مسرحية للفتيان " أحيقار " تأليف طلال حسن
مجلة الفنون المسرحيةالكاتب طلال حسن |
مسرحية للفتيان " أحيقار " تأليف طلال حسن
الفصل الاول
المشهد الاول
قبو خافت الإضاءة ،
نــادان يقف وحده
نادان : يا للعتمة ، كأنها القبر ، من يدري ،
لعلها قبري ، كلا ، فلأتأنّ (بانكسار)
وهل بقيت فسحة للتأني .؟ (صمت) آه..
أحيقار ، قتلتني بحكمتك ، أردتني أن
اكون احيقار ، وأنا لم أرد إلا أن أكون
نادان ، قال لي ، أكثر من مرة ، يا بني
نادان ، لا تكن عجولا كشجرة اللوز ،
فإنها تزهر قبل جميع الأشجار ، وتطعم
بعدها جميعا ، لكن أزهاري لم تثمر
لوزا ، بل أثمرت هذه العتمة ، ومن
يدري ماذا ستثمر أيضا .؟ (ينصت)
أحدهم قادم ، لعله الجلاد ، (ينصت) لا،
إنه خالي ، احيقار ، آه ، هذا يومك يا
احيقار ، فقد ولى يومي (يرفع نظره إلى
باب القبو) كلا ، فلأتأنّ ، لعل وعسى .
يدخل أحيقار متوكئاُ على
عصاه ، نادان يقترب منه
نادان : أبي .
أحيقار : توقف ، لا تقترب مني .
نادان : أنا نادان ، ابنك .
احيقار : ابني ..!
نادان : نعم يا أبي ، ابنك .
احيقار : أنا دهنتك بالطيب ، وأما أنت فعفرت
بالتراب جسمي .
نادان : (يطرق رأسه)
أحيقار : لقد أطعمتك كل ما لذ وطاب،وأنت
أطعمتني خبزا معفراً ، ولم أشبع .
نادان : (يبقى مطرقاً) ….
أحيقار : أنا ربيت قامتك كالأرز ، وأنت أحنيت
قامتي .
نادان : (يتنهد) ….
أحيقار : أنا رفعتك كالبرج ، وكنت أقول إذا
هاجمني عدوي ، أصعد وأتحصن فيك ،
وأنت إذا رأيت عدوي ، انحنيت له.
نادان : (يهز رأسه آسفا) …
أحيقار : أنا أريتك وجه الملك ، ورفعتك إلى
كرامة باذخة ، وأنت رغبت في الإساءة
إليّ .
نادان : (يرفع رأسه بانكسار) …
أحيقار : أجلستك على كرسي الوقار ، وأما أنت
فقد طرحتني من كرسيّ .
نادان : مهما يكن ، يا أبي ، أنا ابنك ، سامحني.
أحيقار : (ينظر إليه في مرارة) …
نادان : لقد خاطبتني دوما ، في حكمك ، يا بني،
يا بني نادان .
أحيقار : (يلتفت) لم تكن لي ابنا (يتطلع إلى
البعيد) ولن يكون لي .. ابن .
إظلام
المشهد الثاني
غرفة فـــــي بيت
أحيقار ، أحيقار وزوجته
أحيقار : هذا قدري ، وعليّ أن أرضخ له ، نعم ،
لن يكون لي ابن
الزوجة : اصبر قليلا أنت رجل حكيم ، من
يدري، قد يكون قدرك شيئا آخر ،
تزوج يا عزيزي وسترى .
أحيقار : لا فائدة ، لقد تزوجت مراراً .
الزوجة : تزوج مرة أخرى ، فقد تنجب هذه
المرة.
أحيقار : كلا ، يكفي ما عانيته ، لا أريد أن
تتألمي .
الزوجة : إنني أتألم حين أراك تتألم ، أنت تريد
ابناً ، وهذا حقك ، ويجب أن يكون لك
ابن .
أحيقار : لا خيار ، سأتبنى ولداً .
الزوجة : ( متوجسة) أريد لك ولداً من دمك .
أحيقار : نادان
الزوجة : آه نادان .
أحيقار : ابن أختي ، انه من دمي .
الزوجة : تبنّ أخاه ، نبوزردان .
أحيقار : لا ، لا ، يا عزيزتي نبوزردان طفل
رضيع ، (يتطلع إلى البعيد) إنني
مربٍ، حكيم ، سأربي نادان بحكمتي ،
وسيكون لي خير ابن .. وسترين
إظلام
المشهد الثالث
أحيقار ونادان يتمشيان
فـــي حديقة المنزل
أحيقار : مهلا يا بني نادان .
نادان : (محتجاً) أبي ..
أحيقار : لا تكن عجولا كشجرة اللوز .
نادان : أصدقائي ينتظرونني ، إننا نتدرب على
السلاح .
أحيقار : لينتظروا بعض الوقت ، الحكمة أولاً .ً
نادان : دعني ، أذهب الآن ، إنني أحفظ حكمتك
عن ظهر قلب .
أحيقار : ليس المهم أن تحفظ حكمتي ، فلا قيمة
للحكمة إن لم تتحول إلى عمل .
نادان : هذه حكمة أخرى .
أحيقار : بل حكمة الحكم .
نادان : (يهمهم) هم م م م م …
أحيقار : اسمع ، يا بنيّ نادان .
نادان : (يرضخ بشيء من الضيق) ... نعم .
أحيقار : قل نعم ، يا أبي .
نادان : نعم ، يا أبي .
أحيقار : وإذا سمعت كلمة ، دعها تموت في
قلبك، ولا تبح بها لإنسان ، لئلا تصير
جمرة في فمك فتكويك ، وتترك وصمة
في نفسك ، فتكون مكروها في
الأرض، وتجدف على الله .
نادان : (يطرق برأسه) …
أحيقار : يا بنيّ ، طالما أنت منتعل ، دس
الأشواك ومهد الطريق لأبنائك
وأحفادك.
نادان : (يتمتم) سأدوس .. وأمهد الطريق .
أحيقار : يا بنيّ ، إذا جابهك مبغضك بالشر ،
فجابهه أنت بالحكمة
نادان : (يصبح محتجا) أبي .
أحيقار : يا بنيّ ، طأطئ عينيك ، وأخفض
صوتك ، وأنظر باحتشام ، لأنه لو
أمكن بناء البيوت بالصوت العالي لبنى
الحمار بيتين في يوم واحد ، ولو أمكن
جر المحراث بالقوة لما فارق النير
منكب الجمل .
