المسرح الوطني اللبناني : الجوكر وحيداً والعرض مستمر .
مجلة الفنون المسرحية*الحسام محيي الدين
يأخذ المسرح الوطني اللبناني مساراً تراتبياً دقيقاً في حركتَي الزمان والمكان على امتداد العام بين شمال لبنان وجنوبه ، فلا تتوقف نشاطاته التي تشمل كافة الأشكال المسرحية التي أبرزها : المونودراما ، الرقص المسرحي ، مسرح الحكواتي ، أيام صور الثقافية ، عروض الموسيقى والفنون التشكيلية ، وعلى أكثر من خشبة مسرحية ، في برنامج متكامل لا منافس له حتى اللحظة في لبنان ، إلا في حدود العروض المتفرقة في العاصمة بيروت تحديدا ، والتي يلعب أغلبها لحفلات تتفاوت في عددها وفاق شبّاك التذاكر ، لكنها لم تشكل بديلاً جدياً من المروحة الواسعة التي ينشط بها هذا المسرح مع جمعية تيرو للفنون ومسرح اسطنبولي . مناسبة هذا الكلام هو انطلاق "مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة " في دورته الثالثة الذي افتتح نشاطاته في 13 أيار الجاري في المسرح الوطني اللبناني في طرابلس ( سينما أمبير سابقا ) الساعة السادسة مساء ، ثم استمرت عروضه لأيام 14 و 15 و16 منه في مقره في مدينة صور على الساحل اللبناني الجنوبي ، وبمشاركة عروض من ستّ دُوَل هي : اسبانيا ، البرتغال ، تونس ، تشيلي ، رومانيا ، ولبنان طبعا . جاء المهرجان هذه المرة ليحتفي بالمرأة في نضالاتها الدائمة وبمختلف ميادين الحياة الخاصة والعامة وتحت شعار " المرأة قوة تغيير " من أجل المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية وتمكينها في المجتمع ،
وهذا وللمفارقة ، يكاد يختفي عن الساحة الثقافية / الاجتماعية اليوم على الرغم من نشوء وانطلاق عشرات الجمعيات والهيئات التي تنادي بحقوق المرأة والنهوض بوضعها على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية وغير ذلك من الشعارات الكثيرة المعروفة . تألفت لجنة التحكيم هذا العام من الأساتذة : عمر ميقاتي ، صلاح عطوي ، سوزان بو علي ، منى يونس ، إلى مشاركة وحضور العديد من النقاد والباحثين ومريدي المسرح من كافة المناطق ، حيث يطرح المهرجان هذا العام قضايا المرأة في رؤية مشتركة تتناول أزمات وجودية بالمعنى المصيري العلائقي اليومي مع الآخر : زوج ، قريب ، صديق ، رب عمل ... الخ من العنف الأسري إلى مواجهة المجتمع الذكوري ، حقوق الجنسية ، اللجوء ، الحضانة والأمومة ، المرأة الناشطة سياسيا واجتماعيا ، إلى مشاكل أخرى خاصة بها تخوضها لتكون قوة تغيير فعلا . في مثل هذا التصور فازت المسرحية البرتغالية " بانتظار الطيور " بجائزة المهرجان الأولى من النص إلى الاضاءة إلى الأداء الرائع ، للمخرج " هيرلاندسون دوارتي " تمثيل " آنا بالما " ونص " كارلوس بيسووا " يغلب عليه الطابع الشعري ، لكنه يحمل أبعادا سيميائية رائعة في مضمونه ،
ويتحدث عن امرأة تعيش انتظار أمل ما دون جدوى ، حتى تتحول إلى شخص عنيف يحطم كل شيء من حوله ليتحول إلى ركام ذكرياتها وآمالها الخائبة . وفي السياق ، كان رائعا جدا تكريم الممثلة اللبنانية المعروفة جوليا قصار في اليوم الأول من المهرجان ، الفنانة التي أضفت قيمة وطنية وثقافية على المهرجان كضيفة شرف ، وكان حضورها مثالا لدعم النشاط المسرحي لا سيما في المناطق البعيدة من بيروت وكي لا يظل المسرح مركزيا بل دعما للامركزيته المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت آخر ، بمعنى توسيع مروحة نشاطاته إلى أوسع دائرة جغرافية من لبنان توخيا لنشر ثقافة " أبو الفنون " ببعدها الرسالي الاجتماعي بأفكار الاخوة والمواطنية الصحية والصحيحة . حتى اللحظة لا يزال قاسم اسطنبولي مؤسس المهرجان ومديره ، يخوض المواجهة منفرداً وحيداً في الساحة المسرحية ، جوكر اللعبة ومحركها ، ومع ذلك فهو مستمر بنشاط ، ما يعبر عن إيمان بما يفكر به ، وقَرْن القول بالفعل ، بعيداً من أي انفصام بين التنظير والتطبيق ، أو بين إعلان المبادىء وتطبيقها . هو على الأرض ، ينزل بالمسرح إلى الناس ، صغيرهم وكبيرهم ، ويدعوهم إلى المسرح بلا مقابل ، وهو الموهوب في طرائق التعامل معهم ؛ يدخلون الصالة بفرح واندفاع ، يغنون ، يصفقون ، يُدهَشون ، يتأملون ملياً فيما يرونه ويتلمسونه جسداً وروحا ، بل يحاولون المساعدة في كل شيء طالما أن المسرح الوطني قد فتح لهم الباب ليدخلوا إلى عالم جديد مغاير لعالمهم الواقعي البئيس من حولهم . هو جمهور مندفع بحيوية ، يؤكد يوما بعد يوم أن للمسرح أثره الكبير في بناء الشخصية الاجتماعية في التفكير والوعي المعرفي والانفتاح على الآخر شريك المواطنة وصنوها الأبدي . طبعاً ، مما يؤسف له ويدعو للغضب معاً ، أن يتلكأ كثير من المسرحيين عن حضور هكذا مناسبة ، هم الذين ينادون دائما بالمسرح ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونهوضه ، وبتعميم الثقافة المسرحية كوجه مديني حضاري خدمة للتطور نحو الأفضل ، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول افتراق القول عن الفعل ، والكسل لا العمل ، لا سيما أن المهرجان مجاني تماما على الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها البلد . تؤكد لنا " سوزان بو علي " عضو لجنة التحكيم أنها كانت تأمل بمشاركة واسعة من مسرحيي الوطن ، وأنه تمت دعوة معظم صناع المسرح في لبنان للحضور ، لكنها لم تجد آذاناً صاغية ولا إرادات مُلبّية على الرغم من تكرارها عبر كافة منصات التواصل الاجتماعي ، أو شخصياً عبر الاتصال بالهواتف ،
وهو أمر لا يمكن للمتابع والباحث والناقد إلا وأن يضيء عليه ويغوص في معانيه الثقافية / الاجتماعية علّ ذلك يفتح الباب على حلحلة هكذا معضلات تنم عن قصور في النظر إلى المسرح برؤية مشوشة لا تفسير ولا مبرر لها ، وأن نواجه أنفسنا بهذا الواقع الغير صحي مهما كانت تحدياته . يدفعنا ذلك للقول ، أنه لربما يحتاج الأمر إلى توحيد جهود المسرحيين في إطار ما ، هيئة ، منظومة ثقافية ، اجتماعية ، نقابية ، تختص بشؤونهم وشجونهم وحدهم ، وينبثق عنها تعاون مستدام يتوزع بفائدته المعنوية بل والمادية على مختلف النشاطات المسرحية التي تقام على كافة مساحة الوطن الصغير ، مما يحتاج إلى بحث طويل لا مكان له في هذا المقام . وفي كل حال ، فإن أهمية هكذا تظاهرة مسرحية فريدة ونوعية في المشهد المسرحي اللبناني اليوم ، وفي غياب أية مهرجانات مهما كانت أشكالها ومضامينها وتوجهاتها اليوم ، بل ومنذ سنوات فنحن نطرح سؤالا إشكالياً كبيراً على مستويَين : الأول ، أين صنّاع المسرح اليوم مما يجري من تراجع مخيف في أمر المهرجانات ؟ والثاني ، أين وزارة الوصاية من هذا التراجع في المسرح بل والفنون والثقافة عامة ؟ لا يمكن القول دائماً أنّ المسألة مادية طالما أنه يمكن تنظيم مهرجانات أو فلنقل تظاهرات مسرحية بالحدّ الأدنى المطلوب لتنشيط أبي الفنون ووضعه في واجهة الاهتمامات الثقافية دائما ، ولو بكلفة مدروسة ليس سراً أنها تجد لها دوماً بعض الداعمين من مريدي المسرح من هنا وهناك ، وما يفعله اسطنبولي اليوم خير دليل على ما نقول ، ما يؤكد أن المشكلة تتعلق بالارادات ولربما النوايا الطيّبة التي تتأخر جداً عن المبادرة إلى إظهار الوجه الحضاري للوطن الصغير .
وهذا وللمفارقة ، يكاد يختفي عن الساحة الثقافية / الاجتماعية اليوم على الرغم من نشوء وانطلاق عشرات الجمعيات والهيئات التي تنادي بحقوق المرأة والنهوض بوضعها على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية وغير ذلك من الشعارات الكثيرة المعروفة . تألفت لجنة التحكيم هذا العام من الأساتذة : عمر ميقاتي ، صلاح عطوي ، سوزان بو علي ، منى يونس ، إلى مشاركة وحضور العديد من النقاد والباحثين ومريدي المسرح من كافة المناطق ، حيث يطرح المهرجان هذا العام قضايا المرأة في رؤية مشتركة تتناول أزمات وجودية بالمعنى المصيري العلائقي اليومي مع الآخر : زوج ، قريب ، صديق ، رب عمل ... الخ من العنف الأسري إلى مواجهة المجتمع الذكوري ، حقوق الجنسية ، اللجوء ، الحضانة والأمومة ، المرأة الناشطة سياسيا واجتماعيا ، إلى مشاكل أخرى خاصة بها تخوضها لتكون قوة تغيير فعلا . في مثل هذا التصور فازت المسرحية البرتغالية " بانتظار الطيور " بجائزة المهرجان الأولى من النص إلى الاضاءة إلى الأداء الرائع ، للمخرج " هيرلاندسون دوارتي " تمثيل " آنا بالما " ونص " كارلوس بيسووا " يغلب عليه الطابع الشعري ، لكنه يحمل أبعادا سيميائية رائعة في مضمونه ،
ويتحدث عن امرأة تعيش انتظار أمل ما دون جدوى ، حتى تتحول إلى شخص عنيف يحطم كل شيء من حوله ليتحول إلى ركام ذكرياتها وآمالها الخائبة . وفي السياق ، كان رائعا جدا تكريم الممثلة اللبنانية المعروفة جوليا قصار في اليوم الأول من المهرجان ، الفنانة التي أضفت قيمة وطنية وثقافية على المهرجان كضيفة شرف ، وكان حضورها مثالا لدعم النشاط المسرحي لا سيما في المناطق البعيدة من بيروت وكي لا يظل المسرح مركزيا بل دعما للامركزيته المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت آخر ، بمعنى توسيع مروحة نشاطاته إلى أوسع دائرة جغرافية من لبنان توخيا لنشر ثقافة " أبو الفنون " ببعدها الرسالي الاجتماعي بأفكار الاخوة والمواطنية الصحية والصحيحة . حتى اللحظة لا يزال قاسم اسطنبولي مؤسس المهرجان ومديره ، يخوض المواجهة منفرداً وحيداً في الساحة المسرحية ، جوكر اللعبة ومحركها ، ومع ذلك فهو مستمر بنشاط ، ما يعبر عن إيمان بما يفكر به ، وقَرْن القول بالفعل ، بعيداً من أي انفصام بين التنظير والتطبيق ، أو بين إعلان المبادىء وتطبيقها . هو على الأرض ، ينزل بالمسرح إلى الناس ، صغيرهم وكبيرهم ، ويدعوهم إلى المسرح بلا مقابل ، وهو الموهوب في طرائق التعامل معهم ؛ يدخلون الصالة بفرح واندفاع ، يغنون ، يصفقون ، يُدهَشون ، يتأملون ملياً فيما يرونه ويتلمسونه جسداً وروحا ، بل يحاولون المساعدة في كل شيء طالما أن المسرح الوطني قد فتح لهم الباب ليدخلوا إلى عالم جديد مغاير لعالمهم الواقعي البئيس من حولهم . هو جمهور مندفع بحيوية ، يؤكد يوما بعد يوم أن للمسرح أثره الكبير في بناء الشخصية الاجتماعية في التفكير والوعي المعرفي والانفتاح على الآخر شريك المواطنة وصنوها الأبدي . طبعاً ، مما يؤسف له ويدعو للغضب معاً ، أن يتلكأ كثير من المسرحيين عن حضور هكذا مناسبة ، هم الذين ينادون دائما بالمسرح ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونهوضه ، وبتعميم الثقافة المسرحية كوجه مديني حضاري خدمة للتطور نحو الأفضل ، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول افتراق القول عن الفعل ، والكسل لا العمل ، لا سيما أن المهرجان مجاني تماما على الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها البلد . تؤكد لنا " سوزان بو علي " عضو لجنة التحكيم أنها كانت تأمل بمشاركة واسعة من مسرحيي الوطن ، وأنه تمت دعوة معظم صناع المسرح في لبنان للحضور ، لكنها لم تجد آذاناً صاغية ولا إرادات مُلبّية على الرغم من تكرارها عبر كافة منصات التواصل الاجتماعي ، أو شخصياً عبر الاتصال بالهواتف ،
وهو أمر لا يمكن للمتابع والباحث والناقد إلا وأن يضيء عليه ويغوص في معانيه الثقافية / الاجتماعية علّ ذلك يفتح الباب على حلحلة هكذا معضلات تنم عن قصور في النظر إلى المسرح برؤية مشوشة لا تفسير ولا مبرر لها ، وأن نواجه أنفسنا بهذا الواقع الغير صحي مهما كانت تحدياته . يدفعنا ذلك للقول ، أنه لربما يحتاج الأمر إلى توحيد جهود المسرحيين في إطار ما ، هيئة ، منظومة ثقافية ، اجتماعية ، نقابية ، تختص بشؤونهم وشجونهم وحدهم ، وينبثق عنها تعاون مستدام يتوزع بفائدته المعنوية بل والمادية على مختلف النشاطات المسرحية التي تقام على كافة مساحة الوطن الصغير ، مما يحتاج إلى بحث طويل لا مكان له في هذا المقام . وفي كل حال ، فإن أهمية هكذا تظاهرة مسرحية فريدة ونوعية في المشهد المسرحي اللبناني اليوم ، وفي غياب أية مهرجانات مهما كانت أشكالها ومضامينها وتوجهاتها اليوم ، بل ومنذ سنوات فنحن نطرح سؤالا إشكالياً كبيراً على مستويَين : الأول ، أين صنّاع المسرح اليوم مما يجري من تراجع مخيف في أمر المهرجانات ؟ والثاني ، أين وزارة الوصاية من هذا التراجع في المسرح بل والفنون والثقافة عامة ؟ لا يمكن القول دائماً أنّ المسألة مادية طالما أنه يمكن تنظيم مهرجانات أو فلنقل تظاهرات مسرحية بالحدّ الأدنى المطلوب لتنشيط أبي الفنون ووضعه في واجهة الاهتمامات الثقافية دائما ، ولو بكلفة مدروسة ليس سراً أنها تجد لها دوماً بعض الداعمين من مريدي المسرح من هنا وهناك ، وما يفعله اسطنبولي اليوم خير دليل على ما نقول ، ما يؤكد أن المشكلة تتعلق بالارادات ولربما النوايا الطيّبة التي تتأخر جداً عن المبادرة إلى إظهار الوجه الحضاري للوطن الصغير .
*ناقد وكاتب مسرحي
بيروت
0 التعليقات:
إرسال تعليق