أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العراقي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العراقي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 3 مايو 2017

جلسة نقدية تقويمية مميزة لمسرحية "سينما"لكاظم النصار بمشاركة النقاد والمعنيين بالمسرح

السبت، 22 أبريل 2017

المسرح الجوال بالعراق.. محاولات لإحياء مسرح الطفل

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الجوال بالعراق.. محاولات لإحياء مسرح الطفل

في تجربة هي الأولى من نوعها على مستوى العراق، تسعى فرقة "المسرح الجوال" إلى إعادة الاعتبار لفن المسرح في حياة الأطفال عبر تقديم عروض في أماكن عامة من أجل تحقيق مزيد من التفاعل وزرع بعض القيم التربوية في حياة الطفل العراقي.
ويقول عضو الفرقة سعد شعبان إنهم يقيمون نشاطاتهم بالمدارس ورياض الأطفال وملاجئ الأيتام ومخيمات النازحين، ويتنقلون عبر سيارتهم -التي تتحول إلى منصة للعروض- بأحياء بغداد وضواحيها، وقد استطاعوا أن يجذبوا اهتمام الكثير من الأطفال، في وقت تطغى فيه الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي على اهتماماتهم.
ولا يقتصر عمل الفرقة على تقديم أعمالها الفنية، بل يتعداه إلى اكتشاف المواهب ورعايتها وضمها إلى الفرقة إن كانت مناسبة، كما تسعى أيضا إلى تسجيل حضورها في حياة الأطفال النازحين، حيث قدمت عملا يناقش مأساتهم حمل اسم "طيور مهجرة" وعرض في أكثر من مكان ببغداد، بالإضافة إلى الوجود المستمر بالأحياء الشعبية الفقيرة وتجمعات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويؤكد شعبان  أن الأعمال التي يقدمونها بجهود فردية، ولا يتلقون دعما من أية جهة حكومية أو أهلية، كما أن معظم نشاطاتهم مجانية، باستثناء العروض التي يقدمونها بالمدارس الأهلية.
                            شعبان: لا نتلقى دعما من أحد ومعظم عروضنا مجانية


مسرح مدرسي

وفي إحدى دور الأيتام وسط بغداد، جلس عشرات الأطفال لحضور مسرحية "سر العنقود" والتي حاول القائمون على الفرقة من خلالها تقديم بعض النصائح للطفل في التعامل مع الآخرين.
ويقول حسين فاضل -وهو أحد نزلاء هذه الدار- إنها المرة الأولى التي يشاهد فيها عملا مسرحيا بشكل مباشر، وقد شجعه ذلك على التفكير بدراسة المسرح مستقبلا، ويقول زميله محمد جبار إنهم محرومون من مثل هذه العروض وإن النشاطات التي يشاركون فيها خالية من المرح ويغلب عليها "الكآبة" على خلاف ما شاهدوه في هذا العمل.
وينتقد كثيرون دور وزارة التربية التي يغيب المسرح وباقي الفنون عن مناهجها -باستثناء الرسم- مما أدى إلى ضمور الاهتمام لدى الطفل بهذه الفنون وتراجع في الإقبال عليها خلال السنوات الماضية.
لكن المتحدث باسم الوزارة إبراهيم سبتي قال للجزيرة نت إن لديهم مسرحا مدرسيا تشرف عليه جهة متخصصة تعرف بـ "مديرية النشاط المدرسي" وهناك مشرفون يرشحون الطلبة للمشاركة بالنشاطات الفنية، حيث يقام مهرجان سنوي للمسرح المدرسي تشترك فيه كل المديريات العامة للتربية ويقام في البصرة، ويتم منح جوائز حكومية عن أفضل مخرج ونص وممثل.
ويضيف سبتي أن لدى الوزارة فرقة مسرحية مدرسية تشترك في مسابقات عربية ودولية، وتقدم عروضها في المناطق البعيدة والنائية كذلك.

أزمة مناهج
وقد تراجع دور المسرح العراقي بالسنوات الأخيرة، وتعرض لنكسات كبيرة -كما يرى نقاد فنيون- بسبب انتشار ظاهرة "المسرح التجاري" الذي يقدم أعمالا لا تراعي الذوق العام ولا تلائم التقاليد العائلية سعيا وراء الربح المادي السريع.
ويرى المسرحي والناقد الفني عمر ضياء الدين القيسي أن أغلب الجيل الجديد من المسرحيين تنقصهم الثقافة العامة، والتعرض لهموم المجتمع أو الأطفال، باستثناء تجارب يتيمة هنا وهناك، مضيفا أن أغلب الفضائيات ومواقع التواصل العراقية سطحية الرؤى والطروحات، وتروج للعروض التجارية "الرخيصة" والخالية من المضمون.
ووفق القيسي فإن الخلل الكبير يبدأ من المدارس، حيث إن مادة التربية الفنية بدأت بالتلاشي والانحسار، واستبدلت بمواد علمية، على العكس من الفترات السابقة التي كانت تقام فيها نشاطات وعروض مسرحية وأوبريتات منوعة موجهة تركز على تقديم قيم إيجابية للطفل وتربطه بتاريخ بلده وحاضره بشكل كبير.
ويقترح الناقد الفني أن تعيد الوزارة النظر في تعاطيها مع الفنون عبر إقامة احتفالات متنوعة تتضمن تقديم عروض مسرحية وموسيقى وغناء رصين ومعارض تشكيلية، وإعادة افتتاح مراكز الشباب بالمناطق الحضرية والريفية، وتدريس بعض المواضيع عن علم الجمال والاجتماع والأدب والثقافة، مع استضافة دورية لأساتذة ومتخصصين بالمجال الفني عموما ومسرح الطفل بشكل خاص.

-------------------------------------------
المصدر : الجزيرة

الأربعاء، 19 أبريل 2017

إزاحة التابوهات الدرامية في نصوص علي عبدالنبي الزيدي المسرحية

مجلة الفنون المسرحية

إزاحة التابوهات الدرامية في نصوص علي عبدالنبي الزيدي المسرحية

فاتن حسين ناجي 

تارجحت إزاحة تابوهات المجتمعات مابين الدينية والسياسية والاجتماعية لكن ان تزيح تابو درامي مؤرخ لدى المتلقي المسرحي هذا يحيلنا الى ازاحة ثقافية الى اخرى مغايرة وان تراجعنا الى تاريخ المسرح القديم ومابعد القديم لوجدنا ان الكثير من الإزاحات قد تغلغلت داخل تلك المتغيرات مابين حقبة درامية واخرى وتخلخل معها ذوق المتلقي بين سلب وايجاب .ضمن اطار حرية الابداع والتلقي وفي النص المسرحي العراقي بصورة خاصة نجد ان حقبة كبيرة من الزمن الدرامي تشكلت ضمن اطار المحظور وعدم كسر شوكات المؤطر الدرامي والسلطة الرقابية التي لم تمارس اية سلطة فنية ثقافية سوى سلطة قمع الحريات لكن ومع هبوب رياح التغيير هبّت معها نسائم ازاحة تابوات درامية كان محرم ازاحتها وظهرت لنا اسماء مسرحية ضمن اسس العرض والنص المسرحي حاولت ان تكسر المألوف لدى الناظر الى الجديد من المتلقين وظهرت لنا عدة نصوص مسرحية عراقية تناولت مابين سطور الواقع. فمع الحروب ينتج مابعد الحرب ومع الموت والارهاب يظهر مابعد الارهاب وماوراء الموت هذا هو ماحاول الزيدي ان يتناوله من خلال كسره للتابو المألوف وتناوله لماهو خارج عن أطر العام والمتداول وكثيرة هي المسرحيات التي تناول بها كسر التابو المقدس او ازاحة الهالة القدسية ومن تلك المسرحيات مسرحية يارب عندما نزل نبي الله موسى الى الارض وخاطب المرأة التي ثكلت أبناءها الازاحة هنا تنوعت بين ازاحة للشخصية وازاحة للموقف العام او ازاحة التكوينات الجمالية المحكومة بالموروث والخوف. والزيدي امتلك الجرأة واخترقها وازاحها عن مركزها المعتاد ليس فقط في مجموعته المسرحية الالهيات، بل نجد انه قد بلغ مرحلة متطوّرة من التحرر الروحي والاجتماعي في مجموعته قيد النشر ( مابعد الالهيات ) تحرر من ان يجعل صورة المقدس خارجة عن الرسم والتصوير، بل انزلها الى ارض الواقع الدرامي تجسدت بشخصية الله في مسرحية (كيف تُصبح شريفا. .في خمسةِ أيام ؟)
افتتح الزيدي مقدمة المسرحية وقبل استعراض الشخصيات بجملة ( يُحرّم قراءة هذا النص إن لم يكن قلبك وروحك على وضوء ). محاولا بهذه الافتتاحية ان يعطي للآخر صفة الطهارة والابتعاد عن كل مامن شأنه ان يخرج عن سياق الايمان بالله. في الوهلة الاولى ينتاب المتلقي شعور بازاحة المألوف المقدس، بل المقدس الاعلى وكيف للزيدي ان يزيح ستار السماء وأن ينزل الله كشخصية الى ارض الواقع الدرامي ولكن ومع استمرار القراءة ندرك ان الزيدي اراد ان يقول ان الله اقرب الينا مما نتصوّر هي ليست فكرة اطاحة بالمطلق ،بل هي فكرة التاكيد على قرب الله من الانسان .بعدها يزيح الزيدي التابو الدرامي ويخاطب فاوست بشيطان فعلي ومتواجد دون ستار وينزل الشيطان في هذه المسرحية كشخصية متكاملة بحد ذاتها .
وفي مسرحية (بتول ) والحاصلة على جائزة افضل نص مسرحي عن الهيئة العربية للمسرح يقول الزيدي في مقدمتها ( أنا أكتبُ برأسِ مجنونٍ حتى أستطيع أن أستوعبَ ما يحدث .. فخذوني على قدر عقلي !) ازاحة التابو الجنسي الذي يخشى تناوله في الدراما العراقية وهو كيف للمرأة ان تتحول الى رجل .. امرأة بجسد رجل بملابس نوم امرأة تجلس بجانب رجل على السرير هذه الصورة بحد ذاتها هي ازاحة فعلية للتابو العرفي للدراما العراقية ربما وجدناها في مسرحية ورد جهنمي لدى طه سالم لكن ليس بالصورة المباشرة التي خلقها لنا الزيدي والتي وجدناها في عرض مصطفى الركابي انها لوحة عراقية تقشعر لها الابدان في ان الخوف من الاغتصاب يحول المرأة الى رجل .
وفي مسرحية (وجّهتُ وجهي) هنا الازاحة طالت الانبياء فنجد الشخصيات: 
مريم.. نبي.. مريم 2.. واحد
وهي العذراء مريم ذاتها تتحدث الى الله  تعالى في الكعبة وتقول ( أنما انأ في بيتك الحرام، أنا مريم .. جزء من كلِك يا رب) 
ليرد عليها النبي الذي انزله الله لها 
نبي: لقد .......... نزلت إليكِ مو الجنة مسرعا مسرعا مسرعا 
مريم: (بفرح) مسرعا؟ حقا؟ أنك نبي؟ نبي؟ صح؟
تتأرجح هنا القراءة الفعلية لهذه المسرحية مابين ان النساء العراقيات واجهن من العذاب مالم تواجهه مريم ومابين التشبيه بين المرأة العراقية وعذابها وبين عذاب السيدة مريم من يقرأ النص كاملا لا يجد ان الزيدي قد اطاح بالمقدس عندما تناول شخصية مريم او حتى عندما اوجد شخصية نبي جديد بعد النبي محمد صل الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين لان المتلقي سوف يزيح الموروث الجمعي في مخيلته ليخل الى عالم اخر جديد بمريمه بشخوصه لربما جديد حتى في الموروث المكاني هنا تتجرد المسرحية وشخصياتها من المقدس لتتفاعل النفس مع الواقع العراقي المؤلم والذي يستحق معه الزيدي ان يطيح بالتابوهات الدرامية بعيدا عن الاطاحة بالمقدس الدرامي او الديني على حدٍ سواء .

