العرض المسرحي (أبصم بسم الله) تراجيديا شعبية شقت غبار النوستالوجيا
مجلة الفنون المسرحية
العرض المسرحي (أبصم بسم الله) تراجيديا شعبية شقت غبار النوستالوجيا
ثائر القيسي
البطل فكرة رومانسية
يعد البطل الـ (التراجيدي) في طبيعة شخصيته منذ طور النمو إنساناً حالما ً حد انبهاره بحلمه في باكورة وجوديته في حواضن (اللاوعي ) .
ومن هذه المساحة الـ (سايكولوجية) نمت بين أحشاء ذلك البطل رغبة الحلم في انثيالاته المفضفضة بأن يتكون لديه تصورا فوقياً لأن يصبح (سندباداً) يجوب الفضاءات بكامل قواه وحريته التي استشفها من اقاصيص أمه ـ الحضن الأول ـ والتي كانت كلما ارادت أن تجعله يرحل الى حلمه في سبات عميق إذ كانت تقص على مسامعه حكايات البطل سندباد وهو ما كان يشكل له في كل ملامحه كائناً لا تقف قدماه على الأرض وبين تهويمات الصيرورة الأولى لذات البطل (أيوب ) نشأت أفكار الصراع مبكراً من حيث اللازمة النفسية التي تأسست وفق رؤاها دافعياته لأن يبحر في أعماق فكرة الحرية على نحو (رو منطقي) شفيف في مبثوثاته الحسية ، فهو لم يحلم إلى أن قضت عليه ارتحالات سندباد حتى ان تجمعت في عقله الباطني صور شتى عن عشقه للفضاء من بوابه أمه التي كانت بالنسبة لشغفه الاحتواء التدويني العميق لتشكلاته الشعورية وهي في مهد نشأته لكن الواقع وهوسه المصنع ليس دائماً ما يتوافق مع الأحلام وليس ثمة من يعدها قاعدة ثابته إذ أن الأحلام كأسراب الطيور المهاجرة موسمياً لا تجدها في فضاء ثابت وحراكها أسرع من الريح في هبوبها لذلك وجد أيوب ذاته تترسخ بين الأرض والسماء ولا مستقر لها كلما أكلت السنون من جرف نشأته حتى شب على ويلات واقعه الموحش ليلج معتركاً غرائبياً بانعكاساته الكارثية عندما وجد نفسه في اتون حرب طويلة تشظت فيها أحلامه الأولى وزرعت في أعماقه مخاوف من القادم وثمة أسئلة تضرب بأطنا بها في ذهنه المشتعل بالرعب!
هل أعود الى امي ؟
هل أعود إلى أبي الحاج موحان ؟
هل سيرى من جديد حيهم والناس والأزقة وتلك الأبواب التي لم توصد أمامه الأبواب؟
كانت الحرب محرقة وكان يتقافز بين ألسنة لهبها مثل القشة المتطايرة من أجساد الموتى المتناثرة من حوله لتنتهي أوارها وليخرج منها بخسارة حلمه وشبه ضياع لدافعيته بأن يصنع عالمه الحر فوق صياحي مدينته التي عصفت بأناسها أحزان تداعيات الحرب ونتائجها ولم يكن أيوب مستمراً في الحلم حيث استوقفته دهاليز الأوقات المتحولة أمام مصائر لم تكن بالحسبان من حيث ما استقاه من حضن أمه قبل أن ترحل الى العالم الآخر ليلحق بها أبوه الحاج موحان ليتركاه في فراغ (نولجلسيتي ) يكتظ بالحنين الى زمانيهما المترع بالأحلام وهو في خضم مواجهته وافقاً جديداً في ضغوطاته حيث الحرب من جديد بعد حصار شديد وان الضغط على معيشته والتيه الذي غرق فيه ولا يعرف أدني مفصل من مفاصل وجوديته المأزومة بالحرب وحصارها الخانق ولم ينته الأمر عند حدود هذه الأوجاع والتمزقات النفسية بكل ما عنته من ظلم وقسوة وكانت الحياة من حوله مدعاة يأس من نهاية للمأساة ليجد أن الحاضنة الأكبر قد أحتلت هي الأخرى بعد رحيل أبوية عبر سقوط وطنه تحت مداسات سرفات دبابات الاحتلال وما رافقته من دمار في كل شيء من حوله "أمه" أبوه "وطنه" "حلمه" فاختار ان يستبدل المكان وزمنيته بكل أوجاعها لأجل أن يتواصل بالعيش في حياة لم يعد مختارا لها.
وعند الهجرة وبينما يجلس القرفصاء في إحدى زوايا المركب الذي أراد به الهجرة بطرق غير مشروعة الى المنفى حاصرته قوة أمنية واقتادته إلى إحدى مخافر البلد الذي حاول الوصول إليه لتبتدأ معه التحقيق الأمني ولأنه عراقي المولد كانت فرصة براءته من التهم التي وجهت إليه ضيئلة كون العراق بعد سقوطه بين مثالب الإحتلال مرتعا للمجاميع الإرهابية التي تواجدت على أراضيه جراء الإنفلات والإنهيار في مؤسسات الدولة، فكان التحقيق معه مطولاً وقاسياً ووجهت إليه أسئلة توقف أمامها ملياً على أساس أنه غير معني بها بوصفها أسئلة تحقيقية توجه لإرهابيين قبض عليهم متلبسين بأفعال إرهابية وكان في لجه مخاوفه حانقاً على الأساليب المتبعة في مسار التحقيق معه، إذ كانت إجاباته تنحى منحيات صوب اتجاهات غير ما تكون عليه الأسئلة ليدخل في لجه السرد المتشعب عن المراحل التي مر بها وطنه قبل ان يسقط تحت براثن الاحتلال لكن المحققين لم يأبهوا لسردياته الضاجة بالحنين الى حضن أمه وسندبادها الآفل وسحنه أبيه الحاج موحان وحلمه الأول الذي أحرقته الحرب الأولى حتى لحق برموز ماضية الراحلين ومات كمداً امام مرأى المحقيين ليضعوا فوق رفاته كوفية أبيه غطاءً معبراً عن رمزية ماضيه المؤود بقهر مستدام وبلا هوادة.
كتب فكرة العرض الكاتب المسرحي الراحل سعد هدابي وأخرجها الفنان عبد الأمير الصغير وهو من قام بأداء شخصية (أيوب) كإسم رديف لنبي امتاز بصبره على نوائب دهره حتى خصه الله بالنبوة شاركتة البطولة الفنانة الواعدة إسراء ياسين في دور المحققة الأجنبية وهي التي تعتلي خشبة المسرح للمرة الأولى كونها خريجة الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية فيما كان د. محمد عمر مدير قسم المسرح في وزارة الرياضة والشباب مشرفاً عاما على العرض .
وقد عرض العمل على خشبة مسرح الطليعة أواسط الشهر الماضي من عام 2022.
0 التعليقات:
إرسال تعليق