مسرحية قصيرة " الدَّوْكَةُ " تأليف بسام الحافظ
مسرحية قصيرة " الدَّوْكَةُ " تأليف بسام الحافظ
المشهد الأول
في مكان ..وعند زاوية يقف جمول مرتدياً بنطالاً فضفاضاً وقميصاً مزهر
فاقع الألوان يحدث صديقه الأفتل ، الذي يرتدي ثوباً يصل طوله حتى أسفل ركبتيه
ويضع عصابة على رأسه وعلى بعد منهما تقف فتاة ترتدي الملاءة ووجهها مغطى
بخمار .
جمول : (معاتباً بنزق ) أين كنت ؟ بحثت عنك في كل الأمكنة..قل لي عن جهتك
لأعرف ، وليهدأ بالي.. ( الأفتل يتفحص الفتاة )
الأفتل : أين سأكون جمول ! أخذت عائلتي بالسوزوكي نزهة ، وأحضرنا ثمار
المشمش ( يشيرجهة الفتاة ) من تلك؟!
جمول : دعك منها واستمع . هذه الفتاة ليست من هنا، وقد تقطعت بها السبل..
الأفتل : لم أفهم آخر الكلام .
جمول : ( ممتعضاً ويلتفت جهة الفتاة ويشير لها بيده أن تنتظر ) لأنك مشتت العقل
الفتاة ضاعت ووصلت حارتنا وهي تبكي ( يتأفف ) أين تريدها أن تذهب . نتركها
للذئاب الداشرة ، أمثال بنزين وتنباك ، وجاكسون ! علينا احتضانها وحمايتها .
الأفتل : جمول . من دون لف ودوران ، ماذا تريد مني ؟
جمول : نأخذها إلى بيتك وتنام عندكم ( يهمس ) وأنا لا يمكن أخذها إلى غرفتي
هل يعقل ذلك ( يرفع من حدة صوته ) ماذا يقال عني ! جاء أبو قرون وذهب أبو قرون .
الأفتل : لايمكن البتة .. وهل تقبل عمتك فاطمة أن تدخلها بيتها ؟!
جمول : وهل البيت لأهلها. مقيد باسم عائلة صايم الدهر ؟
الأفتل ( ممتعضاً ) يرحم والدك ، أنا متعب وجائع .. أخي كان شرط الموافقة على
زواجي منها ، وقبلت.. هذه أمها وهذا أبوها ..ماذا تريد ؟ ( يمر عاشور يحمل
أبريق ماء الوضوء وقد شمر عن ساعديه ، و يتحدث بصوتٍ عالٍ ولديه لازمة
يحرك فكه الأعلى )
عاشور : السلام عليكم .. لولا مخافة الله والحياء ياسيد جمول. لكللت وجهك برذاذ
بصاقي ( يهتز الأبريق فيخرج منه الماء ويصيب جمول والأفتل ) مبارك عليك .
من في هذا الزمن ، يفعل فعلتك ! تضع الشفرة بشق عود وتحلق شعررأسك الذي
جعلت منه مرعى للقُمل والصواب . قد تجرح فروة رأسك وتصيبك الغرغرينة
وتفطس ، أوقد تصاب بالثعلبة فتحصد شعرك . ( معاتباً ) مما يشكو صالون الحلاق
عاشور الدنون ! ( بعصبية وحدة ) لوحة بقد الجحش . كُتب ( صالون عاشور
للحلاقة الرجالية.. جميع القصات الدولية ، وأفخر كولونيا فرنسية ) ..الآن . لم يعد
يعجب جمول وتابعه الأفتًل ..رحم الله أيام القُمل والصواب .والاستحمام في عتبة
الدار.. الآن عاشورصار كخة !
الأفتل : لا. عمي عاشور ، أنت حلاق الحي الأول والأخير .. جمول يحلق لنفسه
على طريقة جده الله يرحمه ، وعلى مقاس طاسة البافون .
عاشور : ( يلتفت فيشاهد الفتاة ) معكما فتاة .. عابرة سبيل ، أم من كهف ( التنور
الملتهب ) راقصات شيخ ( الحجيات ) خاليدو لعاب الصناجات ؟!
جمول : داهمها الليل وهي تبحث عن بيت خالتها (دعد الجابر) أمام بيت أخي الأفتل
ودفعاً واسكاتاً للقيل والقال لعدم استضافتها لأنها تقف أمام بيت الأفتل ، الذي وافق
دون أكراه ، وهذه أمها وهذا أبوها .
عاشور : مستحيل . لم اسمع بهذا الاسم . طلبتما وضع علم وخبر عند المساعد
عناد ( يهتز الأبريق بيده فيتناثر الماء ) ورب الكعبة إن لم تقدما ذلك للمساعد
سينظم الضبط بحقكما بجرم الخطف، وربما بجرم ذاك الفعل ، أو بيت الأفتل ،
رقصني يا ولد ..السلام عليكم (يتابع طريقه وهو يدمدم ) وجوب إعلام قسم الشرطة
، في الساعة والدقيقة ، أو إبلاغ المختار داموك .. القانون لا يحمي الأفتل ومن هم
على شاكلته .
الأفتل : بسرعة جمول. إلى بيتنا ..هاتها ..
المشهد الثاني
في القسم .. المساعد عناد وعاشور .. المساعد يتكلم بهاتف القسم ..
عناد : من أين هبطت على بيتي كمية اللحم يا أم العيال ..أليس من حقي معرفة
المناسبة ؟ وماهي نوعية اللحمة . خروف وردي ، ولا نعجة هرمة ومخنوقة ؟ من
بيت حاتم الطائي .. طهور ولده..على فريكة.. ولا فاصولياء يابسة وبجانبها ..
( ينظر إلى عاشور ويشير بيده )
عاشور : ( يهمس ) باميا .. مع فليفلة حادة ولبن رائب..( يغلق عناد السماعة
ويلتفت جهة عاشور ) وخبز تنور.
عناد : طاريها منقود . وصلتنا طعمة من جيراننا .. تفضل أخي عاشور . هات ما
عندك من أخبار تسر الصديق وتغيض العدى .
عاشور : ( يهمس ) قرب بيت الأفتل ، شاهدت أنثى (قل للمليحة في الخمارالأسود)
فتاة بكر ، متزوجة ، لست أدري ، ومعهما جمول. الملقب ( الصهيوني ) وكأنهما
يخططان لفعل فعلة منكرة .
عناد : وماذا يفعلان والليل قد عسعس . وبدأ دبيب الأفتل ، وما أدراك من
الحشرات الضارة التي ترافقه !
عاشور : يقال ، بأنها ضائعة وتبحث عن بيت خالتها ( دعد الجابر) لتبيت ليلتها .
عناد : ولماذا لم يصلني العلم والخبر اليقين ( يفكر ) قد تكون .. كلمتها. سألتها ؟
عاشور : لا. كانت تقف على بعد من جمول والأفتل وهي محتشمة ، وقد نبهتهما أن
يخبراك فوراً ..وماعلى الرسول إلا البلاغ ( يتهيأ للمغادرة ) قلت لهما حذاري أن لا
تخبرا المعلم عناد . فهو ليس عنده يا أمي ارحميني ، يده والصفع الموجع ، وهو من أبطال ( البكسنك )
عناد : الصباح رباح يا جمول الكلب .. نساء ، وشعر رأسك مثل عرف الديك !
أخي عاشور. قل لصطوف أن يضبط أقوالك بصفة فاعل خير ، حفاظاً على سمعتك
ومكانتك في الحي .. يارجل . أنت من وجهاء الحي ، والصديق والرفيق المحترم .
عاشور : ( يهمس ) ربما تتزنر بحزام ناسف ؟! .. أقول ربما ، أو تخفي داخل
عبها عبوة ناسفة( يغادر ) السلام عليكم سيدي .
عناد : كل شيء وارد .. ورب العرش العظيم ، لألعبن بك ( فوتبول ) يا جمول .
المشهد الثالث
في مكان .. جمول وبنزين وقد أخذا شكل المناطحة.. ويمسكان بتلابيب بعضهما..
على بعد منهما يقف الأفتل يحمل عصا ثخينة .
بنزين : وهل فكرت قبل أن تريد منازلتي يا بن السعلاة ..! أنت تعرف تماماً من هو
بنزين .. اترك قميصي واذهب للعب بالصياح ، وخذ معك تابعك الأفتل .
جمول : فكرت كثيراً ياولدي ، وسأجعل منك ذاك المفقود .. المفقود . تعتدي على
فتاة غريبة ظلت طريقها ، ونداح الليل وهي تبحث عن مأوى .. ( هما في حالة دفع
بعضهما بجبهة كل منهما " صراع الديكة " )
بنزين : نشأت في الشوارع ، وفعلت كل ماهو خطأ ، ولكني لم ولن أقترب
للنساء..الأنثى أمي وأختي وجارات البيت.. قل غير ذلك حتى أصدقك .من الذي
عشق الراقصة " سماهر " واتهمني بسرقة حقيبتها من غرفة ملابسها ، وحل
الخلاف الشيخ " خاليدو " حفاظاً على سمعة ملهى " التنور الملتهب " ألست أنت ؟!
جمول : أعرف ذلك عنك . أنت تحايلت على فتاة تدعى سعودة الحسينو ، بحجة أن
تؤمن لها عمل شغالة في بيت قريبك وهربت.. هي في بيت الأفتل . وما أدراك ما
الأفتل ! عابر نهر الفرات سباحة حتى نهر دجلة .
بنزين : الملتحفة .. هي عندكم ؟! الأفتل : ( يهش بالعصا مستعرضاً قوته ، ضاغطاً لسانه بأسنانه ) وتتناول طعامها
.. كيف سولت لك نفسك أن تسلبها مالها ، وهي على عتبة بيتي ( يتساءل) وبيت
من ؟ بيت الأفتل ، الذي لا تتجاسر الذئاب المرور من أمامه ، ( بحدة ) والآن تمر
الكلاب وتتبول على جدار بيته !
بنزين : حرر رقبتي يارجل ..( يبتعدان عن بعضهما ) لقد ضيقت الخناق وحبست
الهواء. الملتحفة استوقفتني ، ولم يُؤكد لي إن كانت فتاة أو امرأة ، وطلبت مساعدتها
وكانت ترتجف خوفاً ، فقد سرقها أحدهم وهي داخل الباص الداخلي المزدحم بأمة
الناس ، واشفقت عليها ونقدتها والله بألف ليرة ، وافترقنا..الله وكيلك .
( يحضر المساعد عناد .. وحين يبصره الأفتل يجعل من العصا عكازاً ويتوجع )
عناد : ما شاء الله .. ماشاء الله . مخفر قطاع خاص . مؤتمر قمة ( يخاطب جمول )
تحمي مشردة يا متشرد ! وتأخذها لبيت الرقيع الأفتل ..(سعودة الحسينو)عند
الزملاء بجرم التسول ( يخاطب بلبل ) تتوجع أيها الوضيع ، والذي يُخرج الحي من
الميت ويُخرج الميت من الحي لأجعل منك ( كفتة نيئة ) وكما يقولها أهل الجزيرة
( كبة نيئة ) الحساب في المفرزة .. بكل هدوء وأدب . نذهب إلى القسم لنشرب
الشاي ، واليوم نقعد ونتفاهم .. بساط أحمدي ، ونرفض بساط الريح ،وننزع
الاعتراف مثلما ننزع الشعرة من العجينة .. أخي . كسرنا العصا وطردنا الراعي ،
فيها شيء من الغلط . أمانة الله فيها شيء من الغلط ؟!
بنزين : ( يقاطعه ) سيادة المساعد. والله لم أر وجه قل للمليحة (يقاطعه عناد )
عناد : ستقول لي ، لا علاقة لك .. هذه هي السمفونية التي تُعزف في القسم وكنت
في ملهى شيخ الحجيات " خاليدو " تدوزن الآلات للفرقة الموسيقية ، تطقطق
(بالصناجات ) تعالوا لنسهر في القسم على صوت الطقطقة با لصناجات وبأصابع
العازف بنزين ، ونستمع لصوت سيدة الغناء أم كلثوم ، وسعودة الحسينو سنُركبها
عصا العجوز الشمطاء وتغادرنا حرة طليقة صوب قريتها ( دير حافر)هناك،حيث
خيمة أهلها على أطراف البلدة .. جماعة الشيخ خاليدو..
( وقبل أن يغادر الجميع برفقة المساعد والأفتل يتوكأ على العصا بثقل ويتوجع
كلما يدق الأرض بالعصا وبعصبية وهويدمدم .. )
الأفتل : ( بحسرة ويزفر ثم يرفع من حدة صوته وداعياً ) من لا حظ له يعضه
الكلب وهو على ظهر البعير ، وياليت حافر بغلٍ يفتت فمك مع أسنانك يا جمول ..
عناد : إلى ( اللاندروفر) وهناك جماعة ( الكومندس ) ألم تحسبوا لي حساباً .. ألم
تفكروا ولو نتفة ، لووقعنا بيد المساعد عناد خيال (الصكلاوية ) ماذا سيفعل بنا ؟!
إلى فرقة المداهمة .. بسرعة ، وأنا أخو أختي ( يغادر الجميع )
ستار
0 التعليقات:
إرسال تعليق