-----------------------------------------------
المصدر : المدى 

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

جائزة الابداع العراقي ازدانت بالفائزين بفروعها التسعة وبرعاية وزير الثقافة

مجلة الفنون المسرحية

جائزة الابداع العراقي ازدانت بالفائزين بفروعها التسعة وبرعاية وزير الثقافة 

عبد العليم البناء 

مع الاستعداد لاطلاق الدورة الثالثة  احتفالية مبهرة وانيقة لجائزة الابداع العراقي ازدانت بالفائزين بفروعها التسعة ورعاية وزير الثقافة سهى سالم تحصد جائزة التمثيل المسرحي ورعد مشتت جائزة الإخراج السينمائي ومحمد أمين عزت جائزة التأليف الموسيقي ووارد بدر السالم جائزة الرواية ومرتضى حداد جائزة النحت ومحمد غازي الاخرس جائزة تاريخ الحضارة والميثولوجيا وكامل عويد العاميري جائزة الترجمة واكرم جرجيس جائزة الفوتوغراف
المسرح الوطني الذي ارتدى حلة بهيجة من الالق والتوهج الموشى بالالوان والصور الإبداعية الخلابة ،كان على موعد مع احتفالية وزارة الثقافة والسياحة والاثار المبهرة والجميلة والانيقة والرصينة شكلا ومضمونا ،الساعة الخامسة عصر يوم السبت الماضي ،للإعلان عن نتائج جائزة الابداع العراقي للعام 2016 بدورتها الثانية ،التي شملت تسعة مجالات ثقافية وفنية وهي "السرد والشعر والإخراج السينمائي والتمثيل والتأليف الموسيقي والنحت والترجمة وتاريخ الحضارة والمثيولوجيا العراقية والتصوير الفوتوغرافي."، بشكل اوسع مما كانت عليه الدورة الاولى لعام 2015 التي شملت فقط خمس مجالات..

ووسط حضور حاشد من رموز واعلام الثقافة والفنون والمعنيين من مختلف الاختصاصات ،افتتح السد وزير الثقافة المعرض الفوتوغرافي للفنان والمصور الصحفي علي عيسى ،الذي نظمته دائرة السينما والمسرح باشراف الدكتورة اقبال نعيم مدير عام دائرة السينما والمسرح وكالة ،والذي شمل عشرات من صور البورتريه لعمالقة المسرح العراقي من الفنانين والفنانات الرواد والاجيال الأخرى ،التي التقطها بعدسته هذا الفنان الأصيل والمثابر الذي واكب حركة المسرح العراقي على مدى أربعة عقود ،لينتقل السيد الوزير مصحوبا بكبار المسؤولين في الوزارة وأعضاء اللجنة العليا للجائزة واللجان الفرعية ،الى الحفل المركزي الذي أداره وقدمه بشكل جميل ومتناغم وبعبارات وكلمات اطراء تليق بقامات الابداع العراقي ،كل من الشاعر مروان عادل والاعلامية مروة المظفر، حيث شهد الحفل تقديم عدد من الفعاليات الموسيقية، كما تخلله عرض فيلم وثائقي فكرة واهداف ورسالة الجائزة، ، والعمل الدؤوب على مدى شهور من لدن اللجان المنظمة واللجنة العليا، وقد ابتدأ الفيلم بكلمة السيد وزير الثقافة فرياد راوندزي " إن جوائز الابداع ظاهرة جديدة في العراق، إذا لم تكن للعراق جوائز دولة فنحن قمنا بخلق هذا النوع من الجوائز، لمنع التشظي الذي كان موجوداً في جوائز بعض مؤسسات الوزارة وتوحيدها واعطائها قيمة معنوية وثقافية ومادية اكبر." وأكد راوندزي " أن هذا العام تم اختيار تسعة اعمال في الدورة الثانية من الجائزة، في الوقت الذي تم اختيار خمسة اعمال فقط خلال الدورة الاولى، ولكننا سنوسع نطاق المشاركة في الدورات المقبلة."

والقى فنان العراق الكبير وشيخ مخرجي المسرح العراقي وأحد اعضاء اللجنة العليا لجائزة الابداع الاستاذ الدكتور سامي عبد الحميد كلمة اللجنة العليا للجائزة قال في مفتتحها : "كلمتي تجيء نيابة عن السيد رئيس اللجنة العليا لجائزة الابداع، والسادة اعضاء اللجنة، نحن نحتفل اليوم بتوزيع جوائز الابداع العراقي لعام 2016 ولتسعة حقول من الحقول الثقافية، وما يميز جائزة هذه الدورة الثانية هو توجيه السيد الوزير بضرورة تشريع النظام الداخلي لعمل اللجنة العليا والتعليمات الخاصة بمنح الجائزة التي أرسلت مسودته إلى مجلس شورى الدولة ما يمنح الجائزة قيمة معنوية رسمية اضافة الى قيمتها المادية المالية."وأكد عبد الحميد قائلاً " ان الهدف من هذه الجائزة هو منح المثقف العراقي في الداخل او الخارج فرصة جديدة لإبراز نتاجه الابداعي واعترافاً من وزارة الثقافة بالعطاء الثرّ للمثقف العراقي في مختلف التخصصات." مشيراً أن "برغم الصعوبات التي يمر بها بلدانا بذلت اللجنة العليا جهد اكبيرا استمر عاماً كاملا في اجتماعات مكثفة ونقاشات مفتوحة برئاسة السيد الوزير من اجل الوصول الى نتائج افضل، واختارت اللجنة بدقة بالغة اعضاء لجان التحكيم الفرعية التي عهد إليهم تقييم النتاج الابداعي للمتقدمين للمنافسة لنيل الجائزة على وفق معايير معينة وبدون تدخل بأي شكل من الاشكال من اعضاء اللجنة العليا." وبين عبد الحميد " أن فوز المبدعين اليوم بجائزة الابداع لا يعني اطلاقا ان المتقدمين الاخرين او المثقفين الذين تقدموا او الذين لم يتقدموا بطلباتهم لم يكونوا مبدعين أو ان يكونوا اقل ابداعا ممن فازوا بالجوائز، ولكن معايير التقييم هي من تحكمت بمنح الجائزة. "كما أكد في ختام كلمته قائلا "سيظهر الاعلان عن انطلاق جائزة الابداع بدورتها الثالثة 2017 عما قريب بعد تشكيل لجنة عليا جديدة واختيار اعضاء لجان فرعية جدد وستخصص الجائزة لتخصصات اخرى غير التي تم اختيارها في الدورتين الاولى والثانية."
وتم بعد ذلك تقديم ثلاث فقرات موسيقية انفرادية متنوعة لعدد من أعضاء الفرقة السيمفونية الوطنية شنفت اسماع الحاضرين بلغة الحب والسلام والجمال المسكون في نفوس العراقيين عامة والمبدعين خاصة .
تم بعدها الاعلان عن اسماء الفائزين بالجائزة التي وزعها عليهم السيد فرياد رواندزي وزير الثقافة حيث حصد الروائي العراقي وارد بدر السالم جائزة السرد، كما حصد الشاعر عمر السراي جائزته عن فرع الشعر عن قصيدة وطنية قدمها، أما جائزة الاخراج السينمائي فقد حصدها المخرج رعد مشتت عن فيلم (صمت الراعي)، وجائزة التأليف الموسيقي كانت من نصيب المايسترو محمد أمين عزت، وعن دورها في مسرحية (يارب) حصدت الفنانة الدكتورة سهى سالم جائزة التمثيل، وحصد النحات العراقي مرتضى حداد جائزته عن فرع النحت، وعن ترجمة النصوص حصل المترجم كامل عويد العامري جائزة فرع الترجمة عن ترجمته رواية (الرقة)، أما جائزة تاريخ الحضارة والميثيولوجيا العراقية فقد كانت من نصيب كتاب (قصخون الغرام) للكاتب محمد غازي الاخرس، وحصد المصور الفوتوغرافي اكرم جرجيس جائزته عن فرع الفوتوغراف.
وعبر الفائزون عن سعادتهم بالفوز بعد الانتهاء من استلام الجائزة، التي كانت عبارة عن نحت برونزي معبر مع شهادة الفوز والشيك الخاص بالجائزة ،وقدره ستة ملايين ونصف المليون دينار أي مايعادل الخمسة الاف دولار لكل فائز ،من خلال كلمات خاصة مفعمة بالفرحة والبهجة ،فذكرت الفنانة سهى سالم فشكرت وزارة الثقافة لاهتمامها بهذه الجائزة ، وبالمثقف العراقي بشكل عام، معلنة : أما في ما يخص فوزي بجائزة افضل ممثلة عراقية عن مسرحية يارب فأهدي فوزي هذا لفريق العمل الذي لولاهم لما وقفت اليوم على هذه المنصة ولما تسلمت هذه الجائزة."

واعرب المايسترو محمد امين عزت عن بهجته بطبيعة وشكل الاحتفالية والمسرح الوطني، بالقول " ان التجهيز الحرفي لمهرجان اليوم واضح جداً من خلال التحضيرات التي نراها اليوم، والتنظيم العالي، لهذا يجب ان نهدي شكرنا اولاً لوزارة الثقافة التي عملت من اجل تحفيز المثقف العراقي والفنان العراقي رغم الظرف الصعب الذي نمر به اليوم."
فيما اهدى المخرج السينمائي رعد مشتت جائزته ،التي عدها تكريما لكل طاقم الفيلم داخل وخارج العراق ،الى شقيقته التي وقفت الى جانبه في كل خطواته الإبداعية .واختتم الحفل ، بالتقاط الصور الجماعية للفائزين وللجنة العليا لجائزة الابداع واللجان الفرعية مع السيد وزير الثقافة والسياحة والاثار فرياد رواندزي .على أمل الإعلان قريبا عن اطلاق الدورة الثالثة من الجائزة لعام 2017 وتشكيل لجنة عليا جديدة ، وترشيح عدد من المجالات الثقافية الجديدة والدخول للمنافسة، ومنح المثقفين والمبدعين استحقاقهم.
الجدير بالذكر أن اللجنة العليا للجائزة تشكلت برئاسة وزير الثقافة فرياد راوندزي، ومقرر اللجنة المستشار الثقافي للوزير حامد الراوي، وتألفت اللجنة من اسماء كبيرة لها باع كبير في الثقافة العراقية، وضمت :الفنان القديرسامي عبد الحميد كأكاديمي ومخرج مسرحي، والدكتور صالح الصحن المختص بالمجال السينمائي، والفنان بلاسم محمد المختص بمجال الفنون التشكيلية، ورئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الباحث والناقد ناجح المعموري عن فرع الادب والنقد، اضافة الى د. نادية العزاوي في مجال النقد.

الاثنين، 17 أبريل 2017

فوز الفنانة سهى سالم بجائزة الابداع العراقي بدورتها الثانية لسنة 2016 في حقل التمثيل

مجلة الفنون المسرحية

فازت الفنانة سهى سالم بجائزة الابداع العراقي بدورتها الثانية لسنة 2016 في حقل التمثيل وذلك عن دورها في مسرحية ( يا رب ) تأليف علي عبد النبي الزيدي واخراج مصطفى الركابي .

وكانت قد اعلنت في بغداد عن جوائز الابداع العراقي لعام 2016 في حفل اقيم في المسرح الوطني بحضور وزير الثقافة والسياحة واﻻثار فرياد راندوزي ، فيما كانت هنالك تحفظات من البعض بينما عدّ مثقفون توسيع الجائزة إلى تسعة حقول معرفية، خطوة مهمة لتعزيز دور  المثقف العراقي والارتقاء بمنجزه الثقافي و الإبداعي .
ووزعت وزارة الثقافة جوائزها للابداع الثقافي السنوي بنسختها الثانية لعام 2016 والتي شملت تسعة فروعاً هي: السرد, والشعر, والإخراج السينمائي, والتمثيل, والتأليف الموسيقي, والنحت, والترجمة, وتاريخ الحضارة و المثيولوجيا العراقية, والتصوير الفوتوغرافي، باشراف اعضاء اللجنة العليا للجائزة المكونة من وزير الثقافة رئيسا والفنان سامي عبد الحميد والدكتور صالح الصحن والدكتورة نادية العزاوي وناجح المعموري والدكتور بلاسم محمد والشاعر والمترجم نصير فليح ومقرر اللجنة الدكتور حامد الراوي.