نادان : (يصمت مغتاظاً) …
أحيقار : نادان
نادان : (يرفع رأسه) نعم .
أحيقار : (يحدق فيه) …
نادان : نعم ، يا أبي .
أحيقار : يا بني ، لقد كبرت ، وآن لي أن أرتاح .
نادان : خيراُ تفعل .
أحيقار : لكني لن أرتاح حتى أراك ، يا بنيّ في
مكاني .
نادان : (يصمت مرتقباً) …
أحيقار : سأقدمك إلى الملك عما قريب ، وستكون
عنده في مقامي .
نادان : (متهللاً) أشكرك يا أبي ، أشكرك جداً ،
وسأكون عند حسن ظنك ، (يتمتم
بتصميم) سأدوس .. وأمهد الطريق .
أحيقار : (يتطلع إلى البعيد) ستبقى حكمتي ،
فنادان سيكون أنا .. أحيقار .
إظلام
المشهد الرابع
غرفــــة في قصر
الملك ، الملك والملكة
الملك : تعالي نجلس هنا (يأخذ يدها ويجلس)
لدي خبر يفرحك .
الملكة : (تجلس إلى جانبه) أظنني أعرفه .
الملك : (ينظر إليها) …
الملكة : الجزية .
الملك : لكن هذا سر .
الملكة : (تبتسم) لدي عيوني .
الملك : عيون عليّ ، سأعاقبها .
الملكة : لن تستطيع .
الملك : أنا سنحاريب ، ملك آشور .
الملكة : ليس عليها .
الملك : آه .
الملكة : (تبتسم) ماذا قلت ؟
الملك : أنتٍ محقة ، لن أستطيع ، مادامت
عيناها تشبه عينيك .
الملكة : مهلاً إذن ، ستطالبك بجزية مضاعفة .
الملك : وستتضاعف فرحتها ، فالجزية من ملك
عيلام .
الملكة : يا لملك عيلام ، لم يكن حظ أحجيته
أفضل من حظ أحجية فرعون مصر .
الملك : والفضل يعود لاحيقار ، فلولاه لما
استطاع فلاسفة آشور ومنجموها
وسحرتها من حل الأحجية ، والظفر
بالجزية لمدة ثلاث سنوات .
الملكة : احيقار حكيم ، نادر المثال ، ومن
الخطر أن يعتزل في مثل هذا الوقت .
الملك : أنتٍ محقة ، لكن ما العمل .؟ إن للسن
أحكامها ، يبدو أنه شاخ ، ولم يعد يقوى
على العمل .
الملكة : ملك عيلام ، وفرعون مصر ، يتربصان
بنا ، ومن الصعب مواجهتهما ،
والانتصار عليهما بدون احيقار .
الملك : ربما سيكون لنا احيقار شاب ، سيأتي
احيقار بعد قليل ، ومعه ابن أخته نادان،
لقد رباه وعلمه ، ليكون مثله ،
ويضطلع بدوره .
الملكة : (تبتسم) فلنأمل خيراً ، إن احيقار لم
يخيب رجاءنا مرة .
الأميرة تفتح البــاب
بهدوء ، وتطل برأسها
الأميرة : نحن هنا .
الملك : جاءت عيونكٍ .
الملكة : عاقبها .
الملك : لا بد أنك تطلبينها ثأراً .
الملكة : (تبتسم) وأي ثأر .
الأميرة : (تدخل وتنحني) مولاي .
الملك : (محتجاً) أبي .
الأميرة : يا ليت ، إنني لا أكاد أرى أبي ، يا
مولاي .
الملك : (ينظر إليها متسائلا) …
الملكة : حذار
الأميرة : إن جلالة الملكة ، يا مولاي ، تحتكره
لنفسها .
الملك : (يضحك) ها ها ها
الملكة : حقاً ، الابنة أكثر من ضرة .
الملك : هذه حكمة لم يقلها احيقار .
الملكة : لو كان احيقار امرأة لقالها .
الملك والأميرة يضحكان
يدخل الحاجب ، وينحني
الحاجب : مولاي ، الحكيم احيقار
الملك : ها هو قد جاء (للحاجب) ليدخل .
الحاجب : (ينحني) أمر مولاي (يخرج)
الاميرة : رايته من بعيد ، متوكئاً على عصاه
ومعه شاب .
الملك : هذا إبنه ، نادان .
الأميرة : (تتمتم) نادان .
يدخل احيقار ، وفي
أثره يدخــل نادان
احيقار : (ينحني) مولاي .
الملك : أهلاً بحكيمنا الكبير .
احيقار : ليعش مولاي الملك ، ولتدم آشور إلى
الأبد .
الملك : (ينظر إلى نادان) اذن هذا ابنك .
احيقار : نادان ، يا مولاي .
الملك : أهلا به .
نادان : (ينحني) مولاي.
احيقار :لقد ربيته ، وعلمته ، منذ الصغر ليكون
حكيما مثلي .
الملكة : يكفي أن احيقار أبوه .
احيقار : (ينحني للملكة) لتحفظ الآلهة مولاتي
الملكة .
الملك : تقدم ، يا نادان
نادان : (يتقدم وينحني للملك) مولاي .
الملك : أريدك يا نادان ، أن تتذكر دائما ، إنك
ابن حكيم اشور .. أحيقار .
نادان : (ينحني ثانية) مولاي
احيقار : سيخدمكم نادان ، يا مولاي ، مثلما
خدمتكم ، وخدمت قبلكم ، أباكم العظيم
سرجون .
الملك : ومن جهتي ، سأعزه ، وانعم عليه ،
وأكرمه كل الإكرام .
احيقار : ليعش مولاي مكللاً بالظفر .
الملك : نادان ما زال شاباً ، أريدك أن تبقى إلى
جانبه ، تعلمه وترشده ، وتحصنه
بحكمتك ، حتى يتمرس وتحنكه
التجارب .
احيقار : أمر مولاي .
الملك : لكن هذا لا يعني أن تغيب عنّا ، فنحن
دوما بحاجة إلى حكمتك .
احيقار : (ينحني) إنني رهن إشارتكم ، يا مولاي.
الاميرة : (مبتسمة) هذا هو احيقار ، انه لن يشيخ،
ولن تشيخ حكمته .
نادان : (يرمق الأميرة بنظرة خاطفة) …
احيقار : لتحفظك الآلهة ، يا مولاتي .
