أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 8 ديسمبر 2025

مسرحية ( محاكمة شهريار ) تأليف محمود القليني.

مجلة الفنون المسرحية



 مسرحية (  محاكمة شهريار ) تأليف  محمود القليني.



                        الشخصيات : 

شهريار .........................الملك
شهرزاد ........................الملكة 
دنيا زاده .......................أخت شهرزاد .
تودد ............................وصيفة شهرزاد .
الوزير 
كبير الحرس 
قائد الجيش .
الطبيب 
حكيم الزمان .................خازن مكتبة القصر 
مراد كاظم ..............كبير سفراء المملكة . 
ورد شاه ................. صديقة شهرزاد
عمران شاه ..............أخو  ورد شاه .
السياف 
قاضي القضاة 
الزاهد العجوز 
جواري القصر




                                      المشهد الأول .

في مخدع الملك ( شهريار ) ، جالسا على فراشه معصوب الرأس ، يحدق في الظلام حوله ، تدخل مجموعة من الجواري يرفعن الستائر عن النوافذ ، يضاء المكان ، وتضع جاريتان الضمادات وقناني الدواء على منضدة بجوار الفراش ، ويخرجن بدون إحداث صوت .
الطبيب : ( يدخل منحنيا أمام الملك ) صباح الخير يا مولاي .
شهريار : ( يجفل ) من أنت ؟!( متلفتا حوله ) وأين أنا ؟!
الطبيب : ( يقترب منه محاولا فك الضمادات من حول رأسه )أنا طبيبك يا مولاي .
شهريار : ( يدفعه بعيدا عنه ) ماذا ستفعل ؟!
الطبيب : ( مشيرا إلى رأسه ) أغير الضمادات وأعالج الجرح . 
شهريار : ( متحسسا رأسه ) أي جرح ؟!ماذا حدث لي ؟!
الطبيب : ( يضع الضمادات على المنضدة ) لقد سقطت من فوق جوادك أثناء رحلة الصيد وأصبت في رأسك ، ومنذ يومين وأنت نائم ولم تستيقظ إلا هذا الصباح .
شهريار : ( يقف متلفتا حوله ) منذ يومين وأنا نائم ( يتحسس الجرح ) سقطتُ من فوق الجواد ..كيف حدث ذلك ؟!
الطبيبب : ( مقتربا منه ومحدقا في عينيه ) ألا تتذكر شيئا مما حدث لك يا مولاي ؟!
شهريار : ( متحيرا ) كيف..؟! أني أتذكر ..
الطبيب : ( يربت على يده ) ماذا تتذكر ؟
شهريار : ( يقف ويدور حول نفسه واضعا يده على جبينه مندهشا  ) لا شيء..أنا لا أتذكر شيئا !
الطبيب : ( مندهشا ) ألا تتذكر حادثة سقوطك من فوق الجواد ؟!
شهريار : نعم ، أتذكر أنك قلت هذا منذ قليل .
الطبيب : دعك مما قلتُه ، ألا تتذكر الحادثة أو ما قبلها ،لقد خرجت ومعك حراسك كعادتك لتصطاد في الغابة و..
شهريار : ( يعود للجلوس على فراشه ويدق بإصبعه على جبينه ) عقلي كصفحة بيضاء خالية من أي شيء . 
الطبيب : ( يمد يده ، يزيل الضمادات من فوق رأسه ) هذا من أثر سقوطك .
شهريار : ( يمسك يده مذهولا ) لمجرد سقوطي لا أتذكر أي شيء ؟!
الطبيب : ( يضع ضمادة فوق الجرح ) الجرح غائر يا مولاي !
شهريار : ( مندهشا ) وما علاقة الجرح بما أنا فيه ؟! 
الطبيب : الذاكرة كالكتاب ، جاءت الحادثة وأطاحت بالكتاب بعيدا عن ناظريك .
شهريار : أو مزقتْ كلَّ صفحاته .
الطبيب : هذا هو الفرق بين الكتاب والذاكرة ، الذاكرة لا تمحى أبدا ، قد تتوارى ، تختفي بعض الوقت ولكنها موجودة .
شهريار : ومتى سيعود الكتاب ..أقصد الذاكرة ؟!
الطبيب : ( يحكم من وضع الضمادات على رأس الملك  ) ربما الآن قبل أن أغادر المكان ، وربما بعد أسبوع أو شهر أو سنة .
شهريار :( يمسك يده محتدا ) أو لا تعود أبدا .
الطبيب : ( يتجنب النظر إليه ) هذا شيء نادر الحدوث يا مولاي .
شهريار : ( يضرب بيده المنضدة ) ولكنه قد يحدث !
الطبيب : ( يرفع الضمادات وقناني الدواء التي سقطت) قد يعود كل شيء إلى سابق عهده إذا تم شفاء الجرح .
شهريار : ( يسير بخطوات متعثرة في المكان ممسكا رأسه بيديه ) قلت لي إن الذاكرة لا تمحى و ..
الطبيب : ( متحمسا ) نعم يا مولاي ويمكنك أن تعيدها وتتذكرها .
شهريار : ( مشيرا إلى صدره مندهشا ) أنا ..كيف ؟!
الطبيب : حاول أو تتذكر ولو شيئا بسيطا كل يوم و .
شهريار : ( مشيرا إلى رأسه ) كأن بيدي أن أعيد ما فقدتُه وأتذكر ما نسيتُه ؟
الطبيب : أحيانا ينسى الإنسانُ أمورا ما بإرادته .
شهريار : ( ساخرا ) ويتذكر بإرادته !
الطبيب : بالضبط يا مولاي .
شهريار : ولماذا ينسى بإرادته ؟!
الطبيب : ( متحرجا ) أمور ما كان يجب أن يفعلها ، وينجح في محاولة نسيانها وينسى معها أمورا كثيرة .
شهريار : ( يجلس على الفراش مفكرا وكأنه  يحدث نفسه ) وهل فعلتُ أمورا بشعة تستوجب النسيان ؟!
الطبيب :  لا يا مولاي و ..
شهريار : ( مقاطعا ) المهم ماذا سأفعل الآن إلى أن يتم استرجاع ما فقدتُه ؟!
الطبيب : لا أفهم ما تقصده يا مولاي !
شهريار : ( يدور حول نفسه في المكان ) كيف سأتعامل مع من في هذا المكان وأنا لا أعرف عنهم شيئا والأهم عن نفسي .
الطبيب : أنت ملك تلك المملكة .
شهريار : ( مشيرا إلى ما حوله ) وهذا القصر .
الطبيب : به الحاشية من وزراء وعبيد وجواري وحراس .
شهريار : وماذا أيضا ؟
الطبيب : جلالة الملكة شهرزاد .
شهريار : ( متعجبا ) من شهر زاد تلك ؟!
الطبيب : إنها زوجتك ، كنت أتخيل أنك تنسى كل شيء إلا هي !
شهريار : ( مندهشا ) ولماذا إلا هي ؟!
الطبيب : لأنها ..
شهريار : ( مقاطعا ) أريد أن أعرف كل شيء عن هذا العالم .
الطبيب : في القصر مكتبة عظيمة يا مولاي ، كل شيء مكتوب ومسجل .
شهريار : ( ساخرا ) أقول لك أريد أن أعرف تقول لي كل شيء مكتوب ومسجل !
الطبيب : ( مستدركا ) عفوا يا مولاي ..يوجد خازن للمكتبة يدعى ( حكيم الزمان ) ما عليك إلا أن تسأله عن أي شيء في المملكة وهو سيجيبك على الفور .
شهريار : وهل هو حكيم فعلا ؟!
الطبيب : هذا اسمه يا مولاي ، وإن كان يتصف بالحكمة ورجاحة العقل والتبحر في معرفة كافة العلوم ، وعكف على تكوين مكتبة القصر حتى أن جميع الممالك التي حولنا تغبطنا عليها .
شهريار : وما شأني أنا بحكيم زمانك هذا ؟! وما حاجتى إلى حكمته الآن ؟!
الطبيب : إلى جانب اتصافه بكل تلك الصفات هناك شيء هام لم أخبرك به .
شهريار : ( متضايقا  متحسسا رأسه) أكل الأطباء ثرثارون هكذا ، طالما هناك شيء هام لماذا لم تخبرني به منذ البداية ؟!
الطبيب : إن حكيم الزمان هذا هو المختص بتدوين وتسجيل تاريخكم المجيد منذ الجد الأول .
شهريار : ( ساخرا ) استمد معلوماتي من موظف من موظفي القصر ؟!
الطبيب : يا مولاي إنه ليس شخصا عاديا .. وكثيرا ما كنت ترتاد مكتبة القصر وتتحاوران 
شهريار : ( مقاطعا في حدة ) لست في حاجة إليه ولا لأحد من موظفي القصر . 
الطبيب : ( متحمسا ) إذن ليس أمامك إلا الملكة شهرزاد .
شهريار : ( مندهشا ) وما شأن شهرزاد بما نحن فيه ؟!
الطبيب : هي أفضل من تعيد إليك ذاكرتك يا مولاي .
شهريار : ولم هي بالذات ؟!
الطبيب : لأنك قضيت زمنا طويلا تستمع إليها  .
شهريار : ( غاضبا ) أجننت يا هذا ..زمنا طويلا أستمع إليها .. لماذا ؟!
الطبيب : ( متحيرا وكأنه يحدث نفسه ) حتى تلك أنت في حاجة أن تعرف الكثير عنها قبل أن تتقابلا .
شهريار : ( متعجبا ) أتحدث نفسك ..لا شك أنك جننت !
الطبيب : ( مفكرا ) يا مولاي شهر زاد الملكة ، ولابد أن تتقابلا ولا نريد أن نصدمها بأمر فقدك للذاكرة كلية ، على الأقل تعرف خطوة خطوة .
شهريار : ( مفكرا ) وبما تشير ؟
الطبيب : ستدعو حكيم الزمان للجلوس معك أثناء تناولك لطعام الفطور .
شهريار : ( مندهشا ) وماذا سيفعل ..هل سيأكل معي ؟!
الطبيب : سيحدثك عن كل من بالقصر وعن تاريخ المملكة .
شهريار : وعنى أيضا .
الطبيب : أظن سيكون كل حديثه عنك يا مولاي ، ولكن نسينا شيئا هاما .
شهريار : ما هو ؟
الطبيب : هل سنخبر من بالقصر بأمر فقدانك الذاكرة ؟!
شهريار : ( يمسك رأسه ) وهل أنا فقدتُ الذاكرة حقا ؟
الطبيب : أن شئت أن أجعله سرا بيني وبينك .
شهريار : لا تخفي شيئا ليعلم الجميع بما صرتُ إليه ..ألم تقل إن الذاكرة قد تعود إلي في أي وقت ؟
الطبيب : ( متحمسا ) قريبا يا مولاي يعود كل شيء إلى سابق عهده ( متجها نحو الباب ) سأرسل في طلب خازن المكتبة على الفور .
شهريار : ( ساخرا ) إنه ذاكرتي المؤقتة إلى أن تعود ذاكرتي ..هذا إن عادت !
إظلام . 
إضاءة . 
شهريار جالسا على المائدة  يتناول فطوره ، مصغيا إلى حديث (حكيم الزمان)  ،يشرب جرعات من الكأس ، ينهض ويسير خطوات في المكان مطرقا ، يلتفت إلى حكيم الزمان  .
شهريار : ( مشيرا إليه بيده ساخرا) هل انتهيت من كل كلامك ؟
حكيم الزمان  : ( منحنيا ) أجل يا مولاي .
شهريار : ( متعجبا ) وأين أنا من كل ما قلتَه ؟!
حكيم الزمان : (محدقا في ملامحه ) أنت عماد كل هذا ..أنت الملك شهريار يا مولاي .
شهريار : ( يمسك رأسه بيديه ) هل سقوطي من على الجواد  يجعلني أنسى كل شيء ؟! 
حكيم الزمان : الطبيب يقول أنها سقطة شديدة .وإنك ستتعافى إن شاء الله .
شهريار : ( يمسح جبينه ) وما شأن ؟! ما اسمه ؟
حكيم الزمان :( مضطربا ) شهريار الملك .
شهريار : إن أمره في غاية الغرابة والعجب .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) أمر من يا مولاي ؟!
شهريار : أمر شهرياركم هذا ..أليس ما قصصته يدعو للعجب ..أأنت واثق مما قصصته ؟!
حكيم الزمان : نعم يا مولاي .  
شهريار : (يتقدم منه ويدق على سطح المائدة ) وتقول إن ما ذكرتَه مسجلٌ ومكتوبٌ .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) أجل يا مولاي ، ومثبتٌ وموثقُ .
شهريار : وما دليلك أن ما هو مكتوب ليس أباطيل وأكاذيب ؟!
حكيم الزمان : ( مندهشا ) لماذا يا مولاي ؟!
شهريار : ( يعود إلى كرسيه مشيرا إلى رأسه) لأنه يخالف العقل .
حكيم الزمان : ( متحيرا ) أي عقل ؟!
شهريار : ( يدير الخاتم حول إصبعه ) ماذا تقصد ؟!
حكيم الزمان  : ( مذعورا ) عفوا يا مولاي أنا ..
شهريار : ( ينهض متجها نحو الشرفة ، ناظرا إلى السماء ، ثم يلتفت إليه  ) ماذا لو أمرتُ بإحراق كل الكتب في المملكة ؟
حكيم الزمان : سيعيد الكتابُ والمفكرون ما يمكن إعادة كتابته .
شهريار : وماذا لو أمرتُ بسجن كلَّ كتاب ومفكري المملكة ؟
حكيم الزمان : ستفقد المملكةُ ذاكرتها كما فقدتَ ذاكرتك يا مولاي .
شهريار : لنبدأ من جديد .
حكيم الزمان : والمرجع يا مولاي فيما نكتبه ونسجله ؟!
شهريار : اللحظة الحاضرة .
حكيم الزمان : لا تصلح .
شهريار : لماذا ؟!
حكيم الزمان : لأنها منفصلة عن السياق الزمني ، لابد من وجود ماضى ليكون الحاضر .
شهريار : أنا الحاضر .
حكيم الزمان : والماضي .
شهريار : لا قيمة له . بما يفيدني الماضي ؟!
حكيم الزمان : مستودع تجارب وخبرة .
شهريار : هذا للضعيف والعاجز .
حكيم الزمان : تحديد لهوية الإنسان .
شهريار : بل هو قيد يمنع الإنسان أن يتصرف بكامل حريته .
حكيم الزمان : كأنك سعيدٌ يا مولاي بفقد ذاكرتك ؟!
شهريار : لستُ مستاءً .
حكيم الزمان : وكيف ستتصرف مع من حولك ؟!
شهريار : أظن تلك مشكلتهم وليستْ مشكلتي .
حكيم الزمان : إذن مولاي يعترف بوجود مشكلة وأنت الذي أوجدتها .
شهريار : ( متعجبا ) أنا ! كيف ؟!
حكيم الزمان : لأنك أنت من فقدت الذاكرة وليسوا هم .
شهريار : من خلال حديثك عني وعنهم اكتشفتُ ألا قيمة لهم،  لا رأي و ..
حكيم الزمان : ( مقاطعا ) عفوا يا مولاي .ربما شعرت بذلك لأنك الملك .
شهريار : وهل كوني ملكا يجعلهم بلا قيمة ولا رأي ؟!
حكيم الزمان : أظن الملوك يسعون جاهدين لتحقيق هذا . 
شهريار : ولكني لا أسعى لهذا .
حكيم الزمان : لأنك لستَ ملكا .
شهريار : ( متعجبا ) لستُ ملكا !
حكيم الزمان : عفوا يا مولاي ..على الأقل في اللحظة الحاضرة ، فأنت فاقدٌ للذاكرة .
شهريار : ولكن من حولي يتعبرونني ملكا .
حكيم الزمان : ولكنهم لا قيمة ولا رأي لهم كما قلتَ .
شهريار : هناك أمرٌ يحيرني .
حكيم الزمان : ما هو يا مولاي ؟
شهريار : ( يقترب منه محدقا في عينيه ) حديثُك  وحوارُك معي ،  ليس حوارا بين مجرد خازن للمكتبة مع الملك هل فيما مضى كنتَ تحدثني بتلك الطريقة ؟!
حكيم الزمان : قليلا ..حينما كنت تتكرم بزيارة المكتبة ، وأحيانا كنت تضيق ذرعا حينما كنا نتحاور .
شهريار : ( متعجبا ) وفيما كنا نتحاور ؟!
حكيم الزمان : ( متحيرا ) على هامش موضوعات علمية وفلسفية و ..
شهريار : (مقاطعا في حدة ) أريد منك أمرا ، ولتنفذه على الفور .
حكيم الزمان :( منكسا رأسه ) سمعا وطاعة .
شهريار : أن تغلق مكتبة القصر ولا تفتحها إلا إذا أمرتُك .
حكيم الزمان : ( ينهض ) إن سمح لي مولاي بمغادرة القصر ؟
شهريار :( متعجبا )  لماذا ؟!
حكيم الزمان : لا مبرر لوجودي .
شهريار : لتبق ربما أحتاج إليك ( يستوقفه ) مع من  أبدأ بالحديث ؟
حكيم الزمان : (مفكرا ) أظن الأولى بذلك الوزير . 
شهريار : إذن أدعوه ليحضر .
حكيم الزمان : ( متعجبا ومشيرا إلى ما حوله ) وهل ستقابله هنا ؟!
شهريار : وما الذي يمنع ؟!
شهريار : ( مندهشا ) كل مقابلاتك مع رجال المملكة والمسؤولين كانت تتم في قاعة العرش في القصر .
شهريار : ( يمس على لحيته مفكرا ) رجال المملكة والمسؤولين ..لنبدأ بالوزير ..لك أن تنصرف الآن ، ( يستوقفه ) لا تنس أن ترسل لي عددا من الكتب التي كتبت عني .
حكيم الزمان : ( مذهولا ) هل مولاي  سيقرأ كتبا ؟!
شهريار : ( مندهشا ) وما في ذلك ؟! أهناك مانع يمنعني من ذلك  ؟!
حكيم الزمان : لا يا مولاي ، ولكنك لا صبر لك على القراءة ، ثم أنك طالبت بإغلاق المكتبة 
شهريار : ( متعجبا ) أأنا أمرتك بذلك ؟!
حكيم الزمان : نعم ،  منذ قليل أمرتني أن أغلق مكتبة القصر ولا افتحها إلا إذا أمرت بذلك .
شهريار : إذن أنا الآن آمرك بفتحها ، وأحضر لي الكتب التي طلبتها التي تتحدث عن شهرياركم هذا. 
حكيم الزمان : ( منحنيا ) سمعا وطاعة يا مولاي .
إظلام .  
إضاءة .
شهريار ووزيره .
شهريار : ( تاركا كرسيه في غضب ) قلت لك أكثر من مرة لا تحدثني عن القصص والحكايات ...
الوزير : ( يلاحقه مقاطعا ) لماذا يا مولاي ؟
شهريار : ( يعود إلى كرسيه مفكرا ) لأنها خيالٌ ووَهْمٌ . 
الوزير : ( ملاطفا ) وهل يمكن أن تخلو حياة الإنسان من الخيال والوهم يا مولاي ؟!
شهريار : ( يمس على لحيته ) أنا حياتي خالية من الخيال والوهم .
الوزير : ( مبتسما ) ربما يا مولاي لو سمحت للخيال أن يكون له مكان في حياتك لاستقامت أمور كثيرة . 
شهريار : ( متعجبا ) ماذا تقصد ؟!
الوزير : ( يقف في مواجهته ) يا مولاي ، الحياة جافة ومملة ، والإنسان يلجأ إلى الخيال مثلما يلجأ إلى منطقة ظليلة يستريح فيها ساعة ليستمد القدرة على تحمل أعبائها .
شهريار : ( مشيرا إلى رأسه ) تقصد أن القصص والحكايات هي الظل الذي يلجأ إليه الإنسان ليستريح .
الوزير : نعم . 
شهريار : ( محتدا ) وأنا أكره أن أعيش في الظل ، وأمقت القصص والحكايات مقتا شديدا .
الوزير : ( محدقا في عينيه ) البديل الاحتراق .
شهريار : الاحتراق أفضل من الجمود والتحجر ..أخبرني ما قيمة هذا الشخص الذي يعيش ويمضي لياليه مستمعا إلى خرافات وتراهات من امرأة خرقاء . 
الوزير : ( مذعورا ) مولاي الخرافات تلك قصص وحكايات فيها العبر والعظات ، وعفوا يا مولاي المرأة التي تتحدث عنها هي جلالة الملكة .
شهريار : ( يقف ويسير في القاعة واضعا يديه خلف ظهره ، ملتفتا إليه ) وما يدريني فلعل كل ما تخبرونني به محض خيال ووهم ،( مشيرا إلى رأسه ) فأنا ملك عُطبتْ ذاكرتُه بعد حادثة الصيد .
الوزير : ( مقتربا منه وهو يلملم العباءة حول جسده ) إذا كان كل ما أخبرناك به محض خيال ، ونحن أيضا مشكوك في أمرنا كما تقول مرارا فماذا عنك ؟
شهريار : ( متعجبا ) ماذا تقصد ؟!
الوزير : دع العالم كله من حولك ،ولنبدأ بك يا مولاي .
شهريار : ( ضاحكا متنقلا في أرجاء المكان واقفا في الوسط مشيرا إلى صدره ) أنا أكبر أكذوبة ، لستُ أكذوبة فحسب ، بل مأساة ( يعود إلى الجلوس ناظرا إلى السماء ) تقولون عني أنني ملك تدور حياته كلها حول القصص والحكايات ، عقله مسلوب كطفل أخرق يظن أن خيط دخان حقيقة فيحاول أن يمسك به ، ( يقف ويتقدم من الوزير ممسكا بكتفه ) لا شك أنكم كنتم تعاملون ملككم كطفل أخرق ، أو أقنعتموه بذلك ، أو اعتبرتموه سفاحا .
الوزير : ( يضع يده على فمه مذعورا ) لا يا مولاي قُطع لسانُ من يقول ذلك ، بل قُطع عنقُه . 
شهريار : ( يمسك  بكتفيه ويرجه رجا ) أخبرني ما معنى أن يدخل على عذراء كل ليلة ، ثم يأمر بقطع عنقها ، لماذا سمحتم بذلك ؟ ألم يكن منكم رجل رشيد يحاول أن يثنيه عن  تلك الرغبة المتوحشة ؟ وكيف كنتم تتعاملون مع ذلك الشخص الملوثة يده بدماء الضحايا البريئات ؟( يتركه ويعود إلى كرسيه رافعا يده )  أنا يجب أن أحاكمكم كلكم على هذا الجرم الشنيع .
الوزير : ( مذعورا ) ولكننا يا مولاي لم نفعل شيئا ، فأنت الآمر الناهي .
شهريار :( محدقا في عينيه مندهشا) تقصد أنني يجب أول من يُحاكم ؟!
الوزير : ( جاثيا على ركبتيه ) أنا لم أقصد ذلك يا مولاي ، ولكن ما نحن إلا أداة منفذة لرغبتكم يا مولاي .
شهريار : ( يقف صائحا ) إذن ليحاكم شهريارُ .
الوزير : ( يقف متقدما منه متعجبا ) وأنت شهريار يا مولاي !
شهريار :( غاضبا ) أنا لستُ شهريار ، أنا بريء من كل ما فعله ، ليحاكم شهريار الذي في عقولكم ، ليحاكم شهريار الذي أمر بذلك وفعل كل تلك الجرائم ..لتنصب المحاكمة فورا . 
إظلام .   