والفائزون بجائزة الابداع العراقي بدورتها الثانية لسنة 2016

1. في حقل الرواية : الروائي وارد بدر السالم ،عن روايته عذراء سنجار
2. في حقل التمثيل : الفنانة سهى سالم ،وذلك عن دورها في مسرحية ( يا رب ) تأليف علي عبد النبي الزيدي واخراج مصطفى الركابي .
3. في حقل الاخراج السينمائي: المخرج رعد مشتت ،عن فيلمه صمت الراعي
4. في حقل الترجمة : الكاتب والمترجم كامل العامري ،عن ترجمته لرواية الرقة للكاتب الفرنسي دافيد فونكينوس
5. في حقل الشعر : الشاعر عمر السراي ،عن مجموعة وجه السماء نافذة الى الارض
6. في حقل تاريخ الحضارة والميثولوجيا العراقية ،الكاتب محمد الاخرس ،عن كتابه قصخون الغرام في تخيل العشاق
7. في حقل التأليف الموسيقي :المايسترو محمد امين عزت، عن معزوفته صدى الانين
8. في حقل النحت : الفنان الدكتور مرتضى حداد، عن منحوتته أحلام في ليلة صيف
9. في حقل التصوير الفوتوغرافي : الدكتور أكرم جرجيس ، عن عمله المرأة والعمل

الجمعة، 14 أبريل 2017

المخرج حسين علي صالح :مسرحية "بيت الريس" كوميدية هادفة ويتواصل عرضها في المسرح الوطني بنجاح كبير

"سينما"النصّار تنهض من رماد الحروب

الأحد، 9 أبريل 2017

المخرج كاظم نصار يوظّف العبث مسرحيا.."سينما" عرض ينتمي للكوميديـا السوداء

بذور الدراما الرافدينية في عصور ما قبل التاريخ

مجلة الفنون المسرحية

بذور الدراما الرافدينية في عصور ما قبل التاريخ 

خزعل الماجدي


   تزخر عصور ما قبل التاريخ بالكثير من الآثار واللقى التي تبدو لنا مثل مرايا متماسكة في صندوق واحد يمكن النظر إليها ، عبر زوايا متعددة ، بحيث تعطينا في كل مرة منظراً مختلفاً  وصوراً معادة التأويل وفق طريقة النظر إليها.
    وتشكل آثار وادي الرافدين منذ العصر الحجري الحديث (النيوليت) وحتى مطلع العصور التاريخية أكثر الآثار خصباً وتنوعاً في الشرق الأدنى القديم. وإذا كان البحث في الفنون المادية والمظاهر الدينية لهذه الفترة يسيراً بعض الشيء، إلا أنه يبدو مستحيلاً فيما يخص الأشكال الدرامية وجذورها هناك. ولا سبيل إلى إدراك ذلك سوى ما يمكن أن نؤوله ونعزز به تلك الشذرات الموحية هنا وهناك.
    إن الفترة الممتدة من الألف التاسع إلى الألف الرابع قبل الميلاد في العراق القديم ليست بالفترة البسيطة فهي تعادل الفترة بين ظهور سومر حتى يومنا هذا.. وهي بلا شك تحتوي على الكثير من جذور وشعيرات الحضارات العراقية القديمة، ولذلك تحرينا فيها بدقة وأمسكنا ببعض ما يمكن أن نسميه التقدمات أو الجذور الأولى للأشكال الدرامية الرافدينية.
وإذا كانت سومر تحمل بذور الحضارات التاريخية في العراق القديم والعالم القديم بأكمله فأن الثقافات أو الحضارات الزراعية والمعدنية التسع(1) التي تسبق سومر حملت، هي الأخرى، بذور الحضارة السومرية. ولولا ذلك التراتب والنقلات الحضارية المتتابعة في هذه الحضارات التسع لم تظهر نواميس الحضارة السومرية التي كانت قاعدة العصور التاريخية بأكملها.
    لقد حاولنا الاستفادة في هذا البحث من طرائق المنهج الجدلي بمعناه العام في البحث عن الجذور الدرامية الأولى في عصور ما قبل التاريخ. فقد رأينا أن العصر الحجري الحديث (النيوليتNeolithe) بثقافاته الأربع، يحتوى على بواكير مادة الأشكال الدرامية الأولى بشكلها البسيط والمرتبط بالأرض، وخصوبة التربة، والقرية الزراعية، والمرأة، والإلهة الأم والتي سادت في القسم الشمالي من العراق واعتبرنا ذلك بمثابة الأطروحة (Thesis)، ولكننا عندما انتقلنا إلى العصر الحجري المعدني (الكالكوليت Chalcolithe) بثقافاته الخمس ( مضيفين له مرحلة العصر الشبيه بالكتابي أو الشبيه بالتاريخي)(2)، وجدنا أن وظيفة الأشكال الدرامية السابقة (النيوليتية) تنقلب أو تنعكس تماماً وترتبط بأفكار جديدة، تتمحور حول استعمال المعادن، وخصوبة الماء، وظهور المدينة والمعبد، وسيطرة الرجل، وبدء الانقلاب الذكوري في الدين. وكان المسرح الواسع لكل هذه التحولات جنوب العراق (وليس شماله كما في حضارات النيوليت) وبسبب هذه المتضادات الحضارية اعتبرنا ذلك بمثابة الأطروحة المضادة (Anithesis)، وهكذا نشأت من الصراع أو الجدل بين العصرين وحضاراتهما المتضادة حركة واسعة وقوية ومركبة، شكلت المادة الثقافية للعصور التاريخية في العراق القديم والتي بدأت بسومر، واعتبرنا ذلك بمثابة التركيب (Synthesis).
    ونرى أن حركة الجدل هذه لا تشمل الجذور الدرامية فقط بل تكاد تنطبق على مجمل أنشطة ومظاهر الحضارات العراقية ما قبل التاريخية ثم التاريخية. فقد نبتت في الثقافة النيوليتية العناصر الأولى، ثم ظهرت في الثقافة الكالوليتية مضاداتها، ومن صراعهما ظهرت عناصر الثقافة السومرية التي هي برأينا نتاج صراع وجدل طويل بين الثقافات والحضارات النيوليتية والكالكوليتية بكل ما حفلتا به من تضاد وتنازع.

العصر الحجري القديم (الباليوليت)
الأصول العميقة للعمل والدين والفن
    لا تسعفنا الآثار المستخرجة في وادي الرافدين والدالة على العصر الحجري القديم (الباليوليتPaleolithe) بمشهد دقيق وواضح يشير إلى أي مظهر من المظاهر الدرامية، ولكننا وقياساً على طرق البحث الاستنتاجية نرى أن هذا العصر حفل بظهور البذور الأولى للعمل والدين والفن.
    ففي العراق القديم ظهر العصر الحجري القديم الأدنى وأدواته الحجرية الكبيرة الأشولية في (بردة بلكا) في جمجمال، أما في العصر الحجري القديم الأوسط فقد ظهرت جماعات من البشر سكنت الكهوف في العراق، وفي كهف شانيدر ظهرت في أعمق طبقاته وهي الطبقة الموستيرية ثلاثة هياكل عظمية لإنسان النياندرتال (3) الذي كان يستعمل الأدوات المتوسطة الحجم، أما الإنسان العاقل فقد ظهرت ثقافته المنتمية للعصر الحجري القديم الأعلى والتي تسمى في العراق بـ(الثقافة البرادوستية)، أما العصر الحجري الوسيط (الميزوليت) فقد ظهرت ثقافة الإنسان العاقل في العراق في كهف زرزي (الثقافة الزرزية) حيث بدأ يستعمل الأدوات الحجرية الدقيقة.
    وكان الإنسان في كل هذه العصور قد تطور بطيئاً في أعماله وثقافاته. ولا شك أنه من خلال استعمال الأدوات الحجرية للصيد تعلم العمل، ومن خلال دفن الأموات عرف ملامح الدين الأولى، ومن خلال الرسم على الصخور وأحجار الكهوف عرف الفن. وهكذا اكتملت الدوافع الأساسية لتشكل الحضارة القديمة ما قبل التاريخية.
    إن أهازيج وترانيم العمل اليومي واكتمال حنجرة الإنسان وقدرتها على التصويت والكلام والغناء وظهور أول أشكال الموسيقى البدائية المنفذة بالصوت البشري والأغصان اليابسة والعظام وجلود الحيوانات.. كانت تحصيلاً طبيعياً لعلاقة إنسان الباليوليت مع الطبيعة ومع ظهور العمل والدين والفن بأشكالها البدائية.
    هناك من يرى مثلاً أن الموسيقى البدائية الناشئة عن غناء وإنشاد الإنسان يمكن أن تنتظم وفق طريقتين، اعتماداً على سلوكه ودرجة أنفعاله النفسي أمام أجوائه وظروفه الصعبة، حيث تعمد الطريقة الأولى على "ترتيل بسيط لبعض العبارات، تاركاً للكلمات المجال لتكون مركز الاهتمام الوحيد بغية إيصال المعنى المطلوب فهو إذن أسلوبٌ لحني تولد من موسيقى تتابع مقاطع كلماته، أو أنه وليد الكلمة ويصطلح عليه بـ( لوغوجينك Logogenic) . وقد ارتبط هذا الأسلوب اللحنى مع حالات استقراره النفسي وهدوئه وراحته وإطمئنانه.(4)
أما الطريقة الثانية فتتكون مع حالات ذعره وخوفه وهياجه وتوتره حيث تنطلق العبارات والكلمات والمقاطع منه متلاحقة بعنف بالغ القوة على شكل أنطلاقات عنيفة حيث تقل أهمية المعاني وتزداد أهمية التعبيرات الصوتية ويسمى هذا الأسلوب بـ(الأسلوب العاطفي أوالمرضي Pathogenic). وقد نشأ بين هذين النوعين الأسلوب اللحنى أو المثير (Melogenic) الذي استقل عن أسلوب الكلمة الأول وأسلوب العاطفة الثاني واعتمد على اللحن(5).
    وتصلح هذه التقسيمات لأي عصر حجري متواتر في مراحله، لأنها تعتمد على كلام الإنسان وأصواته وصراخه ورقصه وحركاته. ويمكن بالإضافة على ذلك استنتاج أن الإنسان في هذا العصر وفق عقيدته الدينية المرتبطة بالحيوان تأثر بالحيوان واعتبره تجلياً من تجليات (المقدس). وهكذا كان تقليد حركات الحيوان بمثابة شكل من أشكال التقديس والعبادة. وكذلك كانت طقوس صيد الحيوان وذبحه ودفنه واستخدام بعض أعضائه مثل القرون والجماجم والجلد والصوف والشعر كأزياء تنكرية كمحاكاة له، وقد كان ينبوعاً ثراً للعقائد اللاحقة.
    وفي هذه المرحلة التي ساد فيها السحر ورافقاها صيد الحيوان وتقديسه في الوقت نفسه، يمكننا أن نؤكد ظهور المكياج الأول وتخطيط وجه وجسم الإنسان، وخصوصاً عند زعيم القوم أو الشامان(6) الذي كان الكاهن والساحر والزعيم بغية تميزه عن غيره وزيادة في هيبة الطقوس السحرية والدينية ومن ضمنها الرقص وتقليد حركات الحيوانات، لقد كانت هذه العناصر التي تغرق في هيولي دينية وروحية بدائية هي التي اعطت البذور الأولى للطقوس الدينية ذات الطابع الدرامي والتي ظهرت واضحة في العصور اللاحقة.

العصر الحجري الحديث (النيوليت)
أشكال الدراما الأولى
    بعد أكتشاف الزراعة وتدجين الحيوان واستقرار الإنسان ونشوء القرى والتجمعات الفلاحية حصل تحول نوعي في الطقوس والممارسات الدينية النيوليتية، فقد شدّها جميعاً إلى مركز واحد جوهر أساسي هو الإخصاب وظهور الإلهة الأم الممثلة لخصب الأرض.
وظهرت من خلال الممارسات الزراعية والدينية مجموعة من الطقوس التي يمكن عدّها بمثابة الأشكال الدرامية الأولى رغم أنها تحمل رسالة ثقافية عامة وهذه الطقوس هي:
1.   عبادة الإلهة الأم: طقوس التشبيه والمحاكاة
    أفرزت الزراعة ديانة الخصب النيوليتية التي كانت تستند بالأساس إلى عبادة الإلهة الأم، فحينما كان الرجل منشغلاً بصيد الطرائد وجمع القوت كانت المرأة الملازمة لأبنائها تقضي وقتها في جمع الحبوب ثم توصلت إلى تكثيره عن طريق دفن الحبوب في الأرض من أجل خزنه في بداية الأمر، لكنها فوجئت أن هذه الحبوب أنتجت نباتات تحمل أضعاف تلك الحبوب وهكذا تهيأ للمرأة القيام بأعظم اكتشاف في التاريخ وهو اكتشاف الزراعة. وقد قام الإنسان والرجل بصفة خاصة بربط عملية التكاثر عن طريق الزراعة بالمرأة فقط لأنه كان يعتقد أن قدرتها الخاصة بالولادة هي التي تجعلها مؤهلة للزراعة. ولم يكن الرجل آنذاك يعرف دوره في حمل المرأة، إذ من أين له معرفة ذلك طالما أن انتفاخ بطن المرأة وظهور بوادر الحمل ثم الولادة يأتي بعد شهور من الاتصال الجنسي بالمرأة..!!

  
الإلهة الأم في حضارة حسونة

    هكذا أصبحت القداسة تحيط بالمرأة، وكان لا بد من تصور قوة خصبة في الكون على شكل أنثى. ولأن الإنسان طابق بين المرأة والأرض، فلذلك نراه حصر القوة الإخصابية في الكون بالدمى الطينية المصنوعة على شكل امرأة وبالطبع كان شكل هذه الدمى على صورة المرأة البدينة المعافاة الخصيبة الحامل التي هي رديفة الأرض الخصبة المثمرة.
    هكذا ارتفعت الأم إلى مرتبة الألوهية وأصبحت الإلهة الأم لاحقاً تبدو وكأنها سبب إخصاب الأرض في العقيدة الدينية.

    إن الإنسان العراقي القديم قام أولاً بتشبيه الأرض بالمرأة البدينة ذات الأعضاء الجنسية الكبيرة كإلهة كبرى، بدلاً من الحيوان المقدس الذي سيطر على العبادة في العصر الحجري القديم. ثم قام الإنسان بعد ذلك بمحاكاة هذه الإلهة فأصبحت المرأة زعيمة القوم وكانت صفاتها بالضرورة القوة والخصب والصحة لأنها تناظر الإلهة الأم، وظهرت طقوس العبادة التي تحاكيها أيضاً.
    إن فعلي التشبيه والمحاكاة يحملان جوهر الدراما.. ونرى كذلك أن عبادة الإلهة الأم جرى في العصر النيوليتي في العراء وكانت الأرض التي يريد الإنسان زراعتها مسرحاً لها بالدرجة الأساس ولذلك كانت تماثيلها المخروطية الشكل ذات النهاية المدببة السفلى تُنبّت في الأرض أثناء عمليات الزراعة، أما التماثيل الهرمية الشكل ذات النهاية اسفلى المسطحة فكانت توجد في القرى والبيوت تبركاً بالإلهة الأم، وكانت هذه العبادة تشتمل على طقوس مختلفة تختلط معها الكثير من العناصر الدرامية والفنية والغنائية.

2.   المصارعة كطقس ديني درامي
    لم تكن المصارعة في العصور ما قبل التاريخية نشاطاً رياضياً بل ارتبطت جذورها البعيدة بالحياة الدينية.
    إن المرأة التي تزعمت النشاط الإجتماعي والسياسي والديني في الثقافات النيوليتية الشمالية في وادي الرافدين كانت تختار زوجها أو ضجيعها عن طريق إجراء منافسة قوى بين الرجال الأشداء ليكون الزوج جديراً بالمرأة الزعيمة.
    وكانت مسابقات المصارعة بين الرجال تجري كل عام قبل طقس الزواج المقدس الديني، حيث يتم زواج المرأة الزعيمة باعتبارها ممثلة للإلهة الأم من الرجل القوي المنتصر في المصارعة، وبزواجها هذا يُشار إلى إخصاب الطبيعة.
    إنه لمما يلفت الانتباه أن مشاهد المصارعة في الأعمال النحتية والتشكيلية تظهر في العصر السومري القديم (حوالي 2500-2235 ق.م) ثم تزول في العصور اللاحقة وهذا يدل على أن طقس المصارعة كان يمتد بجذوره إلى فترة قديمة أبعد من هذا التاريخ بكثير.
ويرى الدكتور (فوزي رشيد) أن المصارعة كانت جزءاً من طقوس استنزال المطر في شمال العراق حيث "توحي لنا بأن رياضة المصارعة في العراق كانت تمثل في أغلب الظن الأختبار الذي يختار من خلاله الكاهن الذي يأخذ على عاتقه مهمة استنزال المطر والذي يكون كذلك عريّساً في الزواج المقدس."(7)
    إن صفات الشباب والحيوية والسمنة هي التي تجمع بين العريس والمصارع وتشير إلى ما تمتاز به الإلهة الأم البدينة المخصبة، ولأن الزواج المقدس كان يحصل في ربيع كل عام لذلك كان سرعان ما يفشل الكاهن المصارع العريّس في الاختبارات القادمة لظهور رجل أقوى يليق بالكاهنة العليا الممثلة للإلهة الأم.
   

    ويذكرنا هذا الأمر بفكرة (الغصن الذهبي) في عبادة (ديانا) في نيمي حيث يتمكن الشخص الذي يكسر هذا الغصن من شجرة محرمة من منازلة الكاهن فإذا استطاع قتله فإنه سيحصل على لقب (ملك الغابة). وكانت ديانا تقوم بدور الإلهة الأم في هذه الشعيرة.(8)
    ويرى (فرويد) أن جذور هذا الطقس تكمن في تقاليد القردة العليا التي نزح منها الإنسان حيث القرد الأقوى الأعظم هو الذي يسيطر على إناث مجموعته حتى يتهيأ له قرد أقوى منه يقوم بقتله ويحتل مكانه.(9)
    إن هذه الجذور البعيدة توضح بما لا يقبل الشك أن طقس المصارعة يقوم على أساس ديني غذائي جنسي قبل أن يكون رياضة وأنه كان ،ذات يوم، شكلاً درامياً بما يحتويه من صراع ونظّارة ومشاهدين يشاهدونه وروح ديني يعطيه عمقاً طقسياً، وهذه ،من وجهة نظرنا ،تشكل جوهر الدراما وأحدى جذورها الأهم في العراق القديم.
    إن مشاهدة المصارعة الحرة التي نتعرف عليها بكثافة في العصر الروماني مترافقة مع الأعياد والاحتفالات الشعبية تمتد بجذورها إلى عصور قديمة جداً وربما إلى العصر النيوليتي الشمالي الذي يمكن أن يكون تقليداً تطورت صيغته عبر العصور، وتنوعت أساليبه وأغراضه كلما تقدمنا في التاريخ حتى تحول إلى مجرد رياضة حرة فقدت جذورها الدينية وتحولت إلى ممارسات دنيوية تدخل في إطار الألعاب الرياضية القديمة.
3.   استنزال المطر (الاستسقاء): الرقص الديني
    كشفت لنا الثقافة النيوليتية الشمالية وخصوصاً في سامراء في حدود الألف الخامس قبل الميلاد عن مجموعة من الآثار الدالة على ظهور طقس استنزال المطر (الاستسقاء). لعلّ أهمها ذلك الطبق الخزفي الذي تظهر عليه أربع نساء متقابلات تتطاير شعورهن من اليسار إلى اليمين (باتجاه عقرب الساعة) وهنّ في مظهر عار يؤدين رقصة واضحة أساسها نثر الشعور باتجاه الشرق (أنظر الشكل في بداية الفصل والشكل 3)، ويشكل مظهر النسوة وشعورهن ما يشبه الصليب المعقوف أو رمز السواستيكا الذي هو رمز الخصب الأنثوي الذي تمثله المرأة في نهاية عصر النيوليت ويجسد هنا علاقة المرأة بالخصب توسلاً بالمطر الذي هو أساس الزراعة في منطقة مثل منطقة سامراء التي تقع جنوب الخط المطري في وادي الرافدين.
وقد انتشر هذا الرمز انتشاراً واسعاً في العالم القديم انطلاقاً من وادي الرافدين حيث نجده وقد ترسخ في الحضارات الآرية ليدل على الخصب حتى جاءت النازية فاعتبرته رمز التفوق الآري وصار مع ممارساتها العنصري رمزاً للخراب والدمار.
  
الإلهة الأم السمكة ورمز الصليب المعقوف (سواستيكا ) الدال على الخصب الانثوي/ سامراء 6000ق.م

    إن النساء العاريات الأربع محاطات بثمان عقارب تسير وراء بعضها من اليسار إلى اليمين. وهذا ما يعزز علاقة المرأة بالإلهة الأم التي كان بعض رموزها العقرب والأفعى، فقد كانت الأفعى نموذجاً للتكامل الأنثوي عندما تضع ذيلها في فمها وتشكل الأوربورس الأول الذي خرج منه الكون، أما العقرب فقد كانت طريقة تفقيس البيوض التي في جسدها عن طريق شق العقارب الصغيرة لظهرها، نموذجاً فريداً للإلهة الأم التي كان أبناؤها يفترسونها بعد الولادة مضحية بحياتها. وكذلك رمزَ الإنسان الرافديني للإلهة الأم بالسمكة التي تظهر في الأواني الخزفية بدلاً من العقرب. وربما شكلت الجداء رمز السواستيكا بقرونها.
    إن هذه الآثار كلها تدل على أن ترميزة الاستسقاء هي السواستيكا أو الصليب المعقوف التي كانت منتشرة في ثقافة سامراء، وذلك لأن إنسان الحجري الحديث عندما هبط قليلاً جنوب مواقعه الأولى في (ملفعات) و(جرمو) و(الصوان) اكتشف أن الماء يعوزه في الزراعة وكان المطر هو المصدر الأول للمياه لأنه لم يكن قد عرف بعد السيطرة على مياه الأنهار والاستفادة منها في الزراعة.
    ولكن سامراء كانت جنوب خط الأمطار ولذلك تتذبذب فيها موجات المطر دون نظام معين ومن الأفضل القيام بطقوس سحرية لإسقاط هذه الأمطار، وتكاد رقصة نثر الشعور هذه أن تكون مثالاً جيداً لتطبيق قانون السحر الأول الذي هو القانون التشابهي حيث العلل المتشابهة تعطي نتائج متشابهة، فالنساء الأربع اللائي ينثرن شعورهن يقمن بتحريك الهواء والغبار في هذا الجزء من العالم (حيث يجري الطقس) مما يؤدي وفق القانون السحري إلى تحريك هواء العالم كله. وهو ما يجلب الغيوم ويجعلها تمطر خصوصاً أن المرأة هي التي تؤدي هذا، والغيوم والأمطار والمرأة كلها عناصر خصب.
    إن طقس الاستسقاء السحري هذا هو طقس درامي في جوهره لأنه يقوم على صراع  الخصوبة (المرأة وشعرها) مع الجفاف وتذبذب نزول المطر، ثم أن فيه عمقاً دينياً واضحاً، ولا شك أنه كان يجري تحت رعاية الكهنة (أو الكاهنات) والناس الذين يشكلون النظارة والذين يترقبون الطقس ويعيشون فيه.
    إن ما يؤكد هذه الحقيقة العثور على قطعتين خزفيتين أخريتين من سامراء أيضاً تشمل كل واحدة أربع راقصات متشابكات الأيدي يؤدين رقصة تكاد تشبه الدبكة العربية المعروفة، رجّح أغلب الباحثين أنها رقصة استسقاء أيضاً.
    ويذهب الدكتور (فوزي رشيد) إلى أن طقس الاستسقاء هذا هو جذر أعياد الأكيتو السومرية والبابلية ويدلل على ذلك من خلال العلامات المسمارية التي كُتبت بها كلمة (أكيتو) والتي تدل على تفسيرها على الاستسقاء حيث "أن أقدم صيغة لكلمة أكيتو جاءتنا بحدود 2400 ق.م على شكل (آ- كي- تي)، العلامة (آ) تعني الماء ومجازاً المطر و(كي) تعني الأرض و(تي) فعل بمعنى يقرّب، فيكون بذلك معنى الكلمة كاملاً (تقريب الماء إلى الأرض أي الاستسقاء"(10)
    إن طقس الاستسقاء الذي عرفنا أصله لم يبق على حاله في العصور اللاحقة وبعد أن أصبح الري في جنوب العراق عماد الزراعة، فهو لوحده أصبح ممارسة فنية تقليدية فقدت جذورها السحرية والدينية في حين ظهر طقس الأكيتو بشكل مركّب ومختلف تماماً، وهكذا ظل من بقايا ذكرى الاستسقاء النيوليتي ذلك الرقص الذي تمارسه النسوة أو الرجال ونلاحظ اليوم أن رقصات النساء ناثرات الشعور في فنون الريف العراقي ورقصات النساء والرجال المتلازمين الأيدي في فنون الريف والبادية العراقية هي بقايا ذلك الطقس السحري والديني القديم.

4.   الزواج المقدس: الاحتفال الدرامي الأول
    الزواج المقدس هو الطقس والعيد الأكبر في الديانة النيوليثية الشمالية حيث تقع المرأة الكاهنة في مركزه وهي تمثل الإلهة الأم استمراراً وتكريساً للدور العظيم الذي اكتسبته المرأة بعد الزراعة حيث مثّلت قوة خصب الأرض. ورغم أننا لا نملك الكثير من الآثار والوثائق التي تشرح لنا طبيعة هذا الزواج إلا أننا يمكن أن نستنتج أن زعامة المرأة للمجتمع الزراعي فرضت ظهور طقوس تأتي مع بداية كل سنة ربيعية يتم فيها زواج الزعيمة الممثلة بالكاهنة العليا من الزوج الذي اختارته من طقس المصارعة ليكون ترميزاً لإخصاب الأرض باعتبارها أنثى الأرض ورمزاً لها.
    وتشير لنا تقاليد الزواج المقدس السومرية إلى الكثير من الجذور القديمة له فهو زواجٌ إلهي بالدرجة الأولى ثم زواج ملكي يقوم به الملك والملكة وتقوم الكاهنة العليا بدور الزوجة الإلهة، ويمكننا الاستنتاج أن الكاهن الأعلى هو الذي كان يقوم بدور الزوج ولكنه لا يقوم بدور الإله بل هو القوي الساحر المؤثر الذي يجيد ممارسة الطقوس الدينية والذي يجب أن يدافع عن موقعه هذا مع بداية كل سنة بالمنافسة مع الرجال الجدد الذين يحاولون جمع صفاته وغالباً ما يتم هذا عن طريق المنافسة بالمبارزة والمصارعة وغيرها.....
    إن هذا الطقس كان يجرى وسط الزرع مع بداية الربيع وكان الناس يشاركون به، وكانت الملكة تقوم بدور تمثيلي درامي عن الإلهة الأم، وكان الكاهن يقوم بدور تمثيلي درامي على أنه قرينها.. فهو طقسٌ يشاهده نظّارة وله عمق ديني وفيه صراع وانتصار الخصوبة على أيام الشتاء القاسية.. إنه ترميز لصراع الفصول الذي كان ينتج أدباً وفناً وديناً شفاهياً متداولاً كما يقول بذلك الناقد (نوثروب فراي).

العصر الحجري المعدني (الكالكوليت)
انقلاب وظيفة الطقوس
    نرجّح أن الرجل، في العصر الحجري المعدني، قام بدور جديد وبثورة تشبه الثورة الزراعية في أهميتها وهي اكتشافه للمعادن، وقد ظلّ طيلة العصر الحجري الحديث تابعاً لهيمنة المرأة.
بعد أن أصبح (الصيد والرعي) وظيفة تقاليدية للرجل تقع على هامش الزراعة كان لا بد له من القيام بدور جديد خصوصاً بعد أن بدأ يتعرف على دوره الحقيقي في الإنجاب وبالتالي دور المطر في الزراعة (ولا شك أنه طابق بين وظيفة المني والمطر).. وهكذا وجد الرجل القوي ضالته في حجارة المعادن الخام التي قام بتطويعها واستخلاص المعادن منها، فالثورة الكالكوليتية ثورة رجولية نتج عنها فيما بعد مفردات دينية جديدة كثيرة، فقد حلت المدينة محل القرية وظهر المعبد مركزاً للمدينة وظهرت الحرف والعمارة والتجارة وتميزت الحياة الاجتماعية وازداد الدين تركيباً وبدأت العقيدة الدينية تزحزح دور المرأة المركزي فظهر الإله الأب والإله الإبن بجوار الإلهة الأم "وأصبح أب السماء في أهمية الربة الأم الأرض، وغالباً ما أصبح الناس يتصورون المطر في كثير من معتقداتهم على أنه المني الخصب لأب السماء ويرى العلماء أن سبب هذه التغيرات يرجع على أن الرجال قد اقتلعوا الأساس الاقتصادي لمكانة المرأة، فلم يقتصر الأمر على جعل الفلاحة عمل الرجال بل تمّ أيضاً حرمان النساء من دورهن في الحرف الأخرى فقد اخترع رجال المدن مثلاً عجلة كانت وسيلة أكثر فاعلية لصناعة القدور وأصبحوا في أكثر الحالات تقريباً صنّاع أدوات الحرف،،(11)
    وهكذا بدأ المشهد بالتغير تماماً وكأن اكتشاف المعادن كان مفتاحاً لقلب المشهد وتغيير رموزه وأصبح الأساس الاجتماعي الجديد مغايراً لما كان عليه في النيوليت فإذا كانت الأم مركز الأسرة فالرجل الآن مركز الأسرة وتوسّع مفهوم الأسرة اجتماعياً لتتكون أسرة جماعية هي القبيلة أو الجماعة المنحدرة من أب واحد وهكذا حل مفهوم القبيلة محل الأسرة (دون أن يلغيه) وأصبح الرجل زعيم القبيلة بالإضافة إلى كونه ربّ الأسرة الأول.
    إن الانقلاب الذكوري الذي أحدثه عصر الكالكوليت بكل ثقافاته (حلف، أريدو، العبيد، الوركاء،جمدت نصر) كان متواتراً سريعاً وسبب انقلاباً لكل مفاهيم العصر النيوليتي الشمالي، ولنتأمل ما حصل من انقلاب في وظائف الطقوس الدينية الدرامية التي أتينا على ذكرها في العصر النيوليتي:
1.   تغير مركز الإلهة الأم ولم يعد الوحيد في مقامه الديني بل شاركها الإله الأب والإله الإبن (الإله الذكر) وظهرت تماثيل الثور والثور الوحشي وذكور الماعز والأغنام، ففي ثقافة العبيد ظهر الإله الذكر يحمل عموداً صغيراً وظهرت الإلهة الأم وهي تحمل إبنها، كما أن شكل الإلهة الأم بدأ يميل إلى النحافة وبدأت المبالغات في رسم ونحت الأعضاء الجنسية تقل بل أن أجسام الذكور والإناث لم تعد تختلف إلا قليلاً، ومع اقتراب العصور التاريخية أصبح الإله الذكر في المركز وتعددت حوله آلهة كثيرة من الذكور والإثاث وأصبح لكل إله وظيفة محددة، ولم تعد الإلهة الأم تحتفظ بكل الوظائف، وهذا يعني أن مجال التمثيل والمحاكاة أتسع.. وأصبحت الطبيعة تتمثل بعدد كبير من الآلهة وازداد عدد كهان الآلهة.
           
                           
    إن محاكاة الآلهة أصبحت أكثر حضوراً من خلال الشعائر  الدينية والمنحوتات والأشكال الفنية والطقوس الدرامية، ولعلّ الخيال الرافديني الكالكوليتي ابتكر آنذاك أساطير خاصة حملت جوهر صراع واضح لكل إله ممثلاً بما يرمز إليه. ويمكن أن تكون هذه الفترة حاسمة في بلورة صيغة ما من صيغ الأسطورة الرافدينية الأم حول دور المرأة الذي يهمِّش الأم ويرفّع دور البنت أو العذارء وهو ما نلمحه لاحقاً في أسطورة (إنانا) وهبوطها على العالم السفلي.. ولعل هذه الأسطورة كانت تستعاد درامياً سنوياً بوقائع مشحونة بالعنف والحب معاً مع قدوم الربيع أو رأس السنة أو في احتفالات كهنية خاصة.
2.   عندما تغير مركز الإلهة الأم لم يعد هناك من ضرورة لإقامة سباقات مصارعة لاختيار الرجل القوي الذي يشارك الإلهة الأم أو الأنثى، بل لعلّ ا لذكر القوي كان يفرض نفسه بقوة من خلال مشاركته المرأة الحكم والمركزية، حتى اكتمل الانقلاب الذكوري بأن أصبح الرجل هو الملك الوحيد وكانت زوجته هي الملكة التي تتمتع بامتيازاته هو قبل كل شيء.. وبذلك فقدت المصارعة جذرها الديني وتحولت إلى رياضة عادية تقام في الاحتفالات أو الأعياد أولا لا تقام، أي أن هذا الطقس تحوّل من طقس ديني إلى ممارسة دنيوية وبذلك أكتسب صفة أخرى واندرج ضمن نشاطات الأعياد والأفراح والرياضة.
3.   إما طقس الاستسقاء الذي كان يجري لاستنزال المطر فقد فقد، هو الآخر، مبرره وأصبح الاعتماد، في الزراعة، على الري لا على المطر، ولذلك نجد أن الصيغة اللاحقة لكلمة (أكيتي) أي استنزال المطر تحولت واستقرت علامة الـ(أ) من علامة تدل على المطر على علامة تدل على الجهد والعمل والساعد. حيث أصبح العمل وشق القنوات وبناء السدود هو الأساس في الثقافات الكالكوليتية الجنوبية، وبذلك فقد الاستسقاء بعده الديني الروحي والعملي وتحولت مظاهره الرقصية على عمل فني أصبح يؤديه الناس الذين كانوا يقيمون على تخوم المدن والذين يمتازون بالترحال وهم الغجر والبدو، وتشير رقصات نثر الشعور والدبكات التي كانت أساس طقس الاستسقاء إلى رقصات ما زالت حتى يومنا هذا يمارسها الغجر والبدو، على التوالي، دون أن يعلموا هم ومن حولهم أن هذه الرقصات ذات جذور دينية غارقة في القدم.
4.   لا شك أن طقوس الزواج المقدس في هذه المرحلة شهدت تغيرات كثيرة فيما يخص مركز الكاهنة التي تمثل الإلهة الأم، ومركز الملك الذي أصبح يمثل الإله الأب، فقد مال هذا الطقس إلى الجانب السياسي أكثر من ميله إلى جذره الديني القديم. إلا أن هذا التحول لم يُحسم تماماً إلا مع مجيء الأكديين.
    ونرجح أيضاً أن طقوس تتويج الملك والزواج المقدس كانت ذكورية فقد أصبح الأمر معكوساً، وكان يتم اختيار الملكة عن طريق الكهانة فقد كانت عملية انخراط النساء في الرتب الدينية وتدرجهن فيه هو الذي يعطي لواحدة منهن وهي (الكاهنة العليا) الحق في الاقتران الموسمي بالملك.. وهكذا حلّت، في طقوس الزواج المقدس، الكهانة الدينية محل المصارعة بالنسبة للرجل اختباراً لاختيار قرينة الملك.
    ونرجّح أيضاً أن عقيدة نزول الإله الذكر إلى العالم السفلي وحلول الجدب ظهرت في هذه المرحلة لتشكل طقساً ذكرياً آخر وهو طقس الحزن الجماعي الذي يبدأ بعد موت الإله ونزوله إلى العالم الأسفل وهو ما ستشير إليه بوضوح المثولوجيا السومرية لاحقاً.
    إننا إجمالاً نودّ القول أن الطقوس الدينية الدرامية أصبحت في العصر الكالكوليتي تميل إلى أن تكون طقوساً دنيوية درامية.. ومن هذه الطقوس الدينية الدرامية ستنشأ الأشكال الدرامية في العصور التاريخية فقد أصبح الجذر الديني المتماسك بعيداً ضعيفاً واصبح بالامكان استعمال الطقوس المنحدرة من ذلك الماضي البعيد في اتجاهات أخرى. والمهم أن خلخلةً حصلت في وظائف ثم في أشكال الطقوس الدينية القديمة وسيتيح هذا الجدل الفرصة لنشوء أشكال درامية جديدة.


العصور التاريخية
الأعياد كدراما احتفالية كبرى
    يمكننا القول أن المرحلة التاريخية التي ابتدأت مع الكتابة شهدت في وادي الرافدين ظهور نمط درامي مركّب (ديني ودنيوي) في الوقت نفسه وهو: العيد. أما المسرح بالمفهوم المتعارف عليه فلم يظهر إلاّ مع الأغريق.
    وهكذا نرى أن الأعياد كانت حاضنة كبرى للدراما المسرحية التي تفتحت زهورها لاحقاً مع مجيء الأغريق، أما الشرق، قبل القرن السادس قبل الميلاد، فلم يشهد إلاّ ظهور الأعياد التي كانت تتضمن شحنات ولمحات درامية أدت فيما بعد إلى تفجّر فن المسرح.
    ظهرت الأعياد مع العصور التاريخية وكانت "كلمة عيد في اللغة السومرية هي Ezzen وتعني الفرصة والاحتفال الذي لا يتبط بوقت محدد من أوقات السنة، أما كلمة عيد في اللغة الأكدية فهي Isinnu ولها صيغة أخرى Issinnu وتعني كلمة Isinnu العيد الدوري الموقوت وقد استعمل الأكديون لفظة Um sinnu والتي تعني يوم العيد"(12)



    ونحن نرى أن كلمة (سنة) العربية مشتقة من الجذر السومري القديم (إيزن) أو (إيسن) لأن العيد كان مرتبطاً برأس السنة وهكذا يكون عيد رأس السنة أهم الأعياد قاطبة في وادي الرافدين.
    إن الأعياد تعد أهم شكل درامي في الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، ونرى أنها لم تتطور إلى الشكل المسرحي المألوف الذي نراه في اليونان.. أي أن المسرح بالمفهوم المتعارف عليه لم يظهر مطلقاً في وادي الرافدين (ولا حتى في وادي النيل).. بل كانت هناك نشاطات درامية احتفالية تشكِّل الأعياد شكلها الأوسع والأكمل.
    أن الأعياد وخصوصاً عيد (الأكيتو) هي الدراما الجماعية العفوية الكبرى التي كان الجميع يمارسها ويشاهدها في الوقت نفسه، وكان يقوم بأدوارها الرئيسية عدد كبير من رجال الدين والكهنة الكبار والملك والملكة، وكانت ذات وجهين: وجه ديني طقسي روحي يذكّر بالجذور النيوليتية لها، ووجه دنيوي فني مادي يذكّر ابلجذور الكالكوليتية لها. ومن دمج هذين المظهرين ظهرت الأعياد التاريخية الرافدينية باعتبارها البؤرة التي تجمع جميع أشكال الدراما الرافدينية ولكنها ظلت أسيرة شكلها الجمعي وأعرافها الخاصة بها، ولم تفرز على حدةٍ ما يمكن أن نسميه بجرأة بـ(المسرح العراقي القديم).

    إن عيد الأكيتو في جوهره مناسبة مثولوجية تطبيقية لاستعادة أساطير نشوء الكون والآلهة والإنسان وكانت الطقوس التي تجري فيه طقوس تأمل في الخليقة الأولى من جهة وطقوس عمل لإحراق وإلغاء الذنوب والخطايا من جهة أخرى وبما أن العام الجديد هو إعادة تعيين للنشكونية، فإنه يقتضي استعادة الزمن لبدايته أي بعث الزمن البدئي، الزمن النقي.. ذلك الذي كان يوجد في فترة الخلق ولهذا السبب، وبمناسبة العام الجديد، تجري التطهيرات لطرد الذنوب والشياطين أو ببساطة كبش المحرقة.(13)
    إن المسرح الشرقي القديم (العراقي والمصري والشامي) لم يكن مسرحاً بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه لم يكن دنيوياً بل كان دينياً تتفاعل فيه الأساطير والطقوس لأداء دور ديني محدد. بل أن الطقوس نفسها كانت وسيلة لاستعادة الأساطير النشكونية الأولى وليس العكس. في حين أن الطقس في المسرح الدنيوي هو أحد أهم أهداف المسرح.
    أن أسطورة الخليقة البابلية (إينوما إليش) كانت تستعاد درامياً وكانت الطقوس هي العمل الحقيقي في الأعياد. أما الأسطورة فغاية يراد منها التذكير بدليل أنها تُتلى عندما تُمثل أحداثها "وفي الواقع إن المعركة بين تيامت ومردوخ كان يوحى لها بصراع بين مجموعتين من الممثلين، صراع احتفالي يوجد أيضاً لدى الحيثيين، ودائماً في نطاق سيناريو مأساوي للعام الجديد، لدى المصريين وفي رأس شمرا.. إلخ وكانت المعركة بين مجموعتين من المحتلين تكرر المرور من العماء إلى الكون وكانت تحيّن النشكونية. فالحادث الأسطوري يصبح حاضراً..(14).
    أن أية طقوس دينية أو أساطير أو شعائر أو أحداث صراع كبرى تصلح لأن تكون مادة درامية تمثل على حدة، ولكن ذلك لم يحصل بل بقيت كل هذه الأشياء لصيقةً بمشيمتها الدينية بشكل خاص ولم تنفصل كأجنّة مسرحية خاصة، وقد ظلّ حال التراث الدرامي الديني الاحتفالي في الشرق كله في هذا الإطار ومثال ذلك مصر والهند والصين وبلاد الشام ولم يحصل مثل هذا التطور النوعيّ إلاّ في القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان عندما انفصلت الاحتفالات الدرامية عن الطقوس الدينية وتحولت إلى فن قائم بذاته هو: المسرح. ولنتذكر معاً أن مثل هذه الأعياد في اليونان كانت هي المادة الي أنفصل منها المسرح وظهرت لاحقاً منه تقاليد التمثيل والكتابة والإخراج الخاصة بالمسرح، ألم تكن أعياد الاحتفال بديونزيوس هي البذرة التي ظهرت منها شجرة المسرح الأغريقي، ومن هو (ديونيزيوس)؟ أليس هو ذاته (دموزي) السومري أو (تموز) البابلي أو (أدونيس) السوري أو (أوزيريس) المصري!! بل أن الكوميديا تحديداً كانت تقابل أعياد الفرح وزواج تموز من عشتار أيام الحصاد والربيع، وأن التراجيديا تحديداً كانت تقابل مآتم الحزن الجماعي على موت تموز وذهابه إلى العالم الأسفل أيام البذار والخريف وهو ما يحتاج إلى وقفة طويلة وبحث مفصل.
* * *
    لو راقبنا إجمالاً تطور النواة الدينية الدرامية منذ بداية العصر النيوليتي لوجدنا أن هذه النواة تتمثل منذ الألف الثامن ق.م في عبادة الإلهة الأم حيث عناصر الدراما في التشبيه والمحاكاة موجودة ضمناً في هذه العبادة، وكلما اقتربنا من نهاية هذا العصر وتحديداً في الألف السادس قبل الميلاد في سامراء نجد أن هذه العبادة تزداد كثافة وطقسية ويمثلها بالدرجة الأساس طقوس الزواج المقدس الذي ترافقت معه وشحنته طقوس أخرى ذات طبيعة درامية كالمصارعة والاستسقاء لتكون النواة الدينية الدرامية لنهايات العصر النيوليتي.
    وما أن حلّ عصر الكالكوليت حتى انقلبت العبادة والأفكار والعادات وحصل انقلاب مماثل في وظائف الطقوس الدينية فكان أن أنعكس ذلك واضحاً على الأشكال الدرامية النازحة من عصر النيوليت، وقد ظهر ذلك بشكل واسع مع قدوم العصور التاريخية حيث انفصل طقس المصارعة وتحول إلى رياضة بسبب فقدان مبرره الديني وانفصل كذلك طقس الاستسقاء لنفس السبب وتحوّل إلى نمط من الرقص الغجري والبدوي. (أنظر الشكل التخطيطي).



    أما عيد الأكيتو فقد أصبح الاحتفالية الدرامية الكبرى حيث هضم في داخله جميع الأشكال الدرامية السابقة في وحدة وسياق لا نظير لهما. ولم يمنع هذا من ظهور متدرج لأنماط من الدراما الطقسية البسيطة متمثلة في إعادة تشخيص نزول إنانا للعالم الأسفل.
أما على مستوى النصوص فنلمح فكرة الدراما المعبَّر عنها بالصراع في الملاحم والأساطير من ناحية وفي فنيين حواريين أدبيين (لا مسرحيين) من ناحية أخرى وهما (أدب البلبال) وهو أدب المحاورات بين أثنين أو الديالوج و(أدب الأدمندوكا) وهو أدب المناظرات والمفاخرات بين متقابلين. وقد ظهرت نصوص عديدة من كليهما في الأدب السومري والبابلي، ولم تُمثل هذه النصوص أو تنتج أدباً مسرحياً بل ظلت أدباً حوارياَ محضاً.

الهوامش والمراجع
(1)   الحضارات التسع في وادي الرافدين هي حضارات العصر الحجري الحديث الخمس (جرمو، الصوان، حسونة ، سامراء) والتي استغرقت (8000-4900) ق.م أي ما يقرب ثلاثة آلاف سنة، وحضارات العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت)ومعهاالعصر الشبيه بالتاريخي الخمس(حلف، أريدو، العبيد، الوركاء، جمدت نصر) والتي استغرقت (4900-2900) ق.م أي الفا سنة. وتقع كل هذه الحضارات التسع في نهاية عصور ما قبل التاريخ.
(2)   العصر الشبيه بالكتابي أو الشبيه بالتاريخي (البرتولتريت) يمتد لحوالي 200 سنة (3100-2900) ق.م ويشمل مرحلتين هما (الوركاء الثانية، جمدت نصر) وهو مرحلة انتقالية بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية بسبب ظهور أول أشكال الكتابة الصورية.
(3)   انظر الرويشدي، سعدي: الكهوف في الشرق الأدنى. مجلة سومر/ المجلد 25ج1،ج2، 1969. مديرية الآثار العامة-بغداد.ص260
(4)   فريد، طارق حسون: تاريخ الفنون الموسيقية. جامعة بغداد. بيت الحكمة. بغداد 1990 ص36.
(5)   فريد، طارق حسون: المرجع السابق. ص38.
(6)   شامان (shaman) هو اصطلاح كان يطلق في الأصل، بين قبائل سيبيريا الرحل، على كل ما كان يزاول تطبيب المرضى، ثم انتشر فصار يطلق على التطبيب في كافة مجتمعات القط الشمالي ثم أصبح دالاً على الطبيب الساحر.
(7)   رشيد، فوزي: من هم السومريون. مجلة آفاق عربية. السنة السادسة العدد (12) آب 1981 ص86.
(8)   انظر فيزر، سيرجيمس: الغصن الذهبي (دراسة في السحر والدين) ج1 ترجمة د.أحمد أبو زيد. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر. القاهرة 1971. ص73.
(9)   انظر فروي، سيغموند: الطوطم والتابو. ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة للنشر. بيروت 1982
(10)           رشيد، فوزي: من هم السومريون. مجلة آفاق عربية. السنة السادسة العدد  (12) آب 1981 ص85.
(11)           رايلي، كافين: الغرب والعالم. سلسلة عالم المعرفة الكويتية رقم (90) ص 61-62.
(12)           النعيمي، راجحة خضر: أعياد رأس السنة البابلية. مجلة سومر ج1 المجلد 46، 1989-1990 ص112.
(13)           إلياد، مرسيا: المقدس والمدنس. ترجمة عبد الهادي عباس المحامي، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع ط1 1988 ص63.
(14)           المرجع السابق .


الجمعة، 7 أبريل 2017

سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لحداثة المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية

سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لحداثة المسرح العراقي

صلاح القصب 

أزمنة مضيئة كانت تشعّ كفوتونات ضوئية رسمت خارطة كبرى لحداثة قائمة على معادلات زمنية، هذه الخارطة التي صمّمها المخرج سامي عبد الحميد، سمحت لتجاربه الإخراجية أن تتنوع كهارمين موسيقي في الارسال، وماذا تريد مخيلته أن ترسم وماذا يريد أن يرسله عبر مستويات آليات بث صوري اعتمد شفرات النص كمنطلق لمتحولات ومتغيرات، فالبعد الجمالي في تجاربه لم يكن نتيجة بل هدفاً لتحقيق علاقة الفنان – الذات الداخلية بالمحيط الكوني، ولا يرى أن هناك انغلاقات وحجباً تفصل المخرج عن العالم الموضوعي أو عالم الظواهر.  
لذا فإن تجارب معلمنا الكبير سامي عبد الحميد، ترفض التجريد الخالص، كما أنه لا يراهن ماهية الشكل كقيمة منفردة ولا بتلك الثنائيات بل تجاوزها الى انشاء كوني بلاستيكي للإمساك بالمعنى الخلاق، لأنه لا يعتقد أن الاهتزازات والإيقاع وعلاقات الشكل يمكنها أن تغمر المخيلة بأصداء الواقع ولا يريد أن يعبر بتجاربه الإخراجية عبر الرمز والمجان والاستعارات البصرية. بل استعادة مخيلة الشعر وفوتونات اللوحة التشكيلية وحركة الرليف النحتي ليرسم تضاريس جديدة لمسرح عراقي، يشع كقوة الفيزياء الضوئية لخطاب عرض مسرحي داخل مساحات التحديث التي تجعل من المسرح فوتوناً ضوئياً يسمو بفضاءات جمالية كقوة موج بصري، لذا فإن اعماله الخالدة نمت وتأسست في محيطيها الانساني والثقافي، وتفاعلت مع حقول الترددات الموجية الحداثوية لمسارات عالمية كانت معادلات موجية تدرك كينونتها الجمالية. اعماله تجولت في مدن عالم المسرح لمعادلات جديدة تشكلت في فضاءات مختلفة في حقول ومدن وتضاريس أشرتها، الشر له رأسان. هاملت عربياً . وانتيكون بيت برناد البا. الحيوانات الزجاجية، القرد الكثيف الشعر، عطيل في المطبخ، تموز يقرع الناقوس والخادمات، انتظار كودو، المفتاح، وكم من أعمال أخرى خالدة. الخارطة الإخراجية اشبه بالخرائط المعمارية للعصر الباروكي وقوة العمارة شكلاً، وهندسة أشبه بمعمارية قصر فرساي الخالد واقتربت من الاكتشافات الهندسية الجديدة في تصميم العمارة التي هندستها وصمّمتها المعمارية الخالدة زها حديد لإنشاء مكون معماري بصري جديد، تجاربه خلخلت أفق التوقع عند المتلقي كما جعل من تجاربه أن تمتلك روح العصر وثقافته. 
سامي عبد الحميد رمز وطني وثقافي كبير شكل خارطة جمالية لمسرح عراقي حداثوي شكّل مدناً جمالية ترتقي لعلو ومجد عالمي، تجاربه عرفت كيف تتعاقب خارج الاستنساخ والتكرار انها قوة انبثاق للحلم لترددات، لموج، للون، لمساحة، لفضاءات الكتلة وقوة التكوين وقوة السحر، كانت حضوراً مزدوجاً حضور الابداع وحضور طاقته (كمخرج) حداثوي خلاق، منجزه الفني حقول كمية هي الاقرب الى معادلات اشتغلت لتحقيق مركب فني مبهر لمعادل خلق ابداعي، تجربته الاخراجية الممتدة الى اكثر من نصف قرن اشتغلت ضمن مستويات الطاقة للمركب (الفني – العرض) والتي اشتغلت ضمن قراءات التحليل لماهية العرض كمركب يحدد البلاستيكا التشكيلية كخطاب جمالي، كشكل حسي للعرض وهو انشائيات الوحدة السينوغرافية في فيزيائية العرض بصرياً .
طاقة الرمز الكبير سامي عبد الحميد تحركت ضمن مستويات المركب الادائي، فكان ممثلاً كبيراً ممثلاً استثنائياً وكانت طاقته الادائية انشاءً فضائياً مركباً، فكان اداؤه لشخصية، لير، والتي استقبلها الجمهور تصفيقاً لمدة اكثر من خمس واربعين دقيقة، كان ساحراً في أدائه للخال فاينا والشقيقات الثلاث، واغنية التم والمتنبي. كانت قراءاته كممثل قراءة تحليلية جديدة في اسلوبية الاداء كان اشبه  بالساحر اشبه بالمهندس المعماري اشبه بالروائي بالشاعر بالتشكيلي بالموسيقي، ادائه كان فيضاً من الطاقة لرؤيا جديدة للمكون الادائي بتداخل الموجات الصوتية والجسدية ليصل إلى طاقة الفكر إلى النشوة الجمالية إلى أبعد حدود الطاقة لتحقيق حالة الانبهار في كل لحظات الاداء. 
أداؤه كان يمتلك كل الجزيئيات وتفاصيلها كان الممثل المفكر الذي يمتلك فلسفة وفسلجة الجسد بكل جزيئياته وتفاصيله، ان يفكر ومن خلاله أن يكون تفكيره آنياً تنبعث منه الحرارة المتحركة والمتغيرة باستمرار، هذا الاداء ليس فعلاً داخلياً انما هو شيء يمكن أن تتحسسه وتراه عن قرب، كما يمكن أن نحس حرارة انفعالاته المصمّمة بقصدية مركزة مثل هذا المركب الأدائي ليس سهلاً، لأنه يركز على وجود الممثل المفكر التشكيلي الذي يرسم الجسد وطاقة الموج الأدائي كما في مسرحية لير والشقيقات الثلاث والخال نانيا، سامي عبد الحميد رسم اداء الممثل الحر المتحرر من خوفه.
الكبير سامي عبد الحميد ظاهرة من الصعوبة أن تتكرر، لأنها تحتاج آزمنة، انه الطاقة الخالدة كطاقة تلك الموجات الخالدة، انه المفكر والباحث والمترجم والاكاديمي والممثل والمخرج، إنه الأب الروحي لكل الأجيال، انه طاقة الحداثة وطاقة التجريب، انه الموج المشعّ، سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لمسرحنا العراقي.

-----------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 


الأربعاء، 5 أبريل 2017

العراق تخرج طاقتها الابداعية بالعرض المسرحي " موت صالح للشرب " علي شواطئ شرم الشيخ بمصر اثناء اشتراكها في افتتاح مهرجان شرم الشيخ الدولي للشباب

الاثنين، 3 أبريل 2017

اول كتاب لمسرحيات عراقية باللغة الانكليزية

مجلة الفنون المسرحية

اول كتاب لمسرحيات عراقية باللغة الانكليزية

اعلن عن قرب صدور كتاب مسرحيات Contemporary Plays from Iraq مسرحيات معاصرة من العراق عن مجموعة الرائد للدراما في الشرق الأوسط مترجمة إلى اللغة الإنكليزية للمرة الأولى. يتضمن اعمال مسرحيين عراقيين كتب في البلاد وفي المنفى، وهو يقدم وجهات النظر العراقية الحالية على الحرب والاحتلال التي أثرت بشكل كبير في الشرق الأوسط وبقية دول العالم. التعامل حصرا مع المسرحيات المعاصرة التي منشؤها العراق، هذه المختارات تعطي دون درس المسرح السياسي العربي ما تستحقه من اهتمام، ويوفر مقدمة عامة للسياقات الثقافية والتاريخية. ويسبق المسرحيات مقدمات كتبت من المسرحيين أنفسهم، مواصلة في إثراء كل قطعة للتمتع والفهم للقارئ.
الكتاب ضم مسرحيات للكتاب (عبد الكريم العامري وعبد الرزاق الربيعي رشا فاضل وعواطف نعيم وكريم شغيدل هوشانك وزيري وعلي عبد النبي الزيدي ومناضل داود وعامر الازرقي).
ترجم الكتاب من قبل جيمس الشماع، أستاذ مساعد في جامعة بلمونت، الولايات المتحدة، وعامر الازرقي، وهو كاتب مسرحي عراقي.


(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية

(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية

سامي عبد الحميد

(1 ) (2)

أقام قسم الفنون التشكيلية في كلية الفنون الجميلة ببغداد، ندوة استذكارية لأعمال الفنان الراحل (كاظم حيدر) الذي فارق الحياة في وقت مبكر حيث لم يمهله المرض سوى سنوات قليلة، كانت مليئة بالإبداعات الفنية. وقد استعرض المشاركون في الندوة مسيرة الراحل الفنية، وأشروا منجزاته في فن الرسم وفي التصميم المسرحي وفي التعليم الفني. وكانت حصتي في تلك الندوة، كبيرة، لكون الراحل قد رافقني في معظم أعمالي المسرحية مصمّماً للمناظر وللأزياء المسرحية من أواسط الستينيات من القرن الماضي وحتّى يوم رحيله أواسط الثمانينيات.
وفي بداية حديثي عن (كاظم حيدر) قلت بأنه فنان عبقري موهوب ومصمم مبتكر لا نظير له في بلادنا العربية. وهو فنان حقيقي لكونه مبدعأً في رسوماته متميزاً في أسلوبه، وعبّرت عن اعتقادي بأن فنون الرسم والنحت والعمارة من دون الفنون الجميلة الأخرى – الرقص والموسيقى والشعر-، لا يمكن تعلّمها بل صقلها فقط لكونها تعتمد على موهبة مبدعيها، تلك الهبة التي يتمتع بها القلة من الأشخاص. ولأن (كاظم حيدر) من تلك القلّة، لذا اعتبره فناناً بكل ما في الكلمة من معنى. وكذلك اعتبره مبتكراً في مجال التصميم المسرحي لأنه لا يستنسخ ولا يقلّد، بل يقدم بدائل لتصاميمه، ليختار المخرج الأصلح والأفضل لعمله، ولكونه يجمع بين الكلاسيك والحديث، بين التقليدي والمعاصر، ولكونه لا يخضع لأوامر المخرج فيصبح مصمّماً لا منفذاً . وهنا لا بد أن أشير إلى أن، الذي يريد أن يصبح مصمّماً مبدعاً للمناظر والأزياء المسرحية، عليه التحلّي بصفات معينة، وهي امتلاكه لحسّ معماري ولحسّ تشكيلي ولحسّ درامي، إضافة إلى معرفته بتأريخ الحضارة، ولذلك يعتبر المصمم الفنان المبدع الثالث في العمل المسرحي بعد مؤلف المسرحية ومخرجها .
بعد هذا سأستعرض أعمال (كاظم حيدر) التصميمية في المسرحيات التي أخرجتها. كانت مسرحيته (كنز الحمراء) أو (كنوز غرناطة) لجيرالدين سيكس وترجمة (عبد الجبار المطلبي) هي الأولى التي أخرجتها لطلبة قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة عام 1964 وصمم (كاظم) مناظر المسرحية التي استخدم فيها أسلوب الزرع الحر للمفردات الديكورية التي يمكن تغييرها بسهولة، وأكسب تلك المفردات لمسات من المعمارية الأندلسية – وفي العام نفسه أخرجت مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) باسم الفرقة القومية للتمثيل وصمم لي (كاظم) مناظرها حيث حاول أن يعطي تلك المناظر سمة الدقة التاريخية المعمارية مدينة (فينيسيا) حيث (الكندول) تطير متحركاً في خلفية المسرح وينزل فيه الممثلون. ومن ابتكارات تصميمه استخدامه منصتين تدوران حول نفسيهما وضع عليهما مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع الاحداث مثل شارع وساحة فينسية ومنزل بطلة المسرحية (بورشيا) ومنزل المرابي (شايلوك) ودار المحكمة ومنزل بطل المسرحية (انطونيو) واعطى لتلك الامكنة سماتها المعمارية في شكلها .
في عام 1965 صمم (كاظم) مناظر مسرحية أنوي (انتيغونا) التي أخرجتها ايضاً باسم الفرقة القومية وكان تصميمه مبتكراً أيضاً حيث استحدث منصة مرتفعة عن ارضية المسرح بحوالي متر واحد، ووضع كرسياً على وسطها وعلق اطار الشباك أعلى الكرسي وصبغ الكواليس باللون الأسود ورسم عليها رسوماً تجريدية توحي بالبشاعة اشارة إلى بشاعة المك (كريون) في تعامله مع البطلة (انتغوني).

وبعد عام اخرجت مسرحية تينيسي وليامز (الحيوانات الزجاجية) وصمم (كاظم) منظرها المتوافق مع المدرسة التعبيرية، حيث استخدم القماش الأسود الشفاف لبناء جدران منزل غربي يمكن للمتفرج أن يشاهد جميع مرافقه وفضاءاته حيثما يُسلط الضوء عليها. وبعد ذلك اخرجت للفرقة القومية عام 1966 مسرحية جان كوكتو (النسر له رأسان) وصمم (كاظم) منظراً واقعياً لصالة الاستقبال في قصر ملكي وفقاً لطراز الباروك وبجميع تفاصيله، وأذكر أن، الراحل كاظم بقي يرسم زخارف ذلك البناء إلى آخر لحظة من لحظات التحضير لبداية العرض .
تركنا العمل مع الفرقة القومية للتمثيل، لنعمل مع فرقة المسرح الحديث، وصمم الراحل مناظر مسرحية (النخلة والجيران) التي أعدها الراحل (قاسم محمد) عن رواية غائب طعمة فرمان، واخرجها بنفسه ومثلت فيها دوراً ثانوياً وذلك عام 1968 ولأول مرة، في تاريخ المسرح العراقي، يصمم الراحل مسرحاً دواراً يضع عليه مفردات ديكورية لأماكن مختلفة من أزقة بغداد وحواريها، ويقوم الممثلون أنفسهم بتحريك المسرح الدوار لكشف المكان الذي تحدث فيه مشاهد المسرحية. وفي العام نفسه صمم الراحل منظراً واقعياً مختزلاً لبيت عراقي في مسرحية يوسف العاني (صورة جديدة) التي أخرجتها لفرقة الحديث في مسرح قاعة الخلد، وبعد ذلك قدمت مع (قاسم محمد) في قاعة الخلد أيضاً، مسرحية يوسف العاني (الخرابة) وأيضأً لأول مرة يستخدم (كاظم) شاشة تنعكس عليها الصور الثابتة والافلام الوثائقية عن مآسي الحروب، وكان ذلك الاستخدام بوقته يمثل فتحاً جديداً في المنظر المسرحي في العراق، علماً أن الفنانين الكبيرين بيسكاتور وبريخت، قد استخدما تلك التقنية قبلنا بسنوات، والغريب أن بعض المخرجين العراقيين هذه الأيام، يستخدمونها ويسمونها (داتا شو) ويدعون انهم بهذا الاستخدام مجددون، كما أن المخرج (ابراهيم جلال) قد استخدمها بعدنا وقبلهم عندما أخرج مسرحية (المتنبي) لعادل كاظم، وابتدأ العرض بصورة فيلمية منعكسة على شاشة كبيرة، تمثل حصاناً يركض مسرعاً من جهة يمين المسرح إلى يساره. 
لمسرحية يوسف العاني (المفتاح) التي أخرجتها عام 1968 صمم الراحل كاظم، مناظر وأزياء المسرحية وكان تصميمه للمناظر مبتكراً جداً، حيث استخدم منصة على شكل حدوة حصان تمتد من الجهة اليمنى للمسرح إلى اليسرى، وبعلو متر ونصف وبعرض متر ونصف أيضاً، وغرز عليها وأمامها مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع احداث المسرحية. وعبر (كاظم) أفضل تعبير عن رحلة بطلة المسرحية وبطلها بحثاً عن ما يديم الحياة ومن يساعدها في انجاب طفل وذلك وفقا للحدوتة العربية المشهورة (يا خشيبة نودي نودي وديني على جدودي وجدودي بطارف مكة ينطوني ثوب وكعكة والكعكة وين اضمها اضمها بصنيديكي... الخ) وأضاف (كاظم) إلى المفردات الديكورية (موتيفات) فولكلورية عراقية تلائم أماكن احداث المسرحية. 
وعندما أعدت إخراج (ملحمة كلكامش) للفرقة القومية للتمثيل، صمم لي (كاظم) مناظر الملحمة وازياءها، واتخذ من الحرف المسماري مفردة ديكورية، كتب بها عنوانات المشاهد. وبالنسبة للأزياء حاول تطبيق الدقة التاريخية من الطراز وذلك اعتماداً على رسوم الرقم الطينية والمخلفات الآثارية.
وعدنا للعمل مع قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة حيث ساهم الراحل (كاظم) بتصميم مناظر مسرحية معين بسيسو (ثورة الزنج) مستخدما الرماح مفردة ديكورية تتنوع في تنظيماتها وتشكيلاتها وفقاً لتنوع الأحداث وكذلك استخدم لوحات رسومه تبين تقطع الأرض الفلسطينية إلى اشلاء بسبب احتلال الصهاينة وعدد ابنيتهم.

---------------------------------
المصدر : المدى 

الأربعاء، 29 مارس 2017

في وداع ناهدة الرمّاح..غربتك بالمنفى.. كانت أكبر من عمر رماد النجوم

مجلة الفنون المسرحية

في وداع ناهدة الرمّاح..غربتك بالمنفى.. كانت أكبر من عمر رماد النجوم

صلاح القصب 

مسيرتك كانت إشعاعاً وشروقاً لمشهد فرح أبدي، أنوار تضيء في نغمة صافية، ضوء المسرح الذي عشقك كعشق الغيوم للمطر، مصابيح المسرح، كانت تحيط بك، وأعمالك كانت أناشيد تتشوّق لسماعها.  

الرجل الذي صار كلباً، الضمير المتكلم، المفتاح، النخلة والجيران، فكنت فيتوس الروح الصافية. رحيلك أمطرنا بدموع الألم السخية، وعربتك الذهبية التي يسجّى فوقها تاريخ يعلو مثل البروق من قبة السماء. ناهدة، أن الذاكرة تسقط مغشيّاً عليها، عندما ترى صورتك ماثلة أمامنا، لم تذبل ولم تتلاشى، طيفك مرّ، حملته الريح التي تحمل اعمالك المسرحية، والتي عادت إليّ الذاكرة ومضات استنفذت كل طاقتي، ناهدة، ماذا أقول لك يا جوهرة شمس كل العصور، التي عبرت ظلالها كل مسارات الزمن. 
في لحظات ذلك المكان – فرقة المسرح الحديث – كانت هناك لحظات ذهول ودهشة رسمها يوسف العاني، إبراهيم جلال، سامي عبد الحميد، قاسم محمد، عبد الواحد طه، خليل شوقي، زينب، روميو يوسف، يوسف سلمان، فاضل خليل، عقيل مهدي، جواد الأسدي، صلاح القصب، ولحظات آخرى مرّت، وعندما نستذكرها، تملأ روحنا بالدفء مثلما منحنا مسرح بغداد أجنحة الحب وسلاماً أبدياً.
شاهدناك في مسرحية المفتاح والنخلة والجيران والشريعة، كنت كأغانٍ مبتسمة، أداؤك كان كفضاءات سقطت عليها أشعة الشمس. 
أيّ جمال كان يحرّك روحك؟
التي تدفعنا إلى ارتعاشات جمال جارفة، أداؤك كان شعلة حب، اشغلت كل مصابيح مسرح بغداد، صفق لك الجمهور، حاملين لك الورود البيض، منحتيهم طيراناً من المتعة التي لا تتوقف.
ناهدة أيتها الزهرة الكبيرة، يا ذهب الوردة المزهرة ابداً. عرشك كان قاعة مسرح بغداد، وهويتك كانت فرقة المسرح الحديث، ومعلمك كان الشعب. 
سامي عبد الحميد، كان يراقبك، وانت تؤدّين دور أميرة في مسرحية، المفتاح شهق، لأدائك. أداؤك كان أضواء مصابيح متداخلة، شكّلت هالة جمال، جعلته يصفّق لك، لأنك كنت كل الأشياء التي تبحث عن رؤى كمخرج.
رحيلك يا أبنة النهر السخي، كان وجعاً لعيون بكتك، وصوتك في النخلة والجيران، مع صوت زينب وزكية الزيدي، يسمو ويرتفع كضياء يجري في النهر، كيف نودعك بقصائد، بشموع، بزهور، فجأة انقطع الضوء، ولكن العيون مازالت تلتقط طيفك كربيع مزهر. رحلتها مع الألم كانت طويلة، أتعبها المنفى ومطارات العالم ومحطات القطارات والمقاهي، التي لا نشم منها غير رائحة القهوة، ودخان السكائر، المنفى ووجدانية الغربة ووحشتها، كانت ممرات لزمن طويل، وفي رحلتها كانت تحمل معها اغاني حسين نعمة وكوكب حمزة وسعدون جابر ويوسف عمر وزهور حسين، أحبّت بغداد كحب الغيوم للمطر، الدهانة، العويتة الحيدرخانه، شارع الرشيد، مطعم تاجران ، مقهى حسن عجمي، قصائد مظفر النواب، اجواء غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، عبد الستار ناصر، كلها كانت أنغاماً لذكريات عذبة ملئت بها حقائب سفرها.
في منفاها كانت تردد اغنية لميعة توفيق 
يا الماشية بليل الهلج 
حولي عدنه الليلة 
ابعيد الدرب شيوصلج 
إهواية المسافة أطويله
كان الليل طويلاً والمسافات بعيدة وموحشة، عبرتها وكانت تنتظر الشمس، ترى حتى يظهر الشقق ويشتعل الفجر، التفتت الى تضاريس الذكريات، وهناك أبعد من مرمى النظر، سحبت ستارة المسرح كي ترى امواج الشوق لبغداد، رأت روحها تطفو فوق نواقيس نحاسية وسفوح دجلة تلوح لها بالبقاء كي تنهي رحلة الغربة التي عبرتها بلا رفيق. رحلتها عبرت بين النيران والأسوار العالية، عبرت كل تلك المسافات، حملت روحها العظيمة صورة مسرح بغداد وهوية فرقة المسرح الحديث واليوميات صور وذكريات شارع الرشيد ونهارات دجلة الخالدة.
ناهدة يا جوهرة كل العصور، يا ابنة الماء، كيف سأجمع أوراقي المتناثرة بعد رحيلك، رأيتك في حلمي أمس، تسيرين فوق الماء نحو نهايات المنحدر. ثم اختفى الحلم فجأة، حلمي كان فيضاً من الدموع كنت شعاعاً من الأمل لا ينحني لهبوب الريح، ارادت للأمل أن يعلو مرة ثانية، بعد العصف ليرتفع بقوة، أرادت أن تدخلنا الى حقول خضراء لضياء شامل مزهر. مسيرتها الفنية ملئت رحاب العالم مصابيح متوهجة تلمع كوهج البروق، أرادت أن تمنح الإنسان ضفافاً آمنة، يحتمي بداخلها من الخوف والدمار. كانت تحدّق في تلك المناطق التي تحتضن الشمس في منفاك ووحشة الوحدة، الثلوج لا تكف عن نقر ذكرياتك وغربتك.
كانت ابراج نحاسية، تدقّ، وبكل اللحظات، ورحلتك في المنفى، كانت تترك غباراً على منضدة المطارات والموانئ أوراقاً وذكريات والبومات صور، تحمل كل تلك المسافات الشاسعة، وكانت ازهار الشتاء، تقدم لك أجمل الأغاني، غريبة الروح لحسين نعمة، وعند الفجر، تستيقظ روحك فوق المسافات وبعدها تذوب في حلم بغداد ومسارحها، واغنية يا طيور الطايرة، ولمعان مصابيح تطير تبحث عن تلك الليالي، تبحث عن الشوارع والجدران والنوافذ، وعربات البريد راكدة في أحلامك التي تشعّ من خلال الضباب ظلالاً .
القطارات والموانئ والمقاهي المزدحمة بوجوه الغرباء، بكت في تلك الليالي الباردة، بكت معك، ودموعها كانت كضوء المطر،  غربتك بالمنفى يا ناهدة .. كانت اكبر من عمر رماد النجوم ناراً تمسُّ النار وباستمرار .
عند رحيلك.. شعرت يا ناهدة، بالزمن بارداً يجري في عروقي، ويسير خارج الحلم ويزحف نحو حدود العزلة، وبكائي لم يتوقف طوال الليل. بكتك الغيوم والمطر والسحب والأشجار، وقاعة مسرح بغداد، الا أن ضوءك بقي مشعّاً خلف زجاج نوافذ المسرح مثل تواريخ الأعياد.

-----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption