مسرحية : الكرسي (مسرح شارع ) *تأليف :عمار سيف
مجلة الفنون المسرحية
 |
| الكاتب عمار سيف |
الشخصيات:
1.صاحب الكرسي
2. المهرج
3. العامل
4. الشاب المثقف
5. الموظف الحكومي
6. الناشط الثائر
7. الجمهور
المكان
شارع مزدحم يعج بالحركة والصخب. يتنقل الناس بشكل عشوائي بين الباعة وأصوات السيارات والأحاديث المتداخلة. في منتصف الشارع، يظهر كرسي خشبي قديم، يحيط به صندوق صغير يحتوي على نقود وأغراض بسيطة. الضوء المسلط على الكرسي يثير فضول المارة. يدخل “صاحب الكرسي”وهو يحمل صندوقه تحت ذراعه، ينظر حوله بتركيز، وينادي على الناس ليقتربوا منه)
صاحب الكرسي : (بصوت مرتفع، يتحرك بين الجمهور)
أيها الناس! تعالوا وامظرو أيها الناس هل ضاقت عليكم الدنيا؟
هل تراكمت الهموم؟ هذا ليس كرسيًا عاديًا!هذا كرسي العجائب!
اجلس عليه، وستكتشف قوتك!
(يتوقف أمام شخص في الجمهور)أنت! هل تشعر أنك محاصر؟
اجلس هنا،وستشعر وكأنك تملك العالم بين يديك!
(يتوجه إلى شخص آخر بحركة مسرحية واضحة) وأنت! هل
ستتردد؟ اجلس، وستكتشف نفسك!(يتحرك إلى آخر بحماسة)
وأنت! هل الطريق مسدود؟ هذا الكرسي سيمنحك القوة التي
تبحث عنها! اجلس عليه وستشعر أنك تمتلك مفاتيح النجاح!
(يتنقل بسرعة بين آخرين)هل تشعرون أنكم عالقون في دوامة
الحياة؟ هذا الكرسي ليس مجرد خشب! هذا هو مفتاحكم!
سترون كل شيء بوضوح، سترون ما كان مخفيًا عنكم طوال
الوقت! (يقترب من شخص يبدو مترددًا) هل تترددون؟
اجلسوا، ولن تندموا!
(يراقب تفاعل الجمهور، ثم يدعو أول من يجلس عامل بسيط )
تفضل، أيها الشاب المرهق! أنت أول من سيكتشف قوة هذا
الكرسي! اجلس هنا، وستخف كل همومك، ستتحرر، ستكشف ما
في قلبك!
المهرج : (يقترب وهو يضحك) أوه، أوه! هل هذا الكرسي يحتوي على
تذاكر مجانية لأماكن لا أحد يعرفها؟ هل ستكون هناك مفاجآت؟
لأنني أحب المفاجآت! (يتنقل بسرعة بين الجمهور، يقفز حول
الكرسي) ماذا إذا كنت على وشك أن أكتشف أنني لا أحتاج هذا
الكرسي؟! سأجلس وأكشف عن أسراري، لكن من يضمن لي
أن هذا الكرسي سيعيد لي حقيبتي المفقودة؟
العامل : (بتردد) لا أدري… ربما هي خدعة منك أو من هذا الكرسي
الغريب. كيف يمكن لكرسي كهذا أن يغير أي شيء؟ يبدو كل هذا
بعيدًا عن الواقع.
المهرج : (يمسك برأسه، يتظاهر بالدهشة) أوه، أوه! يقول “خدعة”! هل ه
هذا معناه أنه سيصبح سحرًا؟ أو مجرد كرسي لتهدئة الأعصاب؟
صاحب الكرسي: (بابتسامة ماكرة) أنت لا تدفع سوى بحقيقتك. اجلس، ولن
تخسر شيئًا سوى أفكارك. الكرسي هنا ليكشف لك ما يخفيه
قلبك، فلا تخشى أن تكتشف نفسك!
العامل : (بتردد) سأجلس لأرى.
المهرج : (يضحك):هل تحاول أن تصبح عبقريًا الآن؟! لأنني هنا لاكتشاف
“إينشتاين” الجديد!
صاحب الكرسي: تفضل أيها الشجاع
(العامل يجلس على الكرسي ببطء. فجأة، يتغير تعبير وجهه،
وكأن شيئًا ما يدفعه للكلام، دون وعي، بصوت متقطع يزداد.
قوة)
العامل: أعمل منذ أن تشرق الشمس، حتى يبتلعني الليل، كل يوم أطارد
حلمًا يتلاشى أمامي، وعدوني بالعدل لكنني لم أجد سوى أكاذيب
تلتهم الحقيقة، وخوفًا يأكل ما تبقى من قلبي. أمي هناك تصارع
المرض، وأنا هنا أصارع العجز. المال؟ الوقت؟ يسرقني دون
رحمة. أين العدل في هذا؟ أين الحياة التي وُعدنا بها؟ نحن
الضعفاء، لا مكان لنا في هذا العالم سوى الضياع.
(ينهض فجأة، وكأن وعيه عاد إليه، ينظر حوله بدهشة وخوف)
ما هذا؟! ما الذي قلته؟ كيف خرجت كل هذه الكلمات من داخلي؟!
المهرج : (بضحكة عالية) أوه! خرجت الكلمات! هل ستعود؟ هل تملك
الزجاجة مرة أخرى لتضع فيها كل هذه الأفكار؟ لأنني أريد أن
أكتبها في مذكراتي!
صاحب الكرسي:(للجمهور) رأيتم؟! الحقيقة خرجت، ليست في الكرسي، بل
داخله. من التالي؟ هل من شجاع ليواجه نفسه؟! (يبحث في
الجمهور) أين أصحاب الكتب والأقلام؟ أين المثقفون الذين
يتحدثون عن الثورة والتغيير؟ (يشير إلى الشاب المثقف)
أنت؟ تبدو حكيمًا… هل لديك الشجاعة لتجلس؟
المهرج : (يسخر) آه! الحكيم! هل ستجلس يا حكيم العصر؟ أريد أن أرى
كيف سيُكتب تاريخ اليوم بعد أن تجلس! هل ستخرج فكرة جديدة؟
أم ستحاول أن تكتب عن الكرسي الذي يعيد تشكيل العقول؟
( المثقف يتقدم بخطوات مترددة، يحمل كتابًا في يده، ينظر إلى
الكرسي بتفحص)
المثقف : (ساخرًا) سحر؟ أم مجرد حيلة لإثارة عواطف العامة؟ الكرسي
مجرد خشب قديم، وأنت مجرد بائع للوهم.
المهرج : (يقترب منه مبتسمًا) أوه، أوه! هل نحن في عرض سحري؟!
أعتقد أنني سأجلس، فقد أحتاج إلى بعض من هذا السحر لتغيير
أفكاري المزدحمة!
صاحب الكرسي : (بهدوء):إذا كنت حقًا تؤمن بالعلم والفكر، فلا تتردد، اجلس
ودع عقلك ينطق بما أخفته عنك الأيام، هنا ستواجه نفسك،
وسترى الحقيقة كما هي بلا أقنعة.
المهرج : (مقاطعًا) أعتقد أن هذا هو الوقت المثالي لفتح “كتاب الحقيقة”!
لكن أعتقد أنني بحاجة إلى كرسي مريح لأول مرة!
المثقف : كنتُ أظن أن الثقافة هي الحل، ولكن الآن أصبحت الكلمات مجرد
خوارزميات، والأفكار سرقها الذكاء الصناعي.
(يتوقف، ينظر إلى الكرسي بدهشة، بصوت متقطع) كيف
أصبحتُ أكتب وأخرج نصوصًا بلا روح؟ كيف أضعتُ نفسي بين
السطور؟ السرقة لم تعد تقتصر على السياسيين فقط، بل أصبحت
حتى من المثقفين أنفسهم، الذين يسرقون أفكار بعضهم البعض
تحت سيطرة الذكاء الصناعي، الذي يعيد تشكيلها بلا عمق أو
صدق. الثقافة أصبحت سلعة، والفكر أصبح بلا قيمة. من يملك
اليوم الكلمة الحقيقية؟ من يملك الفكرة الأصلية؟
(ينهض من الكرسي مرعوبًا، بصوت متقطع) ما الذي حدث؟
كيف خرجت هذه الكلمات مني؟! هذا الكرسي كأنه كشف ما
كنت أخفيه حتى عن نفسي!
المهرج : (يضحك) يا إلهي! يبدو أن الكرسي ليس فقط للكلام، بل لعقلك.
أيضًا! هل يستعد كل واحد منا الآن للكشف عن نفسه؟
صاحب الكرسي : (يبتسم بهدوء)هذا هو كرسي الحقيقة، ما سمعته الآن هو
صوتك أنت، كلماتك التي خبأتها طويلاً. لا أحد أجبرك عليها…
كانت دائمًا هناك، خرجت من فمك كي تكشف عنها عندما حان
الوقت (للجمهور) ماذا عنكم؟ من سيجلس الآن؟ (يشير إليهم)
أنت؟ أم أنت؟ أعتقد أنك!
المهرج : (يقفز ليصعد على الكرسي) ماذا عني؟ أعتقد أنني بحاجة للكشف
عن كل أفكاري المخبأة هنا! هل يمكنني أن أكون أكثر وضوحًا؟
أو ربما أنا فقط أحتاج إلى جلسة مع نفسي أولاً!
(في هذا الأثناء يدخل موظف حكومي وهو يحمل حقيبة كبيرة،
يبدو مشغولًا، يتوقف فجأة عند رؤية الحشد)
الموظف: ما الذي يحدث هنا؟ من هذا الرجل وما هذا الكرسي الذي يتحدث
عنه الجميع؟
المهرج : (للموظف بحركة مشبوهة) مرحبًا بك، سيدي! هل جئت
لتكتشف حقيقة جديدة؟ أو يبدو أنك هنا لتدوين كل شيء!
(يتظاهر بأنه يكتب في دفتر صغير)هل تكتب تقريرًا سريًا
عن هذا الكرسي؟ (يرتفع حاجباه وهو يرمق الموظف)
لا تقلق، يا سيدي، نحن جميعًا هنا نبحث عن الحقيقة… لكن
ربما تكون أكبر من تلك التي يكتبها المخبرون!
صاحب الكرسي: مرحبًا بك، سيدي! تفضل، اجلس على الكرسي، وستكتشف
الحقيقة… أو ربما حقائقك أنت.
الموظف: (بتردد، ثم يتخذ قرارًا) حسنًا… سأجلس. لكنني لا أؤمن
بالخزعبلات.
(يجلس ببطء، ثم يبدأ وجهه بالتغير. يبدأ بالكلام دون وعي)
أعمل في مكاتب باردة، أوقع على أوراق لا أؤمن بها، أتابع
إجراءات لا تمس الحقيقة، أرى الفساد يسري في كل مكان،
لكنه أكبر مني، وأنا مجرد قطعة في لعبة لا أفهمها، أرى
الظلم لكن لا أملك القوة لتغييره، كل يوم أختار الصمت لأنني
أخشى فقدان ما تبقى لي من حياة هادئة، لكنني لا أستطيع أن
أنكر… أنا جزء من آلة ضخمة تسحق الجميع، وأنا جزء من
هذه الآلة… على الرغم من كل شيء.
(تبدأ همسات الناس تنتشر بينهم، يتبادل الجميع نظرات
متفاجئة، وكأن كلمات الموظف قد تركت أثرًا عميقًا في
نفوسهم)
المهرج : (ينظر له بجيدة) أوه، لا! هل سقطنا جميعًا في هذه الآلة
الكبيرة؟ وأين الحل؟ هل هذا هو الحال الذي يجب أن نعيش
فيه؟!
( ناشط، الذي كان يراقب من الخلف، يتحرك فجأة نحو الكرسي
بخطوات غاضبة، كأنما لا يستطيع تحمل الصمت الذي يعم
المكان)
الناشط : (بصوت مرتفع) كفى! كفى من اللوم على العالم، تتحدثون عن
الظلم والفساد وكأنكم أبرياء منه، أنتم جزء من المشكلة.
المهرج: ( للناشط) أوه! لا تخف، يبدو أن هذا الكرسي هو الذي يملك
الحلول اليوم! لكن من منا يجرؤ على المواجهة؟
صاحب الكرسي : (بهدوء) بدون عصبية، تفضل، اجلس على الكرسي، وستدلي
بما في قلبك.
(يجلس الناشط بغضب، ويبدأ بالكلام.)
الناشط: (بصوت عالٍ، يملؤه الغضب والحماسة) نحن جميعًا خائفون!
نلقي اللوم على الحكومة، على الظروف، على كل شيء… لكننا
لا نجرؤ على الحركة! نختبئ خلف كلمات فارغة، خلف شعارات
لا تمثلنا. نعيش في وهم أننا نبحث عن التغيير، ولكننا نكتفي
بالحديث دون أن نفعل شيئًا! نحن ندور في حلقة مفرغة من
الوعود الكاذبة، حتى صار الخوف جزءًا من حياتنا! التغيير يجب
أن يبدأ منا، من داخلنا، لكننا لا نجرؤ أن نواجه أنفسنا!
(ينهض بغضب، يقترب من الكرسي كأنه على وشك تحطيمه. ثم
يتوقف فجأة ويواجه صاحب الكرسي.)
صاحب الكرسي : الكرسي ليس المشكلة، بل أنتم من أعطيتموه القوة. الحقيقة لم
تكن في الكرسي، بل كانت بداخلكم طوال الوقت.
(يعم الصمت في الجمهور) هل رأيتم هذا الكرسي مجرد خشب؟
الحقيقة لم تكن فيه. كانت دائمًا داخلكم… تنتظر أن تخرج.
السؤال الآن: هل ستتغيرون؟ أم ستعودون لحياتكم كأن شيئًا لم
يكن؟ القرار لكم
( يبدأ بالتفرق، كل شخص يغادر بصمت وحيرة. يبقى صاحب
الكرسي وحده.وهو جالس على الكرسي) حتى أنا… مجرد.
أداة في هذا النظام الكبير. أبيع الوهم، وأعيش في ظلاله. أقول
الحقيقة، لكن لا أحد يسمعها، ولا أحد يتعلم منها. نحن جميعًا
ندور في نفس الحلقة، نحاول الهروب من أنفسنا، لكننا عالقون
في هذا العالم الذي خلقناه بأيدينا.(يجلس ساكنًا على الكرسي،
وتبدأ الأصوات تعود تدريجيًا، تتداخل مع صخب الشارع.
الحركات تتسارع، لكن الكرسي يظل ثابتًا في مكانه.)
انتهت المسرحية
*العراق – الناصرية
كانون الإول - 2024
Ammarsaefsh71@gmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق