صناعة المعادلات الجمالية ( ضوء ) عرض مسرحي لفرقة مسرح الطائف / ابراهيم الحارثي
مجلة الفنون المسرحية
في مهرجان الرياض للمسرح عُرضت مسرحية ضوء و هي من تأليف العراب الأستاذ فهد ردة الحارثي و إخراج أستاذنا الكبير أحمد الأحمري و تمثيل الفنان بدر الغامدي و الجميل عبدالوهاب الأحمري و في الإضاءة كان هناك عبدالله دواري
حسنًا، كنت قد قرأت نص العراب قبل فترة، و أعدت قراءته مرارا باعتبار أن التجربة السعودية في كتابة النص المسرحي تبدأ من فهد ردة، لأنه يعمل باتجاه مشروع جمالي و فكري و مسرحي واضح و حقيقي، و هذا أمر عظيم باعتبار أن تاريخ المسرح السعودي الحديث يبدأ فعليا من المشروع الجمالي الذي أسسه و بناه و دعمه و أرسى قواعده العراب.
عند قراءة النص كنت أحاول تخيل الفضاء، و أقترح العديد من الأشكال في ذهني، و أحاول تسخير الممكن في اللغة لفهم الرموز و الدلالات التي تتحرك في هذا النص بشكل واضح، أعرف أثر اللغة التي يستخدمها العراب علي أنا شخصيا و أعرف سطوتها على روحي، بل أعتبر كل جزء في هذا النص يُعد فعلا دراميا و محركا أساسيا للحدث الذي يتحرك في عدد من الاتجاهات
عند قراءتي طرحت على نفسي سؤالا مهما، هل هذا النص امتداد لنصوص الحالة البحثية التي يعمل عليها العراب، أم أنه نص مستقل بذاته يتحرك وفق مؤشرات ( النحت ) في المشروع الفكري و الاشتغال الأدبي العظيم الذي يجعل فهد ردة اسما مسرحيا مهما لا يكتب إلا نصه و رؤاه متسلح بخبرة بصرية هائلة، ومقدرة مسرحية مجنونة من خلال معرفته الجيدة بجميع اتجاهات الكتابة المسرحية و تسخيرها لتكون ملائمة لاستنطاق فكرته و ترتيب هوية النص من أجل الوصول لمشتركات تستطيع أن تكون نوافذ للفعل البصري على خشبة المسرح.
النص لمعادلة ( بشرية ) مجهولين ( س ، ص ) ينفصلان عن بعضهما جسدا و يتقاربان فكريا، شخوص النص جاءت بقيم و اتجاهات مختلفة و لها شكلها البياني الصاعد، و الذي يتحرك بتحرك الفعل الدرامي الذي قدم من خلال تصور للفضاء الفقير من كل شيء إلا من فلسفة ( الفراغ و الكتلة ) يبدأ الصراع على المكان و المصادر التي تجعل الحياة صالحة لأن تجعلنا نعيش، تركض الأسئلة من حولنا، أسئلة تتصل ببعضها من أجل تحقيق مستهدفات التلقي لتعبر عقلك و تصبح أن شريكا في عملية التواصل الحسي عبر قنواتك الفكرية و تصبح أيضا شريك ضمن فضاء العرض الذي تدور فيه الأحداث.
"يتعلق المسرح العظيم بتحدي طريقة تفكيرنا وتشجيعنا على تخيل عالم نطمح إليه" هذا بالضبط ما جعلني أدركه تماما، أنا أمام كاتب عظيم لا يستمد المسرح إلا من نفسه و أمام عرض يبني محطات التلقي بصورة مميزة ويقحمك في الركض في مضمار التنويع ( البصري – الصوتي – الفكري – الجمالي ) لذا لا يمكننا أن نخضع النص لأي اتجاه مسرحي إلا حين نفهم رموزه و دلالاته و نفهم الثابت و المتحرك ، المتجدد و القديم، في هذا التيار الفكري الموغل في الجمال
منذ اللحظة الأولى للعرض منذ تقاطعات القيم المجهولة ( س، ص ) و أنا اتحرك في عدة محاور ( نفسية ، سياسية، اجتماعية ) (وردت مقولة “الجحيم هو الآخرون” على لسان شخصية غارسان في مسرحية سارترالمعنونة بـ«الأبواب المغلقة» أو «لا مفر»، كما وردت في ترجمتها الإنجليزية، ومن ضمن ما يُفهم من هذه المقولة أن الآخر هو مصدر الشر والإساءة، وأنّ العالم كان يمكن أن يكون جنةَ لولا وجود الآخر فيه")
من هنا كانت الأسئلة تطاردني، وتفسرها الأداءيات على خشبة المسرح، عبر أصوات الممثلين انفسهم أو عبر جميع الأدوات التي استخدمها المخرج بما في ذلك حالة الهروب التي كانت بسبب جريمة قتل و حكم قضائي، وأفعال أخرى تتحرك في فضاءات التعاملات بين ( س ، ص ) و بين معطيات حل هاتين القيمتين المجهولتين اللتان تحركتا في الحدث بشكل لايمكن أن نفهمه إلا من خلال رصد جميع التحولات و الإشارات السيميائية في النص المكتوب أو حتى في بقية النصوص الموازية ( نص العرض ، الممثل ، المخرج ، النص البصري ) و حتى نستطيع فك الالتحام بين هذا كله أعتقد أن ( المتلقي الشريك ) يجب أن يعتمد على حالته الذهنية ومخزونه من ( الوعي ) و مقدرة التأويل لديه، و فهم طبيعة التنقلات ( العبثية، البرختية، الاحتفالية … ) و ان كانت تظهر بشكل يشبه ( الوميض ) إلا أنها كانت تعد بمثابة أدوات للتفسير وأجوبة للأسئلة الفلسفية التي طرحها العرض ليكتمل بعد ذلك كله صناعة الجماليات المشتركة بين العرض و المتلقي، و الذي بدا ظاهرا من خلال تعددية الأصوات والتكثيف اللغوي و البصري عبر محمولات واشارات العرض.
"يكرس التأويل عادة نوعا من الإسقاط العام بحيث أن الأحكام تأخذ سمة العام والموضوعي وتصبح أحكاما مطلقة، وبهذا يحقق الأدب عظمته، لكننا نعلم في ذات الوقت أن عالم الأدب هو عالم النسبية وغايته ليست تقديم ثوابت خاصة بالطبائع البشرية بل الكشف الرهيف عنها بعيدا عن الجزم والتأكيدات."
لذا يجب أن نقول بأن المسرحي السعودي، لا يمكن وضعه في حالته المحلية الخالصة، و لا حتى وضعه في شكل محدد، بل من المهم أن نقول بأن التجربة المسرحية السعودية و التي يمثلها هنا كتابة و رؤية صناع عرض مسرحية ضوء، هي حالة مسرحية مكتملة لا تشبه إلا نفسها و تستخدم جميع الممكنات المسرحية الفكرية و النقدية لتكون قائمة بذاتها، دون حدوث ( خلط ) لا يمكن تحليله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق