مباهج الحكي التراثي اللاشكلي في دراما شمال الغرب الأفريقي العربي / د. آبو الحسن سلام
مجلة الفنون المسرحية
قدم في مؤتمر الثقافة الافريقية ٢٠١٠ المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة
مقدمة البحث:
تقوم فنون الحكي على استعادة الذاكرة الفردية لصور ووقائع وأحداث مستلهمة من مخزون الذاكرة الجمعية للأمة ؛ وعرضها بتقنيات حكي وأسلوب خارج نطاق الترتيب النسقي للزمن الواقعي اعتمادا على الترابط الواهي بين أزمنة متقطعة في نسق البنية الأفقية المتجاورة .
وزمن الحكي دائما في الماضي من منظور علمي ؛ مع أن الحاضر هو مقصوده من منظور خيالي افتراضي مستعاد في صور متجاورة ، متداخلة الأساليب ومتنوعة التقنيات ، دون رابط لها ؛ إلا شخصية حكاء يستحضرها افتراضيا على شاشة ذهنه ، في زمن حكيه عبر نسق تقاطعات إيقاعية لأزمنة متباينة ؛ بمهارة مراوغة فنية ، لا تستبان منها حدود الزمن الافتراضي الخيالي من حدود الزمن الواقعي، كما يتعذر تحديد انتماء نسق بنيتها ونسبته إلى شكل أو أسلوب فن درامي محدد. ومعلوم .
وتلك هي القاعدة الأساسية في فنون الحكي ؛ لا أن من الحكي سواء كان الحكي تاما يشتغل على حكاية واحدة على لسان حكاء منفرد - طالت حكاية الحدث أم قصرت - وحكي جزئي تشخصه مجموعة أصوات إنشادية أو توقيعية صوتية منغمة بأداء جوقة أو كورس مسرحي أو انشادي .
ومن الحكي حكي الإسناد . ويسند فيه الممسك بأعنة لجم الحكي الحديث للشخصية المحورية صاحبة الفعل التي أزيحت عن مركز الحكي الدرامي إلى الهامش وحلت محلها شخصية الراوية / الحكاء المفكك لمتن خطابها.
ولأن الحكي وسيط فني أدائي صوتي معاصر لمستلهم تراثي ؛ باعتباره فنا من فنون الاتصال التعبيري المتضافر مع فن الإيماء وفن الإشارة - تبعا لضرورات التعبير- عن الضرورة والاحتمال فيما هو معروض؛ لذا فرض نفسه على العلاقة بين فنون الحكي الأسطوري والخرافي السردي والحكي المسرحي الحواري.المشتبك مع مساحات الحكي التمثيلي الملتبس بين تشخيص صفات خارجية وتجسيد صفات داخلية للأحداث والشخصيات ؛ وجدنا له مجالا في بنى إبداعات المفكر المسرحي عز الدين المدني ، في ثقافة شمال الغرب الافريقي العربي .
ولأن للأداء مباهج ولذة جمالية تختلف من حيث فعالية الحضور الاتصالي المتبادل بين الأداء والتلقي عن جمالية الاتصال القرائي المنفرد ؛ لذا وشيت مباهج الحكي في عملية تلاقح منظومة الأداء مع منظومة التلقي أو الفرجة بوشي أثواب احتفالية ؛ لا يرتديها اتصال التلقي القرائي للحكي انفرادا .
أهمية البحث:
يرتكز جهد البحث على فنون الحكي الدرامي اللاشكلي في الثقافة الافريقية العربية ودورها في تفكيك الثقافة التراثية النقلية إسهاما في عملية التكوين المعرفي في التلقى المعاالمأمون فتيل الإيهام بحقيقة تهويمات الحكي التراثي المتدرع بفهمه لمتون دينية .
وتقوم جهود الكتابة على بيان دور
فعل خيالي تعويضي بناء منحته الطبيعة للإنسانية لتعوض به عجزها عن بلوغ أداة تحقيق طموحاتها في تملك الخوارق وتحقيق حياة أكثر يسرا وسعادة.
ومن ناحية ثانية ما طرأ علي الأسطورة عند تحويلها إلي نص مسرحي من أثر جمالي مختلف عن الأثر الجمالي لرحلة تلقيها
إشكالية البحث:
تتبدى الإشكالية في تقنيات الحكي في أداء الأسطورة عن تقنيات الأداء المسرحي لمسرحية عالجت الأسطورة ؛ حيث يشتغل الحكي بالأداء الالقائي السردي ؛ بينما يشتغل الحكي بتقنيات التخلص الدرامي والجمالي في مستويات التنقل بين ماهو حواري وما هو سردي في بنية النص المسرحي
المسرحية الافريقية بين الحكي والمحاكاة
" هناك ثلاثية اختلافات ممكنةيبرزها أرسطوطاليس في المحاكاة " الأدوات التي تجري من خلالها المحاكاة و " الهدف : المحاكي" و " طرق المحاكاة " .
فيما يتعلق بالأدوات فإن المسرح ( التراجيديا والكوميديا) يتميز باستخدام ما ذكرهالفيلسوف الإيقاع واللغة . وإن كانت فقط في الأجزاء الغنائية. - والتناغم- وهو ما يشير إلى فكرة ليست شفوية تماماً أو آدبية للمسرح . "
( خوسيه أويس كارثيا بارينتوسً، الدراما والزمن ، ترجمة د. طلعت شاهين ، زوارة الثقافة ، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (٢٠) ٢٠٠٨ص ٣١
" هناك طريقتان في المحاكاة:
١) رواية ما يجري محاكاته بشكلين ممكنين :
أ- " التحول إلى الشخصية الأخرىحتى درجة معينة "
أي التبادل بين الرواية والحوار"
ب- محاكاته دون تغيير" ويحدث هذا من خلال الحكي
فقط ( diegesis)
٢)" تقديم الجميع كمشاركين وممثلين " وهي الطريقة المسرحية "
( الشعرية ١٤أ: ١٩-٢٤- مقتبس في جارثيابارينتوس)
تحدث أرسطوطاليس في الفصل السادس من كتاب الشعر عن " ثلاثة آشياء للمحاماة : الشخصيات أو " تلك الطريقة التي نقول بها إن هؤلاء يقومون بفعل المحاكاة هم في أو على " الفكرأو تلك التي نقول بها إن الكلام يعلن عن شئ أو يقرر " ظاهرة " والمدونة آو تركيب الأحداث وترتيب أهمية هذه العناصر الستة يكون كالتالي : الحدوتة ( هي البداية ؛ وتماما كما كانت روح التراجيديا ) الشخصيات والفكر واللغة الصوتية والترنيم والفرجة الأربعة الأول يمكن اعتبارهم
بشكل لا يقبل الجدل ك " عناصر شفوية بيننا الآخيران
يمكن اعتبارهما " زخارف . الترنيم أو الغناء " هو أهم تلك الزخارف " والفرجة على العكس من ذلك فهي شئ جاذب وان كان بعيدا عن الفن والأقل تعلقا بالبشرية فقوة التراجيديا توجد أيضاً دون عرض وبلا ممثلين . إضافة إلى ذلك بالنسبة لإخراج العروض يكون الفن الذي تصنعه الأشياء أكثر أهمية من الشعراء "
(أرسطوطاليس ١٤٥٠ق ١٧-٢١)مقتبس في المرجع السابق نفسه ، ص ٣٣)
" المسرح المعاصر في أكثره يمنح النص أهمية ثانوية ليقدم عليها الأهمية القصوى للنص المسرحي "
( جاريدو جايارو Garrido Gallardo 1988-.15
الحكي بين مركزية الكلمة ومركزية المشهد
مركزية الكلمة: Logocentrica وهي رؤية كانت تسيطر علي الفكر المسرحي حتى نهايات القرن التاسع عشرً، ولا تزال تواصل بقوة حتى اليوم ، وتعتبر عمل الشاعر ، النص النص المكتوب كعنصر أول ومستقل وأساسي في الفن المسرحي ، والذي يحتوي على معناه الرئيسي لمعنى الأداء التمثيلي وروح العمل .
أما الفرجة على العكس من ذلك تفهم على أنها تعبير سطحي وخفيف حسب العمل الأدبي وخاضع له ، كما لو كان شيئا يضاف إليه بعد إبداعه ويكسو العريًالمبدئي لما هو شفاهي بملابس جذابة وجود هامش محدد بتشوهات وحدود الجسد .
( راجع باتريس بافيز ، ١٩٨٠-٥٠٥-ئ٦) مقتبس في المرجع نفسه ،ص ٣٤)
مسرحة الأسطورة
- من حكي إلى محاكاة ومن حكي إلى حكي -
الأسطورة حكي وصفي وتشخيصي مسرود لخرافة أو لحدوتة بلا حدود ؛ محمولة على جناح جمعي يطير عبر العصور محلقا تحليقا أثيريا يتجاوز الزمن ماضيه وحاضره ومستقبله؛ على الرغم من أن قصدية استعادتها في الحاضر من خلال فنون الحكي تستهدف خدمة الحاضر نفسه
- يتبع -
0 التعليقات:
إرسال تعليق