الملك : نادان .
نادان : مولاي .
الملك : أريدك غداً ، في قاعة العرش ، على
رأس حاشيتي ، فأنت منذ الآن الوزير
الأول .
نادان : (ينحني للملك) هذا شرف عظيم لي ، يا
مولاي ، وآمل أن أكون دوماً عند حسن
ظنكم .
إظلام
الفصل الثاني
المشهد الأول
غرفة ببيت احيقار ،
نادان يتهيأ للخروج
نادان : يا بني نادان ، دس على الشوك ، ومهد
الطريق (يضحك) ها إني أدوس ،
وأمهد الطريق إلى .. (يشير إلى
الأعلى) وزير الملك سنحاريب ،
وستأتي الخطوة الأهم ، لا بد أن تأتي
لأصل القمة ، الأميرة ، نعم ، الأميرة ،
الأميرة ، (ينصت) آه ها هي الحكمة
قادمة ، تتوكأ على عصا الشيخوخة .
يفتح باب الغرفة ، ويدخل
احيقار متوكئاً على عصاه
احيقار : عمت صباحا يا بني .
نادان : أبي ! عمت صباحاً ، الوقت مبكر ،
ليتك تبقى في فراشك نائما .ً
احيقار : هذا مستحيل ، يا بني ، إنني أستيقظ
دوماً ، قبل أن تستيقظ الشمس نفسها .
نادان : لم يعد عندك ، بعد الآن ، ما تستيقظ من
اجله ، ولكَ أن تنام وترتاح .
احيقار : النوم ، إن زاد عن حده .. موت
نادان : حكمة الصباح .
احيقار : يا بني ، نادان ..
نادان : من فضلك ، إنني مستعجل ، ولا أحب
أن أتأخر عن الملك .
احيقار : أنا أيضا ، لا أحب أن تتأخر ، فهذا
يومك الأول ، لكني أحب أيضا أن
تسمع ، يا بني نادان ، وتفهم تعليمي ،
وتذكر كلامي دوماً .
نادان : (يهمهم ضجراً ) …
احيقار : يا بني ، لا تبح بكل ما تسمع ، ولا تفشي
كل ما ترى .
نادان : (يهمهم) هم م م م م
احيقار : يا بني ، كل نصيبك ولا تقتحم نصيب
أقرانك .
نادان : (يهمهم) هم م م م م
احيقار : يا بني ، كن عادلاً بأحكامك في شبابك ،
تنل كرامة في شيخوختك .
نادان : (يهمهم) هم م م م م
احيقار : يا بني ، إذا أردت أن تكون حكيما،فامنع
فمك من الكذب ، ويدك من السرقة .
نادان : (يهمهم) هم م م م م
احيقار : يا بني ، نادان ، لا تقتحم بستان
العظماء، ولا تقرب بنات الكبراء .
نادان : (ينظر إليه مغتاظا) عن إذنك ..
احيقار : لحظة ، يا بني .
نادان : (يتجه نحو الباب) علي أن اذهب الآن .
احيقار : نادان
نادان : (يتوقف دون أن يلتفت)
احيقار : تذكر دوما ، أنت ابني ، ابن حكيم آشور
.. احيقار
نادان : (يخرج مسرعا) …
احيقار : أيتها الآلهة ، لقد رعيتني ، وألهمتني
الحكمة ، ارعي ابني نادان وألهميه ما
ألهمتني إياه .
يفتح باب الغرفـة ،
وتدخل زوجة احيقار
الزوجة : ذهب نادان
احيقار : نعم ، يا عزيزتي ، لقد ذهب .
الزوجة : في يوم كهذا ، تمنيت أن يمرّ عليّ
ويحييني .
احيقار : لا تلوميه ، إنه مستعجل .
الزوجة : لم ألمه ، ولن ألومه
احيقار : هذا يومه الأول، ادعي له بالنجاح .
الزوجة : إنني أدعو دائما أن لا يضيع جهدك
معه.
احيقار : نادان ابني ، والابن يا عزيزتي ، لا
يضيع جهد أبيه .
الزوجة : (تنظر إليه صامتة)
احيقار : (يتجه إلى الخارج مطرقا) …
إظلام
المشهد الثاني
حديقة قصر الملك ،
يدخل الملك ونادان
الملك : منذ فترة ، ونحن لا نسمع شيئا يذكر عن
فرعون مصر .
نادان : لا بد أنه مشغول ، يا مولاي ، بوضع
أحجية جديدة .
الملك : خيراً يفعل ، فمدة جزية أحجيته الأخيرة
ستنتهي قريبا .
نادان :من يدري ، يا مولاي ، لعله يأمل أن
يغلبنا هذه المرة .
الملك : هراء ، لن يغلبنا هو ولا غيره ، ما دام
احيقار في الوجود .
نادان :لقد شاخ احيقار (يستدرك) أبي ، يا
مولاي ، وهو يقضي أيامه الأخيرة
مرتاحاً في مزرعته خارج نينوى .
الملك : العمر المديد له .
نادان : شكرا ، يا مولاي .
الملك : نادان .
نادان : نعم ، يا مولاي .
الملك : الأميرة ، ابنتي ، متشوقة إلى أبيك
احيقار ، وتريد أن تزوره ، وأرى أن
ترافقها .
نادان : (يغالب فرحته) هذا شرف لي يا مولاي.
الملك : (مبتسما) ها هي الأميرة قادمة بصحبة
الملكة .
نادان : (يقف متلهفا)
تدخل الملكة والأميــرة،
وهما تتهامسان مبتسمتين
الملك : أشم رائحة مؤامرة .
الملكة : (تضحك) فوق العقاب .
الأميرة : مهلاً يا أمي ، سأعاقب ، فقد أصبحت
ثالثة .
نادان : (ينحني للملكة وللأميرة) عمتما صباحا ً
الملكة : أهلاً نادان .
الأميرة : عمت صباحاً .
الملكة : الجو دافئ اليوم ، كفى عملا ، يا
مولاي، لقد تجاوز الوقت منتصف
النهار .
الملك : لقد تفتحت أشجار التفاح المطلة على
النهر (يمسك يد الملكة) تعالي نراها .
الملكة : (تسير مبتسمة) …
الأميرة : عرفت ، لا مكان للثالثة .
الملك : (يبتعد بالملكة) طلبت من نادان أن
يرافقك ، عند زيارتك لاحيقار ، اتفقا
حول الأمر .
الأميرة : لا تتأخري ، يا أمي ، الغداء سيجهز بعد
قليل ، أكاد أموت جوعاً .
الملكة : (تضحك) اطمئني ، يا بنيتي ، لن أتأخر.
الملك والملكة يخرجان ،
الأميرة ونادان وحدهما
نادان : شرفني مولاي الملك بمرافقتك يا
مولاتي (ينحني قليلاً) وأنا رهن
إشارتك .
الأميرة : لنذهب غدا مع الفجر (تتطلع إلى
السماء) إذا لم تمطر .
نادان : لن تمطر ، يا مولاتي .
الأميرة : (تنظر إليه) …
نادان : الإلهة عشتار ، معي .
الأميرة : إنني مشتاقة لرؤية احيقار ، إذ لم أره
منذ مدة طويلة .
نادان : مولاتي .
الأميرة : نعم .
نادان : أعرف يا مولاتي ، انك تحبين الخيل .
الأميرة : (تهز رأسها) …
نادان : وصلني منذ أيام حصان أصيل هدية من
أمير من أمراء جزيرة العرب .
الأميرة : جزيرة العرب مشهورة بخيلها الأصيلة.
نادان : مولاتي ، هذا الحصان ، إذا سمحت ،
هدية مني إليك ، بمناسبة زيارتك لـ ..
لأبي الحكيم .. أحيقار .
الأميرة : عفواً الحصان هدية لك ، والهدية كما
تعرف ، لا تهدى .
تدخل الوصيفة
وتنحني للأميرة
نادان : مولاتي ، الغداء جاهز .
الأميرة : حسن (تتطلع إلى الخارج) الملك
والملكة قادمان ، سأنتظرهما ، ونأتي
حالاً .
نادان : (ينحني للأميرة) عن إذنك ، يا مولاتي .
الأميرة : تفضل .
نادان : غدا مع الفجر ، يا مولاتي سأكون بباب
القصر .
الأميرة : (تهز رأسها بفتور) …
نادان : (يخرج)
الوصيفة : (تنظر إلى الأميرة)
الأميرة : الملك طلب منه أن يرافقني عند زيارتي
للحكيم احيقار .
الوصيفة : لن ينام اليوم ، يا مولاتي حتى الفجر .
الأميرة : الأفضل أن ينام (تلحق بالملك والملكة)
فلن اذهب .
الوصيفة : ها هي أحلامك يا نادان ، تذهب مع
الريح .
إظلام
المشهد الثالث
الحكيم احيقار في غرفتـه ،
يكتب على ضوء المصباح
احيقار : (يتأمل ما كتبه) لعلها الآن أفضل ، لنر
الحكمة الجديدة هذه (يقرأ) إن العيون
الصالحة لن تظلم ، والآذان الصالحة
لن تصم ، والفم الصالح سيحب
الحقيقة، وينطق بها (يهز رأسه) نعم ،
أنها حقا أفضل ، سأقرؤها غدا على ..
(ضجة في الخارج) ماذا يجري .؟ يخيّل
إليّ أنها مربية نادان (ينهض) عجبا ،
نحن في منتصف الليل .
الخادم : (من الخارج) مهلاًً .. ، أيتها العجوز ،
أرجئي هذا للغد ، إن سيدي احيقار نائم .
المربية : (من الخارج) أيقظه ، فالأمر ملح ، لا
بد أن أراه .
يدفع الباب ، وتدخل المربية ،
وفي أثرها ، يدخل الخــادم
الخادم : عفواً ، سيدي . حاولت أن امنعها ، لكن
..
احيقار : لا عليك ، اذهب أنت .
الخادم : حاضر سيدي (يخرج)
المربية : (بصوت متهدج) سيدي احيقار .
احيقار : (يحدق فيها متأثرا) يا للآلهة ، إن عينك
متورمة (يمسك يدها ، ويقترب بها من
المصباح) تعالي هنا ، لأراها جيدا .
المربية : دعك من عيني الآن ، يا سيدي ، هناك
أمر هام ، إن سيدي نادان ..
احيقار : (يتفحص عينها) آه من سيدك نادان (يمد
يده ويلمس جفنها) .. مهلا .ً
المربية : (تبعد وجهها متألمة) آه .
احيقار : هذا نادان طبعا
المربية : (تطرق صامتة) …
احيقار : انه هو ، ولا احد غيره ، إنني اعرف
كفه الظالمة .
المربية : سيدي ..
احيقار : لحظة ، سأعالج عينك أولا .
المربية : اصغ إليّ ، أرجوك .
احيقار : (يمسح جفنها بقطعة مبللة) لحظة ..
لحظة .
المربية : خرج سيدي نادان منذ قليل ، وقد استبد
به الغضب ، وأخشى انه سيأتي إلى
هنا.
احيقار : فليأت ، وسأواجهه بالحقيقة .
المربية : سيدي ، أتوسل إليك ، أنت رجل حكيم ،
ومهما يكن فهو .
احيقار : لا فائدة من دفاعك عنه ، إنني اعرف
كل شيء ، وها هي عينك المتورمة ،
شاهدة على رعونته ، وظلمه .
المربية : (بانكسار) نادان سيدي ، وأنا ..
احيقار : أنت إنسان .
يدفع الباب ، ويدخل
نادان ، يتعتعه السكر
نادان :إنسان .يا للحكمة ، هذه إنسان .؟ ماذا أنا
إذن ؟ ماذا أنا ؟
احيقار : أنت وحش .
نادان : (يحملق فيه غاضباً) …
احيقار : هذه المرأة أرضعتك ، ورعتك ، وما
زالت ترعاك (يشير إلى وجهها) انظر ،
أهي فعلة إنسان .؟
نادان : كفى (للمربية) أنت أيتها العجوز
الخرفة، ما الذي جاء بك إلى هنا .؟
عودي إلى البيت .
المربية : (خائفة) سيدي ..
نادان : (يدفعها صارخا) هيا ، اذهبي .
المربية : (تتهاوى متألمة) ا.. ي .
احيقار : (يسندها غاضبا) دعها ، أيها الوحش .
المربية : لا عليك ، سيدي احيقار (تتملص
مبتعدة) انه سيدي ..
نادان : (يصيح) قلت لك ، اذهبي
المربية : (تهرول خارجة) آآ .. أمرك .. سيدي .
احيقار : يا لضيعة تربيتي وحكمي فيك ، انك لم
تعمل طول حياتك بشيء منها .
نادان : (ساخراً) أنت واهم أيها الحكيم ، إنني
اعمل ، وسأظل اعمل بحكمة أفضل من
حكمك ، إنها حكمتي الذهبية .
احيقار : آه .
نادان : دس ، هذه هي الحكمة ، وأنا أدوس .
احيقار : لكنك لم تدس للأسف إلا الأزهار .
نادان : أدوس .. وأدوس .. وأمهد الطريق .
احيقار : يا للطريق الذي تمهده ، لقد بددت
الأموال ، وضربت العبيد والأجراء ،
وبعت الخيل .
نادان : هذه كلها ملكي ، وأنا حرّ فيها .
احيقار : أنت حر في ملكك ، لكن ما أعطيتك
إياه، لم يعد ملكك .
نادان : هذا تخريف .
احيقار : إنها الحقيقة وعليك أن تعرفها وتعيها .
نادان : (يحدق فيه مصدوما)
احيقار : لقد أفضيت لمولاي الملك سنحاريب ،
بما جرى ، فقال ، لن اسمح لأحد أن
يتسلط على مالك ، ما دمت حيّاً .
نادان : (مهادناً) لكن .. مهما يكن ، أنا ابنك .
احيقار : كلا ، نيوزردان ابني .
نادان : نيوزردان !
احيقار : وقد أعطيته كل ما املك .
نادان : نيوزردان ! أخي .!
احيقار : وشتان ما بينكما .
نادان : هذا الأفعوان الأصفر،الآن فقط عرفت
سر انسلاله إليك ، وتقربه منك .
احيقار : لقد اخذ حكمتي ، ووعاها جيدا ، وعلى
العكس منك ، عمل بكل حكمة منها .
نادان : على كل حال ، لن أنسى الحكمة الذهبية
(يبتعد قليلا عن احيقار) سأدوس ،
وأدوس ، حتى أصل .
احيقار : نعم ، ستصل ، وأنا اعرف للأسف أين
ستصل .
نادان : (يحدق فيها متوعدا) ثم يخرج …
إظلام
المشهد الرابع
قاعة العرش ، القاعة
خالية ، الوقت مساء
الأميرة : (من الخارج) أبي .. أبي .
الملكة : (من الخارج) مهلاً يا بنيتي ، مهلا ،
مهلاً .
الأميرة : (تدخل مسرعة) أبي .
الملكة : (تدخل في إثرها) بنيتي ، لم تعودي
صغيرة .
الأميرة : أبي ليس هنا أيضاً ، (تقف مضطربة
حائرة) الوقت يمر لا بد أن اكلم أبي .
الملكة : أنت أميرة يا بنيتي ، تذكري هذا .
الأميرة : لكن احيقار في خطر .
الملكة : لن يمسه احد بأذى ، إذا كان بريئا .ً
الأميرة : إنه بريء .
الملكة : دعي الأمر لأبيك ولنادان .
الأميرة : نادان ..
الملكة : نادان لن يتخلى عنه .
الأميرة : وجه نادان لا يكاد ينطق بشيء ، وهذا
ما يخيفني منه .
الملكة : بنيتي لا تنسي ، نادان ابنه .
الأميرة : نادان كان ابنه .
الملكة : مهما يكن ، أتركي الأمر لأبيك ، وأنا
واثقة انه سينصفه .
الأميرة : (تنصت) هذا أبي ، انه قادم .
الملكة : بنيتي كوني هادئة ، فأبوك الملك يمر
بفترة حرجة .
يدخل الملك ، ويدخل
نـــادان في أثره
الأميرة : أبي .
الملكة : (تمسك بها) مهلا يا بنيتي .
الملك : (منفعلاً) عبثا تدافع عنه يا نادان ،
فالأمر غدا واضحا كالشمس .
نادان : مولاي .
الملك : لم اصدق ، أول الأمر الرسالتين ، اللتين
وجههما إلى فرعون مصر ، وملك
عيلام ، ليأتيا ويسلمهما آشور ، رغم
أنهما مختومتان بختمه ، لكني رايته
اليوم على رأس الجند ، في الموعد
المحدد ، وقد تدخلت أنت وقواتك ،
وأحبطتم المؤامرة .
نادان : مولاي ، الأمر انتهى على خير ، وهو
الآن في السجن ، لا حول له ولا قوة ،
ليتك تشمله بعطفك وتسامحه .
الملك : لن أسامح من يخون آشور ، أو يعرضها
للخطر (يصيح) أيها الحاجب .
الأميرة : (تندفع إلى الملك) أبي .
الملك : اسكتي أنت .
الحاجب : (يدخل وينحني للملك) مولاي .
الأميرة : انه احيقار ، حكيم آشور يا أبي ، وطالما
أحببته .
الملك : نعم ، لقد أحببته ، لكني أحببت وأحب
آشور أكثر ، فانا ملك آشور (للحاجب)
احضر الجلاد .؟
الأميرة : (تتمتم مرتعبة) الجلاد .! يا الهي .
الحاجب : نعم يا مولاي ، وهو ينتظر بالباب .
الملك : ناده ، بسرعة .
الحاجب : أمر مولاي (يسرع بالخروج)
الأميرة :(تنحني باكية على يد الملك) أبي ،
أرجوك يا أبي ،ارحمه .
نادان : (يرمقها متشفيا) …
الملك : (يسحب يده ويبتعد قليلا) ..
الملكة : (تأخذ الأميرة بين يديها) كفى ، يا
بنيتي، كفى ..
الحاجب : (يدخل ومعه الجلاد) مولاي ، الجلاد .
الملك : تعال .
الجلاد : (يقترب من الملك وينحني له) مولاي
الملك : احيقار في السجن .
الجلاد : (تتسع عيناه) ..
الملك : خذه ليلا خارج نينوى ، واقتله .
الجلاد : (يتمتم مرتاعاً) اقتل احيقار .!!
الملك : نعم ، اقتله ، وادفنه هناك .
الجلاد : (ينحني مضطرباً) أمر
إظلام
الفصل الثالث
المشهد الأول
غرفة في قصر الملك ،
الملك ، الملكة ، الأميرة
الملكة :آه يا للآلهة (تفرك يديها) الجو بارد هذه
الليلة .
الملك : (يقف عند النافذة) نعم بارد جدا ، هكذا
هو الشتاء دائما في نينوى .
الملكة : (تقترب من الملك) ليتك تغلق النافذة ،
الهواء يهب منها قارصا ، وأخشى أن
تمرض .
الملك : لا عليك ، سأغلقها ، سأغلقها بعد قليل .
الملكة : (تنظر عبر النافذة) الغيوم بلون
الرصاص ، ربما سيقع الثلج الليلة
(وهي تغلق النافذة) بعد إذنك .
الملك : (يتنفس بصعوبة) آه .. (يمد يده إلى
عنقه) أكاد اختنق هنا .
الملكة : لنذهب إلى آشور ، لعل الجو هناك
أفضل .
الملك : (يلوب متمتما) هالوشو
الأميرة : (ترمق الملكة قلقة) ..
الملكة : أرجوك يا مولاي ..
الملك : هالوشو لم يغلبني من قبل مرة واحدة .
الملكة : لننس هذا الأمر ، آشور وما فيها فداء
لك .
الملك : لست اهتم بالجزية ، هالوشو ؟، هالوشو
يغلبني ؟ يا للعار .
الأميرة : هذه فرصته وقد استغلها وغلبنا ، ومن
يدري فربما يغلبنا غيره أيضا .
الملكة : (تهمس للأميرة محتجة) بنيتي ..
الملك : دعيها لعلها على حق ..
الأميرة : (تنظر إليه مستغربة) ..
الملك : منذ فترة وأنا أراجع في داخلي ، بعض
الأمور ، وأولها ، وهذا ما يحيرني ،
احيقار .
الملكة : احيقار . !
الأميرة : أبي .
الملك : لا تتعجلي يا بنيتي ، لا تتعجلي ،
فجريمته ما زالت ماثلة أمام عيني .
الأميرة : ستتضح الحقيقة ذات يوم يا أبي ، وان
كان الأوان قد فات .
الملكة : بنيتي ، أرجوك .
الأميرة : عن إذنكما (تتراجع قليلا) إنني متعبة ،
وأريد أن آوي إلى فراشي .
الملك : تصبحين على خير ، يا ابنتي .
الأميرة : (تسرع إلى أبيها تقبله) تصبح على
خير.
الملك : (يحضنها) بنيتي ، بنيتي الحبيبة ، أنا
أبوك ، وأنت تعرفينني ، إنني لا أحب
أن اظلم أحدا .
الأميرة : أعرف ، يا أبي .
الملك : (يبتسم مشيرا إلى الملكة) هناك من
يتربص بنا وقد يتهمنا .. بالاحتكار .
الملكة : (تمد يديها مبتسمة إلى الأميرة) بنيتي
الأميرة : (تهرع إليها وترتمي بين ذراعيها
وتقبلها) تصبحين على خير يا أمي .
الملكة : (تقبلها) تصبحين على خير ، تغطي
جيدا ، الجو بارد .
الأميــرة تبتسم من بيـن
دموعها ، ثم تسرع بالخروج
الملكة : بنيتي الحبيبة ، إنني قلقة عليها ، إنها
حزينة ، منطوية ، منذ أن أعدم ..
احيقار .
الملك : إنني لا ألومها ، نعم ، لا ألومها ، فانا
نفسي يغلبني الحزن عليه ، بل وأحيانا
افتقده .
الملكة : أكاد لا اصدق ما جرى ، ترى ماذا دهاه
ليرتكب تلك الفعلة .! (ترمق الملك)
هذا إذا كان حقا قد ارتكبها .
الملك : لو أن أحدا أخبرني بالأمر لما صدقته ،
لكني رايته بعيني، على رأس الجند ،
انه خائن ، نعم ، خائن ، وأنا لا أسامح
الخونة .
الوصيفة : (تدخل) مولاي .
الملك : نعم .
الوصيفة : نادان بالباب ..
الملكة : نادان .!
الوصيفة : ومعه رسالة .
الملك : فليدخل .
الوصيفة : (تنحني) أمر مولاي (تخرج) .
الملكة : الوقت متأخر ، كان عليه أن يرجئ هذه
الرسالة إلى الغد .
يدخل نادان مسرعاً ،
وفي يده رســالة
الملك : خيرا ، نادان .
نادان : عفوا مولاي ، الوقت متأخر .
الملك : لا عليك .
نادان : (يقدم الرسالة إلى الملك) رسالة
مستعجلة من فرعون مصر .
الملك : (يأخذ الرسالة) لعلها أحجية .
الملكة : هذه فرصته ، ولن يفوتها .
الملك : (يقرأ الرسالة) نعم ، كما توقعت ،
أحجية .
نادان : الأحاجي بدأت تنهال علينا .
الملكة : لا عجب ، فقد غاب احيقار .
نادان : (يطرق محرجا) …
الملكة : ماذا يريد الفرعون .؟
الملك : (يلف الرسالة مبتسما بمرارة) خمني ..
الملكة : ثوباً من ضوء القمر .؟
الملك : تقريباً .
الملكة : مولاي .!
الملك : يريد قصراً بين السماء والأرض .
نادان : (يتمتم) يا للجنون
الملكة : قصرا بين السماء و .. يا للآلهة ، هذا
مستحيل .
الملك : المستحيل هذا سيكلفني خزي الهزيمة ،
وجزية لمدة ثلاث سنوات .
الملكة : وما العمل .؟
الملك : نادان ..
نادان : نعم ، يا مولاي ..
الملك : بلغ فوراً الفلاسفة والسحرة والمنجمين ،
ولنجتمع غداً صباحاً ، في قاعة
العرش، لعل أحدهم يجد حلاً لهذه
الأحجية .
نادان : أمر مولاي
الملك : امض الآن ، هيا .
نادان : (ينحني) عمتم مساء
الملك : رافقتك السلامة .
نادان : (يخرج) …
الملكة : يا للآلهة ، بدأت المتاعب .
الملك : ولن تنتهي (يقف عند النافذة) احيقار ..
إظلام
المشهد الثاني
غرفــة فـــي قصر
الملك ، الملكة ، والأميرة
الملكة : الشمس توشك على الغروب ، آه لقد
طال الاجتماع هذه المرة .
الأميرة : (تقف صامتة عند النافذة) ...
الملكة : ليتهم يصلون اليوم إلى نتيجة ، مهما
تكن هذه النتيجة (تخاطب الأميرة) إنني
خائفة على أبيك الملك .
الأميرة : (تنظر إليها صامتة) …
الملكة : منذ ثلاثة أيام ، وهم يجتمعون صباحا
ومساءاً دون جدوى .
الأميرة : مهمتهم ليست سهلة ، عليهم أن يبنوا
قصراً بين السماء والأرض ، وبغياب
احيقار .
الملكة : أبوك متعب ، يا بنيتي ، ومثل هذه
الحقيقة لا تريحه ، بل تزيد من تعبه .
الأميرة : حسن ، يا أمي ، لن أتكلم .
الملكة : لندع هذه المهمة لهم ، عسى أن يوفقوا
فيها .
يفتح بـــاب الغرفة ،
وتدخل الوصيفة مسرعة
الوصيفة : مولاتي ، انتهى الاجتماع ، وبدأ الجميع
بمغادرة القاعة .
الملكة : حسن ، سنعرف النتيجة بعد قليل .
الوصيفة : (ترمق الملكة بنظرة مواربة) الملك
مقبل يا مولاتي ، ومعه نادان .
الملكة : أنتٍ تخفين شيئا ، تكلمي
الوصيفة : لا ، عفوا ، لكن يبدو لي أن النتيجة لم
تتغير .
الملكة : لننتظر ، سيأتي الملك ، ونعرف كل
شيء .
الوصيفة : هذا حق ، يا مولاتي ، لننتظر
الملكة : (تسرع نحو الباب) اسمع وقع أقدام ، لا
بد انه الملك .
الوصيفة : (تقترب من الأميرة) مولاتي .
الاميرة : نعم
الوصيفة : رأيت الجلاد ، عند قاعة العرش ،
يسعى مرة أخرى لمواجهة الملك .
الأميرة : عجبا ، ماذا يريد .؟
الوصيفة : من يدري ، يا مولاتي .؟
الأميرة : ليقابله احدهم بدل الملك ، لعل الأمر
هام.
الوصيفة : مولاتي ، انه لا يريد إلا مقابلة الملك
نفسه .
الأميرة : على كل ، سأقابله أنا ، إذا تعذرت على
الملك مقابلته .
الوصيفة :هذا أفضل(تنحني للأميرة) عن إذنك يا
مولاتي ، الملك قادم .
الأميرة : حسن ، اذهبي ، بسرعة
الوصيفة : (تمضي مسرعة وتخرج) …
الملكة : بنيتي (تقترب من الأميرة) جاء أبوك
الأميرة : لقد وعدتك ، يا أمي ، وأنا عند وعدي ،
لن انطق بكلمة واحدة .
يدخل الملك متجهما ،
وفي إثره نـــادان
نادان : لنعترف بالواقع ، يا مولاي ، الأمر ليس
هيناً .
الملك : الغ اجتماع الغد ، هذه الاجتماعات لم
تعد مجدية .
نادان : لا أريد ، يا مولاي ، أن أدافع عن احد
من الفلاسفة والسحرة والمنجمين ، إن
هذه الأحجية ليست فقط غاية في
الصعوبة ، بل إنها هذيان من فرعون
مصر ، وجنون .
الملك : (يقف متمتما عند النافذة) احيقار
الأميرة : (ترمق الملكة بنظرة خاطفة) …
الملك : لو أن احيقار موجود ، لما قال عن هذه
الأحجية ، أو غيرها ، إنها هذيان
وجنون .
نادان : (يطرق محرجا) …
الملك : (ينظر عبر النافذة ويتمتم) احيقار ..
احيقار ..
يدخل الحاجب ، ويقف
مترددا ، عند البــاب
الحاجب : مولاي .
الملك : (لا يلتفت إليه)
نادان : (يقترب من الحاجب) ما الأمر .؟
الحاجب : الجلاد ، سيدي .
الملكة : الجلاد مرة أخرى .؟
نادان : لقد جن هذا الرجل .
الملكة :ما الأمر ؟(تقترب من الملك) انه يلح منذ
مدة على لقائك، رغم انه يعرف أنك
مشغول .
الأميرة : ليتك تقابله ، يا أبي
الملك : إنني متعب ، ولا أريد أن أقابل أحدا
(للحاجب) اصرف الجلاد الآن .
الحاجب : أمر مولاي (يخرج)
الملكة : ما دمت متعبا ، دع احدهم يقابله ، لعل
لديه أمراً ملحا .
الملك : ماذا يمكن أن يكون لديه .؟
الملكة : من يدري .
الملك : (يلتفت إلى النافذة) سأقابله فيما بعد .
الأميرة : (تتلفت ثم تنسل خارجة) …
نادان : (يراقب الأميرة مرتابا) …
الملكة : لقد أتعبتك هذه الاجتماعات ، ليتك تأتي
إلى جناحك ، وترتاح .
الملك : نعم ، أنا بحاجة إلى الراحة .
نادان : عن إذنك ، يا مولاي .
الملك : ابق لحظة .
نادان : (يغالب ضيقه) أمر مولاي .
الملك : (للملكة) اسبقيني إلى جناحنا ، سآتي بعد
قليل .
الملكة : أرجو ألا تتأخر ، أنت متعب كثيرا ، يا
مولاي (تخرج) .
الملك : سأبقى متعبا ما دامت هذه الأحجية
معلقة.
نادان : (يبقى صامتا) …
الملك : نادان .
نادان : مولاي
الملك : هناك أحجية تشغلني أكثر من أحجية
فرعون مصر ، وتعذبني ليل نهار .
نادان : (ينظر إلى الملك متوجا) …
الملك : احيقار .
نادان : احيقار .!
الملك : نعم ، احيقار .
نادان : مولاي ..
الملك : أريد حلا لهذه الأحجية ، وأريده منك
أنت بالذات ، يا ن
إظلام
المشهد الثالث
غرفة فــــي قصر
الملك ، الملك ، الملكة
الملك : (يذرع الغرفة قلقا) …
الملكة : (تتابعه متمتمة) يا للإله شمش .
الملك : لقد تأخروا .
الملكة : ليتني أعرف ما يجري .
الملك : (يرمقها بنظرة خاطفة) …
الملكة : صارحني بالحقيقة .
الملك : (يتوقف) سأصارحك بالحقيقة عندما
أعرفها .
الملكة : هناك كثير من اللغط ، على ما يبدو ،
عن الجلاد ، ويقال انه زج اليوم في
السجن .
الملك : هذا ما أخبرتني به ابنتنا الأميرة ، وقالت
إن نادان يستجوبه .
الملكة : نادان .!
الملك : نعم ، فأرسلت قائد الحرس إلى السجن ،
ليأتيني بنادان والجلاد ، وها أنا أنتظر .
الملكة : والأميرة ، أين هي .؟
الملك : لا ادري ، لا بد أنها في مكان ما من
القصر .
الملكة : لقد بحثت عنها في كل مكان دون جدوى
الملك : (يذرع الغرفة ثانية) …
الملكة : هذه البنت ستقتلني ، لقد طلبت منها
مرارا ، ألا تتدخل في مثل هذه الأمور،
وها هي قد اختفت ، والإله شمش
وحده، يعرف أين هي .
الحاجب : (يدخل وينحني للملك) مولاي .
الملك : (يلتفت إليه) نعم ..
الحاجب : قائد الحرس ، والوزير نادان ، و ..
الملك : ليدخلوا في الحال
الحاجب : (ينحني) أمر مولاي (يخرج) ..
الملكة : لا بد أن وراء هذا الجلاد سرا ..
الملك : سأراه الآن ، وأعرف الحقيقة .
يدخل نادان ، ويدخل في
أثره قائد الحرس والجلاد
نادان : (منفعلا) مولاي ..
الملك : نادان .
نادان : قائد الحرس هذا ، يا مولاي ، تعامل
معي ، وكأني خارج عن القانون .
قائد الحرس : عفوا ، نفذت أوامر مولاي .
نادان : أنا نادان ، وزير الملك .
الملك : كفى ، يا نادان .
نادان : مولاي .
الملك : ما دمت وزيري ، أريد أن أعرف منك
حقيقة ما يجري .
نادان : (مضطربا) حسن ، مولاي ..
الملك : أريد الحقيقة .
نادان : طبعا ، يا مولاي ، الحقيقة
الملك : تكلم .
نادان : بلغني ، يا مولاي ، إن الجلاد يخفي
أمراً هاما .
الملك : فاختطفته ، وعذبته (يشير إلى الجلاد)
أنظر .
نادان : رفض ، يا مولاي ، أن يتكلم ، وخشيت
أن تكون هناك مؤامرة ، خاصة وأنه
شوهد أكثر من مرة ، بباب قاعة
العرش .
الجلاد : حاولت ، يا مولاي ، أن أقابلكم ، لكن
دون جدوى .
الملك : كان لدي ما يشغلني
الجلاد : وجاءتني الأميرة ، وكشفت لها الأمر ،
على أمل أن تخبركم به .
الملك : الأميرة لم تخبرني إلا انك في السجن
الجلاد : لقد اختطفت ، يا مولاي ، وحاول
الوزير في السجن ، أن ينتزع الأمر
مني عنوة ، لكن هذا مستحيل ، فما
أخفيه لا يمكن أن اكشفه ، إلا أمامكم .
الملك : حسن ، ها أنت أخيراً أمامي ، تكلم ، ما
الذي تخفيه .؟
تدخل الأميرة مسرعة ،
برفقـــة رجل ملثم
احيقار : انه يخفيني أنا ، يا مولاي .
الملك : (يمد يده إلى خنجره مهدداً) توقف ، من
أنت ؟
الأميرة : مولاي ، لحظة ، أرجوك
احيقار : (يرفع اللثام عن وجهه) ..
الملكة : يا للإله شمش .
نادان : من .! (يتمتم مضطربا) يا ويلي
الملك : احيقار .!
احيقار : نعم ، يا مولاي ، احيقار
الملك : (يحدق في الجلاد) لكن ..
الجلاد : (يركع أمام الملك) مولاي ، سامحني
الملك : أسامحك .!
الجلاد : أمرتني ، يا مولاي ، أن أقتله ، أن أقتل
احيقار ، لكني لم استطع ، لقد أنقذني
مرة من الموت .
الملك : لقد عصيتني ، ولم أسامح مطلقا من
عصاني ، أما أنت أيها الجلاد ،
فسأكافئك ..
الجلاد : (يتمتم مذهولا) مولاي .
الملك : نعم ، سأكافئك ، لأنك بعصيانك هذا
حفظت مكانة آشور وهيبتها (يشير
بيده) انهض .
الجلاد : (ينهض فرحا) لتحفظك الآلهة ،
وتنصرك ، يا مولاي
الملك : (يتطلع إلى احيقار) احيقار
احيقار : (يقترب من الملك) مولاي .
الملك : إنني لو تعلم في ضيق شديد .
احيقار : اعلم ، يا مولاي ، وهذا ما جعلني اخرج
من مخبئي ، وأسرع إليكم .
الملك : لا بد ، انك عرفت يا احيقار ، أحجية
فرعون مصر .
احيقار : وعرفت حلها ، يا مولاي .
الملك : (فرحا) احيقار .
احيقار : لكن اسمحوا لي أولا ، أن اكشف لكم
أحجية نادان .
الملك : أكاد أعرفها الآن ، وان كنت لا اعرف
بالضبط تفاصيلها .
نادان : (يتمتم مضطربا) أبي
احيقار : إن كل ما جرى لي ، يا مولاي ، هو من
تدبير نادان ، فهو الذي ..
الملك : احيقار .
احيقار : مولاي .
الملك : إنني أسلمك نادان ، ولك أن تفعل به ما
تشاء .
نادان : (بصوت مرتعش) أبي ..
إظلام
المشهد الرابع
القبو ، احيقار يتطلع إلى
البعيد ، نادان يقف وراءه
نادان : أبي .
احيقار : (لا يرد) ..
نادان : أرجوك ، سامحني .
احيقار : لم اظلم مرة واحدة ، ولا أريد أن أظلم
أحدا ، لقد أعطاني الملك سنحاريب
حرية التصرف بك ، وأنا بدوري ،
أعطيك حرية التصرف بنفسك (يلتفت
إليه) أنت حر طليق ، عسى أن تعرف
بعد الآن الطريق إلى الخير والسلام .
نادان : (يحدق فيه صامتا) ..
احيقار : للأسف ، يا نادان ، لم تنتفع من حكمي .
نادان : (يطرق رأسه) ..
احيقار : (يواجه الجمهور) آمل أن تبقى هذه
الحكم ، لعل الأجيال القادمة ، تنتفع
بها، أو تعرف على الأقل ، أن احد
أجدادهم ، من مدينة نينوى ، حاول
بحكمته ، أن يقدم الخير للعالم ، وان هذا
الجد هو أنا .. أحيقار .
نادان يتهاوى جاثيا ، أحيقار
يخرج ، الباب يبقى مفتوحا
إظلام
ستار
0 التعليقات:
إرسال تعليق