   المشهد الثاني 
 في قاعة الاستقبال ، يدخل سفير السفراء ( مراد كاظم ) محييا (شهرزاد) الجالسة في صدر القاعة .
 شهرزاد : ( مرحبة) هكذا أنت دائما حينما أحتاجك لا أجدك .
مراد : ( منحنيا ) أنا طوع بنان مولاتي ، لو كنت أعلم للبيتُ رغبتكم السامية ، ولكنك تعلمين مدى انشغالي بأمر السفارة بين ما حولنا من ممالك . 
شهرزاد : (تشير له بالجلوس بجوارها ) أعلمت ما حدث للملك ؟
مراد : ( يمس على لحيته )   أظن كل ما حولنا من ممالك عرفوا بالخبر ، ولكن مضاعفات الإصابة لم أعلم عنها إلا حينما وصلت بالأمس  .
شهرزاد : ( تنهض وتسير في المكان مفكرة ثم تلتفت إليه ) أنا في مأزق حرج .
مراد : ( مقتربا منها ) كلنا ولست وحدك .
شهرزاد :( تحرك خاتمها في اضطراب ) ماذا تقصد؟
مراد : أنت تعلمين مدى اتساع مملكتنا وهناك تحالفات وتعاقدات بيننا وبين أصدقائنا وكذلك أعدائنا المتربصين بنا ، كل هؤلاء سيرسلون وفودا للاطمئنان على صحة الملك من ناحية ومن ناحية أخرى للوقوف على حقيقة الموقف .
شهرزاد : ( تعود إلى الجلوس على مقعدها ملوحة بيدها) : أرسل لهم أن صحة الملك لا تسمح بمقابلة أحد.
مراد : وهؤلاء الذين عرفوا بالخبر ، وجاءوا معي بالأمس ، وهم موجودون في قصر الضيافة .
شهرزاد : (متعجبة ) من ؟!
مراد : الملكة ( ورد شاه ) وأخوها ( عمران شاه ) 
شهرزاد : ( متوترة ) لكم أمقت تلك الملكة ، فهي متطفلة وتتدخل فيما لا يعينها ودائما ترفع الكلفة بينها وبين شهريار ، كما أنني لا أطيق رؤية أخيها المستظرف كالبهلوان .
مراد : إنه يمني نفسه أن ينعم عليه الملك شهريار بحكم أي مملكة من الممالك التابعة لنا .
شهرزاد : ( تشير له بالاقتراب ) دعنا من كل هذا وأصدقني القول ماذا على أن أفعل الآن ؟!الأمر في غاية الخطورة وشهريار في طريقة لقلب حال المملكة رأسا على عقب .
مراد : الأمر لا يقتصر على المملكة فحسب بل على ما حولنا من ممالك وأظن حادثة الملك أسكرت جميع الملوك حولنا  وكل منهم يريد أن يسبق الآخر.
شهرزاد : هذا ما أطار النوم من عيني وشتت أفكاري وأهاج ظنوني .
مراد : ( يتلفت حوله ) لقد تحدثتُ طويلا مع الطبيب ، وعرفتُ أن الملك قد يمضي عمره فاقدا للذاكرة .
شهرزاد : وما العمل ؟!
مراد : أنت تعلمين أن والدك رحمه الله له فضلٌ علي،  وكان يتخذني ابنا وهو من قدمني للملك لأكون كبير سفراء المملكة ،وأنت يا مولاتي غمرتي بعطفك وكرمك شخصي الضعيف لذلك لن أدخر وسعا في تقديم النصيحة المخلصة لك .
شهرزاد : ( متعجبة ) كأنك ستصرح لي بأمر في غاية الخطورة ..ما الأمر يا مراد؟!
مراد : ( يقترب أكثر ويمسك بطرف الكرسي ) مولاتي عرش المملكة في خطر .
شهرزاد : ( تنظر إلى موضع يده مندهشة ) ماذا تقصد ؟!
مراد : لابد أن تجلسي على عرش المملكة .
شهرزاد : ( تقف مذعورة ) وشهريار ؟!
مراد : شهريار فقد العرش بفقده الذاكرة .
شهرزاد : ( تذهب وتجيء وتمس على جبينها وتقف في مواجهته ) أتقدر خطورة ما تقوله ؟!
مراد : ( حاسما ) عرش المملكة شاغر ، والعروش تنادي أصحابها ، وإن لم تسارعي بالجلوس سيسبقك أخرون .
شهرزاد : (  تمسح قطرات من العرق على جبينها ) ما تقوله هو الجنون بعينه !
مراد : ( متجها نحو الباب ) كأني لم أتفوه بشيء ، إن أذنت لي مولاتي بالانصراف 
شهرزاد : ( تنهض غاضبة ) أتفتح علي أبواب الجحيم ثم تتركني وتنصرف ؟!
مراد : ( يعود محدقا في وجهها ) أنا إن فتحتها فخير لمولاتي  ولنا كلنا من أن يفتحها آخر .
شهرزاد : ( محتدة ) وما الفرق أنت أو غيرك ؟!
مراد : القادر على فتح أبواب الجحيم هو فقط القادر على غلقها .
شهرزاد : إنه شهريار ألا تدري من شهريار يا مراد ؟!
مراد : لم يعد شهريار وأنت لم تعودي شهرزاد ؟!
شهرزاد : (متعجبة ) ما هذا الذي تقوله ؟!
مراد : حينما تقابلتما بعد الحادثة .
شهرزاد : لم يكن شهريار الذي أعرفه .
مراد : وأنت لست شهرزاد بالنسبة له ...أنتما غريبان ، وعلى هذا الأساس يجب أن تتصرفي .
شهرزاد : والآخرون ؟!
مراد : أنت الملكة ، ومن الأولى منك بالعرش ؟
شهريار : وما موقف شهريار .
مراد : اتركي له حرية الاختيار .
شهرزاد : كيف ؟!
مراد : أظن سيختار ما يناسبه .
شهرزاد : ما يناسبه ؟
مراد : إما أن يبقى على أي وضع من الأوضاع أو أن يرحل .
شهرزاد : إلى أين ؟!
مراد : ( ضاحكا ) أرض الله واسعة يا مولاتي 
شهرزاد : ( منبهرة ) لم أتخيل ان رجال السياسة بتلك القسوة والحزم.
مراد : (متباهيا ) ليست القسوة وإنما العقل .
شهرزاد : ( تحاول أن تسيطر على توترها ) وأين ذهبت العاطفة ؟
مراد : ( مشيرا إلى يديها المرتعشتين ) اليدان المرتعشتان تخسران كل شيء .
إظلام                                     


المشهد الثالث :
الملكة ( ورد شاه )  وأخوها ( عمران شاه ) في جناح بالقصر الملكي 
عمران : ( متلفتا حوله متعجبا ) لا أدري لماذا تركنا قصر الضيافة وأقمنا هنا في في القصر الملكي .
ورد شاه : القصر هنا كبيرا جدا وفضلت الإقامة هنا لأكون قريبة من شهرزاد 
عمران :( محتدا ) أنا لا أدري ما الذي تفكرين فيه ؟!
ورد شاه : ( تنهض وتدور حوله واضعة يدها على كتفيه ) بعد كل ما أخبرتك به تسألني ما الذي أفكر فيه ؟!
عمران : ( ينهض مبتعدا عنها )  أنت منذ ساعة أو أكثر صدعتي رأسي بكلام عن حادثة شهريار وشهرزاد والمملكة وما يجب علينا أن ننفذه وعلى وجه السرعة و...
ورد شاه : ( مقاطعة في حدة وهي تتلفت حولها مقتربة من أذنه ) عرش المملكة أيها الأبله !
عمران : ( فاغرا فاه متهاويا على مقعده ) نعم أنا أبله ( يقف مبتعدا عنها مفكرا ويعود محدقا في عينيها ) ولكنك مجنونة .
ورد شاه : مجنونة لأنني أريد أن أجلسك على عرش شهريار .
عمران : ( مندهشا مشيرا إلى صدره ) أأنا أجلس على عرش شهريار ؟!
ورد شاه : ( تتأمله ) ومن أحق منك بالعرش .
عمران : ( مندهشا ) بأي حق ؟!
ورد شاه : بحق أنك زوج أختها دنيا زاد .
عمران : ( متعجبا ) إذا كان زواجي من دنيا زاد يعطيني الحق في عرش تلك المملكة العظيمة مملكة شهريار فلماذا لم أتزوج دنيا زاد منذ سنين وهي تتمنى ذلك ؟!
ورد شاه : الآن عرش المملكة شاغر .
عمران : وشهريار .
ورد شاه : شهريار فقد عقله .
عمران : فقد ذاكرته وليس عقله .
ورد شاه : وهل للعقل قيمة بدون ذاكرة .
عمران : وشهرزاد ؟
ورد شاه : ( مفكرة ) تسعى جاهدة للاستيلاء على العرش . 
عمران : ( متعجبا ) ولماذا تستولي على العرش وهذا حقها ؟!
ورد شاه : حقها بعد أن تتخلص من شهريار . 
عمران : وإذا حدث هذاما موقفي أنا ؟!
ورد شاه : قبل أن تجلس على العرش نتخلص منها ، أو تسبقها أنت .
عمران : ( ساخرا ) أنسيت أننا هنا مجرد ضيوف وأنك ملكة على مملكة صغيرة وتابعة لمملكة شهريار أو للمملكة شهرزاد مستقبلا .
ورد شاه : لا تنس أن لي عيون وأعوان داخل المملكة ، وبريق الذهب يدير رؤوس  الرجال وكذلك المناصب ، وأظن أن دنيا زاد لها الحق أن تتناوب مع شهرزاد الجلوس على العرش وبالأخص بعد أن تتزوجك ، وليس من العسير تحريك بواعث الغيرة بين الأختين . 
عمران : أنت تلعبين بالنار .
ورد شاه : اللعب بالنار هذا ما أجيده ، وهو ما أوصلني  لأكون ملكة وتكون أنت أميرا
عمران  : أخشى أن نطرد من القصر ونعتبر ضيوفا غير مرغوب فيهم .
ورد شاه : (تربت على كتفه ) سر ورائي مطمئنا ، سوف أخطب لك دنيا زاد اليوم وأعد نفسك لتكون ملكا خلفا لأعظم ملوك الدنيا .. شهريار .
[ يسمع طرق على الباب ،تدخل جارية تطلب الإذن ، وتأذن لمجموعة من الجواري بالدخول حاملات سلال بها الطعام والشراب والزهور ، يضعنها على المناضد وأماكن متفرقة من القاعة ]
ورد شاه : ( مبتسمة ) شهر زاد على وشك الحضور ، غادر أنت القاعة واتركنا سويا .
عمران : ( مندهشا ) وما أدراك ؟!
ورد شاه : ( مشيرة إلى ما أحضرنه الجواري ) تلك رسل شهرزاد ، وأظن أنها ستكون مقابلة حامية .
عمران : ولماذا لا أحضر المقابلة ؟!
ورد شاه : الأنسب ألا تكون متواجدا ،وسوف أخبرك بكل ما جرى ، هيا أخرج .
[ تدخل ( تودد) وصيفة شهرزاد معلنة عن وصول شهرزاد وأختها الأميرة ( دنيا زاد) ، ومشيرة إلى الجواري بالخروج من القاعة ]
ورد شاه : ( تتقدم من الباب مستقبلة شهرزاد والأميرة دنيا زاد) أول مرة أراهما مجتمعين .
شهر زاد : ( تجلس متعجبة  ) من هما ؟!
ورد شاه : (مشيرة إلى شهرزاد ) الشمس ( مشيرة إلى دنيا زاد ) والقمر .
شهرزاد : ( ضاحكة في سخرية  ) إذن ستقوم القيامة يا ورد شاه .( متلفتة حولها ) أين الأمير عمران ؟
ور دشاه : أظن أنه في حديقة القصر ، فأنت تعلمين أنه مغرم بكل ما هو جميل في حديقة القصر .
دنيا زاد : ( مشيرة إلى سلال الأزهار ) الجمال في الحديقة وفي داخل القصر أيضا .
ورد شاه : ( تنهض وتجلس بجوار دنيا زاد وتمس على شعرها ) ودنيا زاد مصدر السعادة والبهجة داخل القصر .
دنيا زاد : ( خجلى ) لقد اسعدتمونا بزيارتكم الميمونة  .
ورد شاه : وسنسعد أكثر بوجودك معنا أيتها الأميرة .
دنيا زاد : ( مندهشة ) وجودي معكم ؟!
شهرزاد : ( تشير إلى وصيفتها (تودد) ) خذي الأميرة وعودا يا تودد.
ورد شاه : ( تنهض وتجلس بجوار شهر زاد ) كنت أريد أن أفاتحك في أمر هام وأن كنت أرى أن الظرف غير مناسب و..
شهرزاد : ( مقاطعة في حزم ) أمر خطبة دنيا زاد للأمير عمران ...أليس هذا ما تريدين قوله ؟
ورد شاه : ( تقف مندهشة ) وكأنك تطلعين على أفكاري .
شهرزاد : ( تنهض وتقترب منها وتمس على كتفها ) الغريب في الأمر أنك لم تطلبي خطبة دنيا زاد إلا في هذا الظرف ، وكأن هذا الظرف هو الذي دفعك لتطلبي ذلك . 
ورد شاه : ( تواجهها ) لنكن صرحاء فكما أنا في حاجة إلى إتمام هذه الخطبة أنت أيضا في حاجة إلى ذلك .
شهرزاد : كيف ذلك ؟
ورد شاه : عرش شهريار .
شهرزاد : ( تنهض وتسير خطوات في المكان مفكرة ، ثم تعود للجلوس محدقة في عينيها ) والطريق إليه بالنسبة للأمير عمران زواجه من دنيا زاد ، ألس كذلك ؟!
ورد شاه : ولم لا تقولين إبعاد الآخرين عن العرش حتى تجلسين أنت عليه .
شهرزاد : والمقابل ؟
ورد شاه :( تربت على يدها برفق )  رضا شهر زاد . 
شهرزاد : وما حاجتي للأمير عمران ؟!
ورد شاه : أنت للآن لم تجلسي على العرش ، وقد لا تجلسين بالمرة .
شهرزاد : ومن الذي سيمنعني ؟
ورد شاه :  شهريار ورجال شهريار والأهم كونك امرأة .
شهرزاد : ( ساخرة) ولكنك تجلسين على عرش مملكتك .
ورد شاه : لأن معي الأمير عمران .
شهرزاد : وما الضامن أنه لن يؤثر العرش لنفسه ؟!
ورد شاه : حتى لو فعل ، أليس زوج أختك ، وهو أولى من الغريب 
شهرزاد : ( تقف وتمس على شعرها ) وكأني أراك وأسمعك  لأول مرة ! 
ورد شاه : أنا أكره الخيال القصص والحكايات ، ولا يشغلني إلا الواقع .
شهرزاد : أظنك لم تغفلي شيئا بالمرة .
ورد شاه : لأنني فكرتُ في الأمر كثيرا ...وأظنك لو فكرتِ في الأمر كما فكرتُ ستصلين إلى ما وصلت إليه .
شهرزاد : ( ساخرة ) نعم ، أنا في حاجة أن أفكر ، ولكن ليس كثيرا ..تصبحين على خير .

إظلام 




المشهد الرابع
(شهرزاد)  و( دنيا زاد) و ( وتودد ) .
شهرزاد : ( متجهمة ) ورد شاه  طلبتك للأمير عمران .
دنيا زاد : ( تقف وتدور حول نفسها فرحة ) أخيرا سأخطب من الأمير عمران .
تودد : ( تتطلع إلى شهرزاد مندهشة ) وهل قبلت مولاتي  ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) لم أرفض .
تودد : ( متعجبة ) ولماذا لم يطلب الأميرة من قبل ؟!
شهرزاد : ( تتجه إلى دنيا زاد غاضبة ) (تودد)  أدركت ما لم تدركيه يا حمقاء .
دنيا زاد : ( مصدومة ) أنا حمقاء ...وأمام تودد ؟!
تودد : ( متأثرة ) إن سمحت لي مولاتي بالانصراف .
شهرزاد : فلتبقي يا تودد . 
دنيا زاد : ( متعجبة ) أنا لا أفهم شيئا !
شهرزاد : ألم تسألي نفسك لماذا تطلب ورد شاه خطبتك لأخيها والآن ؟
دنيا زاد : المهم أنه طلبني ( تتجه إلى تودد ) وأنت ما الذي فهمتيه ولم أفهمه ؟
تودد : ( مترددة ) لابد أن طلب الأمير له علاقة بما حدث لمولاي شهريار .
دنيا زاد :( متحيرة ) وما علاقة هذا بذاك ؟!
شهرزاد : العرش .
دنيا زاد : عرش من ؟!
شهرزاد : عرشي .
دنيا زاد : ( مشيرة إليها ) أأنت لك عرش ؟!
شهرزاد : عرش شهريار .
دنيا زاد : وشهريار ؟! 
شهرزاد : ما لا تعلمينه أن الحادثة قضت على عقل شهريار ، والآن العرش شاغر وصار مطمحا للجميع . 
دنيا زاد : ( تمسح على رأسها ) الآن فهمت ، الأمير (عمران) يريد أن يتزوجني ليكون زواجه منى طريقا ومبررا لأن يجلس على العرش  ..( تشير إلى تودد ) أليس هذا ما فهمته (تودد) ولم أفهمه ؟!
شهرزاد : ( تقترب منها وتمسك بيدها ) ورد شاه تريد أن تجلس الأمير عمران على العرش بعد أن يتزوجك .
دنيا زاد : فليتزوجني ويجلس على العرش .
شهرزاد : ( متعجبة ) وأنا ؟!
دنيا زاد : وهل ستظلين ملكة إلى الأبد ؟!
تودد      :( محتدة ) لا تتحدثي مع مولاتي بتلك الطريقة .
دنيا زاد : ( ساخرة ) وهل أنت من ستعلمني كيف أتحدث ..أنسيت نفسك ؟! أنت مجرد وصيفة من ضمن وصيفات القصر .
تودد : ( تتجه نحو الباب منكسرة ) معذرة أميرتي ..أنا مجرد جارية من جاريات القصر.
 شهرزاد :( تعترضها ) لا تغضبي يا تودد ( تخاطب دنيا زاد) إذن أنت ترين أن تتزوجي من  الأمير ( عمران ) ، أنا لا أمانع ولكن بعد أن أجلس على العرش ،وليأخذك لتعيشي معه في مملكة أخته .
دنيا زاد :( معاندة )  من حقي أن يكون زوجي من يجلس على العرش كما كان زوجك جالسا على العرش. 
شهرزاد : أنا تزوجتُ من ملك وصيرني ملكة ، بينما أنت تتزوجين من أمير ليصير ملكا .
دنيا زاد : وما في ذلك ؟! طالما سأكون زوجة ملك . 
شهرزاد : وكيف تكونين ملكة وأنا الملكة ؟!
دنيا زاد : علاقتك بالعرش انقطعت بعد ما حدث للشهريار .
شهرزاد : ( غاضبة )أنا الملكة بشهريار وبدون شهريار ، ( تدق على صدرها بيدها ) وسأجلس على العرش ، ومن يقف في طريقي سأقضي عليه حتى لوكان أعز الناس لدي .
دنيا زاد : ( تتجه نحو الباب غاضبة ) الآن فقط فهمتك يا شهرزاد . تصبحين على العرش يا أختاه .
شهرزاد : لقد قلت الحق .
تودد : ( تقترب منه مفزوعة ) أأنت جادة فيما تقولين يا مولاتي ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) ماذا تقصدين ؟!
تودد : بشأن جلوسك على العرش !
شهرزاد :( متحيرة )  أنا مدفوعة إلى ذلك دفعا يا تودد .
تودد : وما الذي دفعك ؟!
شهرزاد : ( تتحرك متوترة في أرجاء المكان ) الكل طامعون في العرش ، وهو حقي ولن أتنازل عنه .
تودد : ومولاي شهريار 
شهرزاد : تلك العقبة التي تقف حتى الآن في طريقي .
تودد : (متعجبة ) كيف ؟!
شهرزاد : جلوسي على العرش سيعتبرها البعض  نوعا من الغدر به ، بينما الوفاء لشهريار سيضيع حقي .
تودد : ولماذا يضيع حقك ؟!
شهرزاد : كما قالت (دنيا زاد) علاقة شهريار بالعرش انقطعت لأنه صار غير مؤهل له بعد الحادثة ، وعلى ذلك لستُ ملكة .
تودد : وماذا ستفعلين الآن ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) سأعلن جلوسي فعليا على العرش وأغير كل شيء باسمي 
تودد : ولكن ..
شهرزاد : ( مقاطعة ) كوني امرأة وأنه لم يحدث من قبل أن جلست امرأة على عرش المملكة وزوجها على قيد الحياة ، ولكنه ليس على قيد الوعي ، من الغد سأجتمع برجال المملكة لأعلنهم ذلك . 
تودد : وبأي السبل ستقنعهم ؟!
شهرزاد : بالترهيب والترغيب .
تودد : كيف ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) أنا أعرف كيف أقنع هؤلاء الرجال يا ( تودد) .
تودد : وفقك الله يا مولاتي .

 إظلام .   





























