطرقات يبحث عن لقمة عيشه في القمامة ... ما ذنبه ينشأ محروما من حنانك .. لماذا يدفع اطفالنا ضريبة حروب ليسوا لهم بها ناقة ولا جمل فقط ذنبهم الوحيد انهم ابناء الفقراء الذين دائما يموتون لتبقى عروش الطغاة مصانة مهابة ... ما ذنبي انا اعاني الوحدة ... ما ذنبي افقد شبابي وجمالي على امل ان تعود...كيف تعود ووجودك اصبح مستحيلا؟ ...كيف تعود ووجودك اصبح وهما؟... سوف لن تعود؟ ...الاموات لن يعودون للحياة ثانية ... سوف لن أنتظرك بعد الآن ... كيف أنتظر شيئا مجهولا (موسيقى حزينة) سنعيش أنا وأبنك على ذكرياتك ...سأحكي له كل شيئا عنك سأخبره بانك لست مسافرا ... نعم سأقول له ان اباك لبى نداء الوطن ليتركنا مشردين في وطن مات من اجله
(طرق متكرر على الأبواب....تضحك بهستريا)
سوف لن افتح الأبواب بعد الآن...سوف لن اخدع مرة اخرى (يزاد الطرق) اطرق ما شئت فلن افتح لك ابدا ... انت الان لا تعنيني شيئا ... انا اكرهك اكرهك... اكرهك ...
.(للمرآة)
وانت ايضا اكرهك ...سوف لن تخدعيني مرة اخرى
سوف لن انظر فيك ثانية ... لأنك لم ترن الا قبحا ...كنت اشع جمالا وافوح انوثة أما الآن فقدت جمالي وذهبت انوثتي وانا انظر فيك ...تحولت الى كتلة من الهموم والاحزان ...أنا اكرهك ايتها العاهرة الساقطة التي فضحت كل عيوبي ...سأحطمك وأتخلص منك ...سأحولك الى ركام
(تحطم المرآة ... موسيقى ...تضحك بهستريا)
ها قد اسقطتك كما تسقط الشعوب اصنامها فانت صنمي الذي لازمني كل هذه السنين ...ها أنا الآن قد تحررت منك... سوف لن ارى صورتي بعد الان .... صورتي التي كرهت النظر اليها . ... انا كرهتك ... كرهت كل شيء ... كرهت وجودي ...كرهت احلامي ...كرهت اشيائي
(اثناء الحوار ترمي محتويات الغرفة الى الارض... تتألم ... تصرخ وتسقط على الارض ... طرق متكرر على الابواب ... اصوات في الخارج ... ظهور اشخاص خلف السايك يحملون جنازة .... دخول الابن مرتدي بزة عسكري يحتضن امه .... موسيقى)
ستار
2015
0 التعليقات:
إرسال تعليق