 المشهد الخامس.
في قاعة الملك ، تجلس الملكة (شهرزاد) على كرسيها ، وبجوارها كرسي العرش شاغرا ، وحولها رجال القصر 
شهرزاد : ( تنهض غاضبة ) كل ما تقولونه ترهات وخزعبلات ، لا أفهم منها شيئا ، ( تتقدم من الطبيب مشيرة إليه ) الملك مريض أم لا ؟
الطبيب : ( مذعورا ) إذا اعتبرنا فقدان الذاكرة مرضا فهو مريض .
شهرزاد : ( تومئ إلى الوزير عائدة إلى كرسيها  ) وأظن أن هذا المرض خطير .
الوزير : ( متقدما منها ) إنه من أشد الأمراض شراسة .
كبير الحرس : ماذا بعد أن تعطب ذاكرةُ الإنسان ؟!
رئيس الشرطة : إن عقل الإنسان هو دليله .
الوزير : تخيلي يا جلالة الملكة لو فقدت دليلك وأنت تسيرين في صحراء لا معالم لها ؟
الطبيب : لكل داء دواء ، والطب دلنا على الدواء ، نعم سيأخذ وقتا وجهدا ولكن ...
شهرزاد : ( مقاطعة في حدة ) وهل أنت على يقين من نجاعة هذا الدواء ؟!
الطبيب : لا يوجد طبيب في العالم يجزم بشيء من هذا .
شهرزاد : ( تحدق في وجوه الجالسين ) إذن لا شفاء يُرجى للملك . 
الوزير : ( مفكرا ) تقصدين أن يظل فاقدا للذاكرة ؟!
شهرزاد : ( تنهض وتسير في المكان أمامهم وتلتفت إليهم ) كلكم تتعاملون مع الملك بأي صفة ؟
الوزير : أنه فاقدٌ للذاكرة .
كبير الحرس : وأن كل أمور المملكة لا يعلم عنها شيئا .
رئيس الشرطة : عن العالم كله وليس عن المملكة فحسب .. 
شهرزاد : وسيظل هكذا ..ما يصيبه العطب لا يعود إلى  حالة أبدا.
.الطبيب : ( مترددا ) وإذا عاد  ؟
شهرزاد          : ( تدور حولهم ) أظن كلكم ستكونون ضحايا عودته ..شهريار لن يعود إلى شهريار الذي تعرفونه .
الوزير : ( مندهشا ) إذن سيعود إلى من ؟!
شهرزاد : ( تقف وسطهم ) أنتم لا تعرفون شهريار كما أعرفه ، سنين طويلة وأنا أروض الوحش الكاسر داخله ، تارة بالحكايات والقصص وتارة بالعبر والعظات ، استخدمتُ كل السبل والحيل ، ولكن بين الآونة والأخرى كنتُ أشعر بأنفاس هذا الوحش ، بنظراته.. بلمساته ، وكنت على يقين أنه في يوم سيعود شهريار إلى هذا الوحش ،أو يعود الوحش إليه ،  وسيكون أعتى وأكثر بطشا مما كان . 
كبير الحرس : ( مذعورا ) ومتى سيعود شهريارُ إلى الوحش ؟!
رئيس الشرطة : ( مفزوعا  )  أو يعود الوحشُ إلى شهريار ؟!
شهرزاد : ( تعود إلى كرسيها ) حينما تعود الذاكرة إليه . 
كبير الحرس : ولماذا لا يعود كما كان ؟
شهرزاد : لأنه سيكون قد تحرر من كل القيود التي فرضها على نفسه وحاول أن يكون إنسانا كبقية البشر .
الوزير : ( متحيرا ) والحل ؟
شهرزاد : ( تحرك خاتما حول إصبعها ) أن يظل فاقدا للذاكرة .
الوزير : ( متعجبا ) وكيف تسير أمور المملكة بملك فاقد الذاكرة ؟!
شهرزاد : ( تنهض وتجلس على كرسي العرش مشيرة إلى صدرها ) وأين ذهبتُ أنا ؟
الجميع : ( في صوت واحد مندهشين ) أنت ؟!
شهرزاد : ( تدق على جانبي العرش ) نعم ، أنا الملكة التي ستحكم المملكة .
الجميع : ( في صوت واحد مذهولين ) ونحن ؟!
شهرزاد : ( تحكم من وضع التاج حول رأسها ) أنتم من سيساعدونني في هذا الأمر ، ولكل شيء ثمن .
الوزير : ( مندهشا ) والملك ؟!
شهرزاد : ( تهز رأسها ) ظلٌ حائرٌ لا يدري له وجهة .
كبير الحرس : ( متلفتا حوله ) أليست تلك خيانة للقسم يا جلالة الملكة ؟!
شهرزاد : سمه ما شئت ( مشيرة إلى الجميع ) ولا تنسوا أن هذا في صالحنا كلنا وفي صالح الرعية .
الوزير : ( مندهشا ) صالح الرعية ؟!
شهرزاد : نعم ..تخيل ملكا معطوب العقل وفاقدا للذاكرة إلام سيقود رعيته ؟!
الوزير : ( ضاربا على رأسه ) أتصدقين أنه طلب منى أن أبدأ في إجراءات محاكمة  شهريار ؟!
كبير الحرس : (  مندهشا ) تحاكم الملك شهريار !
الطبيب : ( متعجبا ) هو طلب منك ذلك ؟!
الوزير : حينما سمع وقرأ عن شهريار طالب بمحاكمته .
رئيس الشرطة : ( متعجبا ) وهل ستفعل ؟!
الوزير : وهل يملك أي منا أن يعصى أوامر الملك ؟!
شهرزاد : ( بإصرار محدقة في وجوه من أمامها  ) إذن لنحاكم شهريار.
الوزير : وماذا ستكون نتيجة المحاكمة .
شهرزاد : ( تدق بقبضتها على جانب العرش ) الإدانة وبالتالي العزل عن العرش 
الجميع : ( في صوت واحد مذعورين ) الإدانة العزل . 
الوزير : ( يضع يده على أذنه) لا أصدق أذني !
كبير الحرس : أنت تطلبين المستحيل .
رئيس الشرطة : ومن يملك إصدار هذا الحكم يا جلالة الملكة ؟!
شهرزاد : ( تقف ) هذا هو عين العدل . 
الجميع : ( في صوت واحد مندهشين ) العدل !
شهرزاد : ( تترك كرسي العرش وتعود إلى كرسيها ) ألم يقتل المئات بل الآلاف .
الوزير : وهل هذا يعطينا الحق في محاكمته و..
شهرزاد : ( مقاطعة ) نحن أرأف منه ، لأننا سنحاكمه ، بينما كان يقتل ضحاياه بدون محاكمة .
الوزير : ولكنك جعلت الحكم يسبق المحاكمة !
شهرزاد : لو جمعتُ كل قضاة العالم لحكموا عليه هذا الحكم وبدون محاكمة .
الوزير : والأدلة والبراهين ؟!
شهرزاد : تاريخه ...كل الضحايا في القبور ، المظلومون في السجون ، والثكالى في الأكواخ والمطاردون في الجبال والهاربون في الكهوف .
رئيس الشرطة : ( مفكرا ) ولكن ..سنضع من في قفص الاتهام أثناء المحاكمة ؟
كبير الحرس : (مرتعشا ) ليس الملك بالطبع .
الوزير : نحن نحاكم خيالا ووهما !
شهرزاد : لنجسد هذا الوهم والخيال .
الطبيب : كيف نفعل ذلك ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) لنأت برجل من قاع السجن ونضعه في قفص الاتهام على أنه شهريار وبعد ذلك يُعزل الملك 
الجميع : ( في صوت واحد مذعورين ) الملك ؟!
شهرزاد : ( ساخرة ) أنتم تنفذون حكما سيصدر .
الوزير : ( متحيرا ) ولكن ..
شهرزاد : ( تنهض لتنصرف ) أظن ليس أماكم حل آخر ..واليد المرتعشة قد تقود صاحبها إلى الهلاك 
إظلام .
إضاءة .
الوزير :( متلفتا حوله هامسا ) لقد جُنتْ الملكةُ !
كبير الحرس : ( مترددا ) لقد تعددتْ مرحلة الجنون !
رئيس الشرطة : ( يصفق على يديه متعجبا  ) من يصدق أنها تريد الجلوس على العرش ؟!
كبير الحرس : وتتخلص من الملك !
الوزير     : ألم يُجن الملكُ هو الآخر حينما يطلب محاكمة شهريار وهو شهريار ؟!
الطبيب : ( شاردا ) الملك معذور لأنه فاقد للذاكرة .
الوزير : وما يدرينا أنه كذلك ، ماذا لو كان يعبث بنا كلنا ؟!
رئيس الشرطة : ( متعجبا ) وأول من يعبث بها الملكة ! 
الوزير :( مفكرا ) ما يحدث  يجعلني لا أصدق ، وأظن أن في الأمر مكيدة .
كبير الحرس : بين من ومن ؟!
الوزير : بين شهريار وشهرزاد ونحن ألعوبة في أيديهم .
رئيس الشرطة : أنا أيضا لا أصدق ما يحدث !
كبير الحرس : ربما يكون ما نحن فيه حلما من الأحلام الغريبة .
رئيس الشرطة :بل قل كابوسا شنيعا .
الوزير : أيعقل ما  يحدث حولنا ( ملتفتا إلى الطبيب ) لماذا لا تتكلم يا طبينا الهمام ؟!
الطبيب : ( يمس على لحيته مفكرا ) أنا لا أدري هل فقد ذاكرته بإرادته أم مرغما على ذلك ؟
الوزير : ( يضع كوب الشراب ملتفتا إلى الطبيب مندهشا )  منذ أن جلسنا وأنت تحدثنا بألغاز !
كبير الحرس : ( يقضم تفاحة بنهم ) وهل هناك من يفقد ذاكرته بإرادته ؟!
رئيس الشرطة : ( محتدا ) أيمكن أن تحدثنا بكلام نفهمه ؟
الطبيب : ( يسير خطوات أمامهم مفكرا ثم يلتفت إليهم ) ألم يحدث لواحد منكم أن أخفى شيئا ، وحينما أراد أن يصل إليه نسى أين أخفاه ؟
الوزير : ( ضاحكا ) كثيرا ما حدث هذا !
كبير الحرس  : للأن هناك أشياء أخفيتها ولا أعلم أين هي !
رئيس الشرطة : ( ساخرا ) بدون أن ندري أخفيناها حتى عن أنفسنا !
الطبيب : ( ممسكا بيد رئيس الشرطة ) هذا بالضبط ما  أقصده .
كبير الحرس : ( متعجبا ) وما علاقة ما تقوله بالملك ؟!
رئيس الشرطة : ( متكلفا البله  ) وما هذا الذي كان يريد إخفاءه ؟!
الوزير : ( مفكرا ) تقصد...
الطبيب : نعم ، أشياء كثيرة فعلها الملك ولم يكن راضيا عنها وأظن أنها كانت تؤرقه وكانت سبب مرضه الأخير ، وطبعا لا يمكن التخلص منها إلا ...
الوزير : بفقدان الذاكرة الإرادي .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) ولكنه لم يفقد الذاكرة إلا بسبب الحادثة !
رئيس الشرطة : ولو لم يحدث له ما حدث أثناء رحلة الصيد ما فقد الذاكرة .
كبير الحرس : ( مشيرا إلى رأسه ) إن رأسه كاد أن يتحطم وهذا سبب له فقدان الذاكرة .
الطبيب : ولكن ما أصابه كان جرحا سطحيا ولم يكن غائرا .
الوزير : ماذا تقصد ؟
الطبيب : فقدان الذاكرة لابد أن يكون له مبرر منطقي .
الوزير : أمام من ؟!
الطبيب : أمام نفسه أولا وأمام من حوله ثانيا .
الوزير : ( مندهشا ) أمام نفسه ؟!
الطبيب : الملك قضى وقتا طويلا محاولا أن يتخلص من أحداث كثيرة غير سارة في حياته ، ولكنه عجز ، هذا العجز في حد ذاته هو أكثر ما يؤلمه ، فهو على استعداد ان يفعل أي شيء كي يتخلص من إحساسه بالعجز ، وجاءت الحادثة كطوق نجاة .
الوزير : معنى هذا أنه قد يستعيد ذاكرته .
الطبيب : ربما .
رئيس الحرس :وقد لا يستعيدها .
الطبيب : احتمال .
الوزير : وقد يمضي بقية حياته فاقدا للذاكرة .
كبير الحرس : ( متضايقا ) المهم ماذا علينا أن نفعله الآن ؟!
الوزير  : لسنا من نفعل ولكن قاضي القضاة ...سأبلغه أمر الملك ويفعل ما يشاء ، وما علينا إلا الانتظار حتى نرى خاتمة لتلك المأساة .

إظلام 





                                  المشهد السادس .
شهريار وشهرزاد .
شهريار : ( ناظرا إلى يديه متعجبا ) لماذا قبلت يدي ؟!
شهرزاد : ( بشوق ) لأنك مليكي .
شهريار : ( متأملا يده ساخرا ) عجبا !
شهر ذاد : وما العجب في ذلك ؟!
شهريار : ( مشيرا إلى عنقها ) تقبلين يد من كان في يوم سيأمر بقطع عنقك ؟!
شهرزاد : ( تجفل ) ذلك عهد مضى ولن يعود . 
شهريار : ( يقف ويتقدم منها ويدور حوله ثم يواجهها )ألا تخشين أن أعود إلى سابق عهدي .
شهرزاد : ( تتقدم منه ) أي عهد تقصد ؟!
شهريار : ( يعود إلى كرسيه محركا خاتم الملك حول إصبعه مشيرا إلى عنقها) عهد        
                    تقطيع الأعناق .
شهرزاد : ( تقف خلف كرسي العرش وتحيط عنقه بيديها ) بالتأكيد لا .
شهريار : ( يبعد يديها من حول عنقه ) ما مصدر ثقتك ؟
شهرزاد : ( مستندة على جانب كرسي العرش ) لأنك نضجت .
شهريار : أكنت مجنونا ؟!
شهرزاد : ألديك شك في هذا ؟
شهريار : ( يتحسس رأسه ) وإذا لم أكن مجنونا ؟
شهرزاد : لأنك كبرت .
شهريار : أكنت أرعن؟!
شهرزاد : تلك من سمات مرحلة الشباب .
شهريار : وإذا كنت قد تخطيت مرحلة الشباب .
شهرزاد : كنت غيورا .
شهريار : ألم أكن واثقا من نفسي ؟
شهرزاد : ربما لم تكن واثقا فيمن حولك . 
شهريار : إذن لم يكونوا أهلا للثقة .
شهرزاد : نحن بشر ولسنا ملائكة .
شهريار : الفضيلة لا تصدر إلا من بشري وليس من ملاك .
شهرزاد : وكل الرذائل لا تصدر إلا من البشر .
شهريار : عمن تدافعين ؟!
شهرزاد : عن البشر .
شهريار : أهم في حاجة إلى دفاع ؟!
شهرزاد : بل في حاجة إلى الشفقة .
شهريار : وهم يستحقونها ؟
شهرزاد : أظن ذلك . 
شهريار : لماذا ؟
شهرزاد : بسبب ضعفهم .
شهريار : في قدرتهم أن يكونوا أقوياء .
شهرزاد : القوة أكبر أكذوبة صنعها البشر . 
شهريار : والصراع بين الخير والشر ؟
شهرزاد : ( ضاحكة ) لا يوجد خير ولا يوجد شر . 
شهريار : إذن ماذا يوجد ؟!
شهرزاد : شهوات ..رغبات ..غرائز .
شهريار : إذن الإنسان حيوان .
شهرزاد : ألديك شك في ذلك ؟!
شهريار : وما الفرق بين الاثنين ؟
شهرزاد : ( تربت على يده ) الخيانة .
شهريار : خيانة من ؟!
شهرزاد : خيانة البشر .
شهريار : لأي شيء ؟
شهرزاد : لبشريتهم . 
شهريار : والحيوان ؟
شهرزاد : الحيوان لا يخون حيوانيته ، ولكن البشر يخونون بشريتهم .
شهريار : لماذا ؟!
شهرزاد : بسبب الطمع ..والنهم ..والجشع .
شهريار : كيف ؟!
شهرزاد : الحيوان لا يقتل إلا إذا جاع ، وإذا شبع ترك بقية فريسته للأخرين يأكلون .
شهريار : والبشر ؟
شهرزاد : يقتلون لمجرد إشباع رغبتهم ، وتلك الرغبة ليست لديها حد تقف عنده .
شهريار : ( ساخرا ) وماذا أيضا ؟
شهرزاد : الحيوان يقتني أنثى واحدة .
شهريار : والبشري ؟
شهرزاد : يريد نساء الأرض إماء له .
شهريار : ( يقف ويسير خطوات ذهابا وإيابا مفكرا واضعا يده على رأسه واليد الأخري مشيرا إليها بدون أن يلتفت إليها ) أظن أنك تقصدين بكلامك هذا ..ما اسمه ؟!
شهرزاد : ( تقترب منه ) شهريار . 
شهريار : ( يمسك رأسه مذهولا) ما هذا ؟!
شهرزاد : ( متلهفة ) ما بك ؟!
شهريار : كلما ذكر اسمه تنتابني مشاعر غريبة .
شهرزاد : لعلك قابلته أو تعاملت معه ونسيته فيمن نسيت .
شهريار : ( محدقا في عينيها) أهو شخصية حقيقية ؟
شهرزاد : ماذا تقصد ؟
شهريار : أظن أنه من صنع القصاصين والحكائين ، وما أكثر الشخصيات في بطون الكتب ولا وجود لها في الواقع .
شهرزاد : أقرأت عنه ؟!
شهريار : سمعت عنه الكثير والكثير وقرأت .
شهرزاد : لعلك تكونه .
شهريار : ( متعجبا ) أيمكن أن أكونه ؟ّ!
شهرزاد : ( تمسك يده ) بل  أنت شهريار.
شهريار : بالفعل أم بالقول أم بالخيال والوهم .
شهرزاد : لماذا لا تصدق ما أقوله . 
شهريار : ( متحيرا ) لا أدري ، ولكن ما المانع أن أكونه أو أكون أي شخص أخر ؟
شهرزاد : وما المانع أن تكونه ؟
شهريار : ( يتحسس رأسه) تطلبين مني شيئا لا أستطيع أن أقبله .
شهرزاد : أتكرهه لتلك الدرجة ؟!
شهريار : الأمر يتعدى الحب والكراهية .
شهرزاد : وشهريار لم يكن سيئا لتلك الدرجة. 
شهريار : بل كان أسوأ مما تتصورين .
شهرزاد : والدليل ؟ 
شهريار :أنك عشت عمرك تحاولين تغييره .
شهرزاد : إلى الأحسن أم إلى الأسوأ ؟
شهريار : كنت طوال عمرك واهمة .
شهرزاد : كيف ؟!
شهريار : ما لا تعرفينه أنه هو من غيرك . 
شهرزاد : ( متعجبة ) غيرني !
شهريار : نعم ، جعلك تبحثين عن وسيلة ليكف عن غيه وجهله ، وتحولت أنت إلى       رواية قصص وحكايات فارغة لا قيمة لها كانت بمثابة مخدر تحقينينه به كل ليلة .
شهرزاد : المهم أنني نجحت .
شهريار : لا، لو لم تفعلي لتوقف هو عن تماديه في جهله وغيه . 
شهرزاد : ولماذا لم يفعل ؟!
شهريار : فَعلَ ، واستعاض عن غيه بأمور أخرى .
شهرزاد : ما هي ؟
شهريار : في كل ليلة كان يقتل السأم والملل والرتابة التي كان يعيشها ، وصار شخصا لا معنى لوجوده يمضي ليلة مستمعا لترهات ونهاره منتظرا أن يجن عليه الليل ليغرق إلى أذنيه في بحرك المسجور . 
شهرزاد : ( تمس على رأسه ) وأنت ألا تشتاق لتستمع الآن وقد جن علينا الليل ، والليل يوعد بأشياء كثيرة غير القصص والحكايات .
شهريار : ( ينهض مبتعدا عنها ) ولكني لستُ شهريارك . 
شهرزاد : ( تلاحقه ) ولكنني شهرزادك، وإن هربت من كل شيء فلن تهرب من الحقيقة .
شهريار : الحقيقة أنا من أصنعها .
شهرزاد : وأنا ؟ 
شهريار : أنت أكبر أكذوبة .
شهرزاد : ولكنني حققتُ الكثير .
شهريار : كلُّه وَهْمٌ وسرابٌ .
شهرزاد : ( متباهية ) بدوني لا ذكر لك . .أنا من أوجدتك أنا من صنعتك من كان سيسمع عنك لولاي . 
شهريار : وأنا أريد أن أتحرر من هذا الوجود الفارغ ، وأتحرر من تلك الصنعة البلهاء 
شهرزاد : لقد عجزت أن تفعل ذلك وأنت بكامل ذاكرتك ، هل ستقدر أن تفعل ذلك وأنت فاقدها ؟!
شهريار : ربما كانت أخطر قيد يقيدني بك . والآن أنا حر من أي قيد يربطني بماضي الكئيب ( يبسط ذراعيه متجها نحو الباب ) أنا حر ...أنا حر .
 إظلام .             



















                                     المشهد السابع  
في مخدع شهرزاد تنهض من على كرسيها تسير نحو الشرفة تحرك ستائرها وتطل من خلف الزجاج ،  تتلفت إلى خازن المكتبة الذي يقف صامتا مراقبا حركاتها المتوترة ، تقترب منه واضعة يدها على جبينها .
شهرزاد : (تقترب منه واضعة يدها على جبينها ) لقد تغير الملك كثيرا حتى أنني لم أعد أعرف ما الذي يفكر فيه أو كيف سيتصرف ؟!
حكيم الزمان : مولاتي .. الحادثة ...
شهرزاد : ( مقاطعة في حدة ) لا تقل لي إن الحادثة هي السبب ، ما حدث له أكبر من أي حادثة ( تقترب منه أكثر وتحدق في عينيه ) هناك أسباب كثيرة لا أعرفها صنعتْ شهريار ..إنه مختلفٌ كل الاختلاف عن الذي عشتُ معه عمري ( تدور حول نفسها) كنت واهمة حينما ظننتُ أنني نجحتُ أن أصنع منه شخصا مختلفا عما كان .                      
حكيم الزمان : في هذه المرة شهريار هو من صنع نفسه .
شهرزاد : إذن من صنعه بداية ؟!
حكيم الزمان : نحن من صنعه ، نحن من نصنع الطغاة والمستبدين والجبابرة .نحن من قدمنا له كل ليلة عذراء ليغتصبها ثم يقتلها ، نحن من وضعنا السيف في يده ،والكلمة على لسانه ، والفكرة في رأسه ، ونحن من صفق له ، ونحن من انحنى له .
شهرزاد : ولم نفعل ذلك ؟!
حكيم الزمان : عيوبنا وذنوبنا ..أردنا أن نعاقب أنفسنا فصنعنا جلادينا ، ألم تر الإنسان حينما يندم يعض على يده؟
شهرزاد : ولم نصنع جلادينا ؟!
حكيم الزمان : لنستريح من عذابنا .
شهرزاد : كيف ؟!
حكيم الزمان : نتلقى منهم  العذاب ، وهذا بمثابة قصاص عادل ، ثم نحملهم ما نحن فيه من عناء ومشقة .
شهرزاد : ( مفكرة ) تقصد أن شهريار هرب من كونه جلادا ، أو من كونه حاكما ظالما ؟
حكيم الزمان : نعم .
شهرزاد : وكيف تم ذلك ؟!
حكيم الزمان : حينما انتصر علي نفسه  حقق انتصارا علينا ، حينما خلع هذا الجلباب الذي ألبسناه إياه ، على هذا يجب أن نُحاكم .
شهرزاد : ( متعجبة ) وهو؟!
حكيم الزمان : هو الضحية .
شهرزاد : كيف ؟!
حكيم الزمان : ما مصير كل طغاة العالم ؟
شهرزاد : مفجعا .
حكيم الزمان : إذن هم ضحايانا .
شهرزاد : وهل نحن من صنعناهم ونحن  أيضا من قتلناهم ؟! 
حكيم الزمان : نعم . 
شهرزاد : ولماذا رضوا بذلك ؟!
حكيم الزمان : لأنهم أغبياء ..كل الطغاة والظالمين والمستبدين هم في الأساس أغبياء وحمقى . 
شهرزاد : ( متعجبة ) أغبياء وحمقى  ؟!
حكيم الزمان : لأنهم جسدوا كل عيوبنا ونقائصنا ومساوئنا من ظلم واستبداد وبطش ، لقد قاموا بأقذر وأسوأ مهمة في التاريخ البشري .
شهرزاد : العجيب أنهم رضوا بذلك بل حاربوا من أجله .
حكيم الزمان : ألم أقل لك أنهم أغبياء وحمقى ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) أتظن لو صرتُ ملكة سأكون ظالمة ومستبدة ؟
حكيم الزمان : الأمر ليس متعلقا بشهرزاد شخصيا .
شهرزاد : كيف ؟
حكيم الزمان : هناك علاقة عجيبة بين العدل والملك .
شهرزاد : ماذا تقصد ؟!
حكيم الزمان : إذا كان الإنسان عادلا فلماذا يبتغي الملك ، وإذا كان ملكا فما حاجته إلى العدل ؟!
شهرزاد : إذن في رأيك إذا صارت شهرزاد ملكة ستكون ملكة ظالمة مستبدة .
حكيم الزمان : على أعدائك .
شهرزاد :وتطالبني أن أكون عادلة معهم .
حكيم الزمان : لا علاقة بين العدل والعواطف  .
شهرزاد : الملك ليس قاضيا .
حكيم الزمان : وليس هذا مبررا ليكون ظالما 
شهرزاد : دائما القوة تغري بالظلم .
حكيم الزمان : هذا حين تكون القوة غاشمة .
شهرزاد : وما حاجة العدل إلى القوة ؟!
حكيم الزمان : القوة هي من تحتاج إلى العدل .
شهرزاد : قد يحولها إلى ضعف .
حكيم الزمان : إنه يزيل عنها غرورها وصلفها وكِبرها .
شهرزاد : (مفكرة ) أحيانا أشفق على نفسي حينما أتخيلني ملكة .
حكيم الزمان : ألست بملكة ؟!
شهرزاد :وشهريار  ؟
حكيم الزمان : ( مترددا ) إن تسمح مولاتي أن أبدي ملاحظة ولعلي أكون على خطأ فيما طرأ على علاقتك  والملك شهريار واسمح لي أن اتجاوز بعض حدودي . 
شهرزاد : ( متعجبة ) ماذا تقصد ؟!
حكيم الزمان : وأنت في غير حضور الملك شهريار.. تتصرفين كأنك الملكة .والتي لا عهد لنا بها أما في وجود الملك شهريار فأنت تتصرفين كشهرزاد التي عرفناها وآلفناها ، أنت لم تكوني هكذا قبل أن يحدث للملك ما حدث له .
شهرزاد : لن أخفي عنك حقيقة مشاعري ، منذ أن فقد الذاكرة وأنا أعتبر نفسي الملكة الوحيدة لتلك المملكة بدون منازع حتى الملك شهريار ، وأنا على استعداد أن أفعل ما لا تتخيله لأكون ذلك ،وأشعر بقوة تجعلني أقف أمام العالم كله ، وفي حضور شهريار أشعر بأنني ضعيفة بل ضئيلة ، تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة والتي زُفتْ إليه ذات ليلة ، وهي تعلم أنها لن ترى صباح اليوم التالي وأنها ستلحق برفيقاتها اللاّئي سبقنني وقتلهن بدون ذنب ،مازال هذا الشعور قابعا في قلبي ، شعور بالرهبة والخوف والاشمئزاز، وشعور بالإعجاب والتقدير والانبهار 
حكيم الزمان : وما شأن الحب ؟!
شهرزاد : ( متأثرة ) وأنت تحت هيمنة شعور ما من الصعب أن تحكم عليه .
حكيم الزمان : ومن التي ستنتصر في النهاية شهرزاد أم الملكة ؟!
شهرزاد : لا أدري ، إنهما في صراع .
حكيم الزمان : ومن الذي سينهي هذا الصراع 
شهرزاد : لا تتعجب إذا قلت لك أنه شهريار بيده وحده أن ينهي الحالة التي أنا فيها .
حكيم الزمان : لقد صار زاهدا في كل شيء وبالأخص الملك .
شهرزاد : وهذا ما يخيفني منه .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) هل لأنه زاهد في الحكم يخيفك ؟!
شهرزاد : أخطر الرجال هومن لا مطمح له في أي شيء .
حكيم الزمان : ( محدقا في عينيها ) وأنت خائفة منه أم خائفة على نفسك ؟!
شهرزاد : الاثنين .
حكيم الزمان : كيف ؟
شهرزاد : خائفة منه لأنني لا أتوقع ما سيفعله في اللحظة القادمة ، شهريار صار بالنسبة لي صندوقا مغلقا .وأعلم أنه لا يتوقف لحظة واحدة عن التفكير .
حكيم الزمان : التفكير في ماذا ؟ 
شهرزاد :الانتقام .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) ممن ؟!
شهرزاد : من الجميع ، حتى من نفسه .
حكيم الزمان  : من نفسه ؟!
شهرزاد : من شهريار .
حكيم الزمان : ألم تنجحي في إقناعه أنه شهريار ؟!
شهرزاد : إنه لا يكره أحدا في العالم قدر كرهه لشهريار ، ثم أنا .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) أنت ؟!
شهرزاد : نعم ، وإن كان لا يصرح بذلك . 
حكيم الزمان : وعلام ينتهي هذا الأمر ؟
شهرزاد : إما إن يقتلنا كلنا أو ..    
 تودد :( تقف بالباب  ) إن أذنت لي مولاتي .
شهرزاد : ( مشيرة إليها ) ...
تودد : ( تقترب منها وتسر إليها ببضع كلمات ) .....
شهر زاد : ( تنهض وتسوي من ملابسها مشيرة إلى باب جانبي ) تفضل أنت من هذا الباب ( تشير إلى الوصيفة ) اذهبي خلفه .
شهريار : ( يدخل متفقدا المكان  ثم يجلس) أكنت تجلسين بمفردك ؟
شهرزاد : (تتقدم نحوه مرحبة ) لا بالطبع كان هنا من يجلس معي .
شهريار : أكنت تتوقعين مجيئي ؟!
شهرزاد : لا شك ، ومن أجل ذلك صرفت من كان معي ( تتقدم منه وتحيط عنقه بذراعيها ) ألا تغار علي ؟!
شهريار : ( يبعد ذراعيها عن عنقه ) لا . 
شهرزاد : ( تقترب منه محدقة في عينيه ) ألا تخشى الخيانة .
شهريار : (ينهض وينحيها عن طريقه ويسير خطوات ويديه خلف ظهره ثم يلتفت إليها ) لا .
شهرزاد : (تتقدم منه و تمسك بيده ) لماذا ؟!
شهريار : الخائن لم يخن أحدا إلا نفسه .
شهرزاد : لو اكتشفت أنني خائنة لك ؟
شهريار : ( يجذب يده منها برفق ) لفد خنت نفسك كما قلت لك .
شهرزاد : كأنك لم تقتلني .
شهريار : ( ساخرا ) أقتل مقتولا .
شهرزاد : ( متعجبة ) ماذا تقصد ؟!
شهريار : ( مشيرا إلى عنقها ) الخائنة قتلت نفسها فلماذا نقتلها مرتين ؟!
شهرزاد : ( مشيرة إليه ) ولكنك قتلت من خانك !
شهريار : إذن أنا شريك معه في الخيانة .
شهرزاد :( متعجبة ) وما شأنك  أنت المخون ؟!
شهريار :لأنني يجب أن أحول بينه وبين الخيانة لا أن أعاقبه على الخيانة . 
شهرزاد : ولكنها لحظة ضعف أمام شهوات وغرائز الجسد .
شهريار : ( مشيرا إلى رأسه ) قبل أن تكون ذلك هي قصور في العقل وخلل في التفكير .
شهرزاد : ( ساخرة ) وما دليلك إلى ذلك يا مليكي ؟!
شهريار :كل أفعال الإنسان لابد أن يسمح بها العقل أولا .
شهرزاد : ( تحدق في عينيه ) ومن عطب عقلُه ؟
شهريار : ( مشيرا إلى صدره ) حينئذ ينوب القلب عن العقل .
شهرزاد : ( متعجبة ) أيصلح ؟!
شهريار : أحيانا يكون القلب أكثر صلاحية من العقل . 
شهرزاد : ( تتقدم منه وتحتضن يده بود ) لا شك أن من دفعك إليَّ الليلة هو قلبك .
شهريار : ( يجذب يده ) ما جئت إلا لأسألك .
شهرزاد : تفضل يا مليكي .
شهريار : ( يضع يده على رأسه ) كل تلك الأحداث والشخصيات الغريبة والعجيبة التي أراها هل هي مجرد أحلام ؟! فإذا كانت فلم تشغلني وتشاغلني ليل نهار ، وإذا كانت واقعية فأين هي فقد سألتُ وبحثتُ عنها فلم أجدها  ؟!
شهرزاد : لا هي في أحلامك ولا هي واقعية .
شهريار : ( مقتربا منها ) إذن ماذا تكون ؟!
شهرزاد : ( تحرك رأسها ) خرافية . 
شهريار : ( متعجبا ) ما معنى خرافية ؟!
شهرزاد : من صنع الخيال .
شهريار : خيال من ؟!
شهرزاد : ( مشيرة إلى رأسها ) خيالي أنا .
شهريار : ( محتدا ) وما شأني أنا بخيالك أنت ؟!
شهرزاد : ( تنهض وتسير مختالة نحوه مشيرة إلى صدره ) أنا من أثريت وجودك وقد كان فارغا .
شهريار : ( مشيرا إلى رأسها ) بالخرافات ؟!
شهرزاد : حينما نطقتُ بها ودارتْ على لساني ومرتْ على أذنك وآنستْ ليلك  لم تعد خرافات .  
شهريار : إلام صارتْ ؟!
شهر زاد : من صميم الحياة ومن نسيج الواقع بل أقوى وأجمل .
شهريار : والدليل ؟
شهرزاد : أنك فقدتَ كل ما في ذاكرتك إلا ما قصصتُه عليك في الليالي .
شهريار : ( متحيرا ) وهذا ما يحيرني ، أنني أتعايش مع تلك كل تلك الشخصيات ، وأشعر أنني شاركتهم كل ما مروا به من أحداث ومشكلات ( متقدما منها محدقا في عينيها ) أتملكين تحويل الوهم إلى حقيقة والخيال إلى واقع ..أأنت ساحرة ؟! ( يدق على رأسه ) أم أن عقلي أصيب بالعطب واستبدل بالحقيقة  الوهم والواقع بالخيال .
شهرزاد : ( تقترب منه ضاحكة ) نحن من نملك تحويل الوهم إلى حقيقة والخيال إلى  واقع . 
شهريار : وأنا أشهد لك بذلك ( يدور حول نفسه ) ولكن ما أدراني بالحقيقة والوهم والخيال والواقع ، فأنا كما تقولين فاقد للذاكرة ، وأنا حائر وضائع بين الاثنين .
شهرزاد : ( تمسك بيده وتقبلها ) أنا الحقيقة الوحيدة في حياتك .
شهريار : ( محدقا في عينيها  ) أنت أعجب شيء صادفته .
شهرزاد : لماذا ؟!
شهريار : ( يجلس ) أنت حاربت لموت وانتصرت عليه بالقصص والحكايات ، وكل الشخصيات التي تقتحم ليلي ونهاري فعلتْ ما فعلتيه ..الجميع بلا استثناء يهرب من الموت بالقصص والحكايات و ..
شهرزاد : ( مقاطعة ) الانتصار على الموت والفناء تحقيق لأعظم أمنية تمناها الإنسان وهو الخلود ، لذلك فإن القصص والحكي أعظم ما أبدعه الإنسان ، هذا الحكي المستمر إلى ما لا نهاية و ..
شهريار : ( مقاطعا ) الذي يعتمد على الذاكرة التي حُرمتُ منها .
شهزاد : ( تجلس بجواره وتربت على يده ) هناك جامع يجمع بيننا وبينك يا مليكي .
شهريار : ( ينهض مبتعدا عنها ) لا ..لا تقولي على تلك القصص والحكايات بديلا عن ذاكرتي .
شهرزاد : ( تلاحقه ) ليس أمامك غير ذلك .
شهريار : ( يعود إليها ) ماذا يحدث لو لم يكن لك وجود في حياتي ؟!
شهرزاد : أنت من أوجدتني بإرادتك 
شهريار : ( مندهشا ) أنا ؟!
شهرزاد : نعم ، أمضيتَ عمرك كله باحثا عنى ..ارتكبتَ كل الحماقات والأخطاء حتى وجدتَني وهربتَ إليَّ .
شهريار : ومما كنتُ أهرب؟!
شهرزاد : من السأم والملل والعبث والفقر الوجداني والخواء العقلي ..تهرب من الموت ، لقد خلقتُ لك عالما ليس أمامك إلا أن تعيش وتتعايش معه وفيه .
شهريار :   (مشيرا إلى ما حوله ) وهذا العالم ؟!
شهرزاد : لقد انقطعتْ علاقتك به بفقدك الذاكرة .
شهريار : كيف ذلك ؟!
شهرزاد : هل يمثل لك هذا العالم وأنت في حالتك تلك أي شيء ؟
شهريار : كابوس ثقيل على قلبي وعقلي .
شهر زاد : إذن تخفف منه .
شهريار : لمن ؟!
شهرزاد : لي .
شهريار : ( متحمسا ) فهو لك .
شهرزاد : ( متهللة ) أمحق أنت ؟
شهريار : لقد قلتِ أن علاقتي بهذا العالم انقطتْ بفقدي الذاكرة .
شهرزاد : إذن تنازل عنه أمام الجميع .
شهريار : عن ماذا ؟!
شهرزاد : عن المٌلك .
شهريار : ( متعجبا ) وتصير مملكة بلا ملك ؟!
شهرزاد : ها أنا ذا موجودة .
شهريار : وأين أذهب ؟!
شهرزاد : ولماذا تذهب ؟! لتبقى .
شهريار : ( متحديا ) بأي صفة ؟
شهرزاد : بصفتك زوجي وحبيبي .
شهريار : وإذا خيرتك بين الاثنين فبأي صفة تريدين أن أبقى ؟
شهرزاد : ( بتودد ) مليكي ومولاي .
شهريار : ( متعجبا ) كوني ملكا يلغي وجود كل من حولي حتى أنت .
شهرزاد :أنت بهذا لست ملكا .
شهريار : إذن من أكون ؟!
شهرزاد : إلاها . 
شهريار : ألا تؤمنين بي ؟
شهرزاد : أؤمن بك كملك وليس كإله .
شهريار : وما الفرق ؟
شهرزاد : الإله ليس في حاجة إلى من يشهدون له بالألوهية .
شهريار : والملك ؟!
شهرزاد : في حاجة إلى من يشهدون له بالملكية ، وإلا فهو ليس بملك . 
شهريار : إذن أنتم من تمنحون لي صفة الملك .
شهرزاد : أتشك في ذلك ؟!
شهريار : وأنا ؟
شهرزاد : رضيت وقبلت ما منحناه لك عن طواعية وطيب خاطر .
شهريار :(يسير منكسا رأسه ويعود ويجلس على كرسي العرش رافعا رأسه إلى السماء  
) وأنا لست بإله .
شهر ذاد : هذا أمر بدهي .
شهريار : ولست بملك .
شهرزاد : لماذا ؟!
شهريار : ( ينهض ويدور حول كرسي العرش ، ويبتعد عنه خطوات ثم يشير إليه ) لأنكم من منح الملك ،ومن يمنح فهو قادر على أخذ ما منحه ( يتقدم منها ممسكا بكتفيها  ) وقد بدأ الأمر بك .
شهرزاد : أي أمر تقصد ؟
شهريار : ( يمسك رأسه متألما ) لقد بدأ الألم يعاودني مرة أخرى .
شهرزاد : ( تقترب منه ممسكة بيده ) سوف أدعو الطبيب .
شهريار :( متجها نحو الباب ) لقد نفدت كل حيله .
شهرزاد : ( تتبعه ) إلى أين أنت ذاهب ؟!
شهريار : سأذهب لأنام .
شهرزاد : ( تستوقفه ) ألا تريد مني شيئا قبل أن تأوي إلى فراشك . 
شهريار : ( يقف قليلا مفكرا ثم يعاود الجلوس )  أعيدي على حكاية الزاهد العجوز .
شهرزاد : ( مندهشة ) لا يوجد حكاية بهذا الاسم !
شهريار : ( متعجبا ) كيف ؟! أنا لم استمع لأحد غيرك ..أم أنك بدأت تفقدين الذاكرة  ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) أنا لا أنسى حكاية حكيتُها لك أبدا .
شهريار : ( مشيرا إلى رأسه ضاحكا ) ربما بدأتُ أؤلف وأخترع الحكايات مثلك .
شهرزاد : إذن احكها لي .
شهريار : ( محدقا في عينيها ) لا أجيد إلا الاستماع ، لقد حرمت من متعة التأليف والخلق .
شهرزاد : ( تجلس أمامه وهي تبسط يديها وترفعهما إلى أعلى ) لم أحرمك من شيء ،فتلك هبات وفي حاجة إلى جهد وتفكير ، وأنتم معشر الملوك تضنون بأنفسكم .
شهريار : تلك تهمة أم نقيصة ؟!
شهرزاد : ( تنهض وتلتقط تفاحة وتقطعها وتقترب منه واضعة قطعة في فمه ) إنه الواقع ..أرأيت ملكا شاعرا أو قصاصا أو رساما أو أي شيء من هذا القبيل ؟! نعم أنتم تهتمون بكل هؤلاء وتحبون أن يكونوا بالقرب منكم كأي قطعة أثاث في القصر .
شهريار : ( يرد يدها الممدودة بشريحة التفاح ) نعود إلى قصة الزاهد العجوز .
شهرزاد : ( تضع بقية التفاحة والسكين في الطبق وتعود إليه ) أأنت على يقين أنه حكاية ؟!
شهريار : ( متعجبا ) إذن ماذا تكون ؟!
شهرزاد : حقيقة .
شهريار : ولماذا تذكرتُها دونا عن غيرها ؟!
شهرزاد : ( مفكرة ) ربما لأنك سمعتها في ظرف خاص .
شهريار : (متعجبا )ماذا تقصدين ؟!
شهرزاد : ربما تلقيتها قبل الحادثة مباشرة أو بعد الحادثة أو أثناء الحادثة .
شهريار : ( مفكرا ) أثناء الحادثة .
شهرزاد : المهم ماذا تقول تلك الحكاية أو القصة ؟
شهريار : ألم تقولي إنها قد تكون حقيقة ؟!
شهرزاد : ربما ..ماذا تتذكر من تلك الحكاية ؟! 
شهريار : ( يقف ويسير في المكان عدة خطوات مطرقا  واضعا أصابعه على جبينه ) كل ما أتذكره تلك الشفاه الجافة المتشققة وهي تتحرك ببطء ، لم يكن هناك أسنان ، وإنما فجوة كل كلمة ينطق بها كأنها قبس من نور يضئ ما حوله ...نعم ،تذكرت ما قاله ..كلمات قليلة ولكنها كانت تهبط على نفسي بردا وسلاما ..قال إذا أردت الراحة  فأترك كل شيء وراءك وسر ورائي ، وسألته إلى أين ؟ قال لي نبحث ونقتش عنه ، سألته عن أي شيء نبحث ؟! قال لي عن قلبك .
شهرزاد : ( مشيرة إلى صدره في عجب ) وما في صدرك ؟!
شهريار : ( يضع يده على صدره ) أخبرني أنه حجرٌ !
شهرزاد : ( ساخرة ) كل ما تقوله هراء .
شهريار : ( محتدا ) أنا لم أقل شيئا ، ولكنه هو ..
شهرزاد : ( مقاطعة ) ألم تلاحظ أن حالتك تزداد سوءا .
شهريار : ( غاضبا ) ماذا تقصدين ؟!
شهرزاد : ( تنهض مبتعدة عنه ) لقد فقدت ذاكرتك ، والآن ...
شهريار : ( يقترب منها ممسكا بيدها ومشيرا إلى رأسه ) تقصدين أنني قد جُننتُ ؟
شهرزاد : ( تخلص يدها من يده وتجلس على مقعدها ) وما تراه وما تسمعه ، وذلك العجوز ؟!
شهريار : ( مقتربا منها محيطا عنقها بيديه محدقا في عينيها ) والآن فقط أدركتُ سبب كل تصرفاتك وأقوالك ..أنني مجنون ..لست فاقدا للذاكرة فحسب بل مجنون ... مجنون .
شهرزاد : ( مذعورة تحاول أن تخلص عنقها ) أتريد أن تقتلني ؟!
شهريار : ( يتركها ويجلس على كرسيه مقهقها ) شهريار هو من يقتل ، ولستُ شهريار ، أو شهريار المجنون ..والمجنون لا يقتل أحدا ...أتدرين لماذا ؟ قبل أن تجيبي أريد أن أسألك ( يقف في مواجهتها ) ألم تفكري في قتلي ؟
شهرزاد : ( بإصرار ) بلى ، فكرتُ في قتلك ،ولكنني لم استطع .
شهريار : ( محدقا في عينيها ) لماذا ؟ 
شهرزاد : (تدور حوله ) لماذا فكرتُ في قتلك أم لماذا لم استطع ؟
شهريار : لماذا فكرتِ في قتلي ؟  .
شهرزاد : فكرتُ أن أقتلك ؛ لأن هذا هو الجزاء العادل فقد قتلتَ الكثيرين وظلمتَ وسجنتَ وإذا أحصينا جرائمك فهي لا تُعد ولا تُحصى ، فهذا قصاصٌ عادلٌ. 
شهريار : ولماذا لم تستطيعي ؟
شهرزاد : لأني لا أستطيع قتل نفسي .
شهريار : أتحبين شهريار لتلك الدرجة ؟!
شهرزاد : ( تقترب منه وتجثو على ركبتيها متضرعة ممسكة بيديه ) لا أظن أن قلبا من قلوب البشر حمل حبا كما حمل قلبي لك .
شهريار :أيجتمع الحب والكراهية في قلب واحد ؟!
شهرزاد : ( تلثم يده ) الحبُ سلطانٌ عادلٌ لا يدخل القلب ويغلق أبوابه ، ولرقيه وسموه قد يسمح لأعدائه أن يجدوا موطأ بجواره في القلب .
شهريار : (ساخرا ) أو ربما مغامرة من الحب أن يحول الكراهية إلى حب 
شهرزاد : ( تنهض وتلتصق به ) وقد يتحول الحب إلى كراهية . 
شهريار :ربما ، فما سُمى القلبُ  إلا لتقلب أحواله ، وأنا أجد مبررا لكراهيتك لي رغم حبك لي .
شهرزاد : ولماذا أكرهك رغم حبي لك ؟!
شهريار : لأنني فكرتُ من قبل في قتلك لولا أنك أنقذت نفسك بالقصص والحكايات ، ومن ناحية أخرى بسبب أنك لن تمضي حياتك مع زوج فاقد للذاكرة أو مجنون ؟!أتتخيلين أنني أشفقت عليك من الحياة معي ، حتى لو تنازلت لك عن الحكم والملك فما زلت زوجك ، فاقد الذاكرة أو المجنون . أي امرأة تتحمل هذا ؟!
شهرزاد : ( تمسك بكتفيه  محتضنة إياه ) لا أنت فاقد الذاكرة ولا أنت مجنون ، أنت في كامل قواك العقلية ، أنت تعبث بي وتلهو ، كف عن هذا وعد إلى شهريار الذي أنت تعرفه ونحن نعرفه . 
شهريار : ( يمسح على شعرها متخلصا منها  ويعود إلى الجلوس على كرسيه) ولماذا أعبث بك وألهو بكم .
شهرزاد : الانتقام ...عدت إلى طبعك القديم .
شهريار : وأين دواؤك الذي شفاني وغير من طبعي ...أم أن سحرك قد فقد تأثيره ؟!
شهرزاد : أي سحر تقصد ؟!
شهريار : القصص والحكايات والخرافات .
شهرزاد : أتنكر أنه غير من طبعك .
شهريار : وسحرني .
شهرزاد : إلى الأفضل .
شهريار : والآن .
شهرزاد : على ما يبدو معك تعويذة .
شهريار : ( ساخرا ) ممن ؟!
شهرزاد : العجوز الزاهد . 
شهريار :( يسير في أرجاء القاعة مقهقها ويقف في مواجهتها مشيرا إلى رأسه) إذن العجوز الزاهد ليس وَهْما من صنع خيالي ، ليس هذا فحسب بل من أنقذني من سحرك . 
شهرزاد : ولعله شيطان .
شهريار : الشياطين هم من يجيدون فنون السحر .
شهرزاد : ( غاضبة )أتقصد أنني شيطانة ؟!
شهريار : ومن أين للشيطانة بكل هذا الجمال والحسن والبهاء .
شهرزاد : ( تقترب منه ممسكة بيده ) أتسخر منى  ؟!
شهريار : ( محدقا في عينيها ) ما سخرت من أحد وبالأخص أنت .
شهرزاد : ( تلتصق به ) منذ الحادثة لم نخرج سويا ، هيا نقوم ينزه خارج القصر .
شهريار : ( مفكرا ) أنا بالفعل سأخرج ولكني بمفردي .
شهرزاد : لماذا ؟
شهريار : لأبحث عن العجوز الزاهد .

إظلام .  













                                      المشهد الثامن  .
شهريار والسياف .
شهريار : ( مشيرا إليه ) لماذا قتلت كل هؤلاء ؟
السياف :( متعجبا ) أنا لم أقتل أحدا!
شهريار : كيف؟!
السياف : ( مشيرا إلى سيفه ) ما أنا إلا مطيع لأمر مولاي .
شهريار : ( متقدما من السياف محدقا في عينيه ) تطيعني في قتل الآخرين وإزهاق أرواحهم !
السياف : ( منكسا رأسه ) نعم يا مولاي .
شهريار : ( يعود إلى كرسيه محركا خاتمه ) ولا تعصى لي أمرا .
السياف : ( جاثيا مقبلا طرف عباءته ) كيف تطاوعني نفسي أن أعصى أمرا لمولاي الملك ؟!
شهريار : ( مشيرا إلى السيف معلقا في نطاقه ) إذن أقتل نفسك ، أنا الملك آمرك أن تقتل نفسك .
السياف : ( يحيط عنقه بيده مذعورا ) أقتل نفسي !
شهريار : ( يقف مربتا على كتفه ) ألم تقل أنك تطيع أمري ؟
السياف : ( يقبل يده ) بلى ، أطيعك في قتل الآخرين .
شهريار : إذن أنت لم تقتل إلا لتحقيق رغبتك في القتل ، فأنت قاتل أمرتك بذلك أو لم آمرك ، والأمر ليس طاعة لي ، وكان في الإمكان أن تعصاني كما فعلت الآن .
السياف : حتى لو كنت قاتلا ، فأنا لم أحقق رغبتي إلا بعد أن أمرتني بذلك 
شهريار : أنا قلت كلمة ، ولكنك قتلت نفسا .
السياف : يا مولاي ..الكلمة أقوى وأمضى من السيف .
شهريار : ( مفكرا ) كيف ؟!
السياف : ( مشيرا إلى فمه ) الكلمة في طوقها أن تحيي وتميت ، ولكن السيف لا يملك ذلك . 
شهريار : كل الناس يتكلمون .
السياف : وليس كل الناس ملوك .
شهريار : ( يتأمله ) لم أسمعك من قبل تتكلم ، فما بال لسانك اليوم انطلق من عقاله ؟!
السياف : ( يضع يده حول عنقه ) لأنقذ نفسي .
شهريار : ولماذا لم تفعل ذلك لإنقاذ الآخرين ؟
السياف : وكيف ذلك وقد حكمت عليهم بالقتل ؟! 
شهريار : وأنت نفذت الأمر أم الحكم ؟ 
السياف : ( متحيرا ) وهل هناك فرق يا مولاي ؟!
شهريار : ( مرسلا بصره عبر النافذة مفكرا ) نعم ، الأمر ربما يكون صادرا عن ظلم أو جهل أو ضغينة ، بينما الحكم يكون صادرا عن عدل أو علم أو إنصاف .
السياف : حتى لو كان الأمر كذلك فما خلقنا إلا لننفذ رغبتك يا مولاي .
شهريار : حتى لو كانت رغبة ظالمة ؟
السياف : ( بإصرار ) حتى لو كانت رغبة ظالمة .
شهريار : ( متعجبا ) لماذا ؟!
السياف : لأن  مولاي الملك  هو من يتحمل عنا كل شيء  .
شهريار : ( مشيرا إليه ) وأنت ؟
السياف : ( جاثيا ) أنا عبدك و خادمك يا مولاي .
شهريار : ( منتفضا غاضبا ) كلكم عبيد رغابتكم .
السياف : ( مبتعدا مذعورا ) كيف يا مولاي ؟!
شهريار : ( صائحا متقدما نحوه ) أنت تعشق القتل وقطع الأعناق، تحب أن ترى الدماء تسيل من ضحاياك ، تعشق أن ترى في عيونهم الخوف والفزع والرعب ، وأنت ترفع سيفك لتجز أعناقهم .
السياف : ( يسقط ويحتمي بالحائط )لا يا مولاي و ..
شهريار : ( يلاحقه مقاطعا) لماذا لم تحترف حرفة أخرى ؟!
السياف : ( يخمش الأرض ) ماذا أعمل يا مولاي ؟
شهريار : ( يهدأ عائدا إلى كرسيه ) حطابا ، فلاحا تحيي الأرض بدلا من أن تميت النفوس .
السياف : ( يقف يسوى رداءه ) حتى لو لم أعمل لجاء غيري .
شهريار : هل تتقاضى الكثير من المال جراء عملك هذا ؟
السياف : نعم .
شهريار : فيم تنفقه ؟
السياف : في شرب الخمر .
شهريار : لماذا ؟
السياف : محاولا أن أنسى .
شهريار : تنسى ماذا ؟
السياف : من قتلتهم .
شهريار : ولماذا قتلتهم ؟
السياف : من أجل الحصول على المال .
شهريار : على هذا أنت تقتل من أجل الحصول على المال وليس طاعة لأمري . 
السياف : نعم يا مولاي .
شهريار : أتحب العدل ؟
السياف : نعم يا مولاي . 
شهريار : إذن يجب أن تُقتل كما قَتلت .
السياف :نعم يا مولاي .
شهريار : ولكن من سينفذ فيك القتل ؟
السياف : أنا مقتول منذ زمن بعيد . 
شهريار : كيف ؟!
السياف : كل إنسان قتلته كأني قتلت نفسي .
شهريار : ( ضاحكا في سخرية ) إذن أنت القاتل والمقتول في آن واحد .
السياف : ( يمسك مقبض السيف) معك حق يا مولاي ، لأقتل نفسي ، وهذا آخر أمر أطيعك فيه ، وآخر فعل أنفذه . 
شهريار : ( مشيرا إلى السيف ) أعطني هذا السيف .
السياف : ( مستسلما ) هل ستقتلني يا مولاي ؟
شهريار : ( يتناول السيف ) اذهب كما قلت لك إلى الغابة لتحتطب أو لتحيي الأرض .
السياف : ( يتابعه ) وماذا ستفعل بالسيف يا مولاي ؟
شهريار : ( يذهب نحو الحائط ويعلقه ) سأعلقه على الحائط .
السياف : ( متعجبا ) لماذا ؟!
شهريار : ( مشيرا إلى الحائط) على الأقل الحائط لن يطيعني إذا أمرته بقتل الآخرين ..اذهب إلى حال سبيلك .
الحاجب : ( يدخل منحنيا ) ما يأمر به جلالة الملك .
شهريار : ( مشيرا بإصبعه ) ليدخل القاضي .
القاضي : ( يجمع أطراف العباءة حول جسده منحنيا ) سمعا وطاعة جلالة الملك . 
الح شهريار  :  ( محتدا ) ألم يبلغك الوزير بالأمر ؟!
القاضي : ( مندهشا ) أي أمر يا مولاي ؟!
شهريار : أمر المحاكمة ؟
القاضي : محاكمة من ؟ !
شهريار : محاكمة شهريار . 
القاضي : ( متحرجا ) ظننته يهزل .
شهريار : (محتدا ) وهل هذا يحتمل الهزل ؟!
القاضي :(متهيبا ) في بداية الأمر ظننتُ أنه أخطأ في تبليغي الأمر أو أنا أسأتُ السمع ولأن الأمر خارج التصور وبعيد عن كل توقع لم أهتم .
شهريار : ولماذا ؟ !
القاضي : كيف أحاكم الملك ؟ 
شهريار : ومالا علاقة الملك بشهريار ؟!
القاضي : (غير مصدق ) شهريار هو الملك والملك هو شهريار يا مولاي .
شهريار : ( متعجبا ) وأنا .
القاضي : ( فاغرا فاه غير مصدق ) أنت ؟!
شهريار : ( مفكرا ) صار الأمر متعلقا بثلاثة الملك وشهريار وأنا .
القاضي : مولاي لا يوجد سواك أنت الملك وأنت شهريار.
شهريار : إذن لتحاكمني ربما أكون بريئا .
القاضي : ربما .
شهريار : وربما أكون مذنبا .
القاضي : ربما  
شهريار : وربما يكون هناك مذنب آخر .
القاضي : ربما .
شهريار : بل مذنبون .
القاضي : ماذا تقصد يا مولاي ؟!
شهريار : ألم يجل بخاطرك مرة أن تحاكم نفسك ؟ 
القاضي : بأي تهمة يا مولاي ..
شهريار : الإخلال بالعدل .
القاضي : كيف ؟
شهريار : شهريار ارتكب من الجرائم الكثير والكثير تحت سمعك وبصرك لماذا لم تحاكمه ؟
القاضي : ولماذا أحاكمه ؟
شهريار : لأنه ظالم وقاتل وهناك مظلمون ومقتولون لا يتحمل شهريار ذنبهم ولكن أنت من تتحمل وزرهم .
القاضي : إن فكرتُ في هذا أقتل .
شهريار : إذن أنت فديتَ نفسك على حساب العدالة .
القاضي : أقول لك لو فكرتُ مجرد تفكير قد أقتل .
شهريار : ومن قال إنك لم تقتل أنت قتلت بعدد من قتلهم شهريار ، كل مقتول قتل ظلما أنت تتحمل وزر قتله فأنت وليس غيرك يحمل في عنقه دماء كل هؤلاء ، ويجب أن تحاكم .
القاضي : كيف ؟! ومن الذي يحاكمني ؟!
شهريار : المظلومون والقتلة ، هم الأحق والأولى أن يحاكموك .
القاضي : كيف وهم أموات ؟!
شهريار : على الأقل أن تريح أرواحهم .
القاضي : كيف ؟!
شهريار    : أن تنتصف لهم من قاتلهم .
القاضي : وأنت من قتلتهم .
شهريار :وهذا اتهام .
القاضي : مولاي ..
شهريار : والاتهام يستوجب المحاكمة .
القاضي : مولاي .
شهريار : ليس أمامك إلا أن تحاكم شهريار حتى لو كنت أنا شهريار .
القاضي : مولاي .
شهريار : ويجب أن تكون المحاكمة عادلة .
القاضي : مولاي . 
شهريار : هيا لا وقت لدينا ابدأ في إجراءات المحكمة .
القاضي : يجب أن تكون المحاكمة على الملأ .
شهريار : فلتكن.
القاضي : ويجب أن تقيد وتوضع في قفص الاتهام .
شهريار : فليكن .
القاضي : ويجب أن تتم المحاكمة باسم الملك .
شهريار : فلتتم باسم الملك .
القاضي : وأنت الملك . 
شهريار : وما في ذلك ؟!
القاضي : كيف تقام محكمة باسم الملك لتحاكم الملك نفسه ؟!
شهريار : كأن المحاكمة اعتراف بالذنب ، فقد يكون الملك بريئا .
القاضي : وقد يكون مذنبا .
شهريار :وإذا كان مذنبا .
القاضي : تنتفي المحاكمة من أصلها .
شهريار : لماذا ؟!
القاضي : لأن المحاكمة تمت باسم مذنب وهذا دحض للعدل . 
شهريار : فلا تقيم المحاكمة باسم الملك .
القاضي : بأي اسم .
شهريار : باسم المظلومين والمقتولين .
القاضي  : ( خارجا من القاعة) سمعا وطاعة  جلالة الملك .
الحاجب : ( يدخل ) حكيم الزمان يطلب المثول بين يديكم مولاي الملك .
شهريار : ( متعجبا ) فليدخل .
حكيم الزمان : ( منحنيا ) أتيتُ لأطلب الإذن بالرحيل .
شهريار : ( متعجبا ) ورحيلك في حاجة إلى إذن ؟!
حكيم الزمان : لقد أمرتني بالبقاء .
شهريار : فلتبق حتى تحضر المحاكمة .
حكيم الزمان : (مندهشا ) المحاكمة !
شهريار : ( ساخرا ) أتخشاها؟
حكيم الزمان : وما شأني بها يا مولاي ؟!
شهريار : كلنا يجب أن نحاكم وأنا أولكم 
حكيم الزمان : وما جدوى المحاكمة ؟
شهريار : إدانة وإبراء .
حكيم الزمان : إدانة لمن وإبراء من ؟
شهريار : إدانة لشهريار وإبراء لغيره .
حكيم الزمان : ومتى كانت المحاكمات عادلة ؟
شهريار : إذن لماذا تُنصب ؟!
حكيم الزمان : جميعُ المحاكمات في التاريخ الإنساني كانت تُنصب لكل شيء وأي شيء إلا  لإحقاق العدل .
شهريار : إذن العدل خرافة .
حكيم الزمان : أتشك في هذا ؟
شهريار : وما قيمة الحياة بدون عدل ؟
حكيم الزمان : ظلم .
شهريار :وما قيمة  العدل بدون حياة ؟
حكيم الزمان : ظلم . 
شهريار : ( متعجبا ) إذن ..
حكيم الزمان : ( مقاطعا ) بالضبط نحن نعيش بين ظلمين .
شهريار : والعمل ؟ّ!
حكيم الزمان : لا تحاكِم ولا تُحاكَم .
شهريار : ( متعجبا ) منطقٌ غريبٌ !
حكيم الزمان : وحياة أغرب .
شهريار : إلى تلك الدرجة العدلُ أمرٌ عسيرٌ .
حكيم الزمان : بل هو مستحيل ولا يقدر عليه سوى الله .
شهريار :ولكن الله أمر به .
حكيم الزمان : وهل كل ما يأمر الله به نقدر عليه ؟!
شهريار : ( متعجبا ) إذن لماذا أمرنا به ؟ !
حكيم الزمان : لإظهار عجزنا وفضح غرورنا وكشف قصورنا .
شهريار : لماذا ؟!
حكيم الزمان : كي لا نتأله .
شهريار : ( متعجبا ) أبشرٌ يتألهون ؟!
حكيم الزمان : ألم يقل فرعون أنا ربكم الأعلى ويقول النمرود أنا أحيي وأميت ؟  
شهريار : ( ينهض ويسير خطوات واضعا يديه خلف ظهره ، يلتفت إليه ) إلى أين سترحل ؟
حكيم الزمان : لن أرحل إلا بعد أن أحاكم كما أمرتَ .
شهريار : قد استثنيك من المحاكمة كما استثنيت السياف .
حكيم الزمان : ولماذا استثنيت السياف ؟!
شهريار : لأنه لقى جزاءه .
حكيم الزمان : ( مذعورا ) أقتلته ؟
شهريار : هو من قتل نفسه بعدد من قتلهم ، لقد اعترف لي بذلك لذلك استثنيته من المحاكمة وسمحت له بمغادرة القصر .
حكيم الزمان : قتل نفسه بعدد من قتلهم ..كيف هذا ؟!
شهريار : ألا تدري أن الإنسان قبل أن يظلم غيره قد ظلم نفسه ؟
حكيم الزمان : وما الفرق بين ظلم الإنسان غيره وظلمه نفسه ؟!
شهريار : المظلوم قد يسامح الظالم ، ولكن النفس لن تسامح صاحبها أبدا .
حكيم الزمان : لماذا ؟ّ
شهريار : لأنها لا تملك ذلك  .
حكيم الزمان : إذن لا جدوى من المحاكمة يا مولاي وحسبنا أننا  ظلمنا أنفسنا .
شهريار : ( ينهض ويسير مطرقا واضعا يديه خلف ظهره ) حسبنا أننا   ظلمنا أنفسنا .   ( مقتربا منه مربتا على كتفه ) معك حق ..حسبنا أننا ظلمنا أنفسنا ، فماذا ستفعل المحاكمة ؟! (محدقا في ملامحه ) والآن إلى أين ؟ 
حكيم الزمان :  أرض الله واسعة  يا مولاي .
شهريار : وتترك القصر ؟
حكيم الزمان : من ضيق إلى سعة .
شهريار :( مفكرا ) ليتني أستطيع أن أفعل ما ستفعله .
حكيم الزمان : ولم لا ؟!
شهريار : نحن كالأجرام في السماء تدور في أفلاكها المرسوم لها منذ الأزل .
حكيم الزمان : والإرادة يا مولاي .
شهريار : ثمنها التضحية .
حكيم الزمان : كل شيء يهون لتحقق إرادتك . 
شهريار : وما دليلك في رحلتك ؟
حكيم الزمان : قلبي .
شهريار : أيصلح ؟!
حكيم الزمان : إذا كان سليما .
شهريار : مما ؟!
حكيم الزمان : من كل الآفات .
شهريار : ( شاردا ) دليلك هو قلبك ..ذكرتني بالعجوز الزاهد ..ألا تعرف عنه شيئا .
حكيم الزمان : ( متعجبا ) من يا مولاي ؟ 
شهريار : رجل .
حكيم الزمان : لا أعرفه يا مولاي .
شهريار : ( متحيرا ) أهو وَهْمٌ أم حقيقةٌ ؟ 
حكيم الزمان : لا أعرفه يا مولاي .
شهريار :  ( متأثرا ) إذن هو وَهْمٌ .
حكيم الزمان : لماذا ؟
شهريار : لأنه لو كان حقيقة لعرفتَه .
حكيم الزمان : وقد يكون حقيقةً ولا أعرفه . 
شهريار : وكيف لمن فقد ذاكرته أن يفرق بين الحقيقة والوهم .
حكيم الزمان : ( يقترب منه مصافحا ) مولاي ألا تريد الرحيل ؟!
شهريار : ( يربت على كتفه ويصحبه إلى الباب ) أنت سترحل لأنك معك دليلك ،أما أنا فلا أدري هل سأعثر على دليلي أم سأظل أبحث عنه طوال عمري .
إظلام .           
    
  






                                     المشهد التاسع .
يدخل شهريار قاعة الملك ، يجد العجوز الزاهد واقفا بجوار كرسي العرش .  
شهريار   :(متفاجئا )العجوز الزاهد ..لقد بحثتُ عنك كثيرا فلم أجدْك حتى ظننتُ أنك ...
العجوز الزاهد :( مقاطعا بإشارة من يده ) حتى ظننتَ أنني وَهْمٌ .
شهريار :(يمسك رأسه ) أنت بالفعل وَهْمٌ ، وإلا كيف دخلتَ إلى هنا  واجتزتَ كل تلك الأبواب ، ولم يمنعك الحراس ؟!
العجوز الزاهد : إذن الوهمُ يقدر على مالا تقدر عليه الحقيقةُ .
شهريار   : ( متقدما نحوه ) ماذا تقصد ؟!
العجوز الزاهد : ( متأملا ما حوله ) كوني وَهْمًا كما تظن ، استطعتُ أن اجتاز الأبواب ، وهربتُ من مراقبة الحراس ودخلتُ إلى هنا قاعة ملكك ، ولو كنتُ حقيقة ما قدرتُ على فعل ذلك .
شهريار :( مشيرا إلى رأسه ) أقصد بالوهم أنك لا توجد إلا في رأسي ،ولا يصورك لي إلا عقلي المعطوب . 
العجوز الزاهد : إذا كنتُ وَهْمًا فلم أمضيتَ كلَّ تلك المدة باحثا عني ؟! 
شهريار   : ( مقتربا منه ،محدقا في ملامحه ) أيها العجوز الزاهد ..
العجوز الزاهد : ( مقاطعا في حدة ) هذا ليس اسمى ، فلم تناديني به ؟! 
شهريار   : ( مقتربا منه ) إذن صفتك .
العجوز الزاهد : وما الذي أوحى لك بذلك ؟
شهريار  :    ( مشيرا إليه متعجبا ) شكلك وملابسك وعصاك !
العجوز الزاهد : الصفة تنبع من الداخل وليس من الخارج .
شهريار       : إذن بما أناديك ؟أو بأي صفة أحدثك ؟
العجوز الزاهد : ( يجلس على الأرض ناظرا إلى أعلى مفكرا) ناديني بالظل.
شهريار       : ( مندهشا ) الظل !
العجوز الزاهد : ( يدق بعصاه على الأرض ) كلُّنا ظلالٌ تمكث على  
  الأرض قليلا ثم تُمحى .
شهريار : ( ساخرا ) ولم جلستَ على الأرض أيها الظلُ والقاعةُ مليئةٌ بالمقاعد ؟!
الظل : أرأيتَ ظلا يجلس على مقعد من قبل ؟!
شهريار : إذن كيف أحدثك وأنا واقفٌ وأنت جالسٌ ؟!
الظل : ( مشيرا إلى الأرض بعصاه ) إذن تعال وأجلس بجواري على الأرض .
شهريار : ( متقدما نحوه ليجلس) اعطني يدك لأستند عليها .
الظل : (مبتعدا عنه متعجبا ) لا يُستندُ على ظل ! 
شهريار : ( مبتعدا عنه ) أخبرني ..أأنت وَهْمٌ كما قالتْ شهرزاد أم حقيقة ؟
الظل   : ( ساخرا ) وما ضرك أنتَ إن كنتُ وَهْمًا أم حقيقةً ؟!       لقد عشتَ عمرك كله بين الخرافات والأوهام  .
شهريار : ( يجلس على الأرض ) والآن أنا تائه بين الوهم والحقيقة .
الظل   : بل قل باحث عن الحقيقة .
شهريار : وأول خطوة في البحث طرح الأسئلة والحصول على إجابة 
الظل   : أسأل وأنا أجيبك .
شهريار : من أنت ؟ ومن أنا ؟ 
الظل        : لتعتبرني ظلك ، أو قبسا من نور يضيء لك طريقك ، توأمك الروحي ..قرينك ..رفيقك.. ملاكك.. أو كما كنتَ تناديني العجوز  الزاهد 
شهريار : وأين كنتَ ؟!
الظل    : كنتُ موجودا بجوارك على الدوام .
شهريار : ولكنك ..
الظل : ( مقاطعا ) لأنك في حاجة إليَّ ، أدركتني الآن .
شهريار : تقصد أوجدتُك .    
الظل : فليكن ..إذا كان هذا يرضيك . 
شهريار : ( محدقا في ملامحه ) أم أنك أنت نفسي وأنا أتحدث معها الآن ؟!
الظل : ( متعجبا ) وما الذي ألجأك لتقول هذا ؟!
شهريار :( مشيرا إلى لحيته ) إذا أزلنا لحيتك ( مشيرا إلى ثيابه ) وخلعنا عنك تلك الأسمال الرثة ( مشيرا إلى ظهره ) واستقام ظهرك المنحني ، وكففتَ عن الارتعاش لصرتَ كأنك أنا .
الظل  : فليكن ..إذا كان هذا يرضيك .
شهريار : ( ينتفض واقفا ويسير في أرجاء القاعة غاضبا ) أنت لا هذا ولا 
ذاك ..أنت شيطانٌ لعينٌ يعبث بي . 
الظل   : ( ينهض مقتربا منه ) فليكن ...إذا كان هذا يرضيك .
شهريار : (مشيرا إليه )  قف عندك لا تقترب مني .
الظل    :( يلتفت إليه )  فليكن .. إذا كان هذا يرضيك . 
شهريار : ( مشيرا إلى الباب ) أغرب عن وجهي فإني لا أريد ان أراك .
الظل    : ( متجها نحو الباب ) فليكن .. إذا كان هذا يرضيك .
شهريار : ( يعترضه ) أمكث هنا لا تخرج من هذا الباب ( مقهقها ومقلدا 
له ) فليكن .. إذا كان هذا يرضيك .
الظل    : ( مستسلما ) فليكن .. إذا كان هذا يرضيك .
شهريار : ( يجلس على كرسيه مفكرا ) دعنا منك ولنتحدث عني ولا تقل 
لي مرة أخرى ( مقلدا له ) فليكن إذا كان هذا يرضيك .
الظل     : فليكن ..إذا كان ..
شهريار : ( مقاطعا محتدا ) من أنا ؟!
الظل  : ( مشيرا إليه بعصاه ) أنت شهريار الملك .
شهريار : ( يدور حول نفسه في أرجاء القاعة وهو يدق على صدره ) لستُ شهريارَ ...لستُ شهريارَ .
الظل : ( مشفقا ) حتى ولو لم تكن شهريارَ فلابد أن تكونه .
شهريار  ) :مندهشا ) لماذا ؟
الظل     : لأنك ستخسر كل شيء إن لم تكنه ، ولن تكسب شيئا .
شهريار    : وأنا أقبل أن أكون أي شخص إلا شهريار حتى لو خسرتُ كل شيء .
الظل : ( يدور حوله )  إذن ليس أمامك إلا أن تخلع هذا التاج من على رأسك ، وتنضو العباءة الملكية من على جسدك وتلقي خاتم  الملك من إصبعك وتتخلص من صولجانك ، وتخرج من هذا القصر بدون أن يشعر بك أحدٌ إلى غير رجعة .
شهريار : إلى أين ؟!
الظل : إلى المجهول 
شهريار : لماذا ؟!
الظل : لأنك رفضت المعلوم . 
شهريار : وشهريار .
الظل : سيبقى في وجدان الناس وعقولهم .
شهريار : على أي شكل ؟!
الظل : رمزا للظلم والاستبداد والفساد.
شهريار : سأحاول أن أغيره .
الظل : لن تستطيع .
شهريار : من يمنعني ؟!
الظل : الناس .
شهريار :( متعجبا ) ولماذا ؟!  هل يحبون شهريار؟
الظل : الأمر  ليس متعلقا بالحب أو الكره .
شهريار : إذن بماذا ؟
الظل : أنت في حاجة أن تغير عالما بأكمله ، وليس شهريار فحسب 
شهريار : ( متعجبا ) وما علاقة شهريار بالعالم ؟!
الظل : (مشيرا  بالعصا إلى لوحة معلقة على جدار القاعة ) أترى تلك اللوحة ، إنها مصنوعة من قطع الفسيفساء ،تستطيع أن تنزع قطعة أو أكثر وتضع قطعا أخرى مكانها ولا يحدث شيء للوحة ، العالم ليس لوحة من الفسيفساء ، إما أن تقبله بكل علاته وعيوبه .
شهريار : وإما أن أرفضه .
الظل : حتى هذا لا تقدر عليه .
شهريار : ( مفكرا ) لا أستطيع أن أغير شهريار ، ولا أرغب أن أعود إلى شهريار الذي كنته .
الظل : أظن ستسألني عن الخروج من تلك المعضلة .
شهريار : ( يمسك جبينه ) أسألك وأسأل نفسي .
الظل :  الموت . 
شهريار : ( مفزوعا ) أتشير علي بالانتحار ؟!
الظل : الموت شيء والانتحار شيء آخر .
شهريار : ومتى يموت الإنسان ؟
الظل :حينما يستنفد كل إمكانات البقاء يموت حتى لو كان حيا .
شهريار : ( بأسى ) كنتُ أظن أنني قادرٌ أن أغير من العالم حولي .
الظل : الأنبياء وحدهم القادرون على ذلك .
شهريار : ( مطرقا ) ولستُ نبيا . 
الظل : حتى الأنبياء لهم زمنهم ، ثم يعود العالم إلى سابق عهده بل أسوأ مما كان عليه ! 
شهريار : إذن نفقد إيماننا بوجود الخير .
الظل : لا ،  الخير موجود  .
شهريار : (متعجبا ) وأين هو إذن ؟!
الظل : (مشيرا إلى صدره ) داخلك .
شهريار : والعالم ؟!
الظل : الخير ليس محله العالم ، وإنما الصدور .
شهريار : وما جدواه ؟!
الظل : الصدر أكثر اتساعا من العالم ، لذلك قد يسع صدرُك الخير ولا يسعه العالمُ .
شهريار : إذن هو الخصامُ بيني وبين العالم .
الظل : والتصالحُ بينك وبين نفسك .
شهريار : والماضي ؟
الظل : لا وجود له .
شهريار : والمستقبل ؟
الظل : لا وجود له . 
شهريار : والحاضر .
الظل :هو كل ما تملكه .
شهريار : ( يخلع  التاج والعباءة ويرمي بالصولجان وينزع الخاتم من إصبعه ويلقي نظرة على كل ما حوله ) معك حق في كل ما قلته .
الظل : ماذا ستفعل الآن ؟!
شهريار : سأخرج من هنا بدون أن يشعر بي أحدٌ.
الظل : إلى أين ؟
شهريار : ( متجها نحو الباب ) أبحث عن مكان أجد فيه الخير .
الظل : ستجده لأنه أقرب إليك من نفسك .
شهريار    : ألن تأتي معي ؟!
الظل : ستجدني هناك ...فقد سبقتُك .
إظلام .
ستار النهاية .





                     ســــيرة ذاتــــية 

الاسم : محمود محمد محمود القليني . 
المؤهل : ليسانس في الآداب والتربية جامعة الإسكندرية- تخصص:  اللغة العربية الإيميل : elkellenymahmoud@yahoo.com
melkelleny@gmail.com                
الهاتف : 0201061414124-  الواتس : 01061414124
الوظيفة : مدير عام بوزارة التربية التعليم  بجمهورية مصر العربية .
العنوان : جمهورية مصر العربية – محافظة البحيرة – دمنهور – شارع السيدعمر مكرم –برج الفتح .  
الأعمال المنشورة : 
مسلسل
نوع الإصدار
الاســــــــــــــــــم 
الناشر  
تاريخ النشر
1
كتاب 
جمال المشهد في القرآن الكريم
العلم والإيمان بدسوق
2024
2
كتاب
الفكر الإسلامي ومستجدات العصر 
المجلس الأعلى للشؤن الإسلأمية بالقاهرة
2005
3
كتاب 
نحو تفسير علمي للأحلام
الهيئئة العامة للكتاب بالقاهرة 
2022
4
كتاب 
الخليل عليه السلام رحلة في المكان سياحة في الزمان 
العلم والإيمان بدسوق 
2018
5
كتاب
شخصية موسى النبي 
بستان المعرفة بكفر الدوار 
2011
6
كتاب 
شخصة المسيح
بستان المعرفة بكفر الدوار
2014
7
كتاب 
شخصية النبي محمد
العلم والإيمان بدسوق
2014
8
كتاب 
امير الصحفة العربية " هيكل"
بستان المعرفة بكفر الدوار
2009
9
كتاب 
الثورة في وجدان المصريين 
بستنان المعرفة بكفر الدوار
2012
10
كتاب 
الباحثون عن الله 
العلم والإيمان بدسوق 
2013
11
كتاب 
العمرية في رحاب عمر بن الخطاب 
العلم والإيمان بدسوق 
2007
12
كتاب 
النساء فقدن عروشهن
الإيمان بالمنصورة 
2018
13
كتاب 
عش حياتك ولا تحزن 
بستان المعرفة بكفر الدوار
2004
14
كتاب 
القيم الوجودية في قصص المازني
العلم والإيمان بدسوق 
2015
15
كتاب 
قيم ومعايير في ادب يوسف إدريس
العلم والإيمان بدسوق
2015
16
كتاب 
المسرح في أدب الطفل 
العلم والإيمان بدسوق 
2015
17
كتاب 
إبليس والشيطان في القرآن 
دار العلم والإيمان 
2024
18
مسرحية 
مصرع الخرساني 
الهيئة العامة لقصور الثقافة 
2002
19
مسرحية 
محنة الإمام أحمدبن حنبل 
الهيئة العامة للكتاب 
1997
20
مسرحية 
بلد راكبها عفريت 
الهيئة العامة لقصور الثقافة 
2010
21
مسرحية 
غائب لا يعود 
الهيئة العامة للكتاب 
2019
22
مسرحية 
أسوار بغداد 
الخيئة العامة لقصور الثقافة 
2023
23
مسرحية 
زقاق القناديل 
مجلة الفنون المسرحية 
2021
24
مسرحية 
ابن جلا 
مجلة الفنون المسرحية 
2021
25
مسرحية 
ياب النصر 
مجلة الفنون المسرحية 
2023
26
مسرحية 
البلطجية اشتكوا
مجلة الفنون المسرحية 
2020
27
مسرحية 
القرية الذكية 
مجلة المسرح نيوز 
2019
28
مسرحية 
البحث عن الأرجواني السماوي  
مجلة المسرح نيوز 
2020
29
مسرحية 
محاكمة الحمير 
مجلة الفنون المسرحية 
2021
30
مسرحية 
جحا الحائر البائر 
مجلة الفنون المسرحية 
2023
31
مسرحية 
النار والسكين 
مجلة الفنون المسرحية 
2022
32
مسرحية 
المحاكمة 
مجلة الفنون المسرحية 
2020
33
مسرحية 
ليلة وحشية 
مجلة الفنون المسرحية 
2023
34
مسرحية 
الأم الثكلى
مجلة الفنون المسرحية 
2023
35
مسرحية 
الوزير على التليفون 
مجلة المسرح نيوز
2020
36
مسرحية 
اليوم السابع 
مجلة الفنون المسرحية 
2023
37
مسرحية 
بوظا في مجلس الشعب
مجلة الفنون المسرحية 
2020
38
رواية 
الدجال والشيطان 
مكتبة معروف بالإسكندرية 
1984
39
مجموعة قصصية 
إنهم يذهبون 
دار الشعب بالقاهرة 
1983
40
رواية 
الجنوب الهادئ
الهيئة العام لقصور الثقافة بالقاهرة 
2014
41
رواية 
الإسكندرية عناقيد العشق والغضب
بستان المعرفة بكفر الدوار 
2015
42
مسرحية
محاكمة الحمير 
الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة
2024
43
مسرحية 
زقاق القناديل 
المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة 
2025
44
مسرحية 
ابن جلا 
الهيئة العامة للكتاب 
2025

الجوائز الحاصل عليها : 
1-جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد بن حنبل )
جائزة ( ملتقى جائزة أبها )  بالمملكة العربية السعودية عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ) عام 1417هجرية .
جائزة التأليف المسرحي من مجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( مصرع الخرساني ) .
جائزة التأليف المسرحي من مجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية( إخناتون والكهنة ) 
جائزة من نادي القصة بالقاهرة عن رواية بعنوان : ( قوس قزح ) عام 2002
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( الذاتية والقيم الوجودية في أدب المازني ) من المجلس الأعلى للثقافة 
جائزة المقالة النقدية عن دراسة في قصة ( الطريق ) لنجيب محفوظ ،من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة التأليف المسرحي للكبار – الشارقة – الهيئة العامة للمسرح – عن نص مسرحي بعنوان ( غائب لا يعود ) 2016.
الجائزة الأولى بمهرجان المونودراما الدولي بالقاهرة عام 2023عن مسرحية بعنوان ( ليلة وحشية ) .
منح التفرغ للكتابة  الحاصل عليها من وزارة الثقافة المصرية ما بين عام 2020وعام 2025
منح تفرغ  لكتابة مسرحية : ( زقاق اقناديل .) 
منحةتفرغ  لكتابة مسرحية : (أجراس الخطر .)
منحة تفرغ  لكتابة مسرحية : (ابن جلا .)
منحةتفرغ  لكتابة مسرحية : ( أسوار بغداد )

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption